الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من المعاصي لأن البدعة شر من المعاصي، لأن المعاصي يرتكبها صاحبها وهو يعلم أنها معصية، ولا ينوي أبدا التقرب إلى الله بها بل يرتكبها وهو خائف من الله إن كان مؤمنا إلا أن الغفلة والجهالة واتباع الهوى غلب خوفه من الله، ولذلك تراه يعترف بذنبه ويرجوا أن يتوب منه فترك الطريقة بالتوبة منها لا يدعو إلى الخوف بل يدعو إلى الأمل لأن الله تعالى يقبل التائبين من المعاصي والبدع ويغفر ذنوبهم.
أما الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم فلا معنى له. أما أولا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعطه تلك الطريقة ولا أخذ عليه فيها عهدا، بل أعطاه سنته وكتاب الله فنبذهما ظهريا وابتدع فأخذ الطريقة. وأما ثانيا: فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقدر على ضر ولا نفع كما تقدم وأما شيخ الطريقة الذي أخذ عنه ذلك المريد الطريقة بواسطة أو بغير واسطة فكيف يستطيع أن يضر من ترك طريقته وهو فقير عاجز إذا كان حيا وإذا كان ميتا فهو أعجز، ومن خاف شيخا غائبا أو ميتا فقد عبده من دون الله وأشرك بالله لأن خوف الله بالغيب عبادة، قال الله تعالى في سورة فاطر:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وكلما اشتد خوف العبد من الله علا مقامه ولذلك كان النبي صلى اله عليه وسلم أشد الناس خوفا من الله تعالى.
الخامسة أن الشيخ الذي يدعو الناس إلى طريقة مبتدعة ويضلهم بها لا ينبغي له إذا خرجوا من طريقته إن ينتقم منهم لأنهم تابوا إلى الله من البدعة، هذا لو كان قادرا على الانتقام، فكيف وهو عاجز، فإن حبه للانتقام ممن ترك طريقته جريمة يضيفها إلى جريمته الأولى، وهي اختراعه للطريقة ودعوته الناس إليها.
السادسة: ادعائهم أن أخذ الطريقة التجانية ثم تركها تحل به المصائب دنيا وأخرى جرأة عظيمة على الله تعالى فمن أين علموا ذلك أمن الكتاب أم من السنة أم هو من وحي الشيطان ولو قال لهم قائل. إن من أخذ الطريقة التجانية تحل به المصائب دنيا وأخرى ولم يأتهم بدليل كما لم يأتوا بدليل لتصارع القولان وتساقطا ويفضل عند خصمهم البرهان القاطع على أن التمسك بالطريقة التجانية وتصديق ما جاء فيها بدع وضلالات بعضها يفضي إلى الكفر وكلها فيه إثم.
المسألة الحادية عشر
اعتقاد أن القرن الثاني عشر للهجرة يشبه القرن الأول الذي كان فيه النبي صلى
الله عليه وسلم، فقد قال إن القرن الذي فيه القطب المكتوم والبرزخ المحتوم والختم المحمدي المعلوم شيخنا أحمد بن محمد التجاني وذلك القرن هو القرن الثاني عشر من الهجرة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام يشاكل قرنه صلى الله عليه وسلم من وجوه:
الأول: أن فيه خاتم الأولياء كما في قرنه خاتم الأنبياء.
الثاني: أن أتباع هذا الولي المجدد الخاتم يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله وحده ويجاهدون الأمم الضالة كما يجاهدون النفس والهوى والشيطان الجهاد الأكبر، قال الرسول صلى الله عليه وسلم رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر قالوا وما الجهاد الأكبر قال جهاد النفس والهوى.
الثالث: الإشارة إلى أن هذا القرن أفضل من جميع ما تقدم من القرون السالفة سوى القرون الثلاثة الوارد النص بأفضليتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(خير القرون قرني ثم الذين يلونهم) الحديث. ثم فسر ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله (خير هذه الأمة أولها وآخرها) ج 2 ص 20، قال محمد تقي الدين الهلالي في هذا الكلام نظر من وجوه:
أولها لم يظهر لنا ولا نظن أنه يظهر لغيرنا أن القرن الثاني عشر الهجري يشبه القرن الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه، إلا أنْ يقال أنّ بداية الدعوة المحمدية كان الإسلام فيها غريبا، وكان أهله ضعفاء قليلا عددهم، إلا أنهم في زيادة مستمرة وكان الإسلام يزداد قوة يوما بعد يوم حتى بلغ القمة في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأما القرن الثاني عشر فقد كان الإسلام فيه غريبا، وكان أهله ضعفاء وإن كان عددهم كثيرا وكانوا يزدادون ضعفا يوما بعد يوم ويمتاز القرن الثاني عشر بأن المنتسبين فيه إلى الإسلام كان أكثرهم لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه وكان الشرك والبدع في غاية الظهور والانتشار، وكذلك الفجور والفسوق والمعاصي شائعة بدون تغيير، وأعداء الإسلام يزدادون قوة واستيلاء على بلاد المسلمين وبالخصوص في المغرب، الذي كان فيه الشيخ التجاني فقد بلغت فيه الدولة المغربية أسفل سافلي، تكالب أعداء الإسلام من الخارج والفتن والثورات في الداخل فما أقل الشبه، بين زمان النور وزمان الظلام، وكان المغرب قد بدأ في الضعف والانحطاط من القرن الثامن الهجري حين بدأت الطرائق يكثر انتشارها، ويستولي شيوخها الجهال على عقول العامة، وقد كان المغرب قبل ذلك قاهرا لأعدائه، يغزوهم في عقر دارهم، وراياته منصورة، وأيامه في أعدائه مشهورة، فكان مستوليا على أكثر البلاد الإسبانية، فما زال يفقد أقاليمها واحدا
بعد واحد. حتى بلغ في القرن الثاني عشر إلى هوة سحيقة، فأخذ يفقد ثغوره ويستولي عليها أعداؤه، أما الفتن الداخلية وكثرة القتل والنهب وسبي الذرية والنساء وإحراق القرى في أواخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر وهو الوقت الذي استقر فيه الشيخ أحمد التجاني في فاس وبنى زاويته، وانتشرت طريقته، فإنه دخل فاسا بنية الاستيطان والاستقرار، سنة ألف ومائتين وثلاث عشرة (1213 هـ) كما في جواهر
المعاني الجزء الأول صفحة 37، والمدة التي أقامها الشيخ التجاني في فاس هي من ألف ومائتين وثلاث عشرة (1213) إلى ألف ومائتين وثلاثين (1230 هـ) إذ فيها توفي ودفن في وسط زاويته، وإذا أردت أن تعرف مقدار الشقاء الديني والدنيوي الذي كان مخيما على المغرب الأقصى وسائر المغارب، فاقرأ كتب التاريخ ومن أيسرها أسهلها كتاب "الاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى" للناصري، ولولا كراهية الإطناب وضيق الوقت لنقلت هنا ما تقشعر منه الجلود، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك قله، فلذلك أنقل لك من الكتاب المذكور، شيئا قليلا، على لسان ملك المغرب في ذلك الزمان، السلطان أبى الربيع سليمان بن محمد العلوي، رحمه الله، وكان من أحسن ملوك الدولة المغربية دينا وعقلا وحكمة وحسن سياسة، ولكن اتسع الخرق، قال صاحب الاستقصاء في الجزء الثامن صفحة 164:
كان أمير المؤمنين المولى سليمان رحمه الله في هذه المدة قد سئم الحياة ومل العيش وأراد أن يترك أمر الناس لابن أخيه المولى عبد الرحمن بن هشام ويتخلى هو لعبادة ربه إلى أن يأتيه اليقين، قال ذلك غير مرة، وتعددت فيه رسائله ومكاتيبه فمما كتب في ذلك هذه الوصية التي يقول فيها:
الحمد لله، لما رأيت ما وقع من الإلحاد في الدين واستيلاء الفسقة والجهلة على أمر المسلمين وقال عمر: إن تابعناهم تابعناهُم على ما لا نرضى وإلا وقع الخلاف، وأولئك عدول، وهؤلاء فساق، وقال عمر: فبايعنا أبا بكر فكان والله خير، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق أبي بكر: يأبى الله ويدفع المسلمون، ورشحه بتقديمه للصلاة إذ هي عماد الدين.
وقال أبو بكر للمسلمين: بايعوا عمر وأخذ له البيعة في حياته، فلزمت وصحت بعد موته وقال عمر هؤلاء الستة أفضل المسلمين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نِعم العبد صهيب، وقال أبو عبيدة أمين هذه الأمة، وقال ما أضلت الخضراء ولا أقلت الغبراء