المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: ما جاء في كتب الطريقة من فضل شيخها أحمد التجاني - الهدية الهادية إلى الطائفة التجانية

[محمد تقي الدين الهلالي]

فهرس الكتاب

- ‌ الهدية الهادية إلى الطائفة التجانية

- ‌سبب خروجي من الطريقة التجانية

- ‌ المناظرة

- ‌الفصل الأول: ما جاء في كتب الطريقة من فضل شيخها أحمد التجاني

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسالة الثانية:

- ‌المسالة الثالثة:

- ‌نظرة تمحيص في هذه النقول

- ‌البرزخ

- ‌المسالة الرابعة

- ‌المسألة الخامسة

- ‌وقفة لتوضيح ما تقدم

- ‌المسألة السادسة

- ‌المسألة السابعة

- ‌المسالة الثامنة

- ‌المسألة التاسعة

- ‌المسألة العاشرة

- ‌المسألة الحادية عشر

- ‌استدراك

- ‌المسألة الثالثة عشرة

- ‌المسالة الرابعة عشرة

- ‌المسألة الخامسة عشرة

- ‌المسألة السادسة عشرة

- ‌المسالة السابعة عشرة

- ‌الفصل الثاني: في فضل المتعلقين بالشيخ أحمد التجاني

- ‌تنبيه

- ‌الفصل الثالث: في فضل الأذكار والأوراد التجانية

- ‌فصل في صلاة الفاتح لما أُغلق

- ‌فضل جوهرة الكمال

- ‌قراءة فاتحة الكتاب بنية الإسم الأعظم

- ‌الخاتمة نسأل الله حسنها في مسائل متفرقة

- ‌المسألة الأولى ما يسمى بقطب الأقطاب والغوث الجامع:

- ‌المسألة الثانية: نعيم أهل النار في النار

- ‌المسالة الثالثة: شطحات الزنادقة الذين يسمون أنفسهم أولياء

- ‌إبطال ما زعم التجانيون من نعيم أهل النار في النار

- ‌المسألة الرابعة: محبة الكفار

- ‌وقفة مع هذا الحديث

- ‌عودة إلى الموضوع

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة: أمور نذكرها بالمعنى

- ‌المسألة السابعة: قصة قارون مع موسى عليه السلام:

- ‌المسألة الثامنة: تفسير التجانيين لقوله تعالى فأولئك يئسوا من رحمتي

- ‌المسألة التاسعة: ادعاؤهم أن آباء النبي صلى الله عليه وسلم إلى آدم كلهم مؤمنون

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌المسالة الحادية عشرة:

- ‌المسألة الثانية عشرة:

- ‌تفشي الشرك الأكبر عند التجانيين

- ‌المسألة الثالثة عشرة

- ‌المسالة الرابعة عشرة

- ‌المسألة الخامسة عشرة

- ‌المسألة السادسة عشرة

- ‌المسالة السابعة عشرة

- ‌الفصل الثاني: في فضل المتعلقين بالشيخ أحمد التجاني

- ‌تنبيه

- ‌الفصل الثالث: في فضل الأذكار والأوراد التجانية

- ‌فصل في صلاة الفاتح لما أُغلق

- ‌فضل جوهرة الكمال

- ‌قراءة فاتحة الكتاب بنية الإسم الأعظم

- ‌الخاتمة نسأل الله حسنها في مسائل متفرقة

- ‌المسألة الأولى ما يسمى بقطب الأقطاب والغوث الجامع:

- ‌المسألة الثانية: نعيم أهل النار في النار

- ‌المسالة الثالثة: شطحات الزنادقة الذين يسمون أنفسهم أولياء

- ‌إبطال ما زعم التجانيون من نعيم أهل النار في النار

- ‌المسألة الرابعة: محبة الكفار

- ‌وقفة مع هذا الحديث

- ‌عودة إلى الموضوع

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة: أمور نذكرها بالمعنى

- ‌المسألة السابعة: قصة قارون مع موسى عليه السلام:

- ‌المسألة الثامنة: تفسير التجانيين لقوله تعالى فأولئك يئسوا من رحمتي

- ‌المسألة التاسعة: ادعاؤهم أن آباء النبي صلى الله عليه وسلم إلى آدم كلهم مؤمنون

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌المسالة الحادية عشرة:

- ‌المسألة الثانية عشرة:

- ‌تفشي الشرك الأكبر عند التجانيين

الفصل: ‌الفصل الأول: ما جاء في كتب الطريقة من فضل شيخها أحمد التجاني

في غيره والطريقة لا شيء فعليك بكتاب الله وسنة رسول الله فكشف الله عني بفضله ظلام الشرك والبدعة وفتح لي باب التوحيد والإتباع فله الحمد والمنة نسأله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة إنه الهادي إلى الصراط المستقيم.

من أين جاء أصل هذه المناظرة التي وقعت بيني وبين الشيخ محمد بن العربي العلوي رحمه الله تعالى؟.

كنت أظن أن أصلها من الشيخ العالم المصلح شعيب الدُكَّالي لأنه ناظر بها شيخنا محمد بن العربي فأفحمه واضطره إلى الخروج من الطريقة ففعل هو معي مثل ما فعله معه الشيخ شعيب الدكالي رحمهما الله تعالى ولكني بعد ذلك بزمن وجدت هذه المناظرة في كتاب (غاية الأماني في الرد على النبهاني) لمؤلفه العالم السلفي محمود شكري الألوسي البغدادي رحمة الله، وهذا الكتاب من أنفس كتب السلفية جادل المبتدعين من المتصوفة وشدد عليهم الخناق بعبارات بليغة كأنها عقود الجمان في أجياد الحسان فيه من المتعة والفوائد ما يقل نظيره في الكتب والمثل الإنكليزي يقول ما معناه: ينبغي أن يكون الأصدقاء والكتب قليلين لكن طيبين، وهذا المثل ينطبق على هذا الكتاب.

هذا سبب خروجي من الطريقة التجانية الذي لم يكن يخطر ببالي، وإنما اضطرني إليه البرهان اليقيني الذي لا يترك شكا ولا ريبا في أن هذه الطريقة كما هي في كتب أهلها وفي اعتقادهم لا يمكن الجمع بينها وبين اتباع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم البتة وبيان ذلك تجده في الفصول التالية.

‌الفصل الأول: ما جاء في كتب الطريقة من فضل شيخها أحمد التجاني

اعلم نفعني الله وإياك بكتابه وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعصمنا بها من الزيغ والزلل أن كتب الطريقة التجانية كثيرة أقتصر على ذكر بعضها:

الأول: "جواهر المعاني من فيض أبي العباس التجاني" لمؤلفه علي حرازم بن

ص: 22

العربي برادة الفاسي أخبرني الشيخ أحمد سكيرج أنه قرأ بخط الشيخ أحمد التجاني على هامش النسخة المخطوطة التي كتبها علي حرازم العبارة التالية (كل ما في هذا الكتاب فهو من إملائنا على محبنا سيدي علي حرازم) وفضائل هذا الكتاب عندهم كثيرة، منها أن البيت الذي تكون فيه نسخة منه تكثر عليه الخيرات والبركات ويحفظ أهله من جميع الشرور ومما أحفظه من المنية أرجوزة في علوم الطريقة للتجاني ابن بابا الشنقيطي ما نصه:

وقال فيه المصطفى كتابي

وأنا ذا ألفت للأحباب

الضمير في فيه يعود إلى جواهر المعاني يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال جواهر المعاني كتابي وأنا الفته للأحباب وهم التجانيون وسيأتي في ذكر فضائلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحبهم محبة خاصة وأنهم تلاميذه وفقراؤه وهم مربيهم.

الكتاب الثاني: " الجامع " للشيخ محمد بن المشري، وهو من قدماء أصحاب الشيخ أحمد التجاني ولكن التجانيين لا يعباؤن بهذا الكتاب ومن الشائع عندهم أن الشيخ التجاني لم يكن راضيا عن مؤلفه كل الرضا لأنه أظهر الولاية وادعاء المشيخة في حياة شيخه وأن الشيخ أمره ألا يُساكنه في بلد واحد، قال محمد تقي الدين ولعل هذا النهي ينطبق على المثل المصري بلغة أهل الصعيد (السفينة اللي فيها ريِّسين تغرق) ترجمته (السفينة التي فيها ربانان تغرق) .

الكتاب الثالث: " الإفادة الأحمدية "، إذا أردت أن تعرف تراجم علي حرازم مؤلف جوهر المعاني ومحمد بن المشري مؤلف الجامع، والطيب السفياني مؤلف الإفادة الأحمدية وعمر الفوتي مؤلف كتاب الرماح الآتي ذكره وغيرهم من رؤساء الطريقة التجانية، فعليك بمطالعة كتاب كشف الحجاب عمن تلاقى مع الشيخ التجاني من الأصحاب، لمؤلفه الشيخ أحمد سكيرج فإنه جمع فيه صحابة الشيخ التجاني ومناقبهم كما جمع الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب والحافظ بن حجر في الإصابة تراجم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

الكتاب الرابع: " رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم " لمؤلفه عمر بن سعيد الفوتي السنيغالي.

ص: 23

الكتاب الخامس: " كتاب البغية شرح المنية "، وهي الأرجوزة التي تقدم ذكرها تأليف الشيخ العربي بن السايح، وهناك كتب أخرى كثيرة لا أحب الإطالة بذكرها وسأقتصر في النقول التي أنقلها على ما في جوهر المعاني، وكتاب الرماح لأن مؤلفه أحسن ترتيبه ووضع له فهرسا وافيا يسهل الأخذ منه وهو عند جميع التجانيين ثقة فيما ينقل لا يتطرق الشك إليه وبالله التوفيق.

قال صاحب الرماح في الجزء الثاني صفحة (4) الفصل السادس والثلاثون، في ذكر فضل شيخنا رضي الله عنه وأرضاه وعنا به وبيان أنه خاتم الأولياء وسيد العارفين وإمام الصديقين وممد الأقطاب والأغواث، وأنه هو القطب المكتوم والبرزخ المحتوم الذي هو الواسطة بين الأنبياء والأولياء بحيث لا يتلقى واحد من الأولياء من كبر شأنه ومن صغر فيضا من حضرة نبي إلا بواسطته رضي الله عنه من حيث لا يشعر بذلك الوالي وحيث كان الأمر هكذا فإياك أخي الإنكار على مثل هذا السيد العظيم والإمام الأعظم الكريم قد أجمع أئمة الإسلام وجميع الأولياء والعارفين على أن الاعتقاد ربح والإنكار خسران واعلم أنا إنما قدمنا لك الفصول التي قدمناها أول الكتاب المبارك وذكرنا فيها ما على المنكرين وأطنبنا فيها بعض الإطناب إلا نصيحة لك وتحذيرا من أن تكون مع السالكين بالانتقاد إن لم تكن مع الرابحين بالاعتقاد فأقول وبالله تعالى التوفيق، وهو الهادي بمنه إلى سواء الطريق، اعلم أنه ينبغي لنا أن نورد هنا كلاما قبل الشروع في هذا الفصل الذي نريد الشروع فيه لأن بعض من لم يكن له في العلم ولا في نفحات أهل العلم من خلاق قد يورد علينا إيرادين، أولهما أنه يقول الشيخ رضي الله عنه وأرضاه مدح نفسه وزكاها وذلك مذموم: ثانيهما أنه يقول أن قول الشيخ رضي الله عنه وأرضاه وعنا به أن الفيوض التي تفيض من ذات سيد الوجود صلى الله عليه وسلم تتلقاها ذوات الأنبياء وكل ما فاض وبرز من ذوات الأنبياء تتلقاه ذاتي ومني يتفرق على جميع

الخلائق من نشأة العالم إلى النفخ في الصور ويدخل فيه جميع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فيكون أفضل من جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وذلك باطل، وكذا قوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به لا يشرب ولي ولا يسقى إلا من بحرنا من نشأة العالم إلى النفخ في الصور وكذا قوله رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به إذا جمع الله خلقه في الموقف ينادي مناد بأعلى صوته يسمعه كل من في الموقف يا

ص: 24

أهل المحشر هذا أمامكم الذي كان مددكم منه، وكذا قوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به روحه صلى الله عليه وسلم وروحي هكذا مشيرا بإصبعيه السبابة والوسطى روحه صلى الله عليه وسلم تمد الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وروحي تمد الأقطاب والعارفين والأولياء من الأزل إلى الأبد وكذا قوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله تعالى من لدن آدم إلى النفخ في الصور وكذا قوله رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به أن مقامنا عند الله في الآخرة لا يصله أحد من الأولياء ولا يقاربه من كبر شأنه ولا من صغر وأن جميع الأولياء من عصر الصحابة إلى النفخ في الصور ليس فيهم من يصل مقامنا، وكذا قوله رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به أعمار الناس كلها ذهبت مجانا إلا أعمار أصحاب الفاتح لما أغلق فقد فازوا بالربح دنيا وآخرة ولا يُشغل بها عمره إلا السعيد فيقول المعترض هذه الأقوال تقتضي تفضيله هو وأهل طريقته على جميع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فالجواب والله تعالى الموفق للصواب.

أن الإيراد الأول غير وارد لأن هذا كما قال الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي في الصواعق على النواعق ليس من باب الافتخار ولا تزكية النفس بل لهم في هذا وجهان أحدهما أن هذا من باب التعريف بحاله إذا جهل مقامه انتهى بلفظه.

وهاأنذا ألخص بقية جوابه عما توقع أن يورده عليه فأقول نقل عن النووي في الأذكار أنه يجوز للإنسان أن يذكر فضائل نفسه إذا كان غرضه صحيحا كأن يُعرِّف الناس بعلمه ليأخذوا عنه العلم أو بأمانته ليأتمنوه على الودائع والأموال ليقوم بحفظها أو حسن التصرف فيها لمصلحة أهلها واحتجَّ لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا النبي لا كذب) وقوله عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) وقول يوسف عليه السلام: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} ثم ذكر آثارا عن الصحابة مدحوا فيها أنفسهم لغرض صحيح، ونقل عن الزمخشري في الكشاف قوله أن العالم إذا جُهِلَت منزلته فوصف نفسه بما هو بصدده لم يكن ذلك من باب التزكية.

ثم قال في الوجه الثاني: أن يقال في جواب الإيراد الأول، أن هذا من باب التحدث بنعم الله قال تعالى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) } ثم نقل حديثا مرفوعا من المسند وشعب الإيمان للبيهقي ولفظه التحدث بنعم الله شكر وتركه كفر، ثم نقل آثارا عن

ص: 25

الصحابة وغيرهم في التحدث بالنعم وأنه شكر لها، هذا ملخص جوابه عن الإيراد الأول، وأقول مستعينا بالله في جوابه:

كل ما أوردته في التحدث بالنعم المعنوية والحسية، فهو حق لا ننازعك فيه، ولكن الطوام التي نقلتها عن شيخك لم يسبقه إليها سابق من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين ولا دليل عليها من كتاب الله بل أدلة الكتاب والسنة تغبر في وجهها وتدحضها وتدمغها فقد أتعبت نفسك في غير طائل هذا نقوله على سبيل الإجمال ويأتي تفصيله إن شاء الله تعالى ثم أجاب عن الإيراد الثاني بما ملخصه أن ظاهر كلام شيخه هو تفضيله على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام المخصوص كقوله تعالى في ريح عاد:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} فإنها لم تدمر الجبال ولم تدمر أحدا من البشر إلا عاد، وكذلك قوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} فإن العرش لا يهلك وكذلك الجنة وما فيها ثم استدل بحديثين أحدهما قول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي در) وقال أنه علم مخصوص قطعا لأنه لا سبيل لدخوله صلى الله عليه وسلم في هذا العموم.

قال محمد تقي الدين الهلالي: الجواب عن ذلك أنه لا حجة له فيه لأن كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حق، لا يحتاجان إلى دليل ولا إقامة حجة لأنهما حجة والحجة العامة تخصص بالحجة الخاصة، أما كلام شيخه فليس بحجة فهو محتاج إلى حجة فيقال له من أين علمت أن روحك مقارنة لروح النبي صبى الله عليه وسلم، روحه عليه الصلاة والسلام تمد الأنبياء وروحك تمد الأولياء هكذا يقال أولا ويقال ثانيا ماذا تعني بالمدد أهو حسي أم معنوي فالحسي هو بسطة الجسم والرزق وما أشبههما والمعنوي هو هداية القلوب وما يُفتح عليها به من العلوم والحكم والتوفيق على طاعة الله والحفظ من معصية الله وتزكية النفوس وترقيتها في مراتب الإحسان حتى تبلغ درجة الصدِّيقين فإن كان هذا مقصودك فإن الكتاب والسنة وأصول الدين وجميع الأدلة النقلية والعقلية تدل بأصرح العبارات أن الله وحده هو الذي يمد عباده بالرزقين سواءا أكانوا أنبياء أو شهداء أو صالحين أم من عامة المؤمنين وأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفضل خلق الله على الإطلاق لا يمد أحدا بشيء من ذلك لا الأنبياء ولا غيرهم بل هو نفسه عليه الصلاة والسلام فقير إلى الله يتلقى المدد منه والذي يُمَد بفتح الميم لا يُمِد بضم الياء وكسر الميم والأدلة على هذا الأصل من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله

ص: 26

عليه وسلم أكثر من أن تُحصى منها قوله تعالى في سورة القصص يخاطب خير خلقه محمدا صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) } ـ 56، قال الحافظ بن كثير في تفسير هذه الآية يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم إنك يا محمد {لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} أي ليس إليك ذلك إنما عليك البلاغ والله يهدي من يشاء وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة كما قال تعالى في سورة البقرة رقم 272: {لَيْسَ عَلَيْكَ

هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} وقال تعالى في سورة يوسف 103: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} وهذه الآية أخص من هذا كله فإنه قال: {7 ̈R خ) لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) } أي هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان يحوطه وينصره ويقوم في صفه ويحبه حبا شديدا طبيعيا لا شرعيا فلما حَضَرَته الوفاة وحان أجله دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان والدخول في الإسلام، فسبق القدر فيه واختُطِف من يده فاستمر على ما كان عليه من الكفر ولله الحكمة التامة، قال الزهري: حدثني سعيد بن المسيب عن أبيه وهو المسيب ابن حزن المخزومي رضي الله عنه قال لما حضرت أبو طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى اله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أمية بن المغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله) فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية يا أبا طالب أترفب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان له بتلك المقالة حتى كان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنه) فأنزل الله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} وأنزل الله في أبي طالب: {إنك لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} أخرجاه من حديث الزهري انتهى.

فإن قلت أنا لا أقصد بنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه هو الممد الحقيقي وأنا مؤمن بقوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} وإنما أردت أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الواسطة في إيصال هذه النعم كما قال أحد المضلين:

ما أرسل الرحمن أو يرسل

من رحمة تصعد أو تنزل

ص: 27

إلا وطه المصطفى عبده

حبيبه نبيه المرسل

واسطة فيها واصل لها

يعرف كل من يعقل

وقد زاد هذا المضل على ادعاء الواسطة بين الله وبين خلقه في النعم كلها أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أصل هذه النعم على حد زعم من يزعم أن كل العالم بملائكته وجنته وناره وجنه وأنسه، مسلمهم وكافرهم وشياطينهم كل ذلك مخلوق من نور النبي صلى الله عليه وسلم ويستدلون على ذلك بحديث باطل يرفعونه ولفظه (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) وسيأتي بطلانه إن شاء الله عند الكلام على هذه الضلالة فالجواب، وما دليلك على أن الله لا يمد الناس ألا بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم فإن قلت قد أسند الله إليه الهداية في قوله تعالى في سورة الشورى 52:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . فالجواب: أن الهداية في كتاب الله تجيء ويراد بها تارة الدلالة والإرشاد فالنبي صلى الله عليه وسلم يهدي إلى صراط مستقيم، أي يدل الناس عليه ويدعوهم إليه بأقواله وأفعاله وأخلاقه الكريمة كما قال تعالى في - سورة المؤمنين 73 -:{وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) } أما التصرف في القلوب بالهداية فهو خاص بذي الجلال وفي ما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم بعد رفع رأسه من الركوع وفي دبر الصلاة كما جاء في الصحيحين: (اللهم لا ما نع لما أعطيت ولا معطي لما منعت) وإذا ثبت أن المدد كله من الله وليس في قدرة المخلوق أن يمد مخلوقا برزق حسي أو معنوي بأن يخلق ذلك الرزق ويهبه له فقد تهدم ما بناه صاحب الرماح ولم تصب رماحه أحدا من أهل الحق

بأذى لأنه طعن بها أشياء تخيلها لا وجود لها وطاشت سهامه فلم تصب هدفا فأين المدد الذي يتلقاه أحمد التجاني ليوزعه على الناس من لدن آدم إلى النفخ في الصور ونحن نقول أن البحار والأنهار كلها لله تعالى لا يشاركه فيها أحد فهو الذي يسقي منها من شاء على المقدار الذي يريده ويمنع من شاء وتذكرت بهذا الكلام حكاية قد يَحسُن إيرادها هنا فإن كان فيها المدح للنفس فليحملها المخالف على المحمل الحسن وإن أبى فالله عليم بذات الصدور ولا يضر إلا نفسه، توجهت سنة 1341 هـ من القاهرة إلى مديرية (أسيوط) من صعيد مصر ونزلت في مدينة (ملوي) وبقربها قرية تسمى (الريمون) وكانة فيها فئة قليلة جدا من السلفيين الموحدين لله المتبعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعوني إلى بلدهم، وشرعت أدعو إلى الله تعالى فأعانني الله سبحانه

ص: 28

بفضله ورحمته فاستجاب أهل القرية كلهم لدعوتي ولم يشد منهم إلا شيخ الطريقة والعمدة - المرفوت - أي المعزول وخدمهما ولا يزيد عددهم على خمسة عشر وأقمت عندهم أكثر من شهرين ولتفصيل هذه القصة موضع آخر الذي أريد أن أقوله هنا أنني بعد مُضي زهاء أربع سنيين زرت هذه القرية للمرة الثانية فأخبروني أن شيخ الطريقة كان يأتيهم من بلد آخر في بعض الأحيان زاعما أنه يمدهم ويحفظهم والحقيقة أنه يبتز أموالهم ويزيدهم خضوعا إليه ويحافظ عليهم حتى لا يخرجوا من ربقته كما يحافظ الراعي على غنمه فبعد أن هداهم الله إلى توحيده واتباع رسوله الكريم وترك كل بدعة زارهم شيخ الطريقة المذكور وانتظر ما عهد منهم من التعظيم والخضوع من تقبيل اليد والخشوع أمامه والمبادرة إلى تقديم الهدايا النفائس التي تُرضي رغبته وتُشبع نهمته رآهم تلقوه كما يُتَلقَّى الضيف العادي فأنكر ذلك وقال ما أصابكم؟ فقالوا ما أصابنا شيء نحن مستعدون لتقديم كل ما تريده من الطعام والشراب وما يلزم لضيافتك فقال أراكم تبدلتم فقال قائل منهم أي شيء تريد أكثر من الضيافة

أتريد أن نعبدك من دون الله كما كنا نفعل في زمن الجهل والضلالة فقال (يا عكروط) وهو لفظ يُسبُّ به باللغة المصرية ومعناه اللئيم قال أنا قتلت نفسا للمحافظة على بطيخك الذي زرعته بشاطئ فرع النيل، لأن رجلا جاء يسرق بطيخك فوجهت أليه همتي وقتلته. فقال يا سيدنا الشيخ لقد أخطأت في حسابك لأمرين أحدهما أن البطيخ أتت عليه آفة فأهلكته قبل أن يُنتفع به والثاني أني لا أرضى بقتل نفس مسلمة أو كافرة لأجل بطيخة تسرق من مزرعتي فغضب الشيخ وسبهم وانصرف عنهم وكذلك المدد الذي يدَّعيه صاحب الرماح ليثبت به فضيلة لشيخه لا وجود لها في الحقيقة ومن اعتقد أن غير الله يمد القلوب بالهدى والأحوال السنية والمقامات السامية فقد عبد مع الله إلها آخر:

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة

وإن كنت تدري فالمصيبة اعظم

يقولون أقوالا لا يعلمونها

إذا قيل هاتوا حققوا لم يحققوا

إن المدد الذي ادعاه الشيخ التجاني وتبعه صاحب الرماح سراب بقيعة وخيال باطل وما بني على باطل فهو باطل.

وأما ما ادعاه من التخصيص فإنه إنما يكون ذلك عند أهل الأصول في نصوص كتاب

ص: 29

الله ونصوص المعصوم لاستحالة التناقض في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أما كلام غير المعصوم فليس له هذه المرتبة لأنه يجوز عليه التناقض والجهل والغفلة والكذب أيضا، فكل ما أتعب نفسه به صاحب الرماح ذهب أدراج الرياح على أن هذا التكلف الذي تكلفه لا يوافقه عليه غيره من التجانيين فقد قال عبد الكريم بنيس الفاسي وهو مقدم تجاني مشهور ما نصه شعرا:

يا رب أن اعتقادي

تصديق كل ولي

لا سيما تاج رأسي

وصلتي للعلي

كنزي ودخري التجاني

أحمد حب النبي

شريف أصل ممد

للكل من أولي

ولا تأول أصلا

بل ذلك فضل الغني

لا تنكرن وسلم

تحظى بحسن الطوي

وللمحبة بادر

ودع كلام الغوي

بحبه يا إلهي

وبالنبي الزكي

عفوا فإني مسيء

وأنت تعلم غي

فأنت ترى أن هذا المقدم التجاني يطلق قضية الإمداد ولا يقول بالتأويل الذي استنبطه صاحب الرماح من كلام شيخه حتى خص بعضه ببعض على أن هذا البحث غير مهم لأن المدد باطل من أصله وقد قلت في معارضة عبد الكريم بنيس قصيدة ضاعت مني وسأثبت هنا ما بقي عالقا في ذهني:

يا رب أني محب

لكل عبد تقي

يوحد الله ربا

ويقتدي بالنبي

ولا يقلد شخصا

في دينه كالغبي

فما له من ولي

غير الإله العلي

وما له من إمام

غير النبي الزكي

وليس يعبد ألا

رب العباد الغني

ص: 30

وكل خير فمنه

يصيب كل ولي

ومن سواه فقير

فلا يمد بشي

يا عصابة الشرك

خافوا عقاب رب قوي

في يوم هول شديد

يشيب رأس الصبي

يا صاحب الشرك أبشر

دوما بعيش الشقي

غبنت غبن الخزاعي

في بيعه مع قصي

باع المفاتيح منه

بزق خمر ردي

شرى ظلاما بنور

بدل رشدا بغي

فماله من نصير

وما له من ولي

1) دعوى أن الشيخ التجاني خاتم الأولياء:

كما أن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنباء

قال صاحب الرماح: اعلم أن أفراد الأحباب من الصديقين والأغواث وجواهر الأقطاب وبرازخ الأغواث يعلمون أن مقامه ختم المقامات يفوق جميع مقامات الولاية ولا يكون فوقه إلا مقامات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وذلك الخاتم هوسيد الأولياء وهو ممدهم وإن لم يعلموا من أين هو، قال الشيخ محي الدين ابن عربي الحاتمي - رضي الله تعالى عنه فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما أحد منهم يأخذ النبوة إلا من مشكاة خاتم النبيين وإن تأخر وجود طينته فإنه بحقيقته موجود وهو قوله:(كنت نبيا وآدم بين الماء والطين) أي لم يكمل بدنه العنصري فكيف من دونه من أنبياء أولاده وبيان ذلك أن الله سبحانه وتعالى لما خلق النور المحمدي كما أشار صلى الله عليه وسلم بقوله (أول ما خلق الله تعالى نوري) جمع في هذا الروح المحمدي جميع أرواح الأنبياء والأولياء جمعا أحديا قبل التفصيل في الوجود العيني وذلك في مرتبة العقل الأول ثم تعينت الأرواح في مرتبة اللوح المحفوظ الذي هو النفس الكلية وتميزت بظاهرها النورية فبعث الله الحقيقة المحمدية النورية عليهم تنبئهم عن الحقيقة الأحدية الجمعية الكمالية فلما وجدت الصور الطبيعية العلوية من العرش والكرسي ووجدت مظاهر تلك الأرواح ظهرت تلك البعثة المحمدية إليهم ثانيا فآمن من الأرواح ما كان مؤهلا

ص: 31

للإيمان بتلك الأحدية الجمعية الكمالية ولما وجدت الصور الطبيعية العصرية ظهرت حكم ذلك الإيمان في كمل النفس البشرية فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فمعنى قوله كنت نبيا أنه كان نبيا بالفعل عالما بنبوته انظر شرحه - كذا - ثم قال الحاتمي أي وشارح كلامه وغيره من الأنبياء ما كان نبيا بالفعل ولا عالما بنبوته إلا حين يبعث بعد وجوده ببدنه العنصرية واستكمال شرائط النبوة فاندفع بذلك ما يقال من أن كل واحد بهذه المثابة من حيث أنه كان نبيا في علم الله تعالى السابق على وجوده العيني صورة وآدم بين الماء والطين وغيره من الأولياء

ما كان وليا بالفعل ولا عالما بولايته إلا بعد تحصيل شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من أجل كون الله تعالى تسمى بالولي الحميد وخاتم الأولياء هو الولي الوارث الأخذ عن الأصل المشاهد للمراتب العارف باستحقاق أصحابها ليعطي كل ذي حق حقه وهو حسنة من حسنات سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم مقدم الجماعة، ثم نقل صاحب الرماح عن عبد الوهاب الشعراني وشيخه علي الخواص ما يؤيد ما نقله عن ابن عربي الحاتمي وقد أتعب نفسه هذا الإتعاب كله ليثبت لشيخه التجاني ما ادعاه من أنه خاتم الأولياء وممدهم.

ثم نقل صاحب الرماح عن الحاتمي أنه قال أنه رأى في المنام حائطا من ذهب وفضة كمل إلا موضع لبنتين أحدهما من ذهب والأخرى من فضة فانطبع في موضع تينك اللبنتين ففسرها بأنه خاتم الأولياء وقص رؤياه على أولياء زمنه فوافقوه على تأويله وأنه هو خاتم الأولياء فلم يشك أنه هو وقال في ذلك شعرا:

بنا ختم الله الولاية فانتهت

إليها فلا ختم يكون لها بعدي

وما فاز بالختم الذي لمحمد

من أمته والعلم إلا أنا وحدي

ثم نقل صاحب الرماح عن الحاتمي أنه تبين له بعد ذلك أنه ليس هو خاتم الأولياء وأن هذا الختم مدخر لولي يأتي في آخر الزمن فجهد نفسه واستعمل مكشافاته المزعومة ليطلع على هذا الولي الخاتم ويعرف اسمه وبلده وزمانه فرجع بخفي حنين، لكن صاحب الرماح لم يذكر الكتاب الذي نقل منه هذا الكلام من كتب ابن عربي الحاتمي وكتبه مشهورة موجودة بأيدي الناس وكذلك لم يذكر كلامه الأول من أين نقله؟ ولا يثبت شيء

ص: 32

من النقول إلا بالعزو التفصيلي ولا سيما إذا كان النقل يراد به أمر مرغوب للناقل كما في هذه القضية فإنه نقل عن الحاتمي زعمه وجود خاتم الأولياء ثم نقل عنه ادعاؤه أنه هو هُو ثم نقل عنه رجوعه عن ذلك ليمهِّد السبيل لدعوى أن شيخه التجاني هو خاتم الأولياء يقينا ونقل أيضا عن الشيخ المختار الكنتي الجكاني الشنقيطي أنه قال أن القرن الثاني عشر يشبه قرن النبي صلى الله عليه وسلم في أمور منها أن قرن النبي صلى الله عليه وسلم وجد فيه خاتم الأنبياء والقرن الثاني عشر يوجد فيه خاتم الأولياء.

قال محمد تقي الدين الهلالي ومن المعلوم أن الشيخ التجاني ولد في أوائل النصف الثاني من القرن الثاني عشر وتوفي على ما أظن سنة ثلاثين ومائتين وألف 1230 وظن صاحب الرماح أنه بهذه التلفيقات كلها تم له ما أراد من ثبوت وجود خاتم الأولياء وأنه هو شيخه التجاني وهو بناء فاسد على فاسد وباطل على باطل فقول ابن عربي الحاتمي ولو لم ينقل الفاسي في تاريخ مكة اتفاق العلماء على كفره لا يساوي بعرة في أصول الدين فأن أصول الدين لا يثبت منها شيء إلا بدليل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس على اختلاف فيه وابن عربي الحاتمي سرق ما ادعاه من الرؤيا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن مثلي ومثل الأنبياء قلبي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين) .

ثم قال صاحب الرماح ما نصه: وشيخنا التجاني ولد عام خمسين ومائة وألف ووقع له الأذن من النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما بتربية الخلق على العموم والإطلاق سنة ألف ومائة وست وتسعين، قال أخبرني سيدي محمد الغالي أن الشيخ عاش وهو في مرتبة الختمية ثلاثين سنة وإذا تأملت هذا علمت أن الختمية لم تثبت لأحد قبل شيخنا وأن أحدا ما ادعاها وثبت على ادعاها لنفسه وأما شيخنا وسيدنا ووسيلتنا إلى ربنا سيدي أحمد بن محمد الشريف الحسني التجاني قال: قد أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأني القطب المكتوم منه إلي مشافهة يقظة لا مناما فقيل له ما معنى المكتوم؟ فقال هو الذي كتمه الله تعالى عن جميع خلقه حتى الملائكة والنبيين إلا سيد الوجود

ص: 33

صلى الله عليه وسلم فإنه علم به وبحاله وهو الذي حاز كل ما عند الأولياء من الكمالات الإلهية واحتوى على جميعها وأكبر من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله ثلاتمائة خُلق من تَخلَّق بواحد منها أدخله الله الجنة وما اجتمعت في نبي ولا ولي قبله ألا سيد الوجود صلى الله عليه وسلم وأما الأقطاب الذين بعده حتى الحجة العظمى ابن عربي الحاتمي فإنما يعلمون ظواهرها فقط ويسمون المحمديين وبه خطب الله الأقطاب المجتمعة فيهم الأخلاق الإلهية وهذه الأخلاق لا يعرفها إلا من ذاقها ولا تدرك بالوصف ولا يعرف ما فيها إلى بالدوق وقال الفيوض التي تفيض من ذات سيد الوجود صلى الله عليه وسلم تتلقاها ذات الأنبياء وكل ما فاض وبرز من ذوات الأنبياء تتلقاه ذاتي ومني يتفرق على جميع الخلائق من نشأة العالم إلى النفخ في الصور، وخصصت بعلوم ببيني وبينه منه إلي مشافهة لا يعلمها إلا الله عز وجل بلا واسطة وقال أنا سيد الأولياء كما كان النبي صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء.

قال في جوهر المعاني: وسألته - يعني الشيخ أحمد التجاني- عن حقيقة الولاية فأجاب بما نصه: الولاية عامة وخاصة فالعامة هي من آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام والخاصة هي من سيد الوجود صلى الله عليه وسلم إلى الختم (يعني نفسه) والمراد بالخاصة هي من اتصف بأوصاف الحق الثلاثمائة على الكمال ولم ينقص منها واحد وهذا خاص بسيد الوجود صلى الله عليه وسلم ومن وَرِثه من أقطاب هذه الأمة الشريفة إلى الختم هكذا قال ونسبه للحاتمي ثم قال ولا يلزم من هذه الخصوصية التي هي الاتصاف بالأخلاق على الكمال يكون كلهم أعلى من غيرهم من كل وجه بل قد يكون من لم يتصف بها أعلى من غيره في المقام وأظنه يشير إلى نفسه وبعض الأكابر من أصحابه لأنه أخبره سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأن مقامه أعلى من جميع المقامات، ثم ذكر قضية أنه ممد الأولياء وإنهم لا يفاض عليهم ولا يسقون ألا منه وتقدم ذلك ثم قال ما نصه ومدده الخاص به (يعني الشيخ التجاني) إنما يتلقاه منه صلى الله عليه وسلم ولا إطلاع لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على فيضه الخاص به لأن له مشربا معهم منه صلى الله عليه وسلم قال رضي الله عنه وأرضاه وعنا به مشيراً بإصبعيه السبابة والوسطى روحي وروحه صلى الله عليه وسلم هكذا، روحه صلى الله عليه وسلم تمد الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وروحي تمد الأقطاب والعارفين والأولياء من الأزل إلى

ص: 34

الأبد وسبب ذلك أن بعض أصحابه تحاور مع بعض الناس في قوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به كل الشيوخ أخذوا عني في الغيب فحكى له ذلك فأجاب رضي الله عنه وأرضاه وعنا به بما ذكر.

وقال نسبة الأقطاب معي كنسبة العامة مع الأقطاب وقال الشيخ عبد القادر الجيلاني قال قدمي هذا -كذا - على رقبة كل ولي لله يعني أهل عصره وأما أنا فقدماي هاتان جمعهما وكان متكئا فجلس وقال على رقبة كل ولي لله تعالى من لدن آدم إلى النفخ في الصور ثم نقل صاحب الرماح عن شيخه التجاني أنه قال ما معناه أن هناك سبع حضرات تمثلها سبع دوائر.

الحضرة الأولى: الحقيقة الأحمدية قال وهذه الحضرة غيب من غيوب الله تعالى لم يطلع عليها أحد ولا عرف شيئا من علومها وأسرارها وتجلياتها وأخلاقها ولو كان من الرسل الأنبياء لأنها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم.

والثانية سماها الحضرة المحمدية وتمثلها الدائرة الثانية قال ومن هذه الحقيقة المحمدية مدارك النبيين والمرسلين وجميع الملائكة المقربين وجميع الأقطاب والصديقين وجميع الأولياء والعارفين.

والثالثة حضرة الأنبياء وتمثلها الدائرة الثالثة وأهل هذه الدائرة يتلقون علومهم وأحوالهم وتجلياتهم من هذه الحقيقة المحمدية وخاتم الأولياء أعني الشيخ التجاني له مشرب من هذه الحضرة مع الأنبياء فهو يتلقى المدد رأسا من النبي صلى الله عليه وسلم من حقيقته المحمدية بلا واسطة.

الحضرة الرابعة حضرة خاتم الأولياء وتمثلها الدائرة الرابعة وصاحب هذه الحضرة هو الشيخ أحمد التجاني فإنه يتلقى كل ما فاض من ذوات الأنبياء زيادة على ما يتلقاه بلا واسطة من الحقيقة المحمدية ولذلك سمى نفسه (برزخ البرازخ) وهنا قال الشيخ التجاني ما نصه وخصصت بعلومي بيني وبينه صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء. قال صاحب الرماح ما نصه ولا اطلاع لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على فيضه الخاص به لأن له مشربا معهم منه صلى الله عليه وسلم.

الحضرة الخامسة حضرة المتبعين للطريقة التجانية المتمسكين بها قال الشيخ التجاني

ص: 35

في حق أهل هذه الطريقة ما نصه: لو اطلع أكابر الأقطاب على ما أعد الله لهذه الطريقة لبكوا وقالوا يا ربنا ما أعطيتنا شيئا وقال الشيخ التجاني لا مطمع لأحد من الأولياء في مراتب أصحابنا حتى الأقطاب الكبار ما عدا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال محمد تقي الدين ونظم هذا المعني صاحب المنية فقال:

لو علمت أكابر الأقطاب ما

أعد خالق الورى تكرما

لهؤلاء لبكوا عليه

واستنقصوا ما ركنوا إليه

وقال الشيخ التجاني: كل الطرائق تدخل عليه -كذا - طريقتنا فتبطلها وطابعنا يركب على كل طابع ولا يحمل طابعنا غيره وقال من ترك وِردا من أوراد المشايخ لأجل الدخول في طريقتنا هذه المحمدية التي شرفها الله على جميع الطرق آمَّنه الله تعالى في الدنيا والآخرة فلا يخاف من شيء يصيبه لا من الله ولا من رسوله ولا من شيخه أيا كان من الأحياء أو من الأموات وأما من دخل زُمرتنا وتأخر عنها ودخل غيرها تحل به المصائب دنيا وأخرى ولا يفلح أبدا ثم قال ناقلا عن شيخه التجاني كما هو في جواهر المعاني: وليس لأحد من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنة بلا حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلا أنا وحدي ووراء ذلك مما ذكر لي فيهم وضمنه أمر لا يحل لي ذكره ولا يُرى ولا يُعرف إلا في الدار الآخرة بشرى لكل معتقد رغم أنف المنتقد ثم قال صاحب الرماح قلت هنا صار جميع أهل طريقته أعلى مرتبة عند الله تعالى في الآخرة من أكابر الأقطاب وإن كان بعضهم في الظاهر من جملة العوام المحجوبين.

الحضرة السادسة حضرة الأولياء وتمثلها الدائرة السادسة وهي مستمدة من حضرة خاتمهم الأكبر جميع ما نالوا.

والحضرة السابعة حضرة أتباع الأولياء ثم رسم سبع دوائر في الرماح ناقلا لها من جواهر المعاني وهذه الدوائر متداخلة بعضها في بعض ولها أبواب مفتوحة لتلقي المدد والمعنى واضح بدون رسم ثم نظم صاحب الرماح قصيدة من بحر الكامل في الترغيب في الدخول في الطريقة التجانية والتمسك بها وهي طويلة مطلعها:

يا رائم الخيرات روم رجالها

يا مبتغي الأنوار ثم ظلالها

ص: 36

فلينظرها من شاء فيه ثم نقل صاحب الرماح عن شيخه التجاني قوله لو بحت بما علمني الله تعالى لأجمع أهل العرفان على قتلي ثم قال عنه ما نصه وأقول لكم إن مقامي عند الله تعالى في الآخرة لا يصله أحد من الأولياء، ولا يقاربه من كبر شانه أو صغر وأن جميع الأولياء من عصر الصحابة إلى النفخ في الصور ليس فيهم من يصل مقامنا ولا يقاربه لبعد مرامه عن جميع العقول وصعوبة مسلكه على أكابر الفحول ولم أقل لكم ذلك حتى سمعته منه صلى الله عليه وسلم تحقيقا ثم قال عنه أيضا أن سيد الوجود صلى الله عليه وسلم ضمن لنا أن من سبنا وداوم على ذك ولم يتب لا يموت إلا كافرا ونقل عنه أيضا قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بقوله عليه الصلاة والسلام بعزة ربي يوم الاثنين ويوم الجمعة لم أفارقك فيهما من الفجر إلى الغروب ومعي سبعة أملاك وكل من رآك في اليومين تَكتب الملائكة اسمه في ورقة من ذهب ويكتبونه من أهل الجنة ثم قال صاحب الرماح وقد أخبرني بعض من لقيه أنه ما تنزل إلى إفادة الخلق بعد ما أخبره صلى الله عليه وسلم بذلك إلا بعد قوله للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت بابا لنجاة كل عاص تعلق بي فنعم وإلا فأي فضل لي فقال صلى الله عليه وسلم أنت باب لنجاة كل عاص تعلق بك وحينئذ طابت نفسه لذلك ثم ادعى صاحب الرماح وجود دائرة عند الله تعالى تسمى الدائرة الفضلية كل من كان من أهل هذه الدائرة يتفضل الله عليه بالرحمة والنعيم وينجيه من عذاب الجحيم ولا يتوقف ذلك على عمل صالح ولا يضر معه سيئة ولا

معصية وزعم أن شيخه وأتباعه كلهم من أهل هذه الطريقة ثم ادعى أن خلة الله ثابتة لشيخه وأن الله تعالى اتخذ محمد صلى الله عليه وسلم حبيبا وإبراهيم خليلا وأن شيخه ورث المحبة والخلة من هذين النبيين ثم قال ومن بحر هذه الدائرة تفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم بدائرة الإحاطة وبالكنز المطلسم الذي هو خاص به صلى الله عليه وسلم.

وبمقامه وبالخريدة الفريدة التي هي خاصة به صلى الله عليه وسلم وبإطلاقه يعني الإذن له في إعطاء جميع أوراده من الإسم الأعظم الكبير وما دونه لمن شاء ومنعها ممن شاء وكذلك من قدَّمه الشيخ ومن قدمه هذا المقدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. انتهى ما أردنا الإشارة إليه من الفصل السادس والثلاثين ويلي ذلك وضع ما تضمَّنه من المسائل في الميزان وقد تقدم أن أول ما نقله مؤلف الإفادة الأحمدية عن شيخه التجاني أنه سأله سائل أيُكذبُ

ص: 37

عليك؟ قال نعم ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله وسنة رسوله فما وافقهما فهو عني سواء أقلته أو لم أقله وما خالفهما فليس عني سواء أقلته أو لم أقله، فنحن حين نعرض هذه المسائل على الكتاب والسنة نكون عاملين بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبوصية الشيخ التجاني نفسه فنقول وبالله التوفيق وهو الهادي بمنه إلى أقوم طريق.

ص: 38