الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد لله القائل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فإن رأس مال المسلم في هذه الدنيا وقت قصير .. أنفاسٌ محدودة وأيام معدودة .. فمن استثمر تلك اللحظات والساعات في الخير فطوبى له، ومن أضاعها وفرط فيها فقد خسر زمناً لا يعود إليه أبدا.
وفي هذا العصر الذي تفشى فيه العجز وظهر فيه الميل إلى الدعة والراحة .. جدبٌ في الطاعة وقحطٌ في العبادة وإضاعة للأوقات فيما لا فائدة ..
أُقدم هذا الكتاب .. ففيه ملامح عن الوقت وأهميته وكيفية المحافظة عليه وذكر بعض من أهمتهم أعمارهم فأحيوها بالطاعة وعمروها بالعبادة.
وفقنا الله إلى استثمار أوقاتنا وجعل ما في الكتاب إحياءً للقلوب وتذكيرًا بعدم التفريط واستدراكًا لما بقي من الأيام وصلى الله على نبينا محمد.
عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم
بسم الله الرحمن الرحيم
أقسم تعالى بالعصر وهو الدهر الذي هو زمن تحصيل الأرباح والأعمال الصالحة للمؤمنين وزمن الشقاء للمعرضين، ولما فيه من العبر والعجائب للناظرين (1).
وقد عرض القرآن الكريم والسنة المطهر للزمن، قيمةً وأهميةً وأوجه انتفاع وأثراً، وأنه من عظيم نعم الله التي أنعم بها سبحانه
…
يقول الله تعالى في بيان هذه النعمة العظيمة التي هي من أصول النَّعم: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [النحل: 12].
ويقول جل وعلا: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62].
ولبيان أهمية الزمن وأثره، نجد أن المولى سبحانه يُقسم بأجزاء منه في مطالع سورٍ عديدة:
فيقسم بالفجر: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر 1 - 2].
ويقسم بالليل والنهار {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل 1 - 2].
(1) حاشية ثلاثة الأصول صـ 7.
ويقسم بالضحى {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى 1 - 2].
وقَسمُه سبحانه بأجزاء الزمن تلك كان لفتاً للأنظار نحوها، لعظيم دلالتها عليه، ولجليل ما اشتملت عليه من منافع وآثار (1).
فلا شيء أنفس من العمر، وفي تخصيص القسم به إشارة إلى أن الإنسان يضيف المكاره والنوائب إليه، ويحيل شقاءه وخسرانه عليه، فإقسام الله تعالى له دليل على شرفه، وأن الشقاء والخسران إنما لزم الإنسان لعيب فيه لا في الدهر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:" لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر"(2).
وعمر الإنسان القصير والذي لا يتجاوز عشرات معدودة من السنين سيُسأل عن كل لحظة فيه وعن كل وقت مر عليه وعن كل عمل قام به.
قال صلى الله عليه وسلم "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟ ".
لن تزول قدما العبد في هذا الموقف العظيم حتى يحاسب عن مدة أجله فيما صرفه .. وعما فعل بزمانه ووقت شبابه بخاصة فإنه أكثر العطاء وأمضاه، وهو تخصيص بعد تعميم، لأن تمكن الإنسان
(1) سوانح وتأملات 15.
(2)
تفسير غرائب القرآن.
من الزمن في وقت الشباب أعظم وآكد وأثمر من طرفي العمر حيث ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة .. (1)
عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"
قال ابن الخازن: النعمة ما يتنعم به الإنسان ويستلذه، والغبنُ أن يشتري بأضعاف الثمن، أو يبيع بدون ثمن المثل.
فمن صح بدنه، وتفرغ من الأشغال العائقة، ولم يسع لصلاح آخرته، فهو كالمغبون في البيع، والمراد بيان أن غالب الناس لا ينتفعون بالصحة والفراغ بل يصرفونهما في غير محالهما، فيصير كل واحد منهما في حقهم وبالاً، ولو أنهم صرفوا كل واحد منهما في محله لكان خيراً لهم، أي خير (2).
وأكد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله " اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغلك، وحياتك قبل موتك (3) "
عمر الإنسان هو موسم الزرع في هذه الدنيا وحصاد ما زرع يكون في الآخرة .. فلا يحسن بالمسلم أن يضيع أوقاته وينفق رأس ماله فيما لا فائدة فيه.
(1) سوانح وتأملات 7.
(2)
سوانح وتأملات 18.
(3)
رواه الحاكم في المستدرك.