المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: حكم إطلاقه على المخلوقين - بحث عقدي في لفظ السيد

[يوسف بن محمد السعيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: التعريف اللغوي

- ‌الفصل الثاني: حكم إطلاق إسم السيد على الله ـ تعالى ـ ومعناه في حقه، وآثار هذا الاسم، وحكم الدعاء به

- ‌المبحث الأول: حكم إطلاق السيد على الله ـ تعالى

- ‌المبحث الثاني: معنى هذا الاسم الكريم

- ‌المبحث الثالث: آثار هذا الاسم

- ‌المبحث الرابع: حكم دعاء الله تعالى بسيدي

- ‌الفصل الثالث: تعلقه بالمخلوقين

- ‌المبحث الأول: حكم إطلاقه على المخلوقين

- ‌المبحث الثاني: سيادة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: سيادته في الدنيا والآخرة

- ‌المطلب الثاني:في بيان أنه صلى الله عليه وسلم لم يخبر بسيادته على وجه الفخر

- ‌المطلب الثالث:في بيان شمولية سيادته لآدم صلى الله عليه وسلم وبنيه

- ‌المطلب الرابع:في بيان تحريم إطلاق لفظ (سيد ولد آدم) أو (سيد الناس)أو (سيد الكل) ونحوها على أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثالث: إطلاق لفظ السيدة على المرأة

- ‌المبحث الرابع: إطلاقه على المنافق والكافر

- ‌المبحث الخامس: إطلاق هذا اللفظ على المبتدع

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الأول: حكم إطلاقه على المخلوقين

‌الفصل الثالث: تعلقه بالمخلوقين

‌المبحث الأول: حكم إطلاقه على المخلوقين

جاءت نصوص دالة على جواز إطلاق السيد على المخلوقين، وجاءت أحاديث فهم منها بعض العلماء النهي عن ذلك.

وقد تعددت أقوال العلماء في كيفية الجمع بينها، وسأذكر هنا ـ أولا ـ أدلة الجواز، فأدلة المنع، ثم أقوال العلماء في الجمع بينها، والراجح في نظري:

أولا: أدلة الجواز:

1 -

قوله ـ تعالى ـ: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَاب?} (1).

2 -

قوله ـ تعالى ـ: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ} (2).

فقد احتج الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ على الجواز بهاتين الآيتين (3).

وقال الجصاص ـ رحمه الله تعالى ـ: ((وقوله تعالى: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ} يدل على أن غير الله ـ تعالى ـ يجوز أن يسمى بهذا الاسم؛ لأن الله ـ تعالى ـ سمى يحيى سيدا)) (4).

3 -

قوله ـ ? ـ: ((أنا سيد ولد آدم)) (5).

(1) يوسف، آية (25).

(2)

آل عمران، آية (39).

(3)

انظر: عمدة القاري (11/ 8 - 9).

(4)

أحكام القرآن للجصاص (2/ 292).

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 1215) رقم (3162)، و (4/ 1745) رقم (4435)، ومسلم في صحيحه (1/ 184).

ص: 179

4 -

قول النبي ـ ? ـ في حق سعد بن معاذ ـ ? ـ: ((قوموا لسيدكم)) (1).

5 -

قوله ـ ? ـ في حق سعد بن عبادة: ((اسمعوا إلى ما يقول سيدكم، إنه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير منى)) (2)

6 -

قوله ـ ? ـ في الحسن بن علي رضي الله عنهما: ((إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين طائفتين من المسلمين)) (3).

7 -

وقوله ـ ? ـ: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)) (4).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 1107) رقم (2878) و (4/ 1511) رقم (3895) و (5/ 2310) رقم (5907)، ومسلم في صحيحه (3/ 1388) رقم (1768).

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (2/ 1135) رقم (1498).

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 962) و (3/ 1328) و (3/ 1369) و (6/ 2602).

(4)

أخرجه الترمذي في جامعه (4/ 339)، والإمام أحمد في المسند (3/ 3) رقم (11002)، وفي فضائل الصحابة (2/ 779) رقم (1384)، والحاكم في المستدرك (3/ 182)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 71)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (4/ 207) و (11/ 90) كلهم من حديث أبي سعيد الخدري.

قال الترمذي: (حديث حسن صحيح).

وقال الحاكم: (قد صح من أوجه كثيرة، وأنا أتعجب من أنهما لم يخرجاه).

وأخرجه الترمذي في جامعه (5/ 660) رقم (3781)، والنسائي في السنن الكبرى

(5/ 80) رقم (8298) و (5/ 95) رقم (8315)، وأحمد في المسند (5/ 392) رقم (23378)، وابن حبان في صحيحه (15/ 413) رقم (6960)، والطبراني في المعجم الكبير (3/ 38) رقم (2609)، وفي المعجم الأوسط (6/ 238) رقم (6286)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 190)، والحاكم في المستدرك (3/ 429) رقم (5630) كلهم من حديث حذيفة بن اليمان ـ رضي الله تعالى عنه.

قال الترمذي: (حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل).

وقال الألباني: (وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير ميسرة بن حبيب، وهو ثقة).

ص: 180

8 -

قوله ـ ? ـ: ((أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين)) (1).

9 -

قوله ـ ? ـ: ((إذا نصح العبد سيده، وأحسن عبادة ربه، كان له أجره مرتين)) (2).

(1) أخرجه ابن ماجه في سننه (1/ 38) رقم (100)، وابن حبان في صحيحه (15/ 330) رقم (6904)، والدولابي في الكنى والأسماء (1/ 120) من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه.

وأخرجه الترمذي في جامعه (5/ 610) رقم (3664)، والطبراني في الأوسط (7/ 68) رقم (6873)، وفي الصغير (2/ 173)، والضياء المقدسي في المختارة (6/ 244) رقم (2260) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

قال الترمذي: (هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه).

وأخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 359) رقم (4431)، والبزار في مسنده (2/ 132) رقم (490) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

وأخرجه عبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة (1/ 188) رقم (200) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (14/ 216 - 217) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

وأخرجه الترمذي في جامعه (5/ 611) رقم (3665)، وابن ماجه في سننه (1/ 36) رقم (95)، والطبراني في الأوسط (4/ 359) رقم (4431)، والبزار في مسنده (3/ 67) رقم (831)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (1/ 405) رقم (533) من طرق عن علي رضي الله عنه.

قال الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ: (وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه صحيح بلا ريب، إلا من بعض طرقه حسن لذاته).

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 900) رقم (2412) من حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ.

ص: 181

10 -

قوله ـ ? ـ: ((المملوك الذي يحسن عبادة ربه، ويؤدي إلى سيده الذي له عليه من الحق والنصيحة والطاعة، له أجران)) (1).

11 -

قوله ـ ?: ((نعم ما لأحدهم يحسن عبادة ربه، وينصح لسيده)) (2).

12 -

قوله ـ ? ـ: ((لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، اسق ربك، وليقل: سيدي مولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي أمتي، وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي)) (3).

13 -

قوله ـ ? ـ: ((كلكم راع فمسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) (4).

ومن الأدلة ـ أيضا ـ ما جاء عن صحابة رسول الله ـ ? ـ ومن ذلك:

1 -

قول عمر لأبي بكر رضي الله عنهما يوم السقيفة بمشهد من أبي بكر وغيره من المهاجرين والأنصار: ((بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا، وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله ـ ? ـ)) (5) ولم ينكر أحد على عمر. ـ ? ـ.

2 -

قول عمرـ ? ـ: ((أبوبكر سيدنا، وأعتق سيدنا)) يعني بلالا (6) ?.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 901) رقم (2413) من حديث أبي موسى الأشعري (.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 900) رقم (2411) من حديث أبي هريرة (.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 901) رقم (2414) من حديث أبي هريرة (.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 901) رقم (2416) من حديث أبي هريرة (.

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 1341) رقم (3467).

(6)

أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 1371) رقم (3544).

ص: 182

ثانيا: أدلة المنع:

أولا: حديث عبد الله بن الشخير ـ ? ـ حيث قال: ((انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله ـ ? ـ فقلنا: أنت سيدنا، فقال رسول الله ـ ? ـ: ((السيد الله)) قلنا: فأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا، فقال ـ ? ـ:((قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان)) (1)

ثانيا: حديث أنس ـ ? ـ وهو أن رجلا قال للنبي: ياخيرنا وابن خيرنا، وياسيدنا وابن سيدنا، فقال رسول الله:((يا أيها الناس، قولوا بقولكم، ولا يستفزنكم الشيطان، أنا عبد الله ورسوله)) (2)

ثالثا: قوله ـ ? ـ: ((لا تقولوا للمنافق: سيد، فإنه إن يك سيدا، فقد أسخطتم ربكم)) (3).

(1) سبق تخريجه.

(2)

أخرجه النسائي في السنن الكبرى (6/ 71) رقم (10078)، وأحمد في مسنده (3/ 153) رقم (12573) وعبد بن حميد في مسنده كما في المنتخب (1/ 390) رقم (1309) و (1/ 397) رقم (1337)، وابن حبان في صحيحه (14/ 133) رقم (6240)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 252)، والضياء في المختارة (5/ 25) رقم (1626) كلهم من طريق حماد بن سلمة.

قال الضياء: (إسناد صحيح).

وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (6/ 71) رقم (10079) من طريق حماد بن سلمة قال: حدثنا ثابت وحميد عن أنس.

وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (4/ 226) رقم (4871)، والضياء في المختارة (6/ 95 - 96) رقم (2080) كلاهما من طريق حماد بن سلمة قال: حدثنا حميد عن أنس.

قال الحافظ ابن عبد الهادي في الصارم المنكي في الرد على السبكي (ص288): (إسناده صحيح على شرط مسلم).

(3)

روا أبو داود في سننه (4/ 295) رقم (4883)، والنسائي في السنن الكبرى (6/ 70) رقم (10073)، وأحمد في مسنده (5/ 346 - 347) رقم (22989)، والبخاري في الأدب المفرد (ص276) رقم (760)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص181) رقم (391)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (15/ 247) رقم (5987)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 229) رقم (4883)، وابن حزم في المحلى (11/ 219) كلهم من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا إسناد صحيح كما قال ذلك المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 359).

وأخرجه نعيم بن حماد في زوائده على الزهد لابن المبارك (186) من طريق ابن حوط عن قتادة به بلفظ: (إذا قال الرجل للمنافق سيدا، فقد أهان الله).

ورواه الحاكم في المستدرك (4/ 347) رقم (7865)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان

(2/ 198)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 312) رقم (5220)، والخطيب في تاريخ بغداد (5/ 454) من طريق عقبة بن عبد الله بن الأصم عن عبد الله بن بريدة به.

قال الحاكم: (حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه) وتعقبه الذهبي بقوله: (عقبة ضعيف).

ص: 183

أقوال العلماء في هذه الأدلة:

1 -

ذهبت طائفة من العلماء إلى القول بمنع إطلاق ذلك على المخلوقين، أخذا بالأدلة الدالة على ذلك، ورأوا أن حديث عبد الله بن الشخير ناسخ لما سواه من الأحاديث؛ لأن هذا الحديث كان عام الوفود في السنة التاسعة من الهجرة.

مناقشة هذا القول:

هذا القول متعقب بأمور:

الأول: أن أحاديث المنع مقابلة بمثلها، وهي الأحاديث الدالة على الجواز.

الثاني: أن دعوى النسخ تحتاج إلى دليل، ولا دليل يدل على ذلك، وأما كون حديث عبد الله بن الشخير يعد هو الناسخ؛ لكونه عام الوفود، فلربما تكون بعض الأحاديث بعد ذلك.

ص: 184

الثالث: أن حديث النهي عن قول ذلك للمنافق، لا يدل على منع قولها لمن ليس كذلك.

2 -

النهي عنه في المخاطبات، كقول القائل: ياسيدي، وأما ذكره مع عدم الخطاب فهذا لا ينهى عنه (1).

قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ: ((وقد كان بعض أكابر العلماء يأخذ بهذا، ويكره أن يخاطب أحدا بلفظه أو كتابه بالسيد)) (2).

وهذا القول ذكره الحافظ ابن حجر عن الإمام مالك بن أنس (3) ـ رحمه الله تعالى.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن (ت 1285): ((وأما استدلالهم بقول النبي ـ ? ـ: ((قوموا إلى سيدكم)) فالظاهر أن النبي ـ ? ـ لم يواجه سعدا به)) (4).

قالوا: لأن المخاطب ربما يكون في نفسه عجب وغلو، ولما يلحق القائل من الذل والخضوع (5).

وهذا القول متعقب بالأحاديث التي فيها الأمر بالمخاطبة بهذا اللفظ، كقوله ـ ? ـ:((وليقل: سيدي ومولاي)).

3 -

حمل النهي على إطلاقه على غير المالك، والإذن بإطلاقه على المالك، وقد اختار هذا القول ابن حجر (6) ـ رحمه الله تعالى.

(1) انظر: تكملة فتح الملهم شرح صحيح مسلم لمحمد تقي العثماني (4/ 416).

(2)

فتح الباري (5/ 179).

(3)

انظر: فتح الباري (5/ 179).

(4)

فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد (2/ 839).

(5)

انظر: القول المفيد (3/ 280).

(6)

انظر: فتح الباري (5/ 179).

ص: 185

وحجة هؤلاء هي النصوص الواردة في توجيه المماليك إلى ذلك.

وهذا القول متعقب بالأحاديث التي فيها توجيه هذا القول من غير المماليك، كحديث سعد بن معاذ، وحديث الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وغيرها من الأحاديث.

4 -

حمل النهي على إطلاقه على المالك، وجواز إطلاقه على غيره، فهو عكس القول السابق.

وحجة هؤلاء أنه إذا أطلق على المالك، فلربما انصرف الذهن إلى الله ـ تعالى (1).

وهذا القول متعقب بالأحاديث التي فيها الإذن بذلك للماليك، كقوله:((وليقل: سيدي ومولاي)).

قيل للإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ: ((هل كره أحد بالمدينة قوله لسيده: يا سيدي؟ قال: لا)) (2).

5 -

حمل النهي عن ذلك على الكراهة التنزيهية على سبيل الأدب، والأدلة الأخرى دالة على الجواز (3).

وهذا القول متعقب بأمرين:

الأول: كثرة الأحاديث الدالة على كثرة الاستعمال، فلو كان الأدب بخلافها، لما كثرت هذه الكثرة، ولما وجه النبي ـ ? ـ المماليك إلى قول ذلك، بل إنه ـ ? ـ عدل بالمماليك إلى قول هذا اللفظ عن قول الألفاظ الأخرى المستبشعة في حق المخلوق نحو:(ربي).

(1) انظر: فضل الله الصمد شرح الأدب المفرد للجيلاني (1/ 300).

(2)

انظر: عمدة القاري للعيني (11/ 8).

(3)

انظر: بدائع الفوائد لابن القيم (3/ 213)، الفروع لابن مفلح (3/ 568)، إبطال التنديد لابن عتيق (ص 167).

ص: 186

الثاني: قال الشيخ سليمان بن حمدان ـ رحمه الله تعالى ـ: ((قال في إبطال التنديد: وهذان الحديثان دليل على الأدب مع الله عز وجل، وقوله: ((أنا سيد ولد آدم)) وشبهه دليل على الجواز، فأقول: إذا كان الحديثان دليلا على الأدب مع الله عز وجل فما الذي أجاز سوء الأدب ومخالفة الأحاديث الصحيحة؟.

أما الاستدلال على جواز سوء الأدب بقوله ـ ? ـ: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر))، فلا يدل على الجواز؛ لأن هذا إخبار منه ـ ? ـ عما فضله الله به على البشر، تحدثا بنعمة الله ـ تعالى ـ عليه، عملا بقوله:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (1). . .)) (2)

6 -

حمل النهي عن اتخاذ ذلك عادة شائعة؛ لأنها ربما أورثت كبرا، وحمل الجواز على استعمال ذلك في النادر (3).

وهذا القول متعقب بتوجيه النبي ـ ? ـ المماليك إلى قول ذلك، ومعلوم أن كون المماليك يقولون ذلك، يعني أنه سيكون عادة شائعة.

المناقشة والترجيح:

بعد النظر في الأقوال السابقة وأدلة كل فريق ظهر لي جواز إطلاق ذلك على المخلوق بشروط:

أحدها: عدم إرادة أي معنى من معاني الربوبية أو الألوهية، فإذا أريد شيء من ذلك فلا.

ومن ذلك: أن يلمح في هذا اللفظ معنى السيادة العامة على جميع الخلق.

(1) الضحى، آية (11).

(2)

الدر النضيد (ص336 - 337).

(3)

انظر: فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد لفضل الله الجيلاني (1/ 300).

ص: 187

وبه يوجه قوله ـ ? ـ لما خوطب بالسيادة: ((السيد الله))، فإنه لما كان التعريف بأل يفيد ذلك، منع من ذلك، ووجههم لما هو أحسن.

وأما إذا لم يلمح ذلك فلا مانع من إطلاقه؛ لإطلاق القرآن ذلك في حق يحيى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ ولإطلاقه ـ ? ـ هذا اللفظ على بعض الناس، كما في الأحاديث السابقة.

قال الشيخ حسين (ت1224) وعبد الله (ت 1243) ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمهم الله تعالى ـ: ((قول: سيدي ونحوه، إن قصد به أن ذلك الرجل معبوده الذي يدعوه عند الشدة لتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، فإن ذلك شرك أكبر، وأما إن كان مراده غير ذلك، كما يقول التلميذ لشيخه: سيدي، أو يقال للأمير والشريف، أو لمن كان من أهل بيت رسول الله ـ ? ـ: هذا سيد، فلا بأس به، ولكن لا يجعل عادة وسنة بحيث لا يتكلم إلا به)) (1).

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن (ت 1292) ـ رحمه الله تعالى ـ لما سئل عن حكم إطلاقه على المخلوق: ((هذه الألفاظ تستعملها العرب على معان كسيادة الرئاسة والشرف

فإطلاق هذه الألفاظ على هذا الوجه معروف لا ينكر، وفي السنة من ذلك كثير، وأما إطلاق ذلك في المعاني المحدثة كمن يدعي أن السيد هو الذي يدعى ويعظم

فهذا لا يجوز، بل هو من أقسام الشرك)) (2).

وقال الشيخ محمد بشير السهسواني (ت 1326) ـ رحمه الله تعالى ـ: ((فالنهي عن إطلاق السيد والمولى على غير الله محمول على السيد والمولى بمعنى الرب، والرخصة محمولة عليهما بمعنى آخر من سائر المعاني)) (3).

(1) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (1/ 45).

(2)

مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (3/ 208).

(3)

صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان (ص541).

ص: 188

ويقول صديق حسن خان (ت1307) ـ رحمه الله تعالى ـ: ((ولفظ السيد له معنيان:

أحدهما: أن السيد هو الذي يكون مالكا مختارا بنفسه وحده، ولا يكون محكوما عليه من أحد، بل يكون حاكما مستقلا بذاته كشأن الملوك في الدنيا، فهذا الأمر إنما هو شأن الله ـ تعالى ـ ليس غيره سيدا بهذا المعنى.

وثانيهما: أن السيد رعوي لآخر، ولكن له فضل على عامة الرعايا، ممتاز منهم بالمزايا، ينزل إليه حكم الحاكم أولا، ثم يبلغ إليهم من لسانه وبواسطته

فالنبي بهذا المعنى سيد لأمته، والإمام سيد أهل عصره

فإن هؤلاء الكبار يتمسكون بحكم الله ـ تعالى ـ أولا بأنفسهم، ثم يبلغونه إلى أصاغرهم ويعلمونهم.

وهكذا نبينا ـ ? ـ سيد أهل العالم أجمعهم وأكتعهم وأبصعهم، ومرتبته عند الله عز وجل أعلى من الجميع، وأكبر من الكل، وهو ـ ? ـ أقوم الخلق، وأكبرهم في القيام بأحكام الله ـ تعالى ـ وكل الناس محتاجون إليه في تعلم سبل الله وشرائعه.

وعلى هذا يصح أن يقال له: سيد العالم، بل يجب أن يعتقد فيه هذه السيادة العامة الشاملة للجميع.

وأما بناء على الأول، فليس هو ـ ? ـ سيد نملة واحدة، فضلا عن غيرها؛ لأنه عليه السلام لا يقدر على التصرف في نملة من تلقاء نفسه)) (1).

ثانيها: كون الموصوف بذلك أهلا للسيادة، أما إذا لم يكن أهلا لها فلا.

ودليل هذا: حديث النهي عن القول للمنافق ياسيد.

قال العلامة النووي (ت 676) ـ رحمه الله تعالى ـ بعد أن ذكر بعض

(1) الدين الخالص (2/ 221).

ص: 189

الأحاديث الدالة على الجواز وبعض الأحاديث الدالة على المنع: ((والجمع بين هذه الأحاديث أنه لا بأس بإطلاق: فلان سيد، وياسيدي، وشبه ذلك، إذا كان المسود فاضلا خيرا، إما بعلم، وإما بصلاح، وإما بغير ذلك، وإن كان فاسقا، أو متهما في دينه، أو نحو ذلك، كره أن يقال: سيد)) (1).

وذكر العلامة الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ أن إطلاق ذلك على المخلوق يجوز بشرط ((أن يكون الموجه إليه السيادة أهلا لذلك، أما إذا لم يكن أهلا، كما لو كان فاسقا أو زنديقا فلا يقال له ذلك، حتى ولو فرض أنه أعلا منه مرتبة أو جاها

فإذا كان أهلا لذلك، وليس هناك محذور، فلا بأس به، وأما إن خشي المحذور، أو كان غير أهل فلا يجوز)) (2).

3 -

انتفاء المفسدة، فإن كانت المفسدة في الخطاب منع من ذلك، وإن كانت المفسدة في قولها وإن لم يكن موجها له الخطاب كأن يكون بضمير الغيبة منع منه، وإن كان يخشى من المفسدة؛ للغلو أو التدرج فيه، منع من ذلك، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما.

ودليل هذا هو إنكار النبي ـ ? ـ ذلك في حديث عبد الله بن الشخير، حيث كان مخاطبا به؛ فإن ذلك العام كان عام وفود، والناس كانوا حديثي عهد بكفر وجاهلية، والغلو فيهم فاش، فلخشيته ـ ? ـ من الغلو فيه أو التدرج في ذلك نهاهم عن ذلك.

(1) الأذكار النووية (ص3111 - 12).

(2)

القول المفيد (3/ 280).

ص: 190