الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَدِيثٌ آخَرُ
قَالَ: ح عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ح عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: ح يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ، وَلَا عَدْلٌ» قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: الْمُتَوَلِّي بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ رَغْبَةً عَنْ مَوَالِيهِ، وَمَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ كَافِرٌ لِلنِّعْمَةِ، جَاحِدٌ لِلْحَقِّ ظَالِمٌ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ الْوَلَاءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَسَتَرَ نِعْمَةَ مُنْعِمِهِ، وَمَنْ كَفَرَ نِعْمَةَ عِبَادِ اللَّهِ، فَهُوَ لِكُفْرَانِ نِعَمِ اللَّهِ أَجْدَرُ، وَكَافِرُ النِّعْمَةِ، وَمُولِي الشُّكْرِ غَيْرَ مُنْعِمِهِ ظَالِمٌ، وَقَدْ قَالَ عز وجل:{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] . فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّعْنَةُ هَا هُنَا الْعَذَابَ، وَالْهَوَانَ، وَالْخِزْيَ فِي الْكُفَّارِ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ دُخُولَ النَّارِ لِلتَّأْدِيبِ دُونَ اللَّعْنَةِ الَّتِي هِيَ الطَّرْدُ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِذَا كَانَتِ الْآيَةُ فِي الْكُفَّارِ، فَهُوَ الطَّرْدُ، وَلَعْنَةُ الْمَلَائِكَةِ إِبْعَادُهُمْ إِيَّاهُ عَنِ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُ، وَأَنَّهُمْ يَتْرُكُونَهُ مِنَ اسْتِغْفَارِ اللَّهِ لَهُمْ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ عليهم السلام يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 5]، وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ يَسْتَغْفِرُونَ لِلتَّائِبِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى قَوْلِهِ:{فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} [غافر: 7] ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَعْنَةُ الْمَلَائِكَةِ لِهَؤُلَاءِ، وَإِنْ كَانُوا فِي جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ تَرْكَهُمُ الِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ. وَأَمَّا الصَّرْفُ، وَالْعَدْلُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الصَّرْفُ هُوَ الْفَرِيضَةُ، وَالْعَدْلُ هُوَ التَّطَوُّعُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الصَّرْفُ التَّطَوُّعُ، وَالْعَدْلُ الْفَرِيضَةُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الصَّرْفُ التَّوْبَةُ، وَالْعَدْلُ الْفِدْيَةُ. فَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْفِدْيَةِ، فَهُوَ مَعْنَاهُ فِي الْآخِرَةِ، أَيْ: لَا يَقْبَلُ مِنْهُ تَوْبَةً فِي الْآخِرَةِ، وَلَا فِدْيَةً، أَيْ: لَا يَكُونُ لَهُ فِدْيَةٌ، لَا يَجِدُ فِدْيَةً يَفْدِي بِهَا نَفْسَهُ، وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{لَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 123]، أَيْ: لَا يَشْفَعُ لَهَا شَافِعٌ، ثُمَّ لَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَتُهُ
⦗ص: 247⦘
كَذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِدْيَةٌ» ، أَيْ: لَيْسَ لَهُ مَا يَفْدِي بِهِ نَفْسَهُ، وَتَوْبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ لَا تُقْبَلُ، فَأَمَّا التَّوْبَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ فِي الدُّنْيَا، وَيَمْحْو اللَّهُ تَعَالَى السَّيِّئَاتِ بِالْحَسَنَاتِ، وَمَنْ قُبِلَتْ حَسَنَتُهُ فَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَهْلِ الْأَدْيَانِ مِنَ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَبِهِ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّوْبَةَ وَالْفِدْيَةِ فِي الْآخِرَةِ، مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذَنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ، وَلَا عَدْلٌ» ، وَمَنْ حَمَلَ مَعْنَى الصَّرْفِ، وَالْعَدْلِ عَلَى الْفَرِيضَةِ، وَالتَّطَوُّعِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ، أَنْ لَا يَقْبَلَ فَرِيضَةً قَبُولَ رِضَاءٍ، وَتَزْكِيَةٍ، وَإِنْ كَانَ يَقْبَلُ جَزَاءً وَثَوَابًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَظْلِمُ عِبَادَهُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا، فَكَيْفَ لَا يَقْبَلُ فَرِيضَةَ مَنْ أَدَّاهَا بِشَرَائِطِهَا عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِنْ شَاءَ، وَيُثِيبَهُ عَلَى أَدَاءِ فَرِيضَتِهِ، لَا مَحَالَةَ، وَلَوْ عَاقَبَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَلَمْ يُثِبْهُ عَلَى طَاعَتِهِ، لَكَانَ مُسْتَوْفِيًا حَقَّ نَفْسِهِ مِنْ عَبْدِهِ غَيْرَ مُوَفِّيهِ حَقَّهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا غَيْرُ لَائِقٍ بِاللَّهِ وَكَرَمِهِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَدَّعِيهِ مَنْ يَقُولُ بِالْإِحْبَاطِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ:{خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: 102] ، مَعْنًى؛ لِأَنَّ أَعْمَالَهُ الصَّالِحَةَ هَذِهِ أَحْبَطَتْهَا السَّيِّئَاتُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا السَّيِّئَاتُ، فَإِنَّ أَوَّلُوا السَّيِّئَاتِ بِالصَّغَائِرِ عِنْدَهُمْ لَمْ يَسْتَقِمْ؛ لِأَنَّ الصَّغَائِرَ مَغْفُورَةٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَالْمَغْفُورَةُ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُثْبَتَةً إِذًا، فَصَاحِبُ الْكَبَائِرِ لَا طَاعَةَ لَهُ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّ الْكَبَائِرَ تُحْبِطُ طَاعَتَهُمْ، وَمُجْتَنِبُ الْكَبَائِرِ لَا مَعْصِيَةَ لَهُ، وَلَا ذَنْبَ؛ لِأَنَّ الصَّغَائِرَ مَغْفُورَةٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، فَمَنْ هَذَا الَّذِي خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا، وَآخَرَ سَيِّئًا؟ وَقَوْلُهُمْ بِالْإِحْبَاطِ يَنْفِي الْكَاتِبَيْنِ، وَيَنْفِي الْوَزْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَنْفِي الْحِسَابَ، وَآيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ يُبْطِلُهَا قَوْلُهُمْ، لِأَنَّ الْكَاتِبَيْنِ أَحَدَهُمَا يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَالْآخَرَ السَّيِّئَاتِ، وَالْأَخْبَارُ بِهَذَا جَاءَتْ، وَالْوَزْنُ إِنَّمَا هُوَ لِلْحَسَنَاتِ، وَالسَّيِّئَاتِ، فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ بِالْحَسَنَاتِ نَجَا، وَمَنْ ثَقُلَتْ بِالسَّيِّئَاتِ، وَخَفَّتْ بِالْحَسَنَاتِ هَلَكَ، فَإِذَا لَمْ يَجْتَمِعْ لِلْعَبْدِ حَسَنَاتٌ، وَسَيِّئَاتٌ فَمَا مَعْنَى الْوَزْنِ؟ وَمَا الَّذِي يُوزَنُ؟ وَمَنِ الَّذِي اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ، وَسِيِّئَاتُهُ، فَصَارَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ؟ وَالْأَخْبَارُ فِي الْوَزْنِ، وَأَنَّهُ مِيزَانٌ، وَلَهُ كَفَّتَانِ، يُوضَعُ فِي إِحْدَيْهِمَا الْحَسَنَاتُ، وَفِي الْأُخْرَى السَّيِّئَاتُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُبْطِلُهَا الْقَوْلُ بِالْإِحْبَاطِ
⦗ص: 248⦘
. وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] إِلَى قَوْلِهِ: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} [الحجرات: 2]، مَعْنَاهُ عِنْدَنَا: أَيْ لَا تُثَابُونَ عَلَى مُحَاوَرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمُسَاءَلَتِهِ، وَالِاسْتِرْشَادِ مِنْهُ، وَالْأَخْذِ عَنْهُ، وَالتَّعَلُّمِ مِنْهُ بِالْمُخَاطَبَةِ لَهُ إِذَا رَفَعْتُمْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ أَنَّهُمْ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ الْمُسَاءَلَةِ، وَالِاسْتِرْشَادِ مِنْهُ لَأُثِيبُوا عَلَى ذَلِكَ ثَوَابًا كَبِيرًا، وَأُعْطُوا عَلَيْهِ أَجْرًا عَظِيمًا، فَكَأَنَّهُمْ أَحْبَطُوا أُجُورَهُمْ، وَخَسِرُوا ثَوَابَهُمْ، وَأَبْطَلُوا أَعْمَالَهُمْ بِرَفْعِهِمْ أَصْوَاتَهُمْ فَوْقَ صَوْتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُحْبِطْ ذَلِكَ سَائِرَ أَعْمَالِهِمْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل:{لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264]، فِيهَا أَيْ: لَا تُفَوِّتُوا أَنْفُسَكُمْ ثَوَابَهَا، وَلَا تَذْهَبُوا بِأُجُورِكُمْ عَلَى الصَّدَقَاتِ بِالْمَنِّ بِهَا، وَالْأَذَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا غُفْرَانُ السَّيِّئَاتِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكَبَائِرِ الشِّرْكَ، فَيَكُونُ مَا دُونَ الشِّرْكِ، يَجُوزُ غُفْرَانُهَا، وَيَجُوزُ الْعُقُوبَةُ عَلَيْهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً، ثُمَّ يَتُوبُونَ بِحَسَنَاتِهِمْ، وَإِيمَانِهِمْ ثَوَابًا دَائِمًا، وَقَدْ قَرَأَ بَعْضُهُمْ:(إِنْ يَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ) ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الشِّرْكَ، وَالْكُفْرَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ، فَيَكُونُ مَا دُونَ الشِّرْكِ مَغْفُورًا إِمَّا بِالْمَشِيئَةِ، وَإِمَّا بِالشَّفَاعَةِ، وَإِمَّا بِدُخُولِ النَّارِ إِلَى مُدَّةٍ، ثُمَّ الْجَنَّةِ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ بِالْإِيمَانِ، وَالثَّوَابُ بِسَائِرِ الْأَعْمَالِ عَلَى قَدْرِهَا. وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْعَامَّةِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَبَائِرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْكُفْرَ، وَالشِّرْكَ أَنْوَاعٌ: الْيَهُودِيَّةُ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ، وَالْمَجُوسِيَّةُ، وَالْقَوْلُ بِالدَّهْرِ، وَالتَّثْنِيَةُ، وَالتَّخْمِيسُ، وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، فَكُلُّهَا كَبَائِرُ، وَكُلُّهَا شِرْكٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ:{كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] ، الشِّرْكَ، وَيَكُونَ مَعْنَى الْجَمْعِ بِمَعْنَى وِفَاقِ الْخِطَابِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ وَرَدَ عَلَى الْجَمْعِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا} [النساء: 31] وَقَوْلِهِ عز وجل: {تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ الْكَبَائِرَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَبِيرَةَ كُلِّ وَاحِدٍ إِذَا جُمِعَتْ إِلَى كَبِيرَةِ صَاحِبِهِ صَارَتْ كَبَائِرَ، وَإِنْ كَانَ الشِّرْكُ كُلُّهُ عَمَلًا وَاحِدًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ فَرِيضَةً، وَلَا نَافِلَةً» نَفْيَهُ، بَلْ يَقْبَلُ فَرَائِضَهُ، وَنَوَافِلَهُ قَبُولَ ثَوَابٍ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ قَبُولَ ثَنَاءٍ عَلَيْهِ بِهَا
⦗ص: 249⦘
. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ، أَيْ: لَا يَقْبَلُ فَرَائِضَهُ قَبُولًا يُكَفِّرُ بِهَا هَذِهِ السَّيِّئَةَ الَّتِي هِيَ التَّوَلِّي بِغَيْرِ مَوَالِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَلَوَاتُهُ مُكَفِّرَةً لِغَيْرِهَا مِنَ السَّيِّئَاتِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَةُ مَا بَيْنَهَا»
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ لَهُ مُعْتَمَلٌ بَيْنَ مَنْزِلِهِ، وَبَيْنَ مُعْتَمَلِهِ خَمْسَةُ أَنْهَارٍ، فَإِذَا انْطَلَقَ إِلَى مُعْتَمَلِهِ عَمِلَ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَصَابَهُ الْوَسَخُ، وَالْعَرَقُ، فَكُلَّمَا مَرَّ بِنَهَرٍ اغْتَسَلَ مَا يُبْقِي ذَلِكَ مِنْ دَرَنِهِ، فَكَذَلِكَ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا عَمِلَ خَطِيئَةً، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ صَلَّى صَلَاةً، فَدَعَا، وَاسْتَغْفَرَ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: ح يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ أَبُو زَكَرِيَّا الْعَلَّافُ بِمِصْرَ قَالَ: ح سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: ح يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُرَيْظٍ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ، حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ ذَلِكَ. وَقَدْ َقَالَ صلى الله عليه وسلم:«الْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا» ، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ:«لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ فَرِيضَةً» ، أَيْ: لَا يَقْبَلُهَا قَبُولًا يُكَفِّرُ بِهَا هَذَا الذَّنْبَ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: صَلَوَاتُهُ، وَفَرَائِضُهُ، لَا يُكَفِّرُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا هَذِهِ الْخَطِيئَةَ، وَإِنْ كَانَ يُكَفِّرُ بِهَا مَا شَاءَ مِنَ الْخَطَايَا. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ:«الصَّلَوَاتُ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» ، أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنَ الْكَبَائِرِ الَّتِي لَا يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ، فَكَأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُ فِي كَفَّارَةِ هَذَا الذَّنْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ الْمَعْنَى الَّذِي يُرَادُ مِنْهُ مِنَ الْقَبُولِ فِي هَذَا الذَّنْبِ، وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الذُّنُوبِ، وَمَعْنَى الْكَبَائِرِ عِنْدَنَا أَنَّ مِنَ الذُّنُوبِ ذَنْبًا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ الْإِضَافَةِ إِلَيْهِ، كَأَنَّ الْبُزَاقَ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ هُوَ ذَنْبٌ، وَلَيْسَ كَشَتْمِ مُسْلِمٍ
⦗ص: 250⦘
، وَشَتْمُ الْمُسْلِمِ خَطِيئَةٌ، وَلَيْسَ كَأَخْذِ مَالِهِ، وَأَخْذُ مَالِهِ ذَنْبٌ، وَلَيْسَ كَسَفْكِ دَمِهِ، فَكُلُّ ذَنْبٍ مِنْ هَذِهِ الذُّنُوبِ أَكْبَرُ مِنْ صَاحِبَتِهَا، وَصَاحِبَتُهَا أَصْغَرُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتِ الذُّنُوبُ كُلُّهَا كَبَائِرَ مِنْ جِهَةَ النَّهْيِ عَنْهَا، وَكُلُّهَا مَا دُونَ الشِّرْكِ صَغَائِرَ فِي جَوَازِ غُفْرَانِهَا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الذَّنْبُ مِنَ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ الَّتِي لَا يُكَفِّرُهَا الصَّلَوَاتُ، وَمَا سِوَاهَا مِنَ الْفَرَائِضِ، وَلَا يَمْحُوهَا، فَيُبَدَّلُ بِهَا حَسَنَاتٍ، بَلْ لَا يُكَفِّرُهَا، وَلَا يَمْحُوهَا مِنْ دِيوَانِهِ الْفَرَائِضُ إِلَّا التَّوْبَةُ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا، فَإِنْ مَاتَ غَيْرَ تَائِبٍ وَافَى الْقِيَامَةَ، وَهِيَ مُثْبَتَةٌ فِي دِيوَانِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَغْفِرَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِفَضْلِهِ؛ لِأَنَّهَا مَضْمُونُ مَشِيئَتِهِ بِقَوْلِهِ عز وجل:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ، أَوْ يَغْفِرَهَا بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» ، أَوْ يُدْخِلَهُ النَّارَ، فَيُطَهَّرَ بِهَا، ثُمَّ يُخْرِجَهُ إِلَى رَحْمَتِهِ، فَيُدْخِلَهُ جَنَّتَهُ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، وَإِيمَانِهِ، وَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ، وَهُوَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ