الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11)
أجوبة عن استفتاء المركز الإسلامي بواشنطن
بحث عرض على مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره
الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من:8 إلى 13 صفر
1407هـ، الموافق من 11_16 أكتوبر 1986م.
..
المسائل التي يكثر تساؤل المسلمين عنها
في أمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا
بسم الله الرحمن الرحيم
1-
ما حكم التجنس بالجنسية الأجنبية أمريكية كانت أو أوروبية. علما بأن معظم الذين قبلوا التجنس بهذه الجنسيات أو يعتزمون الحصول عليها يؤكدون أنهم ما فعلوا ذلك إلا لأنهم قد أوذوا واضطهدوا في بلادهم الأصلية بالسجن أو التهديد ومصادرة الأموال وغيرها. وبعضهم يرى أنه ما دامت الأحكام الشرعية والحدود معطلة في بلاده الأصلية فأي فرق بين أن يحمل جنسية ذلك البلد الذي اضطهده والبلد الذي اختار أن يستوطن فيه وفي كليهما لا تطبق الأحكام الشرعية، ولا تقام الحدود وهو في بلد مهجره مصانة حقوقه الشخصية دمه وماله وعرضه ولا يمكن سجنه أو تهديده إلا إذا فعل ما يستوجب ذلك؟
2-
لولادة الأبناء وتنشئتهم في أمريكا وأوروبا ونحوها من بلاد غير المسلمين مساوئ ومخاطر، وبعض المحاسن، واحتمال اكتسابهم من عادات أبناء النصارى واليهود الكثير احتمال قائم -خاصة- في حالة انشغال الوالدين أو وفاة أحدهما أو كليهما. مع ملاحظة أن كثيرا من الناس هنا على الدوام يذكرون بأن أبنائهم في بعض البلدان الإسلامية التي كانوا يقيمون فيها يتعرضون لاحتمالات الردة باعتناق الشيوعية واللادينية أو نحوها من الأفكار الإلحادية التي تروج لها حكومات بعض البلدان الإسلامية وتدخلها في برامج التعليم والتوجيه العام، وتضطهد من يرفضها؟
ويؤكد المستوطنون -هنا- من المسلمين أنه لم يطلب من أحدهم أن يغير دينه، أو أنه وجه نحو دين آخر، وذلك لضعف الاهتمام بالناحية الدينية هنا.
3-
ما حكم زواج المسلمة بغير المسلم خاصة إذا طمعت في إسلامه بعد الزواج حيث تدعي مسلمات كثيرات أنه لا يتوفر لهن الأكفاء من المسلمين في غالب الأحيان، وأنهن مهددات بالانحراف، أو يعشن في وضع شديد الحرج؟
4-
ما حكم استمرار الزوجية والمعاشرة بين زوجة دخلت الإسلام وبقي زوجها على الكفر ولها منه أولاد تخشى عليهم الضياع والانحراف، ولها طمع في أن يهتدي زوجها إلى الإسلام فيما إذا لم يكن هناك طمع في إسلامه، ولكنه يحسن معاشرتها وتخشى لو تركته ألا تعثر على زوج مسلم؟
5-
ما حكم دفن المسلم في مقابر غير المسلمين، حيث لا يسمح بالدفن خارج المقابر المعدة لذلك، ولا توجد مقابر خاصة بالمسلمين في معظم الولايات الأمريكية والأقطار الأوربية؟
6-
ما حكم بيع المسجد (إذا انتقل المسلمون عن المنطقة التي هو فيها وخيف تلفه أو الاستيلاء عليه) فكثيرا ما يشتري المسلمون منزلا ويحولونه مسجدا فإذا انتقلت غالبية المسلمين من المنطقة لظروف العمل هجر المسجد أو أهمل، وقد يستولي عليه آخرون، ومن الممكن بيعه واستبداله بمسجد يؤسس في مكان فيه مسلمون، فما حكم هذا البيع أو الاستبدال؟ وإذا لم تتيسر فرصة استبداله بمسجد آخر فما أقرب الوجوه التي يجوز صرف ثمن المسجد فيها؟
7-
كثيرات من بنات المسلمين ونسائهم تدعوهن ظروف العمل أو الدراسة إلى السفر إلى ولايات أخرى (أبعد من مسافة القصر) بالطائرة أو غيرها من وسائل السفر، بدون محرم، ومن غير رفقة من نسوة تعرفهن أو يعرفنها غير رفقة المسافرين والمسافرات عادة فما حكم هذا السفر؟
8-
بعض النساء أو الفتيات تضطرهن ظروف العمل او الدراسة إلى الإقامة بمفردهن، أو مع نسوة غير مسلمات، فما حكم هذه الإقامة؟
9-
كثيرات من النساء -هنا- يذكرن أن أقصى ما بإمكانهن ستره من أجسادهن هو ما عدا الوجه والكفين بعضهن تمنعهن جهات العمل أو الدراسة من ستر رؤوسهن وأعناقهن، فما أقصى ما يمكن السماح بكشفه من أجزاء جسم المرأة بين الأجانب في محلات العمل أو الدراسة؟
10-
يضطر كثير من الطلاب المسلمين إلى العمل في هذه البلاد لتغطية نفقات الدراسة والمعيشة لأن كثيرا منهم لا يكفيه ما يرده من ذويه مما يجعل العمل ضرورة له لا يمكن أن يعيش بدونه. وكثير منهم لا يجد عملا إلا في مطاعم تبيع الخمور أو تقدم وجبات فيها لحم الخنزير من المحرمات فما حكم عمله في هذه المحلات؟
11-
ما حكم بيع المسلم للخمور والخنازير، أو صناعة الخمور وبيعها لغير المسلمين؟ علما بأن بعض المسلمين في هذه البلدان قد اتخذوا من ذلك حرفة لهم.
12-
هناك كثير من الأدوية تحوي كميات مختلفة من الكحول تتراوح بين 1 % و25 % ومعظم هذه الأدوية من أدوية الزكام واحتقان الأنف والحنجرة والسعال وغيرها من الأمراض السائدة. وتمثل هذه الأدوية الحاوية للكحول ما يقارب 95 % من الأدوية في هذا المجال مما يجعل الحصول على الأدوية الخالية من الكحول عملية صعبة أو متعذرة، فما حكم تناول هذه الأدوية؟
13-
هناك الخمائر والجلاتين توجد فيها عناصر مستخلصة من الخنزير بنسب ضئيلة جدا فهل يجوز استعمال هذه الخمائر والجلاتين؟
14-
يضطر معظم المسلمين إلى إقامة حفلات الزفاف لبناتهم في مساجدهم وكثيرا ما يتخلل هذه الحفلات رقص وإنشاد أو غناء، ولا تتوفر لهم أماكن تتسع لمثل هذه الحفلات فما حكم إقامة مثل هذه الحفلات في المساجد؟
15-
بعض الحكومات النصرانية (خاصة في أمريكا الجنوبية) تفرض على رعاياها التسمي بالأسماء النصرانية، وتضع قوائم بأسماء اختارتها للأطفال ذكورا وإناثا ولا تسمح بتسجيل المواليد بأسماء تختار من غير هذه القوائم، فما حكم تسمي المسلمين بهذه الأسماء، وما الحلول التي تقترحونها في هذه الأحوال؟
16-
ما حكم زواج الطالب أو الطالبة المسلمة زواجا لا ينوى استدامته بل النية منعقدة عنده على إنهائه بمجرد انتهاء الدراسة والعزم على العودة إلى مكان الإقامة الدائم، ولكن العقد يكون -عادة- عقدا عاديا وبنفس الصيغة التي يعقد بها الزواج المؤبد، فما حكم هذا الزواج؟
17-
ما حكم ظهور المرأة في محلات العمل أو الدراسة بعد أن تأخذ من شعر حاجبيها وتكتحل؟
18-
بعض المسلمات يجدن حرجا في عدم مصافحتهن للأجانب الذين يرتادون الأماكن التي يعملن أو يدرسن فيها، فيصافحن الأجانب دفعا للحرج. فما حكم هذه المصافحة؟
وكذلك الحال بالنسبة لكثير من المسلمين الذين تتقدم إليهم نساء أجنبيات مصافحات، وامتناعهم عن مصافحتهن يوقعهم في شيء من الحرج على حد ما يذكرون ويذكرون؟
19-
ما حكم استئجار الكنائس أماكن لإقامة الصلوات الخمس أو صلاة الجمعة والعيدين، مع وجود التماثيل وما تحتويه الكنائس عادة. علما بأن الكنائس-في الغالب-أرخص الأماكن التي يمكن استئجارها من النصارى دون مقابل؟
20-
ما حكم ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى وما يقدمونه من طعام في مطاعمهم مع عدم العلم بالتسمية عليها؟
21-
كثير من المناسبات العامة التي يدعى المسلمون لحضورها تقدم فيها الخمور ويختلط فيها النساء والرجال، واعتزال المسلمين لبعض هذه المناسبات قد يؤدي إلى عزلهم عن بقية أبناء المجتمع، وفقدانهم لبعض الفوائد، فما حكم حضور هذه الحفلات من غير مشاركة لهم في شرب الخمر أو الرقص أو تناول الخنزير؟
22-
بعض الأقطار في شمال أوروبا يقصر فيها الليل كثيرا ويطول فيها النهار كثيرا، حيث تصل ساعات الصيام في بعض هذه البلدان إلى عشرين ساعة أو تزيد، وكثير من المسلمين يجدون مشقة زائدة في الصيام. فهل يجوز اللجوء -في هذه البلدان- إلى التقدير، وما نوع التقدير الذي يمكن اعتماده إذا كان جائزا، وهل يكون التقدير بساعات الصيام في مكة أو بساعات النهار في أقرب البلدان اعتدالا، أو بماذا؟
وإذا لم يكن ذلك جائز فهل يعتبر هذا النوع من المشقة من المشاق التي يجب على المسلم احتمالها والصبر عليها مع احتمال الضرر، وهل يجب عليه أن يترك عمله في شهر الصيام إذا لم يكن بمقدوره الصيام إلا بترك العمل من قبيل ما لا يتم الواجب المطلق إلا به فهو واجب.
23-
في كثير من الولايات الأمريكية وكذلك الأقطار الأوربية تصعب أو تتعذر رؤية هلال رمضان أو شوال، والتقدم العلمي الموجود في كثير من هذه البلدان يمكن من معرفة ولادة الهلال بشكل دقيق بطريق
الحساب، فهل يجوز اعتماد الحساب في هذه البلدان؟
وهل تجوز الاستعانة بالمراصد وقبول قول الكفار المشرفين عليها علما أن الغالب على الظن صدق قولهم في هذه الأمور؟
ومما يجدر بالملاحظة أن اتباع المسلمين في أمريكا وأوروبا لبعض البلدان الإسلامية المشرقية في صيامها أو إفطارها قد أثار بينهم اختلافات كثيرة، غالبا ما تذهب بأهم فوائد الأعياد، وتثير مشكلات شبه دائمة، وفي الأخذ بالحساب ما قد يقضي على هذا في نظر البعض أو يكاد؟
24-
ما حكم عمل المسلم في دوائر وزارات الحكومة الأمريكية أو غيرها من حكومات البلاد الكافرة، خاصة في مجالات هامة كالصناعات الذرية أو الدراسات الاستراتيجية ونحوها؟
25-
ما حكم تصميم المهندس المسلم لمباني النصارى كالكنائس وغيرها علما بأن هذا هو جزء من عمله في الشركة الموظفة له، وفي حالة امتناعه قد يتعرض للفصل من العمل؟
26-
كثير من العائلات المسلمة يعمل رجالها في بيع الخمور والخنزير وما شابه ذلك، وزوجاتهم وأولادهم كارهون لذلك علما بأنهم يعيشون بمال الرجل، فهل عليهم من حرج في ذلك؟
27-
ما حكم تبرع المسلم فردا كان أو هيئة لمؤسسات تعليمية أو تنصيرية أو كنيسة؟
28-
ما حكم شراء منزل السكنى، وسيارة الاستعمال الشخصي، وأثاث المنزل بواسطة البنوك والمؤسسات التي تقرض ربحا محددا على تلك القروض لقاء رهن تلك الأصول، علما بأنه في حالة البيوت والسيارات والأثاث عموما، يعتبر البديل عن البيع هو الإيجار بقسط شهري يزيد في الغالب عن قسط الشراء الذي تستوفيه البنوك؟
أجوبة
التجنس بالجنسيات الأجنبية:
1-
إن التجنس بجنسيات البلاد غير المسلمة يختلف حكمه حسب الظروف، والأحوال، وأغراض هذا التجنس، على الشكل التالي: إن اضطر إليه مسلم بسبب أنه أوذي في وطنه، أو اضطهد بالسجن، أو مصادرة أمواله لغير ما ذنب أو جريمة، ولم يجد لنفسه مأمنا إلا في مثل هذه البلاد، فإنه يجوز له التجنس بهذه الجنسيات دون أي كراهة، بشرط أن يعزم على نفسه المحافظة على دينه في حياته العملية، والابتعاد عن المنكرات الشائعة هناك.
والدليل على ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم هاجروا إلى الحبشة بعد ما اضطهدوا من قبل أهل مكة، والحبشة يومئذ يسودها الكفار، وأقاموا بها حتى إن بعض الصحابة لم يزالوا مقيمين بها بعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فإنما رجع أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عند غزوة خيبر، يعني في السنة السابعة من الهجرة.
ثم من حقوق النفس أن يصونها المرء من كل نوع من أنواع الظلم، فإذا لم يجد الإنسان مأمنا لنفسه إلا في بلاد الكفار، فلا مانع من هجرته إليها، ما دام يحتفظ بفرائضه الدينية، والابتعاد عن المنكرات المحرمة.
وكذلك إن اضطر إليه مسلم بسب أنه لم تتيسر له في بلده وسائل المعاش الضرورية التي لا بد له منها، ولم يجدها إلا في مثل هذه البلاد،
فإنه يجوز له ذلك أيضا بالشرط المذكور، وذلك أن كسب المعاش فريضة بعد الفريضة، ولم يقيده الشرع بمكان دون مكان، فقال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُواْ فِيْ مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُوْرِ} .
ولو تجنس مسلم بهذه الجنسية لدعوة أهلها إلى الإسلام، أو لتبليغ الأحكام الشرعية إلى المسلمين المقيمين بها، فإنه يثاب على ذلك، فضلا عن كونه جائزا، فكم من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم توطنوا بلاد الكفار لهذا الغرض المحمود وعد ذلك من مناقبهم وفضائلهم.
أما إذا كان الرجل تتيسر له وسائل المعاش في بلده المسلم على مستوى أهل بلده، ولكنه هاجر إلى بلاد الكفار للاستزادة منها، والحصول على محض الترفه والتنعم، فإن ذلك لا يخلو من كراهة، لما فيه من عرض النفس على المنكرات الشائعة هناك، وتحمل خطر الانهيار الخلقي والديني من غير ضرورة داعية لذلك، والتجربة شاهدة على أن الذين يتجنسون بهذه الجنسيات الأجنبية لمجرد الترفه، ينتقص فيه من الوازع الديني، فيذوبون أمام الإغراءات الكافرة ذوبانا ذريعا، ومن هنا ورد في الحديث النهي عن مساكنة المشركين بدون حاجة ملحة.
أخرج أبو داود عن سمرة بن جندب، قال: أما بعد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من جامع المشرك، وسكن معه فإنه مثله)) أخرجه أبو داود قبيل كتاب الضحايا، وعلقه الترمذي في السير.
أخرج أبو داود، والترمذي عن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله، لم؟ قال: لا تراءى ناراهما)) . قال الخطابي في شرحه: "فيه وجوه: أحدها معناه، لا يستوي حكماهما، قاله بعض أهل العلم، وقال بعضهم: معناه أن الله
قد فرق بين داري الإسلام والكفر، فلا يجوز لمسلم أن يساكن الكفار في بلادهم، حتى إذا أوقدوا نارا كان منهم بحيث يراها، وفيه دلالة على كراهة دخول المسلم دار الحرب للتجارة والمقام فيها أكثر من مدة أربعة أيام" (1) وأخرج أبو داود في المراسيل عن مكحول، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا تتركوا الذرية إزاء العدو)) (2) ومن هنا ذكر بعض الفقهاء أن سكنى دار الحرب وتكثير سوادهم لأجل المال مما يسقط العدالة (3) أما إذا كان التجنس بالجنسيات الأجنبية اعتزازا بها، وافتخارا، أو لتفضيلها على الجنسيات المسلمة، أو للتشبه بأهلها في الحياة العملية، فإن ذلك حرام مطلقا، ولا حاجة إلى التدليل على ذلك.
2-
أما خطورة تنشئة الأبناء المسلمين في البلاد الأجنبية:
فخطورة واقعة فيجتنب عنها في الظروف التي يكره أو يحرم فيها التجنس حسب ما ذكرنا في الجواب عن السؤال الأول.
وأما في الظروف التي يجوز فيها التجنس بدون كراهة، فإنها مواضع ضرورة، أو حاجة، فيجب على المبتلي به في مثل هذه المواضع، أن يعنى بتربية أولاده عناية خاصة، ويجب على المسلمين المقيمين في تلك البلاد أن يحدثوا من أجل ذلك جوا تربويا فيه الناشئة المسلمة محافظة على عقائدها، وأعمالها، وأخلاقها الدينية.
(1) معالم السنن للخطابي، كتاب الجهاد باب علام يقاتل المشركون:3/437.
(2)
ذكره ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن:3/437 في سياق كراهة مساكنة المشركين.
(3)
راجع تكملة رد المحتار:1/85.
3 و 4 - زواج المسلمة بغير المسلم:
لا يجوز لمسلمة أن تنكح غير مسلم في حال من الأحوال، قال الله تعالى {وَلَا تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكِيْنَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} وقال تعالى {لَا هُنَّ حِلُّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّوْنَ لَهُنَّ} .
وإن الطمع في الإسلام أحد لا يبرر لمسلمة أن تعقد معه الزواج، فإن مثل هذا الطمع الموهوم لا يحل حراما. وكذلك لو أسلمت المرأة وزوجها كافر، فإن النكاح ينقطع بينها وبينه بمجرد إسلامها عند الجمهور، وبإنكار الزوج عن الإسلام بعد العرض عليه عند الحنفية، فلو أسلم الزوج وهي في عدته، رجع النكاح الأول، ولو لم يسلم إلا بعد العدة، لا ترجع إليه الزوجة المسلمة إلا بنكاح جديد بينهما، وهذا أمر فقد اتفق عليه الفقهاء قديما وحديثا، وإن الطمع الموهوم في إسلام الزوج لا يغير حكم الشرع.
5-
الدفن في مقابر غير المسلمين:
لا يجوز دفن موتى المسلمين في مقابر غير المسلمين إلا إذا لم يكن من ذلك بد، وذلك بأن لا يكون للمسلمين مقبرة، ولا يسمح لهم بالدفن خارج مقبرة الكفار، كما هو مذكور في السؤال، فحينئذ يجوز ذلك للضرورة.
6-
حكم بيع المساجد:
إن المواضع التي يصلي فيها المسلمون في البلاد الغربية على قسمين:
الأول: ما يتخذونه موضع صلاة للمسلمين، ومحل اجتماعاتهم الدينية، دون أن يجعلوه مسجدا فقهيا، بأن يقفوا ذلك المحل والبناء كمسجد، ولذلك ربما يسمونها (المركز الإسلامي) أو (دار صلاة) أو (دار جماعة) ولا يسمونه مسجدا.
وأن الأمر في مثل هذه المواضع سهل ميسور، لأنها وإن كانت تستعمل للصلاة فيها، ليست مساجد شرعية، لأن أهلها لم يجعلوها مسجدا، فكلما أراد أهلها أن يبيعوا هذه المواضع لصالح المسلمين جاز لهم ذلك بالإجماع.
والثاني: ما اتخذوه مسجدا شرعيا، وجعلوا أرضه وقفا كمسجد، فالحكم في مثل ذلك عند جمهور الفقهاء أن هذا المكان يبقى مسجدا إلى قيام الساعة، ولا يجوز بيعه في حال من الأحوال، ولا يرجع إلى ملك واقفه أبدا، وهذا مذهب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهم الله تعالى. يقول الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله:"ولو انهدم مسجد، وتعذرت إعادته أو تعطل بخراب البلد مثلا، لم يعد ملكا، ولم يبع بحال، كالعبد إذا عتق، ثم زمن، ولم ينقض إن لم يخف عليه لإمكان الصلاة فيه، ولإمكان عوده كما كان.. فإن خيف عليه نقض، وبنى الحاكم بنقضه مسجدا آخر إن رأى ذلك وإلا حفظه، وبناؤه بقربه أولى، ولا يبنى به بئرا"(1) . ويقول المواق من فقهاء المالكية: "ابن عرفة من المدونة وغيرها: يمنع ما خرب من ربع الحبس مطلقا،..وعبارة الرسالة: ولا يباع الحبس وإن خرب..وفي الطرر عن ابن عبد الغفور: لا يجوز بيع مواضع المسجد الخربة، لأنها وقف، ولا بأس ببيع نقضها". (2) .
(1) مغني المحتاج للشربيني:2/392.
(2)
التاج والإكليل للمواق بهامش الحطاب:6/42.
وجاء في الهداية من كتب الفقه الحنفي: "ومن اتخذ أرضه مسجدا لم يكن له أني رجع فيه، ولا يبيعه ولا يورث عنه، لأنه تجرد عن حق العباد، وصار خالصا لله، وهذا لأن الأشياء كلها لله تعالى، وإذا أسقط العقد ما ثبت له من الحق رجع إلى أصله، فانقطع تصرفه عنه، كما في الإعتاق، ولو خرب ما حول المسجد واستغنى عنه يبقى مسجدا عند أبي يوسف لأنه إسقاط منه، فلا يعود إلى ملكه"(1) . إلا أن مذهب الإمام أحمد رحمه الله في مثل هذا أن المسجد يجوز بيعه عندما وقع الاستغناء عنه بالكلية فقد جاء في المغني لابن قدامة: "أن الوقف إذا خرب، وتعطلت منافعه، كدار انهدمت أو أرض خربت، وعادت مواتا، ولم تمكن عمارتها، أو مسجد انتقل أهل القرية عنه، وصار في موضع لا يصلى فيه، أو ضاق بأهله، ولم يمكن توسيعه في وضعه، أو تشعب جميعه، فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه، جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته، وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه بيع جميعه، (2) وهناك قول آخر: وهو قول الإمام محمد بن الحسن الشيباني، أن الوقت إذا استغني عنه تماما، فإنه يعود إلى ملك الواقف، أو إلى وراثه بعد موته، يقول صاحب الهداية: "وعند محمد يعود إلى ملك الباني، أو إلى وراثه بعد موته،
(1) الهداية مع فتح القدير: 5/ 446.
(2)
المغني لابن قدامة مع الشرح الكبير: 6/ 225.
لأنه عينه لنوع قربة، وقد انقطعت، فصار كحصير المسجد وحشيشه إذا استغني عنه" (1)
فإذا عاد إلى ملك الواقف جاز له بيعه بعد ذلك. وأن الجمهور استدلوا على قولهم بعدم جواز البيع، وعدم انتقاله إلى ملك الواقف، بقصة عمر رضي الله عنه بخيبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من شرائط الوقف:((أنه لا يباع أصلها، ولا تابع، ولا تورث ولا توهب)) أخرجه الشيخان وهذا لفظ مسلم في باب الوقف. واستدل الإمام أبو يوسف للجمهور بالكعبة أيضا، فإن في زمن الفترة قد كان حول الكعبة عبدة أصنام، وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية، ثم لم يخرج موضع الكعبة به من أن يكون موضع طاعة وقربة خالصة لله تعالى فكذلك سائر المساجد، واعترض عليه ابن الهمام في فتح القدير، بأن الطواف لم يزل باقيا على عهد الفترة أيضا، فلم تترك العبادة المقصودة بالكعبة رأسا، وأجاب عنه الشيخ العثماني التهانوي رحمه الله بأن القربة التي عينت لها لكعبة هي الصلاة إليها، دون الطواف وحده، لقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام بعد ذكر إسكانه ذريته عند البيت الحرام {رَبَّنَا لِيُقِيْمُواْ الْصَّلَاةَ} ولم يذكر الطواف، وقوله {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلْطَّائِفِيْنِ وَالْقَاِئمِيْنَ} مفسر بالمسافرين والمقيمين كقوله {سَوَاءاً الْعَاكِفُ فِيْهِ وَالْبَادِ} (2) ، وإن من أقوى أدلة الجمهور في هذا الباب قوله الله تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُواْ مَعَ اللهِ أَحَداً} .
قال ابن العربي:
(1) الهداية مع فتح القدير: 5/ 446.
(2)
راجع إعلاء السنن: 13/ 212.
إذا تعينت لله أصلا، وعينت له عقدا، صارت عتيقة عن التملك، مشتركة بين الخليفة في العبادة (1) وأخرج ابن جرير في تفسيره (2) عن عكرمة {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ} قال: المساجد كلها. وأما الإمام أحمد فاستدل له ابن قدامة، بما روي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد لما بلغ أنه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة: انقل المسجد الذي التمارين، واجعل بيت المال قبلة المسجد، فإنه لن يزال في المسجد مصل. (3) وأجاب عنه ابن الهمام بأن يمكن أنه أمره باتخاذ بيت المال في المسجد. (4) .
ويبدو أن المذهب الراجح في هذا مذهب الجمهور، فلا ينبغي أن يباع مسجد بعد ما تقرر كونه مسجدا، وإلا لصارت المساجد مثل كنائس النصارى، يبيعونها كلما شاءوا، ولكن المسألة لما كانت مجتهدا فيها، وفي كلا الجانبين دلائل من الكتاب والسنة، فلو خيف الاستيلاء من قبل الكفار على مسجد ارتحل عن جواره أهله، ولم يرج عود المسلمين إلى ذلك المكان، ففي مثل هذه الضرورة الشديدة، يبدو أنه لا بأس بالأخذ بقول الإمام أحمد أو محمد بن الحسن رحمهما الله تعالى، ويباع بناء المسجد ويصرف ثمنه إلى بناء مسجد آخر، لا إلى مصرف سوى المسجد، قد نص عليه فقهاء الحنابلة حيث قالوا: "ولو جاز جعل أسفل المسجد سقاية وحوانيت لهذه الحاجة، لجاز تخريب المسجد، وجعله
(1) أحكام القرآن لابن العربي: 4/ 1869.
(2)
تفسير الطبري: 29/ 117.
(3)
المغني: 6/ 226
(4)
فتح القدير:5/446.
سقاية وحوانيت، ويجعل بدله مسجدا في موضع آخر" (1) .
ثم إن جواز هذا البيع إنما يصار إليه أن تحقق انتقال جميع السكان هما حول المسجد، ولم يرجع عودهم إليه، فإن انتقل أكثر السكان، وبقي منهم بعض، فلا سبيل إليه، قد نص عليه الفقهاء الحنابلة أيضا حيث قالوا:
"وإن لم تتعطل مصلحة الوقف بالكلية لكن قلت: وكان غيره أنفع منه، وأكثر ردا على أهل الوقف لم يجز بيعه، لأن الأصل تحريم البيع، وإنما أبيح للضرورة صيانة لمقصود الوقف عن الضياع مع إمكان تحصيله، ومع الانتفاع وإن قل ما يضيع المقصود (2)
7-
سفر المرأة بغير محرم:
أخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسافر المرأة فوق ثلاث إلا ومعها زوج أو ذو رحم محرم منها)) هذا الحكم الصريح قد أخذ به جمهور الفقهاء، حتى إنهم لم يجوزوا لها أن تسافر بدون محرم لضرورة الحج، وأن الدراسة والعمل في البلاد الأجنبية ليس من ضرورة النساء المسلمات في شيء، إن الشريعة لم تأذن للمرأة بالخروج من دارها إلا لحاجة ملحة، وقد ألزم أباها وزوجها بأن يكفل لها بجميع حاجاتها المالية، فليس لها أن تسافر بغير محرم لمثل هذه الحوائج.
أما إذا كانت المرأة ليس لها زوج أو أب، أو غيرهما من أقاربها
(1) راجع المغني لابن قدامة: 6/ 228.
(2)
المغني لابن قدامة: 6/ 227.
الذين يتكفلون لها بالمعيشة، وليس عندها من المال ما يسد حاجتها، فحينئذ يجوز لها أن تخرج للاكتساب بقدر الضرورة، ملتزمة بأحكام الحجاب، فيكفي لها في مثل هذه الحال أن تكتسب في وطنها، ولا حاجة لها إلى السفر إلى البلاد الأجنبية، ولو لم تجد بدا من السفر في وطنها من بلد إلى آخر، ولم تجد أحدا من محارمها، ففي مثل هذه الحالة فقط يسع لها أن تأخذ بمذهب مالك، والشافعي، حيث جوزوا لها السفر مع النساء المسلمات الثقات (1) .
8 -
إقامة النساء بمفردهن:
قد ذكرنا في الجواب عن السؤال السابع أن النسوة المسلمات لا ينبغي لهن السفر إلى بلاد غير المسلمين للدراسة أو الاكتساب، وأما إذا كانت المرأة قد توطنت إحدى هذه البلاد مع محارمها، ثم بقيت مفردة لموت محارمها، أو انتقالهم من ذلك المكان لسبب ما، فإنه لا مانع لها من الإقامة بمفردها، ما دامت ملتزمة بأحكام الشرع في الحجاب.
9-
حجاب الوجه والكفين:
إن جواب هذا السؤال موقوف على مسألة مستقلة وهي: هل الوجه داخل في أحكام الحجاب أو لا؟ وإن هذه المسألة تحتاج أن تكون موضوعا مستقلا من موضوعات الدراسة التي في المجمع، فإن البحث فيه يطول، فالمناسب أن تجعل هذه المسألة في جدول أعمال المجمع لدورة من الدورات القادمة.
10 و 11 - العمل في المطاعم التي تبيع الخمور والخنازير:
العمل في مطاعم الكفار إنما يجوز بشرط أن لا يباشر المسلم سقي
(1) راجع له المغني لابن قدامة:3/190.
الخمر أو تقديم الخنزير، أو المحرمات الأخرى، فإن سقي الخمر أو تقديمها إلى من يشربها حرام بنص صريح، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه)) (1) . وأخرج الترمذي عن أنس بن مالك، قال:((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له)) ، قال الترمذي: هذا حديث غريب من حديث أنس، وقد روى نحو هذا عن ابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (2) .
وأخرج ابن ماجه حديث أنس بلفظ: ((عاصرها، ومعتصرها، والمعصورة له، وحاملها، والمحمولة له، وبائعها، والمبيوعة له، وساقيها، والمستقاة له)) (3) . وقد أخرج الشيخان عن عائشة قالت: ((لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقترأهن على الناس، ثم نهى عن التجارة في الخمر)) (4) وأخرج مسلم عن ابن عباس مرفوعا ((أن الذي حرم شربها حرم بيعها)) عن عبد الرحمن بن وعلة أنه سأل ابن عباس، قال: إنا بأرض لنا بها الكروم، وإن أكثر غلاتها الخمر (5) ،فذكر
(1) أخرجه أبو داود في الأشربة، باب العنب يعصر للخمر: 3/ 326 رقم الحديث: 3674.
(2)
جامع الترمذي: 2/ 380 كتاب البيوع باب ما جاء في بيع الخمر: رقم: 1313.
(3)
سنن ابن ماجه: 6/ 1122، كتاب الأشربة، رقم:3381.
(4)
أخرجه البخاري في المساجد، وفي البيوع، وفي تفسير سورة البقرة، ومسلم في البيوع، باب تحريم بيع الخمر.
(5)
مسند أحمد:1/244.
ابن عباس أن رجلا أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواية خمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الذي حرم شربها حرم بيعها)) فتبين من هذه الأحاديث أن التجارة في الخمر أو حملها، أو سقيها بالأجرة حرام، وظهر من فتوى ابن عباس رضي الله عنه أن ذلك لا يحل لمسلم، ولو للاكتساب في أرض شاع فيها عصر الخمر من الكروم. ولا أعلم أحدا من الفقهاء أباح مثل هذا العمل.
12-
حكم الأدوية المركبة من الكحول:
هذه المسألة لا تختص بالبلاد الأجنبية، وإنما عمت بها البلوى في سائر البلدان، بما فيه البلاد الإسلامية، والحكم فيها على طريق الحنفية سهل، لأن الأشربة المتخذة من غير العنب والتمر تحل عند أبي حنيفة وأبي يوسف بقصد التقوي أو التداوي، ما لم تبلغ حد الإسكار (1) وإن معظم الكحول المستعملة في الأدوية اليوم لا تصنع من عنب ولا تمر، وإنما تصنع من السلفات والكبريتات، والعسل، والدبس، والحب، والشعير، والجودار، وغيرها (2) . فإن كانت الكحول المستعملة في الأدوية متخذة من غير العنب والتمر فإن تناولها جائز في مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، ما لم تبلغ حد الإسكار، ويمكن أن يؤخذ بقولهما لحاجة التداوي، وأما إذا كانت الكحول متخذة من العنب أو التمر، فلا يجوز استعمالها إلا إذا أخبر طبيب عدل أنه ليس له دواء آخر، لأن التداوي بالمحرم يجوز عند الحنفية في هذه الحالة (3) .
(1) كما في فتح القدير: 8/ 160.
(2)
راجع دائرة المعارف البريطانية: 6/ 544، المطبوعة 1950 م.
(3)
كما في البحر الرائق 1/ 116.
وأما الشافعية فلا يجوز عندهم استعمال الأشربة المحرمة للدواء صرفا، ولكن إذا كانت مستهلكة مع دواء آخر، فيجوز التداوي بها عندهم إن عرف بنفعها وتعيينها، بأن لا يغني عنها طاهر، كما صرح به الرملي في نهاية المحتاج حيث قال:"أما مستهلكة مع دواء آخر، فيجوز التداوي بها، كصرف بقية النجاسات إن عرف، أو أخبره طبيب عدل بنفعها بأن لا يغني عنها طاهر"(1) . والكحول لا تستعمل للدواء صرفا، وإنما تكون مستهلكة في دواء آخر، فتناولها لحاجة الدواء جائز عند الشافعية أيضا.
وأما المالكية والحنابلة فلا يجوز عندهم فيما أعلم التداوي بالمحرم في حال من الأحوال إلا عند الاضطرار. وحيث عمت البلوى في هذه الأدوية، فينبغي أن يؤخذ في هذا الباب بمذهب الحنفية، أو الشافعية، والله أعلم. ثم هناك جهة أخرى، ينبغي أن يسأل عنها خبراء الكيمياء وهو: أن هذه الكحول بعد تركيبها بأدوية أخرى، هل تبقى على حقيقتها أو تستحيل حقيقتها وماهيتها بعمليات كيمياوية؟ فإن كانت ماهيتها تستحيل بهذه العمليات بحيث لا تبقى "كحول" وإنما تصير شيئا آخر، فيظهر أن عند ذلك يجوز تناولها باتفاق الأئمة، لأن الخمر إذا صارت خلا جاز تناولها في قولهم جميعا لاستحالة الحقيقة.
13-
الخمائر والجلاتين المتخذة عن الخنزير:
إن كان العنصر المستخلص من الخنزير تستحيل ماهيته بعملية
(1) نهاية المحتاج للرملي: 8/ 12.
كيمياوية، بحيث تنقلب حقيقته تماما، زالت حرمته ونجاسته، وإن لم تنقلب حقيقته بقي على حرمته ونجاسته، لأن انقلاب الحقيقة مؤثر في زوال الطهارة والحرمة عند الحنفية.
14-
حفلات الزواج في المساجد:
أما عقد النكاح في المسجد فشيء مندوب، نطقت باستحبابه الأحاديث ولكن ما يصحبه من الرقص، والغناء فلا يجوز أصلا، فإن كانت حفلات الزواج لا تخلو من هذه المنكرات، فلتجنب المساجد منها.
15-
التسمي بالأسماء النصرانية:
إذ كان التسمي بالأسماء النصرانية لازما من قبل الحكومة، فيجوز أن يختار من الأسماء ما هو مشترك بين المسلمين، والنصارى، كإسحاق، وداود، وسليمان، ومريم، ولبنى، وراحيل، وصفوراء، وما إلى ذلك، ويمكن أيضا أن يسجل المولود باسم من أسماء القائمة اللازمة في دوائر الحكومة، ويدعى في البيت باسم آخر إسلامي.
16-
النكاح بإضمار نية الفرقة:
ما دامت صيغة النكاح لا تتقيد بوقت ولا زمان، وتستوفي الشروط انعقاد النكاح، فإن النكاح منعقد، والتمتع به جائز، وأما ما يضمره المتعاقدان أو أحدهما من نية الفرقة بعد اكتمال مدة ما، فلا أثر له في صحة النكاح غير أنه لما كان النكاح في الشريعة عقدا مؤبدا، فالمطلوب فيه أن يستدام من قبل الزوجين، ولا ينقص إلا عند حاجة شديدة تقتضي ذلك، وإن إضمار نية الفرقة منذ أول الأمر ينافي هذا المقصود، فلا يخلو من كراهية ديانة، فلا يصار إليه لا عند الضرورة من شدة الشبق فرارا من الزنا الحرام.
17-
التزين في محلات العمل:
قد أسلفنا في الجواب عن السؤال السابع حكم خروج المرأة للاكتساب، وبناء على ذلك، لو كان هنالك ما يبرر خروجها شرعا، فمن اللازم عليها ألا تخرج متبرجة بزينة.
18-
مصافحة المرأة للأجانب:
إن مصافحة المرأة للأجانب لا تجوز بحال، قد نطقت بذلك الأحاديث، واتفق عليها الفقهاء.
19-
استئجار الكنائس لإقامة الصلاة:
لا بأس باستئجار الكنائس لتتخذ أماكن لإقامة الصلاة، لقوله عليه الصلاة والسلام:((جعلت لي الأرض كلها مسجدا)) ولكن ينبغي أن تزاح منها التماثيل والأصنام، فإن الصلاة في بيت فيه تماثيل مكروهة، وقد امتنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه من دخول الكنائس من أجل التماثيل، فيما علقه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة، وأسنده عبد الرزاق، وذكر البخاري أيضا أن ابن عباس كان يصلي في البيعة إلا بيعة فيها تماثيل وأسنده البغوي في الجعديات، وزاد فيه:"فإن كان فيها تماثيل خرج، فصلى في المطر"(1)
20-
حكم ذبائح أهل الكتاب:
الذي أعتقده وأدين الله تعالى عليه أن مجرد كون الذابح من أهل الكتاب لا يجعل الذبيحة حلالا، حتى يسمى الله تعالى عليه، ويفري الأوداج بطريق شرعي، كما أن مجرد كون الذابح مسلما، لا يذكي
(1) راجع فتح الباري: 1/ 532 رقم 435.
الذبيحة، حتى يستوفي جميع شرائط الزكاة الشرعية، وإنما أحل الإسلام ذبائح أهل الكتاب دون من سواهم من المشركين؛ لأن أهل الكتاب كانوا ملتزمين بشروط الزكاة الإسلامية. وعلى هذا الأساس، لا تحل ذبائح أهل الكتاب إلا بهذه الشروط، وبما أن معظم النصارى قد تركوا اليوم الالتزام بشروط الزكاة التي هي واجبة في أصل دينهم فإن ذبائحهم لا تحل للمسلمين إلا إذا تحقق أنهم قد استوفوا هذه الشروط.
وهذا بخلاف ما يزعمه كثير من الناس اليوم أن ذبائحهم حلال، وإن لم يذكروا اسم الله عليها، وعندي في ذلك دلائل قوية من الكتاب والسنة، وأقوال الفقهاء، وعبارات كتب أهل الكتاب، ولكن هذا الموضوع يحتاج إلى تفصيل لا يسعه هذه الفتوى فالأحسن أن يدرج هذا الموضوع في قائمة أعمال المجمع، ويطلب من الأعضاء الكتابة عليه كموضوع مستقل، وحينئذ تعرض الدلائل ببسط وتفصيل إن شاء الله تعالى (1) .
21-
حضور المناسبات التي فيها منكرات شرعية:
لا يجوز للمسلمين أن يحضروا مثل هذه المناسبات التي تتعاطى فيها الخمور والخنازير، وتراقص فيها النساء الرجال، ولا ضرورة داعية لذلك، إلا الحصول على الجاه والسمعة، ولا ينبغي لمسلم أن يخضع لكل ما يعتريه من أسباب الفسق، وخوارم الديانة، وإنما ييجب عليه في مثل هذه المواضع أن يصمد على دينه ولو أجمع المسلمون- وعددهم في البلاد الأجنبية غير قليل- على تجنب مثل هذه المناسبات، للجأ الأجانب عند دعوتهم إلى إخلائها من هذه المنكرات.
(1) وقد أدرج هذا الموضوع في قائمة أعمال المجمع ولنا فيه بحث مستقل موجود في آخر الكتاب هذا الذي بين يديك.
22 و 23 -
إن هذين السؤالين يجب أن يكونا موضوعين مستقلين في قائمة أعمال الدراسات في المجمع، لأن الجواب عنهما يحتاج إلى دراسة أوسع وأعمق.
24-
عمل المسلم في دوائر الحكومة:
لا باس بأن يتوظف الرجل عملا في دوائر وزارات الحكومة الأمريكية، أو غيرها من حكومات البلاد الكافرة، وكذلك لا بأس بقبول مثل هذه الأعمال في مجالات الصناعة الذرية، أو الدراسات الاستراتيجية، ولكن إن فرض إليه عمل يضر بعامة المسلمين في بلد من البلاد، فمن الواجب عليه أن يتجنبه، ولا يعنيهم لفي ذلك ولو على قيمة استقالته من ذلك العمل.
25-
تصميم المهندس كنائس النصارى:
لا يجوز لمهندس مسلم أن يصمم معابد الكفار لقوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} .
26-
عمل الأزواج والآباء في بيع الخمور:
يجب على الزوجات في مثل هذه الحال أن يبذلوا أقصى ما في وسعهم في تحذير أزواجهن عن العمل في بيع الخمور والخنازير ولكنهم إن أبوا إلا العمل فيه، فإن تيسر لهن تحمل نفقات أنفسهن بطرق مباحة، فلا يجوز لهن الأكل من أموال أزواجهن، وإن لم يتيسر لهن ذلك، فيسع لهم الأكل، والإثم على الأزواج والآباء، للأطفال الصغار حكم الزوجات، أما الأولاد الكبار فعليهم أن يكتسبوا لأنفسهم، ولا يأكلوا من هذا المال.
وجواز الأكل للزوجة في مثل هذه الحالة قد صرح به بعض الفقهاء.
قال ابن عابدين رحمه الله: "امرأة زوجها في أرض الجور، إذا أكلت من طعامه ولم يكن عينه غصبا أو اشترى طعاما أو كسوة مال أصله ليس بطيب فهي في سعة من ذلك، والإثم على الزوج (1) "
27-
التبرع للكنيسة:
لا يجوز لمسلم سواء كان فردا أو هيئة، أن يتبرع لمؤسسات تنصيرية، أو كنيسة أما المؤسسات التعليمية الخالصة، فلا بأس بالتبرع لها.
28 -
شراء المنزل بواسطة البنوك:
إن المعاملة المذكورة غير جائزة لاشتمالها على الربا الحرام شرعا، وينبغي للمسلمين وعددهم غير قليل أن يجتهدوا لإيجاد بدائل هذه المعاملة الموافقة للشرعية الإسلامية، بأن يكون البنك نفسه هوا لبائع بتقسيط، ويزيد في ثمن البيوت وغيرها من الثمن المعروف، فيشتريها من الباعة، ويبيعها إلى زبائنها بربح مناسب، وينبغي أن تطرح هذه المسألة على لجنة مستقلة تكون لتخطيط نظام البنوك اللاربوي، لتنظر في تفاصيلها.
هذا ما تبين لي، الله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
* * *
(1) رد المحتار، كتاب الحظر والإباحة، فصل في البيع: 5/ 247 وكتاب البيوع، باب البيع الفاسد.
..