الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6)
أجوبة عن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية بجدة
بحث عرض على مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره
الثاني بجدة في المملكة العربية السعودية من (10) إلى (16) ربيع الثاني
(1406)
الموافق من (22) إلى (28) ديسمبر عام (1985) م.
..
أجوبة عن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية بجدة
بسم الله الرحمن الرحيم
يسر البنك الإسلامي للتنمية أن يضع أمام المجمع الفقهي الإسلامي الموقر بعض الاستفسارات برجاء أن تكون موضع عناية أصحاب السماحة والفضيلة أعضاء المجمع، وهي تتعلق بما يلي:
أولا: عمليات القروض التي يقدمها البنك الإسلامي للتنمية لمشروعات البنية الأساسية في الدول الأعضاء بالبنك وبدون فوائد، والمبلغ المقطوع الذي يتقاضاه البنك مقابل خدماته لتغطية مصاريفه الإدارية.
والقروض التي يقدمها البنك الإسلامي للتنمية للدول الأعضاء لتمويل مشروعات البنية الأساسية هي قروض طويلة الأجل إذ تتراوح مدة الوفاء بين خمسة عشر وثلاثين عاما. والتزاما بأحكام الشريعة الإسلامية فإن البنك لا يتقاضي فوائد على تلك القروض، غير أنه بناء على ما نصت عليه اتفاقية تأسيسه يتقاضى البنك رسم خدمة لتغطية نفقاته الإدارية.
وقد رأى البنك أن يتم تحديد رسم الخدمة في ضوء التكلفة الإدارية الفعلية التي سوف يتحملها البنك في تقويم المشروعات التي يمولها، وأيضا تكلفة متابعة تنفيذها، ولما كان من الصعوبة بمكان تحديد وضبط التكلفة الإدارية الفعلية التي يتحملها البنك في كل مشروع من المشروعات التي يمولها على حدة لذا فإن البنك لحد الآن وإلى أن يصبح من الممكن عمليا تحديد التكلفة الإدارية التي يتحملها كل مشروع على
حدة على وجه الدقة يكتفي بإجراء تقدير تقريبي لتكاليف الخدمة الإدارية والتي رأي أنها تتراوح بين 2.5 و3 في المائة حسب حالة المشروع وظروفه، وبناء على ذلك فإن البنك - في حدود النسبة التقريبية المذكورة - يتقاضى مبلغا مقطوعا يلتزم المقترض بالوفاء به لتغطية هذه التكاليف الإدارية.
ثانيا: عمليات الإيجار التي يقوم بها البنك الإسلامي للتنمية لتمويل شراء ثم إيجار وسائط النقل مثل ناقلات البترول، والبواخر، أو لتمويل شراء ثم إيجار معدات وأجهزة لمشروعات صناعية لصالح الدول الأعضاء.
وطبقا للأسلوب المعمول به في البنك يتم الإيجار على الأسس التالية:
(أ) بعد التحقق من الجدوى الفنية والمالية للمشروع الذي ينظر البنك في المساهمة في تمويله عن طريق الإيجار يبرم البنك اتفاقية مع الجهة القائمة على المشروع (المستأجر) ويفوض البنك بموجبها إلى تلك الجهة التعاقد باسمه مع الموردين على شراء المعدات المطلوبة (والتي يتم تعيينها وتحديد تكلفتها التقديرية في الاتفاقية) ويقوم البنك وفقا لما يتم إبرامه من عقود مع الموردين بدفع قيمة المعدات مباشرة للموردين في الآجال التي تحددها تلك العقود.
(ب) تقوم الجهة المستفيدة (المستأجر) نيابة عن البنك باستلام المعدات وفحصها للتأكد من سلامتها ومطابقتها للمواصفات المتعاقد عليها ثم تقوم بالإشراف على تركيبها - متى كان التركيب لازما-للتأكد من أن ذلك يتم بطريقة سليمة حسبما تم التعاقد عليه مع الموردين.
(ج) بناء على المعلومات المتوافرة لدى الجهة القائمة على المشروع وتقديرات الفنيين بها وبالبنك تحدد الاتفاقية الفترة الزمنية
اللازمة لتنفيذ عملية شراء المعدات وتركيبها حتى تصبح صالحة لاستيفاء المنفعة المقصودة منها. وبناء على ذلك تنص الاتفاقية على موعد بدء الإجارة بحيث يقع ذلك بعد انتهاء الفترة المقدرة لكي تصبح المعدات محل الإيجار صالحة لاستيفاء المنفعة المقصودة منها.
(د) أثناء مدة الإجارة يقوم المستأجر بدفع الأقساط المحددة في عقد الإجارة (أي الاتفاقية الخاصة بالإيجار) كما يلتزم بصيانة المعدات والحفاظ عليها والتأمين عليها لصالح البنك.
(هـ) يلتزم البنك بموجب هذه الاتفاقية بأن يبيع المعدات للمستأجر بثمن رمزي متى انتهت المدة ودفع المستأجر كل الأقساط المتفق عليها وتم وفاؤه بجميع التزاماته الأخرى بموجب الاتفاقية.
ثالثا: عمليات البيع لأجل التي يقوم بها البنك لشراء وبيع معدات وأجهزة لمشروعات صناعية لصالح الدول الأعضاء بالإضافة إلى عمليات الإيجار بدأ البنك مؤخرا في استعمال أسلوب البيع لأجل كوسيلة إضافية لتمويل شراء ثم بيع المعدات والأجهزة التي تحتاجها المشروعات الصناعية في الدول الأعضاء حيث يقوم البنك بتوكيل الجهة الراغبة في هذه المعدات والأجهزة بالتعاقد بشرائها باسمه ونيابة عنه ويقوم البنك بدفع ثمنها مباشرة للمورد، ويتم الاتفاق مع المورد بأن يتم شحنها مباشرة للجهة الراغبة في شرائها في الدولة العضو المعنية، وبعد أن تقوم تلك الجهة باستلامها بصفتها وكيلا عن البنك، يقوم البنك ببيع المعدات لها بثمن يزيد عن ثمن شرائها، على أن يتم دفع هذا الثمن على أقساط في مدة تتراوح بين ثلاث وعشر سنوات.
رابعا: عمليات تمويل التجارة الخارجية بين الدول الأعضاء التي يقوم بها البنك الإسلامي للتنمية مستخدما أسلوب بيع المرابحة - مع الأجل والتقسيط - وذلك لتوفير المواد الوسيطة لاحتياجات الدول الأعضاء.
والأصل في عمليات التجارة الخارجية أن تطلب إحدى الدول الأعضاء بالبنك شراء سلعة ذات صبغة تنموية فيقوم البنك الإسلامي للتنمية بشرائها بعد دراسة الطلب والموافقة عليه ثم يبيعها لها، ويقوم البنك لتحقيق ذلك بإبرام اتفاقية يكون أطرافها بالإضافة إلى البنك الجهة المستفيدة في الدولة المعنية وجهة أخرى في تلك الدولة يعينها البنك بموجب الاتفاقية وكيلا عنه في شراء السلعة المطلوبة ثم بيعها بعد استلامها للجهة المستفيدة بالثمن الذي حدده البنك وهو ثمن الشراء الذي دفعه البنك للموردين وفقا للعقود التي أبرمها الوكيل نيابة عنه مع زيادة ربح يقرره البنك، ويغلب في اتفاقيات التجارة الخارجية أن يكون الوكيل الذي يعينه البنك كفيلا أيضا بأداء ثمن إعادة البيع المستحق على المستفيد.
خامسا: النظر في تقرير اجتماع بعض علماء الشريعة والخبراء في المصارف، هذا الاجتماع الذي انعقد في مقر البنك الإسلامي للتنمية بجدة وبدعوة منه في العاشر من ربيع الأول عام 1399 هـ، وكان الغرض من الاجتماع النظر في حكم الشرعية في الفوائد المتجمعة من إيداع البنك الإسلامي للتنمية أمواله في المصارف العالمية بالدول الأجنبية (مرفق صورة من التقرير) .
وفي ضوء التوصيات الواردة في تقرير العلماء الأفاضل قرر مجلس محافظي البنك تخصيص خمسين في المائة50 % للاحتياطي الخاص وذلك من مجموع المبالغ المتحصلة من ودائع البنك لدى المصارف العاملة في الأسواق الدولية والاحتياطي الخاص المشار إليه مخصص لمواجهة ما قد يطرأ على انخفاض قيمة أرصدة البنك نتيجة لتذبذب العملات المودعة بها تلك الأرصدة من العملات، كما قرر المجلس أن تخصص الخمسون في المئة الأخرى لأغراض المعونة الخاصة.
وبناء على قرار مجلس المحافظين صارت هذه المعونة تقدم لأغراض هي:
(أ) التدريب والبحوث التي تهدف إلى مساعدة وإرشاد الدول الأعضاء في تعديل مسار نشاطها الاقتصادي والمالي والمصرفي بما يتواءم وأحكام الشريعة الإسلامية، ولتحقيق ذلك تم إنشاء المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بجدة منذ عام 1401 هـ (1981 م) وهو الآن يقوم بأداء رسالته في مجالي البحوث والتدريب.
(ب) توفير وسائل الإغاثة في شكل السلع والخدمات المناسبة لتقدم للدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية في حالة التعرض للكوارث الطبيعية أو المحن.
(ج) توفير المساعدات المالية للدول الأعضاء من أجل دعم وتأييد القضايا الإسلامية.
(د) تقديم المساعدة الفنية للدول الأعضاء.
..
الأجوبَة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد:
فهذه أجوبة عن استفسارات فقهية قدمها البنك الإسلامي للتنمية بجدة، إلى مجمع الفقه الإسلامي.
1-
تكليف المستقرضين بأداء رسم الخدمة:
لا مانع من أن يطالب البنك مستقرضية بأداء مبلغ مقابل التكلفات الإدارية التي تحملها في تقويم المشروعات، ومتابعة تنفيذها، ما دام ذاك المبلغ لا يجاوز التكلفات الفعلية الواقعة في ذلك المشروع خاصة.
فإن كان من الممكن تحديد هذه التكلفات بدقة، فهو الأنسب والأوفق بأحكام الشريعة فإنه لا غبار على جوازه.
وإن لم يكن تحديد التكلفات الفعلية بالنسبة إلى كل مشروع خاصة، فمن الجائز أيضا أن يطالبهم البنك لا بالتكاليف الواقعية فحسب، بل بعمولة الإجراءات الإدارية التي يقوم بها البنك قبل دفع القرض أو بعده، ما دامت هذه العمولة لا تجاوز أجر المثل على مثل هذه الأعمال، فإن الذي لا يجوز مطالبة الربح أو الأجر عليه، هو عمل القرض بنفسه، أما الأعمال الإدارية بالنسبة لذلك القرض، فلا يجب شرعا أن تكون مجانية.
وحينئذ يسع للبنك أن يطالب المستقرضين بنسبة مئوية من قيمة القرض تغطي التكاليف وعمولة الإجراءات الإدارية، ما دامت هذه النسبة
المئوية تمثل أجرة المثل على تلك الأعمال الإدارية حقيقة، ولا تتخذ حيلة لكسب الفوائد على القروض نفسها.
ونظير ذلك ما ذكره الفقهاء أن القاضي والمفتي لا يسع لهما مطالبة الأجر من الخصم، أو المستفتي، ولكن يجوز لهما أن يطالباه بأجرة كتابة الفتوى، أوكتابة الوثائق، والمحاضر والسجلات، مادامت هذه الأجرة لا تجاوز أجر المثل على مثل هذه الأعمال، ولا تتخذ حيلة لإكتساب الأجرة على الإفتاء والقضاء نفسهما.
وربما يستشكل تقدير العمولة بالنسبة المئوية، بأن الأعمال الإدارية لا تزيد ولا تنقص بزيادة مبالغ القروض ونقصانها، فينبغي أن تكون عمولتها مساوية لكل مستقرض، سواء كان مبلغ قرضه قليلا، أو كثيرا.
ولكن الجواب عن هذا الإشكال أن أجر المثل لا يبتنى دائما على قدر المشقة التي يتحملها العامل، أو الأجير، بل ربما يلاحظ فيه قيمة العمل المعنوية، والنفع الذي يرجع إلى المستأجر وحينئذ تزداد الأجرة في عمل قليل المشقة، وتنقص في عمل كثير المؤنة.
وجاء في الدر المختار للحصفكي:
(يستحق القاضي الأجر على كتب الوثائق، والمحاضر، والسجلات قدر ما يجوز لغيره كالمفتي ،فإنه يستحق أجر المثل على كتابة الفتوى، لأن الواجب عليه الجواب باللسان دون الكتابة بالبنان، ومع هذا الكف أولى احترازا عن القيل والقال، وصيانة لماء الوجه عن الإبتذال)(1) .
ويقول العلامة ابن عابدين تحته في كتاب جامع الفصولين:
(للقاضي أن يأخذ ما يجوز لغيره، وما قيل في كل ألف خمسة دراهم، لا نقول به، ولا يليق
ذلك بالفقه. وأي مشقة للكاتب في كثرة الثمن؟ وإنما أجر مثله بقدر مشقته أو بقدر عمله في صنعته أيضا ،كحكاك وثقاب يستأجر بأجر كثير في مشقة قليلة اهـ.
قال بعض الفضلاء: أفهم ذلك جواز أخذ الأجرة الزائدة وإن كان العمل مشقته قليلة ونظرهم لمنفعة المكتوب له اهـ.
قلت: ولا يخرج ذلك عن أجرة مثله، فإن من تفرغ لهذا العمل كثقاب اللآلئ مثلا لا يأخذ الأجر على قدر مشقته فإنه لا يقوم بمؤنته، ولو ألزمناه ذلك لزم ضياع هذه الصنعة فكان ذلك أجر مثله) (1) .
ومن المعلوم أن كثيرا من الفقهاء أجازوا تحديد أجرة السمسار بالنسبة المئوية من ثمن المبيع
يقول العلامة بدر الدين العيني رحمه الله في شرح صحيح البخاري:
(وهذا الباب فيه اختلاف للعلماء، فقال مالك يجوز أن يستأجره على بيع سلعته، إذا بين لذلك أجلا قال وكذلك إذا قال له بع هذا الثوب ولك درهم أنه جائز وإن لم يوقت له ثمنا وكذلك إن جعل له في كل مائة دينار شيئا وهو جعل وقال أحمد لا بأس أن يعطيه من الألف شيئا معلوما وذكر ابن المنذر عن حماد والثوري أنهما كرها أجره وقال أبو حنيفة إن دفع له ألف درهم يشتري بها بزا بأجر عشر دراهم فهو فاسد وكذلك لو قال اشتر مائة ثوب فهو فاسد فإن اشترى فله أجر مثله ولا يجاوز ما مضى من الأجر)(2)
(1) رد المحتار 6/92كتاب الإجارة مسائل شتى.
(2)
عمدة القاري كتاب الإجارة، باب أجرة السمسرة.
ويقول العلامة ابن قدامة رحمه الله:
(ويجوز أن يستأجر سمسارا يشتري له ثيابا ورخص في ابن سيرين وعطاء والنخعي وكرهه الثوري وحماد.
ولنا أنها منفعة مباحة تجوز النيابة فيها فجاز الاستئجار عليها كالبناء ويجوز على مدة معلومة مثل أن يستأجره عشرة أيام يشتري له فيها لأن المدة معلومة والعمل معلوم أشبه الخياط والقصار فإن عين العمل دون الزمان فجعل له من كل ألف درهم شيئا معلوما صح أيضا) (1)
فتبين أن الإمام مالكا وأحمدا رحمهما الله يجيزان تحديد أجرة السمسار بالنسبة المئوية والذي ذكره العيني رحمه الله من مذهب أبي حنيفة قد أفتى المتأخرون من الحنيفة بخلافه يقول ابن عابدين رحمه الله:
(وفي الدلال والسمسار يجب أجر المثل، وما تواضعوا عليه أن في كل عشرة دنانير كذا فذاك حرام عليهم. وفي الحاوي: سئل محمد بن سلمة عن أجرة السمسار، فقال: أرجو أنه لا بأس به وإن كان في الأصل فاسدا لكثرة التعامل وكثير من هذا غير جائز، فجوزوه حاجة الناس إليه كدخول الحمام)(2)
وبجواز تحديد أجرة السمسرة بالنسبة المئوية أفتى كثير من متأخري الحنفية مثل مولانا الفقيه الورع الشيخ أشرف علي التهانوي رحمه الله تعالى الذي كان يعتبر من مقدمة الفقهاء الحنيفة في الهند (3)
ولا يخفى أن المؤونة والمشقة في السمسرة ربما لا تختلف
(1) المغني لابن قدامة:5/466،طبع الرياض ـ كتاب الإجارة.
(2)
رد المحتار:6/63ـ كتاب الإجارة قبيل باب ضمان الأجير
(3)
راجع إمداد الفتاوى:3/363إلى366 رقم السؤال333.
بإختلاف الأثمان ومع ذلك جاز بناء أجرة السمسرة على النسبة المئوية عند هؤلاء الفقهاء، فيقاس عليه أجرة الأعمال الإدارية في مسألتنا لعدم الفارق بينهما.
ولكن هذه النسبة المئوية لا بد أن تكون ضئيلة لا يرتاب في كونها رسم الخدمة ولا يجوز أن تتعدى أجرة مثل هذه الأعمال في حال من الأحوال وإلا صارت منفعة مجلوبة بالقرض وحراما دون أي تردد.
وبما أن تحديد هذه النسبة المئوية التي لا تجاوز أجر المثل يخاف فيه التعدي بما يمكن أن يتدرج إلى الاحتيال لأخذ الربا فالمناسب أن يحددها البنك في إطار مجموع التكاليف الفعلية الواقعة على مجموع القروض وذلك بأن تحدد مجموع التكاليف الفعلية التي تحملها البنك على مجموع القروض في سنة واحدة ثم توزعه على مجموع المبالغ التي أقرضها في تلك السنة وتحصل من ذلك نسبة التكاليف على كل مئة من مبالغ القرض وتجعل هذه النسبة المئوية مقابل الخدمات الإدارية يتقاضاها البنك من المستقرضين كرسم الخدمة دون أن تدخل في تفاصيل التكاليف الفعلية التي تحملها بالنسبة لكل مشروع على حده.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
2-
عمليات الإيجار:
يمكن إحداث عمليات الإيجار بطريقتين
الطريقة الأولى: أن يشتري البنك المعدات والأجهزة بنفسه، ويقبضها كمالك لها ثم يؤجرها عملاءه لمدة معلومة بأجر معلوم وبعد انتهاء مدة الإجارة تعود المعدات والأجهزة إلى قبض البنك ويكون للفريقين الخيار سواء جددوا حينئذ عقد الإجارة مرة أخرى أو يعقدوا بينهما البيع بالثمن الذي سوف يحدد في ذلك الوقت أو يؤجرها البنك عميلا آخر أو يبيعها، إن هذه الطريقة جائزة في الشريعة الإسلامية لا غبار على جوازها.
والطريق الثاني: هو المذكور في السؤال وهو أن يؤجر البنك معدات ليست في ملكه وقت
التعاقد فيشتريها العميل من الموردين باسم البنك ويجعله وكيلا له في قبضها واستلامها والقيام بالإشراف على تركيبها ثم يعتبرها مؤجرة للعميل منذ تاريخ معين يقدر البنك أن عملية التركيب والشراء تتم به ويتقاضى العميل بأجرة معينة منذ ذالك التاريخ إلى نهاية مدة الإجازة المنصوص في التعاقد حتى إذا انتهت مدة الإجارة واستوفى البنك واستوفى البنك كل ما يجب له على العميل (المستأجر) تعتبر المعدات مبيعة بيد نفس المستأجر منذ ذلك التاريخ بثمن رمزي. وإن هذا الطريق فيه عدة ملاحظات من الناحية الفقهية:
أ- أن البنك يؤجر مالا يملكه وقت عقد الإجارة فضلا أن يكون مقبوضا له وإجارة مالا يملكه الإنسان باطلة وكذلك إجارة ما لم يقبضه (1) لأنه من قبيل ربح ما لم يضمن وهو منهى عنه بنص الحديث. وحل هذه المشكلة أن لا تعتبر إجارة منعقدة عند إبرام الإتفاقية وإنما تكون الإتفاقية وعدا محضا لعقد الإجارة ثم تعقد الإجارة عندما يستلم العميل المعدات المطلوبة من الموردين ويركبها فعلا كوكيل من قبل البنك فإذا تمت هذه العملية أنشأ عقد الإجارة مع البنك في ذلك التاريخ عن طريق المراسلة أو المشافهة وقبل أن يتم عقد الإجارة
(1) جاء في الشرح الكبير لابن قدامة: وكذلك لا يصح هبته ولا رهنه ولا دفعه أجرة وما أشبه ذلك ولا التصرفات المنعقدة إلى القبض لأنه غير مقبوض فلا سبيل إلى اقباضه (الشرح الكبير لابن قدامة4/119) وجاء في الفتاوى الهندية: ومنها أن يكون مقبوض المؤاجر إذا كان منقولا فإن لم يكن في قبضه فلا تصح إجارته (الفتاوى الهندية4/114) وبه يقول الشافعية في الأصح كما في مغني المحتاج:2/68و69.
تعتبر المعدات في ضمان البنك حيث إن هلكت فهلكت من ماله ويكون قبض العميل عليها قبض أمانة بحيث لا يضمنها إلا بالتعدي في حفظها وبالإشراف عليها.
ب-إن الآفات الطارئة على الشيء المؤجر لست مضمونة بالنسبة للمستأجر ما لم يرتكب تعديا في حفظها وصيانتها فالظاهر أن تأمين المعدات ضد الحوادث الطارئة خلال مدة الإجارة لا يجب على المستأجر فالمناسب إذا كان التأمين لا بد منه أن يقوم البنك نفسه يفضل كونه مالكا للمعدات إذا كان التأمين تعاونيا أما إذا كان تأمينا يتضمن الغرر أو الربا أو القمار فإنه لا يجوز شرعا.
ج _ إن العقد المذكور في السؤال يصرح بأن المعدات المؤجرة سوف تباع من المستأجر بعد انتهاء مدة الإجارة بثمن رمزي وإن التخريج الفقهي لهذا الوضع يمكن بطريقتين:
1.
أنه بيع للمعدات معلق بانتهاء الإجارة فإن البيع مشروط بانتهاء مدة الإجارة وفراغ ذمة المستأجر من كل ما يجب عليه وإن هذا الوضع لا يصح شرعا لأن البيع من العقود التي لا تقابل التعليق ولا تصح إضافتها إلى زمان مستقبل (1)
2.
أن يعتبر ذلك وعدا للبيع مشروطا في الإجارة وإنه شر ط لا يقتضيه العقد وإن مثل هذه الشروط تفسد الإجارة عند الحنفية والشافعية وأما المالكية والحنابلة فلا يفسد العقد عندهم بكثير من
(1) يقول خالد الأتاسي في شرح المجلة وأما التي لا تصح تعليقه بالشرط شرعا فضابطه كل ما كان من التمليكات
…
كالبيع والإجارة. شرح المجلة العدلية 1/234 طبع كونه باكستان.
الشروط التي لا يقتضيها العقد والظاهر أن شرط البيع في الإجارة يجوز عند هم في صفة واحدة، جاء في شرح الخرشي على مختصر خليل:(أن الإجارة إذا وقعت مع الجعل في صفقة واحدة فإنها تكون فاسدة لتنافر الأحكام بينهما؛ لأن الإجارة لا يجوز فيها الغرر وتلزم بالعقد ويجوز فيها الأجل ولا يجوز شيء من ذلك في الجعل؛ إذ لا يلزم بالعقد ولا يجوز فيه ضرب الأجل، وكذلك لا يجوز اجتماع بيع الأعيان مع الجعل في صفقة واحدة للعلة المذكورة بخلاف اجتماع الإجارة مع البيع في صفقة واحدة فيجوز سواء كانت الإجارة في نفس المبيع كما لو باع له جلودا على أن يخرزها البائع للمشتري نعالا أو كانت الإجارة في غير المبيع كما لو باع له ثوبا بدراهم معلومة على أن ينسج له ثوبا آخر)(1)
ولكن هذا إذا كان البيع حالا واشترط معه الإجارة الحالة في نفس المبيع أو في غيره ومسألتنا على العكس من ذلك فإن الحالة فيه الإجارة واشترط معها المبيع الذي سوف ينعقد بعد انتهاء مدة الإجارة ولم أجد حكم ذلك صريحا في كتب المالكية غير أن المفهوم من كتبهم أن الأصل في الشرط عندهم الإباحة ولا يكون الشرط مفسدا إلا في إحدى الحالتين: إما أن يكون الشرط مناقضا للعقد مثل أن يبيع شيئا بشرط أن لا يتصرف فيه أو يؤجر شيئا بشرط أن لا ينتفع به وإما أن يكون الشرط يخل بالثمن بأن يزيده أو ينقصه إلى قدر غير معلوم (2)
والظاهر أن اشتراط بيع المؤجر في الإجارة عند انتهاء مدتها لا يدخل في شيء من هاتين الحالتين فينبغي أن يكون جائزا عندهم والله سبحانه أعلم.
(1) الخرشي على مختصر خليل7/4
(2)
راجع مواهب الجليل للحطاب 4/373و375 والخرشي 5/80و81 وبداية المجتهد2/132.
فعلى هذا التفصيل يسع لنا أخذا بقول المالكية أن نجعله وعدا للبيع مشروطا في الإجارة ولكن مقتضى ذلك أن لا ينعقد البيع إلا بعد انتهاء مدة الإجارة فإذا انتهت مدة الإجارة يجب على الفريقين أن يعقدا البيع بإيجاب وقبول مستأنف سواء كان ذلك مشافهة أو مراسلة.
وهناك تخريج ثالث أقدر أن يكون صحيحا على مذاهب الأئمة الأربعة جميعا وذلك أن يعتبر الوعد بالبيع وعدا مستقبلا غير مشروط في الإجارة وتعتبر الإتفاقية المبرمة بين الفريقين مواعدة بينهما لإنشاء الإجارة أولا ولإنشاء البيع ثانيا ثم تعقد الإجارة في وقتها من غير أن يذكر فيه شرط البيع ويعقد البيع في وقته من غير أن يشترط فيه شيء آخر فيكون العقدان خالبين عن شرط وتكون الإتفاقية عبارة عن ثلاثة أشياء:
1.
توكيل العميل بشراء المعدات.
2.
وعد العميل باستئجارها بعد استلامها وتركيبها.
3.
وعد البنك ببيعها من العميل بعد انتهاء مدة الإجارة.
وبعد إبرام هذه الإتفاقية لا يكون العميل إلا وكيلا للبنك في شراء المعدات ثم تعقد الإجارة مستقلة في وقتها ويعقد البيع مستقلا في وقته إيفاء الوعد من كلا الجانبين.
ثم إن هذا الوعد يجب إيفاؤه ديانة بالإجماع وأما قضاء فمذهب المالكية أن الواعد إذا أدخل الموعود له في سبب يلزم بوعده وجب عليه الإيفاء قضاء ولو أخلف الواعد بوعده وحصل الموعود له ضرر مالي بخلف وعده ضمن الواعد ذلك الضرر المالي جاء في الفروق للقرافي المالكي: (الذي يلزم من العدة اهدم دارك وأنا أسلفك أو اخرج إلى الحج أو اشتر سلعة
أو تزوج امرأة وأنا أسلفك لأنك أدخلته بوعدك في ذلك أما مجردا لوعد فلا يلزم بل الوفاء به من مكارم الأخلاق) (1)
وقال الشيخ محمد عليش المالكي رحمه الله في فتاواه بعد ما ذكر ثلاثة أقوال (والرابع يقضى بها إن كانت على سبب ودخل الموعود بسبب العدة في شيء وهذا هو المشهور من الأقوال
…
قال أصبغ سمعت أشهب ، وسئل عن رجل اشترى من رجل كرما فخاف الوضيعة فأتى ليستوضعه فقال له بع وأنا أرضيك قال إن باع برأس ماله أو بربح فلا شيء عليه ، وإن باع بالوضيعة كان عليه أن يرضيه
…
وهذا القول الذي شهره ابن رشد في القضاء بالعدة إذا دخل بسببها في شيء ، قال الشيخ أبو الحسن في أول كتاب الأول
…
أنه مذهب المدونة لقولها في آخر كتاب الغرر ، وإن قال اشتر عبد فلان وأنا أعينك بألف درهم فاشتراه لزمه ذلك الوعد اهـ. وهو قول ابن القاسم في سماعه من كتاب العارية وقول سحنون في كتاب العدة) (2)
وأما في أصل مذهب الحنفية فإن الوعد وإن لم يكن ملزما في القضاء ولكن المتأخرين من فقهاء الحنفية قد جعلوا عدة مواعيد لازمة وجاء في شرح رد المحتار في مبحث الشرط الفاسد (لو ذكرا البيع بلا شرط
(1) كتاب الفروق للقرافي4/24و25
(2)
فتح العلي المالك 1/255.
ثم ذكرا الشرط على وجه الوعد جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد، إذ المواعيد قد تكون لازمة فيجعل لازما لحاجة الناس ـ ثم حكى عن الفتاوى الخيرية للرملي ((فقد صرح علماؤنا بأنهما لو ذكرا الشرط البيع بلا شرط ثم ذكرا على وجه العدة جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد)) ثم قال في آخر هذا المبحث (وقد سئل الخير الرملي عن رجلين تواضعا على بيع الوفاء قبل عقده وعقد البيع خاليا عن الشرط. فأجاب بأنه صرح في الخلاصة والفيض والتتارخانية وغيرها بأنه يكون على ما تواضعا)(1)
فقد صرح علماء الحنفية في هذه العبارات الفقهية أن المواعيد ربما تجعل لازمة لحاجة الناس وكذلك ذكر العلامة خالد الأتاسي في مبحث بيع الوفاء عن الفتاوى الخانية:
(وإن ذكرا البيع من غير الشرط ثم ذكرا الشرط على وجه المواعدة فالبيع جائز ويلزم الوفاء بالوعد لأن المواعيد قد تكون لازمة فتجعل لازمة لحالة الناس)(2)
فبالنظر إلى أقوال هؤلاء الفقهاء يمكن أن تجعل مواعيد الإجارة والبيع المنصوصة في الإتفاقية لازمة في القضاء أيضا.
(1) رد المحتار باب البيع الفاسد، مطلب في البيع الفاسد إذا ذكر بعد العقد أو قبله 4/84
(2)
شرح المجلة لخالد الأتاسي2/415.
خلاصة الجواب:
وخلاصة الجواب في ضوء ما قدمنا من البحث أن البنك ينبغي له أن يباشر عملية الإيجار بالطريق الأول الذي ذكرناه في أول جوابنا عن السؤال الثاني فإنه لا خلاف في جوازه ولا شبهة والخروج عن الخلاف والشبهات إلى أقصى حد ممكن، أولى.
وأما إذا لم يمكن ذلك عمليا لسبب من الأسباب فلا بد لجواز هذه العملية شرعا أن يراعى في هذه العملية شروط آتية:
4-
أن كون الإتفاقية لا يبت فيها إلا عقد توكيل العميل بشراء المعدات وإما إجارتها وبيعها فيذكران فيها على سبيل الوعد لا على سبيل العقد البات.
5-
بعد ما يستلم العميل المعدات وينتهي من تركيبها بعقد الإجارة مشافهة أو مراسلة ولا يذكر البيع عند عقد الإجارة.
6-
قبل الشروع في الإجارة تعتبر المعدات في ضمان البنك.
7-
بعد إنتهاء مدة الإجارة يعقد البيع باتا.
8-
إن الوعد بالإجارة والبيع المنصوص في الإتفاقية يكون لازم الإيفاء على الطرفين ديانة وقضاء.
9-
إن أخلف أحد الطرفين بوعده بالإجارة أو البيع فإنه يغرم ما تحمله الطرف الآخر من الضرر المالي فعلا بسبب إخلافه في الوعد. والله سبحانه وتعالى أعلم.
3-
البيع بالأجل
إن الملاحظة الوحيدة في هذه العملية من الناحية الفقهية أن من
شرط صحة البيع أن يكون المبيع مقبوضا للبائع أو لوكيله ثم يخص الحنابلة هذا الشرط بالطعام فقط فيجوز عندهم بيع غيره من الأشياء قبل القبض ويخصه المالكية بالمكيل والموزون فيجوز عندهم في غيرهما ويعممه الشافعي ومحمد بن الحسن في سائر المبيعات وأبو حنيفة ويوسف رحمهما الله في غير العقار. (1) وإن الأحاديث في النهي عن البيع قبل القبض كثيرة فمنها ما أخرجه الشيخان: عن ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه» . قال ابن عباس (وأحسب كل شيء مثله) .
ومنها ما أخرجه أبو داوود (2) في قصة ابن عمر عن زيد ابن ثابت قال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. وأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه والحاكم مستدركه 40:2وصححه وأقره عليه الذهبي.
ومنها ما أخرجه البيهقي عن عبد الله بن عصمة عن حكيم بن حزام قال قلت: يا رسول الله إني أبتاع هذه البيوع فما يحل لي منها وما يحرم على؟ قال: «يا ابن أخي لا تبيعن شيئا حتى تقبضه» . هذا إسناد حسن متصل. (3) وقال ابن القيم: هذا إسناد على شرطهما (4)
ومنها ما أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن) قال الترمذي هذا حديث صحيح نهى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم
(1) راجع الغني لابن قدامة4/113وفتح القدير لابن الهمام6/137.
(2)
برقم:6533
(3)
سنن البيهقي:313
(4)
تهذيب السنن5/131.
يضمن والبيع قبل القبض بتضمنه لأن المبيع لا يأتي في ضمان المشتري حتى يقبضه فإن باعه قبل ذلك بالربح كان ذلك ربحا لما لم يضمنه. فلو لم تكن المعدات مكيلة أو موزونة فإن البيع وإن كان جائزا عند الحنابلة والمالكية غير أن الأحاديث المذكورة عامة في كل مبيع، فنظرا إلى هذه الأحاديث العامة والخروج عن الخلاف ينبغي للبنك أن يهتم بقبض المعدات مباشرة أو بواسطة وكيله قبل أن يعقد فيها البيع ويمكن أن يوكل البنك ممثلا له في بلد المشتري يقوم باستلام المعدات وبيعها من المشتري نيابة عن البنك ويمكن أن يوكل شركة الشحن باستلام المعدات من بائعها وحينئذ يجوز عقد البيع بعد الشحن متصلا قبل أن تصل المعدات إلى الميناء. ولئن جعل البنك نفس العميل الراغب في شرائه وكيلا بتسلمها من ميناء بلده فيجب أن يعقد البيع معه باستلام مشافهة بالهاتف مثلا أو مراسلة وتكون الإتفاقية قبل ذلك وعدا للبيع ويكون وفاءه لازما على العميل قضاء كما أسلفنا في المسألة السابقة وفي كلتا الصورتين-سواء كان الوكيل هو المشتري نفسه أو غيره-تعتبر المعدات قبل انعقاد البيع وبعد استلام الوكيل في ضمان البنك إن هلكت من ماله إذا لم يرتكب الوكيل الراغب في شرائها تعديا في حفظها وصيانتها.
4-
بيع المرابحة بأجل وتقسيط:
إن الطريق المذكور في السؤال لبيع المرابحة لا مانع منه شرعا لأنه يكون بيعا بعد القبض بواسطة الوكيل الذي جعله البنك وكيلا له في بلد الجهة المستفيدة ولا مانع عند بعض الفقهاء المعاصرين من كونه كفيلا أيضا بأداء الثمن المستحق على المشتري إن لم تكن الكفالة مشروطة في عقد الوكالة وأما الإتفاقية فتكون قبل انعقاد البيع وعدا للبيع ويكون لازم الإيفاء قضاء على كل واحد من أطراف الإتفاقية في ضوء ما ذكرنا في الجواب عن السؤال الثاني.
وأما زيادة ربح معين على الثمن الذي اشتراه به البنك المعدات وتأجيل الثمن إلى مدة معلومة فلا مانع منه أيضا فإن مثل هذا العقد جائز عند أكثر الفقهاء وقال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله: (وقد فسر بعض أهل العلم، قالوا: بيعتين في بيعة، أن يقول: أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة، وبنسيئة بعشرين، ولا يفارقه على أحد البيعين، فإذا فارقه على أحدهما، فلا بأس إذا كانت العقدة على واحد منهما)(1) . أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري وطاوس وسعيد بن المسيب رحمهم الله أنهم قالوا (لا بأس بأن يقول أبيعك هذا الثوب بعشرة إلى شهر أو بعشرين إلى شهرين فباعه على أحدهما قبل أن يفارقه فلا بأس به وهكذا عن قتادة)(2) وقال الإمام محمد بن حسن الشيباني رحمه الله: (قال أبو حنيفة رضي الله عنه في الرجل يكون له على الرجل مائة دينار إلى اجل فإذا حلت قال له
الذي عليه الدين بعنى سلعة يكون ثمنها مائة دينار نقدا بمائة وخمسين إلى اجل إن هذا جائز لأنهما لم يشترطا شيئا ولم يذكرا أمرا يفسد به الشراء) (3)
(1) جامع الترمذي 2/533 باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة حدبث1231
(2)
مصنف عبد الرزاق 8/136
(3)
الحجة على أهل المدينة 2/694 باب ما يجوز في الدين وما لا يجوز من ذلك.
5-
الفوائد المجتمعة في البنوك الأجنبية
نوافق في هذا الصدد توصيات علماء الشريعة التي قررها اجتماعهم في11-3-339هـ
ونؤكد أن الفائدة هي عين الربا والقول الأصح المختار عند جمهور الفقهاء هو أن الربا حرام ولو أخذ من حربي فلا يجوز لمسلم أن يأخذه وينفقه في مصالح نفسه.
ونرى أيضا أن ترك هذه الفوائد الضخمة في دول أجنبية غير مسلمة لا يناسب في الظروف الحاضرة فالمخلص ما ذكره اجتماع العلماء أن يسعى البنك في سبيل الخلاص من إيداع أمواله لدى البنوك الربوية في أقرب وق ممكن وإلى أن يم ذلك بتوفيق الله تعالى يحتفظ هذه الفوائد في حساب خاص منفصل عن موارد البنك وينفقها في إعانة هذه الفقراء.
وأما تخصيص نصف هذه المبالغ للاحتياطي الخاص فلا نرى أن يجوز شرعا وذلك لأن الاحتياطي الخاص يعتبر من جملة مملوكات البنك وربما ينتفع به عند طوارئ انخفاض أسعار الأرصدة وقد ذكرنا أن الانتفاع بالفوائد المصرفية لا يجوز في الشريعة بحال. فينبغي أن يجعل البنك جميع المبالغ المتحصلة من فوائد البنوك الأجنبية لأغراض المعونة الخاصة
وَالله سبحانه وتعالى أَعْلَمْ
* * *