الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البلاغ الثاني
في التعرف إلى الله والتعريف به
اسأل نفسك: هل تعرف المرسِل؟ أو بعبارة أخرى: هل تعرف الله؟
هذه خطوة أولى، لا بد منها لقراءة الرسالة الربانية؛ ذلك أن أول مقاصد القرآن هو تعريف الناس بالله، المتكلم بالقرآن؛ ولذلك جاء تعريف الله لذاته سبحانه؛ بأسمائه الحسنى؛ مباشرة بعد التنبيه على عظمة هذا القرآن، كأنه قال لك: اعرف القرآن أولاً لتعرف الله، أوَ ليس هو تعالى المتكلم بالقرآن؟ قال جل جلاله يصف ذاته: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ
اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر:21 - 24]، اقرأ وتدبر .. ثم أبصر!
من أنت؟ .. نعم أنت هذا الإنسان الذي وجد نفسه -فجأة- في هذا الكون الفسيح، الممتد عرضه إلى حدود الغيب المجهول ..
كون عجيب وغريب. لم يستطع الإنسان المعاصر رغم ما اكتسب في مجال العلوم الكونية والفلكية والطبيعية، من معارف؛ أن يسبر أغواره الرهيبة، بل ها هو ذا ما يزال واقفاً على شاطئ الكون ينظر في حيرة: أين ترسو حدود الضفة الأخرى؟
فما المجرات والنجوم والكواكب وأفلاكها وفضاءاتها جميعاً -مما نرى وما لا نرى- إلا بطن السماء السفلى، الممتدة من تحت سبع سماوات! كما قال الله عز وجل في القرآن:{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [الصافات:6]، وما الأرض من ذلك إلا كحلقة في فلاة! وأما باقي السماوات فذلك ما لا سبيل إلى إدراكه إلا بالإيمان!
وتنبعث الحياة في الإنسان .. ليسعى في الأرض وينظر إلى السماء، يتأمل ويتفكر، ليدرك في نهاية المطاف ألا حل لهذا اللغز الذي يطوق وجوده إلا برسالة تجئ من عالم الغيب،
تخبره بسر وجوده، وسر الوجود كله من حوله، أرأيت أن لو لم تأت أي رسالة؟ كيف يكون مخرجه من هذه الظلمات؟ سل نفسك هذا السؤال، وتأمل!
ثم تأتي الرسالة من رب الكون إلى هذا الإنسان .. وكان أولى به أن ينظر -أول ما ينظر- إلى مرسلها، ويسأل -أول ما يسأل- عن مصدرها؛ حتى يتحقق منه يقيناً. ذلك أن الإنسان عندما يتوصل عادة بأي رسالة أرضية بشرية، فإنه ينظر بادئ النظر إلى اسم المرسِل من هو؟ حتى إذا استقر في ذهنه اسمه قرأ الرسالة حينئذ؛ لأنه على قدر المرسِل عند المرسَل إليه تكون قيمة الرسالة، ولقد علمنا أن الإنسان إذ تصله رسالة من محبوب أو مرهوب، يقرأ خطابه بروية وإمعان، حتى إن الأم الأمية التي تتلقى رسالة من ولدها، المسافر في أرض الغربة النائية بعيداً، تكلف من يقرأ لها الكلمات، فتستمع لها استماعاً وتنصت إنصاتاً، وتراها -وهي المرأة الأمية- تصيخ السمع للكلمات الفصيحة، تتلقاها تخيلاً بالوجدان، وإن لم تفهم معناها الدقيق على التحقيق، فتحرك رأسها بالقبول لكل ما قال الحبيب!
وتأتي الرسالة من رب الكون، ولكن قلما نوليها ما تستحق من اهتمام، مع أنها تجيبنا عن لغز الحياة من حولنا، ولغز وجودنا فيها، فلا نحتفي بالقرآن رسالة الله إلى العالمين. عجباً، عجباً!
وإذن؛ دعني أبدأ لك بالدعوى فأقول: إننا -مع الأسف- لا نعرف الله!
نعم، إن وضع المسلمين اليوم يؤكد هذه الحقيقة المؤسفة، تقول كيف؟ إليك البيان:
أما المعرفة بالله فدرجات ومراتب، وما أحسب هذا الشرود الرهيب عن باب الله في هذا الزمان؛ إلا دليلاً قاطعاً على الجهل العظيم، الذي يكبل الناس أن يبحثوا عن ربهم الذي خلقهم؛ مما يصنفنا دون أدنى مراتب المعرفة بالله، تَرَاخَيْنَا عن سلوك طريق المعرفة به في الرخاء، فبقينا هملاً، أو لقى في مزبلة التاريخ! وبقيت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا دون وفاء، فكان لها مفهومها المخالف في واقعنا:(تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)(1).
لو كان الناس يعرفون الله حقّاً؛ لرأيت الحال غير الحال؛ ولرأيتهم يسابقون في أداء حق الخالقية، وبيان ذلك بالمثال التالي، ولا مشاحة في الأمثال:
إذا قدر الله أن يكون إنسان ما جاهلاً بوالديه -لسبب من الأسباب- كليهما أو أحدهما، لكنه نشأ محتضناً بحضن بعض المحسنين، حتى شب وكبر ثم اكتشف الحقيقة: وهي
(1) رواه الحاكم، والطبراني، وأبو نعيم، والبيهقي، وعبد بن حميد، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير رقم:(2961).
أن هذا الذي رباه ليس أباه، وأن هذه التي أرضعته ليست أمه التي ولدته؛ فإنه حينئذ يدخل في غربة شديدة، قد تذهب بعقله كله، أو بعضه، إلا أن يعتصم بالله، والسبب في ذلك أنه فقد المعرفة بمن كان له سبباً في الخروج من عالم العدم إلى عالم الوجود، ودخل في جهل عظيم بنسبه وأصله، وانقطعت بين يديه سلسلة سنده التي تربطه إلى شجرة المجتمع الإنساني الذي يعيش فيه، وهنا -صورة تلقائية لا إرادية- يدخل في سلسلة من البحث والأسئلة في كل مكان، وحيثما اتفق، يسأل سؤالاً واحداً: من أبي؟ أو من أمي؟ سؤالان يؤولان إلى معنى واحد: هو من أنا؟
إن البحث عن الذات فطرة في الإنسان، ولن تعرف الذات إلا بمعرفة سبب وجودها، إذ المعلولات مرتبطة بالعلل وجوداً وعدماً، ومن ثم جهلاً ومعرفة. وهنا يذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم، في قصة غضبه من كثرة أسئلتهم المعنتة.
أخرج الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه، في حديث طويل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم خطيباً، فكان مما قال: «من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه! فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به، ما دمت في مقامي هذا! قال أنس: فأكثر الناس البكاء، وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: سلوني! فقال أنس: فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال: النار! فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله؟
قال أبوك حذافة! قال: ثم أكثر أن يقول: سلوني! سلوني! فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولى والذي نفس محمد بيده! لقد عرضت علي الجنة والنار آنفاً، في عُرْض هذا الحائط، فلم أر كاليوم في الخير والشر!» (1).
فتأمل هذا المشهد: كيف لم يجرؤ أحد من الصحابة أن يسأل شيئاً؛ إذ رأوا أمارة الغضب عليه صلى الله عليه وسلم، إلا رجلين: أحدهما سأل عن مدخله، فأجابه: النار، والعياذ بالله! والآخر انتهز الفرصة -رغم هول الموقف- فقال:(من أبي؟) فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: «أبوك حذافة» ، إن الإحساس بانقطاع النسب عقدة اجتماعية، سببها الإحساس بالجهل بالذات اجتماعيّاً، لا وجوديّاً؛ ولذلك فقد جاء في رواية مسلم لهذا الحديث:(فأنشأ رجل من المسجد كان يُلاحَى فيدعى لغير أبيه فقال: يا نبي الله من أبي؟)؛ أي أنه كان إذا خاصمه أحد من الناس؛ سبه وعيره بنسبته إلى غير أبيه! فكان ذلك يحزنه ويعقده، فلم يستطع أن يكتم رغبته الجامحة في معرفة حقيقة نسبه، رغم ما شهد من رهبة اللحظة، وخوف الصحابة من غضب النبي صلى الله عليه وسلم! وكم شهدنا من الناس من أنفق ما أنفق من الأموال والأعمار؛ من أجل
(1) رواه مسلم. (4/ 1832).
اكتشاف والده، أو أي أحد من عشيرته، أو أي خيط -مهما بعد، أو ضعف- من خيوط نسبه، أو من له صلة بذلك من الناس، عساه أن يصله بحقيقة نفسه، ولو توهمّا!
تبصرة:
غريب أمر هذا الإنسان: كيف يجهد لمعرفة حقيقته الاجتماعية، ولا يجهد ذلك الجهد وأقصى؛ لمعرفة حقيقته الوجودية!
إن الذي ينصت إلى خطاب الفطرة في نفسه يسمع نداء عميقاً، يترجم الرغبة في معرفة من أسدى إليه نعمة الوجود، ألا ترى أن الإنسان مفطور على شكر من وصله بمعروف؟ بلى، إذن لم لا تسأل عمن خلقك؟ لا تسرع في الإجابة! لا تقل لي: إنني أعرف الله فأنا مسلم، فما هذا الذي نريد!
أنت مخلوق، هذه حقيقة وجودية، فلا أحد منا جاء إلى الوجود بإرادته وقراره، من هنا كان الواجب الأول عليك أن تبحث عن الله الخالق، بهذه الصفة، أعني صفة الخالقية؛ لأنها سبب مجيئك إلى الكون، وإلا كنت عدماً، ولذلك كان أول حق لله رب الناس على الناس، وجب عليهم أداؤه ابتداء: هو حق الخالقية، أليسوا مخلوقين؟ بلى، إذن تعلق بذمة كل مخلوق أن يشكر الخالق، من حيث هو عز وجل خلقه.
و (الخلق) مفهوم من أغرب مفاهيم القرآن العظيم، ومن أكثرها استعصاء على الفهم والإدراك، فهو دال عموماً على: التكوين والإنشاء؛ إبداعاً واختراعاً؛ أي أنه خلق الخلق على غير مثال سابق، فتأمل هذه الحقيقة أولاً:(على غير مثال سابق) إنه تعالى فَطَرَ خلقه، وأنشأهم ولم يسبق له في ذلك نموذج يحتذى، فسبحانه وتعالى من خالق عظيم! فلقد كان تعالى ولم يكن قبله شيء، هو الأول بلا بداية، وهو الآخر بلا نهاية، جل شأنه وتعالى جده، ولا إله غيره. تأمل كيف كان خلق الكون؟ كيف كان العدم -وما العدم؟ - ثم كان الوجود بأمر {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة:117].
ثم تأمل كيف كان خلق آدم عليه السلام؟ كيف صنع الله من الطين المتعفن بشراً سويّاً؟ يفيض جمالاً وحيوية، عجباً، عجباً! كيف كانت كتل الطين في جسم آدم تتحول إلى شرايين، وشعيرات دموية، وعظاماً ولحماً طريّاً؟ عجباً، عجباً! كيف تحول الصلصال في محاجره عليه السلام بصراً يبرق، ويشع بنور الحياة، ويرى الألوان والأشياء، ويسيل بالدموع فرحاً وحزناً؟ عجباً، عجباً! كيف تَخَلَّقَ الترابُ في جمجمته دماغاً مائعاً مارجاً؟ متكوناً من ملايين الخلايا اللطيفة الحساسة، تجري شعيراتها بالدم الدفاق، وتختزن ملايين المعلومات والذكريات، وتتأهب للتفكير في أدق الخطرات والنظرات؟ عجباً، عجباً!
ثم تأمل: كيف جعل من الطين والماء نباتاً جميلاً، فصارت
له أزهار تملأ الأنوف عبيراً أخاذاً، وثماراً تملأ القلوب بهجة وجمالاً؟ كيف خرج عنقود العنب الطري الندي، من عود خشن وماء وطين؟ ثم كيف خرج الوليد من بطن أمه، من بعد ما تَخَلَّقَ بأمر الله من ماء مهين، ماء نكرهه فطرةً، ونغتسل منه، ماء وسِخ، وما حوله وسِخ، وطرائقه وسِخة، فخرج منه طفلاً أو طفلة تشع بالجمال وتتدفق بالحياة؟ عجباً، عجباً! تماماً كما أخرج الله اللبن من بين فرث ودم؛ شراباً صافي البياض لذيذاً. تدبر قوله عز وجل:{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ. وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [النحل:66،67] عجباً، عجباً! يا صاح، فتدبر ثم أبصر!
ذلك هو (الخلق) الذي تحدى به ربُّ العالمين كلَّ العالمين، فقال:{أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَاّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل:17]، وقال جل جلاله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:73،74].
وهذه حقيقة قرآنية كبرى، تترتب عليها أمور كبيرة في حياة الإنسان، وجوداً وعدماً: ذلك أنه كلما نادى الله الناس في القرآن بالاستجابة لأمره التعبدي، ناداهم من حيث هو (خالقهم)، هكذا بهذه الصفة دائماً، وهو أمر مهم فيما نحن
فيه من طريق المعرفة بالله، أي أنه تعالى يسألهم أداء حق الخالقية، هذه الصفة العظيمة لذاته تعالى، التي بها كنا نحن الناس هنا في الأرض نتنفس الحياة.
وتدبر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء} [النساء:1].
هاتان آيتان كلِّيتان من القرآن العظيم، تعلق الأمر فيهما بالعبادة والتقوى، وما في معناهما من الانتظام في سلك العابدين، وفلك السائرين إلى الله رب العالمين، إثباتاً لحق الله من حيث هو خالق لشجرة البشر، ولا يفتأ القرآن يُذَكِّر بهذه الحقيقة، باعتبارها مبدأ كليّاً من مبادئ الدين والتدين، وأنها العلة الأولى منه، وذلك نحو قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. فكثيراً ما يردد الناس هذه الآية، ولكن قليلاً جدّاً ما يتدبرونها. إنها آية كونية عظمى .. إنها مفتاح من مفاتيح فهم القرآن العظيم، وباب من أبواب معرفة الربوبية العليا، تأمل قوله تعالى:{مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح:14]، انظر كيف ربط حقه تعالى على عباده بمبدأ خلقهم أطواراً ..
فكلما ازداد الكفار تعنتاً ازداد القرآن إفحاماً، في بيان تفاصيل الخلق، فتلك حجة الله البالغة إجمالاً وتفصيلاً.
تدبر معي هذه الآيات واحدةً واحدةً .. قال عز وجل في حق الكافر الذي أنكر البعث على محمد صلى الله عليه وسلم، فجاء بطحين عظام ميتة نخرة، ونفخ فيها فتطاير غبارها من يده، فاستهزأ متسائلاً بما حكاه عنه القرآن الكريم، قال:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ. أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس: 78 - 81].
وتأمل كيف أن تلك كانت هي حجة موسى الذي صنعه الله على عينه، في رده على فرعون؛ إذ تعنت في إنكاره، قال عز وجل:{قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى. قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 49 - 50]، إنه تعريف للربوبية ولحقوقها في عبارة من أوجز العبارات الربانية المسطورة في القرآن الكريم .. فتدبر .. {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] ..
وجاءت الحجة الربانية في بيان الأطوار الوجودية للإنسان أيضاً في قوله تعالى: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ. مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ. مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ. ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ. ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ. ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ. كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} [عبس:17 - 23].
وقال في سياق التمهيد لقصص بعض الأنبياء، ودحض حجج المنكرين للبعث:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَانَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:12،16]، تأمل: ما بال هذا البيان والتفصيل لقضية الخلق؛ لولا أنها قضية كونية كبرى، ينبني عليها ما ينبني من مصير وجودي في حياة الإنسان، هذا المخاطب بها ابتداء؟
وانظر إلى هذا السؤال الإنكاري الرهيب، عن الوظيفة الوجودية للإنسان إذ تمتع بمنة الخلق، ثم غفل عنها وتناساها .. اقرأ، وتدبر جيداً، واقرأ وأعد القراءة مرة وأخرى؛ لعلك تبصر .. قال جل جلاله:{أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى. ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى. فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى. أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:36 - 40].
وكما كانت تلك هي حجة القرآن في الدعوة إلى العبادة، وإثبات حق الخالقية لله الواحد القهار؛ كانت هي عينها حجته في الدعوة إلى التوحيد ونفي الحق الوهمي للشركاء، وذلك كما في قوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:40]، وقال: {أَيُشْرِكُونَ مَا
لَا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الأعراف:191]، وقال:{أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَاّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل:17] .. إنه قول ثقيل جدّاً، فتدبر .. ثم أبصر!
ومن أثقل الآيات القرآنية، وأعمقها دلالة على الموقع الوجودي للإنسان من الخلق؛ قوله تعالى:{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا. إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا. إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا. إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا. إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَاسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} [الانسان:1 - 5]، ولنا مع هذه الآية وقفة تدبر آتية بحول الله .. إلا أن المهم الآن أن نثبت لك أولاً؛ أن (قضية الخلق) تمثل مفتاح فهم الربوبية، والمعنى الوجودي والوظيفي للإنسان، ولولا خشية الإطالة لبينت لك من خلال كل سور القرآن بدون استثناء؛ أنها المبدأ الكلي الذي على أساسه خاطب الله الإنسان بكل أمر ونهي، بل إنها تمثل البنية الأساس لخطابه، الذي عليه يتفرع كل شيء، مما قرره في العقيدة والشريعة على السواء.
- ولتبسيط الأمور؛ ننطلق عمليّاً من آيتين مما أوردنا من كتاب الله نجعلهما محور قضيتنا، ونفسر في ضوئهما كل الآيات الأخرى؛ نظراً لشمولية البيان فيهما، أو لغوصه إلى أعمق ما في مسألة الخلق من أبعاد كونية.
فأما الآية الأولى فقوله تعالى -مما سبق إيراده- من سورة
البقرة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. الَّذِي جَعَلَ لَكُم الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:21،22]، أنت ترى أن الله جل جلاله يأمر الناس بعبادته بصفته خالقاً لهم:{اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة:22]، ثم مكن لهم العيش في عالم هيئ أصالة لاستقبالهم:{الَّذِي جَعَلَ لَكُم الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ} [البقرة:22]، فإنشاء كل هذا إنما هو (لكم) لا لغيركم. فالمستفيد منه بالقصد الأول إنما هم الخلق، والإنسان خاصة، وهناك تعبير صريح في القرآن عن هذا، وذلك قوله تعالى بُعَيد آيات في السورة نفسها:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:29]، ثم قال بعد مباشرة:{وَإذْ قَالَ ربُّكَ للمَلائِكَةِ إني جَاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30].
فخَلْقُ ما في الأرض جميعاً كان من أجل الإنسان بصريح عبارة القرآن، ثم كان خلق السماوات بناء فوق الأرض سقفاً لها، {سَقْفًا مَحْفُوظًا} [الأنبياء:32]، وكان بعد ذلك خَلْقُ الإنسان، ثم سخر كل ما بينهما لخدمته:{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان:20]، وقد مهدت له كل أسباب الحياة والعمران، إنه تدبير رحيم، وتكريم عظيم، لهذا الإنسان، من حيث هو إنسان، كما قال
سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70]، فالأمر الوارد إذن في سورة البقرة:{اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:21] جاء في سياق قصة الخلق الأول والاستخلاف الرباني للإنسان في الأرض. وهذا منطلق مهم لفهم حقيقة الإنسان، وطبيعة العبادة المطلوبة منه لله رب العالمين.
فالغلاف الكوني كله في خدمة الإنسان خلقاً وتسخيراً.
ومن هنا كان الشرك ظلماً عظيماً؛ لأن الله هو وحده الذي خلق، وبهذا المنطق وجب أن يكون هو وحده الذي يعبد، وأي إخلال بهذا الميزان يكون ظلماً كبيراً، وهو قول الله عز وجل:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، وبهذا المنطق أيضاً نقم الله على المشركين، كما سبق من آيات من مثل قوله تعالى:{أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الأعراف:191]، وقوله سبحانه:{أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَاّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل:17].
تبصرة:
إن جماع الأمر في هذه النصوص كلها أنه تعالى: خَلَقَنا وخَلَقَ لنا، هذا مبدأ قرآني كوني عظيم وجب تدبره .. وهو ما سميناه بـ:(حق الخالقية)؛ فتأمل!
وأما الآية الثانية فهي قوله تعالى -مما سبق ذكره أيضا- من سورة الإنسان: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن
شَيْئًا مَّذْكُورًا. إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:1،2]. وإنها لمن أعظم الآيات القرآنية الباهرة! آية تملأ القلب هلعاً ووجلاً، تدبر معي كيف أن الإنسان دأب على التذكر والتفكير في الزمان، من عمره الفردي والاجتماعي، سواء تعلق ذلك بالماضي أو الحاضر أو المستقبل، ولا شيء بعد ذلك.
والمقصود بالعمر الفردي، وحدة العمر المعروفة بالنسبة لكل فرد من الناس في نفسه، فالإنسان في هذه الحال يفكر بطبعه في الماضي، وهو التذكر والذكريات، ويفكر في الحاضر وهو هم المعاش والحياة اليومية والأعمال الحالية، ويفكر في المستقبل وهو التخطيط والتدبير لمقبل الأيام، وهو ما يحدوه من حياته طول الأمل والطموح، وهو على هذا حتى يموت، هذا هو الإنسان من الناحية الزمانية.
وأما العمر الاجتماعي فالمقصود به التفكير الجماعي في الماضي، وهو علم التاريخ الذي قد يدرس فيه الإنسان مرحلة ما قبل ماضيه الشخصي، لكنه ماضي الإنسان الاجتماعي على كل حال، كما أنه قد يفكر في زمانه الحاضر والمستقبل، وهو شأن مؤسسات الدولة والمجتمع في التخطيط والتدبير السياسي والاقتصادي والاجتماعي العام.
والإنسان في جميع الأحوال المذكورة إنما يفكر في شيء واحد هو (أنا)، بمعناها الفردي والاجتماعي. والعجيب
في الآية المذكورة أنها أرشدته، بل أيقظته بأسلوب التنبيه إلى التفكير في مرحلة ما قبل العمر .. وهو مجال يندر جدّاً أن يطرق بال الفكر البشري، على المستويين الفردي والجماعي على السواء.
هل سألت نفسك مرة: أين كنت أنت بالذات: (فلان بن فلان، أو فلانة)، قبل أن يتزوج أبوك بأمك؟ سل نفسك إذن؟ أو أين كان الإنسان -بالمعنى الجماعي- قبل أن يخلق الله آدم عليه السلام؟ وللتبسيط ابق في السؤال مع نفسك فقط، وتفكر!
تذكر تاريخ ميلادك؟ قبل ذلك بسنة، أين كنت؟ وماذا كنت؟
تلك مرحلة ما قبل العمر .. فكيف تفسرها؟ وكيف تتصورها؟ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان:1]؟ إنك لن تستطيع تصور شيء ولا تخيله؛ لأنه عدم، والعدم لا يمكن تخيله، إذ لو أمكن تصوره -حتى ولو بمجرد الخيال- لكان من الممكنات. وعلم ذلك غير ممكن إلا لله العليم الخبير، سبحانه وتعالى، فهو وحده {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:29].
- المهم هاهنا عندنا أن تدرك أنك لم تكن ثم كنت. وهذا فضل عليك من الله الذي قال لك: كن! فكنت! أي خلقك
ولم تكن شيئاً مذكوراً .. لا شيء أنت حينئذ، لا ذكر لك. واللاشيء لا اسم له ولا مفهوم ليذكر، لا في الممكنات الشيئية، ولا في المدركات الذهنية.
ألم يكن ممكناً ألا تكون؟ بلى، لأن الله خلقك بإرادته، وبمشيئته تعالى، وكما يشاء للشيء أن يكون فقد يشاء للشيء ألا يكون، فهو سبحانه يتصرف في أمره وكونه كما يشاء ويختار. وما ينقص من كون الله العظيم لو أنك أنت -يا فلان بن فلان- لم تكن فيه؟ طبعاً لا شيء، لا شيء. هذا البشر ممتد نسله، طولاً وعرضاً، يملأ الآفاق الأرضية في كل مكان.
ثم كنتَ يا صاح برحمة الله وفضله، كنت بعد ذلك شيئاً مذكوراً، فتفكر، وتدبر:{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان:1]، إن هذه الآية العظيمة لهي من أثقل الآي القرآني حملاً على الإنسان! والقرآن العظيم -لو تدبرت- ثقيل كله، قال عز وجل:{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21]، وقال سبحانه:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:5]، وثقل آية الإنسان الذي لم يكن فكان، راجع -فيما هو راجع إليه- إلى ما يترتب على الوعي بهذه الحقيقة من أعباء الحق الإلهي العظيم، حق الخالقية، أليس لم تكن ثم كنت؟ بلى، إذن تعلق بذمتك حق الذي كان له الفضل