الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث، وَلَيْسَ الْمدَار فِي الِاعْتِمَاد على كَثْرَة الْجمع، بل على شَرْط الصِّحَّة.
قلت: وَقَوله وَلم يصل وَاحِد من الثَّلَاثَة
…
الخ، أَي هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى زَمَانه، فَأَما الْآن فَإِن الْقَامُوس بلغ فِي الاشتهار مبلغ اشتهار الشَّمْس فِي رَابِعَة النَّهَار، وَقصر عَلَيْهِ اعْتِمَاد المدرسين، وناط بِهِ قُصْوَى رَغبةِ المحدّثين، وَكَثُرت نسخه حَتَّى إِنِّي حِين أعدت دَرْسه فِي زَبيد حرسها الله تَعَالَى على سيّدنا الإِمَام الْفَقِيه اللّغَوِيّ رَضِي الدّين عبد الْخَالِق بن أبي بكر الزبيدِيّ الْحَنَفِيّ متع الله بحياته، وَحَضَرت الْعلمَاء والطلبة، فَكَانَ كل وَاحِد مِنْهُم بِيَدِهِ نُسْخَة.
ثمَّ قَالَ: وَمَعَ كَثْرَة مَا فِي الْقَامُوس من الْجمع للنوادر والشوارد، فقد فَاتَهُ أَشْيَاء ظَفرت بهَا فِي أثْنَاء مطالعتي لكتب اللُّغَة حَتَّى هَمَمْت أَن أجمعها فِي جُزْء مُذيّلاً عَلَيْهِ.
قلت: وَقد يُسِّر هَذَا الْمَقْصد للْفَقِير، فَجمعت مَا ظفِرت من الزَّوَائِد عَلَيْهِ فِي مُسْوَدَّة لَطِيفَة، سهل الله عليّ إِتْمَامهَا وَمَا ذَلِك على الله بعزيز.
(الْمَقْصد التَّاسِع فِي تَرْجَمَة الْمُؤلف)
هُوَ الإِمَام الشهير أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن عمر بن أبي بكر بن مَحْمُود ابْن إِدْرِيس بن فضل الله بن الشَّيْخ أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن يُوسُف قَاضِي الْقُضَاة مجد الدّين الصِّدّيقي الفيروزابادي الشِّيرَازِيّ اللّغَوِيّ، قَالَ الْحَافِظ ابنُ حجر: وَكَانَ يرفع نسبه إِلَى أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، وَلم يكن مدفوعاً فِيمَا قَالَه. ولد بكَارِزِين سنة 729 ونشأَ بهَا، وَحفظ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن سبع، وَكَانَ سريع الحِفظ بِحَيْثُ إِنَّه يَقُول: لَا أَنَام حَتَّى أحفظ مِائَتي سطر، وانتقل إِلَى شيراز وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، وَأخذ عَن وَالِده، وَعَن القوام عبد الله بن مَحْمُود وَغَيرهمَا من عُلَمَاء شيراز، وانتقل إِلَى الْعرَاق،
فَدخل وَاسِط وبغداد، وَأخذ عَن قاضيها ومدرس النظامية بهَا الشّرف عبد الله ابْن بكتاش، وجال فِي الْبِلَاد الشرقية والشاميّة، وَدخل بِلَاد الرّوم والهند، وَدخل مصر وَأخذ عَن علمائها، وَلَقي الجمَّاءَ الغَفير من أَعْيَان الْفُضَلَاء، وَأخذ عَنْهُم شَيْئا كثيرا بيّنه فِي فهرسته، وبرع فِي الْفُنُون العلمية وَلَا سِيمَا اللُّغَة، فقد برَّز فِيهَا وفَاق الأقران، وَجمع النَّظَائِر، واطلع على النَّوَادِر، وجوّد الخَط، وَتوسع فِي الحَدِيث وَالتَّفْسِير، وخدمه السُّلْطَان أَبُو يزِيد بن السُّلْطَان مُرَاد العثماني، وَقَرَأَ عَلَيْهِ، وأكسبه مَالا عريضاً، وجاهاً عَظِيما، ثمَّ دخل زَبيد فِي رَمَضَان سنة 796 فَتَلقاهُ الْملك الْأَشْرَف إِسْمَاعِيل، وَبَالغ فِي إكرامه، وَصرف لَهُ ألف دِينَار، وَأمر صَاحب عدن أَن يجهزه بِأَلف دِينَار أُخرى، وَتَوَلَّى قضاءَ الْيمن كلّه، وَقَرَأَ عَلَيْهِ السُّلْطَان فَمن دونه، واستمرّ بزبيد عشْرين سنة، وَقدم مكّة مرَارًا، وجاوَرَ بهَا، وَأقَام بِالْمَدِينَةِ المنورة، وبالطائف وَعمل بهَا مآثر حَسَنَة، وَمَا دخل بَلْدَة إِلَّا أكْرمه أَهلهَا ومتولّيها وَبَالغ فِي تَعْظِيمه، مثل شاه مَنْصُور بن شاه شُجَاع فِي تبريز، والأشرف صَاحب مصر، وَأبي يزِيد صَاحب الرّوم، وَابْن إِدْرِيس فِي بَغْدَاد، وتيمورلنك وَغَيرهم، وَقد كَانَ تيمور مَعَ عُتوّهِ يُبَالغ فِي تَعْظِيمه، وَأَعْطَاهُ عِنْد اجتماعه بِهِ مائَة ألف دِرْهَم، هَكَذَا نَقله شَيخنَا، وَالَّذِي رَأَيْته فِي مُعْجم الشَّيْخ ابْن حجر الْمَكِّيّ أَنه أعطَاهُ خَمْسَة آلَاف دينارٍ، ورام مَرّةً التَّوَجُّه إِلَى مَكَّة من الْيمن، فَكتب إِلَى السُّلْطَان يستأْذنه ويُرغّبه فِي الْإِذْن لَهُ بِكتاب من فصولِه - وكانَ مِنْ عادَة الخُلفاء سلفا وخلفاً أَنهم كَانُوا يُبْرِدُون البريدَ بقصْدِ تبليغِ سلامهم إِلَى حَضْرَة سيّد الْمُرْسلين -: فاجعَلْني - جَعلني الله فدَاك - ذَلِك الْبَرِيد، فَإِنِّي لَا أَشتهي شَيْئا سواهُ وَلَا أُريد.
فَكتب إِلَيْهِ السُّلْطَان.
إِن هَذَا شيءٌ لَا ينْطق بِهِ لساني، وَلَا يجْرِي بِهِ قلبِي، فبالله عَلَيْك إِلَّا مَا وَهَبْتَ لنا هَذَا العُمر، واللهِ يَا مجدَ الدّين يَمِينا بارّة، إِنِّي أَرى فِراقَ الدُّنْيَا وَنَعِيمهَا
وَلَا فراقَك أَنْت الْيمن وَأَهله.
وَكَانَ السُّلْطَان الْأَشْرَف قد تزوّج ابْنَته، وَكَانَت رائعة فِي الْجمال، فنال بذلك مِنْهُ زِيَادَة البِرّ والرِّفعة، بِحَيْثُ إِنَّه صنف لَهُ كتابا وأهداه لَهُ على طِبَاق، فملأها لَهُ دَرَاهِم.
كَانَ وَاسع الرِّواية، سمع من مُحَمَّد ابْن يُوسُف الزرندي الْمدنِي صَحِيح البُخَارِيّ، وَمن ابْن الخبّاز، وَابْن الْقيم، وَابْن الْحَمَوِيّ، وَأحمد بن عبد الرَّحْمَن المرداوي، وَأحمد بن مظفّر النابلسي، والتقي السُّبْكِيّ، وَولده التَّاج، وَيحيى ابْن عَليّ الحدّاد وَغَيرهم بِدِمَشْق، وَفِي الْقُدس من العلائي، والبياني، وَابْن القلانسي، وغضنفر، وَابْن نباتة، والفارقي، والعزّ بن جمَاعَة، وَبكر بن خَلِيل الْمَالِكِي، والصفي الحراوي، وَابْن جهبل، وَغَيرهم، وَله التصانيف الْكَثِيرَة النافعة الفائقة، مِنْهَا هَذَا الْكتاب الْمُسَمّى بالقاموس الْمُحِيط، وبصائر ذَوي التَّمْيِيز فِي لطائف كتاب الله الْعَزِيز، فِي مجلدين، وتنوير المقياس فِي تَفْسِير ابْن عَبَّاس فِي أَربع مجلدات، وتيسير فائحة الإهاب فِي تَفْسِير فَاتِحَة الْكتاب، فِي مُجَلد كَبِير، والدر النظيم المرشد إِلَى مَقَاصِد الْقُرْآن الْعَظِيم، وَحَاصِل كورة الْخَلَاص فِي فَضَائِل سُورَة الْإِخْلَاص، وَشرح قُطْبَة الخشاف فِي شرح خطْبَة الكَشّاف، وشوارق الْأَسْرَار العليّة فِي شرح مَشَارِق الْأَنْوَار النَّبَوِيَّة، فِي أَربع مجلدات، ومنح الْبَارِي لسيل الفيح الْجَارِي فِي شرح صَحِيح البُخَارِيّ، كمل مِنْهُ رُبع الْعِبَادَات فِي عشْرين مجلَّدًا، والإسعاد بالإصعاد إِلَى دَرَجَة الِاجْتِهَاد، فِي ثَلَاث مجلدات، وعدّة الْحُكَّام فِي شرح عُمْدَة الْأَحْكَام، فِي مجلدين، وافتضاض السهاد فِي افتراض الْجِهَاد، فِي مجلّدة، والنفحة العنبريّة فِي مولد خير البريّة، والصّلات والبُشَر فِي الصَّلاة على خير الْبشر، والوصْل والمُنَى فِي فضل مِنى، والمغانم المطابة فِي معالم طابة، وتهييج الغرام إِلَى الْبَلَد الْحَرَام، وروضة النَّاظر فِي دَرَجَة الشَّيْخ عبد الْقَادِر، والمِرقاة الوفيّة فِي طَبَقَات الْحَنَفِيَّة، والمرقاة الأرفعية فِي طَبَقَات
الشَّافِعِيَّة، وَالْبُلغَة فِي تراجم أَئِمَّة النَّحْو واللغة، ونزهة الأذهان فِي تَارِيخ أَصْبَهَان، وَتَعْيِين الغرفات للمُعين على عَرفات، ومنية الْمَسْئُول فِي دعوات الرَّسُول، ومقصود ذَوي الْأَلْبَاب فِي علم الْإِعْرَاب، والمتفق وضعا الْمُخْتَلف صنعا، والدر الغالي فِي الْأَحَادِيث العوالي، والتجاريح فِي فَوَائِد مُتَعَلقَة بِأَحَادِيث المصابيح، وتحبير الموشّين فِيمَا يُقَال بِالسِّين والشين، تتبع فِيهِ أَوْهَام الْمجمع فِي نَحْو ألف مَوضِع، وَالرَّوْض المسلوف فِيمَا لَهُ اسمان إِلَى الأُلوف، وتحفة القماعيل فِيمَن تسمى من الْمَلَائِكَة إِسْمَاعِيل، والجليس الأنيس فِي أَسمَاء الخندريس، وأنواء الْغَيْث فِي أَسمَاء اللَّيْث، وترقيق الأسل فِي تصفيق الْعَسَل، وَزَاد الْمعَاد فِي وزن بَانَتْ سعاد، وَشَرحه فِي مجلدين، والتحف والظرائف فِي النكت الشرائف، وأحاسن اللطائف فِي محَاسِن الطَّائِف، وَالْفضل الوفي فِي الْعدْل الأشرفي، وَإِشَارَة الْحجُون إِلَى زِيَارَة الْحجُون، عمله فِي لَيْلَة وَاحِدَة على مَا قيل، وَفِي الدرة من الخرَزة فِي فضل السَّلامَة على الخبزه، وهما قَرْيَتَانِ بِالطَّائِف، وتسهيل طَرِيق الْوُصُول إِلَى الْأَحَادِيث الزَّائِدَة على جَامع الأُصول، فِي أَربع مجلدات، صنفه للناصر ولد الْأَشْرَف، وَأَسْمَاء الْعَادة فِي أَسمَاء الغادَه، واللامع الْمعلم العُجاب الْجَامِع بَين الْمُحكم والعباب، كمل مِنْهُ خمس مجلدات، وسِفر السَّعَادَة، وَغير ذَلِك من مُطَوَّل ومختصر.
وَتُوفِّي رحمه الله ممتعاً بحواسِّه قَاضِيا بزبيد، وَقد ناهز التسعين، فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء المُوفية عشْرين من شوّال سنة سبع أَو سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة. وَفِي ذيل ابْن فَهد: وَله بضعٌ وَثَمَانُونَ سنة، وَدفن بتربة القطب الشَّيْخ إِسْمَاعِيل الجبرتي، وَهُوَ آخر من مَاتَ من الرؤساء الَّذين انْفَرد كل وَاحِد مِنْهُم بفن فاق فِيهِ الأقران، على رَأس الْقرن الثَّامِن، مِنْهُم السراج البُلْقِينِيّ فِي فقه الشَّافِعِي،
وَابْن عرفه فِي فقه مَالك، وَالْمجد اللّغَوِيّ فِي أسرار اللُّغَة ونوادرها، وَالَّذِي فِي مُعْجم ابْن حجر الْمَكِّيّ بعد البُلْقِينِيّ الزين العِراقي فِي الحَدِيث، وَابْن الملقّن فِي كَثْرَة التصانيف، والفَناري فِي الِاطِّلَاع على الْعُلُوم، تَرْجمهُ الْحَافِظ ابْن حجر فِي أنباء الْغمر، واقتفى أَثَره تِلْمِيذه الْحَافِظ السخاوي فِي الضَّوْء اللامع، والسيوطي فِي البغية، وَابْن قَاضِي شُهْبَة فِي الطَّبَقَات، والصفدي فِي تَارِيخه، والمقري فِي أزهار الرياض.
وَمن مفاخره مَا قَالَه السّيوطي فِي البُغية أَنه سُئل بالروم عَن قَول سَيّدنا عليٍّ كرم الله وَجهه لكَاتبه " أَلْصِقْ رَوَانِفَكَ بِالجَبُوب، وخُذْ المِزْبَر بِشَنَاتِرِك واجعَل حُندورَتَيْك إِلَى قَيْهَلي حَتَّى لَا أَنغِي نَغْيَةً إِلَّا وَقد وَعَيْتَها فِي حَماطة جُلْجلانِك " مَا مَعناه فَقَالَ: " أَلزِق عِضْرِطَكَ بالصَّلَّة، وَخذ المسطر بأَباخسك، وَاجعَل جحمتَيك إِلَى أُثعباني، حَتَّى لَا أَنبِس نَبَسَة إِلَّا وعَيْتها فِي لمظَة رِبَاطِك " فعَجب الْحَاضِرُونَ من سرعَة الْجَواب، وَمِنْهَا فِي أزهار الرياض فِي أَخْبَار القَاضِي عِيَاض للمقري، وَنَقله عَنهُ شيخ مَشَايِخنَا سَيِّدي أَحْمد زَرُّوق بن مُحَمَّد بن قَاسم الْبونِي التَّمِيمِي فِي كراسة إجَازَة لَهُ مَا نَصه: وَمن أغرب مَا منح الله بِهِ الْمجد صَاحب الْقَامُوس أَنه قَرَأَ بِدِمَشْق بَين بَاب النَّصْر والفرج تجاه نَعْل النَّبِي
، على نَاصِر الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن جهبل صَحِيح مُسلم فِي ثَلَاثَة أَيَّام، وَصرح بذلك فِي ثَلَاثَة أَبْيَات فَقَالَ:
(قَرَأْتُ بِحَمْد اللهِ جَامِعَ مُسْلِمٍ
…
بِجَوْفِ دِمَشْقِ الشَّامِ جَوْفاً لإسْلامِ)
(عَلَى نَاصِرِ الدِّينِ الإِمَام ابنِ جَهْبَلٍ
…
بِحَضْرَة حُفّاظ مَشاهِيرَ أَعْلَامِ)
(وتَمَّ بِتَوْفِيق الْإِلَه وفَضْله
…
قِرَاءَةَ ضَبْطٍ فِي ثَلاثَة أَيَّامِ)
قلت: وَفِي ذيل ابْن فَهد على ذيل الشريف أبي المحاسن فِي بَيَان طَبَقَات