الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحداث سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة:
هزيمة الفرنج عند دمشق:
فيها: جاءت من الفرنج ثلاثة ملوك إلى بيت المقدس، وصلّوا صلَاة الموت، وردّوا عَلَى عكّا، وفرّقوا في العساكر سبعمائة ألف دينار، وعزموا عَلَى قصد الإسلام. وظنّ أهل دمشق أنّهم يقصدون قلعتين بقرب دمشق، فلم يشعروا بهم في سادس ربيع الأوّل إلّا وقد صبّحوا دمشق في عشرة آلاف فارس، وستّين ألف راجل، فخرج المسلمون فقاتلوا، فكانت الرَّجّالة الّذين برزوا لقتالهم مائةً وثلاثين ألفًا، والخيّالة طائفةً كبيرة، فقُتل في سبيل اللَّه نحو المائتين، منهم الفقيه يوسف الفنْدلاويّ1، والزّاهد عبد الرحمن الحلْحُوليّ2. فلمّا كَانَ في اليوم الثّاني، خرجوا أيضًا، واستُشْهِد جماعة، وقتلوا من الفرنج ما لا يُحصى.
فلمّا كَانَ في اليوم الخامس، وصل غازي بْن أتابك زنْكي في عشرين ألف فارس، ووصل أخوه نور الدّين محمود إلى حماه رديفًا لَهُ. وكان في دمشق البكاء والتّضرُّع وفرْش الرّماد أيّامًا، وأُخرج مُصحف عثمان إلى وسط الجامع. وضجّ النساء والأطفال مكشّفين الرؤوس، فأغاثهم اللَّه.
وكان مَعَ الفرنج قِسّيس ذو لحية بيضاء، فركب حمارًا، وعلّق في حلقه الطِّيب، وفي يديه صليبين، وقال للفرنج: أَنَا قد وعدني المسيح أن آخذ دمشق، ولا يردّني أحد. فاجتمعوا حوله، وأقبل يريد البلد، فلمّا رآه المسلمون صدقت نيّتُهم، وحملوا عَلَيْهِ، فقتلوه، وقتلوا الحمار، وأحرقوا الصّلْبان، وجاءت النّجدة المذكورة، فهزم اللَّه الفرنج، وقُتل منهم خلْق3.
رواية ابن الأثير عَن انهزام الفرنج:
قَالَ ابن الأثير4: سار ملك الألمان من بلاده في خلْقٍ كثير، عازمًا عَلَى قصد الإسلام، واجتمعت معه فرنج الشّام، وسار إلى دمشق، وفيها مجير الدين أبَق بن
1 ستأتي ترجمته برقم "187".
2 ستأتي ترجمته برقم "154".
3 الكامل في التاريخ "11/ 129-131"، والبداية والنهاية "12/ 223، 224".
4 في الكامل "11/ 129-131".
محمد بْن بُوري، وأتابكه مُعِزّ الدّين أُنُر، وهو الكُلّ، وكان عادلًا، عاقِلًا، خيِّرًا، استنجد بأولاد زنْكيّ، ورتّب أمور البلد، وخرج بالنّاس إلى قتال الفرنج، فقويت الفرنج، وتقهقر المسلمون إلى البلد. ونزل ملك الألمان بالميدان الأخضر، وأيقن النّاس بأنّه يملك البلد، وجاءت عساكر سيف الدّين غازي، ونزلوا حمص، ففرح النّاس وأصبح معين الدّين يَقُولُ للفرنج الغرباء: إنّ ملك الشّرق قد حضر، فإنْ رحلتم، وإلّا سلّمت دمشق إِلَيْهِ، وحينئذٍ تندمون.
وأرسل إلى فرنج الشّام يَقُولُ لهم: بأيّ عقلٍ تساعدون هَؤُلّاءِ الغرباء علينا، وأنتم تعلمون أنّهم إنّ ملكوا أخذوا ما بأيديكم من البلاد السّاحليَّة؟ وأنا إذا رَأَيْت الضعفَ عَنْ حَفْظ البلد سلّمته إلى ابن زنْكي، وأنتم تعلمون أنّه إن ملَك لا يبقى لكم معه مُقامٌ بالشّام.
فأجابوه إلى التّخلّي عَنْ ملك الألمان، وبذلَ لهم حصن بانياس، فاجتمعوا بملك الألمان، وخوّفوه من عساكر الشّرق وكثْرتها، فرحل وعاد الى بلاده، وهي وراء القسطنطينيَّة.
قلت: إنّما كَانَ أجل قدومه لزيارة القدس، فلمّا ترحّلوا سار نور الدّين محمود إلى حصن العزيمة، وهو للفرنج، فملكه. وكان في خدمته معين الدّولة أنُر بعسكر دمشق.
ظهور الدولة الغوريَّة:
وفيها: كَانَ أول ظهور الدّولة الغوريَّة، وحشدوا وجمعوا. وكان خروجهم في سنة سبعٍ وأربعين1.
هرب رضوان وزير مصر ومقتله:
وفيها: نقب الحبس رضوان2، الّذي كَانَ وزير الحافظ صاحب مصر، وهرب عَلَى خيل أُعِدَّت لَهُ، وعبَر إلى الجيزة. وكان لَهُ في الحبْس تسعُ سِنين.
وقد كنّا ذكرنا أنّه هرب إلى الشّام، ثمّ قدِم مصرَ في جمْعٍ كبير، فقاتل المصريّين
1 الكامل في التاريخ "11/ 135".
2 هو: رضوان بن ولخشي.
عَلَى باب القاهرة وهزمهم، وقتل خلْقًا منهم، ودخل البلد، فتفرَّق جَمْعُه، وحبسه الحافظ عنده في القصر، وجمع بينه وبين أهله، وبقي إلى أن بعث الجيش يأتي من الصّعيد بجموع كثيرة، وقاتل عسكر مصر عند جامع ابن طولون فهزمهم، ودخل القاهرة، وأَرسل إلى الحافظ يطلب منه رسم الوزارة عشرين ألف دينار، فبعثها إِلَيْهِ، ففرَّقها، وطلب زيادةً، فأرسل إِلَيْهِ عشرين ألف أخرى، ثمّ عشرين ألف أخرى. وأخذ النّاس منه العطاء وتفرّقوا. وهيّأ الحافظ جَمْعًا كبيرًا من العبيد وبعثهم، فأحاطوا بِهِ، فقاتلهم مماليكه ساعةً. وجاءته ضربةٌ فقُتل1. ولم يستوزر الحافظ أحدًا من سنة ثلاثٍ وثلاثين إلى أن مات.
ظهور الدعوة النزاريَّة بمصر:
قَالَ سِبط الجوزيّ2: فيها ظهر بمصر رجلٌ من ولد نزار بْن المستنصر يطلب الخلافة، واجتمع معه خلْق، فجهّز إِلَيْهِ الحافظ العساكر، والتقوا بالصّعيد، فقُتل جماعة، ثمّ انهزم النزاري، وقُتل ولده3.
إبطال الأذان بـ "حيّ عَلَى خير العمل" بحلب:
وفيها أمر نور الدّين بإبطال "حيَّ عَلَى خير العمل" من الأذان بحلب، فعظُم ذَلكَ عَلَى الإسماعيليَّة والرَّافضة الّذين بها4.
فتنة خاصّبك السلطان مسعود:
وكان السّلطان مسعود قد مكّن خاصّبَك من المملكة، فأخذ يقبض عَلَى الأمراء، فتغيّروا عَلَى مسعود وقالوا: إمّا نَحْنُ، وإمّا خاصّبَك، فإنّه يحملك عَلَى قتْلنا. وساروا يطلبون بغداد، ومعهم محمد شاه ابن السّلطان محمود، فانجفل الناس واختبطوا، وهرب الشِحنة إلى تِكْريت، وقطع الجسر، وبعث المقتفي ابن العبّاديّ الواعظ رسولًا إليهم، فأجابوا: نَحْنُ عبيد الخليفة وعبيد السّلطان، وما فارقناه إلّا خوفًا من خاصّبَك، فإنّه قد أفنى الأمراء، فقتل عبد الرحمن بن طُوَيرك، وعبّاسًا،
1 أخبار مصر لابن ميسر "2/ 87"، والنجوم الزاهرة "5/ 281".
2 في مرآة الزمان "ج8 ق1/ 199".
3 ذيل تاريخ دمشق "302"، والنجوم الزاهرة "5/ 282".
4 ذيل تاريخ دمشق "301"، وعيون التواريخ "12/ 418"، والنجوم الزاهرة "5/ 282".
وبُزَبَه، وتَتر، وصلاح الدّين، وما عَن النَّفس عوض. وما نحن بخوارج ولا عُصاة، وجئنا لنُصلح أمرنا مَعَ السّلطان.
وكانوا: ألبُقُش، وألْذكز، وقيمز، وقرقُوب1، وأخو طُويرك2، وطرْنطاي، وعليّ بْن دُبيس. ثمّ دخلوا بغداد، فمدّوا أيديهم، وأخذوا خاصّ السّلطان، وأخذوا الغلّات، فثار عليهم أهل باب الأزَج3 وقاتلوهم، فكتب الخليفة مسعود، فأجابه: قد برِئَت ذِمَّة أمير المؤمنين من العهد الّذي بيننا، بأنّه لا يجنِّد، فيحتاط للمسلمين. فجنّد وأخرج السُّرادقات، وخندق، وسدّ العقود، وأولئك ينهبون في أطراف بغداد، وقسّطوا الأموال عَلَى مَحال الجانب الغربيّ وراحوا إلى دُجيل وأخذوا الحريم والبنات، وجاءوا بهنّ إلى الخِيَم.
ثمّ وقع القتال، وقاتلت العامَّة بالمقاليع، وقُتل جماعة. فطلع إليهم الواعظ الغزْنَوي فذمّهم وقال: لو جاء الفرنج لم يفعلوا هذا. واستنقذ منهم المواشي، وساقها إلى البلد، وقبض الخليفة عَلَى ابن صَدَقَة، وبقي الحصار أيّامًا، وخرج خلقٌ من العوامّ بالسّلاح الوافر، وقاتلوا العسكر، فاستجرّهم العسكر، وانهزموا لهم، ثمّ خرج عليهم كمين فهربوا، وقُتل من العامَّة نحو الخمسمائة.
ثمّ جاءت الأمراء، فرموا نفوسهم تحت التّاج وقالوا: لم يقع هذا بِعلْمنا، وإنّما فعله أَوْباشٌ لم نأمرهم. فلم يَقْبل عُذرهم. فأقاموا إلى الليل وقالوا: نحن قيامٌ على رؤوسنا، لا نبرح حتّى تعفي عَنْ جُرمنا.
فجاءهم الخادم يقول: عفا عنكم أمير المؤمنين فأمْضوا. ثمّ سار العسكر، وذهب بعضهم إلى الحِلَّة، وبعضهم طلب بلاده4.
الغلاء والجوع:
ووقع الغلاء، ومات بالجوع والعري أهلُ القرى، ودخلوا بغداد يستعطون5.
1 في المنتظم "قرقوت".
2 في الكامل "11/ 132"، "وابن طغايرك".
3 الأزج: محلة معروفة ببغداد.
4 المنتظم "10/ 131-133"، والكامل في التاريخ "11/ 132-134".
5 المتظم "10/ 134"، والكامل في التاريخ "11/ 137"، والعبر "4/ 118".
وفاة القاضي الزينبي:
ومات قاضي القُضاة الزَّيْنَبيِّ، وقُلِّد مكانه أبو الحسن عليّ بْن أحمد بْن عليّ بْن الدّامغانيّ1.
دخول ملك صقلّية مدينة المهديَّة:
وفيها: الغلاء مستمر بإفريقية، وجلا أكثر النّاس ووجد خلْق في جزيرة صَقَلِّية، وعظُم الوباء. فاغتنم الملعون رُجار صاحب صَقَلّية هذه الشّدَّة، وجاء في مائتين وخمسين مركبًا، ونزل عَلَى المَهْديَّة، فأرسل إلى صاحبها الحسين بْن عليّ بْن يحيى بْن تميم بْن باديس: إنّما جئت طالبًا بثأر محمد بْن رشيد صاحب فاس، وردّه إلى فاس. وأنت فبيننا وبينك عهدٌ إلى مدَّةٍ، ونريد منك عسكرًا يكون معنا.
فجمع الحَسَن الفُقهاء والكبار وشاورهم، فقالوا: نقابل عدوّنا، فإنّ بلدنا حصين.
قَالَ: أخاف أن ينزل البرَّ ويحاصرنا برًّا وبحرًا ويمنعنا الميرة، ولا يحلّ لي أن أُعطيه عسكرًا يقاتل بِهِ المسلمين، وإنِ امتنعتُ قَالَ: نقَضْت. والرأي أن نخرج بالأهل والولد، ونترك البلد، فمن أراد أن ينزح فلْيَنْزَح.
وخرج لوقته، فخرج الخلْق عَلَى وجوههم، وبقي من احتمى بالكنائس عند أهلها، وأخذت الفرنج المهدّية بلا ضرْبة ولا طَعْنة، فإنّا لله وإنّا إِلَيْهِ راجعون. فوقع النّهب نحو ساعتين، ونادوا بالأمان.
وسار الحَسَن إلى عند أمير عرب تِلْكَ النّاحية، فأكرمه. وصار الإفرنج من طرابُلُس الغرب إلى قرب تونس.
وأمّا الحَسَن، فعزم عَلَى المسير إلى مصر، ثمّ عزم على المسير إلى عبد المؤمن هُوَ وأولاده، وهو التّاسع من ملوك بني زيري. وكانت دولتهم بإفريقيَّة مائتين وثمان سنين2.
1 المنتظم "10/ 134"، وذيل تاريخ دمشق "303".
2 الكامل في التاريخ "11/ 125"، والبداية والنهاية "12/ 223".