المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحداث سنة أربع وأربعين وخمسمائة: - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ٣٧

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌أحداث سنة أربع وأربعين وخمسمائة:

‌أحداث سنة أربع وأربعين وخمسمائة:

ارتفاع الغلاء عَنْ بغداد:

في المحرَّم ارتفع عَن النّاس ببغداد الغلاء، وخرج أهل القرى1.

مقتل صاحب أنطاكية:

وغزا نور الدّين محمود بْن زنْكي فكسر الفرنج، وقتل صاحب أنطاكية. وكانت وقعة عظيمة، قُتل فيها ألف وخمسمائة من الفرنج، وأُسر مثلُهم، وذلّ دين الصّليب2.

فتح فامية:

ثمّ افتتح نور الدّين حصن فامية، وكان عَلَى أهل حماة وحمص منه غاية الضَّرَر3.

وقوع جوسلين في الأسر:

وكان جوسلين، لعنه اللَّه، قد أَلَهبَ الخلْق بالأَذّية والغارات، وهو صاحب تلّ باشر، وأعزاز، وعينتاب، والرّاوندان، وبهَسْنا والبيرة، ومَرْعَش، وغير ذَلكَ، فسار لحربه سِلَحْدار نور الدّين، فأسره جوسلين، فدسّ نور الدّين جماعةً من التُّركمان: مَن جاءني بجوسلين أعطيتُه مهما طلب.

فنزلوا بأرض عَنْتاب، فأغار عليهم جوسلين، وأخذ امْرَأَةً مليحةً فأعجبته، وخلا بها تحت شجرة، فكمن لَهُ التُّركمان وأخذوه أسيرًا حقيرًا، وأحضروه إلى نور الدّين، فأعطى الّذي أسره عشرة آلاف دينار.

وكان أسرُه فتحًا عظيمًا. واستولى نور الدّين عَلَى أكثر بلاده4.

1 المنتظم "10/ 137"، والكامل في التاريخ "11/ 146".

2 ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي "304، 305"، والمنتظم "10/ 137"، والعبر "4/ 120، 121"، والبداية والنهاية "12/ 225".

3 الكامل في التاريخ "11/ 149"، والعبر "4/ 121"، وعيون التواريخ "12/ 231".

4 الكامل في التاريخ "11/ 144"، وعيون التواريخ "12/ 421".

ص: 13

وزارة ابن هبيرة:

وفي ربيع الآخر استوزر الخليفة أبا المظفر بْن هُبيرة، ولَقَبُه: عون الدّين1.

قصْدُ ألْبقش العراق وطلب السلطنة لملكشاه:

وفي رجب جمع ألبُقُش وقصد العراق، وانضمّ إِلَيْهِ مَلِكْشاه بْن السّلطان محمود، وعليّ بْن دُبيس، وطرنْطاي، وخلْق من التُّرْكمان. فلمّا صاروا عَلَى بريدٍ من بغداد، بعثوا يطلبون أن يسلطن ملكشاه، فلم يَجِبْهم الخليفة، وجمع العسكر وتهيّأ وبعث البريد إلى السّلطان مسعود يستحثّه، فلم يتحرّك، فبعث إِلَيْهِ عمّه سَنْجَر يَقُولُ لَهُ: قد أخربت البلاد في هوى ابن البلنكريّ، فنفّذه هُوَ، والوزير، والجاوليّ، وإلّا ما يكون جوابك غيري. فلم يلتفت لسَنْجَر، فأقبل سَنْجَر حتّى نزل الرّيّ، فعلم مسعود، فسار إِلَيْهِ جريدةً، فترضّاه وعاد. ثمّ قدِم بغداد في ذي الحجَّة واطمأنّ النّاس.

الحجّ العراقيّ:

وفيها: حجّ بالعراقيّين نَظَر الخادم، فمرض من الكوفة فردّ، واستعمل مكانه قَيماز الأُرْجُوانيّ. ومات نَظَر بعد أيّام2.

الزلزلة ببغداد:

وفي ذي الحجَّة جاءت زلزلة عظيمة، وماجت بغداد نحو عشْر مرّات، وتقطّع بحُلْوان جبلٌ من الزّلزلة. وهلك عالَمٌ من التُّرْكمان3.

وفاة صاحب الموصل:

وفيها: مات صاحب المَوْصِل سيف الدّين غازي بْن زنْكيّ، وملَك بعده أخوه مَوْدُود. وعاش غازي أربعًا وأربعين سنة. مليح الصّورة والشَّكْل، وخلّف ولدًا توفي شابًا، ولم يُعقب4.

1 المنتظم "10/ 137"، والبداية والنهاية "12/ 225".

2 المتظم "10/ 138" والبداية والنهاية "12/ 226".

3 الكامل في التاريخ "11/ 146"، والبداية والنهاية "12/ 225".

4 الكامل في التاريخ "11/ 138"، وسير أعلام النبلاء "20/ 192، 193"، والبداية والنهاية "12/ 227".

ص: 14

الخلاف بين رُجار وصاحب القسطنطينية:

وفيها: وقع الخُلف بين رُجار الإفرنجيّ صاحب صَقَلِّية، وبين صاحب القُسطنطينيَّة. ودامت الحروب بينهم سِنين، فاشتغل رُجار عَنْ إفريقيَّة1.

ومن حوادث سنة أربع وأربعين وخمسمائة:

رواية ابن القلانسي عَن انتصار نور الدين عَلَى صاحب أنطاكية:

قَالَ أبو يَعلى التّميميّ في "تاريخه"2: كَانَ قد كَثُر فساد الفرنج المقيمين بعكا، وصور، والسواحل، بعد رحيلهم عَنْ حصار دمشق، وفساد شروط الهدنة الّتي بين أُنُر وبينهم. فشرعوا في العَبَث بالأعمال الدّمشقيَّة، فنهض معين الدّين أنُر بالعسكر مُغيرًا عَلَى ضياعهم، وخيّم بحَوْران، وكاتَب العربَ، وشنّ الغارات عَلَى أطراف الفرنج، وأطلق أيدي التُّرْكمان في نهْب أعمال الفرنج، حتّى طلبوا تجديد الهدنة والمسامحة ببعض المقاطعة، وتردّدت الرُسل، ثمّ تقرَّرت الموادعة مدَّة سنتين، وتحالفوا عَلَى ذَلكَ.

ثمّ بعث أنُر الأميرَ مجاهد الدّين بُزان بْن مامين في جيشٍ نجدةً لنور الدين عَلَى حرب صاحب أنطاكية، فكانت تِلْكَ الوقعة المشهودة الّتي انتصر فيها نور الدّين عَلَى الفرنج، ولله الحمد والمِنة. وكان جَمعه نحوًا من ستَّة آلاف فارس سِوَى الأتباع، والفرنج في أربعمائة فارس، وألف راجل، فلم ينجُ منهم إلّا اليسير، وقُتل ملكهم البلنس، فحُمل رأسه إلى نور الدّين. وكان هذا الكلب أحد الأبطال والفُرسان المشهورين بشدَّة البأس، عظيم الخلْقة والتّباهي في الشّرّ.

ثمّ نازل نور الدّين أنطاكية وحاصرها إلى أن ذَلّوا وسلّموها بالأمان. فرتَّب فيها مَن يحفظها، فجاءتها أمداد الفرنج، ثمّ اقتضت الحال مهادنَة من في أنطاكية وموادعتهم.

1 الكامل في التاريخ "11/ 145"، ودول الإسلام "2/ 60".

2 ذيل تاريخ دمشق "304، 305".

ص: 15

موت معين الدين أنُر:

وأمّا معين الدّين أنُر فإنّه مرض، وجيء بِهِ من حَوْران في مِحَفَّةٍ، ومات بدُوسنْطاريا في ربيع الآخر، ودُفن بمدرسته1.

الوحشة بين مؤيّد الدين ومجير الدين:

ثمّ جَرَت واقعة عجيبة. استوحش الرئيس مؤيَّد الدّين من الملك مُجير الدّين استيحاشًا أوجب جمعَ من أمكنه واقعةً من أحداث دمشق والْجَهَلة، ورتّبهم حول داره، ودار أخيه زين الدّولة حَيْدرة للاحتماء بهم، وذلك في رجب. فنفذ مجير الدّين يطيّب نفوسهما، فما وُفِّق، بل جَدّا في الجمْع والاحتشاد من العوامّ والجُند، وكسروا السجن وأطلقوا مَن فيه، واستنفروا جماعة من الشّواغرة2 وغيرهم، وحصلوا في جمعٍ كثيرٍ امتلأت بهم الطُّرُق. فاجتمعت الدّولة في القلعة بالعُدد، وأخرِجت الأسلحة، وفرَقت عَلَى الجند، وعزموا عَلَى الزّحف إلى جمْع الأوباش، ثمّ تمهّلوا حقنًا للدّماء، وخوفًا من نهْب البلد، وأَلَحُّوا عَلَى الرئيس وتلطّفوا إلى أن أجاب، واشترط شروطًا أُجيب إلى بعضها، بحيث يكون ملازمًا لداره، ويكون ولده وولد أخيه في الدّيوان، ولا يركب إلى القلعة إلّا مُسْتَدْعيًا إليها.

ثمّ حدث بعد ذَلكَ عَوْد الحال إلى ما كانت عَلَيْهِ، وجمع الجمْع الكثير من الأجناد والمقدَّمين، والفلّاحين، واتّفقوا عَلَى الزّحف إلى القلعة وحصرها، وطلب من عيَّنَه من أعدائه، فنشبت الحرب، وجُرح وقُتل جماعة. ثمّ عاد كلّ فريقٍ إلى مكانه.

ووافق ذَلكَ هروب السّلار زين الدّين إسماعيل شِحنة البلد وأخوه إلى ناحية بَعْلَبَكّ.

ولم تزل الفتنة هائجةً، والمحاربة متّصلةً، إلى أن أُجيب إلى إبعاد من التمس إبعادَه من خواصّ مُجير الدّين. ونُهبت دار السّلار وأخيه، وخلع عَلَى الرئيس وأخيه، وحَلَف لهما مُجير الدّين، وأعاد الرئيس إلى الوزارة، بحيث لا يكون له في الأمر معترض ولا مُشارك3.

1 الكامل في التاريخ "11/ 147"، وسيأتي ترجمته برقم "201".

2 الشواغرة: نسبة إلى الشاغور محلة بالباب الصغير من دمشق وهي في ظاهر المدينة: "معجم البلدان 3/ 310".

3 ذيل تاريخ دمشق "307، 308"، وعيون التواريخ "12/ 430، 431".

ص: 16

موت الحافظ لدين الله وخلافة الظاهر بمصر:

وأمّا مصر، فمات بها الحافظ لدين اللَّه عبد المجيد العُبيدي، وأقيم بعده ابنه الظّافر إسماعيل.

ووَزَرَ لَهُ أمير الجيوش ابن مصال المغربيّ، فأحسن السّيرة والسّياسة. ثمّ اضطّربت الأمور واختلفت العساكر، بحيث قُتل خلقٌ منهم1.

محبَّة الدمشقيّين نور الدين:

وأمّا أعمال دمشق كَحْوران، وغيرها، فعبث بها الفرنج، وأجدبت الأرض، ونزح الفلّاحون، فجاء نور الدّين بجيشه إلى بَعْلَبَكّ ليوقع بالفرنج، ففتح اللَّه بنزول غيثٍ عظيم، فعظُم الدعاء لنور الدين، وأحبه أهل دمشق وقالوا: هذا ببركته وحُسن سيرته2.

مصالحة نور الدين ومجير الدين:

ثمّ نزل عَلَى جسر الخشب في آخر سنة أربع، وراسل مُجير الدّين، والرئيس يَقُولُ: إنّني ما قصدتُ بنزولي هنا طلبًا لمحاربتكم، وإنّما دعاني كثرة شكاية أهل حَوْران والعُربان. أخذت أموالهم وأولادهم، ولا ينصرهم أحد فلا يَسَعني مَعَ القُدرة عَلَى نُصرتهم القعودُ عَنْهُمْ، مَعَ عِلْمٍ بعجزكم عَنْ حِفْظ أعمالكم والذّبّ عَنْهَا، والتّقصير الّذي دعاكم إلى الاستصراخ بالإفرنج عَلَى محاربتي، وبذلكم لهم أموالَ الضعفاء من الرَعيَّة ظُلْمًا وتعديًا. ولابد من المعونة بألف فارس يجرَّد مَعَ مقدَّمٍ لتخليص ثغر عسقلان وغيره.

فكان الجواب: لَيْسَ بيننا وبينك إلّا السّيف. فكثر تعجُّب نور الدّين، وأنكر هذا، وعزم عَلَى الزَّحْف إلى البلد، فجاءت أمطارٌ عظيمة منعته من ذَلكَ3.

ثمّ تقرَّر الصُّلْح في أوّل سنة خمسٍ وأربعين، فإنّ نور الدّين أشفق من سفْك

1 ذيل تاريخ دمشق "308"، والكامل في التاريخ "11/ 141، 142"، والبداية والنهاية "12/ 226"، وشذرات الذهب "4/ 138".

2 ذيل تاريخ دمشق "308، 309"، وعيون التواريخ "12/ 431".

3 ذيل تاريخ دمشق "309".

ص: 17

الدّماء، فبذلوا لَهُ الطّاعة، وخطبوا لَهُ بجامع دمشق بعد الخليفة والسّلطان، وحلفوا لَهُ. فخلع نور الدّين عَلَى مجير الدّين خِلْعةً كاملةً بالطَّوْق، وأعاده مكرّمًا، محتَرَمًا. ثمّ استدعى الرئيس إلى المخيَّم، وخلع عَلَيْهِ، وخرج إِلَيْهِ المقدَّمون، واختلطوا بِهِ، وردّ إلى حلب.

مضايقة الملك مسعود تلّ باشر:

وجاء الخبر بأنّ الملك مسعود نزل عَلَى تلّ باشِر وضايقها1.

عودة الحُجاج وما أصابهم:

ثمّ قدِم حُجاج العراق وقد أُخذوا، وحكوا مُصِيبةً ما نزل مثلُها بأحدٍ. وكان رَكْبًا عظيمًا من وجوه خُراسان وعُلمائها، وخواتين الأمراء خلْق. فأُخذ جميع ذَلكَ، وقُتل الأكثر، وسلِم الأقل، وهُتكت الحُرم، وهلك خلقٌ بالجوع والعطش2.

رحيل مسعود عَنْ تلّ باشر 3:

وأمّا مسعود، فإنّه ترحّل عَنْ تلّ باشِر.

مصالحة مجاهد الدين لصاحب دمشق:

وتوجّه مجاهد الدّين بُزان إلى حصن صرْخد، وهو لَهُ، لترتيب أحواله. وعرضت لَهُ نفرةٌ من صاحب دمشق ورئيسها، ثمّ طُلب، واصطلحوا عَلَى شرط إبعاد الحافظ يوسف عَنْ دمشق، فأُبعد، فقصد بَعْلِبَكّ، فأكرمه متولّيها عطاء4.

اتصال الخلاف في مصر:

وأمّا مصر، فالأخبار واصلة بالخُلف المستمرّ بين وزيرها ابن مصال، وبين المظفّر ابن السّلار عَلَى الأمر، فسكنت الفتنة. ثمّ ثار الجُند، وجَرَت أمور، وقُتل جماعة. نسأل الله العافية5.

1 ذيل تاريخ دمشق "310".

2 الكامل في التاريخ "11/ 148، 149"، والبداية والنهاية "12/ 226".

3 ذيل تاريخ دمشق "310، 311".

4 ذيل تاريخ دمشق "311"، وكتاب الروضتين "1/ 194، 195".

5 ذيل تاريخ دمشق "311، 312".

ص: 18