الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأجل ذلك تجدر الإشارة إلى أن المؤرخين الذين يجعلون تزييف الانتخابات من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى إشعال فتيل ثورة نوفمبر 1954 مخطئون في
تحليلهم، لأن الانتخابات في جميع مستوياتها إنما كانت تجري، فقط، في إطار السيادة الفرنسية التي هي إلغاء للسيادة الوطنية الجزائرية التي لم تبرح جماهير الشعب تناضل بقيادة الطلائع الواعية من أجل استرجاعها. إن هذه الحقيقة كلما تكررت ازدادت وضوحاً وتجلت الحاجة إلى تكرارها مرات ومرات.
حزب الشعب الجزائري وما يسمى بالأزمة البربرية
.
يذكر السيد محفوظ قداش أن "الأمة البربرية ظهرت بعد انتخابات 1948 وهي وليدة النقاش الذي دار حول عدم جدوى سياسة المشاركة في البرلمان الفرنسي". (50) إن هذا الطرح لا يختلف في شيء عن رأي السيد روبرت آجرون الذي يزعم مثل السيد قداش، أن الأزمة المذكورة تندرج في إطار الانقسامات الداخلية التي تعرض لها حزب الشعب الجزائري ابتداء من شهر أغسطس سنة 1948 (51). وفي الواقع فإن الطرحين بعيدان كل البعد عن الحقيقة التي يلامسها كل من السيدين محمد حربي (52). وابن يوسف بن خدة (53) اللذين يرجعان المسألة إلى التناقض الإيديولوجي الذي تبلور، في تلك السنة، بسبب إقدام بعض العناصر المدسوسة في قيادة الحزب بفرنسا على الجهر بمعاداتها للعروبة والإسلام وعلى الدعوة الصريحة لبناء جزائر لائكية بروليتارية.
ومن بين كل الذين عالجوا هذا الموضوع، فإن السيد ابن يوسف بن خدة هو الأكثر وضوحاً في الرؤية والأقرب إلى الحقيقة حيث يرجع المسألة إلى حجمها الطبيعي مؤكداً أن السياسة الاستعمارية هي التي مهدت لتلك الأزمة قصد توظيفها من أجل تقسيم أبناء الشعب الواحد وتعميم بعض المصطلحات المساعدة على تكريس "الأمة الجزائرية في طور التكوين" وهو الشعار الذي كان قد رفعه، في الثلاثينات السيد موريس توريز، الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي وتبناه، بدون مناقشة، سائر الشيوعيين الجزائريين (54). ولتوضيح فكرته، يضيف السيد ابن خدة قائلاً:"يعود ظهور النزعة البربرية في صفوف الحزب إلى سنتي 1946 - 1947". وبالرجوع إلى كل هذه المعطيات والتوقف عندها ملياً، نستطيع التأكيد على أن ما يسمى بالأزمة البربرية إنما هي مؤامرة
خططت لها الإدارة الاستعمارية لزرع الشقاق في أوساط حزب الشعب الجزائري قصد منعه من توظيف الدروس المستخلصة من حركة مايو الثورية التي برهنت بما لا يدع أي مجال للشك على أن الشعب الموحد وراء قيادة متنورة قادر على صنع المعجزة. وقد استفاد من مراحل تنفيذ المؤامرة كل من الشيوعيين واللائكيين الذين يهمهم
ضرب الإيديولوجية الوطنية في أعماقها. الشيوعيون وجدوا فيها ضالتهم التي ركبوها للتدليل على أن الأمة الجزائرية لم توجد بعد وما العرب والقبائل إلا بعض العناصر المكونة لها وهي ملزمة بالعمل على أن تتعايش مع بقية العناصر التي من جملتها: اليهود والفرنسيون والإيطاليون والمالطيون والإسبان والأتراك، وأما اللائكيون، فإنهم استغلوا الوضع الجديد للمطالبة بتحييد الإسلام عن كل نشاط سياسي خاصة وأن معظمهم من ضحايا حركة التنصير في الجزائر.
ولقد كان السيد كريم بلقاسم (55) من المسؤولين الأوائل الذين تفطنوا للمؤامرة، وتصدوا لها بكل إمكانياتهم المادية والأدبية، يكفي أنه كان يردد في سائر الاجتماعات التي كان يترأسها عبر مختلف أنحاء ولاية تيزي وزو: إن النزعة البربرية لا يمكن إلا أن تضر مساعينا الوطنية. إنها سلاح فتاك نضعه بأنفسنا بين أيدي عدونا الاستعمار "وفي يوم من الأيام، سوف تقودنا هذه الفكرة إلى التناحر فيما بيننا نحن الذين توحدنا عقيدة واحدة"(56).
لم يكن هذا الموقف الواعي وليد الصدفة ولا من محض تفكير السيد بلقاسم كريم، بل أن إيديولوجية الحزب وسائر برامجه السياسية هي التي فرضت ذلك وهي التي لم تتوقف الإدارة الاستعمارية عن السعي للقضاء عليها بجميع الوسائل. فالعروبة والإسلام يشكلان الأرضية الصلبة التي تتركز عليها مقومات الأمة، وقد كان حزب الشعب الجزائري يتخذ منهما تعبيراً عن الذاتية الجزائرية ويأتي بهما في مقدمة مقومات الأمة التي تترابط بها أجزاؤها وتتوحد ميولات أبنائها من أجل الاستماتة في سبيل استرجاع السيادة المغتصبة والكرامة المهدورة وبعث الدولة المغيبة. كل هذا، كان المناضلون يعرفونه ويؤمنون به ويعملون لنشره في أوساط الجماهير الشعبية، وكان القياديون، أكثر من غيرهم، يجهدون النفس في سبيل ذلك ويرفضون أن يعتدى عليه من أي كان.
ولقد كانت الإدارة الاستعمارية تدرك جيداً الدور الإيجابي الذي تؤديه العروبة والإسلام في عملية التوعية والتجنيد الضرورية لتنظيم الشعب الجزائري وإعداده لخوض المعركة الحاسمة، ولأنها كانت تدرك ذلك، فإنها
ومباشرة بعد حركة مايو الثورية قد لجأت إلى اختيار عدد من العناصر (57) المتشبعة بالثقافة الغربية والمتنكرة بجهلها للحضارة العربية الإسلامية، فدفعت بها إلى صفوف حزب الشعب الجزائري تفجرها من الداخل، وساعدت على إنجاز تلك المهمة مجموعة من العوامل أهمها ما يلي:
1 -
خيبة الأمل التي أصابت القواعد المناضلة في حزب الشعب الجزائري من جراء الأوامر المضادة التي منعت الثورة من الانتشار وفقاً للمخطط الذي وضع لها والذي تعرضنا له بالتفصيل في معالجتنا لحركة مايو الثورية.
2 -
ملل الإطارات القيادية الشابة والمتعلمة منها على وجه الخصوص من الرتابة، وجنوحها إلى كل ما من شأنه أن يحدث الانقلاب الجذري في مناهج التسيير الحزبي التي طغى عليها القرار الفردي بحجة الالتزام بمبدأ الانضباط واحترام السلم التصاعدي.
3 -
ضعف التكوين الأيديولوجي في أوساط القواعد المناضلة وذلك نتيجة اكتفاء القيادات، على جميع المستويات، باجترار بعض المبادئ والأهداف دون اللجوء، من حين لآخر، إلى عمليات الإثراء التي تأخذ في الاعتبار تطور واقع المجتمع وإمكانيات العمل من أجل تحسينه.
4 -
تخاذل الأنظمة العربية أمام الهجوم المنظم الذي شنه الصهاينة على فلسطين، وتلاحق الهزائم العسكرية التي عزتها الدعاية الإمبريالية إلى تخلف الإسلام وعجزه عن مواكبة العصر وتمكين المسلمين من النفاذ إلى ميادين العلم والتكنولوجيا.
وكان أكثر العناصر المدسوسة حقداً على العروبة والإسلام الطالب رشيد علي يحيى الذي لم يكن مناضلاً معروفاً، بل أن صلة الرحم هي التي جعلت عضو اللجنة المركزية واعلي بناي (58) يتدخل، من سجنه، لدى مسؤول التنظيم السيد أحمد بوده ملتمساً مساعدته على الالتحاق بصفوف فدرالية الحزب بفرنسا وهو ما وقع بالفعل.
ربما أن المساعدة كانت مصحوبة بتوصية، فإن علي يحيى قد تمكن من المشاركة في الندوة الفدرالية التي انعقدت إثر وصوله إلى فرنسا في شهر نوفمبر سنة 1948، وليس ذلك فقط، بل أن التوصية قد فتحت له كذلك باب المسؤولية فعين من بين أعضاء اللجنة المديرة وأسندت له رئاسة تحرير جريدة النجم التي سارع إلى توظيف أعمدتها لنشر النظرية الاستعمارية كما وردت في
أدبيات الحزب الشيوعي. "فالجزائر ليست عربية .. وعروبتها ادعاء باطل يتنكر لوجود العناصر البربرية والتركية وغيرها .. وليس صحيحاً ما ينسب للإسلام من دور أساسي في تحديد الهوية السياسية الجزائرية .. ولأجل ذلك يجب أن تكون اللائكية هي السائدة في برنامج حزب الشعب الجزائري". (59).
والحقيقة أن منظري الاستعمار الفرنسي يلتقون مع الشيوعيين الفرنسيين والجزائريين حول مكونات الأمة الجزائرية. فالأوائل يعتبرون شمال إفريقيا مهداً للكنيسة والبربر حماة لهم وهم، أي البربر يختلفون كلية عن العرب كما جاء ذلك في "رسالة الجزائر" التي كتبها Alexis de Tocqueville(60) يوم 23/ 6/1837. أما جول فيري Jules Ferry(61) فقد أمر الحاكم العام بضرورة الإسراع في فتح أكبر عدد ممكن من المدارس في منطقة القبائل الكبرى لأنها "الأكثر استعداداً للاندماج نظراً لطبع السكان وعاداتهم وتقاليدهم" (62) وبتاريخ 23/ 8/1898، عندما أنشئت المندوبيات المالية، قررت الإدارة الاستعمارية أن يكون هناك فرعان: عربي وقبائلي للتدليل على أن ثمة جنسين متعايشان في الجزائر. وأما الشيوعيون، فإنهم ظلوا، إلى نهاية الأربعينات من هذا القرن، متشبثين بنظرية أمينهم العام السيد موريس توريز التي سبقت الإشارة إليها ولا داعي إلى التوقف عندها هنا.
من هذا المنطلق، نستطيع القول إن ما يسمى بالأزمة البربرية إنما هي تعبير، بأسلوب مغاير، عن موقف اللائكيين والشيوعيين المنادي بمحاربة العروبة والإسلام، ومما لا شك فيه أن ذلك الموقف ناتج أساساً عن تأثير الثقافة الغربية في أصحابه الذين زاد في تعصبهم جهلهم المطلق للدين الإسلامي.
إن السيد محمد حربي في معالجته لهذا الموضوع يذكر أن من العوامل التي أنتجت "الأزمة البربرية" فشل حزب الشعب الجزائري والحركة من أجل انتصار الحريات الديموقراطية في وضع إيديولوجية تتلاءم مع التنوع الجزائري، وخيبة الانتظار أمام التعبئة السياسية التي عرفتها سنوات 1945/ 1949 (63) فهذا الحكم غير صحيح لأنه يعتمد على واقع مزيف أوجده الاستعمار، في الأساس، لضرب دعائم المجتمع الجزائري، إذ أن التنوع الذي يتحدث عنه السيد محمد حربي ليس طبيعياً بل هو مصطنع والمقصود منه كما يعترف بذلك السيد Emil Masquray مدير مدرسة الآداب في الجزائر "وهو محاربة الإسلام عدونا الأبدي"(64) ولتجسيد التمايز في أوساط جماهير الشعب الجزائري، بادرت الإدارة الاستعمارية منذ سنة 1857 إلى ترسيم "العرف
القبائلي" كمصدر للتشريع في "القبائل الكبرى" عوضاً عن القرآن والسنة (65). مع العلم بأن مصطلحات "القبائل" و"القبائلي" و"القبائل الصغرى" و"القبائل الكبرى" كلها لم تكن معروفة قبل سنة 1830 حيث كان المجتمع في أغلبيته الساحقة قبلياً.
فإذا كان هذا التنوع مصطنعاً وهو في أساسه من اختراع منظري الاستعمار الذين استهدفوا توظيفه لمنع الطاقات الوطنية الحية في الجزائر من أن تسلك
طريق الوحدة النضالية في سبيل استرجاع الاستقلال المغتصب، فكيف يطلب من حزب الشعب الجزائري أن يكيف أيديولوجيته معه؟ ولو فعل، فإنه، إذن، يكون قد وقع في فخ الإدارة الكولونيالية.
أما عن خيبة الانتظار التي جعل منها السيد محمد حربي العامل الثاني الذي أنتج "الأزمة البربرية" فإنها لم تكن خاصة بمناضلي منطقة دون أخرى، وإذا كانت فيما يسمى بمنطقة القبائل، قد أنتجت "الأزمة البربرية"، فماذا تكون قد أنتجت في المناطق الأخرى من البلاد؟ وبالإضافة إلى ذلك، فإن المدة المذكورة لم تكن فترة انتظار، بل كانت، على العكس، كلها إعداد واستعداد كما ذكرنا ذلك في الجزء المتعلق بالمنظمة الخاصة. وإذا كان لابد من تحديد فترة للانتظار الممل، فإنها تكون تلك الممتدة من سنة 1949 إلى غاية اندلاع ثورة نوفمبر سنة 1954. صحيح أن حزب الشعب الجزائري، مثل سائر التشكيلات السياسية في العالم، قد عرف، في بعض مراحل حياته صراعات داخلية حول موضوعات مختلفة، لكن ما يسمى بالأزمة البربرية لم يكن واحداً من تلك الصراعات التي هي ضرورية لتحقيق النمو والتطور، بل أن أدلة كثيرة تبرهن على أن التخطيط لها كان من خارج الصفوف وهو يهدف، بالدرجة الأولى، إلى خلق المشاكل المصطنعة التي تكون قادرة على عرقلة المسار النضالي الذي يتوقف نجاحه على وحدة التوجه ووحدة الهدف. وإذا كنا لا نستطيع، هنا، سرد جميع الأدلة، فإننا نرى ضرورياً التوقف عند ما يلي:
1 -
إن الذين تصدوا للمؤامرة بشتى الوسائل كلهم من أبناء ما يسمى بمنطقة القبائل الذين لا يستطيع المزايدة عليهم أحد. فالسيد بلقاسم راجف، الذي قام بالدور الحاسم في تلك المواجهة، كان يحظى باحترام كبير في أوساط المغتربين الذين كان رشيد علي يحيى وجماعته يعتقدون أنهم يشكلون قاعدة متينة لحركتهم، لأجل ذلك فإن العملية سرعان ما خبت نيرانها ولم ينجح المتآمرون في إرساء قواعد ما أسموه يومها بحزب
الشعب القبائلي (66).
2 -
إن إطارات حزب الشعب الذين وجدوا أنفسهم، لسبب أو لآخر، متورطين في العملية قد سارعوا إلى التراجع معبرين، على أعمدة الصحافة وبواسطة المنشورات، عن إدانتهم للمتطرفين ومؤكدين "إن حزب الشعب القبائلي لا وجود له ولا يمكن أن يرى النور لسبب واضح وهو عدم وجود غير شعب جزائري واحد"(67).
3 -
إن المؤامرة لم تتجاوز ما يسمى بمنطقة القبائل وفي، فرنسا، ظلت محصورة في أوساط المغتربين منها دون أن تتمكن من الانتشار في صفوف المغتربين الآخرين وخاصة منهم القادمين من المناطق التي بقيت محافظة على الطابع البربري الأصيل مثل الأوراس النمامشة والهقار ووادي ميزاب. ولو كانت هناك قضية بربرية، كما يزعمون، لكانت المناطق المذكورة هي المهد لها والمنطلق.
4 -
إن الذين أخبروا قيادة الحزب بما تدبره العناصر المتآمرة كلهم من أبناء ما يسمى بمنطقة القبائل، ولم يفعلوا ذلك إلا لتشبعهم بإيديولوجية الحركة المصالية التي لم تتوقف، أبداً، عن اعتبار العروبة والإسلام مقوماً حيوياً للشعب الجزائري. يكفي هنا، الإشارة إلى اندهاش السيد بلقاسم راجف عندما بلغه نبأ المؤامرة وقوله لمسؤول التنظيم السيد أحمد بوده:"إنني أرفض أن أتصور مجموعة من مناضلي حزب الشعب الجزائري يثمنون التمايز العرقي ويدعون إلى تشتيت جماهير الشعب"(68).
وبمجرد انتشار نبأ تمرد فدرالية الحزب في باريس وظهور نزعة تساند ذلك داخل العاصمة خاصة، قررت القيادة إرسال السيدين شوقي مصطفاي والصادق سعيدي إلى فرنسا من أجل اجتثاث المرض. وكان اختيار الرجلين مقصوداً لانتمائهما معاً إلى ما يسمى بمنطقة القبائل. وقد كان الأول نائباً ثانياً لرئيس الحركة من أجل انتصار الحريات الديموقراطية، بينما كان الثاني عضواً بالمكتب السياسي المنتخب على إثر مؤتمر فيفري سنة 1947.
وعلى الرغم من كل تلك المواصفات، فإن مبعوثي المكتب السياسي لم ينجحا في مهمتهما، الأمر الذي جعل الحاج مصالي يلجأ إلى السيد بلقاسم راجف الذي وظف كل الوسائل بما في ذلك العنف واستطاع أن يسترجع فدرالية الحزب في فرنسا على إثر مجلس اتحادي عقد في شهر أفريل سنة 1949
واختتم أشغاله بطرد المنشقين وبالمصادقة على لائحة تؤكد "التمسك بأيديولوجية حزب الشعب الجزائري وبالحاج مصالي"(69).
وإذا كانت مهمة القضاء على حركة التمرد صعبة في فرنسا حيث تطلب ذلك استعمال العنف واللجوء إلى شتى وسائل الإقناع، فإن الأمر، في داخل البلاد، قد اقتصر على فصل العناصر المتورطة في العملية التي لم تتأثر بها "سوى قسمة عين الحمام من جملة القسمات الثلاث عشرة التي تشتمل عليها بلاد زواوة"(70).
ومن خلال شهادات الأحياء من المسؤولين وبالرجوع إلى ما هو متوفر لدينا من وثائق، نستطيع القول إن الحاج مصالي قد وظف ما يسمى بالأزمة البربرية ليتخلص من منافسه الأول الدكتور محمد الأمين دباغين وعدد من أنصاره الفاعلين.
وإذا كان صحيحاً أن حزب الشعب الجزائري قد تغلب بسهولة على محاولة التفجير التي أرادتها له الإدارة الاستعمارية، وإذا كان صحيحاً، أيضاً، أن الحاج مصالي قد حقق، بتلك المناسبة، انتصاراً شخصياً فإن صفوف الحزب قد أصيبت في أعماقها وخسرت، في ظرف قصير جداً، عدداً هائلاً من المناضلين الأكفاء الذين ينتمون، فعلاً، إلى ما يسمى بمنطقة القبائل لكنهم لم يكونوا، في ذلك الوقت، يحملون الفكرة البربرية المناهضة للعروبة والإسلام. وفي نظرنا، فإن السيد حسين آيت أحمد كان أكبر المتضررين شخصياً ووطنياً، لأنه أقصي عن مسؤولية المنظمة الخاصة قبل أن ينجز برنامجه الثوري الذي كان يطمح أن ينتهي به إلى إشعال فتيل الثورة، هذا من جهة، ولأنه، من جهة ثانية، تعرض إلى تقزيم عسفي مازال يلاحقه إلى يومنا هذا.
لقد كان في استطاعة قيادة حزب الشعب الجزائري أن تتعامل مع الموضوع بأسلوب مغاير يمكن من اكتشاف المتسللين إلى الصفوف بغرض والمنحرفين عن الخط الإيديولوجي لسبب أو لآخر ومعاقبة كل منهم العقاب الذي يستحقه. وفي المقابل، كان ينبغي أن يفتح الحوار مع المناضلين الذين كانوا قد أبدوا كل الاستعداد للتعاون مع المكتب السياسي من أجل تصفية الأجواء ويأتي السيد حسين آيت أحمد في مقدمة أولئك المناضلين. ولأن قيادة الحزب لم تفعل ذلك، فإنها، رغم ما حققته من نتائج آنية، قد ساهمت في حرمان الحركة الوطنية، من طاقات ثورية برهنت على نجاعتها في الميدان، ودفعت، من حيث لا تدري، بكثير من الإطارات في أحضان الحزب الشيوعي