المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المؤامرة الاستعمارية: ولقد كانت السلطات الاستعمارية التي عايشت عن كثب تلك - تاريخ الجزائر المعاصر - جـ ١

[الزبيري، محمد العربي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الفصل الأول:الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافيةفي الجزائر قبيل نوفمبر 1954

- ‌الفصل الثاني:الحركة الوطنية الجزائريةفي مرحلة النضج

- ‌ تطبيق مبدأ فصل الدين الإسلامي عن الإدارة

- ‌ تعليم اللغة العربية، المدارس والمعلمون الأحرار

- ‌ القضاء الإسلامي

- ‌الفصل الثالث:حركة مايو الثورية

- ‌أحداث الفاتح من مايو 1945:

- ‌أحداث ثامن مايو:

- ‌المؤامرة الاستعمارية:

- ‌رد الفعل الوطني والثورة الشاملة:

- ‌عمليات الإبادة وتشغيل الأفران:

- ‌تطور التشكيلات السياسية الجزائريةفي الفترة ما بين 1946و1954

- ‌الفصل الرابع:الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري

- ‌عن مشروع الدستور الجزائري:

- ‌ الاتحاد والعمل الميداني:

- ‌موقف الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائريمن قانون الجزائر التنظيمي:

- ‌المشاركة في انتخاب الجمعية الجزائرية:

- ‌النضال داخل الجمعية الجزائرية:

- ‌صراع الأشقاء وتدخل الحزب الشيوعي الجزائري:

- ‌نحو جبهة وطنية موحدة

- ‌ العوامل الإيجابية:

- ‌ العوامل السلبية:

- ‌الأعمال بنتائجها:

- ‌الفصل الخامس:حزب الشعب الجزائري

- ‌ الواجهة السياسية أو الحركة من أجل انتصار الحريات الديموقراطية

- ‌الانتخابات وعواقبها:

- ‌حزب الشعب الجزائري وما يسمى بالأزمة البربرية

- ‌الحزب وسائر الفئات الاجتماعية:

- ‌ التوجهات السياسية ووسائل العمل:

- ‌ الواجهة العسكرية أو المنظمة الخاصة

- ‌المؤتمر الرابع وبوادر الانقسام:

- ‌الفصل السادس:جمعية العلماء المسلمين

- ‌الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها:

- ‌عودة إلى فصل الدين عن الحكومة:

- ‌قضية الاتحاد في الجزائر

- ‌الفصل السابع:موقف الشيوعيين من الحركة الوطنيةالجزائرية وثورة نوفمبر 1954

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ ‌المؤامرة الاستعمارية: ولقد كانت السلطات الاستعمارية التي عايشت عن كثب تلك

‌المؤامرة الاستعمارية:

ولقد كانت السلطات الاستعمارية التي عايشت عن كثب تلك الأحداث والتطورات، تعرف أنها أمام حركة سياسية نوعية استطاعت أن تنفذ بسرعة

وبحكمة إلى جميع الأوساط الشعبية، وتمكنت من نشر الوعي اللازم لجر الجماهير الواسعة إلى العمل الثوري بجميع أنواعه ومن إقناعها بالإقدام على التضحية القصوى في سبيل استرجاع الاستقلال الوطني الكامل. لأجل ذلك، فإنها لم تبق مكتوفة الأيدي. وبقدر ما كانت تعمل على خرق الصفوف الوطنية ومضايقة الإطارات القيادية وملاحقتهم، فإنها كانت تستعد الاستعداد اللازم لاقتلاع جذور الحركة الاستقلالية في أول فرصة تتاح لها. ويتمثل استعداد تلك السلطات الاستعمارية في العمل على جبهتين أساسيتين هما:

1 -

الجبهة السياسية التي خصصتها لزرع بذور الشقاق في صفوف حركة أحباب البيان والحرية بقصد فصل من كانوا يسمون بالمعتدلين والمنتخبين عن مناضلي الحركة المصالية. وقد استعملت الإدارة الفرنسية في هذه الجبهة، جميع مالديها من وسائل الترغيب والترهيب (83) كما أنها لم تتردد في اللجوء إلى توظيف الجهوية والعشائرية والانتماءات الفكرية والثقافية.

2 -

الجبهة المادية التي خصصتها لإعداد وسائل القمع الضرورية لإنجاز مهمة الاستئصال ولتوفير الإمكانيات العسكرية والأمنية اللازمة لخنق بوادر الثورة في الوقت المناسب. ومن جملة الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الاستعمارية بهذا الصدد نذكر على سبيل المثال:

أ - حصر المناطق التي تجمع التقارير المخابراتية على أنها أوكار للحركة المصالية العاملة على تحقيق الانفصال عن فرنسا بواسطة استرجاع السيادة الوطنية المغتصبة سنة 1830. وحسب تلك التقارير، فإن المناطق الأكثر خطورة هي: الجزائر العاصمة، الشمال القسنطيني، القبائل الكبرى والقبائل الصغرى، وهران، تلمسان والأوراس.

ب - تدريب قوات الجيش الفرنسي المرابطة بالمناطق المذكورة على التصدي لحرب العصابات. ويذكر بايا (84)(Paillat) إن تلك القوات كان تعدادها يزيد عن ستين ألف جندي وضابط، وأن أول تدريب

ص: 74

ميداني شارك فيه القادة العسكريون والمدنيون إنما وقع في شهر يناير (كانون الثاني) سنة 1945.

ج - إقدام عامل عمالة قسنطينة السيد لاستراد كربونال (Carbonnel Lestrade) على تكوين فصائل الميليشيا بنواحي برج بوعريريج، وذلك ابتداء من شهر ديسمبر (تشرين ثاني) سنة 1944. وعلى إثر فترة

التدريب تم تعين القادة ووزعت الأسلحة وأعطيت التعليمات التي كانت تتلخص في العمل من أجل هدف واحد هو إبادة إطارات ومناضلي حزب الشعب الجزائري (85).

إن بعض المحللين السياسيين، اليوم، يلقون باللائمة على قيادة حزب الشعب الجزائري متهمين إياها بالتهور وعدم الوعي بالأخطار التي عرضت لها عشرات آلاف الجزائريات والجزائريين. إن هذا الموقف، مهما كانت دوافعه، غير سليم خاصة عندما نعرف أن القيادة المذكورة كانت، فعلاً، مصممة على إشعال فتيل الثورة كإجراء أخير من أجل إرغام فرنسا على التسليم بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره بنفسه؛ لكن الثامن من مايو لم يكن هو اندلاع الثورة بل إنه، على غرار الفاتح من نفس الشهر، كان، فقط استظهاراً لما تتوفر عليه الحركة الوطنية الجزائرية من قدرة على تعبئة الجماهير الشعبية وتجنيدها، ومنبهة للحكومة الفرنسية وللحلفاء على درجة النضج التي بلغها الجزائريون الذين أصبحوا تواقين للحرية والانعتاق.

ومما لاشك فيه أن الإدارة الاستعمارية كانت تدرك كل ذلك، كما أنها كانت تعلم أن قيادة حزب الشعب الجزائري التي أمرت بتنظيم المسيرات الشعبية تخليداً لانتصار الديمقراطية في العالم، قد أصدرت في ذات الوقت تعليماتها الصارمة لجميع المناضلين كي لايحملوا معهم أي نوع من أنواع السلاح حتى يظل التظاهر سلمياً وللغرض المشار إليه أعلاه فقط لكن الأهداف الاستعمارية كانت مسطورة من قبل وكانت المسيرة هي المصيدة على حد تعبير السيد فرحات عباس (86).

لقد كان الثامن من مايو سنة خمس وأربعين وتسعمائة وألف يوم ثلاثاء، وبحكم تواجد معظم الميليشيات في المحور الرابط بين برج بوعريريج ومدينة سطيف، فإن هذه الأخيرة قد اختيرت من طرف الإدارة الاستعمارية لتكون منطلق المجزرة الرهيبة التي لاشك في أنها كانت من تخطيط وتنفيذ السلطتين المدنية والعسكرية في الجزائر، وبمباركة حكومة باريس التي كانت برئاسة

ص: 75

الجنرال ديغول في ذلك الوقت (87).

إن كل المصادر التاريخية بما في ذلك تقرير الجنرال تيبار (Tubert)(88)، يثبت أن نائب عامل الولاية في سطيف قد أبدى موافقته الشفاهية للوفد الذي ذهب إليه يلتمس الإذن لتنظيم مسيرة شعبية تتوج بوضع أكليل من الزهور على قبر الجندي المجهول.

وفي مدينة قالمة، أيضاً، حصل فرع حركة أحباب البيان والحرية على ترخيص من نائب عامل العمالة. وللتذكير، نشير إلى أن عامل الولاية هو لاستراد كريونال، المشرف العام على فرق الميليشيا. وبالموازاة مع الترخيص فإن نائبي عامل الولاية قد أمرا محافظي الشرطة وضباطها بخلق الفرص لإطلاق النار قصد تفجير الأوضاع وتمكين الكولون والأجناد من ارتكاب الجريمة.

ولم يكن عامل ولاية قسنطينة هو المهندس الوحيد لعمليات القمع الإجرامية رغم أنه كان، بواسطة نائبيه في سطيف وقالمة، معلناً على بداياتها ومسؤولاً على تأجج نيرانها، ولكن مصادر التاريخ فيما بعد، قد أثبتت أن كربونال كان ينشط تحت الإشراف المباشر لسكرتير عام الولاية العامة السيد روني قازان (Rene Gazagne) الذي كان واحداً من دعاة اللجوء إلى العنف لاستئصال الحركة الوطنية في الجزائر (89) والذي كان، إلى جانب غلاة الكولون، قد قام باتصالات واسعة النطاق في فرنسا من أجل ضمان مساندة مجموعة من أصحاب الحل والربط في حكومة باريس.

ولقد كان الكولون وأعوانهم يعتقدون أن التقتيل الأعمى سيمكنهم من القضاء نهائياً على قواعد حزب الشعب الجزائري، ومن زرع الرعب في نفوس كل الجزائريين، قصد صدهم عن مجرد التفكير في محاولة العمل على ضرب المصالح الاستعمارية في الجزائر. ومن الغريب أنهم استطاعوا، بكل سهولة، أن يرسخوا ذلك الاعتقاد في أذهان عدد كبير من أصحاب القرارومن القريبين منهم في أوساط الحكم الفرنسي على اختلاف أنواعه.

فن هذا الباب كان التخطيط للجريمة محكماً، تبناه الجنرال ديغول في أعلى قمة الهرم، وأشرف على تنفيذه من بعيد وزير الحرب الفرنسي آنذاك، السيد تييون (Tillon) الذي كان من الأعضاء البارزين في قيادة الحزب الشيوعي الفرنسي (90).

ومما يدل دلالة قاطعة على أن القمع كان مبيتاً وأن الإدارة الاستعمارية

ص: 76

كانت في أتم الاستعداد له وأن التدخل العسكري جاء سريعاً للغاية حتى في القرى والمداشر النائية. وعلى سبيل المثال، فإن المسيرة التي انطلقت في الأوريسية بالقرب من مدينة سطيف على الساعة الثانية والنصف من زوال اليوم الثامن من شهر مايو قد اصطدمت بفرق من الجيش الفرنسي على الساعة الرابعة أي فقط بعد ساعة ونصف من انطلاقها وهو أمر مستحيل في الظروف العادية. وفي اليوم التاسع من شهر مايو وفي مدينة لافاييت (بوقاعة حالياً) وصل الأجناد إلى مكان المسيرة في ظرف ساعة فقط (91).

على هذا الأساس، وتنفيذاً للتعليمات الصادرة عن عامل ولاية قسنطينة ومساعديه في كل من سطيف وقالمة، أقدم ضباط الشرطة في هاتين المدينتين الأخيرتين على استفزاز المتظاهرين من أجل إيجاد الظروف التي تسمح بإطلاق النار؛ وفي المدينتين كانت تلك الظروف هي محاولة انتزاع العلم الجزائري من أيدي المناضلين الذين رفضوا الامتثال لأوامر ممثلي السلطة الاستعمارية الذين لم يترددوا في اللجوء إلى أسلحتهم (92). وبسقوط الضحايا الأوائل أخذت المسيرات الشعبية السلمية طابعاً آخر جعلها تتحول بالتدريج إلى حركة ثورية ظلت متواصلة طيلة ماتبقى من شهر مايو سنة 1945.

وفيما يخص الاستفزازات البوليسية هناك شهود عيان (93) يذكرون أن المسيرة في مدينة سطيف انطلقت هادئة من ناحية المسجد الجديد، وظلت كذلك حتى قطعت حوالي ألف متر ووصلت إلى مقهى فرنسا على الشارع الرئيسي حيث كان يجلس المفتش لافون Laffont مرتدياً الزي المدني. إن هذا الأخير غادر مكانه بسرعة وراح يخرق صفوف المتظاهرين محاولاً افتكاك اللافتات المنادية بحياة الحلفاء وسقوط الامبريالية من حامليها. وأمام رفض المناضلين ومقاومتهم الشديدة أطلق الرصاص عليهم فكان ذلك إيذاناً ببدء المجزرة على أيدي أفراد الشرطة الذين كانوا يؤطرون المسيرة.

وإن وزير الداخلية الفرنسي نفسه قد أكد أن جميع التقارير التي وصلته لم تتضمن "أي دليل على أن القادة الوطنيين كانوا يريدون إشعال فتيل الثورة الشاملة يوم 8/ 5/1945. بل إنها (أي التقارير) شكلت لديه قناعة مطلقة بأنهم فقط كانوا يهدفون إلى استظهار قوتهم وإخراج مناضليهم قصد عدهم ودعم انضباطهم ونشر قوتهم أمام السلطات الفرنسية وحكومات الحلفاء"(94).

ص: 77