الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوقت الذي يتفق فيه مجلس الأمم المتحدة على تحرير سبعين مليوناً من جزر الهند الشرقية من الاستعمار الهولندي، وعلى تحرير القطر الليبي
…
في هذه الظروف التي أصبح فيها طعم الاستعمار المادي الحلو اللذيذ مراً كريهاً حتى في حلوق غلاة الاستعمار، يبقى الدين الإسلامي بمعابده وأوقافه ورجاله مستعمراً مستعبداً في الجزائر وحدها".
هكذا، أصبح نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ملموساً في مجلسين السياسة والإصلاح بشقيه التربوي والديني، ولقد جندت، لذلك، كل مالديها من إمكانيات بدءاً بأعمدة الصحافة وانتهاءً بالمسجد والنادي والمدرسة مروراً بالمناسبات الاجتماعية والأعياد الدينية والوطنية. وعلى الرغم من كل ذلك، فإنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها المنشودة لأن الإدارة الاستعمارية قد تفطنت لما يمثله دور العلماء في توعية الأمة وإعدادها للمعركة الفاصلة، فراحت تسعى، بشتى الوسائل، لسد كل المنافذ في وجه المربين والدعاة.
وحيث أيقنت جمعيةالعلماء المسلمين الجزائريين أن العمل الفردي مهما علا شأنه لا يجدي نفعاً مع تعنت الإدارة الاستعمارية واستماتتها في تهميش الشعب الجزائري وحرمانه من كل وسائل الرقي والتقدم، فإنها لجأت إلى الدعوة لاتحاد سائر الطاقات الحية في البلاد، وبسرعة كبيرة، وجدت الدعوة المذكورة طريقها إلى كل التشكيلات السياسية التي كانت تعاني، بدورها، من عسف الإدارة الاستعمارية وتبحث عن طريقة ناجعة للدفاع عن حق الشعب الجزائري في المشاركة بحرية في تسيير شؤونه بنفسه.
الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها:
في نهاية شهر يوليو/تموز سنة 1951 نشرت جريدة المنار بلاغاً صادراً عن "العلماء والاتحاد الديموقراطي للبيان الجزائري والحزب الشيوعي الجزائري والحركة من أجل انتصار الحريات الديموقراطية". (17). مفاده أن التشكيلات المذكورة قد أنشأت لجنة تحضيرية لتكوين جبهة جزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها وذلك بهدف الوصول إلى النتائج التالية:
أ - إلغاء الانتخابات التشريعية التي جرت في 17/ 06/1951 والتي تولت الإدارة الاستعمارية خلالها تعيين أشخاص لا يمثلون جماهير الشعب الجزائري.
ب - احترام حرية التصويت في المجموعة الانتخابية الثانية.
ج - احترام الحريات الأساسية أي: حرية الضمير، حرية الفكر، حرية الصحافة وحرية الاجتماع.
د - محاربة القمع بجميع أنواعه والعمل على تحرير المعتقلين السياسيين وإلغاء الإجراءات العسفية المتخذة ضد الحاج مصالي.
هـ - إنهاء تدخل الإدارة الفرنسية في شؤون الدين الإسلامي.
لقد تأسست الجبهة، رسمياً، يوم 05/ 08/1951. تم الإعلان عن ذلك في قاعة سينما دنيازاد بالعاصمة. بتلك المناسبة ألقى رئيسها الشيخ العربي التبسي خطاباً جاء فيه على الخصوص: "هذه جبهة لا تسأل أحداً إن كان مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً، إنما تسأله هل هو مناضل في سبيل الحق، مكافح في سبيل الحرية
…
ولو كانت لنا حكومة إسلامية بقطر الجزائر لما وجدت بيننا فروق ولما وقع التباين بين أحمد وموريس ولا بين فاطمة وماري". (18) وبديهي أن الدارس يستشف من خلال هذه الجمل السبب الرئيسي الذي جعل ظهور الجبهة يبدو للرأي العام وكأنه مفاجئ. فالمؤسسون للجبهة كلهم معنيون بالأهداف الخمسة المذكورة أعلاه. وبالتالي فإن استجابتهم لنداء التأسيس لم تتطلب أي جهد ولم تفرض على أحد التنازل عن أي شيء، بل إن الجميع قد وقع، بدرجات متفاوتة، ضحية استبداد الإدارة الاستعمارية وتزييف الانتخابات على جميع المستويات.
وبعد أسبوعين من تاريخ التأسيس، دعت رئاسة الجبهة إلى مهرجان شعبي انعقد في الملعب البلدي بحسين داي يوم 19/ 08/1951 وحضره آلاف الجزائريين. (19). وبتلك المناسبة ركز الشيخ العربي التبسي وهو يخاطب الجماهير الشعبية، على ضرورة فصل الدين عن الحكومة واستنكر على الإدارة الاستعمارية معاملتها الشاذة للإسلام والمسلمين. ومما جاء في خطابه:"أيها الملأ الكريم! مضى قرن وبعض قرن والحكومة معتدية على الديموقراطية في شخص الديانة الإسلامية، ساخرة بأصولها، عابثة بمقدساتها، مستخفة بأصولها وفروعها"(20).
وفي إطار نشاط الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها، ساهمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في تعبئة جماهير الشعب حول مطلب تقرير المصير، وشاركت في كثير من المهام التي لها علاقة مباشرة بحماية حقوق المواطنين ومصالحهم، ويأتي في مقدمة تلك المهام العمل الجماعي الذي أنجزه وفد الجبهة الذي انتقل إلى ناحية أريس من أجل التحقيق في أعمال العنف
والإرهاب التي تعرض لها سكان القرى المكونة للناحية بسبب معارضتهم لمحاولات التزييف التي قامت بها الإدارة الاستعمارية بمناسبة انتخابات 17/ 06/1951. (21).
وفي يوم 30/ 09/1951 عقدت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مؤتمرها الثاني بعد انتهاء الحرب الامبريالية الثانية، وقد كان التقرير الأدبي الذي قدمه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي مشتملاً على ثلاثة محاور هي: المشروعات والمواقف والنصائح، أما البيان الختامي فقد ألقاه الشيخ العربي التبسي وجاء فيه على الخصوص:"إن جمعية العلماء لجميع الجزائريين المسلمين الذين تجمعهم لغة واحدة وعقائد واحدة. وهي تتمتع بعطف جميع الديموقراطيين لأنها تعترف بالديموقراطية وحقوق الإنسان. إذ الإسلام يقر العدالة الاجتماعية .. إننا مستعدون للمشاركة في النهضات السياسية، لأن السياسة تدخلت في الدين ولأننا نشاهد أن موقف فرنسا مع الإسلام في الجزائر موقف شاذ"(22).
لم تغير جمعية العلماء المسلمين الجزائريين موقفها الأساسي، بل ظلت متمسكة بدورها في التربية والتعليم وفي الإصلاح الديني، واستطاعت، بعد الحرب الامبريالية الثانية، أن توسع نشاطها إلى التراب الفرنسي نفسه حيث يعيش مايقرب من ربع مليون جزائري، وحيث حوالي عشرين ألف طفل في أمس الحاجة إلى الارتباط بدينهم ولغتهم. وكما أنها جندت جماهير الشعب لبناء المدارس الحرة ولبعث معهد الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس وفتح العديد من النوادي في مختلف أنحاء الوطن، فإنها استطاعت أن تنشر نفس الفكرة في أوساط المغتربين الجزائريين في فرنسا، لكن الإدارة الاستعمارية كانت لها بالمرصادومنعتها من تجسيد برنامجها على أرض الواقع خاصة فيما يتعلق بتمكينها، قانونياً، من شراء المحلات أو كرائها للتدريس أو للوعظ والإرشاد.
وفي المجال السياسي، انتقل الشيخ البشير الإبراهيمي إلى باريس في مستهل شهر ديسمبر 1951 للمشاركة مع قادة التشكيلات الوطنية في الاتصال بالوفود العربية والإسلامية التي تحضر أعمال هيئة الأمم المتحدة (23) ولقد كان لوجود رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تأثير بالغ الأهمية في تحسيس كثير من الشخصيات العربية والإسلامية كما أنه اغتنم فرصة تواجده بالعاصمة الفرنسية ليكثف الاتصالات مع أبناء الجالية الجزائرية. وكان لوفد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين نشاط حثيث في المساعي الرامية إلى إقامة حفلة كبيرة احتفاء بالوفود العربية والإسلامية في يوم 08/ 12/1951. ولقد كان