الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم تقتصر التغييرات على الهيكل، بل أن عملية انتقاء المناضلين وإعدادهم هي الأخرى قد سجلت تحسناً ملحوظاً. وإذا كانت خلايا المحبين لا تخضع لأي نوع من أنواع الانضباط ولا يفرض على أعضائها دفع الاشتراك أو القيام بأدوار أساسية في أوساط الجماهير الشعبية، فإن خلايا المنخرطين تكون محاطة بكثير من العناية المتمثلة في رقابة اجتماعاتها التي تعقد بانتظام والتي توظف لخبرة أعضائها باستمرار وبكيفية تشبه الامتحانات المتواصلة. وعندما يرى المناضلون المسؤولون عن التكوين والمراقبة أن المنخرط أصبح أهلاً للتمتع بصفة المناضل، فإنهم يستدعونه لتأدية القسم الذي يقرأه أو يردد عباراته ويده اليمنى على المصحف (92). بعد ذلك تحدد له الخلية التي يناضل في إطارها.
أ -
التوجهات السياسية ووسائل العمل:
على الرغم من كل ما قيل وكتب حول حزب الشعب الجزائري، فإن توجهاته السياسية والأيديولوجية لم تحد عن مشروع المجتمع الذي ورد بإيجاز في الوثيقة التي صادقت عليها بالإجماع قيادة نجم شمال إفريقيا وتلاها، نيابة عنها، السيد الحاج مصالي أمام المشاركين في مؤتمر بروكسل سنة 1927.
"فالإمبريالية الفرنسية قد استعملت السلاح للقضاء على الدولة الجزائرية ومن أجل السيطرة على الثروات الطبيعية وعلى الأرض بواسطة النهب والاغتصاب. ونتيجة ذلك، فإن السكان الذين كانوا في أوضاع مزدهرة قد تحولوا إلى عبيد جياع معدمين .. وباسم الحضارة المزعومة، انتهكت العادات والتقاليد وتم القضاء على طموحات جماهير الشعب التي صار مصيرها المحتوم معاناة الاستغلال البشع والخضوع للاستبداد السياسي الرجعي الذي يحرمها كل حق في الحرية بجميع أنواعها ويمنعها من المشاركة في النشاط السياسي والتشريعي. "من هذا المنطلق، فإن نضالات الشعب الجزائري موجهة إلى تحقيق الأهداف الرئيسية التالية:
- استرجاع الاستقلال الوطني.
- سحب قوات الاحتلال الفرنسية وتكوين جيش وطني.
- استرجاع الملكيات الزراعية الكبرى التي استولى عليها الإقطاعيون من عملاء الإمبريالية والكولون والشركات الرأسمالية الخاصة، وتسليم كل تلك الأراضي إلى الفلاحين الذين اغتصبت منهم.
- احترام الملكيات الصغيرة والمتوسطة.
- استرجاع الدولة الجزائرية للأراضي والغابات التي استولت عليها الدولة الفرنسية. (93).
من هذا المنطلق، فإن الدكتور محمد الأمين دباغين قد صرح من أعلى منبر البرلمان الفرنسي يوم 10/ 9/1947، قائلاً:"لقد كلفنا الشعب الجزائري، نحن المنتخبين الوطنيين، بأن نعلن للشعب الفرنسي وللعالم أجمع أن الجزائر لا تعترف بالأمر الواقع الذي أحدثه احتلال سنة 1830، وأن أي حل لن يكون مقبولاً ما لم يشتمل على الضمان المطلق لاسترجاع السيادة الوطنية". (94) وفي نفس السياق وبنفس المكان صرح السيد مسعود بوقادوم "أن الحل الوحيد المنطقي والإنساني إنما يكمن في السماح للشعب الجزائري بأن يعبر بحرية عن رأيه ويختار النظام الذي يحلوله، وذلك بواسطة مجلس تأسيسي منتخب". (95)
لكن ثبات التوجهات الإيديولوجية لا يعني أن خط الحزب السياسي ظل مستقيماً بدون انحراف خلال فترات النضال، بل أن قيادة الحزب قد اضطرت، مرات عديدة، لتغيير مواقفها، سواء لضرورة التكيف مع الواقع أو من أجل تقديم تنازلات لأطراف وطنية أخرى أبدت استعدادها للتقارب أو لتحقيق الوحدة النضالية الرامية إلى تقويض أركان الاستعمار في الجزائر.
هكذا، كان الحزب قد اضطر، سنة 1937، إلى رفع شعار "لا اندماج ولا انفصال ولكن دعوة إلى التحرر والتطور" وذلك رغم أن برنامج نجم شمال إفريقيا كان، منذ البداية، دعوة إلى النضال من أجل استرجاع الاستقلال الوطني الكامل والانفصال المطلق عن فرنسا، وفي سنة 1946 تخلت قيادة الحزب عن قناعتها بضرورة مقاطعة الانتخابات ودفعت قواعدها إلى قبول النشاط في إطار ما يسمى بالشرعية الجمهورية.
وسواء كان الحزب في حالة الاضطرار التي يأتي معها التغيير التكتيكي والانحراف أو في حالة الاستقامة التي يتجلى فيها التشبث بالمبادئ والالتزام