الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا يَبْقَى منها إلا هذا القدر انتهى
5 -
(باب في الجمع بين الصلاتين)
[187]
قَوْلُهُ (مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ) الْحَدِيثُ وَرَدَ بِلَفْظِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ وَبِلَفْظِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ
قَالَ الْحَافِظُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مَجْمُوعًا بِالثَّلَاثَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بَلِ الْمَشْهُورُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ (أَرَادَ أَنْ لا تحرج) بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَعْلُومِ مِنَ التَّحَرُّجِ (أُمَّتُهُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ قال بن سَيِّدِ النَّاسِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي تَقْيِيدِهِ فَرُوِيَ بالياء المضمومة آخر الحروف وأمته مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُهُ وَرُوِيَ تَحْرَجَ بِالتَّاءِ ثَالِثَةِ الْحُرُوفِ مَفْتُوحَةً وَضَمِّ أُمَّتِهِ عَلَى أَنَّهَا فَاعِلَةٌ وَمَعْنَاهُ إِنَّمَا فَعَلَ تِلْكَ لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِمْ وَيُثْقِلَ فَقَصَدَ إِلَى التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ خَطَبَنَا بن عَبَّاسٍ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَبَدَتِ النُّجُومُ وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ قَالَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لَا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة فقال بن عَبَّاسٍ أَتُعَلِّمُنِي بِالسُّنَّةِ لَا أُمَّ لَكَ ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ فَحَاكَ فِي صَدْرِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَأَتَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَسَأَلْتُهُ فَصَدَّقَ مَقَالَتَهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى الْأَخْذِ بظاهر هذا الحديث فجوز والجمع فِي الْحَضَرِ لِلْحَاجَةِ مُطْلَقًا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَّخَذَ ذَلِكَ عَادَةً وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ بن سيرين وربيعة وأشهب وبن الْمُنْذِرِ وَالْقَفَّالُ الْكَبِيرُ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ انْتَهَى وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْجَمْعَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ
مِنْهَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمَذْكُورَ كَانَ لِلْمَرَضِ وَقَوَّاهُ النَّوَوِيُّ قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَمْعُهُ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِعَارِضِ الْمَرَضِ لَمَا صَلَّى مَعَهُ إِلَّا مَنْ لَهُ نَحْوُ ذَلِكَ الْعُذْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بِأَصْحَابِهِ وَقَدْ صرح بذلك بن عَبَّاسٍ فِي رِوَايَتِهِ
وَمِنْهَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمَذْكُورَ كَانَ لِعُذْرِ الْمَطَرِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ
وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ فِي غَيْمٍ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ انْكَشَفَ الْغَيْمُ وَبَانَ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ دَخَلَ فَصَلَّاهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَدْنَى احْتِمَالٍ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَلَا احْتِمَالَ فِيهِ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
وَمِنْهَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمَذْكُورَ صُورِيٌّ بِأَنْ يَكُونَ أَخَّرَ الظُّهْرَ لِآخِرِ وَقْتِهَا وَعَجَّلَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ مُخَالَفَةً لَا تُحْتَمَلُ
قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الَّذِي ضَعَّفَهُ قَدِ اسْتَحْسَنَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَرَجَّحَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَزَمَ به من القدماء بن الماجشون والطحاوي وقواه بن سَيِّدِ النَّاسِ بِأَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ وَهُوَ رَاوِي الحديث عن بن عَبَّاسٍ قَدْ قَالَ بِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُقَوِّي مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْجَمْعِ الصُّورِيِّ أَنَّ طُرُقَ الْحَدِيثِ كُلَّهَا لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِوَقْتِ الْجَمْعِ فإما أن يحتمل عَلَى مُطْلَقِهَا فَيَسْتَلْزِمُ إِخْرَاجَ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى صِفَةِ مَخْصُوصَةٍ لَا تَسْتَلْزِمُ الْإِخْرَاجَ وَيُجْمَعُ بِهَا بَيْنَ مُفْتَرَقِ الْأَحَادِيثِ فَالْجَمْعُ الصُّورِيُّ أَوْلَى انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِ حَمْلِ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى الْجَمْعِ الصُّورِيِّ ما أخرجه النسائي عن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ وعجل العشاء فهذا بن عَبَّاسٍ رَاوِي حَدِيثِ الْبَابِ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ مَا رَوَاهُ مِنَ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ هُوَ الْجَمْعُ الصُّورِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ مُؤَيِّدَاتٍ أُخْرَى لِلْجَمْعِ الصُّورِيِّ وَدَفَعَ إِيرَادَاتٍ تَرُدُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَى النَّيْلِ وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ أَوْلَى الْأَجْوِبَةِ عِنْدِي وَأَقْوَاهَا وَأَحْسَنُهَا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ التَّوْفِيقُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ مُفْتَرَقِ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ هَذَا) أَيْ مَا يُخَالِفُ هَذَا الحديث
الْمَذْكُورَ ثُمَّ رَوَاهُ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ إِلَخْ
[188]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ الْبَصْرِيُّ) الْجُوبَارِيُّ مِنْ شُيُوخِ التِّرْمِذِيِّ وَمُسْلِمٍ وأبي داود وبن ماجه صدوق مات سنة اثنين وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (عَنْ أَبِيهِ) سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ (عَنْ حَنَشٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ لَقَبُ حُسَيْنِ بْنِ قَيْسٍ الرَّحَبِيِّ أَبِي عَلِيٍّ الْوَاسِطِيِّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
قَوْلُهُ (مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ (فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ تَمَسَّكَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى مَنْعِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السَّفَرُ عُذْرٌ انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وغيرهما وحديث بن عباس هذا ضعيف جدا
قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ حَنَشِ بْنِ قَيْسٍ حَدِيثُهُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْحَدِيثَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ وَلَا أَصْلَ لَهُ وَقَدْ صَحَّ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ انْتَهَى
وَأَمَّا قَوْلُ الْحَاكِمِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَقَدْ رَدَّهُ الذَّهَبِيُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُنَاوِيُّ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَالْجَوَابُ هُوَ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ السَّفَرَ عُذْرٌ
قَوْلُهُ (وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ أحمد متروك وقال أبو زرعة وبن مَعِينٍ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ مَرَّةً مَتْرُوكٌ وَقَالَ السَّعْدِيُّ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ جِدًّا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ وَعَدَّ الذَّهَبِيُّ حَدِيثَهُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إِلَخْ مِنْ مُنْكَرَاتِهِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يُجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا فِي السَّفَرِ أَوْ بِعَرَفَةَ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِهِ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ مَا لَفْظُهُ جَمِيعُ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنَ الْحَدِيثِ هُوَ مَعْمُولٌ بِهِ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا خَلَا حَدِيثَيْنِ حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالْمَدِينَةِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ وَلَا مَطَرٍ وَحَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ شَارِبِ الْخَمْرِ هُوَ كَمَا قَالَهُ فَهُوَ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ دَلَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَسْخِهِ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ بَلْ لَهُمْ أَقْوَالٌ ثُمَّ ذَكَرَ تِلْكَ الْأَقْوَالِ وَقَدْ مَرَّتْ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ
وَقَالَ صَاحِبُ دِرَاسَاتِ اللَّبِيبِ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ أَيْ مِنَ التِّرْمِذِيِّ غَرِيبٌ جِدًّا
وَجْهُ الْغَرَابَةِ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ عَدَمَ الْأَخْذِ بِالْحَدِيثِ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ ذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا لَمْ يُجِبْ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى مَحْمَلٍ وَأَمَّا إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخَذَ بِهِ وَهَذَا الحديث يعني حديث بن عَبَّاسٍ كَثُرَتْ فِي تَأْوِيلِهِ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ وَمَذَاهِبُهُمْ فِيهِ وَمَعَ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ وَالْمَذَاهِبِ فِيهِ وَإِنْ كَانَتْ بَعْضُهَا بَعِيدَةً كَيْفَ يُطْلِقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ أَرَادَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَيَبْطُلُ قَوْلُهُ كُلُّ حَدِيثٍ فِي كِتَابِي هَذَا مَعْمُولٌ بِهِ مَا خَلَا حَدِيثَيْنِ فَإِنَّ كُلَّ حَدِيثٍ فِي كِتَابِهِ لَيْسَ مِمَّا لَمْ يُؤَوَّلْ أَصْلًا وَعُمِلَ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عَمِلَ بِظَاهِرِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ
ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ النَّوَوِيِّ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ فِي الْحَضَرِ لِلْحَاجَةِ لِمَنْ لَا يَتَّخِذُهُ عَادَةً وهو قول بن سِيرِينَ وَأَشْهَبَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنِ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ الْكَبِيرِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أصحاب الحديث واختاره بن المنذر انتهى كلامه
قلت الأمر كما قال صَاحِبُ الدِّرَاسَاتِ
قَوْلُهُ (وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلْمَرِيضِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَقَالَ عَطَاءٌ يَجْمَعُ الْمَرِيضُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُعَلَّقًا
وَوَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عن بن جُرَيْجٍ عَنْهُ قَالَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَرِيضِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ كالمسافر لما فيه من الرفق به أولا فَجَوَّزَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ بِشَرْطِهِ وَالْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ الْمَنْعُ وَلَمْ أَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ في عمدة القارىء قَالَ عِيَاضٌ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي الأوقات تكون تَارَةً سُنَّةً وَتَارَةً رُخْصَةً
فَالسُّنَّةُ الْجَمْعُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَأَمَّا الرُّخْصَةُ فَالْجَمْعُ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَالْمَطَرِ فَمَنْ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام وَقَدْ أَمَّهُ فَلَمْ يَرَ الْجَمْعَ فِي ذَلِكَ وَمَنْ خَصَّهُ أَثْبَتَ جَوَازَ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ وَقَاسَ الْمَرَضَ عَلَيْهِ فَنَقُولُ إِذَا أُبِيحَ لِلْمُسَافِرِ الْجَمْعُ بِمَشَقَّةِ السَّفَرِ فَأَحْرَى أَنْ يُبَاحَ لِلْمَرِيضِ
وَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَرِيضَ بِالْمُسَافِرِ فِي التَّرْخِيصِ لَهُ فِي الْفِطْرِ وَالتَّيَمُّمِ وَأَمَّا الْجَمْعُ فِي الْمَطَرِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ إِثْبَاتُهُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَعَنْهُ قَوْلَةٌ شَاذَّةٌ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ إِلَّا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَذْهَبُ الْمُخَالِفِ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ انْتَهَى مَا فِي الْعُمْدَةِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْمَطَرِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْحَافِظُ بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى فِي بَابِ جَمْعِ الْمُقِيمِ لمطر أو لغيره بعد ذكر حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ مَا لَفْظُهُ قُلْتُ وَهَذَا يَدُلُّ بِفَحْوَاهُ عَلَى الْجَمْعِ لِلْمَطَرِ وَالْخَوْفِ وَلِلْمَرَضِ وَإِنَّمَا خُولِفَ ظَاهِرُ مَنْطُوقِهِ فِي الْجَمْعِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِلْإِجْمَاعِ ولأخبار المواقيت فنبقي فَحْوَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ وَقَدْ صَحَّ الْجَمْعُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَالِاسْتِحَاضَةُ نَوْعُ مَرَضٍ
وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نافع أن بن عُمَرَ كَانَ إِذَا جَمَعَ الْأُمَرَاءُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ جَمَعَ مَعَهُمْ وَلِلْأَثْرَمِ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ إِذَا كَانَ يَوْمٌ مَطِيرٌ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ انْتَهَى كلام بن تَيْمِيَّةَ
قُلْتُ أَثَرُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحمن هذا سكت عنه بن تَيْمِيَّةَ وَالشَّوْكَانِيُّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ كَيْفَ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ ضَعِيفٌ وقد أثبت الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ جَوَازَ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ وَبَسَطَ فِيهِ مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ جَوَّزُوا الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِعُذْرِ الْمَرَضِ وَالْمَطَرِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَتَبَ فِي الْآفَاقِ يَنْهَاهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ
قَالَ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ الثِّقَاتُ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ انْتَهَى فَقَوْلُ عُمَرَ هَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مُطْلَقًا كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ
سَوَاءٌ كَانَ مِنْ عُذْرٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
فَالْجَوَابُ مِنْ قِبَلِ الْمُجَوِّزِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ فِي قَوْلِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ الْجَمْعُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ عُمَرَ قَالَ جَمْعُ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنَ الْكَبَائِرِ
قَالَ وَأَبُو الْعَالِيَةُ لَمْ