الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْلُهُ (وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا فَإِذَا طَعِمَا غُسِلَا جَمِيعًا) لِحَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَوْلُ الْغُلَامِ الرَّضِيعِ يُنْضَحُ وَبَوْلُ الْجَارِيَةِ يُغْسَلُ
قَالَ قَتَادَةُ وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا فَإِذَا طَعِمَا غُسِلَا جَمِيعًا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ بَوْلُ الْغُلَامِ الرَّضِيعِ هَذَا تَقْيِيدٌ لِلَفْظِ الْغُلَامِ بِكَوْنِهِ رَضِيعًا وَهَكَذَا يَكُونُ تَقْيِيدًا لِلَفْظِ الصَّبِيِّ وَالصَّغِيرِ وَالذَّكَرِ الْوَارِدَةِ فِي بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مَوْقُوفًا قَالَ يغسل بول الجارية ينضح وبول الْغُلَامِ مَا لَمْ يَطْعَمْ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ إِنَّهَا أَبْصَرَتْ أُمَّ سَلَمَةَ تَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى بَوْلِ الْغُلَامِ مَا لَمْ يَطْعَمْ فَإِذَا طَعِمَ غَسَلَتْهُ وَكَانَتْ تَغْسِلُ بَوْلَ الْجَارِيَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ سَنَدُهُ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهَا مَوْقُوفًا أَيْضًا وَصَحَّحَهُ انْتَهَى
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ قَيْسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ مَا عَدَا اللَّبَنَ الَّذِي يَرْتَضِعُهُ وَالتَّمْرَ الَّذِي يُحَنَّكُ بِهِ وَالْعَسَلَ الَّذِي يَلْعَقُهُ لِلْمُدَاوَاةِ وَغَيْرِهَا
فَكَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الِاغْتِذَاءُ بِغَيْرِ اللَّبَنِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِأَصْلِهَا أَنَّهُ لَمْ يَطْعَمْ وَلَمْ يَشْرَبْ غَيْرَ اللَّبَنِ وَقَالَ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ غَيْرَ اللَّبَنِ وَغَيْرَ مَا يُحَنَّكُ بِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ وحمل الموفق الحموي في شرح التنبيه قول ما لم يأكل على ظاهر فَقَالَ مَعْنَاهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِجَعْلِ الطَّعَامِ فِي فيه والأول أظهر وبه جزم الموفق بن قدامة وغيره وقال بن التِّينِ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَوَّتْ بِالطَّعَامِ وَلَمْ يَسْتَغْنِ بِهِ عَنِ الرَّضَاعِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا إِنَّمَا جَاءَتْ بِهِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ لِيُحَنِّكَهُ صلى الله عليه وسلم فَيُحْمَلُ النَّفْيُ عَلَى عُمُومِهِ انْتَهَى
4 -
(بَاب مَا جَاءَ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ)
[72]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ) أَبُو عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ عن بن عُيَيْنَةَ وَعُبَيْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ مَاتَ فِي بَعْضِ سَنَةِ 062 سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ (نَا عَفَّانُ بْنُ مسلم) بن عَبْدِ اللَّهِ الْبَاهِلِيُّ أَبُو عُثْمَانَ الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ
ثقة ثبت قال بن الْمَدِينِيِّ كَانَ إِذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ مِنَ الحديث تركه وربما وهم وقال بن مَعِينٍ أَنْكَرْنَاهُ فِي صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمَاتَ بَعْدَهَا بِيَسِيرٍ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ اخْتَلَطَ سَنَةَ 91 تِسْعَ عَشْرَةَ وَمَاتَ سَنَةَ 022 عِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
ومطين انتهى (نا حماد بن سلمة) بن دِينَارٍ الْبَصْرِيُّ أَبُو سَلَمَةَ ثِقَةٌ عَابِدٌ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي ثَابِتٍ وَتَغَيَّرَ حِفْظُهُ مِنْ كِبَارِ الثَّامِنَةِ رَوَى عَنْ ثَابِتٍ وَسِمَاكٍ وَقَتَادَةَ وَحُمَيْدٍ وخلق وعنه بن جريج وبن إِسْحَاقَ شَيْخَاهُ وَشُعْبَةُ وَمَالِكٌ وَأُمَمٌ قَالَ الْقَطَّانُ إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقَعُ فِي حَمَّادٍ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الْإِسْلَامِ تُوُفِّيَ 167 سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ
فَائِدَةٌ إِذَا رَوَى عَفَّانُ عَنْ حَمَّادٍ غَيْرَ منسوب فهو بن سَلَمَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ (أَنَا حُمَيْدٌ وقتادة وثابت) أما حميد فهو بن أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ أَبُو عُبَيْدَةَ الْبَصْرِيُّ اخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِيهِ عَلَى عَشْرَةِ أَقْوَالٍ ثِقَةٌ مُدَلِّسٌ عَابَهُ زَائِدَةُ لِدُخُولِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْأُمَرَاءِ قَالَ الْقَطَّانُ مَاتَ حُمَيْدٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي مَاتَ سَنَةَ 142 اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ
وأما قتادة فهو بن دعامة وأما ثابت فهو بن أَسْلَمَ الْبُنَانِيُّ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَنُونَيْنِ مُخَفَّفَيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ
قَوْلُهُ (أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ) بِالْعَيْنِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالنُّونِ مُصَغَّرًا حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ وَحَيٌّ مِنْ بَجِيلَةَ وَالْمُرَادُ ها هنا الثَّانِي كَذَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَدِمُوا) بِكَسْرِ الدَّالِ أي نزلوا وجاؤوا (فَاجْتَوَوْهَا) مِنَ الِاجْتِوَاءِ أَيْ كَرِهُوا هَوَاءَ الْمَدِينَةِ وماءها قال بن فَارِسٍ اجْتَوَيْتَ الْبَلَدَ إِذَا كَرِهْتَ الْمُقَامَ فِيهِ وَإِنْ كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ وَقَيَّدَهُ الْخَطَّابِيُّ بِمَا إِذَا تَضَرَّرَ بِالْإِقَامَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ وَقَالَ الْقَزَّازُ اجْتَوَوْا أَيْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ طَعَامُهَا وقال بن الْعَرَبِيِّ دَاءٌ يَأْخُذُ مِنَ الْوَبَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى اسْتَوْخَمُوا قَالَ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ غَيْرُهُ دَاءٌ يُصِيبُ الْجَوْفَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَعَظُمَتْ بُطُونُهُمْ (وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ) مِنَ السُّوقِ وَهُوَ السَّيْرُ الْعَنِيفُ أَيْ سَاقُوهَا بِمُبَالَغَةٍ بَلِيغَةٍ وَاهْتِمَامٍ تَامٍّ (فَقَطَعَ أيديهم وأرجلهم) أي أمر بقطعهما وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَأَمَرَ فَقُطِعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ (مِنْ خِلَافٍ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّهُ قَطَعَ يَدَيْ كُلِّ وَاحِدٍ وَرِجْلَيْهِ (وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ قَلَمِيَّةٍ وَسَمَلَ بِاللَّامِ قال الخطابي السمل فقأ العين بأي شيء كان قال أبو ذئب الْهُذَلِيُّ
وَالْعَيْنُ بَعْدَهُمْ كَأَنَّ حِدَاقَهَا سُمِلَتْ بِشَوْكٍ فَهِيَ عُورٌ تَدْمَعُ قَالَ وَالسَّمْرُ لُغَةٌ فِي السَّمْلِ وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْمِسْمَارِ يُرِيدُ أَنَّهُمْ كُحِّلُوا بِأَمْيَالٍ قَدْ أُحْمِيَتْ قَالَ
الحافظ قد وقع التصريح بالمراد عِنْدَ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ مِنْ رِوَايَةِ وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ وَمِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَلَفْظُهُ ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَّلَهُمْ بِهَا فَهَذَا يُوَضِّحُ مَا تَقَدَّمَ وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ رِوَايَةُ السَّمْلِ لِأَنَّهُ فقأ الْعَيْنِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ كَمَا مَضَى انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (وَأَلْقَاهُمْ بِالْحَرَّةِ) هِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ مَعْرُوفَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا أَلْقَاهُمْ فِيهَا لِأَنَّهَا قُرْبُ الْمَكَانِ الَّذِي فَعَلُوا فِيهِ مَا فَعَلُوا (يَكُدُّ الْأَرْضَ) أَيْ يَحُكُّهَا وَالْكَدُّ الْحَكُّ (يَكْدُمُ الْأَرْضَ) أَيْ يَعَضُّ عَلَيْهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا لَا بَأْسَ بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَطَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَوَافَقَهُمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بن خزيمة وبن المنذر وبن حِبَّانَ وَالْإِصْطَخْرِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ إِلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ كُلِّهَا مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ قَالَهُ الْحَافِظُ قُلْتُ وَذَهَبَ إِلَى طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِطَهَارَةِ بَوْلِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ بِأَحَادِيثَ
مِنْهَا حَدِيثُ الْبَابِ أَمَّا مِنَ الْإِبِلِ فَبِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِطَهَارَةِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ
وَعُورِضُوا بِأَنَّهُ أُذِنَ لَهُمْ فِي شُرْبِهَا لِلتَّدَاوِي
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ التَّدَاوِي لَيْسَ حَالَ ضَرُورَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فَكَيْفَ يُبَاحُ الْحَرَامُ لِمَا لَا يَجِبُ
وَأُجِيبُ بِمَنْعِ أَنَّهُ لَيْسَ حَالَ ضَرُورَةٍ إِذَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَى خَبَرِهِ وَمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ لَا يُسَمَّى حَرَامًا وَقْتَ تَنَاوُلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضطررتم إليه فَمَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ الْمَرْءُ فَهُوَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ كَالْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْحَافِظُ بعد نقل كلام بن الْعَرَبِيِّ هَذَا وَمَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يُبَاحُ إِلَّا لِأَمْرٍ وَاجِبٍ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ حَرَامٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَيُبَاحُ لِأَمْرٍ جَائِزٍ كَالسَّفَرِ
وَأَمَّا قَوْلُ غَيْرِهِ لَوْ كَانَ نَجِسًا مَا جَازَ التَّدَاوِي بِهِ لِحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا وَالنَّجِسُ حَرَامٌ فَلَا يُتَدَاوَى بِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ شِفَاءٍ
فَجَوَابُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَأَمَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَكُونُ حَرَامًا كَالْمَيْتَةِ لِلضَّرُورَةِ
وَلَا يَرِدُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمْرِ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ إِنَّهَا دَاءٌ فِي جَوَابِ مَنْ سَأَلَ عَنِ التَّدَاوِي بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْخَمْرِ وَيَلْتَحِقُ بِهَا غَيْرُهَا مِنَ الْمُسْكِرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْكِرِ وبين غيره من النجاسات أن الحديث ثبت بِاسْتِعْمَالِهِ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ دُونَ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ شُرْبَهُ يَجُرُّ إِلَى مَفَاسِدَ كَثِيرَةٍ وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ فِي الْخَمْرِ شِفَاءً فَجَاءَ الشَّرْعُ بِخِلَافِ مُعْتَقَدِهِمْ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ بِمَعْنَاهُ وأما أبوال الابل فقد روى بن المنذر عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا إِنَّ فِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ شِفَاءً لِذَرِبَةِ بُطُونِهِمْ
وَالذَّرَبُ فَسَادُ الْمَعِدَةِ فَلَا يُقَاسُ مَا ثَبَتَ أَنَّ فِيهِ دَوَاءً عَلَى مَا ثَبَتَ نَفْيُ الدَّوَاءِ عَنْهُ وَبِهَذِهِ الطَّرِيقِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا كُلِّهَا
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
وَمِنْهَا أَحَادِيثُ الْإِذْنِ بِالصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ
وَأُجِيبُ عَنْهَا بِأَنَّهَا لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى جَوَازِ الْمُبَاشَرَةِ
وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْإِذْنِ بِالصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ مُطْلَقَةٌ لَيْسَ فِيهَا تَخْصِيصُ مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ وَلَا تَقْيِيدٌ بِحَائِلٍ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِإِطْلَاقِهَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهَا بِحَائِلٍ وَبِغَيْرِ حَائِلٍ وفي كل موضع منها
قال الحافظ بن تَيْمِيَّةَ فَإِذَا أُطْلِقَ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ حَائِلًا يَقِي مِنَ الْأَبْوَالِ وَأُطْلِقَ الْإِذْنُ فِي الشُّرْبِ لِقَوْمٍ حَدِيثِي الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ جَاهِلِينَ بِأَحْكَامِهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِغَسْلِ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا يُصِيبُهُمْ مِنْهَا لِأَجْلِ صَلَاةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا مَعَ اعْتِيَادِهِمْ شُرْبَهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالطَّهَارَةِ انْتَهَى
كَذَا نَقَلَ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلَهُ هَذَا فِي النَّيْلِ
وَمِنْهَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا لَا بَأْسَ بِبَوْلِ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَحَدِيثُ جَابِرٍ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَهُمَا ضَعِيفَانِ لَا يَصْلُحَانِ لِلِاحْتِجَاجِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ جِدًّا
انْتَهَى
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ كُلِّهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ كَمَا عَرَفْتَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ عامة عذاب
القبر منه صححه بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ قَالُوا هَذَا الْحَدِيثُ بِعُمُومِهِ ظَاهِرٌ في تناول جميع الأبوال فيحب اجتنابها لهذا الوعيد وبحديث بن عَبَّاسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ الْحَدِيثَ قَالُوا فَعَمَّ جِنْسَ الْبَوْلِ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِبَوْلِ الْإِنْسَانِ
وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَوْلُ الْإِنْسَانِ لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ انْتَهَى
فَالتَّعْرِيفُ فِي الْبَوْلِ لِلْعَهْدِ قال بن بَطَّالٍ أَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ بَوْلُ النَّاسِ لَا بَوْلُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي بَوْلِ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ انْتَهَى
قُلْتُ وَأُجِيبُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ أَيْضًا بِهَذَا الْجَوَابِ أَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ بَوْلُ النَّاسِ لَا بَوْلُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَقَدْ ذَكَرْنَا دَلَائِلَ الْفَرِيقَيْنِ مَعَ بَيَانِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا فَتَأَمَّلْ وَتَدَبَّرْ وَعِنْدِي الْقَوْلُ الظَّاهِرُ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِطَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[73]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الْأَعْرَجُ) الْبَغْدَادِيُّ أَصْلُهُ مِنْ خُرَاسَانَ صَدُوقٌ مِنَ الحادية عشرة (نا يحيى بن غيلان) بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْمَاءَ الْخُزَاعِيُّ أَوْ الْأَسْلَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو الْفَضْلِ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعْيُنَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرُّعَاةِ) تَقَدَّمَ مَعْنَى السَّمْلِ أَيْ فَعَلَ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْقِصَاصِ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عُمْدَةِ القارىء السُّؤَالُ الثَّانِي مَا وَجْهُ تَعْذِيبِهِمْ بِالنَّارِ الْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ وَآيَةِ الْمُحَارَبَةِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ وَقِيلَ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ وَإِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قِصَاصًا لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا بِالرُّعَاةِ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ انْتَهَى (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَهُوَ معنى قوله والجروح قصاص) قال الله