المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ال‌ ‌مقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى - تدريب الدعاة على الأساليب البيانية

[عبد الرب نواب الدين]

الفصل: ال‌ ‌مقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى

ال‌

‌مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فلا جرم أن إعداد الدعاة جزء أساس من الواجبات المنوطة بالأمة الإسلامية، فهي أمة دعوة وجهاد، تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، كما قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلوْ آمَنَ أَهْل الكِتَابِ لكَانَ خَيْرًا لهُمْ مِنْهُمْ المُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الفَاسِقُونَ} (1)

ولا شك أن الدعوة إلى الله تعالى لا تصح ولا تتم إلا إذا أديت على الوجه الشرعي وتحقق في الدعاة المؤهلات العلمية والخُلقية والنفسية المتوخاة لأن الدعوة لا تصح إلا على بصيرة قال تعالى: {قُل هَذِهِ سَبِيلي أَدْعُو إِلى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنْ المُشْرِكِينَ} (2) .

والبصيرة هي: الحق واليقين والعلم (3) وإعداد الدعاة يشمل ذلك كله، وقد ورد في القرآن العظيم ما يدل على أن (إعداد الدعاة) بكل صور الإعداد من الواجبات الشرعية والمطالب الحياتية والضرورات الحضارية كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ ليَنفِرُوا كَافَّةً فَلوْلا نَفَرَ مِنْ كُل فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ليَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ

(1) سورة آل عمران: 110

(2)

سورة يوسف: 108

(3)

انظر تفسير الطبري 13 / 80

ص: 327

وَليُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِليْهِمْ لعَلهُمْ يَحْذَرُونَ} (1) فالإعداد الجهادي الحربي يواكب ويضارع في فضله الإعداد الفقهي والإعداد البياني، وينبغي أن لا تخلو الأمة الإسلامية من طائفتين هما ركيزتا المجتمع: المجاهدون والدعاة بكل مؤهلاتهم وخصائصهم ومقوماتهم، فالمجاهدون في سبيل الله يدافعون عن العقيدة وينافحون عن العرض والأرض ويستخرجون حقوق المستضعفين المضطهدين، والدعاة يتفقهون في الدين ومن ثم يدعون إلى الله تعالى ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على نور وبصيرة.

قال الإمام أبو السعود في الآية الشريفة: {ليَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} أي يتكلفوا الفقه فيه ويتجشموا مشاق تحصيلها {وَليُنذِرُوا قَوْمَهُمْ} أي: وليجعلوا غاية سعيهم ومرمى غرضهم من ذلك إرشاد القوم وإنذارهم {إِذَا رَجَعُوا إِليْهِمْ} وتخصيصه بالذكر لأنه أهم، وفيه دليل على أن التفقه في الدين من فروض الكفاية، وأن يكون غرض المتعلم الاستقامة والإقامة، لا الترفع على العباد والتبسط في البلاد (2)

والتفقه في الدين ينتظم فيما ينتظمه (إعداد الدعاة) وهو باب واسع يشتمل على جوانب متعددة ومسالك متنوعة ومراحل مختلفة منها: الإعداد العلمي، والإعداد التربوي، والإعداد النفسي الروحي، والإعداد الخُلقي، والإعداد البلاغي والإعلامي، كما أن آلية الإعداد تختلف باختلاف النوع، وهي ما تسمى بمسميات متنوعة منها التطبيق والتدريب والممارسة والتجريب والتعويد والتربية والتوظيف وكل أولئك من فقه واجبات الدعاة.

ولعل من أجل المضامين العالية والمطالب السَّنِية في إعداد الدعاة (الإعداد

(1) سورة التوبة: 122

(2)

إرشاد العقل السليم 4 / 112

ص: 328

المتعلق بسمة التبليغ والبيان والأداء) ويمكن تسميته بالإعداد البياني التعبيري، وسبيله بعد التحصيل العلمي الشرعي: الممارسة والأداء، فبالممارسة والتدريب تصقل المواهب الخطابية وتقوى العارضة البيانية وتتهذب العبارة وتنجلي الأخلاق الفاضلة، وبالتطبيق العملي يتعرف الداعية على مكامن التأثير ويتمكن من بلاغة التعبير. فالخطابة - مثلا - موهبة وعلم، لا تنجلي هذه الموهبة والملكة ولا تتكشف ولا تُكتشف إلا بالتدرب والتمرس، فقد يكون الإنسان خطيبا موهوبا مُمكّنا من الإمساك بأزمة البيان أوتي فصل الخطاب لكن ملكته تلك هامدة خامدة لم يثرها عامل ولا حركها فاعل! .. وقد تغشى النفس مشكلات معقدة مُشغلة تحول بينها وبين بروز ملكاتها التعبيرية الإبداعية فترى المرء بليد الحس ركيك الكلام خامد الفكر هدته المشكلات هداً فإذا ما حُلت مشكلاته وفُكت عقده انقلب أسدا هصورا وخطيبا مصقعا لا يشق له غبار ولا يخمد له أوار! .. وقد يكون الإنسان خطيبا في بني قومه وبين عشيرته وأهل لسانه وملته لا تتجاوز بلاغته حدودهم ولا تعدو منازلهم لتوافر العوامل التي أبرزت فيه هذا الجانب..وهكذا، فلا تبرز قدراته التعبيرية وملكاته الخطابية الجدلية إلا حين يتهيأ لها سبيل البروز، فالتدريب العملي والتطبيق الميداني مجال رحب لتفتيق المواهب وترسيخ القدرات وصقلها وتهذيبها نحو الرشد والسداد.

أضف إلى ذلك أن عصرنا عصر الإعلام المقنن والموجه، تتسارع فيه فنون الخطاب والإعلام فتغطي مساحات واسعة من حياتنا على نحو لم يكن معهودا من قبل، وهذا يستدعي أن يكون الدعاة على معرفة واسعة ودقيقة بكل فنون والاتصال كالخطابة والحوار والمناظرة وإدارة الندوات وغيرها مما يجده القارئ في هذا البحث.

وحبذا أن يتوافق ويتسهل مع الدراسة النظرية: التطبيق العملي والممارسة

ص: 329

الفعلية للخطابة وغيرها من ضروب البيان في المجالات المناسبة كالمساجد والمنتديات وبعض الأسواق ونحو ذلك، لتسير النظرية والتطبيق في خطين متوازيين ولكي تتحقق للطالب الداعية إلى جانب الدراسة النظرية الممارسة العملية على الوجه الأتم الأكمل.

وقد ارتكز البحث في هذه الصفحات على محورين رئيسين: المحور الخطابي ويشمل المحاور الرئيسة للخطابة من حيث الأنواع والأجزاء وطرق الإعداد والإلقاء وصفات الخطيب وعيوبه، والمحور الإعلامي ويشمل الندوة والإذاعة والراي، وفي غضون هذين المحورين ترد المرتكزات الأساسية للمواقف التعبيرية البيانية للداعية.

وتضمنت خطة البحث الفصول التالية:

الفصل الأول (مفهوم التدريب وأهميته وخصائصه) وفيه مبحثان:

المبحث الأول: مفهوم التدريب وأهميته.

المبحث الثاني: خصائص التدريب البياني.

الفصل الثاني (التدريب على الخطابة) وفيه مبحثان:

المبحث الأول: تعريف الخطابة وبيان خصائص الأسلوب الخطابي

المبحث الثاني: مسالك التدريب على الخطابة

الفصل الثالث (التدريب على الندوة) وفيه مبحثان:

المبحث الأول: تعريف الندوة وأنواعها ومحاورها العامة

المبحث الثاني: مسالك التدريب على إقامة الندوات.

الفصل الرابع (التدريب على الكلمة الإذاعية) وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: مقدمة عن الإعلام وخصائصه ووسائله ووظائفه.

ص: 330

المبحث الثاني: تعريف الإذاعة، وخصائصها

المبحث الثالث: مسالك التدريب على الكلمات الإذاعية.

الفصل الخامس (التدريب على الكلمة المرئية) وفيه مبحثان:

المبحث الأول: تعريف الراي، خصائصه، نبذة عن بعض الأحكام المتعلقة به

المبحث الثاني: مسالك التدريب على الكلمات المرئية

الخاتمة.

وقد حرصت في كتابي هذا على تقديم المعلومة الموثقة في تركيز وتلخيص، وكنت حثيثا على تتبع واستيفاء معالم الموضوع الأساسية، على ما هو المتوخى في الأبحاث العلمية ولأن تتبع المسائل الفرعية والإيغال فيها والإكثار من الاستطراد يضخم المادة وقد يذهب برونق البحث وبهائه ويقلل من قيمته

الإبداعية. وقد أطلت الحديث في الفصل الثاني وهو في: (التدريب على الخطابة) لأنه تضمن أسسا ومرتكزات عامة ينبني عليها ما تلاها من فصول.

وفي منهج البحث تتبعت النصوص المنقولة فأثبتها كما هي من مظانها ومصادرها لا سيما الأحاديث النبوية الشريفة، ورمزت في الحواشي في عزو الأحاديث إلى الصحاح الستة ومسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك بالرموز الآتية:(خ) صحيح البخاري طبعة فتح الباري المطبعة السلفية، (م) صحيح مسلم ترقيم محمد عبد الباقي، (د) سنن أبي داود ترقيم الموسوعة الالكترونية (صخر) ، (ت) سنن الترمذي ترقيم أحمد شاكر، (ما) سنن ابن ماجة ترقيم محمد عبد الباقي، (ط) موطأ الإمام مالك ترقيم الموسوعة الإلكترونية صخر، (أحمد) مسند الإمام أحمد ترقيم الموسوعة الإلكترونية صخر. وذكرت إثر كل رمز اسم الكتاب من المرجع الحديثي ورقم الحديث وذلك للاختصار وتحرير

ص: 331

الحواشي من ثقل الإطالة والتكرار، وعلى سبيل المثال فإذا قلت [خ: المغازي (4001) ] فإنني أعني: رواه البخاري في كتاب المغازي حديث رقم (4001) وهكذا في بقية الكتب الحديثية الأخرى.. وفيما عدا الكتب التسعة الآنفة فإني أذكرها باسمها دون رمز لقلة الإحالة إليها. والتزمتُ بطبعة واحدة في كل المراجع التي أحلت إليها، التزاما مني بمنهج البحث المتعارف عليه.

وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يكرم هذا العمل بالقبول، وأن يعفو عن التقصير والقصور، وأن يلهم الكاتب والقراء الصواب والسداد، وأن يجزل للجميع المثوبة، له سبحانه الفضل والحمد ظاهرا وباطنا وسرا وعلانية وأولا وآخر، وهو الحكيم الخبير. وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيين وآله وصحبه أجمعين.

ص: 332