المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حسب تتبعي ـ إذ أنهم ظلوا يعتقدون صواب ما اتفقت - تصحيح الحديث عند ابن الصلاح

[حمزة عبد الله المليباري]

الفصل: حسب تتبعي ـ إذ أنهم ظلوا يعتقدون صواب ما اتفقت

حسب تتبعي ـ إذ أنهم ظلوا يعتقدون صواب ما اتفقت عليه كتب المصطلح من عدم تسليم القول للإمام ابن الصلاح ـ رحمه الله تعالى ـ في مسألة منع التصحيح. ولعل في قولي ما يدفع القارئ إلى التساؤل: ما مدى صحة الاستدراك على السابقين بما لم يخطر على بالهم جيمعا؟

لا جرم أن الأمر يثير الاستغراب لدى الكثيرين عندما تصبح القضايا العلمية يحسمها الإجلال والتقليد، وأما إن كانت موازينها ومقايسها الأدلة والبراهين فلا مجال للتساؤل حول استدراك اللاحق على السابق، ولا للاستغراب فيه.

وقد طرحت هذا الموضوع العلمي في رسالة صغيرة وعالجته بأسلوب موضوعي مجرد كي يسهل على القارئ تركيزه عليه، وينال متعة القراءة وحظ الفهم، وفي الختام لا يسعني إلا الابتهال إلى الله تعالى أن يتقبل هذا الجهد المتواضع في خدمة علوم الحديث.

‌تمهيد:

يعتبر الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله من أبرز فقهاء الشافعية في القرن السابع الهجري، ومن العلماء الراسخين في علوم الحديث، وقد أهلته إمامته في هذا الميدان لأن يصير رمزا يعيش في ذاكرة الأمة على مر العصور وكرا لدهور، واعترافا له على ما قدمه لهذه الأمة من خدمة علمية عظيمة للسنة النبوية الشريفة، بقيت إلى يومنا هذا نبعا عذبا ينهل منه المبتدئ من طلبة العلوم الشرعية، كما يرجع

ص: 6

إليه الباحث المتمرس، فترتوي منه عقولهم المتعطشة إلى معرفة قواعد هذا العلم الشريف.

وعلى الرغم من أن مشاركة ابن الصلاح وإسهامه العلمي قد شمل جوانب كثيرة من علوم الشريعة ـ كالفقه والأصول والتفسير (1) كما تدل على ذلك مؤلفاته، إلا أن نجمه قد سطع بشكل خاص في علوم الحديث التي اقترن اسمه بها، بحيث صار ما إن تذكر مبادئ هذا الفن الشريف حتى يذكر معها كتاب هذا الإمام الجهبذ المعروف بمقدمة ابن الصلاح.

ويعد هذا الكتاب من أهم الكتب في علوم الحديث، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، لأنه جاء تتويجا لكل الجهود التي سبقته، كما جاء تجديدا لحيويتها ونضارتها، نظرا لأسلوبه المبتكر في تناول مباحث ومبادئ هذا العلم وفق مقتضيات عصره، حيث نجده جمع المصطلحات الحديثية التي كانت متداولة بين المحدثين النقاد، ووضع لها تعاريف محددة، معتمدا في ذلك على فن المنطق، فجاءت تلك التعاريف جامعة مانعة وموجزة واضحة.

وبهذا العمل يكون ابن الصلاح قد ذلل ما كان صعبا، ومهد الطريق أمام المبتدئين لاستيعاب علم مصطلح الحديث وفهمه، بعد أن كان عسير التناول، لا يدرك مراميه، ولا يستفيد من المصنفات فيه إلا المتمكنون، وأصبح كتابه بذلك مدخلا لمعرفة مبادئ هذا الفن، ومقدمة لكتب الأحاديث بما

(1) سير أعلام النبلاء: 23/142، للحافظ الذهبي، ط: مؤسسة الرسالة.

ص: 7

ضمنه من تعاريف مركزة للمصطلحات الحديثة التي يصادفها طالب الحديث في تلك الكتب بمقدمة ابن الصلاح. ونظرا لأهمية هذا الكتاب، فقد حظي بقبول الأئمة الذين جاؤوا من بعد، وإقبالهم عليه، فتسابقوا إلى نيل شرف خدمته، وسعوا إلى شرحه وإيضاح مكنونه، والتعليق على مسائله، حتى صار أصلا لكثير من المصنفات في علوم الحديث، وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر.

" اجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر"(1)

ولم يكن ابن الصلاح مجرد جامع لآراء من سبقه من الأئمة، بل إن المطلع على كتابات هذا الإمام ـ في مقدمته وغيرها ـ يجد له اجتهادات وآراء مستقلة، وإضافات وانتقادات (2) شأنه في ذلك شأن كل مبدع ومبتكر، وهو إن خالف في بعض تلك الآراء غيره من أهل العلم، فذلك أمر طبيعي، به يكتمل أي علم.

وقد أثارت بعض آراء هذا الإمام اهتمام اللاحقين، وتعددت أساليبهم في الاعتراض عليها ولعل أبرز هذه الآراء ما صرح به في مقدمته حول مسألة التصحيح، حيث ادعى انعدام

(1) فاتحة نخبة الفكر: ص2.

(2)

سير أعلام النبلاء: 23/ 142ـ143.

ص: 8