الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمل واسع (1) ، وأولوه على أن المتأخرين ليسوا بأهل لتصحيح الأحاديث ونقدها مطلقة، دون تقييدها بالأجزاء وغيرها، حتى أن فيهم من راح يربط رأي ابن الصلاح هذا بمسألة الاجتهاد الذي أغلق بابه تعسفا، وهذه أقوال بعض من هؤلاء:
الإمام النووي ورأيه:
يقول الإمام النووي رحمه الله: "من رأى في هذه الأزمان حديثا صحيح الإسناد في كتاب أو جزء لم ينص على صحته حافظ معتمد: قال الشيخ ـ يعني ابن الصلاح ـ لا يحكم بصحته لضعف أهل هذه الأزمان، والأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته "(2) .
الحافظ العراقي ورأيه:
يقول الحافظ العراقي رحمه الله: "وما رجحه النووي هو الذي عليه عمل أهل الحديث، فقد صحح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن تقدمهم فيها تصحيحا (3) .
الحافظ ابن حجر ورأيه:
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " معناه أن
(1) ويؤيده ظاهر ما وقع في بعض المواضع من مقدمته، مثل قوله: وإذا انتهى الأمر في معرفة الصحيح إلى ما خرجه الأئمة في تصانيفهم الكافلة ببيان ذلك، كما في ص: 17، وقوله: إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن الآن في مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة كما في ص: 18.
(2)
تقريب النووي مع شرح تدريب الراوي1/143.
(3)
التقييد والإيضاح ص: 23، ط: دار الفكر العربي، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان.
الاعتماد على ما نص السابقون من التصحيح والتحسين يلزم منه تصحيح ما ليس بصحيح، لأن كثيرا من الأحاديث التي صححها المتقدمون اطلع غيرهم من الأئمة فيها على علل تحطها عن رتبة الصحيح، ولا سيما من كان لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن كابن خزيمة وابن حيان، وللحاذق الناقد بعدهما الترجيح بين كلاميهما بميزان العدل، والعمل بما يقتضيه الإنصاف، ويعود الحال إلى النظر والتفتيش الذي يحاول المصنف سد بابه.
" وكلامه ـ يعني ابن الصلاح ـ يقتضي الحكم بصحة ما نقل من الأئمة المتقدمين فيما حكموا بصحته في كتبهم المتعمدة المشهورة، والطريق التي وصل بها إلينا كلامهم على الحديث بالصحة أو غيرها، هي الطريق ذاتها التي وصلت بها إلينا أحاديثهم، فإن أفاد الإسناد صحة المقالة عنهم، فليفد أيضا الصحة بأنهم حدثوا بذلك الحديث، ويبقى النظر منصبا على الرجال الذين فوقهم، وأكثرهم رجال الصحيح"(1) .
ثم رد الحافظ ابن حجر استدلال ابن الصلاح على دعواه فقال: " ما استدل به على تعذر التصحيح في هذه الأعصار المتأخرة بما ذكره من كون الأسانيد ما منها إلا وفيه من لم يبلغ درجة الضبط والحفظ والإتقان، ليس بدليل ينهض لصحة ما ادعاه من التعذر، لأن الكتاب المشهور الغني بشهرته عن اعتبار الإسناد منا إلى مصنفه كسنن النسائي مثلا، لا يحتاج
(1) النكت على كتاب ابن الصلاح 1/ 270ـ271 (بتصريف) .
في صحة نسبته إلى النسائي إلى اعتبار حال رجال الإسناد منا إلى مصنفه" (1) .
ثم قال: " وكأن المصنف ـ يعني ابن الصلاح ـ إنما اختار ما اختاره من ذلك بطريق نظر ي، وهو أن المستدرك للحاكم كتاب كبير جدا يصفو له منه صحيح كثير زائد على ما في الصحيحين على ما ذكر المصنف ـ يعني ابن الصلاح ـ بعد، وهو مع حرصه على جمع الصحيح الزائد على الصحيحين واسع الحفظ، كثير الاطلاع غزير الرواية، فيبعد كل البعد أن يوجد حديث بشرط الصحة لم يمزجه في مستدركه".
"وهذا في الظاهر مقبول إلا أنه لا يحسن التعبير عنه بالتعذر، ثم الاستدلال على صحة دعوى التعذر بدخول الخلل في رجال الإسناد، فقد بينا أن الخلل إذا سلم إنما هو فيما بيننا وبين المصنفين، أما من المصنفين فصاعدا فلا، وأما ما استدل به شيخنا ـ وهو العراقي ـ على صحة ما ذهب إليه الشيخ محي الدين ـ النووي ـ من جواز الحكم بالتصحيح لمن تمكن وقويت معرفته، بأن من عاصر ابن الصلاح قد خالفه فيما ذهب إليه، وحكم بالصحة لأحاديث لم يوجد لأحد من المتقدمين الحكم بتصحيحها، فليس بدليل ينهض على رد ما اختاره ابن الصلاح، لأنه مجتهد وهم مجتهدون، فكيف ينقض الاجتهاد بالاجتهاد؟ وما أوردناه في نقض دعواه أوضح فيما يظهر، "
(1) المصدر السابق.