الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة:
على ضوء ما سبق من الدراسة النقدية يصبح جليا أن ما يدعيه الإمام ابن الصلاح يتمثل في أن الأحاديث التي يرويها المتأخرون في كتبهم كالأجزاء والمشيخات والمعاجم وغيرها بأسانيدهم الخاصة والعالية يتعذر تصحيحها وتحسينها بناء على ظاهرها، ويستحيل لهم الاستقلال بإدراك صحتها وحسنها بمجرد اعتبار تلك الأسانيد، دون الاعتماد على كتب المتقدمين، ودون الاعتبار بأسانيدهم ورواياتهم، وذلك لأن أسانيد المتأخرين ورواياتهم العالية والمباشرة لا تخلو من خلل، نتيجة تساهلهم في تطبيق قواعد الجرح والتعديل، وتوفير الشروط لقبول تحمل الحديث وأدائه، في ظل تأثيرهم بظاهرة الاعتماد على كتب المتقدمين، حتى صار الإسناد بعدها مجرد مظهر من مظاهر الشرف، دون أن يلعب دورا فعالا في تصحيح الحديث وتعليله.
أما مدى تأهل المتأخرين لمعرفة صحة الحديث وضعفه من خلال دراستهم وتتبعهم وغربلتهم لطرقه ورواياته في المسانيد والسنن والمصنفات وغيرها فأمر لم يتعرض له ابن الصلاح هنا في هذا الموضع، لا تصريحا ولا تلميحا، وهذا ما جعله يقتصر بذكر التصحيح والتحسين، دون ذكر التضعيف.
أما لو كانت دعواه هي عدم تأهل المتأخرين لمعرفة الصحيح والحسن فيلزم له أن يضيف فيها التضعيف أيضا، فإن معرفة الضعيف في الأحاديث تتوقف على ما يتوقف عليه
معرفة الصحيح والحسن، غير أنه اكتفى بذكر التصحيح والتحسين فقط، ولا جرم أن الدعوى تعذر الاستقلال بإدراكهما لأمر طارئ شيء آخر، فلا ينبغي التخليط بينهما. ومن هنا فإننا نجد ابن الصلاح رحمه الله يربط دعواه بأمرين بارزين، أحدهما: أن تكون الأحاديث مروية لدى المتأخرين بأسانيدهم الخاصة، كما عبر عنه بقوله: إذا وجدنا فيما نروي من أجزاء الحديث وغيرها، والثاني: أن يكون التصحيح أو التحسين مبنيا على أساس الاعتبار بأسانيدهم الخاصة، دون الرجوع إلى كتب المتقدمين، والاعتماد على ما روى المتقدمون فيها بأسانيدهم، كما عبر عنه بقوله: فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد.
وهذا يجعل رأي الإمام ابن الصلاح غير معارض بعمل معاصريه واللاحقين بخلافه من تصحيح وتحسين وتضعيف، حيث إن عملهم لم يكن إلا بمقتضى نظرهم في روايات المتقدمين الثابتة في الكتب المعتمدة، دون أدنى اعتبار لأسانيدهم التي تنقل بها تلك الكتب، وهذا أمر لم يتعرض له الإمام ابن الصلاح في كلامه، كما سبق توضيحه، وإلا فذكر القيود وربط كلامه بها يصبح لغوا مخلا. والله أعلى وأعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
بقلم: د. حمزة عبد الله المليباري