الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم فضيلة الشيخ المحدث
عبد الله بن عبد الرحمن السعد
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فقد اطلعت على بحث بعنوان "إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان"، للشيخ: علي بن عبد الله الصياح - وفقه الله تعالى - فوجدته بحثا نفيسا كثير الفوائد، وقد أجاب عن ما يستشكله بعض الناس في هذا الحديث، ويفهمه على غير وجهه الصحيح، وقد أبان - وفقه الله تعالى - في بحثه هذا عن الطريقة الصحيحة والمسلك المستقيم في مثل هذه القضايا، فجزاه الله خيرا.
وكتب
عبد الله بن عبد الرحمن آل سعد
19 / 9 / 1424
مقدمة
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُهُ ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أمَّا بعد:
فإنَّ مِنْ طرائقِ المحدثين في التصنيف إفرادُ بعضِ الأحاديث بجزءٍ ومصنفٍ، والكلام عليه عََقدياً أوحَدِيثياً أو فقهياً أو غير ذلك (1) .
وفي الغالب أنّ الأحاديثَ المفردةَ بالتصنيفِ تكونُ إمّا:
- مِنْ جَوامعِ كَلِمهِ صلى الله عليه وسلم كحَدِيثِ "إنما الأعمالُ بالنيات"، وَحَدِيث" بُني الإسلامُ عَلى خمسٍ".
(1) وقد جَمَعَ الباحثُ يوسفُ العتيق الأحاديثَ التي أفردت بالتصنيف في كتابٍ سماه"التعريف بما أفرد من الأحاديث بالتصنيف"، الطبعة الأولى، 1418، دار الصميعي-الرياض-.
وممن عُني بجمع "الكتب المؤلفة في شروح أحاديث معينة" الباحث محمد التليدي في كتابه "تراث المغاربة في الحديث النبويّ وعلومه"(ص:176) . الطبعة الأولى، 1416، دار البشائر الإسلامية-بيروت-.
وكذلكَ جَمَعَ مُحَمَّد خير رمضان "الكتب المؤلفة في شروح أحاديث معينة" ضمنَ كتابهِ القيّم "المعجم المصنف لمؤلفات الحديث الشريف"(2/1123-1159) . الطبعة الأولى، 1423، مكتبة الرشد-الرياض-.
- أو مِنْ الأحَادِيثِ المشتملة عَلى "فوائد خطيرة، وفرائد غزيرة، ومباحث كثيرة"(1) كحَدِيثِ "ذي اليدين"، وَحَدِيثِ "المسيء صلاته".
- أو مِنْ الأحَادِيثِ المُشْكِلة التي تحتاجُ إلى جَلاء وبيان كحَدِيثِ "أُمِّ زَرْع (2) "، وَحَدِيثِ "لا تردُ يد لامسٍ".
- أو مِنْ الأحَادِيثِ المتعارضة التي تحتاجُ إلى جمعٍ أو ترجيحٍ كحَدِيث "لا عَدوى ولا طِيَرة"، وَحَدِيث "بئر بُضَاعة".
- أو مِنْ الأحَادِيثِ المُخْتَلفِ فيها صحةً وضعفاً كحَدِيث "القلتين".
ولا شك أنّ الحَدِيث إذا أُفْرِدَ بالتصنيفِ كَانَ ذَلكَ أدْعَى للشموليةِ والاستقصاءِ مما يترتبُ عليه عُمْق البحث، ودِقة النتائج.
ومن الأحاديث العظيمة الجديرة بالإفراد والتصنيف حَدِيث " أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَان ورؤيا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم " وذلك لأسباب عديدة:
1-
أنّ الحَدِيث تضمن دلائل عظيمة من دلائل النبوة، وهذه الدلائل جديرة بالتأمل والبيان والإظهار.
2-
أنّ في الحَدِيث إشكالاً يحتاجُ إلى بيانٍ وتجليةٍ وهو ما يوهمه ظاهر الحَدِيث من خلوة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بأُمّ حَرَام، وكذلك فلي أُمّ حَرَام رأس النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وهذا الإشكال انحرفت في فهمه عقول:
أفطائفة أنكرت الحَدِيث وحكمت ببطلانه، وطعنت في الصحيحين
(1) مقتبس من مقدمة العلائيّ لكتابه "نظم الفرائد لما تضمنه حَدِيث ذي اليدين من الفوائد"(ص36) .
(2)
انظر: كلام القاضي عياض في مقدمة كتابه "بغية الرائد لما تضمنه حَدِيث أمِّ زَرْع من الفوائد"(ص1) .
حماية لجناب الرسول صلى الله عليه وسلم حسب زعمهم!!.
ب وطائفة وسعت دلالة الحَدِيث وجوزت مس المرأة الأجنبية والخلوة بها، بل وجوزت دخول المرأة العسكرية دون قيد ولا شرط، وأغفلت النصوص الأخرى.
وهاتان الطائفتان على طرفي نقيض!، و: كِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الأُمورِ ذَمِيمُ، وكلٌ منهما يلوي النّص حسب توجهه!.
و"إنّ المرءَ المستقيمَ ليسمع الحديثَ الصحيحَ فيدركه على وجههِ إنْ كان سليم النفس، حَسَن الطوية، وهو ينحرفُ به إذا كان إنساناً مريض النفس معوجا، وهل ينضح البئر إلاّ بما فيه، وهل يمكن أن نتطلب من الماء جذوة نار؟ أو نغترف من النار ماء؟ وقديما قالوا: إنّ كل إناء بما فيه ينضح، أشهد أنّ الله قد قَالَ في نبيه صلى الله عليه وسلم {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4) "(1) .
ووفق اللهُ أهلَ العلم والإيمان للفهم السليم الذي به تأتلف نصوص الكتاب والسنة وتتسق، على منهجٍ علمي منضبط، مبني على التسليمِ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، مستفيدين من فهوم العلماء الربانيين من سلفنا الصالح.
3-
اشتماله على صورةٍ مشرقةٍٍ من جَهاد المرأة في سبيل الله، وبذلها الغالي والنفيس في خدمة هذا الدين، ففي الحَدِيث ردٌّ على تلك الصرخات المعاصرة الجائرة التي تدعي أنَّ الدينَ الإسلامي هَضَمَ المرأةَ حقوقَها، ولم يقم لها وزناً!.
4-
اشتمال الحَدِيث على فوائد كثيرة شرعية، وتربوية.
(1) مقتبس من كلام الدكتور: طه الدسوقي في كتابه السنة في مواجهة أعدائها (ص205) .
وقد كتبت جزءاً في الكلام على الحَدِيث رواية ودراية، عالجت فيه جميع المسائل المتقدمة حسب القدرة، والله -سبحانه وتعالي- يقول {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} (الطلاق: 7) ، -وإليه سبحانه وتعالى السؤال أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم، مقتضيا لرضاه، وأن لا يجعل العلم حجة على كاتبه في دنياه وأخراه، وعلى الله قصد السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل-.
ولا زال الكتاب في طور الإعداد والتنقيح غير أنّي لمَّا رأيت كثرة الكلام حول الإشكال الوارد في الحَدِيث مِنْ خَلوةِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بأُمّ حَرَام، وكذلك فلي أُمّ حَرَام رأس النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، رأيتُ أنْ أخرج المبحث المتعلق بهذا الإشكال والإجابة عنه سائلاً المولى أنْ ينفعَ بهِ المسلمين.
ومما ينبغي التنبه له والتنبيه عليه: أنه ليس من طريقة أهل العلم ولإيمان تتبع المتشابهات والإشكالات المخالفة للمحكمات وإثارتها - خاصةً عند العوام -، وهذه الطريقة طريقة أهل البدع والضلال ورثوها عن المنافقين.
وكذلك ليس من منهج أهل العلم والإيمان السكوت عن الشبهات والإشكالات التي تثار وتنشر على رؤؤس الملاء، فعندهم من الحق والعلم والهدى والضياء ما يقذفون به الباطل فيدحره، قَالَ تعالى:{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} (الأنبياء:18)، وَقَالَ سبحانه:{فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ} (الرعد:17) .
فما ذكرته في هذا البحث هو من الشبهات التي يتكأ عليها أهل الشهوات، وأهل الشبهات في هذا الزمان، ويثيرونها في وسائل الأعلام المختلفة التي تشاهدُ وتقرأُ وتسمعُ مِنْ قِبلِ ملايين الناس، فنسألُ اللهَ أنْ يحفظنا وجميعَ المسلمين من الفتن ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ.