الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2- المقدمة الثالثة: عند النظر في هذه الأحاديث الصحيحة المُشْكلة لا بدَّ من ملاحظة أمرين:
الأوَّل:
التصور السليم للحياة في عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كما هي من الطهر والعفاف
والصدق والمحبة والإيثار والتضحية، والمبادرة إلى طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فما إنْ يرد الأمر والنهي إلاّ ويبادروا إليه دون تلكأ وتأخير رجالاً ونساء، ومن ثمّ يعوّدون صبيانهم على هذه الكمالات والفضائل، فلم تمرّ على الأمة الإسلامية أيام وسنين كتلك التي مرت في عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وهذه بعض الأدلة من القرآن والسنة على ما تقدم:
إلى غير ذلك من الآيات.
ومن السنة:
- حَدِيثُ أنس رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ؟ قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَقُلْتُ: هَذَا مُنَادٍ يُنَادِي أَلا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا، قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ (1) .
- وفي رواية: ((فَإِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَفُلانًا وَفُلانًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَهَلْ بَلَغَكُمْ الْخَبَرُ؟ فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ، قَالُوا: أَهْرِقْ هَذِهِ الْقِلالَ يَا أَنَسُ، قَالَ: فَمَا سَأَلُوا عَنْهَا وَلا رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ)) (2) .
- وعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا (3) .
-وعَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ،
(1) أخرجه: البخاري في صحيحه كتاب التفسير، بابٌ {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا} الآية، (4/1688رقم4344) ، مسلم في صحيحه، كتاب الأشربة (3/1571رقم1980) .
(2)
أخرجه: البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ (4/1688رقم4341) ومسلم في صحيحه-الموضع السابق-.
(3)
أخرجه: البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، بابٌ قَوْلُهُ ولْيَضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (4/1782رقم4480) معلقاً، وأبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب في قوله {ولْيَضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (4/61رقم4102) .
فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ (1) .
والأحاديثُ في هذا المعنى كثيرةٌ.
وإنما نبهتُ عَلَى هذا الأمر -مَعَ وضوحهِ وَكثرةِ دلائلهِ - لأني رأيتُ بعضَ مَنْ انتقد الأحاديثَ الصحيحةَ صوّرها بأسلوبٍٍ يُعطي انطباعاً أنّ المجتمعَ في عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كمجتمعاتنا في هذه الأزمان مِنْ كثرةِ المعاصي، وقلة حياء النساء، وتبرجهنّ وسفورهنّ، وفحش غنائهن، وتنوع الشهوات، وتفنن الملذات.
وتأملْ قولَ أحدهم -تعليقاً على حَدِيث الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ: جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي
…
فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَالَ: دَعِي هَذِهِ وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ، وسيأتي الكلام عليه (2) -:
((ولما شوهد الحَدِيث محفوف بالتفاهة والركاكة وتباينه لمقام النبوة والنبي (صلى الله عليه وآله) ما لا يقبله العقل بدا القوم في تبرير هذه الحكايات التافهة، وذلك لأنه لا يعقل أن يشترك مؤمن ملتزم أو عالم ديني حتى لو كان في، أدنى درجة من العلم والدين في الأعراس، ويجالس النساء اللاتي تزين بوسائل التجميل من الملابس وغيرها - الماكياج - (3) ، وهن يعزفن ويرقصن أمامه وهو يراهن ويستمع إلى ما يغنين ويبدي رأيه في ما عزفن. نعم، إنَّ الإنسانَ العادي الذي لم يملك تلك المعنوية العالية والغيرة الدينية الشديدة يمتنع من هذا المشهد فكيف بنبي ورسول؟
(1) أخرجه: البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، بابٌ صوم الصبيان (2/692رقم1859) ، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام (2/798رقم1136) .
(2)
انظر (ص: 43) من هذا البحث.
(3)
قلتُ: ولم يبق إلاّ أن يقول وقد وضعن العطور الباريسية
…
!!.