الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويزيد بن عبد الله بن الشخير متفقٌ على توثيقه (1) .
ولكن خَالفَ شدادَ بنَ سعيد بشيرُ بنُ عقبة -وهو ثقةٌ أخرجَ لهُ الشيخان (2) -،فرواه عن يزيد عن معقل موقوفاً، أخرجه: ابنُ أبي شيبة في المصنف، كتاب النكاح، ما قالوا في المرأة تقبل رأس الرجل وليست منه بمحرم (3) قَالَ: حدثنا أبو أسامة حمّاد بنُ أسامة عن بشير بن عقبة، قَالَ: حدثني يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن معقل قَالَ:((لأنْ يعمد أحدكم إلى مخيط فيغرز به في رأسي، أحبّ إلي من أنْ تغسل رأسي امرأة ليست مني ذات محرم)) .
ويظهر لي أنّ رواية بشير تعل رواية شداد، ولكن يغني عنه الأحاديث المتقدمة الدالة على المنع، والله أعلم.
وقد قوّى الشيخ الألبانيُّ-رحمه الله الحَدِيثَ (4) ولكن لم يذكر رواية بشير بن عقبة، والتي تدل على علة رواية شداد فيبدو أنه لم يقف عليها.
4- المقدّمةُ الرابعةُ: لم أقفْ إلى الآن عَلَى حَدِيثٍ صحيحٍ صريحٍ في خلوة
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وحدَه بامرأةٍ
(1) تهذيب التهذيب (11/298) .
(2)
يكاد يجمع النقاد على توثيقه، فلا حاجة للتوسع في نقل أقوالهم. انظر: تهذيب الكمال (4/170) ، تهذيب التهذيب (1/408) ، تقريب التهذيب (ص125)
(3)
4/15ح 17310) .
(4)
السلسة الصحيحة (2/395رقم226) .
أجنبيةٍ-عدا ما وَرَدَ في حق أُمّ سُلَيْم، وأُمّ حَرَام، وسيأتي الكلام على ما وَرَدَ في شأنهما-.
والأحاديثُ التي ذَكَرَ بعضُ العلماء أنّ فيها خلوةً، أو استدل بها عَلَى أنّ مِنْ خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم الخلوة بالمرأة الأجنبية والنظر إليها ليست صريحة، ولعلي أذكرها وأذكر الجواب عنها فأولها:
1-
حَدِيثُ خَالِد بْنِ ذَكْوَانَ (1)
عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لا تَقُولِي هَكَذَا وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ (2) .
قَالَ ابن حَجَر: ((قَوْله (كَمَجْلِسِك) - بِكَسْرِ اللام - أَيْ مَكَانك ، قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ وَرَاء حِجَاب ، أَوْ كَانَ قَبْل نُزُول آيَة الْحِجَاب ، أَوْ جَازَ النَّظَر لِلْحَاجَةِ أَوْ عِنْد الْأَمْن مِنْ الْفِتْنَة اهـ. وَالْأَخِير هُوَ الْمُعْتَمَد ، وَالَّذِي وَضَحَ لَنَا بِالأَدِلَّةِ الْقَوِيَّة أَنَّ مِنْ خَصَائِص النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جَوَاز الْخَلْوَة بِالأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَر إِلَيْهَا ، وَهُوَ الْجَوَاب الصَّحِيح عَنْ قِصَّة أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَان فِي دُخُوله عَلَيْهَا وَنَوْمه عِنْدهَا وَتَفْلِيَتهَا رَأْسه وَلَمْ يَكُنْ بَيْنهمَا مَحْرَمِيّة وَلا زَوْجِيَّة)) (3) .
(1) خالد بن ذكوان أبو الحسين المديني، مولده بالمدينة وسكن البصرة وعمر إلى أن مات بها، وهو ثقة، وثقه ابنُ معين وغيره.
انظر: التاريخ الكبير (3/147رقم504) ، الجرح والتعديل (3/329رقم1475) ، مشاهير علماء الأمصار (ص98) ، الكامل في ضعفاء الرجال (3/7) ، تهذيب الكمال (8/60) ، الكاشف (1/364رقم1317) ، تقريب التهذيب (ص187رقم1629) .
(2)
أخرجه: البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب شهود الملائكة بدرا (4/1469رقم3779) ،كتاب النكاح، باب ضرب الدف في النكاح والوليمة (5/1976رقم4852) .
(3)
فتح الباري (9/203) .
واعترض القارىء في المرقاة على كلام الحافظ هذا فَقَالَ: ((هذا غريبٌ فإنَّ الحَدِيثَ لا دلالة فيه على كشف وجهها، ولا على الخلوة بها، بل ينافيها مقام الزفاف، وكذا قولها: فجعلت جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ)) (1) .
قلتُ: وَما قاله القاريء بينٌ واضحٌ، فأين التنصيص على الخلوة؟ وكذلك أين كشف الوجه؟.
وقولها (فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي) لا يلزم منه أنّه جلس على فراشها معها، وليس فيه بيان لمجلسها من حيث القرب والبعد، بل قولها لخالد (كَمَجْلِسِكَ مِنِّي) يُشعر بالبعد لأنَّ خَالِد بْن ذَكْوَانَ ليس محرماً لها، فلا بدَّ أنْ يكون مجلسه منها بعيداً، والله أعلم.
نعم الحَدِيثُ يدل على جواز إعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح، وفيه إقبال الإمام إلى العرس وإنْ كانَ فيه لهو ما لم يخرج عن حد المباح (2)، قَالَ العيني عند ذكره فوائد الحَدِيث:((وفي الحَدِيث فوائد..ومنها الضرب بالدف في العرس بحضرة شارع الملة ومبين الحل من الحرمة، وإعلان النكاح بالدف والغناء المباح فرقا بينه وبين ما يستتر به من السفاح)) (3) .
2-
حَدِيثُ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَخَلا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ)) ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وفي لفظ للبخاري:((مَعَهَا أَوْلادٌ لَهَا)) ، وفي
(1) مرقاة المفاتيح (3/419) .
(2)
فتح الباري (9/203) .
(3)
عمدة القاري (20/136) .
لفظ للبخاري أيضاً: ((وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَكَلَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)) (1) .
والجواب عن الحَدِيث في تبويب البخاريّ على الحَدِيث فقد ترجم له بقوله: ((باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس)) .
قَالَ المهلبُ: ((لم يرد أنسٌ أنه خَلا بها بحيثُ غَابَ عَنْ أبصار من كان معه، وإنما خلا بها بحيث لا يسمع من حضر شكواها، ولا ما دار بينهما من الكلام، ولهذا سمع أنس آخر الكلام فنقله ولم ينقل ما دار بينهما لأنه لم يسمعه)) (2) .
قَالَ النَّوَوِيّ: ((جاءتْ امرأةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلا بها هذه المرأةُ إمَّا محرمٌ له كأُمّ سُلَيْم وأختها، وإما المراد بالخلوة أنها سألته سؤالا خفيا بحضرة ناس ولم تكن خلوة مطلقة وهي الخلوة المنهي عنها)) (3) ، والجوابُ الثاني هو المتعينُ كما يدلُ على ذلكَ سياق الحديث.
ونحو هذا الحَدِيث حَدِيث ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: يَا أُمَّ فُلانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ فَخَلا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا (4) .
(1) أخرجه: البخاري في صحيحه في:
-كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار أنتم أحب الناس إلي (3/1379رقم 3575)
-كتاب النكاح، باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس (5/2006رقم 4936)
-كتاب الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم (6/2449رقم6269) ،
ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم (4/1948رقم2509) .
(2)
فتح الباري (9/333) .
(3)
شرح النَّوَوِيّ على صحيح مسلم (16/68) .
(4)
أخرجه: مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل (4/1812رقم2326) .
قَالَ النَّوَوِيّ: ((خَلا معها في بعضِ الطرق: أي وَقَفَ مَعَها في طريق مسلوك ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية فإنَّ هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إياه وإياها، لكن لا يسمعون كلامها لأنَّ مسألتها مما لا يظهره، والله أعلم)) (1) .
3-
حَدِيثُ (2) سَالِمِ بْنِ سَرْجٍ أبي النُّعْمَانِ قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ صُبَيَّةَ الْجُهَنِيَّةِ تَقُولُ: رُبَّمَا اخْتَلَفَتْ يَدِي وَيَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْوُضُوءِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ (3) .
قَالَ ابنُ مَاجَةَ بعد روايته الحَدِيث: ((سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: أُمُّ صُبَيَّةَ هِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، فَذَكَرْتُ لأَبِي زُرْعَةَ فَقَالَ: صَدَقَ)) .
(1) شرح النَّوَوِيّ على صحيح مسلم (16/68) .
(2)
ذكره الصالحي في سبل الهدي والرشاد (10/444) ضمن أدلة من يقول بالخصوصية، وسترى أنه لا حجة فيه.
(3)
أخرجه: أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب الوضوء بفضل وضوء المرأة (1/20رقم78) ، وابن ماجه في سننه، كتاب الطهارة، باب الرجل والمرأة يتوضأن من إناء واحد (1/135رقم382) ، وابن سعد في الطبقات الكبرى (8/295) ، وإسحاق بن راهويه في المسند (5/236رقم2383) ، وابن أبي شيبة في المصنف (1/40) ، وأحمد بن حنبل في المسند (6/366) ، والبخاري في الأدب المفرد (ص363) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/182رقم3409) ، والطبراني في المعجم الكبير (24/235رقم595، 25/168رقم409) وغيرهم، وإسناده جيّد.
مداره على سالم بن سَرْج -بفتح المهملة وسكون الراء بعدها جيم- أبو النعمان المدنيّ يقال له:ابن خربوذ بفتح المعجمة ثم راء ثقيلة ثم موحدة مضمومة- وثقه ابنُ معين وابنُ حبان، ولم يتكلم فيه أحدٌ، وهو مقل جداً فلم يذكر له إلاّ هذا الحديث الواحد-وذكر ابن سعد حديثا آخر لكن في إسناده الواقدي-، لذا اكتفيت بتجويد الإسناد دون تصحيحه.
وقد تابع سالماً أخوه نافع بن سرج عند ابن سعد ولكن في الإسناد إليه ضعفٌ.
وانظر: علل الترمذي (ص39) ، الجرح والتعديل (4/187رقم812) ، تهذيب الكمال (10/143) ، الكاشف (1/422رقم1771) ، تهذيب التهذيب (3/377) ، تقريب التهذيب (ص226رقم2174) ، تعليقة على علل ابن أبي حاتم لابن عبد الهادي (ص234) .
قلتُ: ليسَ في الحَدِيثِ دلالة على الخلوة أو النظر أو المس، فربما يوضع إناء خاص للوضوء في مكان عام فتتوضأ منه المرأة والرجل من دون خلوة أو مسيس، وهذا بين لمن عرف طبيعة حياتهم، وحال عيشهم في ذلك الزمان، وتأمل المقدمة الثالثة من المقدمات العامة المذكورة سابقاً.
قَالَ مُغْلطاي: ((وأعترض بعضهم على صحة هذا الحَدِيث بكونه عليه السلام لم يمس امرأة لا تحل له، قَالَ: وخولة هذه لم يأت في خبر صحيح ولا غيره أنها كانت بهذه الصفة. وفي الذي قاله نظرٌ؛ وذلك من قولها "تختلف" لأنّ الاختلاف لا يوجب مساً، الثاني: لا يرفع صحة الحَدِيث لتخيل معارضة إذا عُدلتْ رواته، وسَلِمَ من شائبة الانقطاع)) (1) .
وَقَالَ ابن حَجَر: ((ومعنى تختلف أنه كان يغترف تارة قبلها، وتغترف هي تارة قبله)) (2) .
على أنّ هناك جوابا آخر ذكره ابنُ حَجَر عند كلامه على حَدِيث ابن عمر قَالَ: كَانَ الرِّجَال وَالنِّسَاء يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَان رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم جميعا (3) قَالَ: ((قَوْله: (جَمِيعًا) ظَاهِره أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الْمَاء فِي حَالَة وَاحِدَة ، وَحَكَى اِبْن التِّين عَنْ قَوْم أَنَّ مَعْنَاهُ
(1) شرح سنن ابن ماجه (1/217) لمغلطاي تحقيق: كامل عويضة، الناشر: مكتبة نزار الباز.
وهذا الكتاب "شرح سنن ابن ماجه" من أنفس كتب شروح الأحاديث -التي أطلعتُ عليها- غير أنَّ هذه الطبعة من أسوأ الطبعات التي مرّتْ علىّ!، فلا تكاد تخلو صفحة من تصحيف، وتحريف، وسقط، مما جعل الاستفادة من الكتاب قليلة أو متعذرة، وزاد الطين بلة عدم وجود الفهارس التي هي مفاتيح الكتب، وعندي أنّ هذا الكتاب بهذه الصورة في حكم العدم فلا بدَّ من إعادة تحقيقه تحقيقاً علمياً، والله المستعان.
(2)
فتح الباري (1/373) .
(3)
أخرجه: البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة (1/82رقم190) وغيره.
أَنَّ الرِّجَال وَالنِّسَاء كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ جَمِيعًا فِي مَوْضِع وَاحِد ، هَؤُلاءِ عَلَى حِدَة وَهَؤُلاءِ عَلَى حِدَة ، وَالزِّيَادَة الْمُتَقَدِّمَة فِي قَوْله " مِنْ إِنَاء وَاحِد " تَرِد عَلَيْهِ ، وَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِل اِسْتَبْعَدَ اِجْتِمَاع الرِّجَال وَالنِّسَاء الأَجَانِب ، وَقَدْ أَجَابَ اِبْن التِّين عَنْهُ بِمَا حَكَاهُ عَنْ سَحْنُون أَنَّ مَعْنَاهُ كَانَ الرِّجَال يَتَوَضَّئُونَ وَيَذْهَبُونَ ثُمَّ تَأْتِي النِّسَاء فَيَتَوَضَّأْنَ ، وَهُوَ خِلَاف الظَّاهِر مِنْ قَوْله " جَمِيعًا "، قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْجَمِيع ضِدّ الْمُفْتَرِق ، وَقَدْ وَقَعَ مُصَرَّحًا بِوَحْدَةِ الْإِنَاء فِي صَحِيح اِبْن خُزَيْمَة فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ طَرِيق مُعْتَمِر عَنْ عُبَيْد اللَّه عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ أَبْصَرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه يَتَطَهَّرُونَ وَالنِّسَاء مَعَهُمْ مِنْ إِنَاء وَاحِد كُلّهمْ يَتَطَهَّر مِنْهُ ، وَالْأَوْلَى فِي الْجَوَاب أَنْ يُقَال: لَا مَانِع مِنْ الِاجْتِمَاع قَبْل نُزُول الْحِجَاب ، وَأَمَّا بَعْده فَيَخْتَصّ بِالزَّوْجَاتِ وَالْمَحَارِم)) (1) .
5-
المقدمة الخامسة: لم أقف إلى الآن على حَدِيث صحيحٍ صريحٍ في مس النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم امرأةً أجنبية (2)، أو مس امرأة أجنبية النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عدا ما ورد في حَدِيث أُمّ حَرَام وسيأتي الكلام على ذلك- بل قالت عائشة:((وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط)) (3) .
وقد يشكل على هذا حَدِيث هُشَيْم بن بَشير قَالَ: أخبرنا حُمَيْدٌ الطوِيل قَالَ: حدثنا أنسُ بنُ مَالِك قَالَ: كانَتِ الأمَةُ مِنْ إماءِ أهْلِ المَدِينَةِ لِتَأْخُذُ بِيَدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) فتح الباري (1/299) .
(2)
وردت أحاديث ضعيفة ومنكرة فيها الأخذ بيد الرسول من لدن النساء الأجنبيات وقد أضربتُ عن ذكرها لنكارتها وشدة ضعفها وليس المقام مقام استيعاب وحصر، وإنما ذكرتُ ما صح مما قد يفهم منه المس.
(3)
تقدم تخريجه.
فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شاءَتْ (1) .
والجوابُ: مِنْ وجهين:
الأوّل: أن دلالة " لتأخذ بيد رسول الله" على المس غير بينة إذ ربما يراد بذلك الإشارة إلى غاية التصرف واللين، قَالَ ابن حَجَر:((والمقصود من الأخذ باليد لازمه وهو الرفق والانقياد، وقد اشتمل على أنواع من المبالغة في التواضع لذكره المرأة دون الرجل والأمة دون الحرة وحيث عمم بلفظ الإماء أي أمة كانت وبقوله حيث شاءت أي من الأمكنة والتعبير بالأخذ باليد إشارة إلى غاية التصرف حتى لو كانت حاجتها خارج المدينة)) (2) ، وعلى كل حال هذه الدلالة معارضة بما هو أقوى وأصرح مما تقدم ذكره في المقدمة الثالثة.
الثاني: أنّ الحَدِيث نصّ على الإماء، ولا يخفى أنّ الإماء يفارقن الحرائر بأحكام كثيرة -فلا يخلو باب من أبواب الفقه - في الغالب - من ذكر الفروق بين الحرائر والإماء-، فملامسة الأمة أخف من ملامسة الحرائر، وكذلك النظر إليها وغير ذلك من الأحكام، وتبقى الحرائر على الأصل في تحريم المس.
قَالَ ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الصلوات، في الأمة تصلي بغير خمار (2/41) حدثنا وكيعُ بنُ الجراح، قَالَ: حدثنا شعبةُ، عن قتادةَ، عن أنس قَالَ: رأى عُمرُ أمةً لنا متقنعة فضربها وَقَالَ: لا تشبهي بالحرائر، وهذا إسنادٌ صحيح (3) .
(1) أخرجه: البخاريُّ في صحيحهِ، كتاب الأدب، باب الكبر (5/2255رقم5724) معلقاً، قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّد بن عيسى حدثنا هشيم-به-.
وأحمد بن حنبل في مسند (3/98) قَالَ: حدثنا هشيم-به-.
(2)
فتح الباري (10/490) .
(3)
وانظر للفائدة: نصب الراية (1/300) .
قَالَ شيخُ الإسلامِ: ((غناءُ الإماءِ الذي يسمعه الرجلُ قد كَانَ الصحابة يسمعونه في العرسات كما كانوا ينظرونَ إلى الإماء لعدم الفتنة في رؤيتهن وسماع أصواتهن)) (1) .
تنبيه:
أخرج:
-ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب البراءة من الكبر والتواضع (2/1398رقم4177) .
-وأحمد بن حنبل في مسنده (3/174) .
-وابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (ص158 رقم 122) .
-وأبو يعلى في مسنده (7/61رقم3982) .
-وأبو الشيخ في أخلاق النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ما ذُكِرَ مِنْ حُسن خُلُق رسولِ الله صلى الله عليه وسلم (1/138، 140رقم26،27) .
-وأبو نُعَيم في الحلية (7/202) .
جميعهم من طرق عن شعبة بن الحجاج عن علي بن زيد عن أنس بنِ مَالِك قَالَ: إنْ كانت الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت من المدينة في حاجتها.
قَالَ البوصيريُّ: ((هذا إسناد ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان)) (2) ،
(1) مجموع الفتاوى (29/552) .
(2)
مصباح الزجاجة (4/230) .
قلتُ: لو قيل إنّ لفظة " فما ينزع يده من يدها" ضعيفة جداً، لضعف علي، ومخالفته حميداً الطويل لكان أدق في الحكم.
ومما قد يفهم منه المسيس حَدِيث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالَتْ: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ ومالُه في الأرْضِ مِنْ مالٍ ولَا مَمْلُوكٍ ولا شيْءٍ غَيْرَ ناضِجٍ وغيْرَ فَرَسِهِ فَكنْت أعْلِفُ فَرَسَهُ وأسْتَقِي المَاءَ وأخْرِزُ غَرْبَهُ وأعْجِنُ ولَمْ أكُنْ أُحْسِنُ أخْبِزُ وكانَ يخْبِزُ جارَاتٌ لِي مِنَ الأنْصَارِ وكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ وكُنْتُ أنْقُلُ النَّوى مِنْ أرْضِ الزُّبَيْرِ الّتي أقْطَعَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على رأسِي وهْيَ مِنِّي علَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ فَجِئْتُ يَوْما والنَّوَى علَى رَأسِي فَلَقِيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ومَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأنْصَارِ فَدَعانِي ثُمَّ قَالَ: إخْ إخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فاسْتَحْيَيْتُ أنْ أسِيرَ مَعَ الرِّجالِ، وذَكَرْتُ الزُّبَيْر وغَيْرَتَهُ - وكانَ أغْيَرَ النَّاسِ - فَعَرَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى فَجِئْتُ الزبَيْرَ فَقْلُتُ: لَقِيَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلَى رأسِي النَّوَى ومَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أصْحابِهِ فأناحَ لأرْكَبَ فاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ، فَقَالَ: والله لَحَمْلُكِ النَّوَى كانَ أشَدَّ عَليَّ مِنْ ركُوبِكِ مَعَهُ قالَتْ: حتَّى أرسَلَ إلَيَّ أبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذالِكَ بِخادِمٍ يَكْفِيني سِياسَةَ الفَرَسِ فكأنما أعْتَقَنِي (1) .
والشاهد من الحَدِيث قوله: ((فَدَعانِي ثُمَّ قَالَ: إخْ إخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ)) ربما يقول قائل: كيف يحملها خلفه، هي ليست محرماً له، وربما يحصل نوع مسيس؟.
والجواب:
1-
أنّ في دلالة مفهوم الحَدِيث احتمالا؛ قَالَ ابن حَجَر: ((قوله:" ليحملني خلفه" كأنها فهمت ذلك من قرينة الحال، وإلا فيحتمل أنْ يكونَ صلى الله عليه وسلم أراد أنْ يركبها
(1) أخرجه: البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الغيرة (5/2002رقم 4926) ، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام (4/1716رقم2182) .
وما معها، ويركب هو شيئا آخر غير ذلك)) (1)، قلتُ: وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال.
2-
على أنّ الإرداف أحياناً لا يستلزم المماسة قَالَ العظيم آبادي - تعليقاً على حَدِيثِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ قَالَتْ: جئتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في نسوةْ من بني غفار وفيه " وكنت جارية حديثا سني فأردفني رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ فنزل إِلَى الصُّبْحِ فَأَنَاخَ، وإذا أنا بالحقيبة عليها أثر دَمٌ مِنِّي فَكَانَتْ أَوَّلُ حَيْضَةٍ حِضْتُهَا "(2) -: ((قَالَ ابن الأثير: الحقيبةُ هي الزيادة التي تجعل في مؤخر القتب انتهى، فالإرداف على حقيبة الرّحل لا يستلزم المماسة فلا إشكال في إردافه صلى الله عليه وسلم إياها)) (3) .
قالَ النَّوَوِيّ: ((وَفِيهِ جَوَاز إِرْدَاف الْمَرْأَة الَّتِي لَيْسَتْ مَحْرَمًا إِذَا وُجِدَتْ فِي طَرِيق قَدْ أَعْيَتْ ، لا سِيَّمَا مَعَ جَمَاعَة رِجَال صَالِحِينَ ، وَلا شَكّ فِي جَوَاز مِثْل هَذَا.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هَذَا خَاصّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخِلافِ غَيْره ، فَقَدْ أَمَرَنَا بِالْمُبَاعَدَةِ مِنْ أَنْفَاس الرِّجَال وَالنِّسَاء ، وَكَانَتْ عَادَته صلى الله عليه وسلم مُبَاعَدَتهنَّ لِتَقْتَدِي بِهِ أُمَّته، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ خُصُوصِيَّة لَه لِكَوْنِهَا بِنْت أَبِي بَكْر ، وَأُخْت عَائِشَة ، وَامْرَأَة
(1) فتح الباري (9/323) .
(2)
أخرجه: أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب الاغتسال من الحيض (1/84رقم313) ، وأحمد بن حنبل في مسنده (6/380) ،وابن منده في معرفة أسامي أرداف النَّبِيّ (ص81) ، والبيهقي الكبرى، جماع أبواب الصلاة بالنجاسة وموضع الصلاة من مسجد وغيره، باب ما يستحب من استعمال ما يزيل الأثر مع الماء في غسل الدم (2/407) جميعهم من طريق مُحَمَّد بن إسحاق عن سليمان بن سحيم عن أمية بنت أبي الصلت عن امرأة من بني غفار-به- وفيه قصة.
وإسناده ضعيف فأمية لا تعرف، ووقع في إسناده اختلاف ليس هذا موضع بيانه، وإنما ذكرته لأبين أنّ الإردافَ -عموماً- لا يستلزم المماسة أحياناً.
قلتُ: وتوجيه العظيم آبادي لهذا الحديث بناءً على ثبوته ولكن تقدم أنه ضعيف.
(3)
عون المعبود (1/347) .
الزُّبَيْر ، فَكَانَتْ كَإِحْدَى أَهْله وَنِسَائِهِ ، مَعَ مَا خُصَّ بِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمْلَك لِإِرْبِهِ. وَأَمَّا إِرْدَاف الْمَحَارِم فَجَائِز بِلا خِلَاف بِكُلِّ حَال)) (1) .
قلتُ: دعوى الخُصُوصِيَّة فيها نظرٌ فالحَدِيثُ ليس فيه خلوة، ولا نظر، ودلالة المماسة محتملة كما تقدم، فلا يصح الاستدلال به على الخُصُوصِيَّة، واللهُ أعلم.
(1) شرح صحيح مسلم (14/166) .