الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
باب البيع
هو لغة: مقابلة شئ بشئ.
وشرعا: مقابلة مال بمال.
على وجه مخصوص.
ــ
باب البيع (1)
لما أنهى الكلام على ربع العبادات، التي المقصود منها التحصيل الأخروي - وهي أهم ما خلق له الإنسان - أعقبه بربع المعاملات، التي المقصود منها التحصيل الدنيوي - ليكون سببا للأخروي - وأخر عنهما ربع النكاح - لأن شهوته متأخرة عن شهوة البطن، وأخر ربع الجنايات والمخاصمات لأن ذلك إنما يكون بعد شهوة البطن والفرج.
(قوله: هو) أي البيع.
(وقوله: لغة) الأظهر أنه تمييز للنسبة، أو ظرف مكان مجازا لها، فحقه التأخير عن الخبر.
والتاء - في لغة - عوض من الواو، لأنه من لغا يلغو - إذا تكلم - تطلق اسما على ألفاظ مخصوصة، ومصدرا على الاستعمال، كقولهم لغة تميم إهمال ما - ونحو ذلك.
(قوله: مقابلة شئ بشئ) أي على وجه المعاوضة، ليخرج نحو ابتداء السلام ورده، فلا تسمى مقابلة ابتداء السلام برده، ومقابلة عيادة مريض بعيادة مريض آخر بيعا في اللغة - كذا قال بعضهم - وقال بعضهم: الأولى إبقاء المعنى اللغوي على إطلاقه، وهو ظاهر كلام الشارح، ومنه بالمعنى اللغوي: قوله تعالى: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم) * - إلى أن قال سبحانه - * (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم) * (2)، وقول بعضهم: ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم ولا أسلمها إلا يدا بيد فإن وفيتم بما قلتم وفيت أنا وإن غدرتم فإن الرهن تحت يدي فالمبيع: هو المهجة - وهو الروح - والثمن: هو الوصل: (قوله: وشرعا) عطف على لغة، وهو مقابل لها.
(وقوله: مقابلة إلخ) أي عقد يتضمن مقابلة مال بمال، لأن البيع ليس هو المقابلة، وإنما هو العقد.
والأحسن في تعريفه - كما قال بعضهم - أن يقال: هو عقد معاوضة محضة يقتضي ملك عين أو منفعة على الدوام، لا على وجه القربة.
ووجه الأحسنية فيه: أنه سالم من التسمح - بحذف المضاف المذكور - وأنه يشمل بيع المنافع على التأبيد: كبيع حق البناء والخشب على جداره، وكبيع حق الممر للماء بأن لا يصل الماء إلى محله إلا بواسطة ملك غيره.
والتعريف الذي ذكره
(1) وهو عقد مشروع ثبتت مشرعيته بالكتاب والسنة ففى تنزيل العزيز الحميد قوله تعالى: (وأحل الله البيع)(البقرة، الاية: 275) وقوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)(النساء، الاية: 29) وفي السنة عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الكسب أطيب؟ قال: " عمل الرجل بيده وكل عمل مبرور " رواه البزار وصححه الحاكم.
(2)
سورة التوبة، الاية:111.
والاصل فيه قبل الاجماع آيات - كقوله تعالى: * (وأحل الله البيع) * - وأخبار كخبر: سئل النبي (ص): أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور أي لا غش فيه ولا خيانة.
(يصح) البيع (بإيجاب) من البائع - ولو هزلا - وهو ما دل على التمليك دلالة ظاهرة: (كبعتك) ذا بكذا، أو هو لك بكذا، (وملكتك)، أو وهبتك (ذا بكذا)، وكذا جعلته لك بكذا.
إن نوى به البيع.
(وقبول) من المشتري
ــ
المؤلف لا يشمل ذلك إلا إن أريد بالمال فيه ما يشمل المنفعة.
وخرج بقوله في التعريف الذي ذكره مقابلة إلخ: الهبة التي بلا ثواب، فإنه لا مقابلة فيها، فلا تسمى بيعا.
وخرج أيضا: الإجارة والنكاح - لأنهما ليس فيها مقابلة مال بمال، لأن الإجارة فيها مقابلة منفعة بمال، والنكاح فيه مقابلة انتفاع.
وخرج بالمعاوضة في التعريف الثاني نحو الهبة.
وبالمحضة: نحو النكاح.
وبقوله على الدوام: الإجارة - فإنها وإن كان فيها مقابلة منفعة بمال، ليست على الدوام.
وبلا
على وجه القربة: القرض، فإنه - وإن كان فيه معاوضة مال بمال - فهو على وجه القربة.
(قوله: على وجه مخصوص) أي وهو شروطه الآتية.
(قوله: والأصل فيه) أي في حكمه.
(قوله: وأحل الله البيع) أي المعهود عندهم، وهو مقابلة مال بمال على وجه مخصوص - فالآية متضحة الدلالة - لا مجملة.
(قوله: وأخبار) معطوف على آيات، أي والأصل فيه أخبار.
(قوله: كخبر إلخ) أي وكخبر: إنما البيع عن تراض.
(قوله: أي الكسب أطيب؟) أي أي أنواع الكسب أفضل وأحسن؟ (قوله: فقال) أي النبي.
(وقوله: عمل الرجل بيده) أي وهو الصناعة - وقيل يشمل الزراعة - وكونه باليد جري على الغالب.
(قوله: وكل بيع مبرور) هو التجارة.
(وقوله: أي لا غش فيه ولا خيانة) هذا مدرج من كلام الراوي.
والفرق بين الغش والخيانة: أن الأول تدليس يرجع إلى ذات المبيع، كأن يجعد شعر الجارية، ويحمر وجهها، والثاني أعم، لأنه تدليس في ذاته أو صفته أو أمر خارج، كأن يصفه بصفات كاذبة، وكأن يذكر له ثمنا كاذبا.
(قوله: يصح البيع إلخ).
(اعلم) أن أركان البيع ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة.
وفي الحقيقة: ستة، لأن كل واحد من الأركان الثلاثة: تحته قسمان - فالأول: تحته البائع والمشتري.
والثاني: تحته الثمن والمثمن.
والثالث: تحته الإيجاب والقبول - ولم يصرح المؤلف بالركنين الأولين، وإنما أشار إليهما بقوله وشرط في عاقد، وقوله وفي معقوده.
وصرح بالصيغة بقوله بإيجاب وقبول، وبدأ بها لقوة الخلاف فيها - وإن تقدما عليها طبعا - ثم هي على قسمين: صريح، وكناية، والأول: مما دل على التمليك - أو التملك - دلالة ظاهرة مما اشتهر وكرر على ألسنة حملة الشرع: كبعتك، وملكتك، أو وهبتك ذا بكذا.
والثاني: ما احتمل البيع وغيره، كجعلته لك، وخذه، وتسلمه، وبارك الله لك فيه.
ويشترط في صحة الصيغة: أن يذكر المبتدئ - بائعا أو مشتريا - كلا من الثمن والمثمن.
وأما المجيب فلا يشترط أن يذكرهما - ولا أحدهما - فلو قال البائع: بعتك كذا بكذا، فقال قبلت، أو قال المشتري: اشتريت منك كذا بكذا، فقال البائع بعتك، كفى منهما.
فإن لم يذكر المبتدي منهما العوضين معا: لم يصح العقد.
أفاده البجيرمي.
(قوله: ولو هزلا) غاية في صحة البيع بالإيجاب.
أي يصح به ولو صدر منه على سبيل الهزل - أي المزح - وهو أن لا يقصد باللفظ حقيقة الايقاع.
وفي سم: هل الاستهزاء كالهزل؟ فيه نظر، ويتجه الفرق - لأن في الهزل قصد اللفظ لمعناه، غير أنه ليس راضيا به.
وليس في الإستهزاء قصد اللفظ لمعناه.
ويؤيده أن الاستهزاء يمنع الاعتداد بالإقرار.
اه (قوله: وهو) أي الإيجاب.
(وقوله: ما دل على التمليك دلالة ظاهرة) هذا التعريف شامل للإيجاب الصريح والكناية، لأن كليهما يدل دلالة ظاهرة.
غاية الأمر أن دلالة الصريح أقوى، بخلاف الكناية فإن دلالتها بواسطة ذكر العوض على اشتراطه فيها، أو نيته على عدم الإشتراط.
وخرج بذلك: ما لا يدل دلالة ظاهرة - كملكتكه، وجعلته لك - من غير ذكر عوض أو نيته.
(قوله: كبعتك) يشير إلى شرطين في الصيغة، وهما: الخطاب، ووقوعه على جملة المخاطب.
(وقوله: ذا بكذا) يشير إلى شرط ثالث، وهو أنه لا بد من ذكر الثمن والمثمن - كما مر عن البجيرمي -.
(قوله: وهو لك بكذا) اختلف فيه: هل هو صريح أو كناية؟ والمعتمد الثاني.
وعلى الأول: يفرق بينه وبين جعلته لك الآتي: بأن الجعل ثم محتمل، وهنا لا احتمال.
اه.
- ولو هزلا - وهو ما دل على التملك كذلك: (كاشتريت) هذا بكذا، (وقبلت)، أو رضيت، أو أخذت، أو تملكت (هذا بكذا).
وذلك لتتم الصيغة، الدال على اشتراطها قوله (ص): إنما البيع عن تراض، والرضا خفي، فاعتبر ما يدل عليه من اللفظ، فلا ينعقد بالمعاطاة، لكن اختير الانعقاد بكل ما يتعارف البيع بها فيه: كالخبز، واللحم، دون نحو الدواب، والاراضي.
فعلى الاول: المقبوض بها كالمقبوض بالبيع الفاسد، أي
ــ
حجر.
وكتب سم ما نصه: قوله وهنا لا احتمال: إن أراد أن عدم الاحتمال بسبب قوله بكذا، فليكن جعلته لك بكذا كذلك، وإن أراد أنه بدونه.
أبطله قولهم في الوصية أنه لو اقتصر على هو له، فإقرار، إلا أن يقول من مالي، فيكون وصية.
اه.
(قوله: وملكتك، أو وهبتك ذا بكذا) هذا من الصريح، ولا ينافي ذلك كونهما صريحين في الهبة، لأن محله عند عدم ذكر الثمن.
(قوله: وكذا جعلته لك) أي ومثل المذكورات في صحة الإيجاب به: جعلته لك، وهو من الكناية، فلذلك قيده بقوله إن نوى به البيع.
(وقوله: بكذا) هو كناية عن العوض، ولا يشترط ذكره، بل تكفي نيته عند حجر، وعند م ر يشترط ذكره، ولا تكفي نيته.
والخلف بينهما في الكناية فقط، أما في الصريح: فيشترط ذكره عندهما.
قال في التحفة: وليس منها - أي الكناية - أبحتكه، ولو مع ذكر الثمن - كما اقتضاه إطلاقهم - لأنه صريح في الإباحة مجانا لا غير، فذكر الثمن مناقض له.
وبه يفرق بينه وبين صراحة: وهبتك هنا، لأن الهبة قد تكون بثواب، وقد تكون مجانا، فلم ينافها ذكر الثمن - بخلاف الإباحة - ثم قال: وإنما انعقد بها - أي الكناية - مع النية في الأصح مع احتمالها - أي لغير البيع - قياسا على نحو الإجارة والخلع، وذكر الثمن أو نيته بتقدير الإطلاع عليها منه يغلب على الظن إرادة البيع، فلا يكون المتأخر من العاقدين قابلا ما لا يدريه.
اه.
ومما يقوم مقام الإيجاب: اشتر مني هذا بكذا، وهو يسمى استقبالا: أي طلب القبول، لأن معناه: اقبل مني كذا بكذا.
(قوله: وقبول) بالجر، عطف على إيجاب.
أي ويصح بإيجاب مع قبول.
(قوله: من المشتري) متعلق بمحذوف صفة لقبول.
أي قبول كائن من المشتري، ويقوم مقام القبول منه، قوله للبائع: يعني ذا بكذا، ويسمى هذا: استيجابا، أي طلب الجواب.
(قوله: ولو هزلا) أي ولو صدر منه القبول على سبيل الهزل، فإنه يصح، ويلزم به البيع.
قال سم:
قال في الأنوار: ولو اختلفا في القبول فقال أوجبت ولم تقبل، وقال المشتري قبلت، صدق بيمينه.
اه.
(قوله: وهو) أي القبول.
(قوله: ما دل على التملك كذلك) أي دلالة ظاهرة، بخلاف غير الظاهر، كأن قال تملكت فقط، فإنه لا يكفي، لأنه يحتمل الشراء والهبة وغيرهما.
(قوله: كاشتريت) أي وما اشتق منه - كأنا مشتر - (وقوله: هذا بكذا) الأول كناية عن المبيع، والثاني كناية عن الثمن.
(قوله: وقبلت إلخ) أي واتبعت واخترت.
(قوله: هذا بكذا) راجع لقبلت وما بعده.
(قوله: وذلك لتتم الصيغة) أي اشتراط الإتيان بالإيجاب والقبول معا لأجل أن تتم الصيغة، التي هي عبارة عن مجموعهما، فاسم الإشارة يعود على معلوم من المقام (قوله: الدال) بالرفع، نعت سببي للصيغة.
(وقوله: على اشتراطها) أي الصيغة.
(قوله: إنما البيع عن تراض) أي صادر عن تراض.
(قوله: والرضا إلخ) بيان لوجه دلالة الحديث على اشتراط الصيغة.
وحاصله أن في الحديث حصر صحة البيع في الرضا وهو خفي، إذ هو معنى قائم بالقلب، فلا إطلاع لنا عليه، فاشترط لفظ يدل عليه، وهو الصيغة.
(قوله: فاعتبر ما يدل عليه) أي الرضا من اللفظ، وذلك لأن دلالة اللفظ على ما في النفس أقوى من دلالة القرائن، فلا يقال إن القرائن تدل على الرضا.
ومثل اللفظ ما يقوم مقامه، كإشارة الأخرس المفهمة.
(قوله: فلا ينعقد الخ) تفريع على اشتراط الصيغة.
(قوله: لكن اختير الانعقاد إلخ) استدراك من عدم انعقاده بالمعاطاة الموهم أن ذلك مطلقا وبالإتفاق: أي لكن اختار بعضهم - وهو النووي - انعقاد البيع بالمعاطاة في كل شئ يعد العرف المعاطاة فيه بيعا.
وعبارة التحفة: واختار المصنف - كجمع - انعقاده بها في كل ما يعده الناس بها بيعا، وآخرون في محقر كرغيف.
والاستجرار من بياع: باطل اتفاقا، أي إلا إن قدر الثمن في كل مرة، على أن الغزالي، سامح فيه، بناء على جواز المعاطاة.
اه.
(قوله: فعلى الأول) أي عدم الانعقاد.
(وقوله المقبوض
في أحكام الدنيا.
أما في الآخرة فلا مطالبة بها.
ويجري خلافها في سائر العقود.
وصورتها: أن يتفقا على ثمن ومثمن - وإن لم يوجد لفظ من واحد - ولو قال متوسط للبائع: بعت؟ فقال: نعم، أو إي، وقال للمشتري، إشتريت؟ فقال: نعم.
صح.
ويصح أيضا بنعم منهما، لجواب قول المشتري بعت، والبائع اشتريت.
ولو قرن بالايجاب أو القبول حرف استقبال - كأبيعك - لم يصح.
قال شيخنا: ويظهر أنه يغتفر من العامي - نحو فتح تاء المتكلم.
ــ
بها) أي بالمعطاة.
(وقوله: كالمقبوض بالبيع الفاسد) أي فيجب على كل أن يرد ما أخذه على الآخر إن بقي، أو بدله إن تلف.
قال سم: فهو إذا كان باقيا على ملك صاحبه، فإن كان زكويا فعليه زكاته، لكن لا يلزم إخراجها، إلا إن عاد إليه، أو تيسر أخذه.
وإن كان تالفا فبدله دين لصاحبه على الآخر، فحكمه كسائر الديون في الزكاة.
اه.
(قوله: أي في أحكام الدنيا) أي أن المقبوض بها كالمقبوض بالبيع الفاسد بالنسبة للأحكام الدنيوية.
(وقوله: أما الآخرة فلا مطالبة بها) أي إذا لم يرد كل ما أخذه فلا يعاقب عليها في الآخرة - أي لطيب النفس بها، واختلاف العلماء فيها - لكن هذا من حيث المال، وأما من حيث تعاطي العقد الفاسد، فيعاقب عليه، إذا لم يوجد مكفر.
(قوله: ويجري خلافها) أي المعاطاة.
(وقوله:
في سائر العقود) أي المالية، كالرهن، والشركة، والإجارة.
(قوله: وصورتها) أي المعاطاة.
(قوله: أن يتفقا) أي البائع والمشتري.
أي من قبل صدور المعاطاة منهما، ثم يعطي كل صاحبه ممن غير إيجاب وقبول.
(قوله: وإن لم يوجد لفظ من واحد) غاية في الاتفاق.
أي سواء حصل مع اتفاقهما لفظ من أحدهما أم لا.
ولو قال: وإن وجد لفظ من أحدهما، لكان أولى، إذ لا يغيا إلا بالبعيد.
والمراد باللفظ: الإيجاب، أو القبول.
(والحاصل) المعاطاة: هي أن يتفق البائع والمشتري على الثمن والمثمن، ثم يدفع البائع المثمن للمشتري، وهو يدفع الثمن له، سواء كان مع سكوتهما، أو مع وجود لفظ إيجاب أو قبول من أحدهما، أو مع وجود لفظ منهما لكن لا من الألفاظ المتقدمة - كما في ع ش - وعبارته: ولا تتقيد المعاطاة بالسكوت، بل كما تشمله تشمل غيره من الألفاظ غير المذكورة في كلامهم، للصريح والكناية.
اه.
وفي فتح الجواد: ويظهر أن ما ثمنه قطعي الإستقرار - كالرغيف بدرهم بمحل لا يختلف أهله في ذلك - لا يحتاج لاتفاق فيه، بل يكفي الأخذ والإعطاء مع سكوتهما.
اه.
(قوله: ولو قال متوسط) هو الدلال أو المصلح.
قال في النهاية: وظاهر أنه لا يشترط فيه أهلية البيع، لأن العقد لا يتعلق به.
اه.
(قوله: بعت) هو بتاء المخاطب (قوله: فقال) أي البائع (وقوله: نعم) أي بعت (قوله: أو وإي) بكسر الهمزة، حرف جواب، ومثلها جير.
(وقال) أي المتوسط (وقوله: اشتريت) هو بتاء المخاطب (قوله: فقال) أي المشتري.
(وقوله: نعم) أي أو إي، أو جير.
(قوله: صح) أي البيع، بما ذكر من قول البائع للمتوسط: نعم، وقول المشتري له: نعم، فينعقد البيع بذلك، لأن الأول دال على الإيجاب، والثاني دال على القبول.
(قوله: ويصح أيضا إلخ) أي كما يصح البيع بالجواب منهما للمتوسط بنعم أو إي، يصح بجواب أحد المتعاقدين للآخر، وذلك بأن يقول المشتري للبائع: بعت؟ فيقول له: نعم، ويقول البائع للمشتري: اشتريت؟ فيقول له: نعم.
وظاهر النهاية: عدم الصحة فيما ذكر، وعبارتها: فلو كان الخطاب من أحدهما للآخر: لم يصح - أي الجواب بنعم -.
قال ع ش: كأن قال: بعتني هذا بكذا؟ فقال: نعم.
اه.
(وقوله: منهما) أي من المتعاقدين.
(وقوله: لجواب إلخ) الجار والمجرور حال من نعم - أي حال كونها مأتيا بها لأجل جواب الخ.
(وقوله: قول المشتري) أي للبائع.
(وقوله: والبائع) أي وجواب قول البائع للمشتري: اشتريت؟ (قوله: حرف استقبال) المراد به حرف المضارعة - كالهمزة، والنون كما يرشد بذلك المثال - (وقوله: لم يصح) أي الإيجاب المقرون بحرف الاستقبال، أو القبول المقرون بذلك.
وفي البجيرمي: إنه لا يصح صراحة، أما كناية فيصح.
ونصه:
وشرط صحة الايجاب والقبول كونهما (بلا فصل) بسكوت طويل يقع بينهما - بخلاف اليسير، (و) لا (تخلل لفظ) وإن قل - (أجنبي) عن العقد بأن لم يكن من مقتضاه ولا من مصالحه.
ويشترط أيضا أن يتوافقا معنى
ــ
(فرع) أتى بالمضارع في الإيجاب: كأبيعك، أو في القبول: كأقبل - صح.
لكنه كناية، فما في العباب من عدم صحة البيع بصيغة الإستقبال محمول على نفي الصراحة، كما يشعر به تعليلهم باحتمال الوعد والإنشاء.
اه.
(قوله: قال شيخنا) أي في فتح الجواد والتحفة، ولكن اللفظ للأول.
(قوله: من العامي) المراد به ما قابل العالم.
(قوله: نحو فتح تاء المتكلم) اندرج تحت نحو ضم تاء المخاطب، وإبدال الكاف ألفا، وغير ذلك.
قال ع ش: قال حجر: وظاهر أنه يغتفر من العامي فتح التاء في التكلم، وضمها في التخاطب، لأنه لا يفرق بينهما.
ومثل ذلك: إبدال الكاف ألفا، ونحو ذلك.
اه.
سم.
وظاهره - ولو مع القدرة على الكاف من العامي - ومفهومه أنه لا يكتفي بها من غير العامي، وظاهر أن محله حيث قدر على النطق بالكاف.
اه.
(قوله: وشرط صحة الإيجاب والقبول كونهما إلخ) شروع في بيان شروط أركان البيع الثلاثة، التي هي العاقد، والمعقود عليه، والصيغة.
وبدأ بشروط الصيغة، وذكر منها متنا وشرحا: أربعة وهي: عدم الفصل وعدم التعليق، وعدم التأقيت، وتوافق الإيجاب والقبول معنى.
وبقي عليه منها ثمانية - الأول منها: أن لا يغير المبتدئ من العاقدين ما أتى به، فلو قال بعتك ذا العبد - بل الجارية - فقبل، لم يصح.
أو بعتك هذا حالا - بل مؤجلا -: لم يصح - لضعف الإيجاب بالتغيير -.
الثاني: التلفظ - بحيث يسمعه من يقربه عادة، وإن لم يسمعه المخاطب - ويتصور وجود القبول منه مع عدم سماعه، بما إذا بلغه السامع فقبل فورا، أو حمل الريح إليه لفظ الإيجاب فقبل كذلك، أو قبل اتفاقا - كما في البجيرمي، نقلا عن سم - فلو لم يسمعه من بقربه لم يصح.
قال ع ش: وإن سمعه صاحبه لحدة سمعه، لأن لفظه كلا لفظ، وإن توقف فيه بعضهم.
اه.
الثالث: بقاء الأهلية إلى وجود الشق الثاني، فلو جن الأول قبل وجود القبول لم يصح.
الرابع: أن يكون القبول ممن صدر معه الخطاب، فلو قبل غيره في حياته أو بعد موته لم يصح.
الخامس: أن يذكر المبتدئ منهما الثمن والمثمن.
السادس: أن يأتي بكاف الخطاب، ويستثنى منه المتوسط المتقدم، ولفظ نعم من المتعاقدين.
السابع أن يضيف البيع لجملته فلو قال بعت يدك: لم يصح - إلا إن أراد التجوز عن الجملة.
الثامن: أن يقصد اللفظ لمعناه، فلو سبق به لسانه، أو كان أعجميا لا يعرف معنى البيع: لم يصح - كما قال م ر.
(قوله: كونهما) أي الإيجاب والقبول.
(وقوله: بلا فصل) متعلق بمحذوف خبر الكون، باعتبار الشرح.
وباعتبار المتن: يكون متعلقا بيصح، أو بمحذوف صفة لكل من إيجاب وقبول.
(قوله: بسكوت) متعلق بفصل.
(وقوله: طويل)
هو ما أشعر بالإعراض عن القبول.
قال البجيرمي: المعتمد أنه بقدر ما يقطع القراءة في الفاتحة، وهو الزائد على سكتة التنفس.
اه.
(وقوله: يقع بينهما) أي بين لفظهما، أو إشارتهما، أو كتابتهما، أو لفظ أحدهما، أو كتابة، أو إشارة الآخر، أو كتابة أحدهما وإشارة الآخر، لكن العبرة في الفصل بالسكوت - بالنسبة للكتابة بعد علم المكتوب إليه - (وقوله: بخلاف اليسير) أي فإنه لا يضر.
قال في التحفة والنهاية - والعبارة للنهاية -: والأوجه أن السكوت اليسير ضار إذا قصد به القطع - أخذا مما مر في الفاتحة -.
ويحتمل خلافه، وبفرق.
اه.
(وقوله: ويحتمل خلافه) جزم به الزيادي، وعبارته: ولو قصد به القطع - بخلاف القراءة - لأنها عبادة بدنية محضة، وهي أضيق من غيرها.
اه.
وهي تفيد الصحة مع قصد القطع.
(قوله: ولا تخلل لفظ) معطوف على فصل - من عطف الخاص على العام - أي وبلا تخلل لفظ.
قال في التحفة: من المطلوب جوابه.
وقال سم: وكذا من الآخر على الأوجه، وفاقا لشيخنا الشهاب الرملي، ووجهه أن التخلل إنما ضر لإشعاره بالإعراض، والإعراض مضر من كل منهما، فإن غير المطلوب جوابه لو رجع قبل لفظ الآخر أو معه، ضر.
فكذا لو وجد منه ما يشعر بالرجوع والإعراض.
فتأمله يظهر لك وجاهة ما اعتمده شيخنا.
اه.
- لا لفظا - فلو قال بعتك بألف، فزاد أو نقص - أو بألف حالة فأجل، أو عكسه، أو مؤجلة بشهر، فزاد، لم يصح، للمخالفة.
(و) بلا (تعليق) - فلا يصح معه - كإن مات أبي فقد بعتك هذا، (و) لا (تأقيت) كبعتك هذا شهرا.
(وشرط في عاقد) - بائعا كان أن مشتريا - (تكليف) فلا يصح عقد صبي ومجنون، وكذا من مكره بغير حق
ــ
والعبرة في التخلل في الغائب: بما يقع منه عقب علمه أو ظنه بوقوع البيع له.
اه.
نهاية.
قال ع ش: أما الحاضر، فلا يضر تكلمه قبل علم الغائب.
اه.
(قوله: وإن قل) أي اللفظ المتخلل فإنه يضر، وهو شامل للحرف المفهم، وهو متجه، لأنه كلمة، ولغير المفهم - وهو محل نظر - نعم، يغتفر اليسير لنسيان أو جهل إن عذر - كالصلاة -.
ويغتفر لفظ قد: لأنها للتحقيق فليست بأجنبية.
ويغتفر لفظ: والله اشتريت.
واختلف في الفصل بأنا.
في - أنا قبلت - فقيل يغتفر، وقيل لا.
(قوله: أجنبي) صفة للفظ.
(قوله: بأن لم يكن من مقتضاه) أي العقد.
وهو تصوير للأجنبي من العقد، فإن كان منه - كالقبض، والانتفاع، والرد بعيب، - لم يضر الفصل به.
(وقوله: ولا من مصالحه) فإن كان منها - كشرط الرهن، والإشهاد - لم يضر.
وزاد في التحقة والنهاية: ولا من مستحباته، فإن كان منها - كالبسملة، والحمدلة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لم يضر أيضا.
(قوله: ويشترط أيضا أن يتوافقا) أي الإيجاب والقبول.
(وقوله: معنى) أي في المعنى، أي بأن يتفقا في الجنس، والنوع، والصفة، والعدد، والحلول، والأجل.
(قوله: لا لفظا) أي لا يشترط اتفاقهما في اللفظ، فلو اختلفا فيه - كأن قال البائع: وهبتكه بكذا، فقال المشتري: اشتريت، أو بالعكس - وكما لو قال بعتكه بقرش، فقال اشتريت بثلاثين نصف فضة:
صح ذلك.
(قوله: فلو قال بعتك إلخ) مفرع على مفهوم الشرط.
(قوله: فزاد) أي المشتري، كأن قال اشتريت بألفين.
(وقوله: أو نقص) أي كأن قال اشتريت بخمسمائة.
(قوله: أو بألف حالة) أي أو قال البائع: بعتك بألف حالة.
(قوله: فأجل) أي المشتري: أي قال اشتريت منك بألف مؤجلة.
(وقوله: أو عكسه) أي بأن قال ابائع بعتك بألف مؤجلة، فقال المشتري: اشتريت بألف حالة.
(وقوله: أو مؤجلة بشهر) أي أو قال بعتك بألف مؤجلة بشهر.
(وقوله: فزاد) أي المشتري، بأن قال اشتريت بألف مؤجلة بشهرين.
(قوله: لم يصح) أي البيع، وهو جواب لو.
(وقوله: للمخالفة) أي بين الإيجاب والقبول، لكون القبول على ما لم يخاطب به.
(قوله: وبلا تعليق) معطوف على بلا فصل.
أي ويشترط كونهما من غير تعليق.
(قوله: فلا يصح معه) أي لا يصح البيع مع وجود التعليق في الإيجاب أو القبول، ومحله إن كان التعليق بغير المشيئة، فإن كان بها: صح، لكن بشروط أربعة: أن يذكر المبتدئ، وأن يخاطب بها مفردا، وأن يفتح التاء إذا كان نحويا، وأن يؤخرها عن صيغته إذا كان إيجابا أو قبولا.
ومحله أيضا: إذا كان بغير ما يقتضيه العقد، فإن كان به - كقوله: إن كان ملكي فقد بعتكه - صح.
(قوله: كإن مات أبي إلخ) تمثيل للتعليق.
(قوله: ولا تأقيت) معطوف على بلا فصل: أي ويشترط أيضا كونهما بلا تأقيت، ولو بما يبعد بقاء الدنيا إليه - كألف سنة -.
قال في التحفة: ويفرق بينه وبين النكاح، بأن البيع: لا ينتهي بالموت، بخلاف النكاح.
اه.
(قوله: وشرط في عاقد إلخ) ذكر أربعة شروط له: اثنان منها خاصان بالمشتري، وهما: الإسلام بالنسبة لتملك الرقيق المسلم والمصحف، وعدم الحرابة بالنسبة لتملك آلة الحرب.
واثنان عامان، فيه وفي البائع، وهما: التكليف، وعدم الإكراه المشار إليه بقوله وكذا من مكره.
وخرج بالعاقد المتوسط، فلا يشترط فيه ذلك - كما تقدم -، نعم، يشترط أن يكون مميزا.
(قوله: بائعا كان أو مشتريا) لو قال بائعا ومشتريا - كما في التحفة - لكان أولى، إذ المراد بالعاقد هنا: مجموع البائع والمشتري، لا هذا، أو هذا.
(قوله: تكليف) نائب فاعل شرط، والأولى أن يقول - كالمنهج - إطلاق تصرف، ليخرج به أيضا المحجور عليه بسفه، أو فلس.
وعبر في المنهاج بالرشد.
وكتب عليه المغني ما نصه: (تنبيه) قال المصنف في دقائقه: إن عبارته أصوب من قول المحرر يعتبر في المتبايعين التكليف، لأنه يرد عليه ثلاثة أشياء.
أحدها: أنه ينتقض بالسكران، فإنه يصح بيعه على المذهب، مع أنه غير مكلف.
الثاني: أنه يرد عليه المحجور عليه بسفه، فإنه لا يصح، مع أنه مكلف.
الثالث: المكره بغير حق، فإنه مكلف، لا يصح بيعه.
قال: ولا يرد
- لعدم رضاه - (وإسلام لتملك) رقيق (مسلم) لا يعتق عليه وكذا يشترط أيضا: إسلام لتملك مرتد - على المعتمد -.
لكن الذي في الروضة وأصلها: صحة بيع المرتد للكافر.
(و) لتملك شئ من (مصحف) - يعني ما كتب فيه قرآن، ولو آية وإن أثبت لغير الدراسة، كما قاله شيخنا.
ويشترط أيضا عدم حرابة من يشتري آلة حرب،
ــ
واحد منها على المنهاج.
اه.
(قوله: وكذا من مكره) هذا مفهوم قيد محذوف بعد قوله تكليف، وهو وعدم إكراه، أي وكذلك لا يصح العقد من مكره.
قال سم: قال في شرح العباب: ومحله إن لم يقصد إيقاع البيع، والأصح - كما بحثه الزركشي - أخذا من قولهم: لو أكره على إيقاع الطلاق، فقصد إيقاعه: صح لقصده.
اه.
وقوله بغير حق: خرج به ما إذا كان بحق، كأن توجه عليه بيع ماله لوفاء الدين، فأكرهه الحاكم عليه فإنه يصح.
(تنبيه) من أكره غيره على بيع مال نفسه: صح منه، لأنه أبلغ في الإذن، ويصح بيع المصادرة، وهي أن يطلب ظالم من شخص مالا، فيبيع الشخص داره لأجل أن يدفع ما طلب منه، لئلا يناله أذى من ذلك الظالم - وذلك لأنه لا إكراه فيه على البيع - إذ قصد الظالم تحصيل المال منه بأي وجه كان، سواء كان يبيع داره أو رهنها أو إيجارها أو بغير ذلك - كما في المغني - وعبارته: ويصح بيع المصادر - بفتح الدال - من جهة ظالم: بأن باع ماله لدفع الأذى الذي ناله، لأنه لا إكراه فيه، إذ مقصود من صادر - أي وهو الظالم - تحصيل المال من أي وجه كان.
اه.
ومثله في الروض وشرحه.
(قوله: لعدم رضاه) أي المكره، وهو علة لعدم صحة بيع المكره.
(قوله: وإسلام إلخ) معطوف على تكليف، أي وشرط إسلام من المشتري لأجل تملكه رقيقا مسلما، وذلك لما في ملك الكافر للمسلم من الإذلال، وقد قال تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (وقوله: لا يعتق عليه) خرج به ما إذا كان يعتق عليه بالشراء - كأبيه، أو ابنه - فإنه يصح، لانتفاء إذلاله بعدم استقرار ملكه.
(فائدة) يتصور دخول الرقيق المسلم في ملك الكافر في مسائل نحو الأربعين صورة، ذكرها في المغني، ويجمعها ثلاثة أسباب: الأول الملك القهري - كالإرث - كأن يموت كافر عن ابن كافر، ويخلف في تركته عبدا مسلما، فيرث الابن العبد.
الثاني: ما يفيد الفسخ، كالرد بعيب.
الثالث: ما استعقب العتق، كشراء الكافر أصله وفرعه.
وقد نظمها بعضهم فقال: ما استعقب العتق وملك قهري وما يفيد الفسخ، فاحفظ وادري (قوله: على المعتمد) وذلك لبقاء علقة الإسلام في المرتد، وفي تمكين الكافر منه إزالة لها.
(قوله: لكن الذي إلخ) لا محل للاستدراك.
(قوله: صحة إلخ) ضعيف.
(قوله: ولتملك شئ من مصحف) معطوف على لتملك رقيق، أي وشرط إسلام في المشتري لتملك شئ من مصحف، ومثله الحديث - ولو ضعيفا، فيما يظهر - وكتب العلم التي بها آثار السلف، لتعريضها للامتهان - بخلاف ما إذا خلت عن الآثار، وإن تعلقت بالشرع، ككتب نحو، ولغة.
قال سم:
وخرج بالمصحف: جلده المنفصل عنه، فإنه - وإن حرم مسه للمحدث - يصح بيعه للكافر - كما أفتى به الشهاب الرملي.
اه.
(قوله: يعني ما كتب فيه قرآن) بيان للمراد من المصحف، والإتيان بهذا مناسب - لو لم يزد الشارح لفظ شئ، ومن الجارة - أما بعد الزيادة: فالمناسب الاقتصار على الغاية وما بعدها - أعني قوله ولو آية إلخ.
وعبارة المنهاج: ولا يصح شراء الكافر المصحف.
قال في التحفة: يعني كما هو ظاهر ما فيه قرآن، ولو آية إلخ.
اه.
(والحاصل) يشترط إسلام من أراد أن يتملك ما كتب فيه قرآن، وإن كان في ضمن نحو تفسير، أو علم، فيما يظهر، نعم، يتسامح لتملك الكافر الدراهم والدنانير التي عليها شئ من القرآن - للحاجة إلى ذلك - ويلحق بها - فيما يظهر - ما عمت به البلوى أيضا من شراء أهل الذمة الدور، وقد كتب في سقفها شئ من القرآن، فيكون مغتفرا - للمسامحة به غالبا.
اه.
نهاية.
وخالف في التحفة في الأخير، فقال ببطلان البيع فيما عليه قرآن، وصحته في الباقي - تقريبا للصفقة.
كسيف، ورمح، ونشاب، وترس، ودرع، وخيل، بخلاف غير آلة الحرب، ولو مما تتأتى منه، كالحديد، إذ لا يتعين جعله عدة حرب، ويصح بيعها للذمي، أي في دارنا، (و) شرط (في معقود) عليه، مثمنا كان أو ثمنا، (ملك له) أي للعاقد (عليه) فلا يصح بيع فضولي، ويصح بيع مال غيره ظاهرا، إن بان بعد البيع أنه له، كأن باع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا حينئذ لتبين أنه ملكه.
ولا أثر لظن خطأ بأن صحته، لان الاعتبار في العقود بما في نفس الامر، لا بما في ظن المكلف.
ــ
(قوله: ولو آية) غاية للمكتوب من القرآن، والذي في التحفة والنهاية: وإن قل - وهو صادق بالآية، وما دونها، ولو حرفا - وفي سم ما نصه: قوله ما فيه قرآن، ولو تميمة، وهل يشمل ما فيه قرآن ولو حرفا؟ ويحتمل أن الحرف إن أثبت فيه بقصد القرآنية، امتنع البيع حينئذ، وإلا فلا.
اه.
بحذف.
(قوله: وأن أثبتت لغير الدراسة) هو غاية ثانية للمكتوب من القرآن.
(قوله: ويشترط أيضا عدم حرابة إلخ) وذلك لأنه يستعين به على قتالنا، وفي البجيرمي ما نصه: قوله عدم حرابة: خرج قطاع الطريق.
قال السبكي: يصح بيع عدة الحرب لهم، ولكن إذا غلب على الظن أنهم يتخذونها لذلك، حرم مع الصحة.
سم.
اه.
(قوله: آلة حرب) هي هنا: كل نافع في الحرب - ولو درعا، وفرسا -.
(قوله: كسيف ورمح إلخ) أمثلة لألة الحرب.
قال سم: وهل مثل ذلك السفن لمن يقاتل في البحر، أو لا، لعدم تعينها للقتال؟ فيه نظر.
ويتجه الأول - كالخيل - مع عدم تعينها للقتال.
اه.
(وقوله: وترس) هو المسمى بالدرقة، وبالجحفة - إذا كان من جلد - كما في المصباح.
(قوله: بخلاف غير آلة الحرب إلخ) أي فيصح بيعه للحربي.
(وقوله: ولو مما تتأتى) أي ولو كان ذلك الغير مما تتأتى آلة الحرب منه كالحديد.
(قوله: وقوله: إذ لا يتعين جعله عدة حرب) فإن ظن جعله عدة حرب: حرم.
والعدة: بضم العين وكسرها.
(قوله: ويصح بيعها) أي آلة الحرب.
(وقوله: للذمي) هذا مفهوم قوله حرابة، ومثل الذمي: الباغي، وقاطع الطريق، لسهولة أمرهما.
(قوله: أي في دارنا) أي يشترط أن يكون الذمي في دارنا
وتحت قبضتنا.
وخرج به: ما لو ذهب إلى دار الحرب مع بقاء عقد الذمة ودفع الجزية - فلا يصح - إذ ليس في قبضتنا.
قال ح ل: وفيه أنه في قبضتنا ما دام ملتزما لعهدنا، ومن ثم لم يقيد به الجلال.
اه.
قال بعضهم: الأولى حذف في دارنا.
أفاده البجيرمي.
(قوله: وشرط في معقود عليه إلخ) شروع في شروط المعقود عليه، وهي لغير الربوي خمسة، ذكر منها - متنا وشرحا - أربعة، وبقي عليه خامس: وهو أن يكون منتفعا به شرعا، ولو في المآل.
(قوله: مثمنا كان) أي المعقود عليه، وهو المبيع.
(وقوله: أو ثمنا) أي أو كان ثمنا (قوله: ملك له إلخ) أي أن يكون للعاقد سلطنة على المعقود عليه بملك، أو وكالة، أو ولاية - كالأب، والجد، والوصي - مثلا - أو إذن من الشارع - كالملتقط فيما يخاف فساده، فالملكية ليست بشرط، خلافا لما يوهمه صنيعه.
(قوله: فلا يصح بيع فضولي) هو من ليس مالكا، ولا وكيلا، ولا وليا، وإنما لم يصح بيعه، لحديث: لا بيع إلا فيما يملك.
رواه أبو داود وغيره.
وعدم صحة البيع هو القول الجديد.
والقول القديم يقول إنه يوقف، فإن أجاز مالكه نفذ، وإلا فلا.
ومثل البيع: سائر تصرفاته القابلة للنيابة - كما لو زوج أمة غيره، أو ابنته، أو أعتق عبده، أو آجره، ونحو ذلك.
ولو قال: ولا يصح تصرف فضولي: لشمل ذلك كله.
(قوله: ويصح بيع مال غيره) هذا كالتقييد لعدم صحة بيع الفضولي: أي أن محله إذا لم يتبين أنه ملكه، وإلا صح.
(قوله: ظاهرا) منصوب بإسقاط الخافض، متعلق بمال غيره، لا بيصح.
(قوله: إن بان) أي المال الذي باعه.
(قوله: أنه له) أي أنه ملك له، وليس بقيد، بل المدار على كونه له عليه ولاية - كما تقدم - فيشمل ما إذا تبين أنه وكيل ببيع العين، أو أنه ولي على العين المبيعة، أو نحو ذلك - كما سيذكر ذلك قريبا في المهمة - (قوله: كأن باع مال مورثه إلخ) أي أو باع مال غيره على ظن أنه لم يأذن له، فبان إذنه له فيه.
(قوله: ظانا حياته) ليس بقيد، بل مثله، إن لم يظن شيئا، أو ظن موته بالأولى، اه، ح ف، بجيرمي.
(قوله: فبان) أي مورثه.
(وقوله: ميتا حينئذ) أي حين البيع، والمراد قبيله.
(قوله: لتبين إلخ) تعليل للصحة، (وقوله: أنه) أي المال، (وقوله: ملكه) أي البائع - أي فولايته ثابتة له عليه.
(قوله: ولا أثر لظن خطأ إلخ) يعني ولا عبرة بأنه عند البيع يحتمل الخطأ، لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر فقط.
(قوله: لا بما في ظن المكلف) أي ليست
(فائدة) لو أخذ من غيره بطريق جائز ما ظن حله، وهو حرام باطنا، فإن كان ظاهر المأخوذ منه الخير لم يطالب في الآخرة، وإلا طولب.
قاله البغوي.
ولو اشترى طعامه في الذمة وقضى من حرام، فإن أقبضه له البائع برضاه قبل توفية الثمن حل له أكله، أو بعدها مع علمه أنه حرام حل أيضا، وإلا حرم إلى أن يبرئه أو يوفيه من حل.
قاله شيخنا.
(وطهره) أو إمكان طهره بغسل، فلا يصح بيع نجس - كخمر وجلد ميتة، وإن أمكن طهرها بتخلل أو دباغ - ولا متنجس لا يمكن طهره، ولو دهنا تنجس، بل يصح هبته.
(ورؤيته) أي المعقود عليه إن كان معينا.
ــ
العبرة بما في ظن المكلف، حتى لا يصح البيع.
(قوله: بطريق جائز) كبيع وهبة.
(قوله: ما ظن حله) مفعول أخذ، أي أخذ شيئا يظن أنه حلال، وهو في الواقع ونفس الأمر حرام، كأن يكون مغصوبا أو مسروقا.
(قوله: فإن كان ظاهر المأخوذ منه) هو البائع، أو الواهب.
(وقوله: الخير) أي الصلاح.
(قوله: لم يطالب) أي الآخذ في الآخرة، وهو جواب
إن.
(وقوله: وإلا طولب) أي وإن لم يكن ظاهر الخير والصلاح، بأن كان ظاهره الفجور والخيانة، طولب - أي في الآخرة - وأما في الدنيا، فلا يطالب مطلقا، لأنه أخذه بطريق جائز.
(قوله: ولو اشترى طعاما إلخ) بين هذه المسألة الغزالي فقال: وأما المعصية التي تشتد الكراهة فيها: أن يشتري شيئا في الذمة ويقضي ثمنه من غصب أو مال حرام، فينظر، فإن سلم إليه البائع الطعام قبل قبض الثمن بطيب قلبه، وأكله قبل قضاء الثمن، فهو حلال.
فإن قضى الثمن بعد الأكل من الحرام فكأنه لم يقبض، فإن قضى الثمن من الحرام وأبرأه البائع مع العلم بأنه حرام فقد برئت ذمته، فإن أبرأه على ظن أنه حلال فلا تحصل به البراءة.
اه.
(قوله: فإن أقبضه) أي الطعام.
(وقوله: له) أي للمشتري.
(وقوله: البائع) فاعل أقبضه.
(قوله: برضاه) أي البائع.
(قوله: قبل توفية الثمن) أي قبل توفية المشتري الثمن للبائع.
(قوله: حل له) أي للمشتري أكله، أي الطعام.
(قوله: أو بعدها) أي أو أقبضه البائع الطعام بعد توفية الثمن.
(قوله: مع علمه) أي البائع.
(قوله: أنه) أي الثمن حرام (قوله: حل أيضا) أي حل أكل المشتري الطعام.
(وقوله: أيضا) أي كما حل في الصورة الأولى.
(قوله: وإلا حرم) أي وإن لم يعلم البائع أن الثمن الذي وفاه المشتري حرام: حرم على المشتري أكل ذلك الطعام.
(وقوله: إلى أن يبرئه) متعلق بمحذوف، أي وتستمر الحرمة إلى أن يبرئه البائع، أي من الثمن.
(قوله: أو يوفيه من حل) أي أو يوفي المشتري البائع ثمنه من حل، أي وبعد ذلك يحل للمشتري أكله.
(قوله: وطهره) معطوف على ملك: أي وشرط طهر المعقود عليه - أي ولو بالإجتهاد، ولو غلبت النجاسة في مثله.
وفي ع ش على م ر: قوله: طهر: ولو حكما، ليدخل نحو أواني الخزف المصحوبة بالسرجين، فإنه يصح بيعها، للعفو عنها، فهي طاهرة حكما.
اه.
(قوله: أو إمكان طهره بغسل) أي فالشرط الأحد الدائر، وذلك كالثوب المتنجس الذي لم تسد النجاسة فرجه، وكالآجر المعجون بالنجس.
واحترز بقوله بغسل: عما يمكن تطهيره، لكن لا بغسل، بل بالتكثير أو إزالة التغير: كالماء، أو بالتخليل: كالخمر، أو بالدبغ: كالجلد النجس - فإنه لا يؤثر - فلا يصح بيعه، كما سيصرح به الشارح.
(قوله: فلا يصح بيع نجس إلخ) وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم: نهى عن ثمن الكلب، وقال: إن الله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير رواهما الشيخان.
والمعنى في المذكورات: نجاسة عينها، فألحق بها باقي نجس العين - وكما لا يصح جعل النجس مبيعا: لا يصح أيضا جعله ثمنا - إذ الطهر شرط للمعقود عليه مطلقا - ثمنا كان أو مثمنا - ومثله يقال في بقية الشروط، وإن كان الشارح يقتصر في المفهوم على المثمن، وكان حقه أن يعمم.
(قوله: بتخلل) راجع لخمر.
(قوله: أو دباغ) راجع لجلد ميتة، فهو على اللف والنشر المرتب.
(قوله: ولا متنجس إلخ) أي ولا يصح بيع متنجس لا يمكن تطهيره أصلا، أو يمكن
لا بغسل - وذلك كالخل، واللبن، والصبغ، والآجر المعجون بالزبل - إذ هو في معنى نجس العين.
ومحل عدم صحة بيع ما ذكر: إذا كان استقلالا، أما تبعا فيصح، كبيع دار مبنية بآجر مخلوط بسرجين أو طين كذلك، أو أرض مسمدة بذلك، وكبيع قن عليه وشم - وإن وجبت إزالته، لوقوعه تابعا مع دعاء الحاجة لذلك، ويغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره.
فلا يصح بيع معين لم يره العاقدان أو أحدهما: كرهنه، وإجارته، للغرر المنهي عنه، وإن بالغ في وصفه.
وتكفي الرؤية قبل العقد فيما لا يغلب تغيره إلى وقت العقد، وتكفي رؤية بعض المبيع إن دل على باقيه،
ــ
(قوله: ولو دهنا) أي ولو كان المتنجس دهنا، وهو غاية للرد على من قال بصحة بيعه، بناء على القول الضعيف بإمكان طهره.
(وقوله: تنجس) يورث ركاكة لا تخفى، فالأولى حذفه.
(قوله: بل يصح هبته) أي المذكور من النجس والمتنجس.
وفي البجيرمي ما نصه: (فرع) لو تصدق، أو وهب، أو أوصى بالنجس - كالدهن، والكلب - صح، على معنى نقل اليد.
اه.
سم.
ع ش.
(قوله: ورؤيته) معطوف على ملك: أي وشرط رؤيته.
(وقوله: أي المعقود عليه) أي ثمنا، أو مثمنا.
(قوله: إن كان معينا) قيد في اشتراط الرؤية، أي تشترط الرؤية إن كان المعقود عليه معينا - أي مشاهدا حاضرا - فهو من المعاينة لا من التعيين، لأنه صادق بما عين بوصفه، وليس مرادا.
فلو كان المعقود عليه غير معين - بأن كان موصوفا في الذمة - لا تشترط فيه الرؤية، بل الشرط فيه معرفة قدره وصفته.
(قوله: فلا يصح بيع معين لم يرده العاقدان) أي لا يصح بيع معين غائب عن رؤية المتعاقدين أو أحدهما - ولو كان حاضرا في المجلس - وعلم من ذلك امتناع بيع الأعمى وشرائه للمعين - كسائر تصرفاته - فيوكل في ذلك - حتى في القبض والإقباض - بخلاف ما في الذمة.
(قوله: كرهنه وإجارته) أي كما لا يصح رهن المعين وإجارته من غير رؤية المتعاقدين.
(قوله: للغرر المنهي عنه) تعليل لعدم صحة بيع ما ذكر.
والغرر: هو ما انطوت عنا عاقته، أو ما تردد بين أمرين: أغلبهما أو خوفهما.
(قوله: وإن بالغ في وصفه) أي لا يصح بيع المعين من غير رؤية - وإن بالغ كل منهما في وصفه - وذلك لأن الملحظ في اشتراط الرؤية: الإحاطة بما لم تحط به العبارة من دقيق الأوصاف التي يقصر التعبير عن تحقيقها وإيصالها للذهن، ومن ثم ورد: ليس الخبر كالعيان بكسر العين، ولا مخالفة بين هذا وبين قوله الآتي: ولو قال اشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم، فقال: بعتك، انعقد بيعا، لأنه بيع موصوف في الذمة، وذاك بيع عين متميزة موصوفة.
(والحاصل) لو قال بعتك ثوبا قدره كذا، وجنسه كذا، وصفته كذا: صح - ولو كان الثوب حاضرا عنده - وذلك لأنه إنما اعتمد على الصفات الملتزمة في الذمة.
ولو قال بعتك الثوب الذي صفته كذا وكذا، فإنه لا يصح، لأن المعين لا
يلتزم.
(قوله: وتكفي الرؤية قبل العقد إلخ) فإن وجده المشتري متغيرا عما رآه عليه تخير، فلو اختلفا في تغيره فالقول قول المشتري بيمينه وتخير، لأن البائع يدعي عليه أنه رآه بهذه الصفة الموجودة الآن ورضي به، والأصل عدم ذلك.
وإنما صدق - أي البائع - فيما لو اختلفا في عيب يمكن حدوثه، لأنهما قد اتفقا على وجوده في يد المشتري، والأصل عدم وجوده في يد البائع.
اه.
تحفة.
(وقوله: فيما لا يغلب تغيره إلى وقت العقد) أي في المعقود عليه الذي لا يغلب تغيره إلى وقت العقد، وهو صادق بما يغلب عدم تغيره - كأرض، وحديد، ونحاس، وآنية - وبما يحتمل التغير وعدمه سواء - كالحيوان - بخلاف ما يغلب تغيره إلى وقت العقد - كالأطعمة التي يسرع فسادها - فلا تكفي رؤيته قبل العقد، لأنه لا وثوق حينئذ ببقائه حال العقد على أوصافه المرئية قبل.
(قوله: وتكفي رؤية إلخ).
(إعلم) أن رؤية كل عين على ما يليق - بها فيعتبر في الدار رؤية البيوت، والسقوف، والسطوح، والجدران، والمستحم، والبالوعة.
وفي البستان رؤية الأشجار، والجدران، ومسايل الماء.
وفي العبد والأمة رؤية ما عدا العورة.
وفي الدابة: رؤية كلها - لا رؤية لسانهم، ولا أسنانهم - وفي الثوب نشره - ليرى الجميع - ورؤية وجهي ما يختلف منه - كديباج منقش، وبساط - بخلاف ما لا يختلف - ككرباس - فيكفي رؤية أحدهما.
وفي الورق البياض.
وفي الكتب والمصحف رؤية جميع الأوراق.
وفي متساوي الأجزاء - كالحبوب - رؤية بعضه.
وفي نحو الرمان بما له قشر يكون صوانا لبقائه رؤية قشره.
(قوله: بعض المبيع) المناسب لما قبله: بعض المعقود عليه، مبيعا كان، أو ثمنا.
(قوله: إن
كظاهر صبرة نحو بر، وأعلى المائع، ومثل أنموج متساوي الاجزاء كالحبوب أو لم يدل على باقيه بل كان صوانا للباقي لبقائه، كقشر رمان وبيض، وقشرة سفلى لنحو جوز، فيكفي رؤيته، لان صلاح باطنه في إبقائه، وإن لم يدل هو عليه، ولا يكفي رؤية القشرة العليا إذا انعقدت السفلى.
ويشترط أيضا قدرة تسليمه، فلا يصح بيع آبق،
ــ
دل) أي البعض المرئي.
(وقوله: على باقيه) أي على أن الباقي مثله، وذلك يكون فيما يستوي ظاهره وباطنه - كالحب، والجوز، والأدقة، والمسك، والتمر العجوة أو الكبيس في نحو قوصرة، والقطن في عدل - فلو رأى الظاهر، ثم خالفه الباطن، تخير.
(قوله: كظاهر صبرة) تمثيل للبعض الذي تكفي رؤيته، ولا فرق في الصبرة بين أن يكون كلها مبيعا أو بعضها.
وفي سم ما نصه: (فرع) سئل شيخنا الشهاب الرملي عن بيع السكر في قدوره: هل يصح، ويكتفي برؤية أعلاه من رؤوس القدور؟ فأجاب بأنه إن كان بقاؤه في القدور من مصالحه: صج، وكفى رؤية أعلاه من رؤوس القدور، وإلا فلا.
اه.
ولعل وجه
ذلك: أن رؤية أعلاه لا تدل على باقيه، لكنه اكتفى بها إذا كان بقاؤه في القدور من مصالحه للضرورة.
اه.
(قوله: وأعلى المائع) عطف على ظاهر صبرة، أي وكأعلى المائع، أي فإن رؤيته في ظرفه كافية.
(قوله: ومثل إلخ) هو بالرفع، عطف على محل كظاهر، الواقع خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كظاهر، وذلك مثل إلخ، ويصح جعل الكاف اسما بمعنى مثل، وعليه: يصير العطف عليها فقط.
(وقوله: أنموذج) مضاف إلى ما بعده إضافة على معنى من - وهو بضم الهمزة والميم وفتح المعجمة - المسمى بالعينة، وذلك بأن يأخذ البائع قدرا من البر مثلا، ويريه للمشتري.
ولا بد من إدخاله في البيع بصيغة تشمل الجميع - بأن يقول: بعتك البر الذي عندي مع الأنموذج، وإلا فلا يصح البيع.
(قوله: كالحبوب) تمثيل لمتساوي الأجزاء.
(قوله: أو لم يدل) أي ذلك البعض المرئي، وهو معطوف على قوله إن دل.
(وقوله: بل كان) أي ذلك البعض المرئي.
والأولى: لكن كان - بأداة الإستدارك، بدل أداة الإضراب، كما هو ظاهر -.
(وقوله: صوانا) بضم الصاد وكسرها، أي حفظا.
(وقوله: للباقي) أي الذي لم ير، وهو متعلق بصوانا.
(قوله: لبقائه) اللام للتعليل، متعلقة بصوانا أيضا.
فاختلف المتعلقان، لأن الأول للتعدية، والثاني للعلة، أي صوانا للباقي لأجل بقائه، بحيث إذا فارقه ذلك الصوان لا يبقى، بل يتلف.
(قوله: كقشر رمان إلخ) تمثيل لبعض المبيع الذي لم يدل، لكن كان صوانا للباقي.
(وقوله: وبيض) أي وقشر بيض.
(قوله: وقشرة سفلى) وهي التي تكسر حالة الأكل.
وخرج بالسفلى: العليا، فلا يكفي رؤيتها - كما سيصرح به -.
(قوله: فيكفي رؤيته) أي المذكور من قشر الرمان، وما بعده.
(قوله: لأن صلاح الخ) عله للإكتفاء برؤية ما ذكر.
(وقوله: باطنه) أي ما ذكر من الرمان، والبيض، ونحو الجوز.
(وقوله: في إبقائه) أي القشر.
(قوله: وإن لم يدل هو) أي القسر.
(وقوله: عليه) أي الباطن.
وهذا ليس غاية، بل الواو للحال.
وإن زائدة.
(قوله: ولا يكفي رؤية القشرة العليا) أي لأنها ليست من مصالح ما في باطنه.
(وقوله: إذا انعقدت السفلى) احترز به عما إذا لم تنعقد، فإنه يكفي حينئذ رؤية العليا.
(قوله: ويشترط أيضا قدرة تسليمه) أي قدرة كل من العاقدين على تسليم ما بذله للآخر - المثمن بالنسبة للبائع، والثمن بالنسبة للمشتري.
وعبر بالتسليم - مع أن العبرة بالتسلم - تبعا للنووي في منهاجه.
وقال في التحفة والنهاية: واقتصر المصنف عليه - أي القدرة - على التسليم، لأنه محل وفاق، وسيذكر محل الخلاف - وهو قدرة المشتري على تسلمه ممن هو عنده.
اه.
(والحاصل) أنه متى كان البائع قادرا على تسليم المبيع للمشتري، وهو قادر على تسلمه، وكان المشتري قادرا على تسليم الثمن للبائع، وهو قادر على تسلمه، صح البيع - اتفاقا - فإن وجدت القدرة على التسلم من العاقدين: صح -
على الصحيح.
وضال، ومغصوب، لغير قادر على انتزاعه، وكذا سمك بركة شق تحصيله.
(مهمة) من تصرف في مال غير ببيع أو غيره ظانا تعديه فبان أن له عليه ولاية، كأن كان مال مورثه فبان موته، أو مال أجنبي فبان إذنه له، أو ظانا فقد شرط فبان مستوفيا للشروط، صح تصرفه، لان العبرة في العقود بما في نفس الامر، وفي العبادات بذلك، وبما في ظن المكلف.
ومن ثم لو توضأ ولم يظن أنه مطلق: بطل طهوره، وإن بان مطلقا، لان المدار فيها على ظن المكلف.
وشمل قولنا ببيع أو غيره: التزويج، والابراء، وغيرهما.
فلو أبرأ من حق ظانا أنه لا حق له فبان له حق،
ــ
(قوله: فلا يصح بيع آبق وضال) مثل البيع: الشراء به - فلا يصح دفع عبد آبق أو ضال ثمنا لغير قادر على انتزاعه - كما علمت.
(قوله: لغير قادر على انتزاعه) أي أخذه من المحل الذي أبق إليه أو ضل فيه، أو من الغاصب الذي غصبه.
(قوله: وكذا سمك بركة) أي وكذلك لا يصح بيع سمك بركة لغير قادر على أخذه.
ومثل البيع: الشراء به، بأن يدفع ثمنا - كما علمت - (وقوله: شق تحصيله) أي السمك على المشتري، أي أو على البائع في الصورة التي زدناها.
(قوله: مهمة) أي في بيان حكم من تصرف في مال غيره ظاهرا ثم تبين أنه له.
ولا يقال إن هذا قد ذكره بقوله: ويصح بيع مال غيره ظاهر إلخ، لأنا نقول ذاك خاص في التصرف بالبيع، وما هنا في مطلق التصرف.
نعم، كان الأولى والأخصر أن يقتصر على هذا، لأنه شامل للبيع ولغيره، أو يقتصر على ذاك، ولكن يعمم فيه.
فتنبه.
(قوله: من تصرف في مال غير) المراد بالمال: ما يشمل المنفعة، وإلا لما صح - قوله فيما يأتي: وشمل قولنا ببيع أو غيره: التزويج.
(قوله: أو غيره) أي البيع، كالهبة، والعتق، والوقف.
(قوله: ظانا تعديه) أي حال كونه معتقدا أنه متعد في تصرفه.
والظاهر أن هذا ليس بقيد، بل مثله ما إذا اعتقد أنه ليس متعديا، كأن كان يعتقد أن التصرف في مال مورثه في حياته جائز.
(قوله: فبان) أي ظهر بعد التصرف.
(وقوله: أن له) أي المتصرف.
(وقوله: عليه) أي المتصرف فيه.
(وقوله: ولاية) أي سلطنة بملك، أو وكالة، أو إذن - كما مر - (قوله: كأن كان) أي المتصرف فيه.
(وقوله: فبان موته) أي فتبين بعد التصرف فيه موت من له الولاية قبيل التصرف.
(قوله: أو مال أجنبي) معطوف على مال مورثه، أي وكأن كان المال الذي تصرف فيه مال أجنبي - أي أو مال مورثه - فكونه أجنبيا ليس يقيد - كما هو ظاهر -.
(قوله: فبان إذنه له) أي فتبين بعد التصرف أن ذلك الأجنبي إذن له في التصرف قبله.
(قوله: أو ظانا فقد إلخ) ظاهره أنه معطوف على ظانا تعديه، والمعنى: أو تصرف في مال غيره ظانا فقد شرط من شروط التصرف.
وفيه أن هذا ليس مرادا، بل المراد أنه تصرف في مال نفسه ظانا فقد شرط من شروط صحة التصرف، فتبين أنه لم يفقد شرط من ذلك.
ولو قال: أو باع ماله ظانا فقد شرط إلخ - لكان أولى - فتنبه.
(قوله: فبان مستوفيا للشروط) أي فتبين أن تصرفه مستوف لشروط التصرف.
(قوله: صح تصرفه) جواب من.
(قوله: لأن العبرة في العقود إلخ) تعليل للصحة.
(وقوله: بما في نفس الأمر) أي بما هو مطابق للواقع.
وإنما كانت العبرة في العقود به، لعدم احتياجها للنية، فانتفى التلاعب.
وبفرضه لا يضر لصحة نحو بيع الهازل - كذا في النهاية، والتحفة -.
(قوله: وفي
العبادات إلخ) أي ولأن العبرة في العبادات بما في نفس الأمر، وبما في ظن المكلف.
وهذا يفيد أن العبرة في العبادات بمجموع الأمرين: ما في نفس الأمر وما في ظن المكلف.
وصورته الآتية: وهي أنه لو توضأ إلخ، مع علتها، وهي قوله لأن المدار الخ تفيد أن العبرة بالثاني فقط، وهذا خلف، ولا يصح أن يقال إن الواو في قوله وبما في ظن المكلف، بمعنى أو، لأن ذلك يقتضي أن ما في نفس الأمر كاف وحده في العبادات، وليس كذلك.
فتأمل.
(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن العبرة في العبادات بما ذكر: لو توضأ إلخ.
(قوله: أنه مطلق) أي أن ما توضأ به ماء مطلق.
(وقوله: وإن بان) أي ما توضأ به.
(وقوله: مطلقا) أي ماء مطلقا.
(قوله: لأن المدار إلخ) لا حاجة إلى هذه العلة بعد قوله ومن ثم إلخ.
(والحاصل) عبارته لا تخلو عن النظر.
(قوله: وشمل قولنا ببيع أو غيره) الأولى إسقاط لفظ ببيع - كما هو ظاهر -.
صح - على المعتمد - ولو تصرف في إنكاح، فإن كان مع الشك في ولاية نفسه فبان وليا لها حينئذ: صح - اعتبارا بما في نفس الامر.
(وشرط في بيع) ربوي، وهو محصور في شيئين:(مطعوم) كالبر، والشعير، والتمر، والزبيب، والملح، والارز، والذرة، والفول، (ونقد) أي ذهب وفضة، ولو غير مضروبين - كحلي، وتبر (بجنسه) كبر ببر، وذهب بذهب (حلول) للعوضين (وتقابض قبل تفرق).
ولو تقابضا البعض: صح فيه فقط، (ومماثلة) بين العوضين يقينا: بكيل في مكيل، ووزن في موزون، وذلك لقوله (ص): لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا
ــ
(قوله: وغيرهما) أي كالهبة، والوقف والعتق -.
(قوله: فلو أبرأ) أي الفضولي.
(قوله: من حق) أي في ذمة الغير.
(قوله: صح) أي الإبراء.
(قوله: ولو تصرف في إنكاح) المناسب أن يقول: ولو أنكح، لأنه لا معنى للتصرف في الإنكاح.
(قوله: وشرط في بيع ربوي إلخ) شروع في بيان ما يعتبر في بيع الربوي، زيادة على ما مر من الشروط.
وحاصل ذلك أن العوضين إن اتفقا جنسا اشترط ثلاثة شروط، أو علة - وهي الطعم، والنقدية - اشترط شرطان، وإلا كبيع طعام بنقد أو ثوب، أو حيوان بحيوان، لم يشترط شئ من تلك الثلاثة.
(قوله: شرط في بيع الربوي وهو) أي الربوي محصور في شيئين فيه حصر الشئ في نفسه، إذ هو عينهما، وهو لا يصح.
ويمكن عود الضمير على الربا المفهوم من الربوي، فيكون هو المحصور فيهما.
وعليه، فلا إشكال.
(قوله: مطعوم) أي ما قصد للطعم تقوتا أو تفكها أو تداويا، وذلك لأنه في الخبر الآتي نص على البر والشعير، والمقصود منهما التقوت، وألحق بهما، ما في معناهما - كالفول، والأزر، والذرة - وعلى التمر، والمقصود منه التفكه والتأدم، فألحق به ما في معناه - كالزبيب، والتين - وعلى الملح، والمقصود منه الإصلاح، فألحق به ما في معناه من الأدوية - كالسقمونيا، والزعفران -.
ومن المطعوم: الماء، فهو ربوي، وتسميته طعاما جاءت في الكتاب والسنة - قال تعالى: * (ومن لم يطعمه فإنه مني) * (1).
(قوله: كالبر إلخ) تمثيل للمطعوم.
(قوله: والفول) أي والترمس، لأنه يؤكل بعد نقعه في الماء.
قال ابن القاسم: وأظن أنه يتداوي به.
(قوله: ونقد) قال في التحفة: وعلة الربا فيه جوهرية الثمن، فلا ربا في الفلوس - وإن راجت -.
اه.
(قوله: بجنسه) متعلق ببيع، والضمير يعود للمذكور من المطعوم والنقد - (قوله: حلول) نائب فاعل
شرط، أي شرط حلول للعوضين، وذلك لاشتراط المقابضة في الخبر ومن لازمها الحلول غالبا، فمتى اقترن بأحدهما تأجيل - ولو لحظة - فحل وهما في المجلس: لم يصح.
اه.
تحفة.
(قوله: وتقابض) معطوف على حلول، والمراد القبض الحقيقي، فلا يكفي نحو حوالة، وإن حصل معها قبض في المجلس.
(وقوله: قبل تفرق) قال سم: شامل للتفرق، سهوا أو جهلا.
اه.
(قوله: ولو تقابضا) أي البائع والمشتري.
(وقوله: البعض) أي هذا أعطى بعض المبيع، والآخر أعطى بعض الثمن.
(قوله: صح فيه فقط) أي صح البيع في ذلك البعض الذي قبض فقط دون ما لم يقبض، وهذا مبني على الأصح من قولي تفريق الصفقة - كما سيأتي - (قوله: ومماثلة) معطوف على حلول أيضا، أي وشرط مماثلة بين العوضين - أي مساواة بينهما في القدر، من غير زيادة - ولو حبة - ولو من غير جنسهما، كاشتمال أحد الدينارين على فضة.
(قوله: يقينا) أي بأن يعلم بالمماثلة كل من المتعاقدين حال العقد.
(قوله: بكيل إلخ) متعلق بمحذوف، أي وتعتبر المماثلة بكيل في المكيل - وإن تفاوت في الوزن - وبوزن في الموزون - وإن تفاوت في الكيل - والعبرة بغالب عادة الحجاز في زمنه صلى الله عليه وسلم، إلا فبعادة أهل البلد، فيما هو كالتمر فأقل، وإلا بأن كان أكبر جرما من التمر، فالعبرة فيه بالوزن، ولا تعتبر المماثلة إلا حال الكمال، فتعتبر في الثمار والحبوب بعد الجفاف والتنقية، فلا يباع رطب منها برطب من جنسه، ولا بجاف منه - إلا في مسألة العرايا - وستأتي.
ولا تعتبر مماثلة الدقيق والسويق، والخبز، وكذا ما أثرت فيه
(1) سورة البقرة الاية: 249.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النار بالطبخ أو القلي أو الشي، بخلاف تأثير التمييز، كالعسل، والسمن، وإنما تعتبر في الحبوب حبا، وفي السمسم حبا أو دهنا، وفي العنب والرطب زبيبا، أو تمرا، أو عصيرا، أو خلا.
(تنبيه) يؤخذ من اعتبار المماثلة بالكيل في المكيل، وبالوزن في الموزون - أنه لا عبرة بالقيمة رأسا.
فلو بيع مد تمر برني بمد صيحاني: صح ذلك - ولو تفاوتا في القيمة - ومحله في غير بعض صور القاعدة المسماة بقاعدة مد عجوة ودرهم، فإنه يعتبر في ذلك البعض المماثلة في القيمة أيضا.
والمؤلف لم يتعرض لهذه القاعدة رأسا، ولنتعرض لها حتى تعرف ذلك البعض المعتبر فيه ما ذكر، وتكميلا للفائدة، واقتداء بمن سلف، فنقول: ضابط هذه القاعدة أن يجمع عقد واحد جنسا ربويا في الجانبين - أي المبيع والثمن - متحدا فيهما مقصودا - أي ليس تابعا لغيره - وأن يتعدد المبيع جنسا أو نوعا أو صفة، سواء حصل التعدد
المذكور في الثمن أم لا.
ومعنى تعدده: أن ينضم إلى ذلك الجنس الربوي جنس آخر، ولو غير ربوي.
فالقيود المشتمل عليها هذا الضابط: ستة.
القيد الأول: أن يكون العقد واحدا، ومعنى وحدته: عدم تفصيله، بأن لا يقابل المد بالمد، والدرهم بالدرهم مثلا، وخرج به ما لو فصل، كأن قال: بعتك هذا بهذا، وهذا بهذا.
القيد الثاني: أن يكون الجنس ربويا، وخرج به ما لو كان غير ربوي، كثوب وسيف بثوبين.
القيد الثالث: أن يكون ذلك الجنس الربوي في الجانبين، وخرج به، ما لو كان في أحدهما فقط، كثوب ودرهم بثوبين.
القيد الرابع: أن يكون الجنس الكائن فيهما واحدا، وخرج به ما لم يكن واحدا، بأن يكون المشتمل عليه المبيع ليس مشتملا عليه الثمن والكل ربوي كصاع بر وصاع شعير بصاعي تمر.
القيد الخامس: أن يكون مقصودا بالعقد، وخرج به ما إذا كان تابعا لمقصود بالعقد، كبيع دار فيها بئر ماء عذب بمثلها.
القيد السادس: أن يتعدد المبيع، وخرج به، ما إذا لم يتعدد - كبيع دينار بدينار - وهذه المخرجات ليست من القاعدة المذكورة، فهي صحيحة.
وبقي من القيود: التمييز - أي عدم الخلط - ولكن هذا في خصوص صور الجنس وصور النوع، إذ لا يتأتى التوزيع المبني عليه القاعدة المذكورة إلا حينئذ.
وخرج به: ما إذا لم يتميزا - بأن خلط الجنسان أو النوعان - وبيعا بمثلهما أو بأحدهما خالصا، فإنه لا يضر.
وليس من القاعدة المذكورة بشرط أن يكون المخلوط به بالنسبة للجنس شيئا يسيرا، بحيث لا يقصد إخراجه ليستعمل وحده.
وأما بالنسبة للنوع، فلا فرق بين اليسير والكثير - كما هو مقتضى كلام الشيخين - وقال سم: قال شيخنا الشهاب الرملي: أنه الصحيح اه.
وجزم به الخطيب في مغنيه.
وخرج باليسير في الجنس الكثير، فيضر، وتصير المسألة من القاعدة المذكورة.
والفرق بين الجنس - حيث قيد الخليط فيه باليسير - وبين النوع - حيث أطلق الخليط فيه - أن الخليط إذا كثر في الجنس: لم تتحقق المماثلة، بخلاف النوع.
وبقي منها أيضا: أن لا يكون الجنس الربوي ضمنيا في الجانبين، بأن كان ظاهرا في كل منهما، أو ظاهرا في أحدهما ضمنا في الآخر، كبيع سمسم بدهنه.
وخرج به: ما لو كان ضمنيا فيهما - كبيع سمسم بسمسم - فإنه لا يضر.
وليس من القاعدة المذكورة.
(واعلم) أن هذه القاعدة باطلة بجميع صورها، ما عدا ثلاث صور منها - كما ستعرفه - وسبب البطلان: أن العقد مشتمل أحد طرفيه على مالين مختلفين، وهو يوجب توزيع الطرف الآخر عليهما بالقيمة، والتوزيع يقتضي تحقق المفاضلة أو الجهل بالمماثلة.
ولنبين لك تلك الصور: ليتميز لك الباطل من الصحيح - الذي هو السبب في إيرادي لهذه القاعدة هنا - فنقول: قد
علمت مما مر أنه لا بد أن يتعدد المبيع جنسا أو نوعا أو صفة - تعدد الثمن كذلك أم لا - فهذه الثلاثة - أعني الجنس، والنوع، والصفة - يرتقي كل واحد منها إلى تسع - باعتبار أن الشيئين المشتمل عليهما المبيع لا فرق بين أن يوجدا في الثمن، أو يوجد أحدهما فقط، لكن كان الموجود فيه ربويا، وباعتبار أن الجنس الربوي المنضم إليه شئ آخر: قيمته
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أزيد من ذلك الشئ الآخر، أو أنقص، أو مساوية.
فحاصل تلك الصور: سبع وعشرون صورة - ففي تعدد جنس المبيع تسع صور - لأنه إما بيع مد ودرهم بمثلهما، أو بمدين، أو درهمين - وفي كل إما أن أن يكون المد الذي مع الدرهم أعلى منه قيمة، أو أنقص، أو مساويا - فهذه تسع صور: من ضرب ثلاثة في ثلاثة.
ومثلها: في اختلاف النوع - كأن بيع مد عجوة برني ومد صيحاني بمثلهما، أو بمدين صيحانيين، أو بمدين برنيين، وقيمة البرني مساوية لقيمة الصيحاني، أو أنقص، أو أزيد - فهذه تسع أيضا من ضرب ثلاثة في ثلاثة.
ومثلها في اختلاف الصفة: كأن بيع دينار صحيح ودينار مكسر بمثلهما، أو بصحيحين أو مكسرين - فهذه تسع أيضا: من ضرب ثلاثة في ثلاثة - فالجملة سبع وعشرون صورة.
وتتحقق المفاضلة في ثمانية عشرة صورة، وتجهل المماثلة في تسع، وكلها باطلة إلا ثلاثا من صور اختلاف الصفة، وهي: ما لو بيع صحيح ومكسر بمثلهما، أو بصحيحين، أو مكسرين.
وقيمة الصحيح في الثلاث، مساوية لقيمة المكسر.
وإنما نظروا لتساوي القيمة في الصفة، ولم ينظروا له في الجنس والنوع، لغلبة الإتحاد فيها دون الجنس والنوع، لوجود الوزن معها، وهو لا يخطئ إلا نادرا، بخلاف الكيل الموجود معهما.
ولنمثل لك لبعض صور الجنس، ولبعض صور النوع، ولبعض صور الصفة، لتعرف تحقق المفاضلة، أو الجهل بالمماثلة، ونقيس الباقي عليها، فنقول: بالنسبة للأول - أعني الجنس - لو باع مد عجوة ودرهما بمدين: نظر - فإن كانت قيمة المد الذي مع الدرهم أكثر من درهم - كأن تكون قيمته درهمين - كان ذلك المد بالنسبة لقيمته ثلثي الطرف الذي هو فيه، وذلك لأن الدرهمين إذا ضممتهما إلى الدرهم، يكون مجموعها ثلاثة، والدرهمان ثلثاها، فإذا وزعت الثمن - الذي هو المدان - على المد والدرهم، يكون ثلثا المدين في مقابلة المد، والثلث الباقي منهما في مقابلة الدرهم.
ولا شك أن ثلثي المدين، أكثر من المد - فتحققت المفاضلة وإن كانت قيمة المد أقل من الدرهم المنضم معه - كأن تكون نصف درهم - فيكون المد ثلث الطرف الذي هو فيه بالنسبة للقيمة، فإذا وزعت الثمن المذكور عليهما يكون ثلث المدين في مقابلة المد.
ولا شك أن ثلثهما أنقص منه، فتحققت المفاضلة.
وإن كانت قيمة المد الذي مع الدرهم مساوية له، لزم
الجهل بالمماثلة لأنها تستند إلى التقويم، وهو تخمين قد يخطئ وقد يصيب.
وقس على ما ذكر بقية صور الجنس، وهي: بيع مد ودرهم بمد ودرهم أو بدرهمين، وكانت قيمة المد أكثر، أو أنقص، أو مساوية - وبالنسبة للثاني - أعني النوع - لو باع مدا صيحانيا، ومدا برنيا بمثلهما: نظر أيضا - فإن كانت قيمة المد الصيحاني أعلى - كدرهمين - وقيمة المد البرني درهما: كان المد الصيحاني ثلثي الطرف الذي هو فيه فيقابله عند التوزيع ثلثا المدين - الصيحاني، والبرني - وهو مد وثلث، فيصير كأنه قابل مدا بمد وثلث، فتحققت المفاضلة.
وإن كانت قيمة المد الصيحاني أقل من قيمة المد الرني - كأن تكون قيمته نصف درهم: كان المد الصيحاني ثلث الطرف الذي هو فيه، فيقابله ثلث المدين من الطرف الآخر - الذي هو الثمن - ولا شك أن ثلثهما أنقص من مد - فتحققت المفاضلة.
وإن كانت قيمة المد الصيحاني مساوية لقيمة المد البرني: لزم الجهل بالمماثلة، إذ هي تستند إلى التقويم، وهو تخمين - كما مر -.
وقس على ما ذكر بقية صور النوع، وهي: بيع مد صيحاني ومد برني بصيحانيين أو ببرنيين وكانت قيمة الصيحاني أكثر، أو أقل أو مساوية.
وبالنسبة للثالث - أعني الصفة - لو باع درهما صحيحا ومكسرا بدرهم صحيح ومكسر: نظر أيضا - فإن كانت قيمة الصحيح أعلى من قيمة المكسر - كأن تكون درهمين - كان الصحيح ثلثي الطرف الذي هو فيه، فيقابله ثلثان من الطرف الآخر - وهو درهم وثلث - فيصير كأنه قابل درهما بدرهم وثلث، فتحققت المفاضلة.
وإن كانت قيمة الصحيح أقل - كأن يكون نصف درهم - كان ثلث الطرف الذي هو فيه، فيقابله ثلث الدرهمين من الطرف الآخر - ولا شك أن ثلث الدرهمين أنقص من درهم كامل - فتحققت المفاضلة وإن كانت قيمة الصحيح مساوية لقيمة المكسر: لزم الجهل بالمماثلة - بناء على التقويم المار - إلا أنهم اغتفروا في الصلة: لتساويهما في الوزن وفي القيمة.
البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الاصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد أي مقابضة.
قال الرافعي: ومن لازمه الحلول - أي غالبا - فيبطل بيع الربوي بجنسه جزافا، أو مع ظن مماثلة، وإن خرجتا سواء (و) شرط في بيع أحدهما (بغير جنسه) واتحدا في علة الربا - كبر بشعير، وذهب بفضة.
(حلول، وتقابض) قبل تفرق - لا مماثلة - فيبطل بيع
ــ
وقس على ذلك بقية صور الصفة، وهي: ما لو باع درهما صحيحا، ودرهما مكسرا بصحيحين، أو مكسرين، وكانت قيمة الصحيح أعلى، أو أقل، أو مساوية.
وفي صور التساوي ما علمت من الصحة.
قال في التحفة: وليتفطن هنا لدقيقة يغفل عنها، وهي أنه يبطل - كما عرف مما تقرر - بيع دينار مثلا فيه ذهب وفضة بمثله أو بأحدهما، ولو خالصا - وإن قل الخليط - لأنه يؤثر في الوزن مطلقا.
فإن فرض عدم تأثيره فيه، ولم يظهر به تفاوت في القيمة: صح البيع.
اه.
ومثله بيع فضة مغشوشة بمثلها أو بخالصة، فلا يصح.
فإن فرض أن الغش قدر لا
يظهر في الوزن: صح البيع.
ومنه يؤخذ امتناع بيع الفضة بالفضة المتعامل بها الآن، لاشتمالها على النحاس المؤثر في الوزن.
ويؤخذ أيضا منه بطلان ما عمت به البلوى من دفع دينار مغربي مثلا وعليه تمام ما يبلغ به دينارا جديدا من فضة أو فلوس وأخذ دينار جديد بدله.
ولهذا قال بعضهم: لو قال لصيرفي: اصرف لي بنصف هذا الدرهم فضة، وبالنصف الآخر فلوسا: جاز، لأنه جعل نصفا في مقابلة الفضة، ونصفا في مقابلة الفلوس بخلاف ما لو قال: اصرف لي بهذا الدرهم نصف فضة، ونصف فلوس: لا يجوز، لأنه إذا قسط عليهما ذلك: احتمل التفاضل، وكان من صور مد عجوة ودرهم.
اه.
(قوله: وذلك إلخ) أي ما ذكر: من اشتراط الشروط الثلاثة في بيع الربوي بجنسه: ثابت، لقوله صلى الله عليه وسلم إلخ.
(وقوله: " لا تبيعوا الذهب " إلخ) ذكر في الحديث ستة أشياء، إثنين من النقد، وأربعة من المطعومات.
والأولان لا يقاس عليهما - لعدم تعدي علتهما - كما سيأتي.
والأربعة الأخيرة يقاس عليها ما وجد علتها فيه، وهي تنقسم - من حيث العلة - ثلاثة أقسام، لأن البر والشعير مطعومان، والتمر متأدم به، والملح مصلح.
(وقوله: ولا الورق) بكسر الراء، الفضة.
(وقوله: إلا سواء بسواء) سواء الأول: حال، والثاني مع جاره متعلق بمحذوف صفة.
أي سواء مقابلا بسواء، أي لا تبيعوا ذلك إلا حال كونهما متساويين.
ومثله يقال فيما بعده.
(قوله: عينا بعين) أي حالين.
(وقوله: يدا بيد) أي متقابضين قبضا حقيقيا قبل التفرق من المجلس.
(قوله: فإذا اختلفت هذه الأصناف) أي الربوية واتحدت علة الربا - كبر بشعير - والدليل على هذا القيد: الإجماع.
وخرج بذلك، ما لو باع برا بنقد، فلا يشترط التقابض والحلول، لعدم اتحاد العلة - إذ هي في الأول، الطعمية، وفي الثاني النقدية.
(وقوله: فبيعوا كيف شئتم) أي إذا أردتم بيع شئ منها بآخر فبيعوا كيف شئتم.
أي متماثلا، ومتفاوتا.
(قوله: إذا كان يدا بيد) كان: تامة، وفاعلها ضمير مستتر، يعود على البيع.
ويدا بيد: حال من الضمير المستتر.
أي إذا وجد بيع الأصناف المختلفة حال كونه يدا بيد، أي مقابضة.
(قوله: ومن لازمه) أي التقابض، الحلول: أي فوجد شرطا بيع الربوي بغير جنسه، وهما: التقابض والحلول.
(وقوله: أي غالبا) أي أن كون لازم التقابض الحلول، باعتبار الغالب، ومن غير الغالب: قد يحصل التقابض قبل التفرق، مع كون العقد مشروطا فيه تأجيل أحد العوضين إلى لحظة مثلا.
(قوله: فيبطل بيع الربوي إلخ) محترز كون المماثلة يقينا.
وقوله جزافا - بتثليث الجيم - وهو ما لم يقدر بكيل ولا وزن - كبيع صبرة من بر بصبرة من جنسها، فإن ذلك لا يصح.
(قوله: أو مع ظن مماثلة) يغني عنه قوله جزافا، إذ هو صادق بظن المماثلة، وهو ساقط من عبارة التحفة وفتح الجواد وغيرهما، فالأولى إسقاطه.
(قوله:
وإن خرجتا سواء) المناسب: وإن خرجا - بإسقاط التاء - إذ ألف التثنية تعود على مذكر، وهو الربوي ومقابله من غير جنسه.
وهو غاية للبطلان، أي يبطل بيع ما ذكر جزافا، وإن خرجا سواء للجهل بالمماثلة حالة العقد.
(قوله: وشرط في بيع أحدهما) أي المطعوم والنقد.
(وقوله: بغير جنسه) متعلق ببيع.
(قوله: واتحد) أي ذلك الأحد ومقابله.
(قوله: في علة الربا) هي الطعم والنقدية - كما تقدم -.
(قوله: كبر بشعير وذهب بفضة) الأول: مثال لبيع المطعوم بغير جنسه مع
الربوي بغير جنسه إن لم يقبضا في المجلس، بل يحرم البيع في الصورتين إن اختل شرط من الشروط.
واتفقوا على أنه من الكبائر، لورود اللعن لآكل الربا، وموكله، وكاتبه.
وعلم بما تقرر أنه لو بيع طعام بغيره كنقد، أو ثوب، أو غير طعام بطعام: لم يشترط شئ من الثلاثة.
(و) شرط (في بيع موصوف في ذمة) ويقال له السلم، مع الشروط المذكورة للبيع غير الرؤية.
(قبض
ــ
الاتحاد في العلة.
والثاني: لبيع النقد بغير جنسه مع الاتحاد في ذلك.
(قوله: حلول إلخ) نائب فاعل شرط.
(قوله: قبل تفرق) أي من مجلس العقد، والظرف تنازعه كل من حلول وتقابض.
(قوله: لا مماثلة) أي لا يشترط مماثلة، لقوله في الحديث المار: فبيعوا كيف شئتم.
(قوله: فيبطل بيع الربوي إلخ) مفرع على مفهوم الشرط الثاني.
وقوله إلى لم يقبضها: أي أو لم يكونا حالين.
وكان عليه أن يصرح به لأنه مفهوم الشرط الأول.
(قوله: بل يحرم) إضراب إنتقالي، لا إبطالي.
والمناسب: عدم الإضراب، وإبدال بل بواو الاستئناف.
وقوله في الصورتين: هما بيع الربوي بجنسه، وبيعه بغير جنسه.
وكان المناسب أن يقول: في ذلك كله.
(قوله: واتفقوا على أنه من الكبائر) أي أن البيع في الصورتين المختل فيهما شرط من الشروط السابقة: من الكبائر، بل من أكبر الكبائر - كما في التحفة - وذلك لأنه ربا، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه.
قيل: ولم يؤذن الله تعالى في كتابه عاصيا بالحرب: غير آكله.
قال تعالى: * (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) * (1) ومن ثم قيل: إنه علامة على سوء الخاتمة - كإيذاء أولياء الله تعالى -.
قال في الإيعاب: ولقد وقع لي أني رجعت من مصر إلى بلدنا لصلة الرحم في حدود الثلاثين وتسعمائة، فكنت في عشر رمضان الأخير أزور قبر والدي كل يوم بعد الصبح، ففي يوم أنا جالس أقرأ على قبره، وإذا بصوت فزع يأتيني من بعد، فتبعته إلى أن رأيته خارجا من قبر مبني مجصص، وهو يقول: آه آه - مفسرة - قوقفت ساعة، ثم رجعت، فسألت عن صاحب ذلك القبر، فقيل لي: فلان - لرجل أعرفه، صاحب ثروة، كان لا يفارق المسجد، ولا يتكلم بسوء قط - فزاد العجب فيه، ثم بالغت في السؤال عنه، فقيل: إنه كان يأكل الربا.
اه.
قال في النهاية: وظاهر الأخبار هنا أنه أعظم إثما من الزنا والسرقة وشرب الخمر.
لكن أفتى الوالد بخلافه، وتحريمه تعبدي.
وما أبدي له - أي من كونه يؤدي للتضييق ونحوه - إنما يصلح حكمة، لا علة.
اه.
بزيادة.
(قوله: لآكل الربا) هو متناوله بأي وجه كان، واعترض بأنه إن أراد بالربا المعنى اللغوي - وهو الزيادة - فلا يصح، لقصوره على ربا الفضل.
وأيضا يقتضي أن اللعن على آكل الزيادة فقط، دون باقي العوض.
وإن أريد بالربا العقد، فغير ظاهر، لأنه لا معنى لأكل العقد وأجيب باختيار الثاني، وهو على تقدير مضاف، والتقدير: آكل متعلق الربا، وهو العوض.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وموكله) هو الدافع للزيادة.
(قوله: وكاتبه) أي الذي يكتب الوثيقة بين المرابين، وأسقط من الحديث: الشاهد، وكان عليه أن يصرح به.
(قوله: وعلم بما تقرر) أي من أنه يشترط لبيع الربوي بجنسه، أو بغيره مع الاتحاد في العلة، ما مر من الشروط.
(وقوله: أنه لو بيع طعام إلخ) أي لو بيع ربوي بغير جنسه ولم يتحدا في العلة - كبيع طعام بنقد، أو بثوب، أو بيع عروض بنقد، أو غير ذلك - لم يشترط شئ من هذه الثلاثة، أي التماثل، والحلول، والتقابض.
(قوله: وشرط في بيع إلخ) لما أنهى الكلام على بيع الأعيان، شرع في بيع الذمم.
والأصل فيه: قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) * (2) الآية - نزلت في السلم -.
وخبر الصحيحين.
من أسلف في شئ، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم.
(وقوله: موصوف) صفة لمحذوف، أي شئ موصوف بما يبين قدره وجنسه وصفته.
(وقوله: في الذمة) متعلق بمحذوف صفة ثانية لذلك
(1) سورة البقرة، الاية:279.
(2)
سورة البقرة، الاية:282.
رأس مال) معين، أو في الذمة، في مجلس خيار وهو (قبل تفرق) من مجلس العقد، ولو كان رأس المال منفعة.
وإنما يتصور تسليم المنفعة بتسليم العين، كدار وحيوان، ولمسلم إليه قبضه ورده لمسلم، ولو عن دينه.
(وكون مسلم فيه دينا) في الذمة: حالا كان أو مؤجلا، لانه الذي وضع له لفظ السلم - فأسلمت إليك ألفا في
ــ
المحذوف، أي ملتزم في الذمة، ويصح تعلقه ببيع.
وكون البيع في الذمة - باعتبار كون المبيع ملتزما فيه -.
والذمة لغة: العهد، والأمان.
وشرعا: معنى قائم بالذات، يصلح للإلزام من جهة الشارع، والالتزام من جهة المكلف.
(قوله: ويقال له السلم) أي يطلق على البيع في الذمة السلم اتفاقا، وإن كان بلفظ السلم، فإن كان بلفظ البيع، فقيل إنه بيع، ولا تجري عليه أحكام السلم، من اشتراط قبض رأس المال في المجلس، وعم صحة الحوالة به وعليه، وقيل إنه سلم، وعليه تجري فيه أحكامه المذكورة.
وأركان السلم خمسة: مسلم، ومسلم إليه، ومسلم فيه، ورأس مال، وصيغة.
(قوله: مع الشروط) متعلق بشرط، أي شرط قبض إلخ مع اشتراط الشروط السابقة في بيع المعين، ما عدا الرؤية من كون المعقود عليه ملكا للعاقد، وطاهرا ومقدورا على تسلمه.
أما الرؤية فليست شرطا فيه، لأنه إنما تشترط في بيع المعين فقط، وهذا في الذمة.
(قوله: قبض رأس مال) هو شرط لدوام الصحة، ويشترط لأصلها حلوله - كما في المنهج - ولا يغني القبض عنه، لأنه قد يكون مؤجلا ويقبض في المجلس، وهو لا يصح.
وإنما عبر بالقبض دون التسليم - الذي عبر به في المنهاج - لأن المعتمد جواز استقلال المسلم إليه بقبض رأس المال.
(وقوله: معين) كأسلمت إليك
هذا الدينار (وقوله: أو في الذمة) كأسلمت إليك دينارا، وإن لم يقل في ذمتي - كما يقع الآن.
(والحاصل) رأس المال تارة يكون معينا، وتارة يكون في الذمة - بخلاف المسلم فيه، فإنه لا يكون إلا دينا - أي في الذمة - كما سيذكره.
(قوله: في مجلس خيار) متعلق بقبض.
(قوله: وهو) أي مجلس الخيار كائن قبل تفرق، أي أو قبل تخاير، لأن اختيار اللزوم كالتفرق - كما سيأتي في الخيار - ولو اختلفا، فقال المسلم قبضته بعد التفرق، وقال المسلم إليه قبله، أو بالعكس، ولا بينة لكل، صدق مدعي الصحة.
(قوله: من مجلس العقد) متعلق بتفرق، والأولى إسقاطه، لأنه لو قاما منه وتماشيا منازل حتى حصل القبض قبل التفرق: صح.
(قوله: ولو كان إلخ) غاية في اشتراط قبض رأس المال قبل ذلك، أي يشترط قبضة قبل ذلك، ولو كان منفعة، كأسلمت إليك منفعة داري، أو حيواني في كذا وكذا.
(قوله: وإنما يتصور تسليم المنفعة بتسليم العين) أي لأن ذلك هو الممكن في قبض المنفعة، فلم يتصور فيها القبض الحقيقي.
قال سم: فلو تلفت العين قبل فراغ المدة: ينبغي انفساخ السلم فيما يقابل الباقي، لتبين عدم حصول القبض فيه، كما لو تلفت الدار المؤجرة.
اه.
(قوله: كدار وحيوان) تمثيل للعين التي أسلم منفعتها.
(قوله: ولمسلم إليه قبضه) أي رأس المال، أي له أن يستقل به من غير أن يقبضه المسلم إياه.
(قوله: ورده لمسلم إلخ) أي وله رد رأس المال للمسلم، ولو عن الدين الذي عليه له.
وعبارة التحفة: ولو رده إليه قرضا أو عن دين، فقد تناقض فيه كلام الشيخين وغيرهما.
والمعتمد: جوازه، لأن تصرف أحد العاقدين مع الآخر لا يستدعي لزوم الملك.
اه.
(قوله: وكون مسلم إلخ) معطوف على قبض رأس مال، أي وشرط كون الشئ المسلم فيه دينا.
قال في المغني: (فإن قيل) الدينية داخلة في حقيقة السلم، فكيف يصح جعلها شرطا، لأن الشرط خارج عن المشروط؟ (أجيب) بأن الفقهاء قد يريدون بالشرط: ما لا بد منه، فيتناول حينئذ جزء الشئ.
اه.
(قوله: في الذمة) أي ذمة المسلم إليه، وهذا بيان للمراد من كونه دينا، ولو زاد أي التفسيرية، لكان أولى.
وعبارة ش ق: والمراد بالدين: ما كان في الذمة - كما يستفاد ذلك من التعريف السابق - فلا يشترط فيه الأجل.
اه.
(قوله: حالا كان) أي المسلم فيه، أو مؤجلا.
والمراد أن يصرح بالحلول أو بالأجل.
(قوله: لأنه) أي الدين هو الذي وضع له لفظ السلم، إذ هو بيع موصوف في الذمة.
وما ذكر تعليل لاشتراط كون المسلم فيه دينا.
(قوله: فأسلمت إلخ) مفرع على مفهوم اشتراط ما ذكر، أي فلو لم يكن المسلم فيه دينا - بأن كان معينا - فليس بسلم.
وقوله في هذا العين: هو المسلم فيه.
وقوله أو هذا: أي أو أسلمت إليك هذا الدينار مثلا في هذا - أي الثوب مثلا - كرر المثال إشارة إلى أن رأس
هذا العين، أو هذا في هذا: ليس سلما، لانتفاء الشرط، ولا بيعا، لاختلال لفظه - ولو قال إشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم، فقال بعتك.
كان بيعا، عند الشيخين، نظرا للفظ.
وقيل سلم - نظرا للمعنى - واختاره جمع محققون.
(و) كون المسلم فيه (مقدورا) على تسليمه (في محله) بكسر الحاء: أي وقت حلوله فلا يصح السلم في منقطع عند المحل: كالرطب في الشتاء، (و) كونه (معلوم قدر) بكيل في مكيل، أو وزن في موزون، أو ذرع في مذروع، أو عد في معدود.
وصح في نحو جوز ولوز، بوزن وموزون بكيل يعد فيه ضابطا،
ــ
المال لا يضر تعينه - كما علمت (قوله: ليس سلما) الجملة خبر فأسلمت إلخ الواقع مبتدأ لقصد لفظه.
(قوله: لانتفاء الشرط) هو الدينية، وهو علة لانتفاء كونه سلما.
(قوله: ولا بيعا لاختلال لفظه) أي وليس بيعا لاختلال، أي لفقد لفظه - أي البيع - إذ المعبر به لفظ السلم، لا البيع.
قال في التحفة: نعم، لو نوى بلفظ السلم البيع، فهل يكون كناية - كما اقتضته قاعدة: ما كان صريحا في بابه كان كناية في غيره - أو لا، لأن موضوعه ينافي التعيين، فلم يصح استعماله فيه؟ كل محتمل.
والثاني أقرب إلى كلامهم.
اه.
بتصرف.
(قوله: ولو قال اشتريت إلخ) هذه مسألة مستقلة، وليست مفرعة على ما قبلها.
(قوله: كان بيعا) أي كان هذا العقد بيعا - لا سلما - عند الشيخين.
قال في النهاية: وهو الأصح هنا - كما صححه في الروضة - (قوله: نظرا للفظ) أي اعتبارا باللفظ، أي وهو لفظ البيع والشراء.
(قوله: وقيل سلم نظرا للمعنى) أي وهو بيع شئ موصوف في الذمة، واللفظ لا يعارضه، لأن كل سلم بيع، كما أن كل صرف بيع، وإطلاق البيع على السلم إطلاق له على ما يتناوله.
قال في التحفة: فعلى الأول - أي أنه بيع - يجب تعيين رأس المال في المجلس إذا كان في الذمة، ليخرج عن بيع الدين بالدين، لا قبضه، ويثبت فيه خيار الشرط، ويجوز الاعتياض عنه.
وعلى الثاني - أي أنه سلم - ينعكس ذلك، ومحل الخلاف إذا لم يذكر بعده لفظ السلم، وإلا كان سلما اتفاقا اه.
بزيادة.
(قوله: واختاره) أي القول بأنه سلم، وهو ضعيف.
(قوله: وكون المسلم فيه الخ) معطوف على قبض رأس مال، أي وشرط كون المسلم فيه: مقدورا على تسليمه للمسلم عند المحل، وصرح بهذا الشرط - مع أنه من شروط البيع، وهو بصدد بيان الشروط الزائدة عليها - كما يدل له قوله سابقا مع الشروط المذكورة للبيع - لأن المقصود بيان وقت القدرة المشترطة، وهذا زائد على مفهوم القدرة على التسليم، وذلك الوقت هو حالة وجوب التسليم، وهو يختلف، ففي السلم الحال: عند العقد.
وفي المؤجل: بحلول الأجل.
(قوله: أي وقت حلوله) تفسير مراد للمحل - بالكسر - وهو مصدر بمعنى الزمان، وهذا إن كان السلم مؤجلا، وإلا فالعبرة فيه بوقت العقد - كما علمت - (قوله: فلا يصح السلم في منقطع إلخ) أي أو فيما يشق حصوله في المحل مشقة عظيمة، كقدر كثير من الباكورة.
(وقوله: كالرطب في الشتاء) أي كأن أسلم له في رطب يأتي به في الشتاء، وهذا باعتبار أكثر البلاد.
أما في بلد يوجد فيه الرطب في الشتاء كثيرا، فيصح، كما في الإيعاب.
(قوله: وكونه معلوم قدر إلخ) معطوف على قبض رأس مال أيضا، أي وشرط كون المسلم فيه معلوم قدر.
قال ع ش: أي للعاقدين، ولو إجمالا، كمعرفة الأعمى الأوصاف بالسماع، ولعدلين.
ولا بد من معرفتهما الصفات بالتعيين، لأن الغرض منهما الرجوع إليهما عند التنازع، ولا تحصل تلك الفائدة إلا بمعرفتهما تفصيلا - كذا قاله في القوت - وهو حسن
متعين.
اه.
(قوله: بكيل الخ) متعلق بمعلوم، أي ويحصل العلم بالقدر بالكيل في المكيل، أي فيما يكال عادة - كالحبوب ونحوها - وبالوزن، في الموزون - أي فيما يوزن عادة - كاللآلئ الصغار، والنقدين، والمسك، ونحو ذلك - وبالذرع: في المذروع - أي فيما يذرع عادة - كالثياب، والأرض - وبالعد: في المعدود، أي فيما يعد عادة - كالأحجار واللبن.
(قوله: وصح) أي السلم (قوله: في نحو جوز ولوز) أي مما جرمه كجرمهما - كفستق - وألحق به بعضهم البن المعروف الآن.
وانظر لم أفرد هذا بالذكر مع أنه إن كان من المكيل، والقصد التنبيه على أنه يصح بالوزن، فهو داخل في قوله الآتي ومكيل بوزن، وإن كان من الموزون فهو داخل تحت قوله المار أو وزن في موزون؟ ويمكن أن يقال - كما في البجيرمي - أنه أفرده بالذكر للرد على الإمام ومن تبعه، لأنه يمنع السلم في الجوز واللوز وزنا وكيلا، إن كان من نوع يكثر
ومكيل بوزن، ولا يجوز فيه بيضة ونحوها، لانه يحتاج إلى ذكر جرمها مع وزنها، فيورث عزة الوجود.
ويشترط أيضا بيان محل تسليم للمسلم فيه إن أسلم بمحل لا يصلح للتسليم، أو لحمله إليه مؤنة.
ولو ظفر المسلم بالمسلم إليه بعد المحل في غير محل التسليم ولنقله إلى محل الظفر مؤنة، لم يلزمه أداء، ولا يطالبه بقيمته.
ــ
اختلافه بغلظ قشوره ورقتها.
فافهمه.
(قوله: وموزون بكيل) أي وصح أيضا السلم في موزون بكيل.
(وقوله: يعد فيه ضابطا) أي يعد ذلك الكيل في الموزون ضابطا، وذلك كدقيق، وما صغر جرمه كجوز ولوز - كما مر - فإن لم يعد فيه الكيل ضابطا - كفتات مسك، وعنبر، وكبطيخ، وقثاء، وباذنجان، ورمان، ونحوها مما كبر جرمه، وكالبقول، وكالملوخية، والرجلة - تعين في جميع ذلك الوزن.
(قوله: ومكيل بوزن) أي وصح السلم في مكيل كالحبوب بالوزن، وذلك لأن المقصود معرفة القدر، وهي حاصلة بذلك.
وبه يفرق بين السلم، وبين الربا - حيث تعين في الموزون الوزن، وفي المكيل الكيل - وذلك لأن المقصود هناك المماثلة بما عهد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أضيق بابا من السلم.
(قوله: ولا يجوز) أي السلم.
(وقوله: في بيضة ونحوها) أي كبطيخة، وسفرجلة.
ويفهم من التعبير ببيضة ونحوها: أن السلم يصح في البيض الكثير، والبطيخ الكثير ونحوهما، وهو كذلك - كما في شرح الروض - وعبارته: أما لو أسلم في عدد من البطيخ مثلا - كمائة - بالوزن في الجميع، دون كل واحدة، فيجوز - اتفاقا - قاله السبكي وغيره.
اه.
وعبارة التحفة مثله، ونصها: ومن ثم امتنع في نحو بطيخة أو بيضة واحدة، لاحتياجه إلى ذكر جرمها مع وزنها، وذلك لعزة وجوده.
نعم، إن أراد الوزن التقريبي: اتجه صحته في الصورتين، لانتفاء عزة الوجود.
اه.
(قوله: لأنه) أي الحال والشأن (وقوله: يحتاج) أي في صحة السلم في نحو البيضة.
(وقوله: إلى ذكر جرمها مع وزنها) أي في صيغة السلم، كأن يقول أسلمت إليك في بطيخة جرمها كذا، ووزنها كذا.
(قوله: فيورث عزة الوجود) أي فيؤدي ذكر الجرم مع الوزن إلى ندرة الوجود، فلذلك لم يصح السلم.
(قوله: ويشترط) أي لصحة السلم.
(وقوله: أيضا) أي كما اشترط ما مر من قبض
رأس المال وما بعده.
(قوله: بيان محل تسليم) أي مطلقا، سواء كان السلم حالا أو مؤجلا.
وحاصل ما يتعلق بهذا الشرط أن الصور فيه ثمانية، وذلك لأن السلم إما حال أو مؤجل.
وعلى كل، إما أن يكون لنقله مؤنة أو لا، وعلى كل: إما أن يكون المحل صالحا للتسليم أو لا - فأربعة في الحال، وأربعة في المؤجل - يجب البيان في خمسة، منها ثلاثة في المؤجل، وهي ما إذا كان الموضع غير صالح للتسليم، سواء كان لنقله مؤنة أم لا، أو صالحا ولنقله مؤنة.
وثنتان في الحال: وهما ما إذا كان الموضع غير صالح للتسليم، سواء كان لنقله مؤنة أم لا.
ولا يجب البيان في ثلاثة: واحدة في المؤجل، وهي ما إذا كان الموضع صالحا ولا مؤنة للنقل.
وثنتان في الحال، وهما: إذا كان صالحا سواء كان لنقفه مؤنة أم لا.
فإذا بين تلك الصورة وجب العمل بالبيان، وإذا علمت ذلك تعلم ما في كلام الشارح من الإجمال، حيث أطلق ولم يفصل بين المسلم فيه المؤجل والحال، فيفيد أنه إذا صلح المكان للتسليم، وكان لحمله مؤنة: اشترط البيان مطلقا - سواء كان مؤجلا أو حالا - مع أنه إنما يشترط في الأول، دون الثاني.
(قوله: إن أسلم بمحل لا يصلح للتسليم) أي عقد في محل لا يصلح له، كأن عقد في وسط لجة أو في بادية، ولا فرق في اشتراط البيان فيما إذا أسلم في المحل المذكور بين أن يكون لنقل المسلم فيه مؤنة أم لا.
(وقوله: أو لحمله إليه مؤنة) أي أو صلح للتسليم، لكن كان لحمله من الموضع الذي يوجد فيه عادة إلى موضع التسليم مؤنة، ومحل اشتراط البيان في هذا: إذا كان المسلم فيه مؤجلا، أما إذا كان حالا فلا يشترط - كما علمت - (قوله: ولو ظفر المسلم) بكسر اللام (وقوله: بالمسلم إليه) بفتح اللام (وقوله: بعد المحل) بكسر الحاء.
(قوله: في غير محل التسليم) متعلق بظفر، ومحله هو المكان المعين بالشرط، أو بالعقد.
(قوله: ولنقله إلى محل الظفر) أي نقل المسلم فيه من محل التسليم إلى موضع الظفر مؤنة، أي ولو يتحملها المسلم عن المسلم إليه.
(قوله: لم يلزمه) أي المسلم إليه.
(وقوله: أداء) أي للمسلم فيه للمسلم (قوله: ولا يطالبه بقيمته) أي ولا يطالب المسلم المسلم إليه في غير محل التسليم بقيمته قال سم:
ويصح السلم حالا ومؤجلا بأجل معلوم، لا مجهول ومطلقه حال، ومطلق المسلم فيه جيد.
ــ
قال الزركشي: لكن له الدعوى عليه، وإلزامه بالسفر إلى محل التسليم، أو التوكيل، ولا يحبس.
اه.
(قوله: ويصح السلم حالا) أي بأن صرح بالحلول.
(وقوله: ومؤجلا) أي بأن صرح بالتأجيل بالنسبة للمسلم فيه، أما رأس المال، فلا يصح فيه الأجل، ويجب قبضه حقيقة في المجلس - كما تقدم - أما المؤجل: فبالنص، وأما الحال: فبالأولى - لبعده عن الغرر - (فإن قيل) الكتابة تصح بالمؤجل ولا تصح بالحال.
(أجيب) بأن الأجل إنما وجب فيها لعدم قدرة الرقيق على نحو
الكتابة، والحلول يقتضي وجوبها حالا.
(وقوله: بأجل معلوم) متعلق بمؤجل، أي مؤجل بأجل معلوم للعاقدين، أو للعدلين، كإلى شهر رمضان.
(قوله: لا مجهولا) أي لا مؤجل بأجل مجهول، فلا يصح.
فلو قال أسلمت إليك بهذا إلى قدوم زيد: لم يصح، للجهل بوقت الحلول.
(قوله: ومطلقه إلخ) أي أن مطلق السلم، أي الذي لم يصرح فيه بحلول أو أجل.
(وقوله: حال) أي ينعقد حالا، كما أنه إذا أطلق البيع، ينعقد حالا.
قال سم: وإن ألحقا به أجلا في المجلس: لحق، أو ذكرا أجلا ثم أسقطاه في المجلس: سقط.
اه.
(قوله: ومطلق المسلم فيه جيد) أي أن المسلم فيه إذا لم يقيد بجودة ولا رداءة: ينصرف للجيد - للعرف، ولكن ينزل على أقل درجات الجيد لا على أعلاها.
(قوله: وحرم ربا)(1) هو بالقصر لغة الزيادة، قال الله تعالى: * (اهتزت وربت) * (2) أي زادت ونمت.
وشرعا: عقد واقع على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع، أو واقع مع تأخير في البدلين، أو أحدهما.
(واعلم) أن غالب ما ذكره هنا هو عين ما مر في قوله وشرط في بيع ربوي إلخ، فكان الأولى أن يستوفي الكلام هناك على ما يتعلق ببيع الربوي، أو لا يذكر هناك شيئا أصلا ويستغني بما ذكره هنا عما ذكره هناك - كما صنع في المنهج -.
وقد ورد في تحريم الربا شئ كثير من الآيات والأحاديث والآثار، منها ما تقدم، ومنها قوله تعالى: * (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) * قال بعضهم في تفسير هذه الآية: إن آكل الربا أسوأ حالا من جميع مرتكبي الفواحش، فإن كل مكتسب له توكل ما في كسبه، قليلا كان أو كثيرا - كالتاجر والزارع - إذ لم يعينوا أرزاقهم بعقولهم، ولم تتعين لهم قبل الاكتساب، فهم على غير معلوم في الحقيقة، كما قال صلى الله عليه وسلم: أبى الله أن يرزق المؤمن إلا من حيث لا يعلم، وأما آكل الربا فقد عين على آخذه مكسبه ورزقه، فهو محجوب عن ربه بنفسه، وعن رزقه بتعيينه، لا توكل له أصلا، فوكله الحق سبحانه وتعالى إلى نفسه وعقله، وأخرجه من حفظه، فاختطفته الجن، وخبلته، فيقوم يوم القيامة كالمصروع الذي مسه الشيطان، فتخطفه الزبانية، وتلقيه في النيران - فيجب على كل مؤمن أن يتباعد مما يغضب الجبار، ويتوب ويرجع إلى العزيز الغفار، فعساه يغفر له خطاياه - كما قال تعالى: * (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * (3).
والمال الحاصل من الربا: لا بركة له، لأنه إنما حصل من مخالفة الحق، فتكون عاقبته وخيمة، وصاحبه يرتكب سائر المعاصي - إذ كل طعام يوصل آكله إلى دواع وأفعال من جنسه - فإن كان حراما: يدعوه إلى أفعال محرمة، وإن كان مكروها: يؤديه إلى أفعال مكروهة، وإن كان طيبا: يوصله إلى الطيبات فآكل الربا عليه إثم الربا، والأفعال التي حصلت
بسببه، فتزداد عقوبته وإثمه أبدا، ويتلف الله ماله في الدنيا، فلا ينتفع به أعقابه وأولاده، فيكون ممن خسر الدنيا
(1) والاصل في تحريم الربا قوله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا)(البقرة، الاية: 275) وقوله تعالى: (ويمحق الله الربا ويربي الصدقات)(البقرة 276).
وقول الله عزوجل: (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين)(البقرة: 278 - 279).
وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء " رواه البخاري.
(2)
سورة الحج، الاية: 5، وفصلت، الاية:39.
(3)
سورة البقرة، الاية:275.
(وحرم ربا) مر بيانه قربيا، وهو أنواع: ربا فضل، بأن يزيد أحد العوضين، ومنه ربا القرض: بأن يشترط فيه ما فيه نفع للمقرض، وربا يد: بأن يفارق أحدهما مجلس العقد قبل التقابض، وربا نساء: بأن يشترط أجل في أحد العوضين، وكلها مجمع عليها، ثم العوضان أن اتفقا جنسا: اشترط ثلاثة شروط، تقدمت، أو علة: وهي الطعم والنقدية، اشترط شرطان، تقدما.
قال شيخنا ابن زياد: لا يندفع إثم إعطاء الربا عند الاقتراض للضرورة، بحيث أنه إن لم يعط الربا لا يحصل له القرض.
إذ له طريق إلى إعطاء الزائد بطريق النذر أو
التمليك، لاسيما إذا قلنا النذر لا يحتاج إلى قبول لفظا على المعتمد.
وقال شيخنا: يندفع الاثم للضرورة.
ــ
والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
ولو لم يكن في الربا إلا مخالفة الذي خلقه فسواه وأظهر له سبيل النجاة لكفى به نقصانا.
وأي نقصان أفحش من ذلك؟.
(قوله: مر بيانه قريبا) أي مر بيان معنى الربا قريبا.
وفيه أنه لم يبين معنى الربا فيما مر لا لغة ولا شرعا، إلا أن يقال إنه يفهم منه بيان ذلك شرعا، وإن لم يعبر عنه هناك بعنوان الربا، وذلك لأنه ذكر شروط بيع الربوي.
وحكم ما إذا اختل شرط منها، والمختل شرط منها هو الربا - كما يعلم من تعريفه المار آنفا - (قوله: وهو أنواع) أي الربا من حيث هو أقسام ثلاثة، بدخول ربا القرض في ربا الفضل، وإلا فهي أربعة.
(قوله: ربا فضل) بدل من أنواع بدل بعض من كل.
(قوله: بأن يزيد إلخ) تصوير لربا الفضل، ولا فرق في الزيادة بين أن تكون متيقنة، أو محتملة.
(وقوله: أحد العوضين) أي المتحدين جنسا.
(قوله: ومنه ربا القرض) أي ومن ربا الفضل: ربا القرض، وهو كل قرض جر نفعا للمقرض، غير نحو رهن.
لكن لا يحرم عندنا إلا إذا شرط في عقده، كما يؤخذ من تصويره الآتي، ولا يختص بالربويات، بل يجري في غيرها، كالحيوانات والعروض -.
وإنما كان ربا القرض من ربا الفضل، مع أنه ليس من الباب لأنه لما شرط فيه نفعا للمقرض، كان بمنزلة أنه باع ما أقرضه بما يزيد عليه من جنسه، فهو منه حكما.
وقيل إنه قسم مستقل.
(وقوله: بأن يشترط) تصوير لربا القرض.
(وقوله: فيه) أي في القرض، أي عقده.
(قوله: ما فيه نفع للمقرض) ومنه ما لو أقرضه بمصر وأذن له في دفعه لوكيله بمكة مثلا.
(قوله: وربا يد) إنما نسب إليها لعدم القبض بها حالا.
اه.
بجيرمي.
(وقوله: بأن يفارق إلخ) تصوير له.
(وقوله: أحدهما) أي المتعاقدين.
(وقوله: قبل التقابض) أي قبل قبض العوضين أو
أحدهما.
(قوله: وربا نساء) بفتح النون مع المد، وهو الأجل.
(وقوله: بأن يشترط) تصوير له.
(وقوله: أجل) أي ولو لحظة.
(وقوله: في أحد العوضين) سواء اتفقا جنسا، أو لا.
(قوله: وكلها) أي هذه الأنواع (وقوله: مجمع عليها) أي على بطلانها.
وذكر الشارح فيما تقدم أن الربا من الكبائر.
والذي في التحفة أنه من أكبر الكبائر.
وقال البجيرمي: الذي يظهر أن ما ذكر في بعض أنواعه، وهو ربا الزيادة، وأما الربا من أجل التأخير أو الأجل من غير زيادة في أحد العوضين، فالظاهر أنه صغيرة، لأن غاية ما فيه أنه عقد فاسد، وقد صرحوا بأن العقود الفاسدة من قبيل الصغائر.
اه.
(قوله: ثم العوضان إن اتفقا جنسا) أي كذهب بذهب، وفضة بفضة.
(قوله: ثلاثة شروط تقدمت) أي وهي: الحلول، والتقابض، والتماثل (قوله: أو علة) معطوف على جنسا أي أو اختلفا جنسا لكن اتفقا علة، كذهب بفضة، وبر بشعير.
(قوله: وهي) أي العلة.
(وقوله: الطعم) بضم الطاء أي المطعوم.
(قوله: وقوله، والنقدية) الواو بمعنى أو.
(قوله: شرطان تقدما) أي وهما: الحلول، والتقابض.
(قوله: لا يندفع إثم إعطاء الربا) أي من المعطي الذي هو المقترض.
(قوله: عند الاقتراض) متعلق بيندفع، وليس متعلقا بإعطاء، لأن الإعطاء لا يكون إلا عند دفع ما اقترضه من الدراهم مثلا.
(وقوله: للضرورة) متعلق باقتراض، أو بإعطاء.
والثاني هو ظاهر التصوير بعده.
(قوله: بحيث إلخ) تصوير لإعطاء ذلك، لأجل الضرورة.
(وقوله: أنه) أي المقترض.
(وقوله: لا يحصل له القرض) أي لا يقرضه صاحب المال.
(قوله: إذ له إلخ) تعليل لعدم اندفاع إثم الإعطاء عند ذلك، أي لا يندفع ذلك، لأن له طريقا في إيصال الزائد للمقرض بنذر، أو هبة، أو نحوهما.
(وقوله: أو التمليك) أي بهبة، أو هدية، أو صدقة.
(قوله: لا سيما) أي خصوصا (قوله: لا يحتاج إلى قبول)
(فائدة): وطريق الخلاص من عقد الربا لمن يبيع ذهبا بذهب، أو فضة بفضة، أو برا ببر، أو أرزا بأرز متفاضلا، بأن يهب كل من البائعين حقه للآخر، أو يقرض كل صاحبه ثم يبرئه ويتخلص منه بالقرض في بيع الفضة بالذهب أو الارز بالبر بلا قبض قبل تفرق، (و) حرم (تفريق بين أمة) وإن رضيت، أو كانت كافرة، (وفرع
ــ
أي من المنذور له.
(قوله: وقال شيخنا) لعله في غير التحفة وفتح الجواد.
(قوله: يندفع الإثم) أي إثم إعطاء الزيادة.
(وقوله: للضرورة) أي لأجل ضرورة الاقتراض (قوله: وطريق الخلاص من عقد.
إلخ) أي الحيلة في التخلص من عقد الربا في بيع الربوي بجنسه مع التفاضل ما ذكره.
وهي مكروهة بسائر أنواعه - خلافا لمن حصر الكراهة في التخلص من ربا الفضل - ومحرمة عند الأئمة الثلاثة.
وقال سيدنا الحبيب عبد الله بن الحداد: إياكم وما يتعاطاه بعض الجهال الأغبياء المغرورين الحمقاء من استحلالهم الربا في زعمهم بحيل أو مخادعات ومناذرات يتعاطونها بينهم، ويتوهمون أنهم يسلمون بها من إثم الربا، ويتخلصون بسببها من عاره في الدنيا، وناره في العقبى، وهيهات هيهات، إن الحيلة في الربا من الربا، وإن النذر شئ
يتبرر به العبد، ويتبرع ويتقرب به إلى ربه، لا يصح النذر إلا كذلك، وقرائن أحوال هؤلاء تدل على خلاف ذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام: لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله.
وبتقدير أن هذه المناذرات - على قول بعض علماء الظاهر - تؤثر شيئا، فهو بالنسبة إلى أحكام الدنيا وظواهرها لا غير.
فأما بالنسبة إلى أحكام الباطن، وأمور الآخرة فلا.
وأنشد رضي الله عنه: ليس دين الله بالحيل فانتبه يا راقد المقل (قوله: لمن يبيع إلخ) متعلق بالخلاص.
(قوله: متفاضلا) حال من مفعول يبيع، أي يبيع ما ذكر من متحدي الجنس حال كونه متفاضلا، أي زائدا أحد العوضين على الآخر.
(قوله: بأن يهب إلخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وهو طريق: أي طريق ذلك حاصل بأن يهب إلخ، ولو أسقط الباء الجارة لكان أولى.
(وقوله: حقه) أي كله.
ومثله ما لو وهب الفاضل فقط لصاحبه.
(قوله: أو يقرض كل) أي من البائعين حقه.
(قوله: ثم يبرئه) أي يبرئ كل صاحبه ما اقترضه.
(قوله: ويتخلص منه) أي من عقد الربا.
أي إذا أريد بيع الربوي بغير جنسه من غير تقابض، فليتخلص من الربا الحاصل بعدم التقابض بالقرض بأن يقرض أحد المتعاقدين الآخر عشر ريالات مثلا، ثم بعد التفرق يدفع له الآخذ مثلا عما في ذمته بدلها ذهبا.
(وقوله: بلا قبض) أي تقابض في المجلس للعوضين أو أحدهما، وهو متعلق ببيع.
(وقوله: قبل تفرق) متعلق بقبض.
(تنبيه) قال في المغني: بيع النقد بالنقد من جنسه وغيره يسمى صرفا، ويصح على معينين بالإجماع - كبعتك، أو صارفتك هذه الدنانير بهذه الدراهم - وعلى موصوفين على المشهور، كقوله بعتك، أو صارفتك دينارا صفته كذا في ذمتي بعشرين درهما من الضرب الفلاني في ذمتك.
ولو أطلق فقال صارفتك على دينار بعشرين درهما، وكان هناك نقد واحد لا يختلف، أو نقود مختلفة، إلا أن أحدها أغلب: صح، ونزل الإطلاق عليه، ثم يعينان ويتقابضان قبل التفرق.
ويصح أيضا على معين بموصوف: كبعتك هذا الدينار بعشرة دراهم في ذمتك، ولا يصح على دينين: كبعتك الدينار الذي في ذمتك بالعشرة التي لك في ذمتي، لأن ذلك بيع دين بدين.
اه.
(قوله: وحرم تفريق إلخ) شروع فيما نهى الشارع عنه من البيوع، وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة.
(قوله: بين أمة) خرجت الحرة، فلا يحرم التفريق بينها وبين فرعها، والحديث الآتي عام مخصوص بالأمة، خلافا للغزالي في طرده ذلك حتى في الحرة - كما سيذكره - (قوله: وإن رضيت) أي الأمة بالتفريق، فإنه يحرم التفريق.
قال في شرح الروض:
لحق الولد.
اه.
(وقوله: أو كانت كافرة) أي أو مجنونة أو آبقة - على الأوجه - نعم، إن أيس من عودها، أو إفاقتها:
لم يميز) ولو من زنا المملوكين لواحد (بنحو بيع) كهبة وقسمة وهدية لغير من يعتق عليه، لخبر: من فرق بين الوالدة وولدها: فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة وبطل العقد (فيهما) أي الربا والتفريق بين الامة والولد، وألحق الغزالي في فتاويه وأقره غيره، التفريق بالسفر بالتفريق بنحو البيع وطرده في التفريق بين الزوجة وولدها، وإن كانت حرة، بخلاف المطلقة والاب وإن علا، والجدة وإن علت ولو من الاب، كالام إذا عدمت.
أما بعد
ــ
احتمل حل التفريق حينئذ اه.
تحفة.
(قوله: وفرع لم يميز) دخل الصبي والمجنون والبالغ.
وفي البجيرمي: قال الناشري: هذا إذا كانت مدة الجنون تمتد زمنا طويلا، أما اليسيرة: فالظاهر أنه كالمفيق.
اه.
(قوله: ولو من زنا) أي ولو كان الفرع من زنا، فإنه يحرم التفريق بينه وبين أمه.
(قوله: المملوكين) بدل من أمة وفرع.
وإبدال المعرفة من النكرة جائز - كالعكس - فالأول: كقوله تعالى: * (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله) * (1) إلخ.
والثاني كقوله تعالى: * (لنسفعا بالناصية، ناصية كاذبة) * (2)(وقوله: لواحد) خرج به ما إذا تعدد المالك، كأنه كان مالك أحدهما غير مالك الآخر، كأن أوصى لأحدهما بالأم وللآخر بالفرع، فلا يحرم التفريق حينئذ، فيجوز لكل أن يتصرف في ملكه.
(قوله: بنحو بيع) متعلق بتفريق.
(قوله: كهبة إلخ) تمثيل لنحو البيع.
(قوله: وقسمة) أي قسمة رد أو تعديل.
وصورة الأولى: أن تكون قيمة الأم أكثر من قيمة الولد، فيحتاج إلى رد مال أجنبي مع أحدهما.
والثانية: أن يكون لها ولدان، وكانت قيمتهما تساوي قيمتها.
وزاد ع ش قسمة الإفراز، وصورتها: أن تكون قيمة ولدها تساوي قيمتها.
وضعفه الرشيدي، ونص عبارته: ومعلوم أن القسمة لا تكون إلا بيعا، وبه يعلم ما في حاشية الشيخ، ويكون قوله ولو إفرازا: ضعيفا.
اه.
وإنما كان تصوير الثلاث بما ذكر، لأن المقسوم - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - إن تساوت الأنصباء فيه صورة وقيمة، فالثالث.
وإلا فإن لم يحتج إلى رد شئ آخر، فالثاني، وإلا فالأول.
(قوله: لغير من يعتق عليه) راجع لجميع ما قبله من البيع وما بعده، فلا يحرم التفريق بما ذكره لمن يعتق عليه، لأن من عتق ملك نفسه، فله ملازمة الآخر.
شرح الروض.
(قوله: لخبر إلخ) دليل لحرمة التفريق بين من ذكر، وورد أيضا: ملعون من فرق بين والد وولده رواه أبو داود.
وهو من الكبائر لورود الوعيد الشديد فيه.
وأما العقد، فهو من الصغائر عند م ر.
وعند ابن حجر هو من الكبائر أفاده البجيرمي.
(قوله: فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة).
(إن قلت) التفريق بينه وبين أحبته إن كان في الجنة فهو تعذيب، والجنة لا تعذيب فيها.
وإن كان في الموقف، فكل مشغول بنفسه، فلا يضره التفريق.
(أجيب) باختيار الثاني، لأن الناس ليسوا مشغولين في جميع أزمنة الموقف، بل فيها أحوال يجتمع بعضهم ببعض، فالتفريق في تلك الأحوال تعذيب، أو أنه محمول على الزجر.
ويمكن اختيار الأول وينسيه الله تعالى أحبته - فلا
تعذيب.
ع ش، وح ف.
بجيرمي (قوله: وبطل العقدة فيهما) أما في التفريق: فللعجز عن التسليم شرعا بالمنع من التفريق، ومثله في الربا، فهو ممنوع من إعطاء الزيادة، أو تأخير أحد العوضين عن المجلس.
(قوله: وألحق الغزالي إلخ) أي في الحرمة، وعبارة التحفة: ويحرم التفريق أيضا بالسفر وبين زوجة حرة وولدها الغير المميز - لا مطلقة - لإمكان صحبتها له، كذا أطلقه الغزالي وأقروه.
اه.
وكتب سم: قوله ويحرم التفريق أيضا بالسفر: أي مع الرق، والمراد: سفر يحصل معه تضرر، وإلا كنحو فرسخ لحاجة، فينبغي أن لا يمتنع، ثم ما ذكره من حرمة التفريق بالسفر مع الرق على ما تقرر: مسلم.
وأما قوله بين زوجة حرة وولدها - أي بالسفر أيضا - فهو ممنوع.
اه.
(قوله: وطرده) أي التحريم: أي جعله مطردا وشاملا للتفريق بين الزوجة وولدها، وإن كانت الزوجة حرة.
ولم يرتض في النهاية ذلك في الحرة، وعبارتها: وطرده ذلك في الزوجة الحرة، بخلاف الأمة، ليس بظاهر، انتهت.
وقله: بخلاف الأمة: أي فطرده ذلك فيها ظاهر.
ع ش وهو مؤيد لما مر عن سم.
(قوله: بخلاف المطلقة) أي الزوجة المطلقة، فإنه لا يحرم التفريق
(1) سورة الشورى، الاية: 52، 53.
(2)
سورة العلق، الاية:15.
التمييز فلا يحرم، لاستغناء المميز عن الحضانة: كالتفريق بوصية وعتق ورهن ويجوز تفريق ولد البهيمة إن استغنى عن أمه بلبن أو غيره، لكن يكره في الرضيع: كتفريق الآدمي المميز قبل البلوغ عن الام، فإن لم يستغن عن اللبن، حرم وبطل، إلا إن كان لغرض الذبح، لكن بحث السبكي حرمة ذبح أمه مع بقائه.
(و) حرم أيضا: (بيع نحو عنب ممن) علم أو (ظن أنه يتخذه مسكرا) للشرب والامرد ممن عرف بالفجور به، والديك للمهارشة،
ــ
بينها وبين ولدها بالسفر، لما مر آنفا عن ابن حجر.
(قوله: والأب) هو وما بعده مبتدأ، خبره كالأم، أي فيحرم التفريق بين الأب وفرعه، وبين الجدة وفرعها - كما يحرم بينه وبين الأم - (قوله: ولو من الأب) الغاية للرد كما يعلم من عبارة المغني، ونصها: وفي الجدات والأجداد للأب عند فقد الأبوين وأم الأم ثلاثة أوجه، حكاها الشيخان في باب السير من غير ترجيح، ثالثها جواز التفريق في الأجداد دون الجدات لأنهن أصلح للتربية.
اه.
(قوله: إذا عدمت) أي الأم، فإن لم تعدم ووجد أبوه معها أو جدته: حرم التفريق بينه وبين الأم، وحل بينه وبين الأب والجدة.
وإذا كان له أب وجد: جاز بيعه مع جده، لاندفاع ضرره ببقائه مع كل منهما.
(قوله: أما بعد التمييز إلخ) محترز قوله لم يميز ومعنى التمييز - كما في التحفة - أن يصير يأكل وحده، ويستنجي وحده.
ولا يقدر بسن.
(وقوله: فلا يحرم) أي التفريق.
قال في المغني: وخبر: لا يفرق بين الأم وولدها.
قيل: إلى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام، وتحيض الجارية ضعيف.
اه.
(قوله: لاستغناء المميز عن الحضانة) علة لعدم التحريم.
(قوله: كالتفريق بوصية وعتق) أي كعدم حرمة التفريق بوصية وعتق، ورهن، وذلك لأن الوصية قد لا تقتضي التفريق بوضعها، فلعل الموت يكون بعد زمان التمييز، ولأن المعتق محسن فلا يمنع من إحسانه، ولأن الرهن لا تفريق فيه لبقاء الملك.
وعبارة المنهاج - في باب الرهن، مع شرح الرملي - ويصح رهن
الأم دون ولدها، وعكسه، لبقاء الملك فيهما، فلا تفريق.
اه.
(قوله: ويجوز تفريق ولد البهيمة) أي بذبح له أو لأمه، وبنحو بيع كذلك.
(وقوله: إن استغنى عن أمه) قيد في جواز التفريق، لكن النسبة لما إذا كان بنحو البيع له أو لها أو بالذبح لها، أما إذا كان بالذبح له فلا يحتاج إلى هذا التقييد، لأنه يجوز ذبحه مطلقا، استغنى أولا - كما صرح به في الروض وشرحه - (وقوله: بلبن) أي لغير أمه.
(وقوله: أو غيره) أي غير اللبن، كعلف.
(قوله: لكن يكره) أي التفريق في هذه الحالة، ومحل الكراهة ما لم يكن لغرض الذبح له، وإلا فلا كراهة - كما نص عليه في شرح الروض - وعبارته: لكن مع الكراهة ما دام رضيعا، إلا لغرض صحيح كالذبح.
اه.
(قوله: كفريق الآدمي المميز) أي ككراهة ذلك.
(وقوله: قبل البلوغ) في النهاية: ويكره التفريق بعد التمييز وبعد البلوغ أيضا، لما فيه من التشويش، والعقد صحيح.
اه.
(قوله: فإن لم يستغن إلخ) مقابل إن استغنى عن أمه.
(وقوله: عن اللبن) المناسب أن يقول عنها بلبن أو غيره، ويكون الضمير عائدا على الأم المتقدم ذكرها.
(قوله: حرم) أي التفريق مطلقا، ببيع أو غيره، حتى يصح الاستثناء بعده.
(وقوله: وبطل) أي التصرف فيه بنحو البيع، فالفاعل يعود على معلوم.
وعبارة شرح الروض: فإن لم يستغن: حرم البيع، وبطل، إلا لغرض الذبح.
اه.
فلو صنع مثل صنيعه في إظهار فاعل حرم لكان أولى.
(قوله: إلا أن كان لغرض الذبح) استثناء من الحرمة والبطلان، أي يحرم ما ذكر من التفريق، ويبطل التصرف إلا إن كان ذلك لغرض الذبح له أو لأمه، فلا حرمة، ولا بطلان.
(قوله: لكن بحث السبكي إلخ) استدراك من الاستثناء.
(وقوله: حرمة ذبح أمه مع بقائه) أي الولد.
وفرض المسألة في حالة عدم الاستغناء، أما في حالة الاستغناء، فلا حرمة بالاتفاق (قوله: وحرم أيضا) أي كما حرم الربا، والتفريق بين الأمة وولدها.
(قوله: بيع نحو عنب) أي كرطب.
وقوله: ممن علم إلخ.
من: بمعنى على، (1) متعلقة ببيع.
ومن: واقعة على المشتري، وفاعل علم وظن يعود على البائع، فالصلة جرت على غير من هي له - أي حرم بيع ما ذكر على من علم البائع أو ظن أنه يتخذه مسكر -.
قال سم: ولو كافرا، لحرمة ذلك عليه، وإن كنا لا نتعرض له بشرطه.
وهل يحرم نحو الزبيب لحنفي يتخذه مسكرا - كما هو قضية إطلاق العبارة - أولا، لأنه يعتقد حل النبيذ بشرطه؟ فيه نظر، ويتجه الأول، نظرا لاعتقاد البائع.
اه.
وإنما حرم ما ذكر لأنه سبب لمعصية محققة أو مظنونة.
(1) قوله بمعنى على: لعل الاولى بمعنى اللام فتأمل.
اه.
مصححه.
والكبش، للمناطحة، والحرير لرجل يلبسه، وكذا بيع نحو المسك لكافر يشتري لتطييب الصنم، والحيوان لكافر علم أنه يأكله بلا ذبح، لان الاصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كالمسلمين عندنا، خلافا لابي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - فلا يجوز الاعانة عليهما، ونحو ذلك من كل تصرف يفضي إلى معصية يقينا أو ظنا، ومع ذلك يصح البيع.
ويكره بيع ما ذكر ممن توهم منه ذلك، وبيع السلاح لنحو بغاة وقطاع طريق، ومعاملة من بيده
ــ
(وقوله: للشرب) قيد لبيان الواقع، ولو أسقطه ما ضره.
(قوله: والأمرد) معطوف هو وما بعده على نحو عنب، أي ويحرم
بيع الأمرد على من عرف بالفجور به يقينا أو ظنا.
فالمراد بالمعرفة ما يشمل الظن.
وعبارة شيخ الإسلام: ومحل تحريم بيعه ذلك ممن ذكر: إذا تحقق أو ظن أنه يفعل ذلك، فإن توهمه كره.
اه.
(قوله: والديك إلخ) أي وحرم بيع الديك للمهارشة، أي المحارشة، وتسلط بعضها على بعض.
قال في القاموس: التهريش: التحريش بين الكلاب، والإفساد بين الناس.
والمحارشة: تحريش بعضها على بعض.
اه.
(قوله: والكبش للمناطحة) أي وحرم بيع الكبش لأجل المناطحة.
قال في القاموس: نطحه، كمنعه، وضربه: أصابه بقرنه.
وانتطحت الكباش: تناطحت.
والنطيحة التي ماتت منه.
اه.
(قوله: والحرير إلخ) أي وحرم بيع الحرير على رجل، لأجل أن يلبسه.
قال في النهاية: بلا نحو ضرورة.
اه.
ومفهومه أنه إذا كان لنحو ضرورة - ككثرة قمل، أو فجأة حرب - جاز بيعه عليه.
(قوله: وكذا بيع نحو المسك إلخ) أي وكذا يحرم بيع نحو مسك من كل طيب يتطيب به على كافر يشتريه لأجل تطييب الصنم.
(قوله: والحيوان لكافر إلخ) أي وكذا يحرم بيع الحيوان على كافر علم البائع أنه يأكله بلا ذبح شرعي.
(قوله: لأن الأصح إلخ) تعليل لما بعد، وكذا قوله كالمسلمين: أي كما أن المسلمين مخاطبون بها.
(وقوله: عندنا) متعلق بمخاطبون، أي مخاطبون بذلك عندنا معاشر الشافعية (قوله: خلافا لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه) أي فإنه يقول لا يخاطبون بذلك، وهذا محترز التقييد بعندنا.
(قوله: فلا يجوز) هذا من جملة التعليل، وهو محطه: أي وإذا كان الكفار مخاطبين بذلك فيحرم عليهم ما ذكر - من تطييب الصنم، وأكل الحيوان من غير ذبح - ولا يجوز لنا إعانتهم على ذلك ببيع ما ذكر عليهم.
(وقوله: عليهما) أي على تطييب الصنم، وعلى أكل الحيوان بلا ذبح (قوله: ونحو ذلك) بالرفع معطوف على بيع نحو المسك إلخ، أي وكذا يحرم نحو ذلك.
(وقوله: من كل تصرف يفضي إلى معصية) بيان لنحو، وذلك كبيع الدابة لمن يكلفها فوق طاقتها، والأمة على من يتخذها لغناء محرم، والخشب على من يتخذه آلة لهو، وكإطعام مسلم مكلف كافرا مكلفا في نهار رمضان، وكذا بيعه طعاما علم أو ظن أنه يأكله نهارا.
(قوله: ومع ذلك إلخ) راجع لجميع ما قبله، أي ومع تحريم ما ذكر من بيع نحو العنب، وما ذكر بعد يصح البيع.
قال في التحفة: (فإن قلت) هو هنا عاجز عن التسليم شرعا، فلم صح البيع؟.
(قلت) ممنوع، لأن العجز عنه ليس لوصف لازم في المبيع، بل في البائع خارج عما يتعلق بالمبيع وشروطه.
اه.
(قوله: ويكره بيع ما ذكر) أي من العنب، والأمرد، والديك، وغير ذلك.
(وقوله: ممن توهم منه ذلك) أي الاتخاذ خمرا، أو الفجور، وغير ذلك.
وهذا محترز قوله المار: ممن علم أو ظن إلخ (قوله: وبيع السلاح إلخ) معطوف على فاعل يكره، أي ويكره بيع السلاح، وهو كل نافع في الحرب - ولو درعا - على نحو بغاة.
قال في شرح الروض: ما لم يتحقق عصيان المشتري للسلاح به، وإلا حرم، وصح البيع.
اه.
بالمعنى.
(قوله: وقطاع طريق) لو قال كقطاع طريق، لكان أولى، لأنه مما اندرج تحت نحو.
ومحل الكراهة أيضا في البيع عليهم، ما لم يغلب على الظن أنهم يتخذونها لقطع الطريق، وإلا حرم، وصح البيع (قوله: ومعاملة إلخ) أي وكره معاملة من في يده، أي في ملكه حلال
حلال وحرام - وإن غلب الحرام الحلال.
نعم: إن علم تحريم ما عقد به: حرم، وبطل.
(و) حرم (احتكار
قوت) كتمر، وزبيب، وكل مجزئ في الفطرة - وهو إمساك ما اشتراه في وقت الغلاء - لا الرخص - ليبيعه بأكثر عند اشتداد حاجة أهل محله أو غيرهم إليه، وإن لم يشتره بقصد ذلك.
لا ليمسكه لنفسه أو عياله أو ليبيعه بثمن مثله، ولا إمساك غلة أرضه، وألحق الغزالي بالقوت: كل ما يعين عليه، كاللحم، وصرح القاضي بالكراهة في الثوب.
(وسوم علي سوم) أي سوم غيره (بعد تقرر ثمن) بالتراضي به، وإن فحش نقص الثمن عن القيمة،
ــ
وحرام.
وهذه المسألة تقدمت غير مرة.
(وقوله: وإن غلب الخ) غاية للكراهة.
(قوله: نعم، إن الخ) استدراك على كراهة ما ذكر.
(وقوله: على تحريم ما عقد به) أي علم أن ما عقد عليه عينه حرام.
(قوله: حرم) الأولى فيه وفي الفعل الذي بعده: التأنيث، إذ الفاعل يعود على المعاملة، وهي مؤنثة.
(وقوله: وبطل) أي المعاملة.
وقد علمت ما فيه.
(قوله: وحرم احتكار قوت) في الزواجر: أنه من الكبائر - لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحتكر إلا خاطئ قال أهل اللغة: الخاطئ: العاصي الآثم.
وقوله عليه السلام: من احتكر طعاما أربعين يوما فقد برئ من الله، وبرئ الله منه، وقوله عليه السلام: الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون، وقوله عليه السلام: من احتكر على المسملين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس.
اه.
(قوله: كتمر إلخ) تمثيل للقوت.
(وقوله: وكل مجزئ في الفطرة) أي مما يقتات باعتبار عادة البلد كأقط وقمح وأرز.
قال في فتح الجواد: وكذا قوت البهائم.
اه.
(قوله: وهو) أي الاحتكار.
(وقوله: إمساك ما اشتراه) خرج به ما إذا لم يمسكه، أو أمسك الذي لم يشتره - بأن أمسك غلة ضيعته ليبيعها بأكثر، أو أمسك الذي اشتراه من طعام غير القوت فلا حرمة في ذلك.
(وقوله: في وقت الغلاء) متعلق بإمساك.
قال في التحفة: والعبرة فيه بالعرف.
اه.
(وقوله: لا الرخص) أي لا إن اشتراه في وقت الرخص فلا يحرم.
وفي سم ما نصه: تنبيه: لو اشتراه في وقت الغلاء ليبيعه ببلد آخر سعرها أغلى: ينبغي ألا يكون من الاحتكار المحرم، لأن سعر البلد الآخر الأغلى غلوه متحقق في الحال، فلم يمسكه ليحصل الغلو، لوجوده في الحال.
والتأخير إنما هو من ضرورة النقل إليه، فهو بمنزلة ما لو باعه عقب شرائه بأغلى.
اه.
(قوله: ليبيعه بأكثر) أي أمسكه ليبيعه بأكثر، فهو علة للإمساك، لا لاشتراه، لئلا ينافي الغاية بعده.
وخرج به، ما إذا أمسكه لا ليبيعه بأكثر بل ليأكله أو ليبيعه لا بأكثر، فلا حرمة في ذلك.
(قوله: عند اشتداد إلخ) متعلق بإمساك أو بيبيعه.
وخرج به: ما إذا لم تشتد الحاجة إليه، فلا حرمة.
(وقوله أو غيرهم) أي غير أهل محله.
(قوله: وإن لم يشتره بقصد ذلك) أي بقصد البيع بأكثر، وهو غاية لكون ضابط الاحتكار ما ذكر، يعني أن الاحتكار هو الإمساك للذكور، وإن لم يكن وقت الشراء قاصدا ذلك.
(قوله: لا ليمسكه لنفسه أو عياله) محترز ليبيعه.
(وقوله: أو ليبيعه بثمن مثله) محترز قوله بأكثر.
(وقوله: ولا إمساك غلة أرضه) محترز قوله ما اشتراه.
(تنبيه) قال في المغني: يحرم التسعير - ولو في وقت الغلاء - بأن يأمر الوالي السوقة أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بكذا، للتضييق على الناس في أموالهم.
وقضية كلامهم أن ذلك لا يختص بالأطعمة، وهو كذلك.
فلو سعر الإمام عزر مخالفه، بأن باع بأزيد مما سعر، لما فيه من مجاهرة الإمام بالمخالفة، وصح البيع.
اه.
(قوله: كل ما يعين عليه) أي على القوت: أي مما يتأدم به، أو يسد مسد القوت في بعض الأحيان.
والأول كاللحم، والثاني كالفواكه.
(قوله: وصرح القاضي بالكراهة) أي كراهة الاحتكار.
(وقوله: في الثوب) أي ونحوه من كل ما يلبس.
(قوله: وسوم على سوم) أي وحرم سوم إلخ، لخبر الصحيحين: لا يسوم الرجل على سوم أخيه وهو خبر بمعنى النهي.
والمعنى فيه الإيذاء، وذكر الرجل والأخ، ليس للتقييد، بل الأول لأنه الغالب، الثاني للرقة والعطف عليه وسرعة امتثاله، فغيرهما مثلهما.
وفي البجيرمي: ومحل الحرمة إن كان السوم الأول جائزا، وإلا كسوم نحو عنب من عاصر الخمر - فلا يحرم السوم على
للنهي عنه، وهو أن يزيد على آخر في ثمن ما يريد شراءه أو يخرج له أرخص منه، أو يرغب المالك في استرداده ليشتريه بأغلى، وتحريمه بعد البيع.
وقبل لزومه لبقاء الخيار أشد (ونجش) للنهي عنه، وللايذاء: وهو أن يزيد في الثمن، لا لرغبته، بل ليخدع غيره، وإن كانت الزيادة في مال محجور عليه، ولو عند نقص القيمة على الاوجه.
ولا خيار للمشتري إن غبن فيه، وإن واطأ البائع الناجش لتفريط المشتري حيث لم يتأمل ويسأل، ومدح
ــ
سومه - بل قال العلامة البكري: يستحب الشراء بعده.
اه.
(قوله: بعد تقرر ثمن) متعلق بحرم المقدر، أي وإنما يحرم السوم بعد تقرر الثمن.
(وقوله بالتراضي به) أي صريحا، وهو تصوير للتقرر، أي أن تقرر الثمن يكون بالتراضي عليه صريحا.
الشوبري: ولا بد أيضا بعد التراضي به من المواعدة على إيقاع العقد به وقت كذا، فلو اتفقا عليه ثم افترقا من غير مواعدة، لم يحرم السوم حينئذ.
كما نقله الإمام عن الأصحاب.
اه.
وخرج بالتقرير المذكور: ما يطاف به على من يزيد فيه - فلا يحرم فيه ذلك -.
وفي ع ش ما نصه: وقع السؤال في الدرس عما يقع كثيرا بأسواق مصر: من أن مريد البيع يدفع متاعه للدلال، فيطوف به، ثم يرجع إليه، ويقول له استقر سعر متاعك على كذا، فيأذن له في البيع بذلك القدر: هل يحرم على غيره
شراؤه بذلك السعر، أو بأزيد، أم لا؟ فيه نظر.
والجواب عنه بأن الظاهر الثاني، لأنه لم يتحقق قصد الضرر، حيث لم يعين المشتري، بل لا يبعد عدم التحريم - وإن عينه - لأن مثل ذلك ليس تصريحا بالموافقة على البيع، لعدم المخاطبة من البائع والواسطة للمشتري.
اه.
(قوله: وإن فحش إلخ) إي يحرم السوم وإن فحش إلخ.
(وقوله: للنهي عنه) أي في الخبر المتقدم.
(قوله: وهو) أي السوم على السوم.
(وقوله: أن يزيد) أي السائم.
(وقوله: على آخر) أي على سوم آخر.
(وقوله: في ثمن ما يريد شراءه) أي في ثمن المتاع الذي يريد الآخر شراءه واستقر ثمنه.
(قوله: أو يخرج له أرخص) أي أو يخرج للمشتري متاعا أرخص من المتاع الذي سامه.
ومعنى كونه سائما في هذه على سوم غيره، أنه عرض بضاعته للسوم الواقع لسلعة غيره.
(قوله: أو يرغب المالك إلخ) فيه أن هذه الصورة عين الصورة الأولى: إذ إعطاء الزيادة في الثمن للمالك يرغب المالك في استرداده.
إلا أن يقال إن هذه الصورة مفروضة بعد العقد، وتلك قبله.
وعبارة التحفة: في تصوير السوم على السوم بأن يقول لمن أخذ شيئا ليشتريه بكذا رده حتى أبيعك خيرا منه بهذا الثمن أو بأقل منه أو مثله بأقل، أو يقول لمالكه استرده لأشتريه منك بأكثر، أو يعرض على مريد الشراء أو غيره بحضرته مثل سلعة بأنقص أو أجود منها بمثل الثمن.
اه.
وهي ظاهرة.
(قوله: وتحريمه) أي السوم على السوم بعد البيع، أي العقد، (وقوله: أشد) أي من تحريمه قبل البيع وبعد التراضي، لأن الإيذاء هنا أكثر، وذلك بأن يبيع على بيع الغير، بأن يرغب المشتري في الفسخ ليبيعه خيرا منه بمثل ثمنه، أو مثله بأقل.
أو يشتري على شرائه، بأن يرغب البائع في الفسخ ليشتريه منه بأكثر.
ومن ذلك أن يبيع مشتريا مثل المبيع بأرخص، أو يعرض عليه مثل السلعة ليشتريها أو يطلبها منه بزيادة ربح والبائع حاضر.
اه.
فتح الجواد.
وصريح ما ذكر: أن البيع على البيع، والشراء على الشراء، مندرجان في السوم على السوم، وأنه ليس مخصوصا بما كان قبل العقد، وهو خلاف مفاد عبارة المنهاج والمنهج من أنهما قسمان مستقلان، وأن السوم على السوم مخصوص بما كان قبل العقد وبعد تقرر الثمن.
(قوله: ونجش) أي وحرم نجش، وهو لغة: الإثارة - بالمثلثة -: لما فيا من إثارة الرغبة - يقال نجش الطائر: أثاره من مكانه - من باب ضرب.
اه.
بجيرمي.
(قوله: للنهي عنه) أي في خبر الصحيحين (قوله: وللإيذاء) أي إيذاء المشتري.
(قوله: وهو) أي النجش (وقوله: أن يزيد في الثمن) أي لسلعة معروضة للبيع (قوله: لا لرغبته) أي في الشراء، أي أو لرغبة فيه لكن قصد إضرار غيره.
اه.
ع ش.
(قوله: بل ليخذع غيره) مثال لا قيد، لأنه لو زاد: لنفع البائع ولم يقصد خديعة غيره: كان الحكم كذلك.
اه.
نهاية.
(قوله: وإن
كانت الزيادة) أي يحرم ذلك وإن كانت الزيادة في مال محجور عليه، كيتيم (قوله: ولو عند نقص القيمة) أي قيمة السلعة المعروضة للبيع.
(قوله: على الأوجه) مقابله يجوز الزيادة عند نقص القيمة.
(قوله: ولا خيار للمشتري إلخ) وقيل له الخيار للتدليس، كالتصرية.
السلعة، ليرغب فيها بالكذب كالنجش، وشرط التحريم في الكل: علم النهي، حتى في النجش.
ويصح البيع مع التحريم في هذه المواضع.
فصل في خياري المجلس والشرط وخيار العيب يثبت خيار مجلس في كل بيع حتى في الربوي، والسلم.
وكذا في هبة ذات ثواب على المعتمد.
وخرج بفئ: كل بيع غير البيع: كالابراء، والهبة بلا ثواب، وشركة وقراض، ورهن وحوالة، وكتابة، وإجارة، ولو في
ــ
ومحل الخلاف عند مواطأة البائع للناجش، وإلا فلا خيار جزما.
ويجري الوجهان فيما لو قال البائع: أعطيت في هذه السلعة كذا، فبان خلافه.
وكذا لو أخبره عارف بأن هذا عقيق، أو فيروز بمواطأة، فبان خلافه.
اه.
نهاية.
(قوله: لتفريط المشتري) علة لعدم الخيار.
(قوله: بالكذب) قال ع ش: قضيته أنه لو كان صادقا في الوصف لم يكن مثله - أي النجش - وهو ظاهر.
اه.
(قوله: وشرط التحريم في الكل) أي الاحتكار وما بعده.
(وقوله: علم النهي حتى في النجش) أي لقول الشافعي رضي الله عنه: من نجش فهو عاص بالنجش إن كان عالما بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي النهاية: لا أثر للجهل في حق من هو بين أظهر المسلمين بخصوص تحريم النجش ونحوه.
وقد أشار السبكي إلى أن من لم يعلم الحرمة لا إثم عليه عند الله.
وأما بالنسبة للحكم الظاهر للقضاة، فما اشتهر تحريمه لا يحتاج إلى اعتراف متعاطيه بالعلم - بخلاف الخفي - وظاهره أنه لا إثم عليه عند الله وإن قصر في التعلم، والظاهر أنه غير مراد.
اه.
(قوله: ويصح البيع مع التحريم في هذه المواضع) وهي الاحتكار، وما ذكر بعده.
(خاتمة) نسأل الله حسن الختام.
(إعلم) أن البيع تعتريه الأحكام الخمسة، فيجب في نحو اضطرار، ومال مفلس محجور عليه.
ويندب في نحو زمن الغلاء، وفي المحاباة للعالم بها.
ويكره في نحو: بيع مصحف، ودور مكة، وفي سوق اختلط فيه الحرام بغيره، وممن أكثر ماله حرام، خلافا للغزالي، وفي خروج من حرام بحيلة، كنحو ربا ويحرم في بيع نحو العنب، على ما مر، ويجوز فيما عدا ذلك.
والله أعلم.
فصل في خياري المجلس والشرط وخيار العيب لما فرغ من بيان صحة العقد وفساده، شرع في بيان لزومه وجوازه.
والجواز سببه الخيار.
والأصل في البيع: اللزوم، لأن القصد منه نقل الملك، وقضية الملك التصرف، وكلاهما فرع اللزوم، إلا أن الشارع أثبت فيه الخيار رفقا بالمتعاقدين.
وهو نوعان: خيار تشبه، وخيار نقيصة - أي عيب - والأول ما يتعاطاه المتعاقدان باختيارهما وشهوتهما من غير توقف على فوات أمر في المبيع، وسببه المجلس، أو الشرط.
والإضافة فيه - وفي خيار العيب - من إضافة المسبب
إلى السبب.
وعد المصنف الأنواع ثلاثة: خيار المجلس وخيار الشرط وخيار العيب.
والأخصر والأولى ما ذكرته، لأن الأولين فردان لخيار التشهي، لا نوعان.
(قوله: يثبت خيار مجلس) أي قهرا عن المتعاقدين، حتى لو شرط نفيه بطل البيع، وهو اسم من الاختيار الذي هو طلب خير الأمرين من الإمضاء والفسخ (قوله: في كل بيع) أي وإن استعقب عتقا، كشراء بعضه إن قلنا إن الملك في زمن الخيار للبائع أو موقوف، فإن قلنا للمشتري فالخيار للبائع فقط.
(وقوله حتى في الربوي) أي حتى أنه يثبت الخيار في بيع الربوي، كبيع الطعام بالطعام.
(وقوله: والسلم) أي في عقد السلم، لأنه بيع موصوف في الذمة.
(قوله: وكذا في هبة ذات ثواب) أي وكذا يثبت الخيار في هبة ذات عوض، لأنها بيع حقيقي.
(وقوله: على المعتمد) مقابله لا يثبت الخيار فيها - وهو ما جرى عليه النووي في منهاجه (قوله: وخرج بفي: كل بيع) أي بقوله في كل بيع، وقوله غير البيع:
الذمة، أو مقدرة بمدة، فلا خيار في جميع ذلك، لانها لا تسمى بيعا.
(وسقط خيار من اختار لزومه) أي البيع من بائع ومشتر: كأن يقولا اخترنا لزومه، أو أجزناه، فيسقط خيارهما، أو من أحدهما: كأن يقول اخترت لزومه: فيسقط خياره، ويبقى خيار الآخر، ولو مشتريا (و) سقط خيار (كل) منهما (بفرقة بدن) منهما، أو من أحدهما، ولو ناسيا، أو جاهلا، عن مجلس العقد (عرفا) فما يعده الناس فرقة: يلزم به العقد، وما لا: فلا.
فإن كانا في
ــ
فاعل خرج - أي خرج ما لا يسمى بيعا -.
(قوله: كالإبراء، إلخ) تمثيل لغير البيع.
(وقوله: والهبة بلا ثواب) أي عوض.
(وقوله: وقراض) هو أن يعقد على مال يدفعه لغيره ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما.
(وقوله: وحوالة) أي وإن جعلت بيعا لعدم تبادرها منه.
اه.
بجيرمي.
(وقوله: وكتابة) هي عقد عتق بلفظ الكتابة بعوض منجم بنجمين فأكثر.
(قوله: ولو في الذمة) أي ولو كانت الإجارة في الذمة، فلا يثبت فيها الخيار.
والغاية للرد على القفال وطائفة حيث قالوا بثبوت الخيار في الإجارة الواردة على الذمة كالسلم.
وصورة الواردة على الذمة: ألزمت ذمتك حملي إلى مكة بدينار مثلا.
(وقوله: أو مقدرة بمدة) أي ولو مقدرة بمدة، وهي أيضا للرد على من صحح ثبوته في المقدرة بمدة، ومثلها المقدرة بمحل عمل.
وصورة الأولى: آجرتك داري سنة بدينار مثلا.
وصورة الثانية: آجرتك لتخيط لي هذا الثوب، أو لتحملني إلى مكة.
وعبارة شرح المنهج: ووقع للنووي في تصحيحه تصحيح ثبوته في المقدرة بمدة، وكتب البجيرمي ما نصه: قوله في المقدرة بمدة: قال في مهمات المهمات، وحينئذ فيعلم منه الثبوت في غيرها بطريق الأولى.
اه.
شوبري أي: لأنها تفوت فيها المنفعة بمضي الزمن، ومع ذلك فيها الخيار، فثبوته في التي لا تفوت أولى، وهذا كله على الضعيف.
اه.
(قوله: فلا خيار في جميع ذلك) أي الإبراء وما بعده.
(قوله: لأنها) أي المذكورات من الإبراء وما بعده.
والمناسب لأنه، بتذكير الضمير العائد على جميع ذلك.
(وقوله: لا تسمى بيعا) أي والخبر إنما ورد في البيع ولأن المنفعة في الإجارة تفوت بمضي الزمن، فألزمنا العقد، لئلا يتلف جزء من المعقود عليه، لا في مقابلة العوض.
(قوله:
وسقط خيار من اختار لزومه) أي لخبر الشيخين.
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما للآخر اختر، أي البائع والمشتري متلبسان بالخيار مدة عدم تفرقهما، إلا أن يقول - أو إلى أن يقول - أحدهما للآخر.
فإذا قال ذلك الأحد ما ذكر: سقط خياره، وبقي خيار الآخر.
ثم اختيار اللزوم تارة يكون صريحا - كما في الأمثلة التي ذكرها - وتارة يكون ضمنا: بأن يتبايعا العوضين بعد قبضهما في المجلس إذ ذاك متضمن للرضا بلزوم العقد الأول.
أفاده م ر.
وقوله أن يتبايعا العوضين: قضيته أنه لا ينقطع بتبايع أحد العوضين كان أخذ البائع المبيع من المشتري بغير الثمن الذي قبضه منه، وقد مر أن تصرف أحد العاقدين مع الآخر إجازة، وذلك يقتضي انقطاع الخيار بما ذكر، فلعل قوله العوضين تصوير.
اه.
ع ش.
(قوله: من بائع ومشتر) بيان لمن اختار.
(قوله: كأن يقولا إلخ) تمثيل لكون اختيار اللزوم منهما معا.
(قوله: أو من أحدهما) عطف على قوله من بائع ومشتر.
(وقوله: كأن يقول إلخ) تمثيل لكون اختيار اللزوم من أحدهما.
(قوله: فيسقط خياره) أي الأحد الذي اختار اللزوم.
(قوله: ويبقى خيار الآخر ولو مشتريا) محله ما لم يكن المبيع ممن يعتق عليه، وإلا سقط خياره أيضا للحكم بعتق المبيع.
(قوله: وسقط خيار كل منهما بفرقة إلخ) وذلك لخبر البيهقي: البيعان بالخيار حتى يفترقا من مكانهما.
وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا باع قام فمشى هنيهة، ثم رجع.
(وقوله: بدن) خرج به فرقة الروح والعقل، فإنه لا يسقط بها، بل يخلف العاقد وليه أو وارثه - كما سيأتي في قوله ولا يسقط بموت أحدهما إلخ - (وقوله: منهما أو من أحدهما) أي حال كون تلك الفرقة واقعة من المتعاقدين أو من أحدهما فقط، وإذا وقعت منه فقط سقط خيارهما معا، ولا يختص السقوط بالمفارق، بخلافه في صورة اختيار اللزوم بالقول، فإنه يختص بالقائل.
فتنبه.
(قوله: ولو ناسيا أو جاهلا) أي يسقط بالفرقة، ولو حصلت نسيانا - لا عمدا أو جهلا - بأن الفرقة تسقط الخيار.
(قوله: عن مجلس العقد) متعلق بفرقة بدن.
(قوله: عرفا) أي المعتبر في الفرقة: العرف.
قال سم: لأنه لا نص للشارع ولا لأهل اللغة فيه.
(قوله: فما يعده إلخ) مبتدأ، خبره جملة
دار صغيرة، فالفرقة بأن يخرج أحدهما منها، أو في كبيرة: فبأن ينتقل أحدهما إلى بيت من بيوتها، أو في
صحراء أو سوق: فبأن يولي أحدهما ظهره ويمشي قليلا وإن سمع الخطاب فيبقى خيار المجلس ما لم يتفرقا، ولو طال مكثهما في محل، وإن بلغ سنين أو تماشيا منازل.
ولا يسقط بموت أحدهما: فينتقل الخيار للوارث المتأهل، (وحلف نافي فرقة أو فسخ قبلها) أي قبل الفرقة: بأن جاءآ معا وادعى أحدهما فرقة وأنكرها الآخر ليفسخ أو اتفقا عليها وادعى أحدهما فسخا قبلها وأنكر الآخر: فيصدق النافي، لموافقته للاصل.
(و) يجوز (لهما) أي للعاقدين (شرط خيار) لهما أو لاحدهما في كل بيع فيه خيار مجلس إلا فيما يعتق فيه المبيع، فلا
ــ
يلزم به العقد.
(قوله: فإن كانا إلخ) بيان لما يعده الناس فرقة.
(وقوله: في دار) بين ما بعده الناس فرقة بالنسبة لما إذا كانا في دار ولم يبين ذلك فيما إذا كانا في سفينة.
وحاصله أنه إن كانت كبيرة: فالفرقة فيها بالانتقال من مقدمها إلى مؤخرها، وبالعكس.
أو صغيرة: فبالخروج منها، أو بالرقي إلى صاريها.
(وقوله: بأن يخرج أحدهما منها) أي من الدار.
قال البجيرمي: ظاهره ولو كان قريبا من الباب، وهو ما في الأنوار عن الإمام الغزالي.
ويظهر أن مثل ذلك ما لو
كانت إحدى رجليه داخل الدار معتمدا عليها وأخرجها.
اه.
ومثل الخروج: الصعود إلى سطحها، أو شئ مرتفع فيها - كنخلة - والنزول إلى بئر فيها.
(قوله: أو في كبيرة) أي أو كانا في دار كبيرة.
(وقوله: فبأن ينتقل إلخ) أي فالفرقة فيها بأن ينتقل إلخ.
(وقوله: إلى بيت من بيوتها) أي الدار.
كأن ينتقل من صحنها إلى المجلس أو الصفة.
(قوله: أو في صحراء أو سوق) أي أو كانا في صحراء أو في سوق.
(وقوله: فبأن يولي إلخ) أي فالفرقة في ذلك بأن يولي أحدهما ظهره.
(قوله: ويمشي قليلا) ضبطه في الأنوار بالقدر الذي يكون بين الصفين، وهو ثلاثة أذرع.
(قوله: وإن سمع الخطاب) أي تحصل الفرقة فيما إذا كانا بصحراء أو سوق بتولية أحدهما ظهره والمشي قليلا - وإن سمع خطاب صاحبه - فهو غاية لحصول الفرقة بما ذكر.
(قوله: فيبقى خيار المجلس إلخ) مفرع على قوله يثبت خيار مجلس إلخ، أي وإذا ثبت خيار المجلس فيبقى ولو طال مكثهما إلخ.
وكان المناسب تقديمه على قوله وسقط خيار إلخ، وإسقاط قوله ما لم يتفرقا - كما نبه على بعض ذلك البجيرمي - (قوله: ولو طال مكثهما إلخ) غاية لإبقاء خيار المجلس.
(وقوله: وإن بلغ) أي المكث في محل سنين، فهو غاية للغاية.
(وقوله: أو تماشيا منازل) معطوف على طال مكثهما، فهو غاية ثانية للإبقاء المذكور - أي يبقى وإن تماشيا منازل - وذلك لعدم التفرق ببدنهما.
(قوله: ولا يسقط) أي الخيار.
(وقوله: بموت أحدهما) أي في المجلس (قوله: فينتقل الخيار للوارث) أي ولو عاما.
(وقوله: المتأهل) فإن لم يوجد، نصب الحاكم عنه من يفعل الأصلح له من فسخ أو إجازة.
(قوله: وحلف نافي فرقة) أي وصدق بحلفه.
(قوله: أو فسخ) أي أو نافي فسخ.
(وقوله: قبلها) متعلق بفسخ (قوله: بأن جاءآ معا) أي إلى مجلس الحكم.
(وقوله: وادعى على أحدهما فرقة) أي قبل مجيئهما.
(وقوله: وأنكرها) أي الفرقة.
(وقوله: ليفسخ) علة للإنكار.
(قوله: أو اتفقا عليها) أي الفرقة (قوله: وادعى أحدهما فسخا قبلها) أي الفرقة.
(قوله: وأنكر الآخر) أي الفسخ قبل الفرقة.
(قوله: فيصدق النافي) أي في الصورتين.
وفائدة تصديقه في الأولى: بقاء الخيار له، وليس لمدعي الفرقة الفسخ.
ولو اتفقا على الفسخ والتفرق واختلفا في السابق منهما - فكما في الرجعة - فيصدق مدعي التأخير.
اه.
بجيرمي.
(قوله: لموافقته للأصل) وهو عدم الفرقة، وعدم الفسخ.
(قوله: ويجوز إلخ) شروع في خيار الشرط، ويسمى خيار التروي - أي التشهي والإرادة - وهو يثبت في كل ما يثبت فيه خيار المجلس، إلا فيما سيذكره إجماعا، ولما صح أن بعض الأنصار كان يخدع في البيوع، فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى أنه يقول عند البيع لا خلابة، وأعلمه أنه إذا قال ذلك كان له خيار ثلاث ليال.
ومعنى لا خلابة - وهي بكسر الخاء المعجمة، وبالموحدة -: لا غبن ولا خديعة، واشتهرت في الشرع لاشتراط الخيار ثلاثة أيام، فإن ذكرت
وعلما معناها ثبت ثلاثا، وإلا فلا.
(قوله: أي للعاقدين) بأن يصرح كل منهما بشرط الخيار، وكذا يجوز لأحدهما أن يصرح بالشرط ويوافقه الآخر.
(قوله: لهما أو لأحدهما) هذا بيان للمشروط له، فالجار والمجرور متعلق بخيار، ويجوز أيضا شرط الخيار لأجنبي واحد أو اثنين، ولا يحب عليه إذا شرط له الخيار مراعاة المصلحة لشارطه له من فسخ أو إجازة،
يجوز شرطه لمشتر للمنافاة، وفي ربوي وسلم: فلا يجوز شرط فيهما لاحد، لاشتراطه القبض فيهما في المجلس (ثلاثة أيام فأقل)، بخلاف ما لو أطلق أو أكثر من ثلاثة أيام.
فإن زاد عليها: لم يصح العقد (من) حين (الشرط للخيار)، سواء أشرط في العقد أم في مجلسه والملك في المبيع مع توابعه في مدة الخيار لمن انفرد
ــ
بل له أن يفسخ أو يجيز - وإن كرهه، وليس لشارطه عزله، ولا له عزل نفسه، لأنه تمليك - على الأصح - لا توكيل.
وإذا مات انتقل الخيار لمن شرطه له.
(قوله: في كل بيع) متعلق بيجوز، أو شرط، أي ويجوز ذلك في كل بيع.
قال ع ش: وخرج بالبيع ما عداه، فلا يثبت فيه خيار الشرط قطعا.
اه.
(قوله: فيه خيار مجلس) الجملة من المبتدإ والخبر صفة لبيع، وهي للإيضاح لا للتخصيص.
(قوله: إلا فيما يعتق فيه المبيع) أي إلا في البيع الذي يعتق فيه المبيع كشراء أصله أو فرعه.
وفي البجيرمي ما نصه: لا يخفى أن هذا الاستثناء متعين، لأنه لو اقتصر على قوله لهما شرط خيار لهما، أو لأحدهما في كل ما فيه خيار المجلس: لم يصح، لأن من جملة ما صدقاته: ما لو اشترى بعضه، فإن لكل منهما فيه خيار المجلس، فيقتضي أن لهما أن يشترطاه للمشتري، وليس كذلك.
اه.
(قوله: لمشتر) أي وحده.
(وقوله: للمنافاة) أي بين الخيار والعتق، لأن شرطه للمشتري وحده يستلزم الملك له، وهو يستلزم العتق، والعتق مانع من الخيار، وما أدى ثبوته لعدمه غير صحيح من أصله، بخلاف ما لو شرط لهما، فإنه يصح - لوقفه - أي لكونه موقوفا.
أو للبائع فقط، فإنه يصح أيضا، إذ الملك له.
(قوله: وفي ربوي وسلم) أي وإلا في بيع ربوي وسلم.
والفرق بين خيار المجلس، وخيار الشرط - حيث استثني من الثاني هذان ولم يستثنيا من الأول، مع أن العلة في الامتناع متأتية فيه أيضا - أن خيار المجلس يثبت قهرا، وليس له حد محدود - بخلاف خيار الشرط.
(قوله: فلا يجوز شرطه) أي الخيار، أي ويفسد به البيع.
(وقوله: فيهما) أي في الربوي والسلم (لاشتراط القبض فيهما في المجلس) أي وما شرط فيه ذلك لا يحتمل الأجل، فأولى أن لا يحتمل الخيار، لأنه أعظم غررا منه، لمنعه الملك أو لزومه.
اه.
شرح المنهج.
(قوله: ثلاثة أيام فأقل) أي وإنما يصح شرط الخيار ثلاثة إلخ، وتدخل ليالي الأيام المشروطة فيها، سواء السابقة منها على الأيام والمتأخرة عند ابن حجر.
وعند م ر: الليلة المتأخرة لا تدخل.
ومحل جواز شرط ثلاثة الأيام ونحوها: فيما لا يفسد في المدة المشروطة، فإن كان يفسد فيها، كطبيخ يفسد في ثلاثة أيام أو أقل وشرط الخيار تلك المدة: بطل العقد.
(قوله: بخلاف ما لو أطلق) أي لم يقيد بزمن أصلا - كأن قال بشرط الخيار وسكت - أي قيد بزمن مجهول، كأن قال بشرط الخيار أياما.
(قوله: أو
أكثر من ثلاثة أيام) أي وبخلاف أكثر من ثلاثة أيام، أي شرط الخيار أكثر من ذلك، وفي بعض نسخ الخط إسقاط هذا، ونصه: بخلاف ما لو أطلق أو زاد عليها، فإنه لا يصح العقد، وهو الأولى، الموافق لعبارة شرح المنهج، وذلك لسلامته من التكرار الثابت على النسخة الأولى، لأن قوله أو أكثر من ثلاثة أيام عين قوله بعد فإن زاد عليها.
فتنبه.
(قوله: من حين الشرط) متعلق بمحذوف، أي وتعتبر ثلاثة الأيام فأقل من وقت شرط الخيار، فلو قال بشرط ثلاثة أيام من الغد: لم يصح.
ويشترط أيضا أن تكون ثلاثة الأيام متوالية، فلو قال يوما بعد يوم: لم يصح.
(والحاصل) أن خيار الشرط لا يصح العقد معه إلا بشروط خمسة: أن يكون مقيدا بمدة - فخرج ما لو أطلق، كأن قال حتى أشاور.
وأن تكون معلومة، فخرج ما لو قال بشرط الخيار أياما.
وأن تكون متصلة بالشرط، فخرج ما لو قال ثلاثة أيام من الغد.
وأن تكون متوالية، فخرج ما لو قال يوما بعد يوم.
وأن تكون ثلاثة فأقل، فخرج ما لو زادت فيبطل العقد في الكل - لأن الأصل منع الخيار - إلا فيما أذن فيه الشارع، ولم يأذن إلا في ذلك.
(قوله: سواء أشرط) أي الخيار، وهو تعميم في اعتبار الثلاثة من وقت الشرط: أي لا فرق في اعتبارها من ذلك بين أن يحصل الشرط في العقد أو في المجلس، فإذا شرطا ثلاثة أيام وكان مضى من حين العقد يومان وهما بالمجلس: صح الشرط المذكور.
(قوله: والملك) مبتدأ، خبره: لمن انفرد بخيار.
(قوله: مع توابعه) أي فوائده متصلة أو منفصلة: كاللبن، والتمر، والمهر، ونفوذ العتق والاستيلاد، وحل الوطئ، ووجوب النفقة، والحمل الحادث في زمن الخيار،
بخيار من بائع ومشتر، ثم إن كان لهما: فموقوف، فإن تم البيع: بان أنه لمشتر من حين العقد، وإلا فلبائع.
(ويحصل فسخ) للعقد في مدة الخيار (بنحو فسخت البيع) كاسترجعت المبيع.
(وإجازة) فيها بنحو: أجزت البيع، كأمضيته، والتصرف في مدة الخيار بوطئ، وإعتاق، وبيع، وإجارة، وتزويج، من بائع: فسخ، ومن مشتر: إجازة للشراء (و) يثبت (لمشتر جاهل) بما يأتي (خيار) في رد المبيع (ب) - ظهور (عيب قديم) منقص
ــ
بخلاف الموجود حال البيع، فإنه مبيع - كالأم - لمقابلته بقسط من الثمن.
وكتب البجيرمي ما نصه: قوله مع توابعه: إدخال التوابع هنا يقتضي دخولها في قوله وإلا فموقوف، وفيه نظر، لأن حل الوطئ في زمن خيارهما ليس موقوفا بل هو حرام.
وعتق البالغ في زمن خيارهما ليس موقوفا بل نافذ.
اه.
(قوله: في مدة الخيار) متعلق بالملك، أي الملك في مدة خيار الشرط أو المجلس، فلا فرق في التفصيل الذي ذكره بينهما.
(فإن قلت) كيف يتصور أن يكون خيار المجلس لأحدهما؟.
(قلت) يتصور فيما إذا اختار أحدهما لزوم العقد، والآخر لم يختر شيئا.
(قوله: من بائع ومشتر) بيان لمن انفرد بخيار.
قال في حاشية الجمل على شرح المنهج: فإذا كان للمشتري وحده ملك المبيع وفوائده الحادثة بعد العقد، فإن تم البيع فذاك، وإن فسخ رجع المبيع للبائع عاريا عن الفوائد، وتضيع عليه المؤن، ويفوز بالفوائد المشتري.
وإن كان
للبائع وحده ملك المبيع، والفوائد كذلك، فإن فسخ فذاك، وإن تم البيع انتقل المبيع للمشتري عاريا عن الفوائد، وتضيع المؤن عليه.
وفي ق ل على المحلى: والزوائد في مدة الوقف تابعه للمبيع، وهي أمانة في يد الآخر.
ويقال مثل ذلك في الثمن وزوائده.
اه.
بحذف.
(قوله: ثم إن كان إلخ) عبارة المنهج وشرحه بعد قوله لمن انفرد بخيار، وإلا بأن كان الخيار لهما، فموقوف إلخ.
وهي أولى من عبارة شارحنا.
(قوله: فإن تم البيع إلخ) مفرع على فموقوف، وتمام البيع بينهما بإجازتهما له.
(قوله: بان أنه) أي تبين أن الملك في المبيع مع توابعه.
(وقوله: لمشتر) أي ملك له من حين العقد.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يتم البيع، أي بأن اختار افسخه.
(وقوله: فلبائع) أي فهو ملك للبائع، أي باق عليه، وكأنه لم يخرج من ملكه.
(واعلم) أنه حيث حكم بملك المبيع لأحدهما حكم بملك الثمن للآخر، وحيث وقف وقف.
(قوله: ويحصل فسخ للعقد) أي بالقول وبالفعل، والأول ذكره بقوله بنحو فسخت.
والثاني ذكره بقوله والتصرف إلخ.
ومثله في ذلك الإجازة، وجميع ما ذكره من صرائح الفسخ والإجازة.
قال البجيرمي: قال شيخنا - ولعل من كنايتهما: نحو لا أبيع، أو لا أشتري - إلا بكذا أو لا أرجع في بيعي، أو في شرائي.
اه.
(قوله: كاسترجعت المبيع) أي أو رفعته، وهو تمثيل لنحو فسخت.
(قوله: وإجازة) أي ويحصل بإجازة.
(وقوله: فيها) أي مدة الخيار.
(قوله: بنحو أجزت) متعلق بيحصل المقدر.
(قوله: كأمضيته) أي وألزمته، وهو تمثيل لنحو أجزت.
(قوله: والتصرف) مبتدأ، خبره قوله فسخ.
وخرج بالتصرف: مجرد عرض المبيع على البيع، والإذن فيه في مدة الخيار، فليسا فسخا، ولا إجازة للبيع، لعدم إشعارهما من البائع بعدم البقاء عليه، ومن المشتري بالبقاء عليه، لاحتمالهما التردد في الفسخ والإجازة.
(قوله: في مدة الخيار) المناسب: فيها، إذ المقام للإضمار.
(قوله: بوطئ) متعلق بالتصرف، وإنما يكون فسخا أو إجازة بقيود خمسة: أن يكون الواطئ ذكرا يقينا، وأن يكون الموطوء أنثى يقينا، وأن لا تكون حراما عليه كأخته، وأن يعلم أنها المبيعة، وأن لا يقصد الزنا.
فإن فقد واحد منها لا يكون فسخا ولا إجازة.
وخرج بالوطئ: مقدماته، فلا تكون فسخا، ولا إجازة.
(قوله: وإعتاق) أي للرقيق المبيع كله أو بعضه، ويسري للباقي.
ومثل الإعتاق: وقف المبيع (قوله: وبيع) أي بت أو بشرط الخيار للمشتري فقط، وإلا بأن كان لبائع أو لهما لم يكن فسخا، ولا إجازة - كما صرح فيه في العباب - بجيرمي.
(قوله: وإجارة) أي للمبيع (قوله: وتزويج) أي للأمة أو للعبد (قوله: من بائع) متعلق بالتصرف.
(قوله: فسخ) أي للبيع لإشعاره بعدم البقاء عليه، وصح ذلك التصرف منه، لكن لا يجوز وطؤه إلا إن كان الخيار له، فإن كان لهما: لم يحل،
ولو أذن له المشتري.
(قوله: ومن مشتر إجازة للشراء) أي والتصرف بهذه المذكورات من مشر إجازة للبيع، وذلك
قيمة في المبيع، وكذا للبائع بظهور عيب قديم في الثمن.
وآثروا لاول: لان الغالب في الثمن الانضباط، فقيل: فيه ظهور العيب.
والقديم ما قارن العقد، أو حدث قبل القبض، وقد بقي إلى الفسخ، ولو حدث بعض القبض فلا خيار للمشتري، وهو (كاستحاضة)، ونكاح لامة، (وسرقة، وإباق، وزنا) من رقيق، أي بكل منها، وإن لم
ــ
لإشعاره بالبقاء عليه، والإعتاق نافذ منه: إن كان الخيار له أو لهما وأذن له البائع، وغير نافذ: إن كان للبائع، وموقوف: إن كان لهما ولم يأذن له البائع فيه.
ووطؤه حلال: إن كان الخيار له، إلا فحرام.
(قوله: ويثبت لمشتر إلخ) شروع في خيار العيب، ويسمى خيار النقيصة، وهو حاصل بفوات مقصود مظنون نشأ الظن فيه من تغرير فعلي، أو قضاء عرفي، أو التزام شرطي.
فالأول: كالتصرية.
والثاني: كظهور العيب الذي ينقص العين والقيمة نقصا يفوت به غرض صحيح.
والثالث: كأن شرط في المبيع شيئا، ككون العبد كاتبا، أو الدابة حاملا، أو ذات لبن، فأخلف.
(قوله: جاهل بما يأتي) أي من ظهور عيب قديم، ومن تغرير فعلي.
واحترز بالجاهل بذلك عن العامل به، فلا يثبت له الخيار به.
(قوله: خيار) فاعل يثبت.
(قوله: في رد المبيع) متعلق بخيار.
(قوله: بظهور عيب قديم) أي باق إلى وقت الفسخ، وكان الغالب في جنس المبيع عدمه.
فإن زال قبله، أو كان لا يغلب فيه ما ذكر - كقلع سن في الكبر، وثيوبة في أوانها في الأمة - فلا خيار.
(وقوله: منقص قيمة في المبيع) أي أو منقص عين المبيع نقصا يفوت به غرض صحيح، وإن لم تنقص به القيمة.
فإن كان به عيب لا ينقص عينه ولا قيمته - كقطع أصبع زائدة وفلقة يسيرة من فخذ أو ساق، لا تورث شيئا، ول تفوت غرضا - فلا خيار.
(قوله: وكذا للبائع) أي وكذا يثبت الخيار للبائع إلخ (قوله: وآثروا الأول) أي اقتصر الفقهاء على ذكر الأول، أي ثبوت الخيار للمشتري بظهور عيب قديم في المبيع، مع أن الثمن مثله في ذلك.
(وقوله: لأن الغالب في الثمن) الانضباط إلخ، أي فلا يحتاج إلى ذكره.
(قوله: والقديم إلخ) أي أن العيب القديم الذي يثبت به الخيار، هو ما قارن العقد أو حدث قبل القبض، لأن المبيع حينئذ من ضمان البائع.
أما ثبوت الخيار في المقارن.
فبالإجماع.
وأما ثوبته في الحادث قبل القبض، فلأن المبيع فيه من ضمان البائع، فكذا جزؤه وصفته.
قال في التحفة: ولم يبينوا حكم المقارن للقبض، والذي يظهر أن له حكم ما قبل القبض، لأن يد البائع عليه حسا، فلا يرتفع ضمانه إلا بتحقق ارتفاعها، وهو لا يحصل إلا بتمام قبض المشتري له سليما.
اه.
بتصرف.
(قوله: وقد بقي) أي العيب، والجملة حالية من فاعل قارن، وفاعل حدث.
وخرج به ما إذا لم يبق إلى الفسخ: فلا خيار - كما مر -.
(قوله: ولو حدث بعد القبض فلا خيار) محله ما لم يستند لسبب متقدم عليه، كقطع يد الرقيق المبيع بجناية سابقة على القبض جهلها المشتري، وإلا فله الخيار، لأنه لتقدم سببه صار كالمتقدم، فإن كان المشتري عالما بها فلا خيار له، ولا أرش.
(قوله: وهو) أي العيب الذي يثبت به
الخيار للمشتري.
(وقوله: كاستحاضة إلخ) أي وكخصاء رقيق أو بهيمة، وهو مما يغلب في جنس المبيع عدمه فيها، أما لو كان الخصاء فيما يغلب وجوده فيها - كمأكول، أو نحو بغال، أو براذين - فلا يكون عيبا لغلبته فيها.
وإنما كان الخصاء فيما مر عيبا، لأن الفحل يصلح لما لا يصلح له الخصي، ولا نظر لزيادة القيمة به باعتبار آخر، لما فيه من فوات جزء مقصود من البدن.
(قوله: نكاح لأمة) أي تزويج لأمة، فهو عيب يثبت به الخيار، والأمة ليست بقيد، بل مثلها العبد، فتزويجه عيب أيضا.
وعبارة الروض: من عيوب الرقيق كونه مزوجا.
اه.
وهو شامل للذكر والأنثى.
ومثله في النهاية.
فلو أسقط قوله لأمة لكان أولى.
(قوله: وسرقة) أي ولو صورة كالسرقة من دار الحرب، فإنها غنيمة، لكنها صورة سرقة، فتكون عيبا.
هكذا في ش ق.
والذي في التحفة خلافه، وعبارتها: وسرقة إلا في دار الحرب، لأن المأخوذ غنيمة.
اه.
بحذف.
(قوله: وإباق) حتى لو أبق عند المشتري ثبت له الرد، لأنه من آثار الإباق الأول الذي كان عند البائع، فلا يقال إنه عيب حادث فيمنع الرد لأنه من آثار الأول.
اه.
ز ي.
وقوله لأنه من آثار الإباق الأول: الفرض أنه علم وجود ذلك العيب عند البائع، فلو لم يعلم وجوده عنده فلا رد، لأنه عيب حادث عند المشتري.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وزنا) أي ولواط وردة.
(قوله: أي بكل منها) الجار والمجرور متعلق بمحذوف معلوم من السياق، وكان الأولى التصريح به - أي
يتكرر وتاب، ذكرا كان أو أنثى (وبول بفراش) إن اعتاده وبلغ سبع سنين وبخر وصنان مستحكمين.
ومن عيوب الرقيق: كونه نماما، أو شتاما، أو كذابا، أو آكلا لطين، أو شاربا لنحو خمر، أو تاركا للصلاة، ما لم يتب عنها، أو أصم، أو أبله، أو مصطك الركبتين، أو رتقاء، أو حاملا في آدمية، لا بهيمة، أو لا تحيض من بلغت عشرين
ــ
يثبب الخيار بكل واحد من السرقة، والإباق، والزنا -.
(قوله: وإن لم يتكرر) أي كل من السرقة وما بعدها، وهو غاية لثبوت الخيار بكل منها.
(وقوله: وتاب) معطوف على مدخول إن، وهو مجموع الجازم والمجزوم - أي وإن تاب وحسن حاله - وذلك لأنه قد يألفها، ولأن تهمتها لا تزول.
ومثل ما ذكر في ذلك: الجناية عمدا، والقتل، والردة.
وقد نظم بعضهم العيوب التي لا تنفع التوبة فيها بقوله: ثمانية يعتادها العبد لو يتب بواحدة منها يرد لبائع زنا، وإباق، سرقة، ولواطه وتمكينه من نفسه للمضاجع وردته، إتيانه لبهيمة جنايته عمدا.
فجانب له وع وما عدا هذه العيوب: تنفع التوبة فيها.
قال في النهاية: والفرق بين السرقة والإباق وبين شرب الخمر ظاهر.
قال ع ش: وهو أن تهمتهما لا تزول، بخلاف شرب الخمر.
لكن، هل يشترط لصحة توبته من شرب الخمر ونحوه، مضي مدة الاستبراء أو لا؟ فيه نظر، والأقرب الثاني.
اه.
(قوله: ذكرا كان) أي الرقيق الصادر منه ما ذكر، أو أنثى.
(قوله:
وبول إلخ) معطوف على استحاضة، أي وكبول من الرقيق.
(قوله: بفراش إن اعتاده) أي عرفا، فلا يكفي مرة، لأنه كثيرا ما يعرض مرة، بل مرتين ومرات، ثم يزول.
ومثل الفراش: غيره - كما لو كان يسيل بوله وهو ماش - فإنه يثبت به الخيار بالطريق الأولى، لأنه يدل على ضعف المثانة.
ومثل ذلك: خروج دود القرح المعروف.
ومحل ثبوت الخيار به، إن وجد البول في يد المشتري أيضا، وإلا فلا، لتبين أن العيب زال، وليس هو من الأوصاف الخبيثة التي يرجع إليها الطبع.
(قوله: وبلغ سبع سنين) معطوف على اعتاده، أي وإن بلغ سبع سنين - أي تقريبا - فلا يعتد بنقص شهرين - كما في ع ش - فلو نقص أكثر منهما لم يضر، فلا يثبت به الخيار، لأنه خرج منه في أوانه.
(قوله: وبخر) هو بفتحتين: نتن الفم وغيره - كالأنف -.
(وقوله: وصنان) ضبطه في القاموس بالقلم بضم الصاد، وهو ظهور رائحة خبيثة من تحت الإبط وغيره.
ع ش.
(وقوله: مستحكمين) بكسر الكاف، لأنه من استحكم، وهو لازم.
وخرج ما إذا كان كل من البخر والصنان عارضا - كأن كان الأول ليس ناشئا من المعدة، بل من تغير الفم لقلح الأسنان، وكأن كان الثاني ناشئا من عرق أو احتماع وسخ أو حركة عنيفة - فلا يثبت حينئذ بهما الخيار.
(قوله: ومن عيوب الرقيق إلخ) وهي لا تكاد تنحصر، كما أفاده تعبيره بمن.
(قوله: كونه تماما إلخ) أي أو قاذفا، أو تمتاما.
(واعلم) أنهم عبروا في بعض العيوب بصيغة المبالغة، ولم يعبروا في بعضها بذلك.
قال في التحفة: فيحتمل الفرق، ويحتمل أن الكل على حد سواء، وأنه لا بد أن يكون كل من ذلك يصير كالطبع له بأن يعتاده عرفا - نظير ما مر.
اه.
بالمعنى.
(قوله: أو آكلا لطين) أي أو مخدر.
(قوله: لنحو خمر) أي من كل مسكر.
قال الزركشي: وينبغي أن يقيد بالمسلم دون من يعتاد ذلك من الكفار، فإنه غالب فيهم.
اه.
مغني.
(قوله: ما لم يتب عنها) قيد في جميع ما قبله، أي هذه المذكورات - النميمة وما بعدها من العيوب - ما لم يتب منها، فإن تاب منها فلا يثبت بها الخيار.
قال في التحفة: وظاهر أنه لا يكتفي في توبته بقول البائع.
اه.
(قوله: أو أصم) أي ولو في إحدى أذنيه.
والمراد به: ما يشمل ثقل السمع، لأنه ينقص القيمة.
(قوله: أو أبله) في ع ش: الأبله هو الذي غلبت عليه سلامة الصدر.
وفي الحديث: أكثر أهل الجنة البله يعني في أمر الدنيا، لقلة اهتمامهم بها، وهم أكيس الناس في أمر الآخرة.
اه.
مختار.
(أقول) والظاهر أن هذا المعنى غير مراد هنا، وإنما المراد بالأبله من يغلب عليه التغفل، وعدم المعرفة، ويوافقه
سنة، أو أحد ثدييها أكبر من الآخر، (وجماح) لحيوان، (وعض)، ورمح، وكون الدار منزل الجند.
أو كون الجن مسلطين على ساكنها بالرجم، أو القردة مثلا يرعون زرع الارض.
(و) يثبت بتغرير فعلي.
وهو حرام للتدليس والضرر (كتصرية) له: وهي أن يترك حلبه مدة قبل بيعه ليوهم المشتري كثرة اللبن وتجعيد شعر الجارية، (لا) خيار (بغبن فاحش: كظن) مشتر نحو (زجاجة: جوهرة) لتقصيره بعمله بقضية وهمه، من غير
ــ
قول المصباح: بله بلها - من باب تعب: ضعف عقله.
اه.
(قوله: أو مصطك الركبتين) أي أو الكعبين.
قال في القاموس: صكه: ضربه.
وصك الباب: أغلقه، أو أطبقه.
ورجل أصك، ومصك: مضطرب الركبتين والعرقوبين.
اه.
والمناسب هنا: الأخير وما قبله.
فمعنى اصطكاك الركبتين: التقاؤهما عند المشي، وانطباق إحداهما على الأخرى واضطرابهما.
(قوله: أو رتقاء) معطوف على نماما، أي ومن عيوب الرقيق كونه أمة رتقاء، وتذكير الضمير باعتبار المرجع، لأنه إذا كان المرجع مذكرا والخبر مؤنثا، يجوز مراعاة المرجع ومراعاة الخبر.
والأولى: الثاني.
وكالرتقاء: القرناء والأولى: هي التي انسد فرجها بلحم، والثانية: هي التي انسد فرجها بعظم (قوله: في آدمية) قيد في الحامل، فالحمل عيب في الآدمية، وفيه أنه بصدد بيان عيوب الرقيق، فلا فائدة في ذكر هذا القيد.
(وقوله: لا بهيمة) أي ليس الحمل عيبا في بهيمة.
ومحله: إذا لم تنقص بالحمل، وإلا كان عيبا أيضا.
(قوله: أو لا تحيض) المناسب في إعرابه أن يكون الفعل منصوبا بأن مضمرة بعد أو، والمصدر المؤول معطوف على المصدر السابق، وهو كونه - أي ومن عيوب الرقيق - عدم حيض من بلغت عشرين سنة.
(وقوله: أو أحد ثدييها) معطوف على المصدر السابق أيضا على حذف مضاف، أي ومنها أيضا: كون أحد الخ.
فتنبه (قوله: وجماع لحيوان) عطف على استحاضة، والجماع - بكسر الجيم - امتناع الحيوان من الركوب عليه.
وعبر بعضهم بجموح - بصيغة المبالغة - وهو يفيد اشتراط كثرة ذلك منه حتى يصير طبعا له.
قال في التحفة: وهو متجه - كنظائره.
(قوله: ورمح) أي رفس.
وليس المراد به الجري.
وعبارة م ر: وكونها رموحا وهي تفيد كثرة ذلك منها، وإلا فلا يكون عيبا.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وكون الدار منزل الجند) أي مختصة بنزول الجند، أي العساكر فيها.
(قوله: بالرجم) أي أو نحوه.
(قوله: أو القردة) معطوف على الجن، أي أو كون القردة ونحوهم يرعون - أي يأكلون - زرع الأرض، فهو يعد عيبا.
(قوله: ويثبت) أي الخيار لمشتر في رد المبيع.
(وقوله: بتغرير فعلي) أي متعلق بالفعل، كالتصرية الآتية: فإنها من الأفعال - إذ هي جمع اللبن في ثدي البهيمة - كما سيأتي - قال البجيرمي: وكذا يثبت الخيار بتغرير قولي - كما سيأتي في مفهوم قوله: ولو باع بشرط براءته من العيوب إلخ - من أنه لو باع بشرط براءة المبيع من العيوب فإنه لا يبرأ من شئ منها، بل للمشتري الخيار في جميعها.
وهذا تغرير قولي.
اه.
(قوله: وهو) أي التغرير (وقوله: حرام) أي من الكبائر - على المعتمد - لقوله عليه الصلاة والسلام: من غشنا ليس منا، ولخبر الصحيحين في التصرية الآتي قريبا.
(قوله: للتدليس) أي من البائع على المشتري.
(وقوله: والضرر) أي للمشتري، وقيل للمبيع، والأول أولى، لأنه هو الذي يطرد في جميع أمثلة التغرير، بخلاف ضرر المبيع،
فإنه إنما يظهر في بعضها - كالتصرية -.
ولو لم يحصل تدليس من البائع: بأن لم يقصد التصرية - لنسيان أو نحوه - ففي ثبوت الخيار وجهان: أحدهما المنع، وبه جزم الغزالي والحاوي الصغير: لعدم التدليس.
وثانيهما: ثبوته لحصول الضرر، ورجحه الأذرعي، وقال إنه قضية نص الأم.
(قوله: كتصرية) من صرى الماء في الحوض - بتشديد الراء - بمعنى جمعه، وجوز الشافعي رضي الله عنه أن يكون من الصر، وهو الربط.
والأصل في تحريمها خبر الصحيحين: ألا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها - أي اشتراها بعد ذلك، فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها - إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر.
وقيس بالإبل والغنم غيرهما.
(وقوله: له) أي للحيوان المبيع، ولو من غير النعم.
(قوله: وهي) أي التصرية، شرعا: ما ذكر.
وأما لغة: فهي أن تربط حلمة الضرع ليجتمع اللبن.
(قوله: ليوهم المشتري) أي ليوقع في وهم المشتري كثر اللبن.
(قوله: وتجعيد شعر الجارية) معطوف على تصرية، أي وكتجعيد الشعر، فهو من التغرير الفعلي المحرم، لأنه يدل على الجمال وقوة البدن.
والمجعد: هو ما فيه التواء وانقباض - أي تثن، وعدم إرسال -
بحث.
(والخيار) بالعيب، ولو بتصرية (فوري) فيبطل بالتأخير بلا عذر، ويعتبر الفور عادة، فلا يضر صلاة وأكل دخل وقتهما، وقضاء حاجة ولا سلامة على البائع، بخلاف محادثته، ولو عليه ليلا: فله التأخير حتى يصبح،
ــ
ولا يثبت الخيار بجعله على هيئة مفلفل السودان، لعدم دلالته على نفاسة المبيع، المقتضية لزيادة الثمن.
ومثل التجعيد: تحمير الوجه، وتسويد الشعر، فيثبت بهما الخيار أيضا.
(قوله: لا خيار بغبن فاحش) أصل المتن لا بغبن فاحش، فهو معطوف على ظهور عيب قديم، فقدر الشارح المتعلق: أي لا خيار بسبب وجود غبن فاحش على المشتري.
والفحش ليس بقيد، بل مثله - بالأولى - غيره.
(قوله: كظن مشتر نحو زجاجة: جوهرة) أي لقربها من صفتها، فاشتراها بقيمة الجوهرة.
قال ع ش: وخرج به - أي بظنها جوهرة - ما لو قال له البائع هي جوهرة، فيثبت له الخيار في هذه الحالة.
اه.
وقال في فتح الجواد: ومحل ذلك أي عدم ثبوت الخيار، فيما إذا ظنها جوهرة: إذ لم يشتد ظنه لفعل البائع، بأن صبغ الزجاجة بصبغ صيرها به تحاكي بعض الجواهر، فيتخير حينئذ - لعذره -.
اه.
(قوله: لتقصيره بعمله) تعليل لعدم ثبوت الخيار بذلك، أي لا يثبت له الخيار بذلك، لتقصيره بكونه عمل بمجرد وهمه، من غير بحث واطلاع أهل الخبرة على ذلك، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يثبت الخيار لمن يغبن، بل أرشده إلى اشتراط الخيار.
(قوله: والخيار بالعيب) مبتدأ، خبره فوري.
(قوله: ولو بتصرية) الغاية للرد على القائل بأن الخيار في المصراة يمتد ثلاثة أيام، والأولى تأخيره بعد قوله فوري، لأنه يوهم أن الخيار بالتصرية فيه خلاف، وليس كذلك، بل الخلاف إنما هو في الفوري.
(قوله: فوري) أي إجماعا.
ومحله في المبيع المعين، فإن قبض شيئا عما في الذمة بنحو بيع أو سلم، فوجده معيبا، لم يلزمه
فور، لأن الأصح أنه لا يملكه إلا بالرضا بعيبه، ولأنه غير معقود عليه.
اه.
تحفة (قوله: فيبطل) أي الخيار بالتأخير.
قال في شرح المنهج: وأما خبر مسلم: من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فحمل على الغالب من أن التصرية لا تظهر إلا بثلاثة أيام.
(قوله: بلا عذر) متعلق بالتأخير.
وخرج به ما إذا كان بعذر فإنه لا يبطل الخيار.
وسيذكر الأعذار التي تبيح له التأخير - كالصلاة، والأكل، وقضاء الحاجة، والجهل بأن له الرد، أو بكونه على الفور -.
وفي البجيرمي ما نصه: هل من العذر نسيان الحكم أو العيب أو نحوهما؟ ثم رأيت نقلا عن ع ش - عند قول الشارح ويعذر في تأخيره بجهله إن قرب عهده بالإسلام - ما نصه: وخرج بجهل الرد أو الفور، ما لو علم الحكم ونسيه - فلا يعذر به - لتقصيره.
اه.
(قوله: ويعتبر الفور عادة) أي أنه ليس المراد الفور حقيقة، بل عادة - أي عادة عامة الناس - كما في ع ش.
قال في النهاية، فلا يكلف الركض في الركوب العدو في المشي ليرد.
اه.
(قوله: فلا يضر إلخ) مفرع على مفهوم قوله بلا عذر، أي أما إذا كان بعذر كصلاة إلخ، فلا يضر تأخيره، وليس مفرعا على قوله عادة، وإلا صار قوله بلا عذر ضائعا لا مفهوم له.
(وقوله: صلاة) أي ولو نفلا (قوله: وأكل) بالرفع، معطوف على صلاة، أي ولا يضر أكل، ولو تفكها.
(قوله: دخل وقتهما) أي وقت الصلاة ووقت الأكل.
وهذا إنما يشمل بالنسبة للصلاة ذات الوقت من فرض أو نفل، ولا يشمل النفل المطلق لأنه ليس له وقت.
ومحله: إذا علم بالعيب قبل الشروع فيه.
أما إذا علم بالعيب وهو في صلاة النفل المطلق: كملها، ولا يؤثر ذلك.
وعبارة الشوبري: وشمل كلامه النافلة مؤقتة، أو ذات سبب، لا مطلقة، إلا إن كان شرع فيتم ما نواه، وإلا اقتصر على ركعتين.
اه.
وفي البجيرمي - بالنسبة لوقت الأكل - ما نصه: وانظر وقت الأكل ماذا؟ هل هو تقديم الطعام، أو قرب حضوره؟ والظاهر أن كلا منهما يقال له وقت الأكل، وكذا توقان نفسه إليه وقته.
(قوله: وقضاء حاجة) معطوف على صلاة، فهو مرفوع، أي ولا يضر قضاء حاجة، من بول، أو غائط، أو جماع، أو دخول حمام.
(قوله: ولاسلامه على البائع) أي ولا يضر في ثبوت الخيار بالعيب: سلام المشتري على البائع بعد علمه بالعيب، ولا يضر أيضا لبسه ما يتجمل به عادة.
(قوله: بخلاف محادثته) أي محادثة المشتري البائع، فإنه يضر.
(قوله: ولو علمه إلخ) أي ولو علم المشتري بالعيب ليلا فله تأخير الرد إلى أن يصبح، لعدم التقصير.
وقيد ابن الرفعة: بكلفة السير فيه، أما إذا لم يكن عليه كلفة بالسير فيه - كأن كان جارا له - فليس له التأخير إلى ذلك، بل يستوي حينئذ الليل والنهار.
(وقوله: حتى يصبح) أي
ويعذر في تأخيره بجهله جواز الرد بالعيب، إن قرب عهده بالاسلام، أو نشأ بعيدا عن العلماء، وبجهل فوريته إن خفي عليه، ثم إن كان البائع في البلد: رده المشتري بنفسه، أو وكليه على البائع أو وكيله، ولو كان البائع غائبا عن البلد، ولا وكيل له بها: رفع الامر إلى الحاكم وجوبا، ولا يوءخر لحضوره.
فإذا عجز عن الانهاء، لنحو مرض، أشهد على الفسخ، فإن عجز عن الاشهاد: لم يلزمه تلفظ، وعلى المشتري ترك استعمال، فلو
ــ
ويدخل الوقت الذي جرت به العادة بانتشار الناس إلى مصالحهم عادة.
اه.
ع ش.
(قوله: ويعذر) أي المشتري.
(وقوله: في تأخيره) أي خيار الرد بالعيب.
(قوله: بجهله) أي المشتري.
(وقوله: جواز إلخ) مفعول جهله.
(قوله: إن قرب إلخ) قيد في كونه يعذر بذلك، أي يعذر بذلك إن قرب عهده بالإسلام.
قال في التحفة: وهو ممن يخفى عليه، بخلاف من يخالطنا من أهل الذمة.
اه.
(قوله: أو نشأ بعيدا عن العلماء) المراد بالبعد هنا - أخذا من كلام الشيخين - أن ينشأ بمحل يجهل أهله الأحكام.
والغالب أن يكون بعيدا عن بلاد العلماء، وهي محل من يعرف الأحكام الظاهرة التي لا تكلف العامة بعلم ما عداها.
ولو فرض أن أهل محل يجهلون ذلك، وهم قريبون ممن يعرف ذلك، كان حكمهم كذلك - فيما يظهر -.
فالتعبير بالبعد ليس بالاشتراط، بل لأنه الغالب في مثل ذلك.
ويجري مثل ذلك في نظائره.
حجر.
ع ش.
بجيرمي.
والمراد بالعلماء: من يعلمون هذا الحكم، وإن لم يعلموا غيره.
(قوله: وبجهل فوريته) معطوف على بجهله جواز الرد، أي ويعذر بجهله أن الرد ثابت فورا.
(وقوله: إن خفي عليه) أي إن خفي عليه هذا الحكم، وهو الرد فورا.
وعبارة التحفة: إن كان عاميا يخفى على مثله.
اه.
ومقتضى قول الشارح إن خفي عليه - من غير تقييده بالقيد الذي جعله قبله، أعني قرب عهده إلخ - أنه يعذر في هذه الصورة، ولو كان مخالطا لأهل العلم، لأن هذا مما يخفى على كثير من الناس.
(قوله: ثم إن إلخ) مرتبط بقوله والخيار فوري.
والأولى التعبير بفاء التفريع، إذ المقام يقتضيه.
(قوله: رده) أي المبيع المعيب.
(قوله: أو وكيله) أي المشتري.
قال في التحفة: ولولي المشتري ووارثه الرد أيضا - كما هو ظاهر - اه .. وذلك لانتقال الحق لهما.
(قوله: على البائع) متعلق برده، أي رده على البائع، أي أو موكله إن كان البائع وكيلا عن غيره في البيع.
(وقوله: أو وكيله) أي البائع الذي وكله في قبول السلع المردودة.
(قوله: ولو كان البائع إلخ) الأولى في المقابلة والأخضر أن يقول: وإن كان غائبا عنها إلخ.
قال في شرح الروض: وألحق في الذخائر: الحاضر بالبلد إذا خيف هربه الغائب عنها.
اه.
(قوله: ولا وكيل له) أي للبائع.
(وقوله: بها) أي بالبلد.
(قوله: رفع الأمر) أي شأن الفسخ، بأن يدعي رافع الأمر شراء ذلك الشئ من فلان الغائب بثمن معلوم قبضه، ثم ظهر العيب، وأنه فسخ البيع، ويقيم البينة بذلك، ويحلفه أن الأمر جرى كذلك، ويحكم بالرد على الغائب، ويبقى الثمن دينا عليه، ويأخذ المبيع، ويضعه عند عدل، ويقضى الدين من مال الغائب، فإن لم يجد له سوى المبيع باعه.
اه.
شرح المنهج.
(وقوله: إلى الحاكم) بقي ما لو كان غائبا، ولا وكيل له بالبلد، ولا حكم بها، ولا شهود، فهل يلزمه السفر إليه، أو إلى الحاكم إذا أمكنه ذلك بلا مشقة لا تحتمل؟ وقد يفهم من المقام اللزوم.
اه.
سم.
(وقوله: وجوبا) معنى كونه واجبا أنه إذا تراخى عن الرفع للحاكم سقط حقه من الرد، لا أنه يأثم بتركه.
(قوله: ولا يؤخر لحضوره) أي ولا يؤخر المشتري
الرد لحضور الغائب.
قال سم: ينبغي ولا للذهاب إليه.
اه.
(قوله: فإذا عجز) أي المشتري.
(وقوله: عن الإنهاء) أي رفع الأمر للحاكم.
(وقوله: لنحو مرض) أي كخوف من عدو.
(قوله: أشهد على الفسخ) أي لزوما.
وعبارة المنهاج: ويلزمه الإشهاد على الفسخ.
اه.
قال في المغني: لأن الترك يحتمل الإعراض، وأصل البيع اللزوم، فنعين الإشهاد بعدلين - كما قاله القاضي حسين، والغزالي - أو عدل ليحلف معه - كما قاله ابن الرفعة - وهو الظاهر.
اه.
(قوله: فإن عجز عن الإشهاد) أي على الفسخ، بأن لم يلق من يشهده.
(وقوله: لم يلزمه تلفظ) أي بالفسح، وذلك لأنه يبعد لزومه من غير سامع، فيؤخبره إلا أن يأتي به عند المردود عليه - أو الحاكم - لعدم فائدته قبل ذلك.
(قوله: وعلى المشتري) أي يجب عليه بعد الاطلاع على العيب وقبل الرد.
(وقوله: ترك استعمال) أي للمبيع.
استخدم رقيقا، ولو بقوله اسقني، أو ناولني الثوب، أو أغلق الباب، فلا رد قهرا، وإن يفعل الرقيق ما أمر به، فإن فعل شيئا من ذلك بلا طلب: لم يضر.
(فرع) لو باع حيوانا أو غيره بشرط براءته من العيوب في المبيع أو أن لا يرد بها: صح العقد، وبرئ من عيب باطن بالحيوان موجود حال العقد لم يعلمه البائع، لا عن عيب باطن في غير الحيوان، ولا ظاهر فيه.
ولو
ــ
والاستعمال طلب العمل، فلو خدمه وهو ساكت، لم يضر.
كذا في ع ش، نقلا عن سم.
وفي المغني نقلا عن الأسنوي - وهو ما يصرح به قول شارحنا، فإن فعل شيئا من ذلك بلا طلب، لم يضره.
والذي يصرح به عبارة التحفة والنهاية أن الطلب ليس بقيد، بل المدار على ما يعد انتفاعا - سواء كان بطلب، أم بغير طلب - كما ستقف على عبارتهما قريبا عند قوله: فلو استخدم إلخ.
ويستثنى من وجوب ترك الاستعمال: ركوب ما عسر سوقه وقوده، فلا يضر.
(قوله: فلو استخدم رقيقا) أي طلب منه أن يخدمه، كقوله اسقني، أو اغلق الباب، وإن لم يطعه، أو استعمله، كأن أعطاه الكوز من غير طلب، فأخذه، ثم أعاد إليه، بخلاف مجرد أخذه منه من غير رده، لأن وضعه بيده كوضعه بالأرض.
اه.
تحفة.
ومثلها النهاية.
وقوله: أو استعمله: معطوف على طلب، أي استعمله وانتفع به من غير طلب.
وعبارة البجيرمي: ومثل استخدامه: خدمته - كأن أعطاه كوزا من غير طلب، فأخذه، ثم رده له، بخلاف ما إذا لم يرده له - لأن مجرد أخذ السيد له لا يعد استعمالا، لأن وضعه في يد السيد كوضعه في الأرض.
اه.
وعبارة المغني: (تنبيه) أفهم كلام المصنف - أن الرقيق لو خدم المشتري، وهو ساكت لم يؤثر، لأن الاستخدام طلب العمل، وهو متجه - كما قاله الأسنوي.
اه.
(قوله: أو ناولني الثوب) ومثله، ما لو أشار إليه - كما هو ظاهر -.
وأما الكتابة، فيحتمل أنه إن دلت قرينة على
الطلب منه أو نواه بطل خياره، وإلا فهي كالنية.
ع ش.
(قوله: فلا رد قهرا) أي الرد القهري من المشتري ينتفي بالاستعمال المذكور، لإشعاره بالرضا بالعيب.
(وقوله: وإن لم يفعل الرقيق ما أمر به) غاية لنفي الرد القهري.
(قوله: فإن فعل) أي الرقيق شيئا من ذلك، أي المذكور من السقي، والمناولة، والإغلاق (وقوله: لم يضر) تبع فيه الخطيب، وسم على المنهج والذي عليه شيخه حجر و: م.
ر: أنه إذا استعمله من غير طلب: ضر أيضا - كما يعلم من عبارتهما المارة.
- (قوله: فرع) الأولى فروع - بصيغة الجمع - وهي أربعة: قوله لو باع، وقوله ولو اختلفا، وقوله ولو حدث عيب، وقوله ويتبع في الرد.
(قوله: لو باع) أي العاقد - سواء كان متصرفا عن نفسه أو وليا، أو وصيا، أو حاكما، أو غيرهم - كما يفيده إطلاقه.
(قوله: أو غيره) أي غير حيوان، كقماش.
(قوله: بشرط براءته) أي بأن قال بعتك بشرط أني برئ من العيوب التي بالمبيع، ومثله ما لو قال: إن به جميع العيوب، أو لا يرد علي بعيب، أو عظم في قفة، أو أعلمك أن به جميع العيوب، فيصح العقد مطلقا، لأنه شرط يؤكد العقد، ويوافق ظاهر الحال من السلامة من العيوب.
اه.
خضر.
فالضمير في قوله براءته: للبائع.
وأما شرط براءة المبيع - بأن قال بشرط أنه سليم أو لا عيب فيه - فالظاهر أن لا يبرأ عن العيب المذكور - كما قال ح ل - وإن كان البيع صحيحا.
اه.
بجيرمي.
(قوله: في المبيع) المقام للإضمار، فالأولى أن يقول فيه بالضمير العائد على ما ذكر من الحيوان أو غيره، ومثل المبيع: الثمن، فلو اشتري بشرط براءته من العيوب في الثمن: صح العقد، وبرئ إلخ.
ولعله ترك التنبيه عليه لما مر من أن الثمن مضبوط غالبا، فلا يحتاج إلى شرط البراءة فيه.
(قوله: أو إن لا يرد) معطوف على براءته، أي أو بشرط أن لا يرد بالعيوب الكائنة فيه.
(قوله: صح العقد) جواب لو.
(قوله: وبرئ من عيب باطن) أي وهو ما يعسر الإطلاع عليه، ومنه: الزنا، والسرقة، والكفر.
والظاهر: بخلافه، ومنه:
اختلفا في قدم العيب، واحتمل صدق كل: صدق البائع بيمينه في دعواه حدوثه، لان الاصل: لزوم العقد.
وقيل لان الاصل عدم العيب في يده.
ولو حدث عيب لا يعرف القديم بدونه ككسر بيض، وجوز، وتقوير بطيخ مدود، رد ولا أرش عليه للحادث، ويتبع في الرد بالعيب: الزيادة المتصلة، كالسمن، وتعلم الصنعة، ولو
ــ
نتن لحم الجلالة، لأنه يسهل فيه ذلك.
وقيل: الباطن ما يوجد في محل لا تجب رؤيته في المبيع لأجل صحة البيع، والظاهر بخلافه.
(قوله: موجود حال العقد) خرج به: ما إذا وجد بعد العقد وقبل القبض - فلا يبرأ منه البائع مطلقا - سواء علمه أم لا، ظاهرا كان أو باطنا، وذلك لانصراف الشرط إلى ما كان موجودا عند العقد فقط.
(قوله: لم يعلمه البائع) خرج به ما إذا علمه - فلا يبرأ منه - لتقصيره بكتمه إذ هو تدليس يأثم به.
(قوله: لا عن عيب باطن في غير الحيوان) أي لا يبرأ عن عيب باطن فيه.
وفارق الحيوان: غيره، بأنه يأكل في حالتي صحته وسقمه، فقلما ينفك عن عيب ظاهر أو خفي، فاحتاج البائع لهذا الشرط ليثق بلزوم البيع فيما يعذر فيه.
بخلاف غير الحيوان، فالغالب عليه: عدم التغير،
فلذلك لم يبرأ من عيبه مطلقا.
(وقوله: لا ظاهر فيه) أي ولا يبرأ عن عيب ظاهر في الحيوان مطلقا، علمه أم لا.
(قوله: ولو اختلفا) أي العاقدان.
(وقوله: في قدم العيب) أي وحدوثه، وذلك بأن ادعى المشتري أنه قديم ليرد على البائع، وادعى البائع أنه حادث فلا يرد عليه.
(قوله: واحتمل صدق كل) أي أمكن حدوثه وقدمه.
واحترز بذلك عما إذا لم يمكن إلا حدوثه - كما لو كان الجرح طريا، والبيع والقبض من سنة، وعما إذا لم يمكن إلا قدمه - كما لو كان الجرح مندملا، والبيع والقبض من أمس - فإنه يصدق في الأول: البائع، وفي الثاني: المشتري (قوله: صدق البائع بيمينه) أو يحلف على حسب جوابه، فإن قال في جوابه: ليس له الرد علي بالعيب الذي ذكره، أو لا يلزمني قبوله، حلف على ذلك.
أو قال في جوابه: ما أقبضته وبه هذا العيب، أو ما أقبضته إلا سليما من العيب، حلف على ذلك.
والجوابان الأولان عامان، لشمولهما لعدم وجود العيب عند البائع، ولوجوده مع علم المشتري به.
والآخران خاصان.
ولو أبدل أحد العامين بالآخر، أو أحد الخاصين بالآخر: كفى.
وكذا لو أبدل العام بالخاص، لأنه غلظ على نفسه، بخلاف ما لو أبدل الخاص بالعام بأن كان جوابه خاصا، وذكر في يمينه العام، فلا يكفي.
أفاده في النهاية.
(قوله: في دعواه) متعلق بصدق، وضميره يعود على البائع.
(وقوله: حدوثه) مفعول المصدر، وضميره يعود على العيب.
(قوله: لأن الأصل لزوم العقد) أي استمراره، وإنما حلف مع أن الأصل معه، لاحتمال صدق المشتري.
قال في شرح المنهج: نعم، لو ادعى قدم عيبين، فأقر البائع بقدم أحدهما، وادعى حدوث الآخر، فالمصدق: المشتري بيمينه، لأن الرد يثبت بإقرار البائع بأحدهما، فلا يبطل بالشك.
اه.
(قوله: وقيل لأن الأصل عدم العيب في يده) أي البائع.
(قوله: ولو حدث عيب) أي في المبيع.
(قوله: لا يعرف القديم بدونه) أي الحادث.
وفي العبارة حذف، أي وجد عيب قديم، لكن لا يعرف - أي لا يطلع عليه إلا بذلك الحادث - فإن أمكن معرفة القديم بأقل مما أحدثه - كتقرير بطيخ حامض، يمكن معرفة حموضته بغرز شئ فيه، وكتقوير بطيخ كبير يستغنى عنه بصغير - سقط الرد القهري.
(قوله: ككسر إلخ) تمثيل للعيب الحادث الذي لا يعرف القديم إلا به.
(وقوله: بيض) أي لنحو نعام - كما في التحفة، ولعله سقط هنا من الناسخ - فلو اشترى بيض نعام، على أن فيه فرخا، فكسره - أي ثقبه - فوجد خاليا من الفرخ، رده بالعيب القديم.
وخرج به: بيض غير النعام - كبيض الدجاج إذا وجده بعد كسره مذرا، فإن البيع يبطل فيه، لوروده على غير متقوم، فيرجع المشتري بجميع الثمن، فلا يتصور فيه رد، بخلاف الأول، فإن قشره متقوم، فهو يثبت فيه الرد، فإن لم يرده فلا شئ له.
(وقوله: وتقوير بطيخ) - بكسر الباء أشهر من فتحها، ومثله كل ما مأكوله في جوفه، كالرمان.
(وقوله: مدود) أي بعضه.
واحترز بالبعض
عما إذا دود كله فإنه يوجب فساد البيع لأنه غير متقوم، فيرجع المشتري بكل ثمنه.
قال في التحفة: ولو اشترى نحو بيض أو بطيخ كثير، فكسر واحدة، فوجدها معيبة لم يتجاوزها - لثبوت مقتضى رد الكل بذلك، لما يأتي من امتناع رد البعض فقط.
وإن كسر الثانية فلا رد له مطلقا - على الأوجه - لأنه وقف على العيب المقتضي للرد بالأول، فكان الثاني: عيبا حادثا.
ويظهر أنه لو اطلع على العيب في واحدة بعد كسر أخرى: كان الحكم كذلك.
اه.
(قوله: رد) أي ذلك المبيع،
بأجرة، وحمل قارن بيعا، لا المنفصلة: كالولد، والثمر، وكذا الحمل الحادث في ملك المشتري، فلا تتبع في الرد، بل هي للمشتري.
صل في حكم المبيع قبل القبض (المبيع قبل قبضه من ضمان بائع) بمعنى انفساخ البيع بتلفه أو إتلاف بائع، وثبوت الخيار بتعيبه أو
ــ
وهو جواب لو.
(قوله: ولا أرش عليه) أي على المشتري الراد لتسليط البائع له على كسره، لتوقف علم عيبه عليه.
والأرش - بوزن العرش - في الأصل: دية الجراحات، ثم استعمل في التفاوت بين قيم الأشياء - كما لو كانت قيمة المبيع سليما مائة، ومعيبا تسعين - فالأرش: التفاوت الحاصل بين القيمتين، وهو - هنا - عشرة.
(قوله: ويتبع) أي المبيع المعيب الذي رد.
(قوله: الزيادة) فاعل يتبع.
(وقوله: المتصلة) أي بالمبيع، ومثله الثمن.
(قوله: كالسمن) بكسر، ففتح، وهو تمثيل للزيادة المتصلة.
ومثله: كبر الشجرة.
(قوله: وتعلم الصنعة) أي والقرآن.
(قوله: ولو بأجرة) أي ولو كان التعلم بأجرة.
وعبارة التحفة: ولو بمعلم بأجرة - كما اقتضاه إطلاقهم هنا - لكنهم في الفلس قيدوه بصنعة بلا تعلم، فيحتمل أن يقال به هنا، بجامع أن المشتري غرم مالا في كل منهما، فلا يفوت عليه.
اه.
(قوله: وحمل) معطوف على السمن، فهو مثال للزيادة المتصلة، وفيه أنه حيث قارن البيع لم تكن زيادة.
وعبارة المنهج: كحمل - بالكاف - وكتب البجيرمي عليه ما نصه: قوله كحمل، وهو تنظير، لا مثال، بدليل إعادة الكاف، وعدم عطفه على ما مثل به، وأيضا الفرض أنه قارن، فلم تكن زيادة.
قال في شرح البهجة - بعد تقرير ما ذكر -: ويمكن جعله مثالا، بحذف مضاف - أي وكزيادة الحمل - بمعنى نموه وكبره.
شوبري.
اه.
وهو يتبع أمه، وإن انفصل إن كان له الرد: بأن لم تنقص أمه بالولادة.
أما إذا نقصت بذلك فإنه يسقط الرد القهري، لحدوث العيب بها عند المشتري، وله الأرش.
(قوله: لا المنفصلة) أي لا تتبع الزيادة المنفصلة.
قال في التحفة: عينا ومنفعة.
(قوله: كالولد والثمر) تمثيل للمنفصلة عينا، ولم يمثل للمنفصلة منفعة.
ومثالها: الأجرة.
(قوله: وكذا الحمل الحادث) أي ومثل الزيادة المنفصلة: الحمل الحادث في ملك المشتري.
وفي البجيرمي: قال والد شيخنا: الراجح أن الصوف واللبن كالحمل، أي فيكون الحادث للمشتري، سواء انفصل قبل الرد أو لا.
ومثلهما: البيض - كما هو ظاهر -.
اه.
(وقوله: فلا تتبع) أي الزيادة
المنفصلة المبيع.
(وقوله: بل هي) أي الزيادة المذكورة تبقى للمشتري، والحمل المذكور مثلها، يأخذه المشتري إذا انفصل.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في حكم المبيع قبل القبض أي في بيان حكم ذلك، وهو أنه من ضمان البائع، بمعنى الانفساخ بالتلف، وثبوت الخيار بالتعيب، وعدم صحة التصرف فيه، فالأحكام - في الحقيقة - ثلاثة، ومثل المبيع - فيما ذكر - الثمن المعين.
(قوله: المبيع) خرج به: زوائده المنفصلة، الحادثة بعد البيع وقبل قبض المبيع، فهي أمانة تحت يد البائع، ولا أجرة لها، وإن استعملها البائع ولو بعد طلب المشتري لها كالمبيع، فإنه لا أجرة له إذا استعمله البائع.
(قوله: قبل قبضه) أي الواقع عن البيع، فلو أقبضه إياه: لا عن البيع، بل على أنه وديعة عنده، فهو كالعدم، فيكون باقيا على ضمان البائع.
(قوله: من ضمان بائع) أي وإن عرضه على المشتري فلم يقبله لبقاء سلطنته عليه، وإن قال له المشتري هو وديعة عندك.
والمراد بالبائع: المالك، وإن صدر العقد من وليه أو وكيله.
(قوله: بمعنى انفساخ) يعني أن معنى كونه في ضمان البائع: انفساخ إلخ.
وكون هذا يقال له ضمان مجرد اصطلاح، ولا مشاحة فيه.
وهذا الضمان يسمى ضمان عقد، وذلك لأن
تعييب بائع، أو أجنبي، وبإتلاف أجنبي.
فلو تلف بآفة، أو أتلفه البائع: انفسخ البيع (وإتلاف مشتر قبض) وإن جهل أنه للبيع (ويبطل تصرف) ولو مع بائع (بنحو بيع) كهبة، وصدقة، وإجارة ورهن، وإقراض:(فيما لم يقبض، لا بنحو إعتاق) وتزويج، ووقف: لتشوف الشارع إلى العتق، ولعدم توقفه على القدرة بدليل صحة إعتاق الآبق، ويكون به المشتري قابضا ولا يكون قابضا بالتزويج (وقبض غير منقول) من أرض ودار وشجر (بتخلية لمشتر) بأن يمكنه منه البائع مع تسليمه المفتاح وإفراغه من أمتعة غير المشتري (و) قبض (منقول) من
ــ
المال الذي تحت يد غيره: إما مضمون ضمان عقد كالمبيع والثمن، وإما مضمون ضمان يد كالمغصوب والمعار، وإما غير مضمون أصلا كالمال الذي تحت يد الشريك أو الوكيل.
(وقوله: بتلفه) أي بنفسه، بأن يكون بآفة سماوية.
(وقوله: أو إتلاف بائع) أي ولو بإذن المشتري.
(قوله: وثبوت الخيار إلخ) معطوف على انفساخ البيع، أي وبمعنى ثبوت الخيار.
(وقوله: بتعيبه) أي المبيع بنفسه.
(وقوله: أو تعييب إلخ) أي بفعل فاعل.
(قوله: بإتلاف أجنبي) معطوف على بتعيبه.
أي ويثبت خيار المشتري بإتلاف أجنبي له، فهو يتخير بين إجازة البيع وفسخه، لفوات غرضه في العين، فإن أجاز البيع غرم الأجنبي البدل، وإن فسخ غرمه البائع إياه.
(قوله: فلو تلف إلخ) هذا لا حاجة إليه بعد قوله بمعنى انفساخ البيع بتلفه أو إتلاف بائع، إلا أن يكون هذا من المتن - كالمنهج والمنهاج - لكن الذي بأيدينا من النسج أنه من الشرح.
(قوله: انفسخ البيع) أي لتعذر قبضه، مع عدم قيام البدل مقامه، فسقط الثمن عن المشتري، ويقدر انتقال ملك المبيع للبائع قبيل التلف، فتكون زوائده للمشتري، حيث لا خيار أو تخير وحده.
وقولي مع عدم قيام إلخ: خرج به ما إذا أتلفه أجنبي، فإنه لا ينفسخ البيع به، بل يثبت الخيار للمشتري - كما مر - لوجوب بدله على المتلف له.
(قوله: وإتلاف مشتر قبض)
أي فيبرأ منه البائع.
ومحل ذلك: ما لم يكن إتلافه له بحق - كصيال وقود - وكان المشتري الإمام، فإن كان كذلك فليس بقبض.
(قوله: وإن جهل) أي المشتري.
وهو غاية لكون إتلافه قبضا.
(قوله: أنه) أي ما أتلفه.
(قوله: ويبطل تصرف) أي في المبيع، بخلاف زوائده الحادثة بعد العقد، فيصح بيعها، لانتفاء ضمانها - كما تقدم -.
(قوله: ولو مع بائع) الغاية للرد أي ويبطل التصرف ولو كان مع البائع بأن يبيعه له.
نعم، إن باعه للبائع بعين الثمن المعين إن كان باقيا أو بمثله، إن كان تالفا أو في الذمة، صح، وكان إقالة بلفظ البيع.
(قوله: بنحو بيع) إجماعا في الطعام، ولحديث حكيم بن حزام بإسناد حسن: يا ابن أخي، لا تبيعن شيئا حتى تقبضه.
وعلته ضعف الملك، لانفساخه بتلفه.
تحفة.
(قوله: كهبة إلخ) تمثل لنحو البيع.
(قوله: فيما لم يقبض) متعلق بتصرف، ومثله المقبوض إن كان الخيار للبائع أو لهما.
(قوله: لا بنحو إعتاق) أي لا يبطل التصرف بنحو إعتاق.
ودخل تحت النحو: الإيلاد والتدبير.
(قوله: وتزويج الخ) معطوف على نحو، من عطف الخاص على العام.
والأولى كتزويج - بكاف التمثيل - (وقوله: ووقف) أي سواء كان على معين أو لا.
(قوله: لتشوف الشارع إلى العتق) أي وإنما لم يبطل التصرف بذلك لتشوف الشارع إلى العتق - أي تطلعه - وفي معنى العتق: البقية - من حيث إن في كل تصرفا من غير عوض في الجملة، أو تصرفا لا إلى مالك في الجملة، فلا يرد على الأول التزويج، ولا على الثاني الوصية.
أفاده الجمل.
(وقوله: ولعدم توقفه) أي العتق على القدرة، أي قدرة التسليم، بدليل صحة إعتاق الآبق.
(قوله: ويكون به) أي بالإعتاق قابضا، ومثله الوقف والإيلاد.
وفي البجيرمي: وانظر، هل يترتب على كونه قابضا أو غير قابض فائدة؟ لأن الفرض أنه خرج عن ملكه؟ (قوله: ولا يكون قابضا بالتزويج) أي ونحو كالتدبير والوصية، فإن تلف: كان من ضمان البائع.
(قوله: وقبض غير منقول) أي حاضر بمحل العقد، فإن كان غائبا فسيذكر حكمه قريبا.
وهذا بيان لحقيقة القبض المترتب عليه ضمان البائع قبله، فهو جواب سؤال، كأنه قيل له: ما القبض؟ فبينه بقوله: وقبض إلخ.
(قوله: من أرض) بيان لغير المنقول.
(وقوله: وشجر) أي وإن بيع بشرط القطع.
ومثل الشجرة: الثمرة المبيعة قبل أوان الجذاذ.
فهو من غير المنقول، إذ المراد به ما لا يمكن نقله بحالة الذي هو عليه حالة البيع، والثمرة قبل ذلك كذلك.
أما المبيعة بعد أوان الجذاذ فهي منقولة، فلا بد من نقلها - كذا في التحفة -.
(قوله: بتخلية) متعلق بمحذوف خبر قبض، أي أن قبض ذلك كائن بتخلية، ولا بد من لفظ يدل عليها،
سفينة أو حيوان (بنقله) من محله إلى محل آخر مع تفريغ السفينة، ويحصل القبض أيضا بوضع البائع للمنقول بين يدي المشتري بحيث لو مد إليه يده لناله.
وإن قال: لا أريده وشرط في غائب عن محل العقد، مع إذن البائع في القبض، مضى زمن يمكن فيه المضي إليه عادة.
ويجوز لمشتر استقلال بقبض للمبيع إن كان الثمن
ــ
كخليت بينك وبينه.
(قوله: بأن يمكنه) تصوير للتخيلة، والضمير راجع للمشتري.
(وقوله: منه) أي من المبيع غير
المنقول.
(قوله: البائع) فاعل الفعل.
(قوله: مع تسليمه المفتاح) أي إن كان مغلقا، وكان المفتاح موجودا.
ولو اشتملت الدار على أماكن بها مفاتيح: فلا بد من تسليم تلك المفاتيح، وإن كانت تلك الأماكن صغيرة - كالخزائن الخشب - اه.
ح ل.
فالمراد بالمفتاح: الجنس.
فلو قال له البائع: تسلمه واضع له مفتاحا، فينبغي أن يستغني بذلك عن تسليم المفتاح.
سم.
بجيرمي.
(قوله: وإفراغه إلخ) بالجر، عطف على تسليمه، وهو مضاف للمضير العائد على غير المنقول من إضافة المصدر إلى مفعوله.
(قوله: من أمتعة غير المشتري) أي من بائع، ومستأجر، ومستعير، وموصى له بالمنفعة.
أما أمتعة المشتري: فلا يشترط إفراغه منها.
قال ع ش: والمراد بالمشتري من وقع له الشراء، فبقاء أمتعة الوكيل، والولي مانع من صحة القبض، لأنها تمنع من دخول المبيع في يد من وقع له الشراء.
اه.
وفي سم ما نصه: هل يجري هذا الشري - وهو فراغه من أمتعة غير المشتري - في المنقول، حتى لو كان المبيع ظرفا كإناء وزنبيل مشغول بأمتعة غير المشتري لم يكف نقله قبل تفريغه؟ فيه نظر، ولا يبعد الجريان، وإن كان نقل المنقول استيلاء حقيقيا.
اه.
(قوله: وقبض منقول) أي حاضر بمحل العقد ثقيل.
وخرج بالحاضر: الغائب - وسيذكر حكمه قريبا -، وبالثقيل: الخفيف - فقبضه تناوله باليد إن لم يكن بيد المشتري، فإن كان بيده اعتبر في قبضه مضي زمن يمكن فيه النقل أو التخلية، ولا يحتاج فيه إلى إذن البائع، إلا إن كان له حق الحبس.
(وقوله: من سفينة) أي يمكن جرها - كما في التحفة والنهاية - فإن لم يمكن جرها فهي كالعقار، سواء كانت في البر أو البحر.
(قوله: بنقله) متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وهو قبض، المقدر بين العاطف والمعطوف - أي وقبض المنقول كائن بنقله، ونقل مصدر مضاف لمفعوله بعد حذف الفاعل - أي نقل المشترى إياه، وذلك لما روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نشتري الطعام جزافا، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه.
وقيس بالطعام: غيره.
والمراد بنقله: تحويل المشتري له - ولو بنائبه -.
قال سم: ولو تبعا، لتحويل منقول آخر هو بعض المبيع، كما لو اشترى عبدا وثوبا هو حامله، فإذا أمره بالانتقال بالثوب: حصل قبضهما.
اه.
(قوله من محله) أي المنقول، أي المحل الذي فيه ذلك المنقول.
(وقوله: إلى محل آخر) أي لا يختص به البائع - كشارع أو دار للمشتري - أو يختص به لكن كان النقل إليه بإذنه، فيكون حينئذ معيرا له.
(قوله: مع تفريغ السفينة) أي من الأمتعة التي لغير المشتري، ومثل السفينة: كل منقول، فلا بد من تفريغه - كما مر عن سم -.
(قوله: ويحصل القبض
أيضا) أي كما يحصل بما مر.
(قوله: بوضع البائع المنقول) أي الخفيف.
(وقوله: بين يدي المشتري) أي أو عن يمينه أو يساره أو خلفه.
فالمراد: وضعه في مكان يلاحظه فيه.
(وقوله: بحيث لو مد) أي المشتري.
(وقوله: إليه) أي المنقول.
(قوله: لناله) أي أمسكه، وأخذه.
(قوله: وإن قال) أي المشتري، وهو غاية لحصول القبض بوضعه بين يدي المشتري.
(وقوله: لا أريده) أي المنقول المبيع.
وفي التحفة ما نصه: نعم، إن وضعه بغير أمره فخرج مستحقا لم يضمنه، لأنه لم يضع يده عليه، وضمان اليد لا بد فيه من حقيقة وضعها.
اه.
(قوله: وشرط في غائب) أي في صحة قبض مبيع غائب مطلقا - منقولا، أو غير منقول -.
(وقوله: عن محل العقد) أي مجلسه، وإن كان بالبلد.
اه.
ع ش.
(قوله: مع إذن البائع في القبض) الظرف المذكور متعلق بشرط.
(قوله: مضي زمن) نائب فاعل شرط، وإنما اشترط ذلك: لأن الحضور الذي كنا نوجبه - لولا المشقة - لا يتأتى إلا بهذا الزمن، فلما أسقطناه لمعنى ليس موجودا في الزمن
مؤجلا، أو سلم الحال.
(وجاز استبدال) في غير ربوي بيع بمثله من جنسه (عن ثمن) نقد أو غيره: لخبر ابن عمر رضي الله عنه: كنت أبيع الابل بالدنانير، وآخذ مكانها الدارهم، وأبيع بالدراهم، وآخذ مكانها الدنانير، فأتيت رسول الله (ص)، فسألته عن ذلك، فقال: لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ (و) عن (دين)
ــ
بقي اعتبار الزمن.
اه.
شرح المنهج.
(قوله: يمكن فيه المضي إليه) أي الوصول إلى ذلك المبيع الغائب.
ويشترط أيضا أن يمكن فيه النقل في المنقول، والتخلية والتفريغ في غيره.
فالشرط في الجميع: الإمكان.
وهذا إن كان المبيع بيد المشتري، فإن كان بيد غيره فلا بد بعد مضي إمكان الوصول إليه من النقل بالفعل في المنقول، والتخلية والتفريغ في غيره.
(قوله: ويجوز لمشتري استقلال بقبض) أي بمعنى أنه لا يتوقف صحة قبضه على تسليم البائع ولا إذنه في القبض، ولكن إن كان المبيع في دار البائع أو غيره، لم يكن للمشتري الدخول لأخذه من غير إذن في الدخول، لما يترتب عليه من الفتنة وهتك ملك الغير بالدخول.
فإن امتنع صاحب الدار من تمكينه جاز له الدخول لأخذ حقه، لأن صاحب الدار - بامتناعه من التمكين - يصير كالغاصب للمبيع.
ع ش.
(وقوله: إن كان الثمن مؤجلا) أي وإن حل بعده، وإنما جاز له ذلك لأن البائع رضي ببقائه في ذمته.
(وقوله: أو سلم الحال) أي أو لم يكن مؤجلا، بل كان حالا كله أو بعضه، وسلم الحال - أي لمستحقه - فإن لم يسلمه لم يستقل بقبضه، فإن استقل به لزمه رده، لأن البائع يستحق حبسه، ولا ينفذ تصرفه فيه.
(قوله: وجاز استبدال) أي ولو قبض المبيع، لكن بعد لزوم العقد - لا قبله -.
قال في التحفة: وشرط الإستبدال لفظ يدل عليه صريحا أو كناية مع النية - كأخذته عنه -.
وقوله: لفظ: أي إيجاب وقبول، والأول من المشتري كاستبدلتك هذه الدراهم بهذه الإبل، أو خذ هذه بدل هذه، فيقول البائع قبلت، أو أخذته منك - فلو لم يوجد لفظ لا يصح الاستبدال - فلا يملك ما يأخذه.
قال سم: وبحث الأذرعي الصحة، بناء على صحة
المعاطاة.
اه.
(قوله: في غير ربوي) متعلق بجاز، وخرج به الربوي، فلا يجوز الاستبدال عنه، إذا لم يوجد قبض في المجلس، لتفويته ما شرط فيه من قبض ما وقع العقد به.
وعبارة شرح الروض: هذا كله فيما لا يشترط قبضه في المجلس، أما غيره - كربوي بيع بمثله، ورأس مال سلم - فلا يجوز الاستبدال عنه، إذا لم يوجد قبض المعقود عليه في المجلس.
إلخ.
اه.
(قوله: بيع بمثله) الجملة صفة لربوي: أي ربوي موصوف بأنه بيع ربوي مثله.
(وقوله: من جنسه) حال من مثله - أي حال كون ذلك المثل من جنس الربوي.
قال سم: لم يذكر هذا القيد في شرح الإرشاد، ولا في شرح الروض.
اه.
(قوله: عن ثمن) متعلق باستبدال، والمراد ثمن في الذمة.
(وقوله: نقد أو غيره) تعميم في الثمن - أي لا فرق في الثمن الكائن في الذمة بين أن يكون نقدا - أي دراهم أو دنانير - أو غير نقد.
قال في التحفة: والثمن النقد إن وجد أحد الطرفين، وإلا فما اتصلت به الباء، والمثمن مقابله.
نعم، الأوجه فيما لو باع قنه مثلا بدراهم سلما أنه لا يصح الاستبدال عنها، وإن كانت ثمنا لأنها في الحقيقة مسلم فيها، فليقيد بذلك إطلاقهم صحة الإستبدال عن الثمن.
اه.
(قوله: لخبر إلخ) تعليل لجواز الإستبدال عن الثمن.
(قوله: كنت إلخ) أي قال: كنت إلخ.
فهو مقول لقول محذوف.
(قوله: فسألته عن ذلك) أي أخذ الدراهم بدل الدنانير، وأخذ الدنانير بدل الدراهم.
والمراد: سألته عن حكم ذلك، هل هو جائز أو لا؟ (قوله: فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم.
(وقوله: لا بأس) أي لا لوم.
(وقوله: وليس بينكما شئ) أي من عقد الاستبدال.
قال في حاشية الجمل: وهو إشارة إلى التقابض.
اه.
أي إلى أن الاستبدال من جنس الربوي يشترط في صحته التقابض في المجلس، كاستبدال الدراهم بالدنانير، وعكسه في السؤال.
(قوله: وعن دين) معطوف على ثمن، أي وجاز استبدال عن دين، أي غير ثمن وغير مثمن.
أما الأول فقد ذكره قبل.
وأما الثاني فلا يجوز الاستبدال عنه - كما سيذكره بقوله: ولا يبدل نوع أسلم فيه أو مبيع في الذمة إلخ - وصنيعه: يفيد أن الثمن المعطوف عليه غير دين، مع أنه دين - كما علمت - فلو
قرض، وأجرة، وصداق، لا عن مسلم فيه، لعدم استقراره.
ولو استبدل موافقا في علة الربا، كدرهم عن دينار، اشترط قبض البدل في المجلس، حذرا من الربا، لا إن استبدل ما لا يوافقه في العلة، كطعام عن درهم
، ولا يبدل نوع أسلم فيه، أو مبيع في الذمة عقد بغير لفظ السلم بنوع آخر، ولو من جنسه: كحنظة سمراء عن بيضاء، لان المبيع مع تعينه لا يجوز بيعه قبل قبضه، فمع كونه في الذمة.
أولى.
نعم، يجوز إبداله بنوعه الاجود، وكذا الاردأ بالتراضي.
ــ
قال - كما في المنهج - وصح استبدال عن دين غير مثمن بغير دين ودين قرض، لكان أولى وأخصر.
(قوله: قرض إلخ) بدل من دين، وعطف بيان له.
(قوله: لا عن مسلم فيه) أي لا يجوز الاستبدال عنه، لكن بما لم يتضمن إقالة، بأن كان بغير جنس رأس مال المسلم فيه، أو نقص.
أما لو استبدل بما يتضمن ذلك فإنه يصح، ويكون إقالة.
(وقوله: لعدم استقراره) أي المسلم فيه، وذلك لأنه معرض بانقطاعه للفسخ، ولأن عينه تقصد.
(قوله: ولو استبدل موافقا إلخ)
بيان لمفهوم قوله في غير ربوي.
(وقوله: في علة الربا) يفيد أن قوله المار من جنسه: ليس بقيد، فهو مؤيد لما علمته عن سم.
(قوله: كدرهم عن دينار) أي كاستبدال درهم عن دينار واقع ثمنا لمتاع.
(قوله: اشترط إلخ) جواب لو.
(وقوله: قبض البدل في المجلس) قال في التحفة مع المتن: والأصح أنه لا يشترط التعيين للبدل في العقد - أي عقد الاستبدال - بأن يقول هذا.
(قوله: حذرا من الربا) علة لاشتراط ذلك.
(قوله: لا إن استبدل) أي لا يشترط قبض البدل في المجلس إن استبدل إلخ، وذلك لعدم الربا فيه.
قال في النهاية: لكن لا بد من التعيين في المجلس قطعا.
(قوله: ولا يبدل نوع أسلم فيه) هذا عين قوله لا عن مسلم فيه، فالأولى حذفه والاقتصار على المعطوف بعده، كأن يقول ولا يبدل نوع مبيع في الذمة إلخ.
ولو قال بدل قوله لا عن مسلم فيه: لاعن مثمن في الذمة مسلما فيه، أو مبيعا في الذمة بغير لفظ السلم، لكان أولى وأخصر.
وعبارة التحفة مع المنهاج: ولا يصح بيع المثمن الذي في الذمة نحو المسلم فيه، ولا الاعتياض عنه قبل قبضه بغير نوعه، لعموم النهي عن بيع، ما لم يقبض، ولعدم استقراره، فإنه معرض بانقطاعه للانفساخ، أو الفسخ.
والحيلة في ذلك: أن يتفاسخا عقد السلم، ليصير رأس المال دينا في ذمته، ثم يستبدل عنه.
اه.
وقوله: المثمن الذي في الذمة: قال سم: دخل فيه بيع الموصوف في الذمة بغير لفظ السلم ونحوه.
اه.
(قوله: عقد) أي ذلك المبيع في الذمة.
(وقوله: بغير لفظ السلم) أي بأن كان عقد عليه بلفظ البيع وهذا عل غير طريقة شيخ الإسلام، أما على طريقته فالمبيع في الذمة مسلم فيه، وإن عقد بلفظ البيع، نظرا للمعنى.
(قوله: بنوع آخر) متعلق بيبدل.
(قوله: ولو من جنسه) أي ولو كان النوع الآخر من جنس النوع المبدل منه.
(قوله: كحنطة سمراء إلخ) أي كإبدال حنطة سمراء عن حنطة بيضاء مبيعة في الذمة.
(قوله: لأن المبيع إلخ) علة لعدم جواز إبدال المبيع في الذمة، واقتصاره على المبيع - مع عدم ذكره المسلم فيه - يؤيد ما قلنا آنفا من أن الأولى الاقتصار على المبيع في الذمة.
(قوله: لا يجوز بيعه) المناسب إبداله، لأنه لم يتعرض لبيعه، وإن كان الحكم واحدا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في بيع الاصول والثمار (يدخل في بيع أرض) وهبتها ووقفها، والوصية بها مطلقا، لا في رهنها والاقرار بها (ما فيها) من بناء وشجر رطب وثمره الذي لم يظهر عند البيع، وأصول بقل تجز مرة بعد أخرى، كقثاء، وبطيخ، لا ما يوءخذ دفعة، كبر وفجل لانه ليس للدوام والثبات، فهو كالمنقولات في الدار.
(و) يدخل (في) بيع (بستان)، وقرية
ــ
فصل في بيع الأصول والثمار أي في بيان بيع الأمور التي تستتبع غيرها، وهي الشجر، والأرض، والدار، والبستان، والقرية.
فالمعقود عليه إذا
كان واحدا من هذه الأمور - يندرج في غيره - كما وضحه الشارح رحمه الله تعالى.
وقوله: والثمار: أي وبيع الثمار جمع ثمر جمع ثمرة، وهي ليست من الأصول، فالعطف مغاير.
(قوله: يدخل في بيع أرض وهبتها إلخ) أي ونحوها من كل ناقل للملك: كإصداق، وعوض خلع وصلح.
ولو قال في نحو بيع أرض، لكان أولى.
(قوله: والوصية بها) أي بالأرض.
قال ع ش: وعليه فلو أوصى له بأرض، وفيها بناء وشجر حال الوصية: دخلا في الأرض - بخلاف ما لو حدثا أو أحدهما بغير فعل من المالك - كما لو ألقى السيل بذرا في الأرض فنبت، فمات الموصي وهو موجود في الأرض - لأنهما حادثان بعد الوصية، فلم تشملهما فيختص بهما الوارث.
اه.
(وقوله: مطلقا) راجع لجميع ما قبله من البيع وما بعده.
والمراد بالإطلاق: عدم التقييد بإدخال وإخراج، فإن قيد بالأول - بأن قال بعتك الأرض بما فيها - دخل نصا، لا تبعا.
أو قيد بالثاني - بأن قال بعتك الأرض دون حقوقها، أو ما فيها - لم يدخل.
(قوله: لا في رهنها والإقرار بها) أي لا يدخل في رهن الأرض والإقرار بها ما فيها.
ومثل الرهن: كل ما لا ينقل الملك: كإجارة، وعارية.
والفرق بين ما ينقل الملك وبين غيره: أن الأول قوي فتبعه غيره، بخلاف الثاني.
ومحل عدم الدخول - فيما ذكر - إذا لم يصرح بالدخول، فإن صرح به - كأن قال رهنتك، أو آجرتك، أو أعرتك الأرض بما فيها، أو بحقوقها - دخل قطعا.
(قوله: ما فيها) أي الأرض.
وما: اسم موصول فاعل يدخل.
أي يدخل الشئ الذي استقر فيها.
قال ع ش: وخرج بفيها: ما في حدها، فإذا دخل الحد في البيع دخل ما فيه، وإلا فلا.
(قوله: من بناء وشجر) بيان لما.
(قوله: رطب) خرج به: اليابس، فلا يدخل.
(قوله: وثمره) أي الشجر، فهو يدخل أيضا.
(وقوله: الذي لم يظهر عند البيع) فإن ظهر عنده لا يدخل.
(قوله: وأصول بقل) البقل خضروات الأرض.
قال في الصحاح: كل نبات اخضرت به الأرض فهو بقل.
(قوله: تجز) أي تلك الأصول، وفيه أن الأصل لا تجز، لأنها الجذور، وهي لا تجز.
فلو قال يجز - بالياء التحتية كما في متن المنهج - لسلم من ذلك.
وخرج بالأصول: الثمرة، والجزة الظاهرتان عند البيع - فهما للبائع.
(قوله: كقثاء إلخ) في المنهج وشرحه ما نصه: وأصول بقل يجز مرة بعد أخرى، أو تؤخذ ثمرته مرة بعد أخرى.
فالأول: كقت.
والثاني: نحو بنفسج، ونرجس، وقثاء، وبطيخ.
اه.
ومثله في فتح الجواد، وغيره.
إذا علمت ذلك: فكان الأولى أن يزيد: أو تؤخذ ثمرته، ويكون قوله - كقثاء - مثالا له، أو يمثل لما يجز بالقت، أي البرسيم، أو الكراث، أو غير ذلك مما يجز مرة بعد أخرى.
(وقوله: وبطيخ) بكسر الباء فاكهة معروفة، وفي لغة لأهل الحجاز تقديم الطاء على الباء.
والعامة تفتح الأول،
وهو غلط، لفقد فعليل بالفتح.
اه.
بجيرمي.
(قوله: لا ما يؤخذ دفعة) أي لا يدخل في بيع الأرض ما يؤخذ دفعة - كبر وفجل - بضم الفاء، بوزن قفل - فهو للبائع، وللمشتري الخيار حينئذ في الأرض أن جهل الزرع الذي لا يدخل، لتأخر انتفاعه، وصح قبضها مشغولة به، ولا أجرة له مدة بقاء الزرع، لأنه رضي بتلف المنفعة تلك المدة.
(قوله: لأنه ليس للدوام والثبات) علة لعدم دخوله، وهذا بخلاف ما قبله، فإنه لما كان للدوام والثبات في الأرض، تبعها في البيع.
(قوله:
(أرض، وشجر، وبناء) فيهما، لا مزارع حولهما، لانها ليست منهما.
(و) في بيع (دار هذه الثلاثة) أي الارض المملوكة للبائع بحملتها، حتى تخومها إلى الارض السابعة، والشجر المغروس فيها، وإن كثر، والبناء فيها بأنواعه، (وأبواب منصوبة) وأغلاقها المثبتة، لا الابواب المقلوعة، والسرر والحجارة المدفونة بلا بناء، (لا في)
ــ
فهو) أي ما يؤخذ دفعة واحدة.
(قوله: كالمنقولات في الدار) أي كالمنقولات الكائنة في الدار المبيعة، فإنها لا تدخل تبعا، وهي كأثاث البيت.
(قوله: ويدخل في بيع بستان إلخ) قد يخرج الرهن، وهو ممنوع، فإن ألحق وفاقا لم أر أنه يدخل في رهن البستان والقرية ما فيهما من بناء وشجر، خلافا لما يوهمه كلام شرح البهجة سم على منهج ع ش.
(وقوله: أرض) فاعل يدخل، ومحل دخولها - كما سيصرح به قريبا - إن كانت مملوكة للبائع، وإلا فإن كانت محتكرة أو موقوفة، فلا تدخل، لكن يتخير المشتري إن كان جاهلا بذلك.
(قوله: وشجر) أي وكل ما له أصل ثابت من الزرع، لا نحو غصن يابس، وشجرة وعروق يابسين.
اه.
نهاية.
(قوله: وبناء) أي ويدخل بناء، وهذا هو المذهب، لثباته.
وقيل لا يدخل.
قال ع ش: ويدخل أيضا الآبار، والسواقي المثبتة عليها.
اه.
(قوله: فيهما) متعلق بمحذوف صفة للثلاثة قبله، وضميره يعود على البستان والقرية.
(قوله: لا مزارع حولهما) أي لا يدخل المزارع الكائنة حول البستان والقرية، أي من خارج السور.
وعبارة التحفة مع الأصل: لا المزارع الخارجة عن السور والمتصلة به، فلا تدخل - على الصحيح - لخروجها عن مسماها، وما لا سور لها يدخل ما اختلط ببنائها.
اه.
(قوله: لأنها) أي المزارع ليست منهما، أي ليست داخلة في مسماهما.
(قوله: وفي بيع دار الخ) معطوف على في بيع بستان، أي ويدخل في بيع دار إلخ.
وفي البجيرمي: ومثلها الخان، والحوش، والوكالة، والزريبة، ويتجه إلحاق الربع بذلك.
اه.
(قوله: هذه الثلاثة) فاعل يدخل المقدر.
(قوله: أي الأرض إلخ) بدل من الثلاثة.
(وقوله: المملوكة للبائع) خرج ما لو كانت موقوفة، أو محتكرة فلا تدخل، لكن يتخير المشتري إن كان جاهلا بذلك - كما علمت - (وقوله: بجملتها) متعلق بعامل البدل المقدر، أي تدخل الأرض بجملتها، أي بجميع ما فيها.
(قوله: حتى تخومها) حتى: إبتدائية، والخبر محذوف، أي حتى تخومها تدخل.
قال ع ش: وفي الشامي في سيرته ما نصه: التخوم - جمع تخمة - الحد الذي يكون بين أرض وأرض.
وقال ابن
الأعرابي وابن السكيت: الواحد تخوم، كرسول، ورسل.
وعبارة المختار: التخم - بالفتح - منتهى كل قرية أو أرض، وجمعه تخوم - كفلس، وفلوس -.
وقال الفراء: تخوم الأرض: حدودها.
وقال أبو عمرو: هي تخوم الأرض، والجمع تخم - مثل صبور، وصبر.
والتخمة: أصلها الواو، فتذكر في وخم.
اه.
(قوله: والشجر) معطوف على الأرض.
(وقوله: المغروس فيها) عبارة التحفة: وشجر رطب فيها، ويابس قصد دوامه - كجعله دعامة مثلا - لدخوله في مسماها.
اه.
وكتب سم: قوله: قصد دوامه: خرج يابس لم يقصد دوامه، ففي دخوله وجهان.
قال في شرح العباب كما لو كان فيها أوتاد، وقضيته دخولها، لكن الوجه خلافه.
اه.
(وقوله: وإن كثر) أي الشجر، فإنه يدخل.
(قوله: والبناء فيها) معطوف على الأرض، وهذا هو الثالث.
(وقوله: بأنواعه) أي البناء.
والمراد بها: كونه من حجر أو خشب، أو سعف.
(قوله: وأبواب) معطوف على اسم الإشارة.
(وقوله: منصوبة) أي مسمرة.
قال ع ش: ومثلها المخلوعة وهي باقية بمحلها، أما لو نقلت من محلها فهي كالمقلوعة، فلا تدخل.
اه.
(قوله: وإغلاقها) أي الأبواب، وهي الضبب المعروفة ونحوها.
ويدخل مفاتيحها أيضا.
(وقوله: المثبتة) خرج بها المنقولة، فلا تدخل هي ولا مفاتيحها.
(قوله: لا الأبواب المقلوعة) أي لا تدخل الأبواب المقلوعة، وهي محترز منصوبة.
(قوله: والسرور) أي ولا السرر - جمع سرير - لأنها منقولة.
ومثل السرر: كل منقول - كالدلو، والبكرة، والسلم، والرفرف غير المسمرين - (قوله: والحجارة المدفونة بلا بناء) أي ولا تدخل الحجارة المدفونة في الأرض بلا
بيع (قن) ذكر أو غيره (حلقة) بأذنه، أو خاتم، أو نعل، (و) كذا (ثوب) عليه خلافا للحاوي، كالمحرر، وإن كان ساتر عورته.
(وفي) بيع (شجر) رطب بلا أرض عند الاطلاق (عرق) ولو يابسا إن لم يشرط قطع الشجر، بأن شرط إبقاوه أو أطلق، لوجوب بقاء الشجر الرطب.
ويلزم المشتري قلع اليابس عند الاطلاق، للعادة، فإن شرط قطعه أو قلعه: عمل به، أو إبقاؤه: بطل البيع ولا ينتفع المشتري بمغرسها (وغصن رطب)، لا يابس، والشجر رطب، لان العادة قطعه، وكذا ورق رطب، لا ورق حناء على الاوجه، (لا) يدخل في بيع الشجر
ــ
بناء، فإن كانت ببناء دخلت.
(قوله: لا في بيع قن) أي لا يدخل في بيع قن.
(وقوله: حلقة) - بفتح اللام - وهي فاعل يدخل المقدر.
(وقوله: بإذنه) أي كائنة بإذن القن (قوله: وكذا ثوب عليه) أي وكذلك لا يدخل في بيعه ثوب عليه - اقتصارا على مقتضى اللفظ.
وقيل يدخل ثوبه الذي عليه حالة البيع.
(قوله: وإن كان ساتر عورته) أي لا يدخل الثوب، وإن كان ساترا لعورته.
قال سم: إذا قلنا لا تدخل ثياب العبد حتى ساتر عورته، فهل يلزم البائع إبقاء ساتر عورته إلى أن يأتي المشتري بساتر؟ فيه نظر.
ويدل على عدم اللزوم جواز رجوع معير ساتر العورة - كما تقرر في باب العارية -.
(قوله: وفي بيع شجر رطب إلخ) مثله اليابس في أحكام، وهي دخول عروقه، وأغصانه، وأوراقه، وعدم دخول مغرسه.
وليس مثله في أحكام، وهي ما ذكرها بقوله: ويلزم المشتري قلع اليابس إلخ.
وحاصلها أنه إذا أطلق البيع في اليابس: يلزمه قلعه، وإذا شرط بقاؤه فسد البيع - إذ لا ينتفع بمغرسه - بخلاف
الرطب في الثلاثة، فالتقييد بالرطب بالنسبة لما ذكر فقط.
(قوله: بلا أرض) متعلق ببيع، وقيد به لأن الأحكام الآتية من شرط القلع أو القطع، وعدم دخول المغرس إنما تناسب بيعه وحده، لا مع الأرض.
(قوله: عند الإطلاق) متعلق بيدخل المقدر، ومثل الإطلاق: شرط الإبقاء أو القلع - كما يؤخذ مما بعده - ولو اقتصر على قوله الآتي: إن لم يشرط قطع الشجر - لكان أولى - لشموله لذلك كله.
تأمل.
(قوله: عرق) بكسر فسكون، وهو فاعل يدخل المقدر، أي يدخل في الشجر عرق، أي ولو امتد وجاوز العادة.
(قوله: ولو يابسا) هذا معتمد ابن حجر، تبعا لشيخ الإسلام.
وخالف م ر، فاعمد عدم دخول اليابس.
(قوله: إن لم يشرط) أي يدخل العرق، وإن لم يشرط قطع للشجر، فإن شرط: فلا يدخل، عملا بالشرط، وتقطع الشجرة حينئذ من وجه الأرض - بقاء على ما جرت به العادة في مثلها - فلو أراد المشتري حفر جزء من الأرض ليتوصل به إلى زيادة ما يقطعه لم يمكن.
(وقوله: بأن شرط إبقاؤه) أي أو شرط قلعه، فعدم اشتراط القطع صادق بثلاث صور: أن لا يشترط شئ أصلا - وهذه صورة الإطلاق - وأن يشترط الإبقاء.
وأن يشترط القلع.
ويعمل بالشرط مطلقا.
(قوله: أو أطلق) أي لم يقيد بشرط إبقاء، أو قلع، أو قطع.
(قوله: لوجوب بقاء الشجر الرطب) أي وبقاؤه ببقاء عروقه، وهو علة لدخول العرق، أي وإنما يدخل في بيع الشجر: العرق - لوجوب إلى آخره، وهذه العلة ظاهرة بالنسبة لما ذكره من الإطلاق، أو شرط الإبقاء.
وأما بالنسبة لاشتراط القلع فلا تظهر - لأنه يجب القلع في هذه الحالة، وعدم إبقائه.
تأمل.
(قوله: ويلزم المشتري قلع اليابس) أي الشجر اليابس، وهو مفهوم قوله رطب.
قال البجيرمي: وظاهره أن قطعها غير كاف، مع أن فيه تركا لبعض حقه، إلا أن يقال: محل لزوم القلع إذا كان بقاء الأصل مضرا بالبائع.
اه.
(وقوله: عند الإطلاق) أي عدم التقييد بشرط إبقاء أو قطع أو قلع، كما تقدم.
(قوله: فإن شرط قطعه أو قلعه) الضمير فيهما لليابس.
(قوله: عمل به) أي بالشرط.
(قوله: أو إبقاؤه بطل البيع) أي أو شرط إبقاؤه، فإنه يبطل البيع لمخالفته للعرف.
ومحل البطلان إن لم يكن للبائع غرض صحيح في اشتراط الإبقاء، وإلا صح.
(قوله: ولا ينتفع المشتري بمغرسها) أي اليابسة، بخلاف الرطبة، فإنه ينتفع بمغرسها - كما مر - ومعنى الانتفاع بذلك أن له منع البائع أن يفعل فيه ما يضر بالشجرة، وليس معنى ذلك أن له إجارته، أو وضع متاع فيه أو إعارته.
(قوله: وغصن رطب) أي ويدخل أيضا غصن رطب مطلقا، سواء شرط الإبقاء أو القطع، أو القلع، أو أطلق.
ومثله يقال في الورق، فهما يخالفان العروق في اشتراط القطع.
(قوله: لا يابس والشجر
(مغرسه)، فلا يتبعه في بيعه، لان اسم الشجر لا يتناوله (و) لا ثمر (ظهر): كطلع نخل بتشقق، وثمر نحو عنب: ببروز، وجوز: بانعقاد، فما ظهر منه: للبائع، وما لم يظهر: للمشتري.
ولو شرط الثمر لاحدهما: فهو له، عملا بالشرط: سواء أظهر الثمر أم لا، (ويبقيان) أي الثمر الظاهر والشجر عند الاطلاق، فيستحق البائع تبقية الثمر
إلى أوان الجداد، فيأخذه دفعة، لا تدريجا، وللمشتري تبقية الشجر ما دام حيا، فإن انقلع، فله غرسه إن نفع لا بد له (و) يدخل (في) بيع (دابة حملها) المملوك لمالكها، فإن لم يكن مملوكا لمالكها، لم يصح البيع، كبيعها دون حملها، وكذا عكسه.
ــ
رطب) أي لا يدخل الغصن اليابس، والحال أن الشجر رطب.
فإن كان الشجر يابسا دخل - كما مر - (قوله: لأن العادة قطعه) أي اليابس، فكان كالثمرة.
(قوله: وكذا ورق رطب) أي مثل الغصن في الدخول: ورق رطب، أما اليابس فلا يدخل - كالغصن اليابس - بجامع اعتياد قطع يابس كل منهما، خلافا لما وقع في شرح المنهج من تعميمه في الورق.
(قوله: لا ورق حناء) أي ونحوه مما ليس له ثمر غيره - كورق النيلة، فإنه لا يدخل.
(قوله: على الأوجه) أي عند ابن حجر.
وخالف م ر.
فعنده تدخل الأوراق مطلقا.
وعبارته: ولا فرق في دخول الورق بين أن يكون من فرصاد، وسدر، وحناء، وتوت أبيض، ونيلة - لأن ذلك من مسماها - كما أفتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى.
اه.
ببعض تصرف.
(قوله: لا يدخل في بيع الشجر إلخ).
ولكن المشتري ينتفع به ما دام الشجر باقيا تبعا بلا عوض.
(وقوله: مغرسة) بكسر الراء، أي موضع غرسه، وهو ما سامته من الأرض وما يمتد إليه عروقه.
(قوله: فلا يتبعه في بيعه) هو عين قوله لا يدخل في بيع الشجر، فالأولى حذفه.
(قوله: لأن اسم الشجر لا يتناوله) أي المغرس، وهو تعليل لعدم الدخول.
(قوله: ولا ثمر ظهر) أي ولا يدخل ثمر ظهر، بل هو للبائع.
والثمر ما يقصد من المبيع، ولو مشموما.
(قوله: كطلع نخل) تمثيل للثمر.
(قوله: يتشقق) خبر لمبتدأ محذوف، مرتبط بالطلع، أي وظهوره يكون بتشقق له، وهكذا يقدر فيما بعده، فالظهور يختلف باختلاف الثمرة، ففي طلع النخل بالتشقق، وفيما يخرج ثمره بلا نور - أي زهر: كتين، وعنب - بالبروز.
وفي نحو الجوز بالانعقاد.
وفي نحو الورد بالتفتح.
(قوله: فما ظهر منه: للبائع، وما لم يظهر: للمشتري) هذا لا يلائم التقييد بقوله أولا: ظهر.
بل الملائم أن يقول فهو للبائع، ويحذف لفظ فما ظهر منه، ثم يقول: فإن لم يظهر: فهو للمشتري.
(قوله: ولو شرط الثمر) أي جميعه أو بعضه المعين، كالنصف.
اه.
شرح م ر.
(وقوله: لأحدهما) أي المتبايعين.
(قوله: فهو) أي الثمر.
(وقوله: له) أي للمشروط له من المتبايعين، البائع، أو المشتري.
(قوله: عملا بالشرط) تعليل لكونه للمشروط له.
(قوله: سواء أظهر إلخ) تعميم في كونه للمشروط له.
(وقوله: أم لا) قد يقتضي أنه يصح أن يشرط للبائع حال عدم وجوده أصلا، وهو ممنوع، بل هو فرع الوجود - كما هو الفرض - لتفسيرهم الظهور بالتأبير، وعدم الظهور بعدم ذلك.
أفاده البجيرمي.
(قوله: ويبقيان) بالبناء للفاعل أو المفعول.
فعلى الأول: يكون بفتح الأول، والثالث من بقي.
وعلى الثاني: يكون بضم الأول، وفتح الثالث من أبقى.
(قوله: أي الثمر الظاهر) أي المستحق للبائع.
(وقوله: والشجر) أي المستحق للمشتري.
(قوله: عند الإطلاق) أي أو عند شرط الإبقاء، بأن باع الشجر مطلقا، أو بشرط إبقاء الثمر الظاهر، أو الشجر - فإن شرط القطع: لزمه - كما تقدم.
(قوله: الجداد) بفتح الجيم
وكسرها، وإهمال الدالين وإعجامهما، بمعنى القطع.
(قوله: لا تدريجا) أي ما لم تجر العادة بأخذه كذلك.
(قوله: وللمشتري) عبادة فتح الجواد: والمشتري - بحذف لام الجر، وعطفه على البائع - وهي أولى.
(قوله: ما دام) أي الشجر، حيا أو رطبا.
(قوله: فإن انقلع) أي الشجر الحي بنفسه، وكذا إن قلع.
(قوله: فله) أي المشتري.
(وقوله: غرسه) أي الشجر الحي بعد قلعه.
(قوله: لا بد له) بالجر، عطف على ضمير غرسه.
أي ليس له غرس بدله - تحكيما للعادة -.
(قوله: حملها) بفتح الحاء.
(قوله: فإن لم يكن مملوكا لمالكها) بأن كان موصى به لغير مالكها.
(وقوله: كبيعها) أي كعدم صحة بيعها من غير حملها.
(قوله: وكذا عكسه) أي بيع حملها بدونها، فإنه لا يصح.
فصل في اختلاف المتعاقدين (ولو اختلف متعاقدان) - ولو وكيلين، أو وارثين - (في صفة عقد) معاوضة كبيع، وسلم، وقراض، وإجارة، وصداق، (و) الحال أنه قد (صح) العقد باتفاقهما، أو يمين البائع:(كقدر عوض) من نحو مبيع، أو ثمن، أو جنسه، أو صفته، أو أجل، أو قدره، (ولا بينة لاحدهما) بما ادعاه، أو كان لكل منهما بينة، ولكن قد
ــ
(تتمة) لم يتعرض المؤلف رحمه الله تعالى للشق الثاني من الترجمة، وهي بيع الثمار، والترجمة لشئ غير مذكور معيبة عندهم.
لا يقال إنه ذكره في قوله: ولا ثمر ظهر، لأنا نقول تكلمه هناك على الثمر من حيث التبعية للشجر، فهو ليس بمبيع، بدليل أنه قد يكون للبائع، وقد يكون للمشتري.
والقصد التكلم عليه من حيث إنه مبيع استقلالا.
وحاصل الكلام عليه أنه إن بدا صلاحه جاز بيعه مطلقا، وبشرط الإبقاء أو القطع.
وإلا فإن بيع منفردا عن الأصل جاز، لكن بشرط القطع.
وإن بيع مع الأصل جاز من غير شرط قطع، فإن شرط لم يجز، لما فيه من الحجر عليه في ملكه.
والله أعلم.
فصل في اختلاف المتعاقدين أي في بيان ما يترتب على اختلافهما من التحالف والفسخ، والأصل في ذلك الحديث الصحيح: إذا اختلف البيعان، وليس بينهما بينة، فهو ما يقول رب السلعة، أو يتتاركا، أي يترك كل ما يدعيه، وذلك إنما يكون بالفسخ.
وأو - هنا - بمعنى إلا.
وصح أيضا أنه صلى الله عليه وسلم: أمر البائع أن يحلف، ثم يتخير المبتاع، إن شاء أخذ، وإن شاء ترك.
(قوله: ولو اختلف متعاقدان) قال في الروض وشرحه: لا في زمن الخيار - أي خيار الشرط، أو المجلس، فلا يتحالفان، لإمكان الفسخ بالخيار.
كذا قاله القاضي.
وأجاب عنه الإمام: بأن التحالف لم يوضع للفسخ، بل عرضت اليمين رجاء أن ينكل الكاذب، فيتقرر العقد بيمين الصادق.
اه.
(قوله: ولو وكيلين) أي أو قنين أذن لهما سيداهما، أو وليين، أو مختلفين، بأن كان أحدهما مالكا، والآخر وكيلا، أو قنا، أو الآخر وارثا.
(قوله: في صفة عقد) أي فيما يتعلق به من الحالة التي يقع عليها من كونه بثمن قدره كذا، وصفته كذا.
وخرج بقوله في صفة عقد: اختلافهما في نفس
العقد، وسيأتي في قوله: ولو ادعى أحدهما بيعا والآخر رهنا أو هبة إلخ.
(وقوله: معاوضة) أي ولو غير محضة أو غير لازمة - كصداق، وخلع، وصلح عن دم، وقراض، وجعالة -.
وفائدته في غير اللازم: لزوم العقد بالنكول من أحدهما اه.
بجيرمي.
وخرج بالمعاوضة غيرها - كوقف، وهبة، ووصية - فلا تحالف فيه.
(قوله: والحال إلخ) أفاد به أن الواو الداخل على الفعل الماضي واو الحال.
(وقوله: العقد) أي عقد البيع أو غيره من القراض.
(قوله: باتفاقهما) أي المتعاقدين.
(قوله: أو يمين البائع) أي أو بيمين البائع، وإنما خصه لما سيأتي أنه إذا اختلفا في صحة العقد وفساده، وادعى البائع صحته، صدق بيمينه.
(قوله: كقدر عوض) تمثيل لصفة العقد المختلف فيها.
(وقوله: من نحو مبيع أو ثمن) بيان للعوض.
وصورة الأول: أن يدعي المشتري أن المبيع أكثر - كطاقتين من قماش - ويدعي البائع أنه طاقة واحدة.
وصورة الثاني: أن يدعي البائع أن الثمن عشرون مثلا، ويدعي المشتري أنه عشرة مثلا.
(قوله: أو جنسه) أي العوض، وهو معطوف على قدر، وذلك كذهب، أو فضة، أو بر، أو شعير.
(قوله: أو صفته) أي العوض، وهو معطوف على قدر أيضا، وذلك كصحاح، أو مكسرة.
والمراد بالمكسرة: المقطعة بالمقراض أجزاء معلومة، لأجل شراء الحاجات، والأشياء الصغيرة، لا كأرباع القروش وأنصاف الريالات.
(قوله: أو أجل) معطوف على
تعارضتا بأن أطلقتا، أو أطلقت إحداهما وأرخت الاخرى، أو أرختا بتاريخ واحد، وإلا حكم بمقدمة التاريخ.
(حلف كل) منهما يمينا واحدة، تجمع نفيا لقول صاحبه، وإثباتا لقوله، فيقول البائع مثلا: ما بعت بكذا، ولقد بعت بكذا.
ويقول المشتري: ما اشتريت بكذا، ولقد اشتريت بكذا، لان كلا: من المدعي والمدعى عليه.
والاوجه: عدم الاكتفاء بما بعت إلا بكذا، لان النفي فيه: صريح والاثبات: مفهوم، (فإن) رضي أحدهما بدون ما ادعاه، أو سمح للآخر بما ادعاه، لزم العقد، ولا رجوع، فإن (أصرا) على الاختلاف:(فلكل) منهما (أو) للحاكم (فسخه) أي العقد، وإن لم يسألاه، قطعا، للنزاع.
ولا تجب الفورية هنا.
ثم بعد الفسخ: يرد المبيع
ــ
قدر أيضا وإنما لم يقل أو أجله - بالضمير، كالذي قبله - لئلا يتوهم رجوع الضمير في قوله بعد: أو قدره للعوض، مع أنه ليس كذلك.
والاختلاف في نفسه الأجل معناه أن يثبته أحدهما وينفيه الآخر.
(وقوله: أو قدره) أي لأجل، كيوم ويومين.
(قوله: ولا بينة لأحدهما) معطوف على جملة صح الواقعة حالا، فهي حال أيضا، أي والحال أنه لا بينة لأحد المتعاقدين فيما ادعاه يعتد بها، فإن وجدت بينة كذلك فيحكم له بما ادعاه.
(قوله: أو كان الخ) أي أو وجد لكل من المتعاقدين بينة على ما ادعاه، ولكن قد تعارضتا.
وبين التعارض بقوله بعد: بأن إلخ.
(قوله: بأن أطلقتا) أي البينتان، أي لم تؤرخا أصلا.
(قوله: أو أطلقت إحداهما) أي إحدى البينتين، أي لم تؤرخ.
(وقوله: وأرخت الأخرى) أي البينة الأخرى، بأن تقول نشهد أنه اشتراه بمائة من سنة مثلا.
(قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم تؤرخا بتاريخ واحد، بل أرختا بتاريخين مختلفين، كأن نقول إحدى البينتين: نشهد أنه اشتراه بمائة من سنة، وتقول الأخرى: نشهد أنه باعه بخمسين من ستة أشهر - فيحكم للأولى - لتقدمها.
(قوله: حلف إلخ) جواب لو.
(قوله: كل منهما إلخ) أي لخبر مسلم: اليمين
على المدعى عليه وكل منهما مدعى عليه، كما أنه مدع.
قال ع ش: والتحالف يكون عند الحاكم، وألحق به المحكم، فخرج تحالفهما بأنفسهما، فلا يؤثر فسخا ولا لزوما.
ومثله فيما ذكر: جميع الأيمان التي يترتب عليها فصل الخصومة، فلا يعتد بها إلا عند الحاكم أو المحكم.
اه.
(وقوله: يمينا) مفعول مطلق لحلف.
(وقوله: تجمع إلخ) وذلك لأن الدعوى واحدة ومنفى كل منهما في ضمن مثبتة، فجاز التعرض في اليمين الواحدة للنفي والإثبات، ولأنها أقرب لفصل الخصومة، ويجوز أن يحلف كل يمينين، بل هو أولى - خروجا من الخلاف - ويندب تقديم النفي على الإثبات، ولو نكل أحدهما عن النفي فقط، أو الإثبات فقط: قضى للحالف.
وإن نكلا معا: وقف الأمر، وكأنهما تركا الخصومة.
(قوله: فيقول الخ) بيان لصيغة الحلف الجامعة لما ذكره.
قال في المنهاج مع المغني: ويبدأ في اليمين بالبائع - ندبا - لحصول الغرض مع تقديم المشتري.
وقيل وجوبا، واختاره السبكي.
اه.
(قوله: لأن كلا إلخ) تعليل لقوله حلف كل منهما.
(قوله: والأوجه عدم الإكتفاء إلخ) أي عدم الإكتفاء بصيغة لم تجمع الإثبات والنفي صريحا.
ومقابل الأوجه: الإكتفاء بذلك، لأنه أسرع إلى فصل القضاء، قاله الصيمري.
(قوله: لأن النفي فيه صريح، والإثبات مفهوم) أي والأيمان لا يكتفي فيها بالمفهوم واللوازم، بل لا بد فيها من الصريح، لأن فيها نوع تعبد.
(قوله: فإن رضي أحدهما) أي ثم بعد التحالف إن رضي أحدهما بدون ما ادعاه، بأن ادعى البائع مثلا أن الثمن عشرون وادعى المشتري أنه عشرة، فرضي البائع بالعشرة.
وعبارة المنهاج: وإذا تحالفا: فالصحيح أن العقد لا ينفسخ بنفس التحالف، بل إن تراضيا على ما قال أحدهما: أقر العقد، وإلا بأن استمر تنازعهما: فيفسخانه أو أحدهما أو الحاكم.
اه.
بزيادة.
(قوله: أو سمح للآخر بما ادعاه) أي الآخر، بأن سمح المشتري في الصورة المذكورة بالعشرين للبائع.
ولو اقتصر على هذا - كما في المنهج - وقال فإن سمح أحدهما للآخر بما ادعاه الخ، لكان أولى - لصدقه بالصورتين المذكورتين كما لا يخفى - ونص عبارة المنهج: ثم بعد تحالفهما إن أعرضا أو تراضيا، وإلافإن سمح أحدهما أجبر الآخر، وإلا فسخاه، أو أحدهما أو الحاكم.
اه.
(قوله: لزم العقد) جواب إن.
(قوله: ولا رجوع) أي بعد أن رضي للآخر أو سمح إلخ.
كما لو رضي بالعيب.
(قوله: فإن أصرا) أي داما بعد التحالف على الاختلاف.
(وقوله: فلكل منهما أو الحاكم فسخه) ولا بد
بزيادته المتصلة، فإن تلف حسا أو شرعا، كأن وقفه أو باعه، رد مثله إن كان مثليا، أو قيمته إن كان متقوما.
ويرد على البائع قيمة آبق فسخ العقد، وهو آبق من عند المشتري، والظاهر اعتبارها بيوم الهرب.
(ولو ادعى) أحدهما (بيعا، والآخر رهنا، أو هبة): كأن قال أحدهما بعتكه بألف، فقال الآخر: بل رهنتنيه، أو وهبتنيه، فلا تخالف إذا لم يتفقا على عقد واحد، بل (حلف كل) منهما للآخر (نفيا)، أي يمينا نافية لدعوى الآخر لان الاصل: عدمه، ثم يرد مدعى البيع الالف، لانه مقر بها، ويسترد العين بزوائدها المتصلة والمنفصلة.
(و) إذا
ــ
من اللفظ في الفسخ، ولا ينفسخ بنفسه، ثم إن فسخ الحاكم أو الصادق منهما: ينفذ ظاهرا وباطنا، وغير الصادق ينفذ ظاهرا فقط.
(قوله: وإن لم يسألاه) أي الحاكم، وهو غاية لفسخه.
(قوله: قطعا للنزاع) تعليل لكون كل منهما أو
الحاكم له الفسخ.
(قوله: ولا تجب الفورية هنا) أي في الفسخ بعد التحالف - بخلافها في العيب، فتجب - كما تقدم.
وعبارة المغني: وحق الفسخ بعد التحالف ليس على الفور، فلو لم يفسخا في الحال: كان لهما بعد ذلك - على الأوجه - في المطلب، لبقاء الضرر المحوج للفسخ.
اه.
(قوله: ثم بعد الفسخ) قال ع ش: لو تقارا - بأن قالا: أبقينا العقد على ما كان عليه، أو أقررناه، عاد العقد بعد فسخه لملك المشتري، من غير صيغة بعت واشتريت، وإن وقع ذلك بعد مجلس الفسخ الأول.
اه.
(قوله: يرد المبيع بزيادته المتصلة) أي أو المنفصلة إن حدثت بعد الفسخ.
ومثل المبيع: الثمن، فيجب على البائع رده كذلك.
ومؤنة الرد على الراد - للقاعدة: أن من كان ضامنا لعين كانت مؤنة ردها عليه.
(قوله: فإن تلف إلخ) أفاد به أن محل رد المبيع إن كان باقيا لم يتعلق به حق لازم.
(قوله: كأن وقفه أو باعه) مثالان للتلف الشرعي، ولم يمثل للتلف الحسي، ومثاله ما إذا مات.
(قوله: رد) أي المشتري.
(وقوله: مثله) أي المبيع التالف.
(قوله: إن كان مثليا) أي كالحبوب.
(قوله: أو قيمته) أي أو رد قيمته، أي وقت التلف - حسا أو شرعا - وهي للفيصولة.
وإنما اعتبرت وقته - لا وقت القبض، ولا وقت العقد، لأن مورود الفسخ العين ولو بقيت، والقيمة خلف عنها، فتعتبر عند فوات أصلها - ولأن الفسخ: يرفع العقد من حينه، لا من أصله -.
(وقوله: إن كان متقوما) أي كالخشب والحيوان.
(قوله: ويرد) أي المشتري.
(قوله: قيمة آبق) أي عبد آبق بعد الفسخ أو قبله، وهي للحيلولة بينه وبين ملكه - لتعذر حصوله - فإن رجع العبد رده واستردها، لأنها ليست للفيصولة.
فمورد الفسخ: هو - لا قيمته -.
(وقوله: فسخ العقد وهو آبق) أي والحال أنه آبق من عند المشتري، فالواو للحال.
وأفادت الجملة الحالية أنه إذا فسخ العقد وهو ليس بآبق لا يلزمه شئ.
(قوله: والظاهر اعتبارها) أي القيمة.
(وقوله: بيوم الهرب) أي تنزيلا له منزلة التلف، فلا يعتبر بيوم القبض، ولا بيوم العقد.
(قوله: ولو ادعى أحدهما بيعا إلخ) هذا محترز قوله ولو اختلف متعاقدان في صفة عقد - كما علمت - إذ هذا اختلاف في أصل العقد لا في صفته.
(قوله: كأن قال إلخ) تمثيل لصورة ادعاء أحد المتعاقدين بيعا والآخر خلافه.
(قوله: فلا تحالف) أي فلا يحلف كل منهما واحدة تجمع نفيا لقول صاحبه وإثباتا لقوله.
(قوله: إذ لم يتفقا على عقد واحد) أي بل اختلفا في العقد الواقع بينهما.
(قوله: بل حلف كل منهما إلخ) يعلم من هذا الفرق بين التحالف والحلف، وهو أن الأول لا بد فيه من نفي وإثبات، بخلاف الثاني.
(قوله: لدعوى الآخر) أي لما ادعى به الآخر.
(وقوله: لأن الأصل عدمه) علة لكون كل يحلف يمينا نافية - أي وإنما حلف كل نفيا - لا إثباتا - لأن الأصل عدم ما ادعاه الآخر، فضمير عدمه يعود على دعوى، وذكره - مع أنها مؤنثة - لاكتسابها التذكير من المضاف إليه، أو باعتبار المذكور.
(قوله: ثم يرد إلخ) أي ثم بعد
الحلف يرد مدعي البيع - وهو البائع - عل المشتري الألف.
(وقوله: لأنه) أي مدعي البيع، وهو علة لكونه يرد الألف.
(قوله: ويسترد) أي البائع.
(وقوله: المتصلة والمنفصلة) استشكل رد المنفصلة في صورة الهبة مع اتفاقهما على حدوثها في ملك الراد، بدعواه الهبة وإقرار البائع له بالبيع، فهو كمن وافق على الإقرار له بشئ وخالف في الجهة.
قال في التحفة: وأجاب عنه الزركشي بأن دعوى الهبة وإثباتها: لا يستلزم الملك - لتوقفه على القبض بالإذن، ولم يوجد - وفيه نظر، لتأتي ذلك فيما لو ادعى الهبة والقبض، فالوجه الجواب بأنه ثبت بيمين كل أن لا عقد، فعمل بأصل بقاء الزوائد بملك مالك العين.
اه.
اختلف العاقدان: فادعى أحدهما اشتمال العقد على مفسد من إخلال ركن أو شرط، كأن ادعى أحدهما رؤيته، وأنكرها الآخر:(حلف مدعي صحة) العقد غالبا، تقديما للظاهر من حال المكلف، وهو اجتنابه للفاسد، على أصل عدمها لتشوف الشارع إلى إمضاء العقود، وقد يصدق مدعي الفساد، كأن قال البائع: لم أكن بالغا حين البيع، وأنكر المشتري، واحتمل ما قاله البائع: صدق بيمينه، لان الاصل: عدم البلوغ.
وإن اختلفا: هل وقع الصلح على الانكار أو الاعتراف؟ فيصدق مدعي الانكار: لانه الغالب.
ومن وهب في مرضه شيئا، فادعت ورثته غيبة عقله حال الهبة: لم يقبلوا، إلا إن علم له غيبة قبل الهبة، وادعوا استمرارها إليها.
ويصدق منكر أصل نحو البيع.
ــ
(قوله: وإذا اختلف العاقدان) أي في صحة العقد وفساده، فادعى أحدهما الصحة والآخر الفساد.
وهذا محترز قوله وقد صح العقد باتفاقهما.
(قوله: فادعى أحدهما) أي أحد المتعاقدين - بائعا، أو مشتريا -.
(قوله: على مفسد) أي للعقد.
(قوله: من إخلال ركن) أي فقد ركن، وهو بيان للمفسد.
وذلك كعدم وجود القبول من المشتري، أو الإيجاب من البائع.
(قوله: أو شرط) أي أو إخلال شرط من شروط صحة العقد.
(قوله: كأن ادعى إلخ) تمثيل للإخلال بشرط.
(قوله: رؤيته) أي المبيع.
(قوله: وأنكرها) أي الرؤية.
ويعلم من كلامه: أن الإختلاف في أصل الرؤية، وأن القول قول مثبتها من بائع أو مشتر.
قال سم: قال م ر: بخلاف ما لو اختلفا في كيفية الرؤية، فالقول قول الرائي، لأنه أعلم بها - أي كأن ادعى أنه رآه من وراء زجاج، وقال الآخر بل رأيته بلا حيلولة زجاج، فالقول قول مدعي الرؤية من وراء زجاج - كما أفتى به - فليراجع، ففيه نظر.
اه.
(قوله: حلف مدعي إلخ) جواب إذا التي قدرها الشارح (قوله: غالبا) أي في الغالب.
وسيذكر محترزه.
(قوله: تقديما للظاهر إلخ) عبارة التحفة: لأن الظاهر في العقود الصحة، وأصل عدم العقد الصحيح يعارضه أصل عدم الفساد في الجملة.
اه.
(قوله: وهو) أي الظاهر من حال المكلف.
(وقوله: على أصل عدمها) متعلق بتقديما، وإضافة أصل لما بعده، للبيان.
وضمير عدمها يعود على الصحة.
(وقوله: لتشوف الشارع) علة التقديم.
(وقوله: إلى إمضاء العقود) أي إنفاذها، وإجرائها، واستمرارها.
(قوله: وقد يصدق) مدعي الفساد إلخ) محترز قوله غالبا.
(قوله: كأن قال البائع لم أكن بالغا إلخ) أي أو كنت مجنونا، أو محجورا علي، وعرف له ذلك.
ففي الجميع، يصدق البائع.
(وقوله: واحتمل ما
قاله البائع) أي أمكن ما قاله البائع.
فإن لم يحتمل ما قاله: كأن كان البيع من منذ خمسة أشهر، وبلوغه من منذ سنة، فلا يصدق، بل يصدق المشتري.
(قوله: وإن اختلفا) أي المتخاصمان.
ولو قال: وكأن اختلفا - عطفا على كأن قال البائع الخ - لكان أولى.
(وقوله: هل وقع الصلح على الإنكار) أي من المدعى عليه، فيكون عقد الصلح باطلا، لأن شرط صحة الصلح أن يكون مع الإقرار.
(وقوله: أو الاعتراف) أي أو وقع الصلح على الاعتراف، أي الإقرار من المدعى عليه، فيكون صحيحا.
(قوله: فيصدق مدعي الإنكار) أي ويكون الصلح باطلا.
(قوله: لأنه الغالب) أي لأن وقوع الصلح على الإنكار هو الغالب.
قال في التحفة: أي مع قوة الخلاف فيه، وزيادة شيوعه ووقوعه.
وبه يندفع إيراد صور الغالب فيها وقوع المفسد المدعي.
ومع ذلك، صدقوا مدعي الصحة فيها.
اه.
(قوله: ومن وهب إلخ) عبارة التحفة: ويؤخذ من ذلك أن من وهب إلخ.
اه.
(وقوله: من ذلك) أي من أنه إذا ادعى نحو صبا أمكن، أو جنونا، أو حجر، وعرف له ذلك، فيصدق.
(قوله: إلا أن علم له غيبة قبل الهبة إلخ) قال في التحفة: وجزم بعضهم بأنه لا بد في البينة بغيبة العقل إن تبين ما غاب به، أي لئلا تكون غيبته بما يؤاخذ به: كسكر تعدى به.
اه.
(قوله: وادعوا استمرارها) أي الغيبة.
(وقوله: إليها) أي إلى الهبة.
(قوله: ويصدق منكر أصل نحو البيع) في العبارة حذف يعلم من عبارة التحفة، ونصها - بعد كلام -: وما لو ادعت أن نكاحها بلا ولي ولا شهود، فتصدق بيمينها، لأن ذلك إنكار لأصل العقد.
ومن ثم،
(فروع) لورد المشتري مبيعا معينا معيبا.
فأنكر البائع أنه المبيع.
فيصدق بيمينه، لان الاصل مضي العقد على السلامة.
ولو أتى المشتري بما فيه فأرة، وقال قبضته كذلك، فأنكر المقبض صدق بيمينه.
ولو أفرغه في ظرف المشتري، فظهرت فيه فأرة، فادعى كل أنها من عند الآخر: صدق البائع بيمينه إن أمكن صدقه، لانه مدع للصحة، ولان الاصل في كل حادث: تقديره بأقرب زمن.
والاصل براءة البائع.
وإن دفع لدائنه دينه فرده بعيب، فقال الدافع ليس هو الذي دفعته: صدق الدائن - لان الاصل: بقاء الذمة.
ويصدق غاصب رد عينا، وقال هي المغصوبة، وكذا وديع.
فصل في القرض والرهن (الاقراض) وهو تمليك شئ على أن يرد مثله (سنة)، لان فيه إعانة على كشف كربة، فهو من السنن
ــ
يصدق منكر أصل نحو البيع.
اه.
(قوله: فروع) أي ستة.
(قوله: مبيعا معينا) خرج به، ما إذا كان المبيع في الذمة - ولو مسلما فيه - بأن قبض المشتري - ولو مسلما - المؤدى عما في الذمة، ثم أتى بمعيب، فقال البائع - ولو مسلما إليه - ليس هذا المقبوض.
فيصدق المشتري ولو مسلما بيمينه - أي المقبوض - لأن الأصل بقاء شغل ذمة البائع - ولو مسلما إليه - حتى يوجد قبض صحيح.
(قوله: لأن الأصل مضي العقد على السلامة) عبارة التحفة: لأن الأصل السلامة، وبقاء العقد.
اه.
(قوله: ولو أتى المشتري بما فيه فأرة) في بعض نسخ الخط: بمائع فيه فأرة.
(قوله: وقال) أي المشتري، قبضته - أي المائع - (وقوله: كذلك) أي فيه فأرة.
(قوله: فأنكر المقبض) أي وهو البائع، وقال قبضته وليس فيه ذلك.
(وقوله: صدق) أي المقبض، وذلك لأنه مدعي الصحة.
(قوله: ولو أفرغه) أي المائع المبيع.
(وقوله: في ظرف المشتري) خرج به ما لو كان في ظرف البائع، فالقول قول المشتري.
اه.
ع ش.
(قوله: فظهرت فيه) أي في الظرف.
(قوله: فادعى كل) أي من المتبايعين.
(وقوله: أنها) أي الفأرة.
(قوله: صدق البائع) جواب لو (قوله: إن أمكن صدقه)
أي البائع.
فإن لم يمكن صدقه: صدق المشتري.
(قوله: لأنه) أي البائع، وهو علة لتصديق البائع.
(قوله: ولأن الأصل في كل حادث) أي وهو هنا وجود الفأرة في المبيع.
(وقوله: تقديره بأقرب من) أي وكونها في ظرف المشتري أقرب زمنا من كونها كانت في ظرف البائع قبل قبض المشتري.
(قوله: والأصل براءة البائع) أي ولأن الأصل براءته، وهو علة ثالثة.
(قوله: وإن دفع) أي المدين.
(قوله: فرده) أي رد الدائن الدين.
(قوله: فقال الدافع) أي وهو المدين.
(قوله: ويصدق غاصب) أي بيمينه.
(وقوله: رد) أي للمغصوب منه.
(وقوله: عينا) أي مغصوبة.
(قوله: وقال) أي الغاصب: هي العين المغصوبة، أي وأنكر المغصوب منه ذلك وقال هذه ليست التي غصبتها مني.
(قوله: وكذا وديع) أي وكذا يصدق وديع رد العين المودوعة عنده، وقال إنها هي التي عندي، وأنكر ذلك المودع.
والله أعلم.
فصل في القرض والرهن أي في بيانهما.
والقرض - بفتح القاف، وسكون الراء - لغة: القطع.
وشرعا: يطلق بمعنى اسم المفعول - وهو المقرض - بمعنى المصدر - وهو الإقراض، الذي هو تمليك الشئ على أن يرد مثله.
وتسمية أهل الحجاز: سلفا.
والرهن لغة: الثبوت، وشرعا: جعل عين مال وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه.
وإنما جمعهما في فصل، لما بينهما من تمام التعلق والارتباط، إذ الرهن وثيقة للقرض.
(قوله: الإقراض) عبر به إشارة إلى أن القرض في الترجمة بمعنى الإقراض، لا بمعنى المقرض، الذي هو اسم المفعول.
(قوله: وهو) أي الإقراض شرعا.
(قوله: تمليك شئ على أن يرد مثله) وما جرت به العادة في زماننا من دفع
الاكيدة، للاحاديث الشهيرة كخبر مسلم من نفس على أخيه كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
والله في عون العبد، ما دام العبد في عون أخيه وصح خبر من أقرض الله مرتين: كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به والصدقة أفضل منه، خلافا لبعضهم.
ومحل ندبه: إن لم يكن المقترض مضطرا، وإلا وجب.
ويحرم الاقتراض على غير مضطر لم يرج الوفاء من جهة ظاهرة فورا في الحال، وعند الحلول في
ــ
النقوط في الأفراح لصاحب الفرح في يده أو يد مأذونه، هل يكون هبة أو قرضا؟ أطلق الثاني جمع، وجرى على الأول بعضهم.
قال: ولا أثر للعرف فيه - لاضطرابه - ما لم يقل خذه مثلا، وينوي القرض.
ويصدق في نية ذلك: هو ووارثه، وعلى هذا.
يحمل إطلاق من قال بالثاني.
وجمع بعضهم بينهما: بحمل الأول على ما إذا لم يعتد الرجوع، ويختلف باختلاف الأشخاص والمقدار والبلاد.
والثاني: على ما إذا اعتيد وحيث علم اختلاف تعين ما ذكر.
اه.
بجيرمي (قوله: سنة) خبر الإقراض، وسيذكر قريبا أنه قد يجب، وقد يحرم.
(قوله: لأن فيه إلخ) علة للسنية.
(قوله: على كشف كربة) أي إزالة شدة.
فالكشف: الإزالة، والكربة: الشدة.
اه.
بجيرمي.
(قوله: فهو إلخ) الأولى عدم التفريع، ويكون مستأنفا، كما في النهابة.
(قوله: من نفس) أي فرج.
(وقوله: على أخيه) أي في الإسلام.
فالمراد: أخوة الإسلام.
(قوله: نفس الله عنه كربة) يجوز أن تلك الكربة عشر كرب من كرب الدنيا، لأن أمور الآخرة لا يقاس عليها.
فلا يقال كان الأولى أن يقال عشر كرب من كرب يوم القيامة، لأن الحسنة بعشر أمثالها - أو يقال نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، زيادة على ثواب عمله - فذلك التنفيس: كالمضاعفة.
اه.
ع ش.
(قوله: والله إلخ) من تتمة الحديث.
(وقوله: في عون العبد) أي قائم بحفظه، ورعايته، ومعونته.
(قوله: وصح خبر إلخ) الأولى: وخبر، عطفا على خبر الأول.
(قوله: من أقرض لله مرتين إلخ) يعني إنه إذا أقرض درهما مثلا مرتين، كان له أجر صدقة مرة واحدة.
(قوله: والصدقة أفضل منه) أي القرض، أي لعدم العوض فيها، وللخبر المار.
(قوله: خلافا لبعضهم) أي القائل بأن القرض أفضل، مستدلا بما في سنن ابن ماجة: عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد رأيت مكتوبا على باب الجنة - ليلة أسري بي - الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر.
فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل قد يسأل وعنده ما يكفيه، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة.
وبخبر البيهقي: قرض الشئ خير من صدقته.
(فإن قيل) هذان الخبران يعارضان الخبر الذي في الشراح - أعني من أقرض إلخ - فكيف يجزم الشارح بأن الصدقة أفضل؟ (أجيب) بأن الخبر الذي في الشرح أصح منهما، فوجب تقديمه عند التعارض.
قال في النهاية: ويمكن رد الخبر الثاني - الدال على أفضليته عليها - للأول - أعني من أقرض لله مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به الدال على أفضليتها عليه بحمله - أي الثاني - على درجات صغيرة، بحيث أن الثمانية عشرة فيه تقابل بخمسة في الصدقة.
كما في خبر صلاة الجماعة أو بحمل الزيادة في القرض، إن صحت على أنه صلى الله عليه وسلم أعلمها بعد.
أو يقال: القرض فضل الصدقة باعتبار الابتداء، لامتيازه عنها بصونه ماء وجه من لم يعتد السؤال عن بذله لكل أحد - بخلافها، وهي فضلته - باعتبار الغاية، لامتيازها عنه بأنه لا مقابل فيها ولا بد - بخلافه.
وعند تقابل الخصوصيتين قد تترجح الأولى، وقد تترجح الثانية، باعتبار الأثر المترتب.
اه.
(قوله: محل ندبه) أي الإقراض، فهو مرتبط بالمتن.
(قوله: إن لم يكن المقترض مضطرا) أي مدة عدم كونه مضطرا، أي محتاجا (قوله: وإلا) أي بأن كان مضطرا.
(وقوله: وجب) أي الإقراض، ولو من مال محجوره.
كما يجب عليه بيع مال محجوره للمضطر المعسر، نسيئة.
اه.
بجيرمي.
(قوله: ويحرم الاقتراض) أي ما لم يعلم المقرض بحاله، وإلا
فلا يحرم (وقوله: على غير مضطر إلخ) أي بخلاف المضطر - فيجوز أن يقترض - وإن لم يرج الوفاء - بل يجب، حفظا لروحه.
(وقوله: لم يرج الوفاء) الجملة صفة لغير المضاف لمضطر.
(وقوله: من جهة ظاهرة) أي سبب ظاهر - أي
المؤجل، كالاقراض عند العلم، أو الظن من آخذه أنه ينفقه في معصية.
ويحصل (بإيجاب: كأقرضتك) هذا، أو ملكتكه على أن ترد مثله، أو خذه ورد بدله، أو إصرفه في حوائجك ورد بدله، فإن حذف ورد بدله: فكناية.
وخذه فقط: لغو، إلا إن سبقه أقرضني هذا، فيكون قرضا، أو أعطني، فيكون هبة.
ولو اقتصر على ملكتكه، ولم ينو البدل: فهبة، وإلا فكناية.
ولو اختلفا في نية البدل: صدق الدافع، لانه أعرف بقصده.
أو في ذكر البدل: صدق الآخذ في عدم الذكر، لانه الاصل.
والصيغة ظاهرة فيما ادعاه.
ولو قال لمضطر أطعمتك بعوض،
ــ
قريب الحصول - كغلة أرضه وعقاره.
فإن رجال الوفاء منها لم يحرم.
(قوله: فورا إلخ) منصوب بإسقاط الخافض، متعلقا بالوفاء، أي الوفاء بالفور في الدين الحال، وعند حلوله في المؤجل.
(قوله: كالإقراض عند إلخ) أي كحرمة الإقراض إلخ، أي فيحرم الاقتراض لغير المضطر المذكور.
كما يحرم الإقراض على المالك عند علمه أو ظنه أن آخذه ينفقه في معصية، وذلك لأن فيه إعانة عليها، وهي حرام.
وقد يكره الإقراض.
(فالحاصل) أن الإقراض تارة يندب، وتارة يجب، وتارة يحرم، وتارة يكره.
فتعتريه أحكام أربعة.
قال ع ش: ولم يذكروا الإباحة، ويمكن تصويرها بما إذا دفع إلى غني، بسؤال من الدافع مع مدع احتياج الغني إليه، فيكون مباحا - لا مستحبا - لأنه لم يشتمل على تنفيس كربة.
وقد يكون في ذلك غرض للدافع، كحفظ ماله بإحرازه في ذمة المقترض.
اه.
(قوله: ويحصل بإيجاب إلخ).
(اعلم) أن أركان القرض ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة.
وقد أخذ في بيان صيغته، فقال: ويحصل بإيجاب - أي من المقرض - وهو على قسمين: صريح - وهو ما ذكره - وكناية: كخذ هذا الدرهم بدرهم، فهو يحتمل البيع والقرض، فإن نوى به البيع فبيع، وإن نوى به القرض فقرض.
ومثله: خذه فقط - على ما ستعرفه - (قوله: فإن حذف ورد بدله) أي حذف هذا اللفظ.
والظاهر أن حذفه من الصورة الأخيرة فقط.
ولا يصح كونه من الصورتين، أعني قوله خذه ورده بدله.
وقوله: أو اصرفه في حوائجك ورد بدله.
وإلا نافى قوله بعد: وخذه فقط لغو.
وقوله: فكناية: أي كناية، قرض، إن نوى به القرض ثبت، وإلا فلا.
(قوله: وخذه فقط) أي من غير أن يقول ورد بدله.
(وقوله: لغو إلا إن سبقه إلخ) عبارة التحفة تقتضي أنه لا يكون لغوا أصلا، بل إن سبقه لفظ أقرضني فهو كناية قرض، وإلا فهو محتمل لأن يكون كناية قرض، أو كناية هبة، أو كناية بيع.
ونصها - بعد كلام -: أو خذه ورد بدله، أو اصرفه في حوائجك ورد بدله، فإن حذف ورد بدله: فكناية - كخذه فقط، أي إن سبقه أقرضني - وإلا فهو كناية قرض، أو بيع، أو هبة.
اه.
ومثله في البجيرمي، نقلا عن ق ل، ونص عبارته - بعد كلام -: وأما أخذه فقط: فكناية، لأنه يحتمل القرض والصدقة، ونية البدل
أو المثل كذكره، ويصدق في إرادتهما إلخ.
اه.
(قوله: ولو اقتصر على ملكتكه) أي ولم يقل على أن ترد مثله.
(قوله: فهبة) أي فهو هبة.
(قوله: وإلا فكناية) أي وإلا لم ينو البدل بأن نواه: فكناية، أي كناية قرض، وليس من الصريح.
(قوله: ولو اختلفا إلخ) يعني لو اختلف المالك الدافع والآخذ في نية البدل في قوله ملكتك، فقال الآخذ: لم تنو البدل، فهو هبة.
وقال الدافع نويت البدل، فهو قرض.
فإنه يصدق الدافع، لأنه أعرف بقصد نفسه.
(قوله: أو في البدل الخ) معطوف على نية البدل، أي أو اختلفا في ذكر البدل - أي التلفظ به - بأن قال الدافع: قلت ملكتكه على أن ترد بدله.
وقال الآخذ: قلت ملكتكه فقط، ولم تذكر على أن ترد بدله.
فإنه يصدق الآخذ في عدم الذكر، لأنه الأصل، أي ويكون هبة.
(قوله: والصيغة إلخ) علة ثانية لتصديق الآخذ.
(وقوله: فيما ادعاه) أي الآخذ، وهو أنه لم يذكر لفظ البدل.
(قوله: ولو قال لمضطر إلخ) دفع بهذا ما يرد على تصديق الآخذ في الصورة السابقة، من أنه لم لم يصدق المضطر أيضا في دعواه أنه أطعمه إباحة لا قرضا، وصدق المطعم المالك؟ وحاصل الدفع أن ذلك لأجل حمل الناس على هذه المكرمة.
وعبارة
فأنكر، صدق المطعم، حملا للناس على هذه المكرمة ولو قال وهبتك بعوض، فقال مجانا: صدق المتهب.
ولو قال اشتر لي بدرهمك خبز، فاشتري له: كان الدرهم قرضا، لا هبة، على المعتمد، (وقبول) متصل به: كأقرضته، وقبلت قرضه.
نعم: القرض الحكمي - كالانفاق على اللقيط المحتاج، وإطعام الجائع، وكسوة العاري، لا يفتقر إلى إيجاب وقبول.
ومنه أمر غيره بإعطاء ماله غرض فيه: كإعطاء شاعر، أو ظالم، أو إطعام فقير، أو فداء أسير - وعمر داري.
وقال جمع: لا يشترط في القرض: الايجاب والقبول واختاره الاذرعي.
وقال قياس جواز المعاطاة في البيع: جوازها هنا، وإنما يجوز القرض من أهل تبرع: فيما يسلم فيه من حيوان وغيره
ــ
التحفة: وإنما صدق مطعم مضطر أنه قرض حملا إلخ - وهي أولى.
(قوله: حملا للناس على هذه المكرمة) أي الخصلة الحميدة التي بها إحياء النفوس، ولأنه أعرف بكيفية بذله.
(قوله: ولو قال) أي الدافع، بعد أن وهب شيئا لآخر.
(قوله: فقال) أي المتهب.
(وقوله: مجانا) أي بلا عوض.
(قوله: صدق المتهب) أي الموهوب له.
(قوله: وقبول) معطوف على إيجاب، أي ويحصل بقبول - قياسا على البيع - ومن ثم، اشترط فيه شروط البيع السابقة في العاقدين والصيغة - كما هو ظاهر - حتى موافقة القبول للإيجاب.
فلو قال: أقرضتك ألفا، فقبل بخمسمائة، أو بالعكس، لم يصح.
اه.
تحفة.
(وقوله: متصل به) أي بالإيجاب - بأن لا يتخلل بينهما سكوت طويل، ولا لفظ أجنبي - نظير ما مر في البيع - (قوله: كأقرضته) يقرأ بالبناء للمجهول.
وفي بعض النسخ: كاقترضته - وهو ظاهر -.
(قوله: نعم، إلخ) استدراك من اشتراط الإيجاب والقبول.
(وقوله: القرض الحكمي) مبتدأ، خبره قوله لا يفتقر إلى إيجاب وقبول.
والمراد أنه في حكم القرض في وجوب رد المثل.
(قوله: كالإنفاق على اللقيط المحتاج) أي ممن لا يجب عليه، بأن كان معسرا.
بخلاف ما إذا كان موسرا، وكان المنفق عليه معسرا، فلا يكون قرضا.
والمراد أيضا: الإنفاق بإذن الحاكم، فإن لم يوجد: أشهد بالإنفاق.
فإن لم يوجدوا: أنفق بنية الرجوع، وإلا لم يرجع - كذا في البجيرمي - (قوله: وإطعام الجائع) في ع ش ما نصه: محل عدم اشتراط الصيغة في المضطر: وصوله في حالة لا يقدر معها على صيغة، وإلا فيشترط.
ولا يكون إطعام الجائع،
وكسوة العاري، ونحوهما، قرضا، إلا أن يكون المقترض غنيا.
وإلا بأن كان فقيرا، والمقرض غنيا فهو صدقة - لما تقرر في باب السير - إن كفاية الفقراء واجبة على الأغنياء وينبغي تصديق الآخذ: فيما لو ادعى الفقر، وأنكره الدافع، لأن الأصل عدم لزوم ذمته شيئا (قوله: ومنه) أي القرض الحكمي.
(وقوله بإعطاء ما له غرض فيه) أي بإعطاء شئ للآمر غرض في إعطائه.
(وقوله: كإعطاء إلخ) أي كالأمر بإعطاء شاعر لغرض دفع الهجو عنه، وإعطاء ظالم لغرض دفع الشر عنه حيث لم يعطه.
(وقوله: إطعام فقير) الأحسن أنه هو وما بعده معطوف على قوله بإعطاء إلخ، أي ومنه أمر غيره بإطعام فقير أو بفداء أسير.
(وقوله: وعمر داري) الأولى أن يقول وتعمير داري.
(واعلم) أنه في الجميع يرجع المأمور على آمره إن شرط الرجوع، وذلك لأن ما كان لازما - كالدين - أو منزل منزلة اللازم - كقول الأسير لغيره: فأدنى - لا يحتاج فيه لشرط الرجوع، وما لم يكن كذلك يحتاج فيه إلى شرط الرجوع.
قال ع ش: ويحتمل أنه لا يحتاج لشرط الرجوع فيما يدفعه للشاعر والظالم، لأن الغرض من ذلك دفع هجو الشاعر له حيث لم يعطه، ودفع شر الظالم عنه بالإعطاء، وكلاهما منزل منزلة اللازم.
وكذا في عمر داري، لأن العمارة - وإن لم تكن لازمة - لكنها تنزل منزلة اللازم، لجريان العرف بعدم إهمال الشخص لملكه حتى يخرب.
اه.
(قوله: وقال: قياس جواز المعاطاة في البيع جوازها هنا) قال في النهاية: وما اعترض به الغزي - من أنه سهو، لأن شرط المعاطاة: بذل العوض، أو التزامه في الذمة، وهو مفقود هنا - غير صحيح، بل هو السهو، لأنهم أجروا خلاف المعاطاة في الرهن وغيره مما ليس فيه ذلك.
فما ذكره شرط للمعاطاة في البيع دون غيره.
اه.
(قوله: وإنما يجوز القرض إلخ) شروع في بيان شرط المقرض والمعقود عليه، فبين أنه يشترط في المقرض أن يكون من أهل تبرع فيما يقرضه، فلا يصح إقراض الولي مال محجوره بلا ضرورة، لأنه ليس أهلا للتبرع فيه.
ولو نقدا مغشوشا.
نعم.
يجوز قرض الخبز، والعجين، والخمير الحامض، لا الروبة، على الاوجه، وهي خميرة لبن حامض، تلقى على اللبن ليروب، لاختلاف حموضتها المقصودة.
ولو قال أقرضني عشرة، فقال خذها من فلان، فإن كانت له تحت يده: جاز، وإلا فهو وكيل في قبضها، فلا بد من تجديد قرضها.
ويمتنع على ولي قرض مال موليه بلا ضرورة.
نعم: يجوز للقاضي إقراض مال المحجور عليه بلا ضرورة، لكثرة أشغاله:
ــ
ومراد المؤلف بأهلية التبرع في المقرض: أهلية التبرع المطلق - أي في سائر التصرفات - لأنه المراد عند الإطلاق، وهي تستلزم رشده واختياره فيما يقرضه، فلا يرد عليه السفيه، فإنه لا يصح إقراضه، مع أنه أهل للتبرع ببعض التصرفات - كصحة الوصية منه، وتدبيره - لأنه ليس أهلا للتبرع المطلق.
وبين أيضا أنه يشترط أن يكون المعقود عليه مما يصح أن يسلم فيه، أي في نوعه، فما صح السلم فيه صح إقراضه، وما لا فلا.
وذلك لأن ما لا ينضبط أو يندر وجوده، ويتعذر أو يتعسر رد مثله.
وترك المصنف شرط المقترض، وهو: الرشد والاختيار.
(قوله: حيوان وغيره) بيان لما يسلم فيه.
(قوله: ولو نقدا مغشوشا) غاية فيما يسلم فيه، أي كل ما يسلم فيه، ولو نقدا مغشوشا، لأنه مثلي تجوز المعاملة به في الذمة، وإن جهل قدر غشه.
وهي للرد على الروياني القائل بعدم صحة إقراضه.
(قوله: نعم، يجوز قرض الخبز إلخ) هذا مستثنى من مفهوم قوله إنما يجوز القرض فيما يسلم فيه، وهو أن ما لا يسلم فيه لا يجوز قرضه.
فما ذكر - من الخبز وما بعده - يجوز فيه القرض، ولا يجوز فيه السلم.
قال في الروض وشرحه: واستثنى جواز قرض الخبز وزنا، لإجماع أهل الأمصار على فعله في الأعصار، بلا إنكار.
هذا ما قطع به المتولي والمستظهري وغيرهما.
واقتضى كلام النووي ترجيحه، قال في المهمات: والراجح جوازه.
وقد اختاره في الشرح الصغير.
قال الخوارزمي: ويجوز إقراضه عددا.
ثم قال: ويحرم إقراض الروبة، لاختلاف حموضتها.
وهي - بضم الراء - خميرة من اللبن الحامض، تلقى على الحليب ليروب.
قال في الروضة: وذكر في التتمة وجهين في إقراض الخمير الحامض، أحدهما الجواز - لاطراد العادة به.
قال السبكي: والعبرة بالوزن - كالخبز اه.
(قوله: لا الروبة) بضم الراء، أي فلا يجوز إقراضها - كما لا يجوز السلم فيها - فهي جاءت على القاعدة.
(قوله: وهي) أي الروبة.
(وقوله: ليروب) أي ليصير رائبا.
(قوله: لاختلاف إلخ) تعليل لعدم جواز القرض فيها.
أي لا يجوز القرض فيها لاختلاف حموضتها، فهي ليست مضبوطة.
(قوله: ولو قال أقرضني إلخ) المناسب تقديمه على قوله وإنما يجوز القرض إلخ، لأنه من متعلقات الصيغة (قوله: فقال) أي المقرض.
(قوله: فإن كانت له تحت يده) أي فإن كانت العشرة ملكا للمقرض، وهي وديعة مثلا تحت يد فلان المأخوذ منه، جاز، وصح القرض بهذه الصيغة، ولا يحتاج إلى تجديدها.
(وقوله: وإلا فهو وكيل في قبضها) أي وإن لم تكن وديعة تحت يد فلان، بل كانت في ذمته، صح قبضها بطريق الوكالة عنه، ولكن لا بد من تجديد عقد القرض منه.
هكذا ينبغي حل كلام الشارح، ويدل عليه عبارة النهاية، ونصها: ولو قال اقبض ديني، وهو لك قرضا، أو مبيعا، صح قبضه - للإذن - لا قوله وهو إلخ.
أو اقبض وديعتي مثلا، وتكون لك قرضا صح، وكان قرضا.
وكتب ع ش ما نصه: قوله: وتكون لك قرضا: صح، والفرق بين هذه وما قبلها: أن الدين لا يتعين إلا بقبضه، بخلاف الوديعة.
اه.
(قوله: ويمتنع على ولي إلخ) أي لأنه ليس من أهل تبرع في مال
موليه، فهذا خرج بقوله: من أهل تبرع.
(وقوله: بلا ضرورة) خرج ما إذا كان هناك ضرورة، كأن يكون الزمن زمن نهب، وكانت المصلحة في إقراضه، فإنه يجوز حينئذ.
(قوله: نعم، يجوز إلخ) استدراك من امتناع الإقراض على
إن كان المقترض أمينا موسرا، (وملك مقترض بقبض) بإذن مقرض، وإن لم يتصرف فيه، كالموهوب.
قال شيخنا: والاوجه في النقوط المعتاد في الافراح أنه هبة، لا قرض، وإن اعتيد رد مثله.
ولو أنفق على أخيه الرشيد وعياله سنين وهو ساكت: لا يرجع به، على الاوجه، (و) جاز (لمقرض استرداد) حيث بقي ذلك المقترض، وإن
ــ
الولي.
فكأنه قال: إلا إذا كان الولي القاضي، فإنه يجوز إقراضه مال المحجور عليه.
(قوله: لكثرة أشغاله) أي بأحكام الناس، فربما غفل عن المال، فضاع، فيقرضه ليحفظه عند المقترض.
(قوله: إن كان المقترض إلخ) شرط في جواز إقراض القاضي.
ويشترط أيضا عدم الشبهة في مال المقترض إن سلم منها مال المحجور عليه.
قال م ر: ويجب الإشهاد عليه، ويأخذ رهنا إن رأى ذلك.
اه.
وهذه الشروط معتبرة في إقراض الولي أيضا، لضرورة.
ويرد عليه أن من الضرورة: ما لو كان المقترض مضطرا.
وقد نقل عن ابن حجر أنه يجب على الولي إقراض المضطر من مال المولى عليه، مع انتفاء هذه الشروط.
ومن الضرورة أيضا: ما لو أشرف مال المولى عليه على الهلاك بنحو غرق، وتعين خلاصه في إقراضه.
ويبعد اشتراط ما ذكر في هذه الصورة.
اه.
بجيرمي.
بتصرف.
(قوله: وملك مقترض) أي المعقود عليه.
فمفعول ملك محذوف - هذا إن قرئ الفعل بالبناء للفاعل، فإن قرئ بالبناء للمجهول فلا حذف، لكن يقرأ مقترض - بصيغة اسم المفعول - أي شئ مقترض.
(وقوله: بقبض) أي فلا يجوز له التصرف فيه قبله.
(وقوله: وإن لم يتصرف الخ) غاية لكونه يملك بالقبض.
أي يملك بالقبض، وإن لم يتصرف فيه المقترض.
وهي للرد على الضعيف القائل بأنه إنما يملك بالتصرف فيه المزيل للملك.
والمعنى أنه إذا تصرف فيه يتبين به أنه ملكه من حين القبض.
(قوله: كالموهوب) الكاف للتنظير، لكونه يملك بالقبض.
(قوله: قال شيخنا: والأوجه في النقوط إلخ) عبارة التحفة: والذي يتجه في النقوط المعتاد في الأفراح أنه هبة، ولا أثر للعرف فيه - لاضطرابه - ما لم يقل خذه مثلا، وينوي القرض، ويصدق في نية ذلك هو أو وارثه.
وعلى هذا، يحمل إطلاق جمع أنه قرض - أي حكما -.
ثم رأيت بعضهم لما نقل قول هؤلاء، وقول البلقيني أنه هبة، قال: ويحمل الأول على ما إذا اعتيد الرجوع به، والثاني على ما لم يعتد.
قال: لاختلافه بأحوال الناس والبلاد.
اه.
وحيث علم اختلافه.
تعين ما ذكرته، ويأتي قبيل اللقطة تقييد هذا الخلاف بما يتعين الوقوف عليه.
اه.
وحاصله أن محله إذا دفع لصاحب الفرح في يده، فإن دفع للخاتن فلا رجوع.
وفي حاشية البجيرمي على شرح المنهج: والذي تحرر من كلام الرملي وابن حجر وحواشيهما: أنه لا رجوع في النقوط المعتاد في الأفراح - أي لا يرجع به مالكه إذا وضعه في يد صاحب الفرح، أو يد مأذونه - إلا بشروط ثلاثة: أن يأتي بلفظ: كخذه، ونحوه.
وأن ينوي الرجوع، ويصدق هو أو وارثه فيها.
وأن يعتاد الرجوع فيه.
وإذا وضعه في يد المزين ونحوه، أو في الطاسة المعروفة، لا يرجع إلا بشرطين: إذن صاحب الفرح، وشرط الرجوع - كما حققه شيخنا ح ف.
اه.
(ولو أنفق على أخيه الرشيد إلخ) عبارة التحفة: ووقع لبعضهم أنه أفتى في أخ أنفق على أخيه الرشيد وعياله سنين وهو ساكت، ثم أراد الرجوع عليه بأنه يرجع، أخذا من القول بالرجوع في مسألة النقوط، وفيه نظر - بل لا وجه له - أما أولا: فلأن مأخذ الرجوع، ثم إطراد العادة به عندهم، ولا عادة في مسألتنا، فضلا عن إطرادها بذلك.
وأما ثانيا: فلأن الأئمة جزموا في مسائل بما يفيد عدم الرجوع، منها: من أدى واجبا عن غيره - كدينه بلا إذنه - صح، ولا رجوع له عليه - بلا خلاف - والنفقة على ممون الأخ واجبة عليه، فكان أداؤها عنه كأداء دينه.
اه.
(قوله: وجاز لمقرض استرداد) أي لما أقرضه، ويكون بصيغة: كرجعت فيه، أو فسخته، وللمقترض رده عليه قهرا.
(وقوله: حيث بقي بملك المقترض) أي حيث كان ما أقرضه باقيا بحاله في ملك المقترض - أي لم يتعلق به حق لازم، وإنما جاز له الرجوع فيه - حيث كان
زال عن ملكه ثم عاد على الاوجه، بخلاف ما لو تعلق به حق لازم، كرهن، وكتابة، فلا يرجع فيه حينئذ.
نعم: لو آجره رجع فيه، ويجب على المقترض رد المثل في المثلى، وهو النقد والحبوب، ولو نقدا أبطله السلطان، لانه أقرب إلى حقه، ورد المثل صورة في المتقوم، وهو الحيوان، والثياب والجواهر، ولا يجب قبول الردئ عن الجيد، ولا قبول المثل في غير محل الاقراض إن كان له غرض صحيح، كأن كان لنقله مؤنة، ولم يتحملها المقترض، أو كان الموضع مخوفا.
ولا يلزم المقترض الدفع في غير محل الاقراض إلا إذا لم يكن لحملة مؤنة، أو له مؤنة وتحملها المقرض، لكن له مطالبة في غير محل الاقراض بقيمة بمحل الاقراض وقت المطالبة فيما لنقله مؤنة ولم يتحلمها المقرض لجوزا الاعتياض عنه.
(و) جاز لمقرض (نفع) يصل له من مقترض، كرد الزائد
ــ
كذلك - لأن له تغريم بدله عند الفوات، فالمطالبة بعينه أولى (قوله: وإن زال عن ملكه) أي المقترض، ثم عاد إليه، وذلك لأن الزائل العائد هنا كالذي لم يزل.
(قوله: بخلاف ما لو تعلق به) مفهوم قوله حيث بقي إلخ.
والمناسب في التقابل، بخلاف ما لو لم يبق بحاله.
(قوله: كرهن وكتابة) أي من المقترض في المال المقرض - كأن رهن ما اقترضه أو كاتبه - ومثل ذلك: ما لو تعلق برقبته أرش جناية.
(قوله: فلا يرجع) أي المقرض - أي لا يصح رجوعه (وقوله فيه) أي في المقرض.
(وقوله: حينئذ) أي حين إذ تعلق به حق لازم.
(قوله: نعم، لو آجره) أي الشئ المقرض، وهو استدراك من الذي تعلق به حق لازم.
(قوله: رجع) أي المقرض فيه، أي المؤجر.
أي ويأخذه مسلوب المنفعة من غير أجرة له حتى يستوفي المستأجر مدة الإجارة، أو يأخذ بدله، فهو مخير بين أخذه مسلوب المنفعة وبين أخذ البدل.
(قوله: ويجب على المقترض رد المثل) أي حيث لا استبدال، فإن استبدل عنه - كأن عوضه عن بر في ذمته ثوبا أو دراهم - فلا يمتنع، لجواز الاعتياض عن غير المثمن.
(قوله: وهو) أي المثلي (قوله: ولو نقدا إلخ) أي يجب رد المثل، ولو كان نقدا أبطل
السلطان المعاملة به.
(قوله: لأنه أقرب إلى حقه) تعليل لوجوب رد المثل، أي يجب ذلك لأن المثل أقرب إلى حق المقرض.
(قوله: ورد المثل صورة) معطوف على رد، أي ويجب رد المثل في الصورة، وإن كان ليس مثله حقيقة، وذلك لخبر مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا - أي وهو الثني من الإبل - ورد رباعيا - أي وهو ما دخل في السنة السابعة - وقال: إن خياركم أحسنكم قضاء.
(قوله: وهو) أي المتقوم.
(قوله: ولا يجب قبول الردئ إلخ) هذا مرتب على محذوف مذكور في المنهج وشرحه، وهو يجب أداء الشئ المقترض صفة ومكانا - كمسلم فيه - فلا يجب قبول الردئ عن الجيد.
اه.
بتصرف.
وكان الأولى التصريح به.
(قوله: ولا قبول المثل إلخ) أي ولا يجب قبول المثل في غير محل الإقراض.
(قوله: إن كان له) أي للمقرض غرض صحيح، أي في عدم قبوله.
(قوله: كأن كان الخ) تمثيل لما إذا كان هناك غرض صحيح.
(وقوله: لنقله) أي الشئ المقترض من مكان التسليم إلى مكان الإقراض.
(قوله: ولم يتحملها) أي المؤنة المقترض، فإن تحملها، أجبر المقرض على القبول.
(قوله: أو كان الموضع مخوفا) أي أو كان له مؤنة وتحملها المقترض، لكن كان الموضع الذي وقع التسليم فيه مخوفا، فلا يجب قبوله فيه (قوله: ولا يلزم المقترض الدفع إلخ) أي لما فيه من الكلفة.
(قوله: إلا إذا لم يكن لحمله) أي الشئ المقترض (قوله: لكن له إلخ) استدراك من عدم لزوم المقترض الدفع، دفع به إيهام أنه إذا لم يلزمه ذلك، فليس للمقرض المطالبة بالقيمة أيضا.
(قوله: بقيمة بمحل الإقراض) أي قيمة معتبرة بمحل الإقراض، لأنه محل التملك.
(وقوله: وقت المطالبة) أي ومعتبرة أيضا وقت المطالبة، لأنه وقت استحقاقها.
وإذا أخذ القيمة فهي للفيصولة - لا للحيلولة، حتى لو اجتمعا بمحل الإقراض لم يكن للمقرض ردها وطلب المثل، ولا للمقترض استردادها ودفع المثل.
(وقوله: فيما لنقله مؤنة) متعلق بمطالبة.
(وقوله: لجواز الاعتياض عنه) أي عن الشئ المقرض، وهو علة لجواز المطالبة بذلك.
(قوله: وجاز لمقرض نفع إلخ) قال في فتح الجواد: والأوجه أن الإقراض ممن تعود الزيادة بقصدها: مكروه.
اه.
(قوله: يصل) أي النفع.
(وقوله: له) أي
قدرا أو صفة، والاجود في الردئ (بلا شرط) في العقد، بل يسن ذلك لمقترض، لقوله (ص): إن خياركم: أحسنكم قضاء ولا يكره للمقرض أخذه، كقبول هديته، ولو في الربوي.
والاوجه أن المقرض يملك الزائد من غير لفظ، لانه وقع تبعا، وأيضا فهو يشبه الهدية، وأن المقترض إذا دفع أكثر مما عليه، وادعى أنه إنما دفع ذلك ظنا أنه الذي عليه: حلف، ورجع فيه.
وأما القرض بشرط جر نفع لمقرض ففاسد، لخبر كل قرض جر منفعة، فهو ربا وجبر ضعفه: مجئ معناه عن جمع من الصحابة.
ومنه القرض لمن يستأجر ملكه، أي مثلا بأكثر من قيمته لاجل القرض.
إن وقع ذلك شرطا، إذ هو حينئذ حرام إجماعا، وإلا كره عندنا، وحرام عند كثير من
ــ
للمقرض.
(وقوله: من مقترض) متعلق بيصل.
(قوله: كرد الزائد إلخ) تمثيل للنفع.
(وقوله: قدرا) أي كأحد عشر عن عشرة.
(وقوله: أو صفة) أي كصحاح عن مكسرة.
(وقوله: والاجود في الردئ) هو مندرج في الصفة، فهو من ذكر الخاص بعد العام.
(قوله: بلا شرط في العقد) متعلق بجاز، وسيذكر محترزه.
(قوله: بل يسن ذلك) أي رد الزائد لمقترض، ومحله: ما لم يقترض لنحو محجوره، أو جهة وقف، وإلا امتنع رد الزائد.
(قوله: لقوله صلى الله عليه وسلم إلخ) دليل
للسنية.
وقوله: إن خياركم أحسنكم قضاء خياركم: يحتمل أن يكون مفردا بمعنى الخير، وأن يكون جمعا.
(فإن قلت) أحسن كيف يكون خبرا له وهو مفرد؟ (قلت) أفعل التفضيل المضاف لمعرفة، يجوز فيه الإفراد والمطابقة.
قال ابن مالك: وتلو ال طبق وما لمعرفة أضيف ذو وجهين عن ذي معرفة (قوله: ولا يكره للمقرض أخذه) أي الزائد.
(قوله: كقبول هديته) أي كما أنه لا يكره له قبول هدية المقترض.
قال في النهاية: نعم، الأولى كما قاله الماوردي: تنزهه عنها قبل رد البدل.
اه.
(قوله: ولو في الربوي) غاية لعدم الكراهة.
أي لا يكره أخذ الزائد، ولو وقع القرض في الربوي - كالنقد - (قوله: والأوجه أن المقرض يملك الزائد إلخ) أي ولو كان متميزا، كأن اقترض دراهم فردها ومعها نحو سمن.
(قوله: من غير لفظ) أي إيجاب وقبول.
(قوله: لأنه وقع تبعا) علة لكون الزائد يملك من غير لفظ، أي وإنما يملك كذلك لانه تابع للشئ المقترض.
(قوله: وأيضا فهو) أي الزائد.
(وقوله: يشبه الهدية) أي وهي تملك من غير لفظ.
(قوله: وأن المقترض الخ) معطوف على أن المقرض، أي والأوجه أن المفترض إذا دفع زائدا عما عليه، ثم ادعى أنه دفعه ظانا أن هذا الزائد من جملة الدين، فإنه يحلف، ويرجع بالزائد الذي دفعه.
وعبارة ع ش: ويصدق الآخذ في كون ذلك هدية، لأن الظاهر معه، إذ لو أراد الدافع أنه إنما أتى به ليأخذ بدله لذكره.
ومعلوم مما صورناه به أنه رد المقرض والزيادة معا، ثم ادعى أن الزيادة ليست هدية، فيصدق الآخذ.
أما لو دفع إلى المقرض سمنا - أو نحوه - مع كون الدين باقيا في ذمته، وادعى أنه من الدين - لا هدية - فإنه يصدق الدافع في ذلك.
اه.
وهي تفيد أنه لا يصدق الدافع إلا في الصورة الثانية فقط.
(قوله: حلف) جواب إذا.
(وقوله: ورجع فيه) أي الزائد.
(قوله: وأما القرض بشرط إلخ) محترز قوله بلا شرط في العقد.
(قوله: جر نفع لمقرض) أي وحده، أو مع مقترض - كما في النهاية - (قوله: ففاسد) قال ع ش: ومعلوم أن محل الفساد حيث وقع الشرط في صلب العقد.
أما لو توافقا على ذلك ولم يقع شرط في العقد، فلا فساد.
اه.
والحكمة في الفساد أن موضوع القرض: الإرفاق، فإذا شرط فيه لنفسه حقا: خرج عن موضوعه فمنع صحته.
(قوله: جر منفعة) أي شرط فيه جر منفعة.
(قوله: فهو ربا) أي ربا القرض، وهو حرام (قوله: وجبر ضعفه) أي أن هذا الخبر ضعيف، ولكن جبر ضعفه.
- أي قوى ضعفه - مجئ معناه - أي الخبر - وهو أن شرط جر النفع للمقرض مفسد للقرض.
وعبارة النهاية: وروي - أي هذا الخبر - مرفوعا بسند ضعيف، لكن صحح الإمام والغزالي رفعه، وروي البيهقي معناه عن جمع من الصحابة.
اه.
(قوله: ومنه القرض إلخ)
أي ومن ربا القرض: القرض لمن يستأجر ملكه.
(وقوله: أي مثلا) راجع للاستئجار - يعني أن الاستئجار ليس قيدا، بل مثالا.
ومثله القرض، لمن يشتري ملكه بأكثر من قيمته.
(وقوله: لأجل القرض) علة للاستئجار بأكثر من قيمته.
(قوله:
العلماء، قاله السبكي، ويجوز الاقراض بشرط الرهن أو الكفيل.
ولو قال أقرض هذا مائة وأنا لها ضامن، فأقرضه المائة - أو بعضها - كان ضامنا، على الاوجه، للحاجة: كألق متاعك في البحر وعلي ضمانهم وقال البغوي: لو ادعى المالك القرض، والآخذ الوديعة: صدق الآخذ لان الاصل: عدم الضمان، خلافا للانوار.
(ويصح رهن) وهو جعل عين يجوز بيعها وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه، فلا يصح رهن وقف
ــ
إن وقع ذلك) أي الاستئجار المذكور، شرطا، أي في صلب العقد.
(قوله: إذ هو) أي القرض لمن يستأجر ملكه.
(وقوله: حينئذ) أي حين إذ وقع ذلك شرطا في صلب العقد.
(قوله: وإلا كره) أي وإن لم يقع ذلك شرطا في صلب العقد: كره - أي ولا يكون ربا.
(قوله: عندنا) أي معاشر الشافعية.
(قوله: ويجوز الإقراض بشرط الرهن أو الكفيل) أي أو الإشهاد، وذلك لأنها توثيقات، لا منافع زائدة - فللمقرض إذا لم يوف المقترض بها الفسخ.
(فائدة) الشرط الواقع في القرض ثلاثة أقسام: إن جر نفعا للمقرض يكون فاسدا مفسدا للقرض.
وإن جر نفعا للمقترض يكون فاسدا غير مفسد له، كأن أقرضه عشرة صحيحة ليردها مكسرة.
وإن كان للوثوق - كشرط رهن، وكفيل - فهو صحيح.
(قوله: ولو قال: اقرض إلخ) هذه المسألة من فروع الضمان، إلا أنه ذكرها هنا لأن لها مناسبة من جهة أنها مشتملة على القرض.
(قوله: كان ضامنا على الأوجه) في شرح البهجة ما نصه: (فرع) لو قال: أقرض هذا مائة وأنا ضامن لها، فأقرضه المائة، أو بعضها، لزمه الضمان.
قاله الماوردي.
قال الزركشي: ولعله أراد به ما أرادوه بقوله: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه، لكن ذاك جوز للحاجة.
اه.
وما قاله الماوردي هنا - من صحة الضمان - مفرع على القديم.
وقال في باب الضمان بعدم صحته - وهو الجديد -، وصححه الناظم كالشخين.
اه.
(قوله: كألق متاعك في البحر وعلي ضمانه) أي فيكون الآخر ضامنا له إذا ألقي وتلف، لكن يشترط في الضمان أن يقول له ذلك عند الإشراف على الغرق أو القرب منه.
ولم يختص نفع الإلقاء بالملقي - كما صرح بذلك في متن المنهاج، في باب الديات - وعبارته مع التحفة هناك: ولو قال لغيره: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه، أو على أني ضامن له، فألقاه وتلف، ضمنه المستدعى - وإن لم تحصل النجاة - لأنه التماس لغرض صحيح بعوض، فلزمه.
ولو اقتصر على قوله ألق متاعك، ولم يقل وعلي ضمانه، أو على أني ضامن، فلا يضمنه - على المذهب - لعدم الالتزام.
وإنما يضمن ملتمس لخوف غرق، فلو قال في الأمن ألقه وعلي ضمانه: لم يضمنه، إذ لا غرض.
ولم يختص نفع الإلقاء بالملقي بأن اختص بالملتمس، أو به بالمالك، أو بغيرهما، أو بالمالك وأجنبي، أو بالملتمس وأجنبي، أو عم الثلاثة - بخلاف ما لو اختص بالمالك وحده، بأن أشرفت
سفينة وبها متاعه على الغرق، فقال له من بالشط أو سفينة أخرى: ألق متاعك وعلي ضمانه، فلا يضمنه، لأنه وقع لحظ نفسه، فكيف يستحق به عوضا؟ اه.
بحذف.
(قوله: لو ادعى المالك إلخ) يعني لو اختلف الدافع والآخذ في المال الذي أخذه وقد تلف، فقال الدافع إنه قرض فعليك الضمان، وقال الآخذ إنه وديعة فليس علي شئ، فإنه يصدق الآخذ، لأن الأصل عدم الضمان (وقوله: خلافا للأنوار) أي في قوله إن المصدق المالك.
(قوله: ويصح رهن) شروع في القسم الثاني من الترجمة (واعلم) أن الوثائق بالحقوق ثلاثة: شهادة، ورهن، وضمان.
فالأولى لخوف الجحد، والآخران لخوف الإفلاس.
وأن أركان الرهن أربعة: عاقد، ومرهون، ومرهون به، وصيغة.
وقد اشتمل تعريف الرهن المذكور عليها كلها (فقوله: وهو جعل) يشير للعاقد وللصيغة.
(وقوله: عين) يشير للمرهون.
(وقوله: بدين) يشير للمرهون به.
(قوله: وهو) أي الرهن شرعا.
أما لغة: فهو الثبوت.
وقوله جعل عين:
وأم ولد (بإيجاب وقبول) كرهنت، وأرتهنت ويشترط ما مر في البيع، من اتصال اللفظين، وتوافقهما معنى، ويأتي هنا خلاف المعاطاة (من أهل تبرع)، فلا يرهن ولي - أبا كان، أو جدا، أو وصيا، أو حاكما - مال صبي
ومجنون، كما لا يرتهن لهما - إلا لضرورة، أو غطبة ظاهرة، فيجوز له الرهن والارتهان - كأن يرهن على ما
ــ
مصدر مضاف لمفعوله بعد حذف الفاعل، تقديره جعل المالك - أو من قام مقامه - عينا.
وخرج بها: الدين، فلا يصح رهنه، ولو ممن هو عليه، لأنه غير مقدور على تسليمه.
وخرج أيضا: المنفعة، فلا يصح رهنها، لأن المنفعة تتلف، فلا يحصل بها استيثاق.
(وقوله: يجوز بيعها) أي يصح.
وخرج به ما لا يصح بيعها - كوقف ومكاتب، وأم ولد - (وقوله: وثيقة بدين) أي ولو منفعة.
وخرج بالدين: العين، فلا يصح الرهن على العين - مضمونة كانت: كالمغصوبة والمستعارة، أو غير مضمونة: كمال القراض والمودع - وذلك لأنه تعالى ذكر الرهن في المداينة، فلا يثبت في غيرها، ولأنها لا تستوفى من ثمن المرهون، وذلك مخالف لغرض الرهن عند البيع.
(وقوله: يستوفى منها) أي يستوفي ذلك الدين من العين - أي من ثمنها - وهذا ليس من التعريف، بل بيان لفائدته.
ومن - في قوله منها - للابتداء، لا للتبعيض، لأنه يقتضي اشتراط أن تكون قيمة العين المرهونة زائدة على الدين، مع أنه لا يشترط.
(وقوله: عند تعذر وفائه) متعلق بيستوفى، وهو ليس بقيد.
والضمير - في وفائه - عائد على جنس الدين، الصادق ببعضه.
- كذا في البجيرمي -.
(قوله: فلا يصح رهن وقف وأم ولد) أي لأنه لا يجوز بيعهما.
(قوله: بإيجاب وقبول) متعلق بيصح، وهو بيان للصيغة - التي هي أحد أركان الرهن السابقة -.
ومثل الإيجاب: الاستيجاب - كارهني.
(قوله: كرهنت) هذا هو الإيجاب.
(وقوله: وارتهنت) هذا هو القبول.
(قوله: ويشترط ما مر في البيع) وذلك لأنه عقد مالي، مثل البيع.
(قوله: من اتصال اللفظين)
بيان لما مر.
والمراد باتصالهما: عدم تخلل كلام أجنبي أو سكوت طويل بينهما.
والمراد باللفظين: الإيجاب، والقبول - وهما جزآ الصيغة.
ومما مر أيضا في البيع: عدم التعليق، وعدم التأقيت.
(قوله: وتوافقهما معنى) أو ومن التوافق بين اللفظين في المعنى، فلو اختلفا فيه - كأن قال رهنتك هذا بألف فقبل بخمسمائة، أو قال رهنتك هذين فقيل أحدهما - لم يصح.
وفي ع ش ما يخالفه، وعبارته: قوله: كنظيره في البيع - يفيد أنه لو قال رهنتك هذين فقبل أحدهما: لم يصح العقد - نظير ما مر في القرض -.
وقد يفرق بأن هذا تبرع محض، فلا يضر فيه عدم موافقة القبول للإيجاب - كالهبة - وقياسه أيضا أنه لو قال رهنتك هذا بألف فقبل بخمسمائة: الصحة.
اه.
بحذف.
(قوله: ويأتي هنا) أي في الرهن.
(وقوله: خلاف المعاطاة) أي الخلاف في جواز البيع بالمعاطاة، فأجازها بعضهم هنا ومنعها آخرون.
قال في المغني: وصورة المعاطاة هنا - كما ذكره المتولي - أن يقول أقرضني عشرة لأعطيك ثوبي هذا رهنا، فيعطي العشرة، ويقبضه الثوب.
اه.
(قوله: من أهل تبرع) متعلق بمحذوف صفة لما قبله، أي إيجاب وقبول صادرين من أهل تبرع، أو متعلق بيصح، أي يصح رهن من أهل تبرع - وهذا بيان للركن الثاني، وهو العاقد، موجبا كان أو قابلا -.
والمراد بأهلية التبرع: أهلية التبرع المطلق، وهي تستلزم الرشد والاختيار - كما تقدم في القرض - فيخرج الصبي، والمجنون، والمحجور عليه بالسفه، والمكره.
(قوله: فلا يرهن ولي) مفرع على المفهوم، وإنما لم يصح رهنه لأنه يحبسه من غير عوض، وهو لا يصح.
(قوله: أو جدا) أي عند فقد الأب.
(وقوله: أو وصيا) أي عمن تأخر موته منهما.
(وقوله: أو حاكما) أي عند فقد الثلاثة.
اه.
بجيرمي.
(قوله: مال صبي ومجنون) أي أو سفيه، ولو قال: مال محجوره لكان أولى.
(قوله: كما لا يرتهن لهما) أي لا يجوز رهن الولي مال موليه - كما أنه لا يجوز له ارتهانه - وذلك لأنه في حالة الاختيار لا يصح أن يبيع مال موليه إلا بحال مقبوض، ولا يقرض إلا القاضي - كما مر - (قوله: إلا لضرورة إلخ) استثناء من عدم جواز الرهن والارتهان، فهو مرتبط بما قبل التنظير وما بعده.
(قوله: أو غبطة ظاهرة) احترز بذلك عما لو اشترى متاعا بمائة مؤجلة، وهو يساوي مائة حالة، فإن الغبطة في هذه الصورة موجودة، لكنها لا تظهر لكل أحد.
عزيزي، وعبارة الشوبري: أو غبطة ظاهرة، سيأتي في شركة أن الغبطة: مال له وقع - أي قدر - لا يتسامح أي لا يتساهل به.
فانظر ما مفاد قوله ظاهرة؟ ويجاب بأن معنى قوله ظاهرة: أي محققة للولي.
اه بجيرمي.
يقترض لحاجة المؤنة ليوفي مما ينتظر من الغلة أو حلول الدين، وكأن يرتهن على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة نهب أو نحوه، للزوم الارتهان حينئذ (ولو) كان العين المرهونة جزءا مشاعا، أو (عارية)، وإن لم يصرح بلفظها، كأن قال له مالكها: ارهنها بدينك لحصول التوثق بها.
ويصح إعارة النقد لذلك، على الاوجه، وإن
ــ
(قوله: فيجوز له) أي للولي، وهو تفريع على الاستثناء.
(قوله: كأن يرهن إلخ) مثل للرهن والارتهان للضرورة،
ولم يمثل لهما للغبطة.
فمثال الرهن لها: أن يرهن ما يساوي مائة على ثمن ما اشتراه بمائة نسيئة، وهو يساوي مائتين.
ومثال الارتهان لها: أن يرتهن على ما يبيعه نسيئة بمائتين، وهو يساوي مائة.
قال في فتح الجواد: وشرط صحة بيعه نسيئة - مع ما ذكر من غبطة وارتهان - أمانة مشتر، وغناء ووفاء الرهن بالثمن، وقصر الأجل، وكذا إشهاد عند جماعة - وهو متجه مدركا، لكن الجمهور على أنه لا بطلان بتركه.
اه.
(قوله: ما يقترض) بالبناء للفاعل، العائد محذوف ويصح بالبناء للمجهول، وعليه لا حذف وقوله لحاجة المؤنة الإضافة للبيان والمراد الحاجة الشديدة ليلائم قوله إلا لضرورة، وبهذا يندفع ما يقال الحاجة أعم من الضرورة، فإنها تشمل التفكه وثياب الزينة مثلا.
اه.
بجيرمي بالمعنى.
(قوله: ليوفي) أي ما يقترض، فهو بالبناء للمجهول.
ويصح بالبناء للفاعل، ومفعوله محذوف، أي ليوفي المقترض ما اقترضه.
(وقوله: مما ينتظر) أي يترقب.
وهو أيضا بالبناء للمجهول، ويصح بالبناء للفاعل، والعائد محذوف.
(وقوله: من الغلة أو حلول الدين) بيان لما.
(قوله: وكأن يرتهن) معطوف على كأن يرهن.
(وقوله: على ما يقرضه) أي من مال محجوره.
(وقوله: أو يبيعه) معطوف على يقرضه.
أي أو يرتهن على ما يبيعه من مال محجوره.
ويشترط أيضا: كون المشتري أمينا - إلى آخر ما مر آنفا - (قوله: لضرورة نهب) متعلق بيقرضه ويبيعه.
(وقوله: أو نحو) أي نحو النهب، كالسرقة.
(قوله: للزوم الارتهان حينئذ) أي حين إذا أقرض أو باع مال الصبي لضرورة النهب أو غيره.
ولا يظهر هذا التعليل لما قبله، لأن ما قبله تمثيل لجواز الارتهان للضرورة، فينحل المعنى بجواز الارتهان على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة، للزوم الارتهان حينئذ، ولا يخفى ما فيه.
وعبارة المنهاج: فلا يرهن الولي مال الصبي والمجنون، ولا يرتهن لهما، إلا لضرورة، أو غبطة ظاهرة.
قال في التحفة: فيلزمه الارتهان بالثمن، وهي ظاهرة.
ولو أخر الشارح قوله: فيجوز له الرهن والارتهان - عن المثال الثاني، ثم أضرب وقال: بل يلزمه الارتهان حينئذ - لكان أولى.
ثم إنه سيأتي للشارح - في فصل الحجر - تقييد لزوم الإرتهان: بما إذا لم يكن المشتري موسرا.
ونص عبارته هناك: وله بيع ماله نسيئة لمصلحة، وعليه ارتهان بالثمن رهنا وافيا إن لم يكن المشتري موسرا.
انتهت.
(قوله: ولو كانت العين إلخ) غاية لمقدر، وهي للتعميم.
والمعنى يصح الرهن بعين، ولو كانت جزءا مشاعا بين الراهن وغيره - كأن كان يملك ربع دار مشاعا: أي ليس معينا فرهنه، فإنه يصح، وقبضه يكون بقبض الجميع - كما في البيع - فيكون بالتخلية في غير المنقول، وبالنقل في المنقول.
ويجوز رهنه على الشريك، وعلى غيره، ولا يحتاج لإذن
الشريك إلا في المنقول، فإن لم يأذن ورضي المرتهن كونه بيده: جاز، وناب عنه في القبض، وإلا أقام الحاكم عدلا يكون في يده لهما.
ولو اقتسما فخرج المرهون لشريكه: لزمه قيمته رهنا، لأنه حصل له بدله.
(قوله: أو عارية) أي ولو كانت ضمنية، كارهن عبدك عني على ديني ففعل، فإنه كما لو قبضه ورهنه.
اه.
تحفة ونهاية.
قال ع ش: يشير بهذا إلى أنه لا يشترط كون المرهون ملكا للراهن، بل يصح، ولو معارا.
اه.
(واعلم) أن عقد العارية بعد الرهن في قول: إنه عارية - أي باق على حكمها - وفي قول: إنه ضمان دين في رقبة ذلك الشئ، لأن الانتفاع إنما يحصل بإهلاك العين ببيعها في الدين، فهو مناف لوضع العارية، وهذا القول هو الأظهر - كما في المنهاج.
(قوله: وإن لم يصرح بلفظها) أي العارية، أي فلا يشترط أن يقول للمالك أعرني هذه لأرهنها، أو يقول هو
منعنا إعارته لغير ذلك، فيصح رهن معار بإذن مالك بشرط معرفته المرتهن، وجنس الدين وقدره.
نعم، في الجواهر لو قال له ارهن عبدي بما شئت: صح أن يرهنه بأكثر من قيمته.
ولو عين قدرا فرهن بدونه: جاز، ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن العارية، فلو تلف في يد الراهن، ضمن لانه مستعير الآن، اتفاقا، أو في يد المرتهن: فلا ضمان عليهما، إذ المرتهن أمين، ولم يسقط الحق عن ذمة الراهن.
نعم: إن رهن فاسدا: ضمن بالتسليم، على ما قاله غير واحد، ويباع المعار بمراجعة مالكه عند حلول الدين، ثم يرجع المالك على الراهن
ــ
للراهن: أعرتك هذه لترهنها.
(قوله: كأن قال إلخ) تمثيل لعدم التصريح بلفظ العارية.
(وقوله: له) أي للراهن.
(وقوله: مالكها) أي العارية.
(قوله: لحصول التوثيق بها) أي بالعارية.
وهو علة لجواز كون العين المرهونة عارية، أي وإنما جاز رهن العارية لحصول التوثق الذي هو المقصود من الرهن بها.
(قوله: ويصح إعارة النقد لذلك) أي للرهن.
قال ع ش: ثم بعد حلول الدين - إن وفى المالك: فظاهر، وإن لم يوف: بيعت الدراهم بجنس حق المرتهن إن لم تكن من جنسه، فإن كانت من جنسه جعلها له عوضا عن دينه بصيغة تدل على نقل الملك.
اه.
(قوله: وإن منعنا إعارته) أي النقد.
(وقوله: لغير ذلك) أي الرهن، كإعارته للنفقة، أو ليصرفه في مشترى عين.
(قوله: فيصح رهن معار إلخ) تفريع على أو عارية.
(وقوله: بإذن مالك) أي في الرهن، فلو لم يأذن المالك فيه لا يصح رهنه.
(قوله: بشرط معرفته) أي المالك.
(وقوله: المرتهن) مفعول المصدر، ومعرفته تكون بعينه أو اسمه ونسبه - لا بوصفه فقط - كما هو ظاهر.
(وقوله: وجنس الدين) أي وبشرط معرفته جنس الدين، كذهب، وفضة.
(وقوله: وقدره) أي كعشرة، ومائة.
ولا بد من معرفته صفته أيضا - كحلول، وتأجيل، وصحة، وتكسير - وذلك لاختلاف الأغراض بذلك.
(قوله: نعم، في الجواهر) تقييد لاشتراط معرفته جنس الدين وقدره، فكأنه قال: محل اشتراط ما ذكر: ما لم يفوض الأمر إلى خيرة المدين، وإلا لم يشترط ذلك.
(وقوله: صح أن يرهنه بأكثر من قيمته) قال في التحفة: ويؤيده ما يأتي في العارية من صحة انتفع به بما شئت.
لكن قال سم: سيأتي في العارية أن المعتمد في انتفع به بما شئت، إنه يتقيد بالمعتاد في مثله، فقياسه أنه يتقيد
هنا بما يعتاد رهن مثله عليه.
اه.
وفرق ع ش: بأن الانتفاع في المعار بغير المعتاد يعود منه ضرر على المالك، بخلاف الرهن بأكثر من قيمته لا يعود ضرر عليه، إذ غايته أن يباع في الدين، وما زاد على ثمنه باق في ذمة المستعير.
اه.
(قوله: ولو عين قدرا إلخ) استثناء من محذوف - كما يعلم من عبارة شرح المنهج - تقديره: وإذا عين المالك للمستعير جنس الدين وقدره وصفته لم تجز مخالفته أي ويستثنى من ذلك ما لو عين له قدرا فرهن بدونه، فإنه يجوز.
(وقوله: فرهن بدونه) أي من جنسه.
فلو استعاره ليرهنه على مائة دينار، فرهنه على مائة درهم، لم يجز.
اه.
س ل.
بجيرمي.
(قوله: ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن) أي وإلا لم يكن لهذا الرهن معنى، إذ لا وثوق به.
وأفهم جواز الرجوع قبل قبضه - وهو كذلك - لعدم لزومه قبله.
(قوله: فلو تلف) أي المعار في في يد الراهن.
قال سم: هو شامل لما قبل الرهن ولما بعد انفكاكه.
وعبارة العراقي في شرح البهجة: أما لو تلف في يد الراهن قبل الرهن، أو بعده: فإنه يجب عليه ضمانه.
اه.
(وقوله: ضمن) أي الراهن.
(وقوله: لأنه مستعير) أي والعارية مضمونة.
(وقوله: الآن) أي إذا كان المعار في يده.
(قوله: أو في يد المرتهن) أي أو تلف في يد المرتهن.
(قوله: فلا ضمان عليهما) أي على الراهن والمرتهن.
ومحله: ما لم يقصرا.
فإن قصرا ضمنا.
(وقوله: إذ المرتهن أمين) علة لعدم تضمين المرتهن.
(وقوله: ولم يسقط الحق عن ذمة الراهن) علة لعدم تضمين الراهن.
اه.
ع ش.
(قوله: نعم، إن رهن فاسدا) أي بأن فقد شرط من الشروط السابقة.
(وقوله: ضمن بالتسليم) أي ضمن الراهن بتسليم المعار للمرتهن.
قال في التحفة بعده: أي لأن المالك لم يأذن فيه، ولأنه مستعير، وهو ضامن ما دام لم يقبضه عن جهة رهن صحيح، ولم يوجد.
ويلزم من ضمانه تضمين المرتهن، لترتب يده على يد ضامنه، ويرجع عليه إن لم يعلم الفساد، وكونها مستعارة.
بثمنه الذي بيع به (لا) يصح (بشرط ما يضر) الراهن، أو المرتهن:(كأن لا يباع) أي المرهون، عند المحل، أي وقت حلول الدين، أو إلا بأكثر من ثمن المثل، (وكشرط منفعته) أي المرهون (لمرتهن) كأن يشرطا أن الزوائد الحادثة - كثمر الشجر - (مرهونة) فيبطل الرهن في الصور الثلاث، (ولا يلزم) الرهن كالهبة (إلا بقبض)
ــ
وأفتى بعضهم بعدم ضمانه، محتجا بأنه إذا بطل الخصوص - وهو التوثقة هنا - لا يبطل العموم، وهو إذن المالك بوضعها تحت يد المرتهن.
اه.
(قوله: ويباع المعار بمراجعة مالكه) أي يبيعه الحاكم بمراجعة مالكه لعله يفديه، فإن لم يأذن في بيعه، بيع قهرا عليه.
(تنبيه) ألغز العلامة الدميري هنا فقال: لنا مرهون يصح بيعه جزما بغير إذن المرتهن.
وصورته: استعار شيئا ليرهنه
بشروطه ففعل، ثم اشتراه المستعير من المعير بغير إذن المرتهن لعدم تفويت الوثيقة، وهو الأوجه - خلافا للبلقيني - حيث تردد.
وقد نظم ذلك بعضهم بقوله: عين لنا مرهونة قد صححوا بيعا لها من غير إذن المرتهن ذاك معار باعه المعير من من استعار للرهان فارتهن (قوله: ثم يرجع إلخ) أي ثم بعد بيعه في الدين يرجع المالك عل الراهن المستعير بالثمن الذي بيع به.
قال في المغني: لانتفاع الرهن به - سواء أبيع بقيمته، أم بأكثر، أم أقل بقدر يتغابن الناس بمثله - هذا على قول الضمان.
وأما على قول العارية: فيرجع بقيمته إن بيع بها، أو بأقل - وكذا بأكثر - عند الأكثرين.
اه.
(قوله: لا يصح) أي الرهن بمعنى العقد.
(قوله: بشرط ما يضر الراهن أو المرتهن) أي بشرط شئ يضر الراهن أو المرتهن - أي أو كليهما - فأو: مانعة خلو، فتجوز الجمع.
وخرج بذلك: ما لا يضرهما أو أحدهما كأن شرط فيه مقتضاه - كتقدم مرتهن بالمرهون عند تزاحم الغرماء - أو شرط ما فيه مصلحة له - كإشهاد به، أو شرط ما لا غرض فيه - كأن يأكل العبد المرهون كذا، فإنه يصح عقد الرهن في الجميع، ويلغو الشرط في الأخير.
(قوله: كأن لا يباع) أي أصلا، وهو تمثيل لما يضر المرتهن.
(وقوله: عند المحل) هو بكسر الحاء.
(قوله: أو أكثر) أي أولايباع عند المحل إلا بأكثر من ثمن المثل، وهو أيضا تمثيل لما يضر المرتهن.
(قوله: وكشرط منفعته إلخ) هذا مثال لما يضر الراهن، ولذلك أعاد الكاف.
وإنما كان مضرا به لأن منافع المرهون - كسكنى الدار، وركوب الدابة - مستحقة للراهن، فإذا شرطت للمرتهن أضر بالراهن.
(قوله: كأن يشرطا) الموافق لقوله بعد في الصور الثلاث أن يزيد واو العطف، بأن يقول: وكأن يشرطا إلخ.
وعبارة المنهج وشرحه: كأن لا يباع عند المحل، وكشرط منفعته - أي المرهون للمرتهن - أو شرط أن تحدث زوائده - كثمر الشجرة، ونتاج الشاة - مرهونة.
اه.
(قوله: مرهونة) خبر أن، أي شرطا أن الزوائد التي تحدث تكون مرهونة أيضا في الدين.
(قوله: فيبطل الرهن في الصور الثلاث) هي قوله كأن لا يباع، وقوله كشرط منفعته، وقوله كأن يشرطا إلخ.
وإنما بطل فيها: لإخلال الشرط في الأولى بالغرض من الرهن الذي هو البيع عند المحل، ولتغيير قضية العقد في الثانية.
وذلك لأن قضية العقد أن تكون منافع المرهون للراهن، لأن التوثق إنما هو بالعين.
ولجهالة الزوائد وعدمها في الثالثة.
ومحل البطلان في الثانية: ما لم تقدر المنفعة بمدة كسنة - وكان الرهن مشروطا في بيع، فإن كان كذلك، فلا بطلان - بل هو جمع بين بيع وإجارة.
وصورة ذلك أن يقول بعتك هذا العبد بمائة، على أن ترهنني به دارك هذه، ويكون سكناها إلى سنة فيقبل
الآخر.
(قوله: ولا يلزم الرهن) أي من جهة الراهن فقط، لأنه من جهة المرتهن جائز مطلقا.
(وقوله: إلا بقبض) أي لقوله تعالى: * (فرهان مقبوضة) * (1) فلو لزم بدون القبض لم يكن للتقييد به فائدة، ولأنه عقد تبرع يحتاج إلى القبول، فلا يلزم إلا بالقبض - كالهبة -.
ولا ترد الوصية، لأنها إنما تحتاج إلى القبول فيما إذا كان الموصى له معينا.
اه.
شرح
(1) سورة البقرة، الاية:238.
بما مر في قبض المبيع (بإذن) من راهن يصح تبرعه، ويحصل الرجوع عن الرهن قبل قبضه بتصرف يزيل الملك كالهبة، والرهن لآخر، ولا بوطئ، وتزويج، وموت عاقد، وهرب مرهون.
(واليد) في المرهون (لمرتهن) بعد لزوم الرهن غالبا (وهي) على الرهن (أمانة) أي يد أمانة، ولو بعد البراءة من الدين، فلا يضمنه المرتهن إلا
ــ
الروض.
(وقوله: بما مر إلخ) أي ويكون القبض هنا بمثل ما مر في قبض المبيع - من النقل في المنقول، والتخلية في غيره.
(قوله: بإذن من راهن) متعلق بمحذوف صفة لقبض، أي قبض كائن بإذن من راهن، أي أو إقباض منه.
ولكل من الراهن والمرتهن إنابة غيره في القبض والإقباض، ما لم يلزم اتحاد القابض والمقبض.
فلو أذن الراهن لغيره في الإقباض امتنعت إنابته في القبض.
وكذلك يمتنع على المرتهن أن ينيب الراهن في القبض، كأن يقول المرتهن للراهن: أنبتك عني في القبض.
(وقوله: يصح تبرعه) أي تبرعا مطلقا.
وصحة التبرع لا تكون إلا من بالغ، عاقل، رشيد، مختار - كما تقدم - فخرج به حينئذ: الصبي، والمجنون، والمحجور عليه، والمكره، فلا يصح إذنهم في القبض.
(قوله: ويحصل الرجوع عن الرهن قبل قبضه بتصرف يزيل الملك) أما بعض القبض فلا رجوع به، لعدم نفوذ التصرف منه بعده.
وسيبين هذا بقوله بعد: وليس للمالك بعد لزوم الرهن بيع ووقف إلخ.
(قوله: كالهبة) تمثيل ما يزيل الملك.
وقيد في المنهاج والمنهج الهبة بكونها مقبوضة.
وقال في المغني: تقييده تبعا للرافعي الهبة والرهن وبالقبض يقتضي أن ذلك بدون قبض لا يكون رجوعا.
والذي نقله السبكي وغيره على النص: أنه رجوع، وهو المعتمد.
وقال الأذرعي: والصواب على المذهب حذف لفظ القبض في الهبة والرهن جميعا، لأنها زيادة موهمة.
اه.
(قوله: والرهن لآخر) ظاهره أنه معطوف على الهبة، فيفيد حينئذ أن الرهن مزيل للملك، وليس كذلك.
وعبارة غيره: ويحصل الرجوع بتصرف يزيل الملك - كهبة لزوال محل الرهن، وبرهن - لتعلق حق الغير به -.
اه.
فأعاد العامل إشارة إلى استقلاله، وعدم عطفه على هبة.
فكان الأولى للشارح أن يصنع كصنيعه.
(قوله: لا بوطئ إلخ) أي لا يحصل الرجوع بوطئ وتزويج - أي لعدم منافاتهما للرهن - لأن الوطئ من قبيل الاستخدام، والتزويج لا تعلق له بمورد الرهن، بل رهن المزوج ابتداء: جائز - سواء كان المزوج عبدا أو أمة -.
ومعنى كون هذه المذكورات لا يحصل بها رجوع: أن الرهن لا ينفسخ بها، بل هو باق بحاله.
ومحل عدم الرجوع بالوطئ: إذا لم يحصل منه إحبال، وإلا حصل الرجوع به.
(قوله: وموت عاقد) أي ولا يحصل
الرجوع بموت عاقد من راهن، أو مرتهن، أو وكيلهما، أو وكيل أحدهما.
(قوله: وهرب مرهون) أي ولا يحصل الرجوع بهرب المرهون.
قال ع ش: وظاهره وإن أيس من عوده.
وينبغي - في هذه - أن له مطالبة الراهن بالدين، حيث حل، لأنه في هذه الحالة يعد كالتالف.
اه.
(قوله: واليد في المرهون لمرتهن) المراد من اليد: اليد الحسية - أي كونه في حرزه، وفي بيته مثلا - لا الشرعية: أي كونه في سلطنته وفي ولايته، بحيث يمتنع على الراهن التصرف فيه بما يزيل الملك أو ينقصه بغير إذن المرتهن، وإلا لم يكن للتقييد - بقوله غالبا - فائدة، لأن اليد الشرعية على المرهون للمرتهن دائما، حتى في الصور الخارجة به.
كذا في البجيرمي.
(قوله: بعد لزوم الرهن) أي وهو يحصل بالقبض - كما مر - (قوله: غالبا) أي ومن غير الغالب قد لا تكون اليد للمرتهن - كما لو رهن مسلما أو مصحفا عند كافر، أو سلاحا عند حربي - فإنه يوضع عند من يصح تملكه لها.
وكما لو رهن جارية تشتهي عند أجنبي فتوضع عند امرأة ثقة.
وكما لو شرطا وضعه عند ثالث.
(قوله: وهي) أي يد المرتهن.
(وقوله: أمانة) أي لا يلزم ضمانه.
فلو شرط كونه مضمونا على المرتهن لم يصح الرهن.
واستثنى البلقيني من هذه القاعدة - تبعا للمحاملي - ثمان مسائل يكون فيها الضمان على المرتهن.
الأولى: مغصوب تحول رهنا عند غاصبه.
الثانية: مرهون تحول غصبا عند مرتهنه.
الثالثة: مرهون تحول عارية عند مرتهنه.
الرابعة: عارية تحولت رهنا عند مستعيرها.
الخامسة: مقبوض سوما تحول رهنا عند سائمه.
السادسة: مقبوض ببيع فاسد تحول رهنا عند قابضه.
السابعة: أن يقبله في بيع شئ ثم يرهنه منه قبل قبضه.
الثامنة: أن يخالعها على شئ ثم يرهنه منها قبل القبض.
وإنما ضمن في هذه المسائل لوجود مقتضيه، والرهن ليس بمانع.
اه.
نهاية.
بتصرف.
بالتعدي: كأن امتنع من الرد بعد سقوط الدين (وصدق) أي المرتهن (كالمستأجر في) دعوى (تلف) بيمينه (لا في رد) لانهما قبضا لغرض أنفسهما، فكانا كالمستعير، بخلاف الوديع، والوكيل، ولا يسقط بتلفه شئ من
الدين.
ولو غفل عن نحو كتاب، فأكلته الارضة، أو جعله في محل هو مظنتها، ضمنه لتفريطه.
(قاعدة) وحكم فساد العقود إذا صدر من رشيد، حكم صحيحها في الضمان وعدمه، لان صحيح العقد
ــ
(قوله: ولو بعد البراءة من الدين) غاية لكون اليد على الرهن أمانة.
(قوله: فلا يضمنه المرتهن) مفرع على كونه أمانة.
(قوله: إلا بالتعدي) أي لا يضمنه إلا إن تعدى وتسبب في تلفه.
(قوله: كأن امتنع إلخ) تمثيل للتعدي، أي وكأن ركب الدابة وحمل عليها أو استعمل الإناء، فيضمنه حينئذ لخروجه عن الأمانة.
(قوله: بعد سقوط الدين) أي وبعد المطالبة.
أما بعد سقوطه وقبل المطالبة فهو باق على أمانته.
اه.
نهاية.
(قوله: وصدق إلخ) أي من غير ضمان، وإلا فالغاصب والمستعير يصدق أيضا بيمينه في دعوى التلف، لكن مع الضمان.
(قوله: كالمستأجر) الكاف للتنظير، أي فإنه يصدق أيضا فيما ذكر.
(قوله: في دعوى تلف بيمينه) أي على التفصيل الآتي في الوديعة.
وحاصله أنه يحلف في
تلفها مطلقا - أي من غير ذكر سبب - أو بذكر سبب خفي كسرقة أو ظاهر كحريق عرف - دون عمومه - فإن عرف عمومه، ولم يتهم: فلا يحلف.
وإن جهل السبب الظاهر طولب ببينة بوجوده، ثم يحلف أنها تلفت به.
(قوله: لا في رد) أي لا يصدق المرتهن كالمستأجر في دعوى رد، أي لما قالوه - من أن كل أمين ادعى الرد على من ائتمنه صدق بيمينه إلا المرتهن والمستأجر - لأن كلا منهما يقبض لغرض نفسه.
والفرق بين الرد وبين التلف - حيث يصدقان فيه - أن التلف غالبا لا يتعلق باختيارهما، فلا يتمكنان من إقامة البينة عليه، فيعذران.
بخلال الرد، فإنه يتعلق باختيارهما، فلا تتعذر فيه البينة.
(قوله: لأنهما) أي المرتهن والمستأجر.
(وقوله: قبضا لغرض أنفسهما) أي وهو التوثق بالنسبة للمرتهن، والانتفاع بالمؤجر بالنسبة للمستأجر.
(وقوله: فكانا كالمستعير) أي في عدم تصديقه في دعوى الرد، لكون قبضه لغرض نفسه، وهذا قياس أدنى - لأن المستعير ليس بأمين، بل هو ضامن - (قوله: بخلاف الوديع والوكيل) أي وسائر الأمناء، فإنهم يصدقون في دعوى الرد أيضا، لأنهم لم يقبضوا لغرض أنفسهم.
(قوله: ولا يسقط بتلفه) أي المرهون شئ من الدين، بل يجب عليه دفع جميعه لصاحبه الذي هو المرتهن، خلافا للحنفية، والمالكية - حيث قالوا يسقط بتلفه قدره من الدين - بناء على أنه من ضمان المرتهن.
(قوله: ولو غفل عن نحو كتاب) أي كصوف.
(وقوله: فأكلته الأرضة) أي الدودة.
(قوله: أو جعله) أي نحو الكتاب، وهو معطوف على غفل.
(قوله: هو) أي ذلك المحل.
(وقوله: مظنتها) أي الأرضة.
قال في القاموس: مظنة الشئ - بكسر الظاء - موضع يظن فيه وجوده.
اه.
(قوله: ضمنه) جواب لو، وضميره يعود على نحو الكتاب - الذي أكلته الأرضة - (وقوله: لتفريطه) أي المرتهن، وهو علة الضمان.
(قوله: قاعدة) أي في بيان أن فاسد العقود كصحيحها.
(قوله: وحكم فاسد العقود إذا صدر من رشيد) قال البجيرمي: بأن كان كل من العاقدين رشيدا - أي غير محجور عليه - فيشمل السفيه المهمل.
والمراد صدر من رشيد مع رشيد، فلو صدر مع سفيه فلا يضمن السفيه مطلقا.
اه.
وقال سم: اعترض بعضهم التقييد بالرشيد بأنه لا حاجة إليه، لأن عقد غيره باطل - لاختلال ركنه - لا فاسد.
والكلام في الفاسد، وأقول: هذا الاعتراض ليس بشئ، لأن الفاسد والباطل عندنا سواء، إلا فيما استثنى بالنسبة لأحكام مخصوصة، فالتقييد في غاية الصحة والاحتياج إليه.
فتأمل.
اه.
(قوله: حكم صحيحها) أي كحكم الصحيح من العقود.
(وقوله: في الضمان) أي في مطلق الضمان، وإن كان المبيع في البيع الصحيح يضمن بالثمن، وفي البيع الفاسد يضمن بأقصى القيم في المتقوم، وبالمثل في المثلى.
قال في التحفة: والمراد التشبيه في أصل الضمان، لا الضامن، فلا يرد كون الولي لو استأجر لموليه فاسدا تكون الأجرة عليه، وفي الصحيحة على موليه،
ولا في القدر: فلا يرد كون صحيح البيع مضمونا: أي مقابلا بالثمن وفاسده بالبدل، والقرض بمثل المتقوم الصوري وفاسده بالقيمة، ونحو القراض والمساقاة والإجارة بالمسمى وفاسدها بأجرة المثل.
اه.
وقوله وعدمه: أي وفي عدم
إذا اقتضى الضمان بعد القبض - كالبيع والقرض - ففاسده أولى، أو عدمه - كالمرهون، والمستأجر والموهوب، ففاسده كذلك.
(فرع) لو رهن شيئا وجعله مبيعا من المرتهن بعد شهر، أو عارية له بعده، بأن شرطا في عقد الرهن ثم قبضه المرتهن: لم يضمنه قبل مضي الشهر، وإن علم فساده - على المعتمد - وضمنه بعده لانه يصير بيعا، أو
ــ
الضمان (قوله: لأن صحيح الخ) تعليل لكون حكم الفاسد كحكم الصحيح (قوله: بعد القبض) أي قبض المعقود عليه (قوله: كالبيع والقرض) أي كعقد البيع والقرض (قوله: ففاسده أولى) أي في اقتضاء الضمان، لأن الصحيح قد أذن فيه الشارع والمالك، والفاسد لم يأذن فيه الشارع، بل في التجرؤ عليه.
اه.
بجيرمي (قوله: أو عدمه) على الضمان: أي أو اقتضى عدمه.
(وقوله: كالمرهون والمستأجر والموهوب) الأولى أن يقول: كالرهن، والإجاة، والهبة، لأن الكلام في العقود، لا في المعقود عليه.
(وقوله: ففاسده كذلك) أي لا يقتضي الضمان، بل هو مساو له في عدم الضمان، قال سم على المنهج: ولم يقل أولى، لأن الفاسد ليس أولى بعدم الضمان، بل بالضمان.
اه.
ووجه ذلك: أن عدم الضمان تخفيف، وليس الفاسد أولى به، بل حقه أن يكون أولى بالضمان، لإشتماله على وضع اليد على مال الغير بلا حق، فكان أشبه بالغصب.
اه.
قال ع ش: واستثنى من الأول، أعني قوله في الضمان: ما لو قال قارضتك عى أن الربح كله لي، فهو قراض فاسد، فصحيحه يقتضي ضمان عمل العامل بالربح المشروط، وفاسده المذكور لا يقتضي شيئا.
وما لو قال: ساقيتك على أن الثمرة كلها لي فهو فاسد، ولا يستحق العامل شيئا، مع أنه في الصحيح: يستحق جزءا من الربح، فهذا صحيحه اقتضى الضمان، وفاسده لا يقتضيه، واستثنى من الثاني - أعني قوله وعدمه - الشركة، فإنه لا يضمن كل من الشريكين عمل الآخر، مع صحتها، ويضمنه مع فسادها.
وما لو رهن أو آجر نحو غاصب فتلفت العين في يد المرتهن أو المستأجر، فلمالك تضمينه، وإن كان القرار على الراهن أو المؤجر، مع أن صحيح الرهن والإجارة لا ضمان فيه.
قال في النهاية: وإلى هذه المسائل أشار الأصحاب بالأصل في قولهم الأصل أن فاسد كل عقد الخ.
وفي الحقيقة: لا يصح استثناء شئ من هذه القاعدة، لا طردا ولا عكسا، لأن المراد بالضمان: المقابل للأمانة بالنسبة للعين، لا بالنسبة لأجرة ولا غيرها.
فالرهن صحيحه أمانة، وفاسده كذلك، والإجارة مثله.
والبيع والعارية صحيحهما مضمون، وفاسدهما مضمون، فلا يرد: شئ.
اه.
(قوله: فرع: لو رهن شيئا إلخ) هذا من فروع القاعدة المذكورة، فالبيع والعارية من طردها، والرهن من عكسها.
وعبارة الروض وشرحه: فرع: لو رهنه أرضا وأذن له في غرسها بعد شهر، فهي قبل الشهر أمانة، بحكم الرهن، وبعده عارية مضمونة، بحكم العارية.
وكذا لو شرط كونها مبيعة
بعد شهر، فهي أمانة قبل الشهر - لما مر - ومبيعة مضمونة بعده، بحكم البيع، فإن غرس فيها المرتهن في الصورتين قبل الشهر: قلع مجانا، أو بعده: لم يقلع في الأولى ولا في هذه مجانا، لوقوعه بإذن المالك، وجهله المعلوم من قوله إلا أن علم فساد البيع وغرس فيقلع مجانا لتقصيره.
اه (قوله: وجعله مبيعا من المرتهن) أي للمرتهن أو عليه، فمن: بمعنى اللام، أو على.
(وقوله: أو عارية بعده) أي أو جعله عارية بعد شهر (قوله: بأن شرطا) أي البيع والعارية.
والباء للتصوير، وصورة ذلك أن يقول: رهنتك هذا بشرط أنه بعد شهر يكون مبيعا لك، أو عارية لك، فحينئذ يفسد الرهن لتأقيته، ويفسد البيع أو العارية لتعليقه، فهو قبل مضي الشهر: أمانة، لأنه مقبوض بحكم الرهن الفاسد.
وبعده: مضمون، بحكم الشراء الفاسد، أو العارية الفاسدة.
(وقوله: لم يضمنه) أي المرتهن إذا تلف.
(وقوله قبل مضي الشهر) أي لأنه أمين حينئذ - كما علمت - (قوله: وإن علم فساده) غاية في عدم ضمان المرتهن: أي لم يضمنه قبل مضي الشهر، وإن علم بفساد الرهن: أي العقد بذلك.
(وقوله: على المعتمد) لم يذكره في المنهاج وشرحيه - النهاية، والتحفة - ولا في المنهج وشرحه.
فانظره، فإنه يفيد أن خلاف المعتمد يضمنه: إذا علم الفساد (قوله: وضمنه بعده) أي ضمن المرتهن المرهون بعد مضي الشهر، وهذا محترز قوله قبل مضي الشهر (قوله: لأنه) أي الرهن، وهو علة للضمان
عارية فاسدين لتعليقهما بانقضاء الشهر.
فإن قال رهنتك، فإن لم أقض عند الحلول فهو مبيع منك: فسد البيع، لا الرهن، على الاوجه، لانه لم يشترط فيه شيئا.
(وله) أي للمرتهن (طلب بيعه) أي المرهون، أو طلب قضاء دينه إن لم يبع.
ولا يلزم الراهن البيع بخصوصه، بل إنما يطلب المرتهن أحد الامرين (إن حل دين)، وإنما يبيع الراهن بإذن المرتهن عند الحاجة، لان له فيه حقا ويقدم المرتهن بثمنه على سائر الغرماء.
فإن أبى المرتهن الاذن.
قال له الحاكم ائذن في بيعه، أو أبرئه من الدين.
(ويجبر راهن) أي يجبره الحاكم على أحد الامرين إذا امتنع بالحبس، وغيره، (فإن أصر) على الامتناع، أو كان غائبا وليس له ما يوفى منه غير الرهن.
(باعه) عليه
ــ
إذا تلف بعده (قوله: لتعليقهما) أي البيع والعارية، وهو علة لفسادهما (قوله: فإن قال رهنتك الخ) غرضه بهذا بيان محترز قوله: بأن شرطا.
وعبارة النهاية: وخرج بقوله ما لو شرط، ما لو قال رهنتك الخ.
اه.
(وقوله: فسد البيع) أي لتعليقه.
(وقوله: لا الرهن على الأوجه) أي لا يفسد الرهن، أي لعدم تأقيته، وفي النهاية: والأوجه فساده أيضا.
قال ع ش: ووجه الفساد أن مثل هذا إذا وقع يكون مرادا به الشرط.
اه.
(قوله: لأنه) أي الرهن.
(وقوله: لم يشترط فيه) أي عقد الرهن شيئا.
قال سم: لك أن تقول كيف يقال لم يشرط فيه شئ، ومعنى العبارة كما ترى رهنتك بشرط أن يكون مبيعا منك عند انتفاء الوفاء؟ لا يقال صورة المسألة تراخي هذا القول عن صيغة الرهن، لأنا نقول: ذاك بديهي الصحة، لا يحتاج إلى التنبيه عليه، ويكون قول السبكي - فيما يظهر - لا معنى له.
اه (قوله: وله الخ) هذا ثمرة الرهن وفائدته (قوله: طلب بيعه) أي من الراهن (قوله: أو طلب قضاء دينه) أي من غير المرهون (قوله: ولا يلزم) هو من ألزم، فالفاعل يعود على المرتهن.
وقوله: الراهن: مفعول أول، والبيع: مفعول ثان (قوله: بل إنما يطلب المرتهن) إظهار في مقام الإضمار.
(وقوله: أحد الأمرين) هما بيعه، والتوفية من غيره.
قال في النهاية: وفهم من طلب أحد الأمرين أن للراهن أن
يختار البيع والتوفية من ثمن المرهون، وإن قدر على التوفية من غيره، ولا نظر لهذا التأخير، وإن كان حق المرتهن واجبا فورا، لأن تعليقه ألحق بعين الرهن رضا منه باستيفائه منه وطريقه البيع.
اه (قوله: إن حل دين) أي ابتداء أو طرأ حلوله، إذ قبل الحلول: لا تتوجه المطالبة.
اه.
فتح الجواد (قوله: وإنما يبيع الراهن) أي: أو وكيله (قوله: بإذن المرتهن) فان عجز عن استئذانه واستأذن الحاكم: صح بيعه، لكن لا يتصرف في ثمنه، لتعلق حق الغير به.
وفائدة البيع: استراحته من النفقة عليه مثلا.
اه.
بجيرمي (قوله: عند الحاجة) هو ساقط من عبارة فتح الجواد، وهو الأولى، وإن كان ثابتا في متن المنهج.
إذ يللراهن بيعه بإذن المرتهن مطلقا، كانت له حاجة أو لا، كحلول الدين، وإشراف الرهن على الفساد (قوله: لأن الخ) علة لكونه إنما يكون بإذن المرتهن.
وقوله له أي للمرتهن، وقوله فيه: أي في المرهون (قوله: ويقدم المرتهن بثمنه الخ) وذلك لأن حقه متعلق به وبالذمة، وحقهم متعلق بالذمة فقط.
اه.
شرح المنهج (قوله: فإن أبى المرتهن الإذن، قال له الحاكم الخ) أي دفعا لضرر الراهن.
قال في التحفة: فإن أصر: باعه الحاكم، أو أذن للراهن في بيعه، ومنعه من التصرف في ثمنه، إلا إذا أبى أيضا من أخذ دينه منه، فيطلق للراهن التصرف فيه.
اه.
(قوله: ويجبر راهن) يقرأ الفعل بالبناء للمجهول.
(وقوله: أي يجبره الحاكم) أي يلزمه (قوله: على أحد الأمرين) هما بيع المرهون ليوفي منه، ووفاء الدين من غيره (قوله: إذا امتنع) أي الراهن مما طلبه منه المرتهن (قوله: بالحبس) متعلق بيجبره.
(وقوله: وغيره) أي غير الحبس مما يراه الحاكم، كالتعزير (قوله: فإن أصر) أي الراهن: أي دام على الامتناع ولم ينفع إجبار الحاكم.
وفي التحفة ما نصه: وقضية المتن وغيره أن القاضي لا يتولى البيع إلا بعد الإصرار على الإباء: وليس مراد أخذا من قولهم في التفليس، إنه بالامتناع من الوفاء: يخير القاضي بين توليه للبيع، وإكراهه عليه.
اه.
(قوله: أو كان غائبا) هذه معطوف على أصر، وهو مرتب على إجبار الحاكم، فهذا مرتب عليه أيضا، وإجبار الحاكم إياه يقتضي أنه حاضر ليس بغائب، والفرض أنه غائب، فالمناسب أن يجعله تنظيرا: بأن يقول، كما لو كان غائبا، (وقوله: وليس له) أي للراهن، ممتنعا كان، أو غائبا.
وقوله ما يوفي منه: أي شئ يوفي ذلك الدين منه غير المرهون، فإن كان له ما يوفي منه
(قاض) بعد ثبوت الدين، وملك الراهن والرهن، وكونه بمحل ولايته وقضى الدين من ثمنه، دفعا لضرر المرتهن، ويجوز للمرتهن بيعه في دين حال بإذن الراهن وحضرته، بخلافه في غيبته.
نعم، إن قدر له الثمن: صح مطلقا، لانتفاء التهمة ولو شرطا أن يبيعه ثالث عند المحل: جاز بيعه بثمن مثل حال: ولا يشترط مراجعة الراهن في البيع، لان الاصل بقاء إذنه، بل المرتهن، لانه قد يمهل، أو يبرئ (وعلى مالكه) من راهن، أو معير له:(مؤنة) للمرهون - كنفقة رقيق، وكسوته، وعلف دابة، وأجرة رد آبق، ومكان حفظ، وإعادة ما يهدم
ــ
غيره: لا يتعين بيعه.
في النهاية ما نصه: أفتى السبكي بأن للحاكم بيع ما يرى بيعه من المرهون وغيره عند غيبة المديون أو امتناعه، لأن له ولاية على الغائب، فيفعل ما يراه مصلحة، فإن كان للغائب نقد حاضر من جنس الدين، وطلب المرتهن: وفاه منه، وأخذ المرهون، فإن لم يكن له نقد حاضر، وكان بيع المرهون أروج، وطلب المرتهن: باعه دون
غيره، ولو لم يجد المرتهن عند غيبة الراهن بينة، أو لم يكن ثم حاكم في البلد، فله بيعه بنفسه، كالظافر بغير جنس حقه.
اه.
بحذف (قوله: باعه عليه) أي قهرا عليه (قوله: بعد ثبوت الدين) أي ببينة.
(وقوله ملك الراهن) أي وبعد ثبوت أن العين المرهونة ملك للراهن.
وقد يقال: اليد عليه للمرتهن، فيكفي إقراره بأنه ملك للراهن.
(وقوله والرهن) أي وبعد ثبوت أنها رهن عند المرتهن، لاحتمال كونها وديعة مثلا.
(وقوله وكونه بمحل ولايته) أي وبعد ثبوت كون الرهن بمحل ولاية القاضي، فالضمير يعود على الرهن، بمعنى المرهون (قوله: وقضى الدين الخ) معطوف على باعه (قوله: دفعا لضرر المرتهن) تعليل لبيع القاضي المرهون (قوله: ويجوز للمرتهن إلخ) أي كما يجوز له طلب البيع من الراهن وطلب قضاء الدين (قوله: في دين حال) مثله المؤجل، إلا أنه لا يشترط فيه أن يكون البيع بحضرة الراهن - كما ستعرفه - (قوله: بإذن الراهن) أي في بيعه، ومحله إذا قال له بعه لي، أو أطلق، فإن قال بعه لك: لم يصح، للتهمة.
اه.
بجيرمي نقلا عن ابن حجر (قوله: بخلافه في غيبته) أي بخلاف البيع في غيبة الراهن، فإنه لا يصح، وذلك لأنه يبيعه لغرض نفسه، فيهتم بترك الاحتياط (قوله: نعم إلخ) استدراك من قوله بخلافه في غيبته.
(وقوله إن قدر له الثمن) أي قدر الراهن للمرتهن الثمن الذي يباع به المرهون، كعشرة ومثله ما لو كان الدين مؤجلا، وأذن له في البيع حالا، أو كان ثمن المرهون لا يفي بالدين، والاستيفاء من غيره متعذر، أو متعسر بفلس أو غيره.
(وقوله: صح مطلقا)، أي سواء كان الراهن حاضرا أو غائبا (قوله: ولو شرطا) أي الراهن والمرتهن في عقد الرهن (قوله: أن يبيعه) أي المرهون (قوله: عند المحل) بكسر الحاء: أي حلول الدين (قوله: جاز بيعه) أي الثالث للمرهون، والمناسب جاز الشرط، وصح البيع، وعلله في التحفة: بأنه لا محذور فيه.
وقوله بثمن مثل حال: أي ومن نقد البلد، فإن أخل بشئ من هذه الثلاثة: لم يصح البيع، لكن لا يضر النقص عن ثمن المثل بما يتغابن به الناس، لأنهم يتسامحون به.
اه.
شرح المنهج (قوله: ولا يشترط مراجعة الراهن) أي مراجعة الثالث المأذون له في البيع الراهن، فالمصدر مضاف إلى مفعوله بعد حذف الفاعل (قوله: لأن الأصل بقاء إذنه) أي إذن الراهن الذي تضمنه الشرط (قوله: بل المرتهن) أي بل يشترط مراجعة المرتهن.
وفي شرح المنهج: أما المرتهن، فقال العراقيون يشترط مراجعته قطعا، فربما أمهل أو أبرأ.
وقال الإمام: لا خلاف أنه لا يراجع، لأن غرضه توقية الحق، والمعتمد الأول، لأن أنه في البيع قبل القبض: لا يصح.
اه (قوله: لأنه) أي المرتهن.
(وقوله: قد يمهل) أي الراهن الذي هو المدين.
(وقوله ويبرئ) أي يسامح في الدين الذي له (قوله: وعلى مالكه) أي المرهون.
(وقوله من راهن أو معير) بيان للمالك.
(وقوله: أي للراهن)، وهو متعلق بمعير
(قوله: مؤنة للمرهون) المراد بها ما يسمى في العرف مؤنة، وهي التي يكون بها بقاؤه، فخرج حينئذ أجرة الفصد، والحجامة، وتوديج دابة، وهو كالفصد في الآدمي، والمعالجة بالأدوية، فلا تجب عليه، لأنها لا تسمى مؤنا عرفا (قوله: كنفقة رقيق الخ) تمثيل للمؤنة.
(وقوله: وعلف دابة) أي وأجرة سقي أشجار، وجذاذ ثمار، وتجفيفها.
(وقوله: ومكان حفظ) أي وأجرة المكان الذي يحفظ فيه المرهون، ومثل ذلك: أجرة نفس الحفظ.
وعبارة التحفة: ومنها أجرة حفظه، وسقيه، وجذاذه، وتجفيفه، ورده إن أبق.
اه (قوله: وإعادة ما يهدم) أي وكإعادة الدار المرهونة التي قد هدمت (قوله:
إجماعا، خلافا لما شذ به الحسن.
فإن غاب أو أعسر.
راجع المرتهن الحاكم، وله الانفاق بإذنه ليكون رهنا
بالنفقة أيضا.
فإن تعذر استئذانه، وأشهد بالانفاق ليرجع، رجع، وإلا فلا، (وليس له) أي للمالك بعد لزوم الرهن: بيع، ووقف، و (رهن لآخر)، لئلا يزاحم المرتهن (ووطئ) للمرهونة بلا إذنه، وإن لم تحبل، حسما للباب، بخلاف سائر التمتعات، فتحل، إن أمن الوطئ، (وتزويج) الامة مرهونة، لنقصه القيمة، (لا) إن كان التزويج (منه): أي المرتهن، أو بإذنه، فلا يمتنع على الراهن، وكذا لا تجوز الاجارة لغير المرتهن بلا إذن إن
ــ
إجماعا) مرتبط بالمتن: أي هي على المالك إجماعا.
(وقوله: خلافا لما شذبه إلخ) أي من أن المؤنة على المرتهن.
اه.
مغني.
(وقوله: الحسن) أي البصري، كما في النهاية، وفي التحفة: الحسن البصري، أو الحسن بن صالح، فهو متردد في ذلك (قوله: فإن غاب أو أعسر) أي المالك.
(وقوله: راجع المرتهن الحاكم) وفي القليوبي، ولو تعذرت المؤنة من الراهن لغيبته أو إعساره: ماله الحاكم من ماله - إن رأى له مالا، وإلا فيقترض عليه، أو يبيع جزءا منه.
ولو ماله المرتهن: رجع إن كان بإذن الحاكم (قوله: وله الإنفاق بإذنه) أي للمرتهن أن ينفق على المرهون بإذن الحاكم.
(وقوله: ليكون) أي المرهون رهنا بالنفقة.
(وقوله: أيضا) أي كما أنه رهن بالدين (قوله: فإن تعذر استئذانه) أي الحاكم لفقده مثلا، (وقوله: وأشهد) أي المرتهن.
(وقوله: بالإنفاق) أي على إنفاقه للمرهون.
(وقوله: رجع) أي كفى ذلك، ورجع على المالك بما أنفقه (قوله: وإلا) أي وإن لم يتعذر استئذانه: بأن سهل ولم يستأذن، سواء شهد أم لا، أو تعذر ولم يشهد، فالنفي راجع للمعطوف، والمعطوف عليه.
ويستخرج من ذلك ثلاث صور.
وقوله: فلا: أي فلا يرجع بما أنفقه في الصور الثلاث المذكورة (قوله: وليس له إلخ) إي يحرم عليه ذلك، ولا ينفذ منه شئ من التصرفات، إلا إعتاق الموسر، وإيلاده، فينفذان منه، ويغرم قيمته وقت إحباله وإعتاقه، وتكون رهنا مكانه بغير عقد، لقيامها مقامه.
(وقوله: بعد لزوم الرهن) أي وهو يحصل بالقبض، كما مر (قوله: ورهن لاخر) أي ليس له رهنه لآخر غير المرتهن الأول، وليس له أن يرهنه للأول أيضا بدين آخر، لأنه مشغول، والمشغول لا يشغل، ويصح الرهن فوق الرهن بالدين الواحد، ولذا قال ابن الوردي: والرهن فوق الرهن بالدين لا الدين فوق الدين بالرهين (قوله: لئلا يزاحم المرتهن) تعليل لعدم صحة رهن المرهون لآخر: أي لا يصح ذلك، لئلا يزاحم ذلك الآخر
المرتهن الأول في حقه، فيفوت مقصود الرهن.
ويصح قراءة الفعل بصيغة المبني للمجهول، وبصيغة المبني للفاعل، فهو بفتح الحاء وكسرها (قوله: ووطئ للمرهونة) أي وليس للمالك وطئ للأمة المرهونة.
قال في النهاية: نعم، لو خاف الزنا لو لم يطأها: فله وطؤها، فيما يظهر، لأنه كالمضطر.
اه (قوله: بلا إذنه) ظاهر صنيعه أنه متعلق بوطئ فقط، مع أنه متعلق بجميع ما قبله: من البيع، والوقف، والرهن.
ولو قدم الغاية - أعني قوله وإن لم تحبل عليه - لأمكن رجوعه للجميع.
وعبارة شرح المنهج: ويجوز التصرف المذكور مع المرتهن ومع غيره بإذنه.
اه.
وهي ظاهرة (قوله: وإن لم تحبل) غاية لحرمة وطئها: أي لا يجوز وطئ الأمة المرهونة، وإن لم تكن ممن تحبل كأن كانت صغيرة، أو آيسة (قوله: حسما للباب) عبارة التحفة: وذلك لخوف الحبل فيمن يمكن حبلها، وحسما للباب في غيرها.
اه.
قال في المصباح: حسم من باب ضرب، فانحسم: بمعنى قطعه، فانقطع، وحسمت العرق، على حذف مضاف.
والأصل: حسمت دم العرق، إذا قطعته ومنعته السيلان بالكي بالنار.
ومنه قيل للسيف حسام، لأنه قاطع لما يأتي عليه.
وقولهم حسما للباب: أي قطعا للوقوع قطعا كليا.
اه، أي أنه إنما منع من وطئها، ولو لم تحبل، قطعا لباب الوطئ: أي للوقوع في الوطئ قطعا كليا (قوله: بخلاف سائر التمتعات) كالمعانقة، والمفاخذة، والقبلة (قوله: فتحل إن أمن الوطئ) فإن لم يأمنه: فلا تحل (قوله: وتزويج) أي وليس له تزويج أمته المرهونة على غيره، فإن زوج: فالنكاح باطل.
وخرج بقوله تزويج: ما لو راجع أمته المطلقة على زوجها، فإنها صحيحة، لتقدم حق الزوج (قوله: لنقصه) أي التزويج القيمة، وهو علة لعدم
جاوزت مدتها المحل.
ويجوز له الانتفاع بالركوب والسكنى، لا بالبناء والغرس.
نعم، لو كان الدين مؤجلا، وقال: أنا أقلع عند الاجل، فله ذلك.
وأما وطئ المرتهن الجارية المرهونة، ولو بإذن المالك، فزنا، حيث علم التحريم، فعليه الحد، ويلزمه المهر، ما لم تطاوعه، عالمة بالتحريم، وما نسب إلى عطاء، من تجويزه الوطئ بإذن المالك، ضعيف جدا، بل قيل إنه مكذوب عليه.
(وسئل) القاضي الطيب الناشري عن الحكم فيما اعتاده النساء من ارتهان الحلى مع الاذن في لبسها.
(فأجاب) لا ضمان على المرتهنة مع اللبس، لان ذلك في حكم إجارة فاسدة معللا ذلك: بأن المقرضة،
ــ
صحة التزويج المذكور (قوله: لأمنه) أي له.
فمن: بمعنى اللام، أي لا إن كان التزويج منه، أي للمرتهن نفسه (قوله: إن جاوزت مدتها المحل) بكسر الحاء: أي زمن الحلول، بأن كان الدين حالا أو مؤجلا يحل قبل انقضائها، أي مدة الإجارة: فتبطل من أصلها، وإن جوزنا بيع المؤجر.
وإنما لم تصح الإجارة حينئذ: لأنها تنقص القيمة، أي وتقلل الرغبات، فإن كان يحل بعد انقضائها، أو معه: صحت، إن لم تؤثر نقصا في القيمة، ولم يطل تفريغ المأجور بعد الحلول، وكان المستأجر عدلا، أو رضي به المرتهن، لانتفاء المحذور حالة البيع.
اه.
فتح الجواد (قوله: ويجوز له) أي للمالك: راهنا كان، أو معيرا.
(وقوله: الانتفاع) أي الذي لا ينقصه، أي مع عدم استرداده من المرتهن إن أمكن الانتفاع الذي يريده منه عنده: كأن يكون عبدا يخيط وأراد منه الخياطة، أو مع استرداده منه إن لم يمكن ذلك عنده، كأن يكون دارا يسكنها، أو دابة يركبها، أو عبدا يخدمه، لكن يرده إلى المرتهن ليلا، ويشهد عليه المرتهن بالاسترداد للانتقاع
شاهدين في كل استردادة.
(وقوله: بالركوب) لو قال بنحو الركوب، لكان أولى.
والمراد به: أن يكون في البلد، وإن اتسعت جدا، لامتناع السفر به، وإن قصر بلا إذن، إلا لضرورة: كنهب، أو جدب (قوله: لا بالبناء والغرس) أي لا يجوز له الانتفاع بهما، وذلك لأنهما ينقصان قيمة الأرض، لكونها مشغولة بالبناء والغرس الخارجين عن الرهن، لأن حق المرتهن: تعلق بالأرض خالية منهما، فتباع للدين وحدها مع كونها مشغولة بهما (قوله: نعم: لو كان الدين إلخ) استدراك من عدم جواز الانتفاع بالبناء والغرس (قوله: وقال) أي المالك (قوله: فله ذلك) أي الانتفاع بالبناء والغرس، ومحله: ما لم تنقص قيمة الأرض بالقلع، ولم تطل مدته.
اه.
ح ل (قوله: وأما وطئ المرتهن الخ) مقابل لمحذوف: أي ما تقدم من التفصيل في الوطئ بين أن يكون بإذن المرتهن، فيصح، وبين أن لا يكون بإذنه، فلا يصح بالنسبة للراهن.
أما بالنسبة للمرتهن، فلا يصح منه رأسا، فلو فعله: كان زنا (قوله: فزنا) أي فهو زنا.
(وقوله: حيث علم التحريم) أي وحيث لا شبهة، فإن جهل التحريم، أي تحريم الزنا، بوطئ المرهونة لظنه أن الارتهان مبيح للوطئ وعذر، بأن قرب إسلامه، ولم يكن مخالطا لنا بحيث لا يخفى عليه ذلك، أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء بذلك، أو كان الوطئ شبهة بأن ظنها زوجته أو أمته: فلا يحد، لأنه ليس زانيا، ويلزمه المهر فقط، والولد حر نسيب، وعليه قيمة الولد لمالكها لتفويته الرق عليه (قوله: فعليه الحد) أي فعلى الواطئ الذي هو المرتهن الحد، لأنه زان.
(وقوله: ويلزمه المهر) أي مهر ثيب إن كانت ثيبا، ومهر بكر إن كانت بكرا، وأرش بكارة إن لم يأذن له في الوطئ، وإلا لم يجب الأرش.
اه.
شوبري.
(وقوله: ما لم تطاوعه عالمة بالتحريم) صادق بصورتين، عدم مطاوعتها له أصلا: بأن أكرهها، ومطاوعتها له مع جهلها بالتحريم، كأعجمية لا تعقل.
واحترز به: عما إذا طاوعته عالمة بالتحريم، فإنه لا مهر لها (قوله: وما نسب إلى عطاء من تجويزه الوطئ) أي وطئ المرتهن الأمة المرهونة.
(وقوله: ضعيف جدا) خبر ما (قوله: بل قيل إنه) أي ما نسب لعطاء (قوله: عن الحكم الخ) أي من الضمان وعدمه.
وقوله من ارتهان الحلى: بيان لما، أي توثقة لما يقرضنه من أموالهن.
(وقوله: مع الإذن) أي من الراهن.
(وقوله: في لبسها) أي الحلي.
والمناسب تذكير الضمير (قوله: لأن ذلك) أي الارتهان مع اللبس.
(وقوله: في حكم إجارة فاسدة) أي وهو عدم الضمان (قوله: معللا ذلك) أي كون ما ذكر في حكم
لا تقرض مالها إلا لاجل الارتهان واللبس، فجعل ذلك عوضا فاسدا في مقابلة اللبس.
(ولو اختلفا) أي الراهن، والمرتهن (في أصل رهن)، كأن قال رهنتني كذا، فأنكر الآخر، (أو) في (قدره): أي المرهون كرهنتني الارض مع شجرها، فقال: بل وحدها، أو قدر المرهون به: كبألفين، فقال بل بألف:(صدق راهن) بيمينه.
وإن كان المرهون بيد المرتهن لان الاصل عدم ما يدعيه المرتهن.
ولو ادعى مرتهن هو بيده أنه قبضه بالاذن، وأنكره الراهن، وقال بل غصبته، أو أعرتكه، أو آجرتكه: صدق في جحده بيمينه.
(فرع) من عليه ألفان بأحدهما رهن أو كفيل، فأدي ألفا وقال أديته عن ألف الرهن: صدق بيمينه، لان المؤدي أعرف بقصده وكيفيته.
ومن ثم لو أدى لدائنه شيئا وقصد أنه عن دينه وقع عنه، وإن ظنه الدائن هدية،
ــ
الإجارة الفاسدة (قوله: لا تقرض مالها إلا لأجل الخ) أي فهو في مقابلة الرهن واللبس (قوله: فجعل ذلك) أي قرض النسوة مالهن.
(وقوله: عوضا فاسدا) أي لعدم الصيغة، ولأن ما ذكر لا يصح أن يكون عوضا.
(وقوله: في مقابلة
اللبس) أي لبس الحلي المرهون، والأنسب في مقابلة الارتهان واللبس (قوله: ولو اختلفا الخ) شروع في الاختلاف في الرهن وما يتبعه، وقد عقد المنهاج له فصلا مستقلا (قوله: في أصل رهن) أي رهن تبرع، وهو الذي لم يشترط في بيع أو رهن مشروط في بيع (قوله: كأن قال) أي الدائن الذي هو المرتهن.
(وقوله: رهنتني كذا) أي ثوبا، أو حليا، أو عبدا، أو غير ذلك.
(وقوله: فأنكر الآخر) أي أصل الرهن، وقال لم أرهنك شيئا.
وهذا الذي وضعته عندك مثلا وديعة.
وتسميته حينئذ راهنا: بحسب زعم المرتهن، أو بحسب الصورة (قوله: أو في قدره) أي أو في عينه، كأن قال رهنتي هذا العبد، فقال بل الثوب أو صفته كقدر الأجل.
(وقوله: أي المرهون) في كلامه استخدام، لأنه ذكر الرهن أولا بمعنى العقد، وأعاد عليه الضمير بمعنى المرهون (قوله: أو قدر المرهون به) أي أو اختلفا في قدر المرهون به: أي الدين الذي رهن هذا الشئ فيه، أي أو في عينه كدراهم ودنانير، أو صفته: كأن يدعي المرتهن أنه رهن على المائة الحالة، فيستحق الآن بيعه، وادعى الراهن أنه على المؤجل.
(وقوله: كبألفين) أي كأن قال المرتهن رهنتني الأرض، أو العبد بألفين، فقال له الراهن بل بألف، وفائدة ذلك: انفكاك الرهن بأداء الألف على أن القول قول الراهن، وعدم انفكاكه بأدائها على أن القول قول المرتهن (قوله: صدق راهن بيمينه) جواب لو.
وفي سم ما نصه: في شرح العباب قال الزركشي: والكلام في الاختلاف بعد القبض، لأنه قبله لا أثر له في تحليف ولا دعوى، ويجوز أن تسمع فيه الدعوى، لاحتمال أن ينكل الراهن، فيحلف المرتهن، ويلزم الراهن بإقباضه له، كما ذكره في الحوالة والقرض ونحوهما.
اه.
اعتمده م ر: هذا الاحتمال.
اه (قوله: وإن كان المرهون بيد المرتهن) غاية لتصديق الراهن، وهي للرد على القول الضعيف القائل: إذا كانت العين بيد المرتهن: فهو المصدق، ترجيحا لدعواه بيده - كما في الدميري - اه.
بحيرمي.
(قوله: لأن الأصل عدم الخ) وإن لم يبين الراهن جهة كونه في يده، وهو تعليل لتصديق الراهن (قوله: ولو ادعى مرتهن هو) أي ذلك المرهون.
(وقوله: بيده) أي المرتهن.
ومثل ذلك: ما إذا كان بيد الراهن، وقال المرتهن رهنتني إياه، وأخذته مني للانتفاع به مثلا (قوله: أنه الخ) المصدر المؤول مفعول ادعى، وضميره يعود على المرهون ويصح عوده على المرتهن (وقوله: قبضه بالإذن) أي إذن الراهن (قوله: وأنكره الراهن) أي أنكر القبض بالإذن (قوله: صدق) أي الراهن، لأن الأصل: عدم لزوم الرهن، وعدم إذنه في القبض عن الرهن.
قال ع ش: وعليه فلو تلفت في هذه الحالة في يد المرتهن - فهل يلزمه قيمتها وأجرتها أم لا؟ فيه نظر.
والأقرب: الثاني.
لأن يمين الراهن: إنما قصد به دفع دعوى المرتهن لزوم الرهن، ولا يلزم من ذلك ثبوت الغصب ولا غيره.
اه (قوله: وقال أديته عن ألف الرهن) أي أو عن ألف الكفيل (قوله:
صدق) أي من قال ذلك (قوله: لأن المؤدي أعرف بقصده وكيفيته) أي الأداء.
قال ع ش: ومن ذلك ما لو اقترض شيئا ونذر أن للمقرض كذا ما دام المال في ذمته أو شئ منه، ثم دفع له قدرا يفي بجميع المال، وقال قصدت به الأصل: فيصدق، ولو كان المدفوع من غير جنس الدين.
اه (قوله: ومن ثم إلخ) أي ومن أجل التعليل المذكور، وهو أن المؤدي
كذا قالوه، ثم إن لم ينو الدافع، شيئا حالة الدفع: جعله عما شاء منهما، لان التعيين إليه.
(تتمة) المفلس من عليه دين لآدامي حال زائد على ماله: يحجر عليه، بطلبه الحجر على نفسه، أو طلب غرمائه وبالحجر: يتعلق حق الغرماء بماله، فلا يصح تصرفه فيه بما يضرهم.
كوقف، وهبة، ولا بيعه، ولو
ــ
أعلم بقصده وكيفية أدائه، يؤخذ أنه لو أدى لدائنه شيئا وقصد أنه عن دينه: وقع عنه.
وذلك لأنه مؤد، وهو أعلم بقصده.
والظاهر أنه يقال هنا أيضا إذا لم ينو شيئا حال الأداء، ثم بعده نوى أنه عن الدين: وقع عنه (قوله: ثم إن لم ينو الخ) مرتبط بالمسألة الأولى، أعني قوله من عليه ألفان، أي ثم إن لم ينو الدافع الذي عليه ألفان وبأحدهما رهن أو كفيل بالألف التي دفعها شيئا: أي لم يلاحظ حال الدافع أنها عن ألف الرهن أو غيرها (قوله: جعله) أي ما أداه عما شاء منهما: أي من ألف الرهن، أو الكفيل، أو الألف الثانية التي فيها رهن ولا كفيل، فإن جعله عنهما: قسط عليهما بالسوية، فإن مات قبل التعيين قام وارثه مقامه.
وقوله لأن التعيين إليه: أي أمره موجه إليه، أي المؤدي.
(خاتمة) نسأل الله حسنها.
من مات وعليه دين مستغرق أو غيره لله تعالى، أو لآدمي: تعلق بتركته كتعلق الدين بالمرهون، لأن ذلك أحوط للميت، وأقرب لبراءة ذمته، فلا ينفذ تصرف الوارث في شئ منها غير إعتاقه وإيلاده إن كان موسرا كالمرهون سواء أعلم الوارث الدين أم لا، لأن ما تعلق بالحقوق: لا يختلف بالعلم والجهل، ولا يمنع التعلق إرثا، ولا يتعلق الدين بزوائد التركة الحادثة بعد الموت.
ولو تصرف الوارث ولا دين، فظهر دين بنحو رد مبيع بعيب: تلف ثمنه، ولم يسقط الدين بأداء أو إبراء أو نحوه: فسخ التصرف، لأنه كان سائغا له في الظاهر (قوله تتمة: المفلس الخ) قد أفردها الفقهاء بكتاب مستقل، والأصل فيه: ما رواه الدارقطني وصحح الحاكم إسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ، وباع ماله في دين كان عليه، وقسمه بين غرمائه، فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس لكم إلا ذلك، ثم بعثه إلى اليمن، وقال لعل الله يجبرك ويؤدي عنك دينك، فلم يزل باليمن حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم (وقوله: المفلس من عليه الخ) أي شرعا، وأما لغة: فهو المعسر.
ويقال من صار ماله فلوسا، والمفلس في الآخرة.
من تعطى حسناته لسيئاته، كما في الحديث، (وقوله: فين) أي لازم، فلا حجر بدين غير لازم، كمال كتابة، لتمكن المدين من إسقاطه.
(وقوله: الآدمي) أي أو لله تعالى، بشرط فوريته، فلا حجر بدين لله تعالى غير فوري، كنذر مطلق، وكفارة لم يعص بسببها، هذا ما جرى عليه شيخ الإسلام وابن حجر.
وفي المغني والنهاية: عدم الحجر بديون الله تعالى لا فرق
فيها بين الفورية وغيرها، (وقوله: حال) فلا حجر بمؤجل، لأنه لا يطالب به.
وقوله زائد على ماله: فلا حجر بالمساوي لماله، أو الناقص عنه.
والمراد بماله: ماله العيني، أو الدين الذي يتيسر الأداء منه حالا، بأن يكون على ملئ مقر أو عليه به بينة، بخلاف نحو منفعة، ومغصوب، وغائب، ودين ليس كذلك، فلا تعتبر الزيادة عليها، لأنها بمنزلة العدم قال في التحفة وأفهم قوله على ماله أنه إذا لم يكن له مال: لا حجر عليه وبحث الرافعي: الحجر عليه منعا له من التصرف فيما عساه أن يحدث: مردود بأن الأصح أن الحجر إنما هو على ماله دون نفسه وما يحدث إنما يدخل تبعا - لا استقلالا.
اه (قوله: يحجر عليه) جملة مستأنفة لبيان حكم المفلس، يعني أن المفلس: هو من عليه الخ.
وحكمه أنه يحجر عليه الخ.
ويصح كونها خبرا عن المفلس، واسم الموصول بعده بدل منه، والحاجر عليه الحاكم بلفظ يدل عليه: نحو منعته من التصرف في أمواله، أو حجرت عليه فيها، أو أبطلت تصرفاته فيها (قوله: بطلبه) أي ولو بوكيله: بأن أثبت غرماؤه الدين عليه فطلب وحده، لأن له فيه غرضا ظاهرا أما طلبه بدون ذلك: فلا يؤثر.
اه حجر (قوله: أو طلب غرمائه) أي ولو بنوا بهم، كأوليائهم، لأن الحجر لحقهم، ولا يحجر عليه بغير طلب منهم، لأنه لمصلحتهم، وهم أصحاب نظر.
نعم: لو ترك ولي المحجور السؤال فعله الحاكم، وجوبا، نظرا لمصلحة المحجور عليه، ومثله ما لو كان المسجد، أو جهة عامة: كالفقراء، أو المسلمين فيمن مات وورثوه وله مال على مفلس والدين مما يحجر به (قوله: وبالحجر) الباء سببية.
(وقوله يتعلق حق الغرماء بماله): أي عينا كان أو دينا، ولو مؤجرا، فلا يصح إبراؤه منه أو منفعة، فتؤجر أم ولده وما وقف
لغرمائه بدينهم، بغير إذن القاضي.
ويصح إقراره بعين أو دين أسند وجوبه لما قبل الحجر.
ويبادر قاض يبيع ماله، ولو مسكنه، وخادمه، بحضرته مع غرمائه، وقسم ثمنه بين غرمائه كبيع مال ممتنع عن أداء حق وجب عليه أداوه.
ولقاض إكراه ممتنع من الاداء بالحبس وغيره من أنواع التعزير.
ويحبس مدين مكلف عهد له المال
ــ
عليه مرة بعد أخرى حتى يوفي ما عليه من الدين.
ويستثنى من ذلك: ما لو حجر عليه في زمن خيار البيع، فإنه لا يتعلق حق الغرماء بالمعقود عليه، بل يجوز له الفسخ والإجازة على خلاف المصلحة.
وخرج بحق الغرماء: حق الله تعالى غير الفوري، على ما مر، كزكاة، وكفارة، ونذر، فلا يتعلق بمال المفلس (قوله: فلا يصح تصرفه) أي المفلس فيه: أي في ماله بما يضرهم: أي الغرماء.
وفي البجيرمي ما نصه: ضابط ما لا يصح منه من التصرفات: هو كل تصرف ما لي متعلق بالعين مفوت على الغرماء حقهم إنشائي في الحياة ابتداء، فخرج بالمال: نحو الطلاق، وبالعين: الذمة كالسلم، وبالمفوت: ملكه من يعتق عليه بهبة أو إرث أو صداق لها، بأن كانت محجورا عليها وجعل من يعتق عليها صداقا لها أو وصية.
وبالإنشاء: الإقرار، وبالحياة: التدبير والوصية ونحوهما وبالابتداء: رده بعيب ونحوه.
قال الأذرعي وله التصرف في نفقته وكسوته بأي وجه كان.
ق ل.
وقوله كوقف وهبة: أي وإيلاد على المعتمد، (قوله: ولا بيعه الخ) معطوف على
تصرفه: أي ولا يصح بيع المفلس، ولو على غرمائه، وذلك لأن الحجر يثبت لأجل الغرماء الحاضرين وغيرهم.
ومن الجائز أن يكون له غريم آخر.
والغاية للرد على القائل بصحة البيع حينئذ إن اتحذ جنس الدين، وباعهم بلفظ واحد.
وقوله بغير إذن القاضي - فإن كان بإذنه: صح (قوله: ويصح إقراره الخ) أي فيقبل في حق الغرماء ما أقر به، فيأخذ المقر له العين المقر بها، ويزاحمهم في الدين.
(وقوله: بعين) أي مطلقا أسند وجوبها لما قبل الحجر، أولا، (وقوله: أو دين أسند وجوبه) أي ثبوته في ذمته لما قبل الحجر، فإن أسند وجوبه لما بعد الحجر، وقيده بمعاملة أو لم يقيده بها ولا بغيرها، أو لم يسند وجوبه لما قبل الحجر ولا لما بعده: لم يقبل إقراره في حقهم، فلا يزاحمهم المقر له.
وأما في حقه: فيقبل، فما أقر به: يثبت في ذمته (قوله: ويبادر قاض ببيع ماله) أي ندبا، وقيل وجوبا.
وذلك لئلا يطول زمن الحجر، ولا يشرع في المبادرة لئلا يطمع فيه بثمن بخس.
ومراده بالقاضي: قاضي بلد المفلس، إذ الولاية على ماله، ولو بغير بلده، له تبعا للمفلس.
ومثل ماله، كما في ق ل، النزول عن الوظائف بدراهم.
(وقوله: ولو مسكنه وخادمه) أي ومركوبه، وإن احتاجها لمنصبه، أو غيره كزمانة، لأن تحصيلها بالكراء يمكن، بل هو أسهل.
(وقوله: بحضرته مع غرمائه) أي والبيع المذكور يكون بحضرة المفلس، أي أو نائبه، وبحضرة الغرماء، أي أو نوابهم، وذلك لأن ما ذكر: أطيب للقلوب، وأنفى للتهمة، ولأن المفلس قد يبين ما في ماله من العيب فلا يرد، أو يذكر صفة مطلوبة فتكثر فيه الرغبة، وهم قد يزيدون في الثمن (قوله: وقسم ثمنه الخ) معطوف على بيع ماله: أو ويبادر القاضي بعد البيع بقسم ثمنه بينهم، فهم مقدمون على غيرهم، كما تقدم - نعم: يقدم المفلس على الغرماء بمؤنته ومؤنة عياله ومؤن تجهيز وتجهيزهم ويترك له ولهم دست ثوب يليق بهم، وهي بفتح الدال: جملة من الثياب، وهي المسماة في عرف العامة بالبدلة: وهي قميص، وسراويل، ومنديل ومكعب: أي مداس، بكسر الميم وزاد في الشتاء نحو جبة، وفروة ولا يترك له فرش وبسط، ولكن يتسامح باللبد والحصير القليل القيمة.
ويترك للعالم: كتبه - إن لم يكتف عنها بكتب الوقف، ويترك للجندي سلاحه وخيله المحتاج إليهما، إن لم يكن متطوعا بالجهاد، وإلا فوفاء الدين له أفضل (قوله: كبيع مال إلخ) الكاف للتنظير - يعني أن القاضي يبادر ببيع مال المفلس وقسمه، كما أنه له ذلك في مال ممتنع من أداء حق وجب عليه أداؤه.
وعبارة النهاية: وما ثبت للمفلس من بيع ماله، كما ذكر، رعاية لحق الغريم، يأتي نظيره في ممتنع عن أداء حق وجب عليه: بأن أيسر وطالبه به صاحبه وامتنع من أدائه، فيأمر الحاكم به، فإن امتنع وله مال ظاهر وهو من جنس الدين.
وفى منه، أو من غيره باع عليه ماله إن كان بمحل ولايته.
ولكن يفارق الممتنع: المفلس، في أنه لا يتعين على القاضي بيع ماله كالمفلس، بل له بيعه،
كما تقرر، وإكراه الممتنع مع تعزيره بحبس أو غيره على بيع ما يفي بالدين من ماله، لا على بيعه جميعه مطلقا.
الخ.
اه (قوله: ولقاض إكراه إلخ) بيان لما يفارق فيه الممتنع المفلس.
(وقوله: بالحبس) متعلق بإكراه.
(وقوله: وغيره) أي
لا أصل وإن علا من جهة أب أو أم بدين فرعه، خلافا للحاوي، كالغزالي، وإذا ثبت إعسار مدين: لم يجز حبسه، ولا ملازمته - بل يمهل حتى يوسر.
وللدائن ملازمة من لم يثبت إعساره، ما لم يختر المدين الحبس، فيجاب إليه، وأجرة الحبس، وكذا الملازم على المدين.
وللحاكم منع المحبوس: الاستئناس بالمحادثة، وحضور الجمعة، وعمل الصنعة - إن رأى المصلحة فيه - ولا يجوز للدائن تجويع المدين بمنع الطعام - كما أفتى به شيخنا الزمزمي، رحمه الله تعالى - ويجوز لغريم المفلس المحجور عليه أو الميت: الرجوع فورا إلى
ــ
الحبس.
(وقوله: من أنواع التعزير) بيان لغير الحبس (قوله: ويحبس مدين مكلف الخ) وإذا ادعى أنه معسر، أو قسم ماله بين غرمائه، أو أن ماله المعروف تلف، وزعم أنه لا يملك غيره، وأنكر الغرماء ذلك، فإن لزمه الدين في معاملة مال، كشراء، أو قرض، فعليه البينة بإعساره في الأولى، وبأنه لا يملك غيره في الثانية، لأن الأصل: بقاء ما وقعت عليه المعاملة، وبالتلف في الثالثة: وإن لم يلزمه في معاملة مال، كصداق وضمان وإتلاف، ولم يعهد له مال: صدق بيمينه في الأصح، لأنه خلق، ولا مال له، والأصل بقاء ذلك.
والبينة: رجلان، لا رجل وامرأتان، ولا رجل ويمين، ويشترط في بينة الإعسار: خبره باطنة بطول جوار، وكثرة مخالطة، لأن الأموال تخفى، وأما بينة التلف: فلا يشترط فيها ما ذكر، ولتقل عند الشهادة: هو معسر، لا يملك إلا ما يبقى لممونه، فتقيد النفي، ولا تمحضه: كقولها لا يملك شيئا لأنه كذب (قوله: لا أصل الخ) أي لا يحبس أصل بدين فرعه، لأنه عقوبة، ولا يعاقب الوالد بالولد، ولا فرق بين دين النفقة وغيرها (قوله: خلافا للحاوي كالغزالي) أي خلافا لما جرى عليه في الحاوي الصغير، تبعا للغزالي من حبسه، لئلا يمتنع من الأداء فيعجز الابن عن الاستيفاء منه، ورد بمنع العجز عن الاستيفاء لأنه مبني ثبت للوالد مال: أخذه القاضي قهرا وصرفه إلى دينه (قوله: وإذا ثبت إعسار مدين) أي بالبينة إن عهد له مال، أو باليمين إن لم يعهد له مال، كما تقدم، وقوله لم يجز حبسه: أي لقوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * (1)(وقوله: ولا ملازمته) أي دوام مطالبته (قوله: بل يمهل) أي ولا يحبس، ولا يطالب، بل تحرم مطالبته (قوله: وللدائن ملازمة من لم يثبت إعساره) أي مطالبته بدلا عن الحبس (قوله: ما لم يختر المدين) إظهار في مقام الإضمار (قوله: فيجاب) أي المدين.
(وقوله: إليه) أي إلى ما اختاره، والفعل منصوب بأن مضمرة، لوقوعها بعد فاء السببية، الواقعة بعد النفي (قوله: وأجرة الحبس، وكذا الملازم) أي السجان على المدين، أي المحبوس، ومثل ذلك: نفقته، فهي عليه، هذا إذا كان له مال ظاهر، فإن لم يكن له مال: فعلى بيت المال، وإلا فعى مياسير المسلمين (قوله: وللحاكم منع المحبوس الاستئناس بالمحادثة) أي وشم الرياحين لترفه.
(وقوله: وحضور الجمعة)، بالنصب: عطف على الاستئناس - أي ومنعه حضور الجمعة.
(وقوله: وعمل الصنعة) أي ومنعه عمل الصنعة.
والذي في فتح الجواد: لا يمنعه من عمل الصنعة.
اه (قوله: إن رأي) أي الحاكم
المصلحة فيه.
أي في المنع المذكور (قوله: ويجوز لغريم المفلس الخ) ذلك لخبر الصحيحين إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها: فهو أحق بها من الغرماء ولخبر أبي هريرة أيما رجل أفلس، أو مات مفلسا: فصاحب المتاع أحق بمتاعه وخرج بغريم المفلس: غريم موسر ممتنع، أو غائب، أو ميت، وإن امتنع وارثه، فلا يرجع في متاعه، وذلك لإمكان الاستيفاء بالسلطان، وعجزه نادر.
(وقوله: المحجور عليه) بدل من المفلس، أو صفة له.
(وقوله: أو الميت) أي أو المفلس الذي مات، ولو قبل الحجر.
(قوله: الرجوع) أي بشروط تسعة - أولها: كونه في معاوضة محضة كبيع، وهي التي تفسد بفساد المقابل، فخرج: النكاح، والخلع، فلو تزوج امرأة بصداق في ذمته، ودخل بها، ثم أفلس: فليس لها الرجوع في بعضها، أو خالعها على عوض في ذمتها، ثم حجر عليها بالفلس، فليس له الرجوع في المرأة.
ثانيها: رجوعه عقب علمه بالحجر.
ثالثها: كون رجوعه بنحو فسخت البيع.
رابعها: كون عوضه غير مقبوض، فلو كان قبض منه شيئا: ثبت الرجوع بما يقابل الباقي.
خامسها: تعذر استيفاء العوض بسبب الإفلاس.
سادسها: كون العوض
(1) سورة البقرة، الاية:280.
متاعه، إن وجد في ملكه ولم يتعلق به حق لازم، والعوض حال، وإن تفرخ البيض المبيع، ونبث البذر واشتد حب الزرع، لانها حدثت من عين ماله.
ويحصل الرجوع من البائع، ولو بلا قاض، بنحو فسخت، ورجعت في المبيع - لا بنحو بيع وعتق فيه.
فصل
ــ
دينا، فلو كان عينا: قدم بها على الغرماء سابعها: حلول الدين.
ثامنها: بقاؤه في ملك المفلس.
تاسعها: عدم تعلق حق لازم به.
وقد ذكر المؤلف بعض هذه الشروط (قوله: فورا) خرج به تراخي العالم، بأن له ذلك فورا لتقصيره، بخلاف الجاهل، ولو كان مسلما مخالطا لنا: فيما يظهر، لخفاء ذلك على أكثر العامة، بل المتفقهة.
وقوله إلى متاعه: أي كله، إن لم يقبض شيئا من الثمن، أو بعضه: إن قبض شيئا منه.
(وقوله: إن وجد) أي المتاع في ملكه، أي المفلس وخرج به: ما لو خرج عن ملكه حسا أو شرعا: كتلف، وبيع، ووقف، فلا رجوع.
(وقوله: ولم يتعلق به حق لازم) أي يمنع بيعه.
وخرج به: ما لو تعلق به ذلك، كرهن مقبوض، وجناية توجب مالا متعلقا برقبته، وكتابة صحيحة، فلا رجوع أيضا.
(وقوله: والعوض حال) أي دين حال وتعذر حصوله بسبب الإفلاس.
فخرج بدين: العين، كما لو اشترى عبدا بأمة ولم يسلمها للبائع حتى حجر عليه، فيطالب البائع بها، ولا يرجع في العبد - وبحال: أي وقت الرجوع ما لو كان مؤجلا وقته وبتعذر حصوله بسبب الإفلاس: ما لو لم يتعذر بسببه - كأن كان به رهن يفي، أو ضمان ملئ مقر، فلا رجوع في جميع هذه المخرجات (قوله: وإن تفرخ البيض الخ) أي: له الرجوع في عين ماله، وإن تغيرت صفته: كأن صار البيض فرخا، أو صار البذر نباتا، أو صار الزرع مشتد الحب.
وفي البجيرمي ما نصه: ولو تغيرت صفة المبيع حتى صار
الحب زرعا أخضر، أو البيض فرخا، أو العصير خلا، أو الزرع مشتد الحب، أو زوجت الأمة وولدت، أو خلط الزيت أو نحوه من المثليات بمثله، أو بدونه: رجع البائع فيه نباتا، وفراخا، وخلا، ومشتد الحب، لأنها من عين ماله، اكتسبت صفة أخرى، فأشبه صيرورة الودي نخلا.
اه.
ابن حجر: قال سم: وقياسه على الودي في مجرد ثبوت الرجوع، فلا ينافي أن الزيادة في الودي إذا صار نخلا للبائع، كما هو ظاهر، بخلاف الزيادة في المذكورات، فإنها للمفلس.
اه (قوله: ولو بلا قاض) أي فلا يحتاج في الرجوع إلى الرفع له.
(وقوله: بنحو فسخت) متعلق بيحصل - أي يحصل بنحو فسخت العقد: كنقضته، أو أبطلته (قوله: لا بنحو بيع وعتق) أي لا يحصل الرجوع بنحو بيع وعتق من وقف ووطئ.
قال في النهاية: وتلغو هذه التصرفات، لمصادفتها ملك الغير.
اه.
(وقوله: فيه) أي في المبيع.
وفي: بمعنى اللام، أي له.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل أي في بيان حجر المجنون والصبي والسفيه.
(واعلم) أن الحجر نوعان: نوع شرع لمصلحة الغير قصدا وبالذات، كالحجر على المفلس للغرماء، والراهن للمرتهن في المرهون، والمريض للورثة في ثلثي ماله، والعبد لسيده، والمكاتب لسيده، ولله تعالى، والمرتد للمسلمين، ولها تراجم، تقدم بعضها، وبعضها يأتي.
ونوع شرع لمصلحة المحجور عليه، وهو ما ذكر في هذا الفصل، وقد نظم بعضهم أقسام الحجر بنوعيه بقوله: ثمانية لم يشمل الحجر غيرهم تضمنهم بيت وفيه محاسن: صبي، ومجنون، سفيه، ومفلس رقيق، ومرتد، مريض، وراهن فالثلاثة الأول: حجر عليهم لحقهم، ومن بعدهم لحق غيرهم.
والرقيق في البيت: شامل للقن وللمكاتب.
وفي قوله لم يشمل الحجر غيرهم نظر ظاهر، وذلك لعدم انحصار النوع الأول، إذ منه: الحجر على السيد في العبد الذي
(يحجز بجنون إلى إفاقة وصبا إلى بلوغ) بكمال خمس عشرة سنة قمرية، تحديدا، بشهادة عدلين خبيرين، أو خروج مني، أو حيض، وإمكانهما
ــ
كاتبه، والحجر على الورثة في التركة، والحجر على المشتري في المبيع قبل القبض.
وقد أنهاه بعضهم إلى نحو سبعين صورة، بل قال الأذرعي: هذا باب واسع جدا، لا تنحصر أفراد مسائله (قوله: يحجر بجنون الخ) وذلك لقوله تعالى: * (فإن كان الذي عليه الحق سفيها، أو ضعيفا، أو لا يستطيع أن يمل هو، فليملل وليه بالعدل) * (1) فجعل تعالى لهم
أولياء، فدل على الحجر عليهم.
وفسر الإمام الشافعي رضي الله عنه السفيه: بالمبذر، والضعيف: بالصبي، والذي لا يستطيع أن يمل هو: بالمغلوب على عقله - وهو المجنون - ثم إن معنى الحجر لغة: المنع.
ومنه تسمية العقل حجرا: لمنعه صاحبه من ارتكاب ما لا يليق، وهذا إذا كان بفتح الحاء.
وأما إذا كان بكسرها: فيطلق على الفرس، وعلى حجر إسماعيل، وعلى العقل وعلى حجر ثمود، وعلى المنع، وعلى الكذب، وعلى حجر الثوب ونظمها بعضهم في قوله: ركبت حجرا وطفت البيت خلف الحجروحزت حجرا عظيما ما دخلت الحجر لله حجر منعني من دخول الحجر ما قلت حجرا ولو أعطيت ملء الحجر فقوله ركبت حجرا: أي فرسا.
وطفت البيت خلف الحجر: أي حجر إسماعيل.
وحزت حجرا: أي عقلا، ما دخلت الحجر: أي حجر ثمود، لله حجر: أي منع، منعني من دخول الحجر: أي حجر ثمود، فهو مكرر، ما قلت حجرا: أي كذبا.
ولو أعطيت ملء الحجر: أي حجر الثوب.
ومعنى الحجر شرعا: منع من تصرف خاص بسبب خاص.
والحاجر لغير السفيه، هو الولي الآتي بيانه.
وللسفيه فيه تفصيل: حاصله أنه إن بلغ رشيدا، ثم بذر: يكون القاضي هو الحاجر، فهو وليه لا غير - فإن لم يحجر عليه: يسمى سفيها، مهملا، وتصرفاته غير نافذة.
وقوله: بجنون: وهو يسلب العبارة، أي ما يعبر به عن المقصود: كعبارة المعاملة، والدين بكسر الدال كالبيع والإسلام.
ويسلب الولاية: كولاية النكاح، والأيتام، وكالإيصاء.
(وقوله: إلى إفاقة) أي ويستمر ذلك الحجر إلى إفاقة منه، فإذا أفاق: ينفك من الحجر بلا فك قاض، لأنه حجر ثبت بلا قاض، فلا يتوقف زواله على فكه (قوله: وصبا) معطوف على جنون: أي ويحجر بصبا قائم بذكر أو أنثى ولو مميزا، وهو أيضا يسلب العبارة والولاية، إلا ما استثني من عبادة مميز، وإذن في دخول، وإيصال هدية (قوله: إلى بلوغ) أي ويستمر حجره إلى بلوغ، فإذا بلغ: انفك من حجر الصبا.
وعبر في المنهاج: ببلوغه رشيدا، ولا خلاف في ذلك، فمن عبر ببلوغه رشيدا: أراد الانفكاك الكلي.
ومن عبر ببلوغه: فقد أراد الانفكاك من حجر الصبا فقط، وهذا أولى، لأن الصبا: سبب مستقل في الحجر، وكذا التبذير، وأحكامهما متغايرة (قوله: بكمال خمس عشرة سنة) متعلق بمحذوف: أي ويحصل البلوغ بكمال ذلك، لخبر ابن عمر عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، ولم يرني بلغت، وعرضت عليه يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة سنة، فأجازني، ورآني بلغت رواه ابن حبان.
وقوله: وأنا ابن خمس عشرة سنة: أي استكملتها، لأن غزوة أحد كانت في شوال سنة ثلاث، والخندق في جمادى سنة خمس، فبينهما سنتان.
وقوله تحديدا: قال في النهاية: فلو نقصت
يوما لم يحكم ببلوغه، وابتداؤها من انفصال جميع الولد.
اه (قوله: بشهادة عدلين خبيرين) متعلق بمحذوف أيضا: أي ويحكم له بالبلوغ بذلك بشهادة عدلين خبيرين، بأن عمره خمس عشرة سنة (قوله: أو خروج مني) معطوف على كمال خمس عشرة سنة: أي ويحصل البلوغ أيضا بخروج مني لآية * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) * (2) والحلم: الاحتلام وهو لغة: ما يراه النائم، أي من إنزال المني وقيل مطلقا.
والمراد به هنا: خروج المني في نوم، أو يقظة: بجماع، أو غيره.
قال في التحفة: وخرج بخروجه: ما لو أحس بانتقاله من صلبه، فأمسك ذكره، فرجع، فلا يحكم ببلوغه - كما لا غسل عليه - اه.
(وقوله: أو حيض) معطوف على مني: أي أو خروج حيض (قوله: وإمكانهما) أي
(1) سورة البقرة، الاية:282.
(2)
سورة النور، الاية:59.
كمال تسع سنين.
ويصدق مدعي بلوغ: بإمناء، أو حيض، ولو في خصومة، بلا يمين.
إذ لا يعرف إلا منه.
ونبت العانة الخشنة، بحيث تحتاج إلى الحلق في حق كافر: ذكر أو أنثى، أمارة على بلوغه بالسن أو الاحتلام.
ومثله: ولد من جهل إسلامه، لا من عدم من يعرف سنه: على الاوجه، وقيل يكون علامة في حق المسلم أيضا.
وألحقوا، بالعانة: الشعر الخشن في الابط، وإذا بلغ الصبي رشيدا: أعطى ماله والرشد: صلاح الدين،
والمال، بأن لا يفعل محرما يبطل عدالة: من ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة مع عدم غلبة طاعاته معاصيه،
ــ
خروج المني، وخروج الحيض.
(وقوله: كمال تسع سنين) أي قمرية تقريبا عند حجر.
وعند م ر: تحديدا في خروج المني، وتقريبا في الحيض.
وفرق بينهما: بأن الحيض ضبط له أقل وأكثر، فالزمن الذي لا يسع أقل الحيض والطهر: وجوده كالعدم، بخلاف المني (قوله: ويصدق مدعى الخ) أي إلا أن طلب سهم المقاتلة: كأن كان من الغزاة، أو طلب إثبات اسمه في الديوان، فإنه يحلف.
اه.
بجيرمي.
(وقوله: ولو في خصومة) أي ولو في دعوى خصومة، وهو غاية لتصديقه في ذلك.
(وقوله: بلا يمين) متعلق بيصدق.
(وقوله: إذ لا يعرف) أي البلوغ بالإمناء أو الحيض.
(وقوله: إلا منه) أي إلا من مدعيه (قوله: ونبت العانة الخ) مبتدأ، خيره أمارة.
وذلك لخبر عطية القرظي قال: كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون من أنبت الشعر: قتل، ومن لم ينبت: لم يقتل، فكشفوا عانتي، فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في السبي رواه ابن حبان والحاكم والترمذي، وقال حسن صحيح.
ومثل نبت العانة في ذلك: الحبل، فهو أمارة على البلوغ بالإمناء، فيحكم بعد الوضع بالبلوغ قبله بستة أشهر ولحظة.
(وقوله: الخشنة) ليس قيدا، بل المدار على ما يحتاج في إزالتها إلى حلق، ولو كانت ناعمة، (وقوله: في حق كافر) خرج به المسلم، فلا يكون علامة في حقه.
(وقوله: أمارة على بلوغه) أي فإذا ادعى عدم البلوغ: لم يصدق (قوله: ومثله) أي الكافر في أن نبت العانة أمارة على ما ذكره.
(وقوله: ولد من جهل إسلامه) أي لم يدر، هل هو مسلم أو كافر؟ (قوله: لا من عدم الخ) معطوف على ولد: أي ليس مثله من عدم من يعرف سنه، أي أن من عدم الشهود الذين يعرفون سنه: لا يكون مثل الكافر، في كون نبات العانة أمارة على بلوغه (قوله: وقيل يكون) أي نبت العانة.
وقوله علامة في حق المسلم أيضا: أي كما أنه علامة في حق الكافر (قوله:
وألحقوا الخ) عبارة التحفة: وخرج بها نبات نحو اللحية، فليس بلوغا، كما صرح به في الشرح الصغير في الإبط، وألحق به اللحية والشارب بالأولى، فإن البغوي ألحق الإبط بالعانة، دونهما.
وفي كل ذلك نظر، بل الشعر الخشن من ذلك - كالعانة - في ذلك، وأولى، إلا أن يقال: إن الاقتصار عليهما أمر تعبدي.
اه (قوله: وإذا بلغ الصبي رشيدا: أعطي ماله) أي لزوال المانع، ولآية * (فإن آنستم منهم رشدا، فادفعوا إليهم أموالهم) * (1) فلو بذر بعد بلوغه رشيدا، بأن زال صلاح تصرفه في ماله، حجر عليه الحاكم، دون غيره: من أب، أو جد، وذلك لقوله تعالى: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * (2) أي لا تؤتوا أيها الأولياء: السفهاء المبذرين، من الرجال، والنساء، والصبيان، أموالهم التي تحت أيديكم.
فإضافة أموال إلى المخاطبين: لأدنى ملابسة.
ولو زال صلاحه في دينه مع بقاء صلاحه في ماله بعد رشده: لم يحجر عليه، لأن السلف: لم يحجروا على الفسقة (قوله: والرشد صلاح الدين والمال) أي معا، كما فسره به ابن عباس رضي الله عنهما في آية * (فإن آنستم منهم رشدا) * (3) وقيل هو صلاح المال فقط، وعليه الإمام مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما، ومال إليه ابن عبد السلام.
ويختبر، وجوبا، رشد الصبي في الدين والمال قبيل البلوغ، ليعرف رشده وعدمه، لآية * (وابتلوا اليتامى) * (4) واليتيم: إنما يقع على غير البالغ، أما في الدين: فبمشاهدة حاله في العبادات بقيامه بالواجبات، واجتنابه المحظورات والشبهات.
وأما في المال: فيختلف بمراتب الناس، فيختبر ولد تاجر: بمشاحة في معاملة، ويسلم له المال ليماكس لا ليعقد، ثم إن أريد العقد: عقد وليه.
ويختبر ولد زراع: بزراعة، ونفقة عليها، بأن
(1) سورة النساء، الاية:: 6.
(2)
سورة النساء، الاية:: 5.
(3)
سورة النساء، الاية:: 6.
(4)
سورة النساء، الاية:: 6.
وبأن لا يبذر بتضييع المال باحتمال غبن فاحش في المعاملة، وإنفاقه، ولو فلسا في محرم.
وأما صرفه في الصدقة، ووجوه الخير، والمطاعم، والملابس، والهدايا التي لا تليق به، فليس بتبذير.
وبعد إفاقة المجنون وبلوغ الصبي - ولو بلا رشد - يصح الاسلام، والطلاق، والخلع، وكذا التصرف المالي بعد الرشد.
وولي
ــ
ينفق على القائمين بمصالح الزرع، ويختبر ولد المحترف: بما يتعلق بحرفته.
وتختبر المرأة: بأمر غزل، وصون نحو أطعمة عن نحو هرة.
ويختبر الخنثي: بما يختبر به الذكر والأنثى.
ويشترط: تكرر الاختبار مرتين أو أكثر، حتى يغلب على الظن رشده، فلا تكفي المرة، لأنه قد يصيب فيها، اتفاقا (قوله: بأن لا يفعل محرما) تصوير لصلاح الدين.
واحترز بالمحرم، عما يمنع قبول الشهادة لإخلاله بالمروءة، كالأكل بالسوق، فلا يمنع الرشد، لأن الإخلال بالمروءة: ليس
بحرام على المشهور.
(وقوله: من ارتكاب كبيرة) أي مطلقا.
غلبت طاعاته معاصيه أو لا (قوله: مع دم غلبة طاعاته معاصيه) راج للإصرار على الصغيرة، فإن أصر عليها لكن مع غلبة طاعاته معاصيه.
بأن يكون مواظبا على فعل الواجبات، وترك المنهيات، يكون رشيدا (قوله: وبأن لا يبذر الخ) تصوير لصلاح المال (قوله: باحتمال الخ) قال البجيرمي: لم يظهر للفظ احتمال فائدة، فلعلها زائدة.
فتأمل.
(وقوله: غبن فاحش في المعاملة: أي وقد جهله حال المعاملة، فإن كان عالما به: كان الزائد صدقة خفية محمودة (واعلم) أنه لا يصح تصرف المبذر ببيع ولا غيره، كما سيأتي، قال سم: وقد يشكل عليه قصة حبان بن منقذ: أنه كان يخدع في البيوع، وأنه صلى الله عليه وسلم قال له من بايعت فقال لا خلابة الخ، فإنها صريحة في أنه كان يغبن، وفي صحة بيعه مع ذلك، لانه صلى الله عليه وسلم لم يمنعه من ذلك، بل أقره، وأرشده إلى اشتراط الخيار إلا أن يجاب بأنه: من أين كان يغبن غبنا فاحشا؟ فلعله إنما كان يغبن غبنا يسيرا.
ولو سلم: فمن أين أن غبنه كان عند بلوغه؟ فلعله عرض له بعد بلوغه رشيدا، ولم يحجر عليه، فيكون سفيها مهملا، وهو يصح تصرفه، لكن قد يشكل على الجواب بما ذكر: أن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة العموم في المقال، وقد أقره صلى الله عليه وسلم على المبايعة، وأرشده إلى اشتراط الخيار، ولم يستفصل عن حاله: هل طرأ له بعد بلوغه رشيدا أو لا؟ وهل كان الغبن فاحشا أو يسيرا؟ فليتأمل.
اه (قوله: أيضا - غبن فاحش) هو ما لا يحتمل غالبا.
وخرج به: اليسير - كبيع ما يساوي عشرة من الدراهم: بتسعة منها، فلا يكون مبذرا به (قوله: وإنفاقه) معطوف على احتمال: أي أو بتضييع المال بإنفاقه الخ.
ومثله: رميه في بحر.
(وقوله: ولو فلسا) أي جديدا.
وهو قطعة من النحاس كانت معروفة.
(وقوله: في محرم) متعلق بإنفاق: أي إنفاقه في محرم، أي ولو صغيرة، لما فيه من قلة الدين (قوله: وأما صرفه) أي المال، وهو مقابل إنفاقه في محرم (قوله: ووجوه الخير) معطوف على الصدقة: عطف عام على خاص (قوله: التي لا تليق به) صفة للثلاثة قبله (قوله: فليس بتبذير) أي على الأصح، لأن له في ذلك غرضا صحيحا، وهو الثواب، أو التلذذ.
ومن ثم قالوا: لا سرف في الخير، كما لا خير في السرف.
وفرق الماوردي بين التبذير والسرف، بأن الأول: الجهل بمواقع الحقوق.
والثاني: الجهل بمقاديرها.
وكلام الغزالي يقتضي ترادفهما، ويوافقه قول غيره: حقيقة السرف ما يقتضي حمدا عاجلا، ولا أجرا آجلا.
ومقابل الأصح: يكون مبذرا فيها إن بلغ مفرطا في الإنفاق، فإن بلغ مقتصدا ثم عرض له ذلك بعد البلوغ، فلا (قوله: وبعد إفاقة) متعلق بقوله بعد يصح الخ (والحاصل) إذا زال المانع من الجنون والصبا بالإفاقة في الأول، وبالبلوغ في الثاني: يرتفع حجر الجنون وحجر الصبا.
وتقدم أن الصبي: مسلوب العبارة والولاية، فلا يصح عقوده، ولا إسلامه، ولو مميزا، ولا يكون
قاضيا، ولا واليا، ولا يلي النكاح، إلا ما استثنى من عبادة المميز، والإذن في الدخول، وأن المجنون مسلوب ما ذكر من غير استثناء شئ، فإذا أفاق المجنون: صح منه جميع ما ذكر، أو بلغ الصبي كذلك: يصح منه جميع ما ذكر، إلا إن بلغ غير رشيد بعدم صلاحه في دينه وماله، فحينئذ يعتريه مانع آخر، وهو السفه.
وحكم السفيه أنه مسلوب العبارة في التصرف المالي كبيع، وشراء، ولو بإذن الولي: إلا عقد النكاح منه بإذن وليه، فيصح، وتصح عبادته، بدنية، أو مالية، واجبة، ولكن لا يدفع المال، كالزكاة، بلا إذن من وليه، أما المالية المندوبة، كصدقة التطوع، فلا تصح منه (قوله: وكذا التصرف المالي) أي وكذلك يصح منه التصرف المالي.
(وقوله بعد الرشد) قيد في صحة التصرف المالي منه - كما مر -
الصبي: أب عدل، فأبوه وإن علا، فوصي فقاضي بلد المولى، إن كان عدلا أمينا، فإن كان ماله ببلد آخر: فولي ماله قاضي بلد المال - في حفظه، وبيعه، وإجارته عند خوف هلاكه - فصلحاء بلده ويتصرف الولي بالمصلحة ويلزمه حفظ ماله، واستنماؤه قدر النفقة، والزكاة، والمؤن، إن أمكنه، وله السفر به في طريق آمن لمقصد آمن برا، لا بحرا، وشراء عقار يكفيه غلته أولى من التجارة، ولا يبيع عقاره إلا لحاجة أو غبطة ظاهرة وأفتى بعضهم
ــ
(قوله: وولي الصبي إلخ) شروع في بيان من يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه.
والمراد بالصبي: الجنس، فيشمل الصبية.
قال في التحفة: وخرج بالصبي: الجنين، فلا ولاية لهؤلاء على ماله ما دام مجتنا: أي بالنسبة للتصرف فيه، لا لحفظه.
ولا ينافيه ما يأتي من صحة الإيصاء عليه، ولو مستقلا، لأن المراد، كما هو ظاهر، أنه إذا ولد: بان صحة الإيصاء.
(وقوله: أب عدل، فأبوه وإن علا) أي كولاية النكاح، وإنما لم يثبت بعدهما لباقي العصبة، كالنكاح، لقصور نظرهم في المال، وكماله في النكاح.
وتكفي عدالتهما الظاهرة: لوفور شفقتهما.
فان فسقا: نزع الحاكم منهما المال - كما ذكره في باب الوصية.
اه.
نهاية.
ولا يشترط إسلامهما، إلا أن يكون الولد مسلما، إذ الكافر يلي ولده الكافر، لكن إن ترافعوا إلينا: لم تقرهم، ونلي نحن أمرهم.
اه.
شرح المنهج (قوله: فوصي) أي ممن تأخر موته من الأب وأبيه، لقيامه مقامه، وشرطه العدالة أيضا (قوله: فقاضي بلد المولي) أي لخبر السلطان: ولي من لا ولي له رواه الترمذي والحاكم وصححه (قوله: إن كان) أي القاضي عدلا أمينا، فلو لم يوجد إلا قاض فاسق، أو غير أمين: كانت الولاية لصلحاء المسلمين، كما سيذكره بعد بقوله: فصلحاء الخ.
(قوله: فإن كان ماله) أي الصبي.
(وقوله: ببلد آخر) أي غير بلد الصبي.
(وقوله: قولي ماله قاضي بلد المال في حفظه الخ) أي في هذه المذكورات فقط، أما بالنسبة لاستنمائه: فالولاية عليه لقاضي بلد المولي.
وعبارة التحفة: والعبرة بقاضي بلد المولي - أي وطنه - وإن سافر عنه بقصد الرجوع إليه، كما هو ظاهر في التصرف والاستنماء، وبقاضي بلد ماله: في حفظه، وتعهده، ونحو بيعه، وإجارته عند خوف هلاكه.
اه (قوله: فصلحاء بلده) أي فإذا لم يوجد أحد من الأولياء المذكورين، فالولاية تكون لصلحاء المسلمين من أهل بلده - في النظر في مال محجورهم وتولى حفظه لهم - وفي النهاية: وأفتى ابن الصلاح فيمن عنده يتيم أجنبي،
ولو سلمه لحاكم خان فيه - بأنه بجوز التصرف في ماله - للضرورة.
اه (قوله: ويتصرف الولي) أي أبا أو غيره: بالمصلحة، وذلك لقوله تعالى: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) * وقوله: تعالى: * (وإن تخالطوهم فإخوانكم، والله يعلم المفسد من المصلح) * ومن المصلحة: بيع ما وهبه له أصله بثمن مثله: خشية رجوعه فيه، وبيع ما خيف خرابه، أو هلاكه، أو غصبه، ولو بدون ثمن مثله، (قوله: ويلزمه حفظ ماله) أي يلزم الولي حفظ مال المولي: من أسباب التلف (قوله: واستنماؤه) أي ويلزمه استنماؤه: أي طلب نموه وتكثيره.
قال ع ش: فلو ترك استنماءه مع القدرة عليه، وصرف ماله عليه في النفقة: فهل يضمنه أو لا؟ فيه نظر.
وقياس ما يأتي - فيما لو ترك عمارة العقار حتى خرب: الضمان، وقد يفرق بأن ترك العمارة يؤدي إلى فساد المال، وترك الاستنماء إنما يؤدي إلى عدم التحصيل، وإن ترتب عليه ضياع المال في النفقة.
اه.
(وقوله: إن أمكنه) أي الاستنماء المذكور (قوله: وله السفر به) أي للولي السفر بمال المولي، (وقوله: في طريق آمن لمقصد آمن) خرج بذلك ما لو كان الطريق أو المقصد الذي يقصده مخوفا، فإنه يمتنع عليه السفر به.
وكتب ع ش ما نصه: قوله: في زمن أمن، مفهومه أنه لو احتمل تلفه في السفر: امتنع.
وفي سم على المنهج: فيه تردد، فليراجع، والأقرب المفهوم: المذكور، حيث قوي جانب الخوف.
اه (قوله: برا لا بحرا) أي له السفر به في البر، لا في البحر، وإن غلبت السلامة فيه، لأنه مظنة عدمها.
قال ع ش: ظاهره ولو تعين طريقا، وهو كذلك، حيث لم تدع ضرورة إلى السفر به.
وقال في التحفة: نعم، إن كان الخوف في السفر ولو بحرا أقل منه في البلد ولم يجد من يقترضه: سافر به.
(قوله: وشراء عقار يكفيه غلته) أي يكفي المولى غلته نفقة وكسوة وغيرهما (قوله: أولى
(1) سورة الانعام، الاية:: 152.
(1)
سورة البقرة، الاية:: 220.
بأن للولي الصلح على بعض دين المولي إذا تعين ذلك طريقا لتخليص ذلك البعض، كما أن له، بل يلزمه، دفع بعض ماله لسلامة باقية.
انتهى.
وله بيع ماله نسيئة لمصلحة، وعليه أن يرتهن بالثمن رهنا وافيا إن لم يكن المشتري موسرا.
ولولي إقراض مال محجور لضرورة.
ولقاض ذلك مطلقا، بشرط كون المقترض مليئا أمينا،
ــ
من التجارة) هو خبر عن المبتدأ الذي هو شراء.
قال في النهاية: ومحله عند الأمن عليه من جور السلطان وغيره، أو خراب للعقار ولم يجد به ثقل خراج.
اه (قوله: ولا يبيع عقاره) أي لا يبيع الولي عقار المولي، لأنه أسلم وأنفع من غيره.
وفي المغني: وكالعقار، فيما ذكر، آنية القنية من نحاس وغيره، كما ذكره ابن الرفعة عن البندنيجي، قال: وما عداهما لا يباع أيضا، إلا لغبطة أو حاجة، لكن يجوز لحاجة يسيرة، وربح قليل لائق، بخلافهما.
وينبغي.
كما قال ابن الملقن، أنه يجوز بيع أموال التجارة من غير تقييد بشئ، بل لو رأى البيع بأقل من رأس المال، ليشتري بالثمن ما هو مظنة
للربح: جاز، كما قاله بعض المتأخرين، اه (قوله: إلا لحاجة) أي كخوف ظالم، أو خرابه، أو عمارة بقية أملاكه، أو لنفقته وليس له غيره ولم يجد مقرضا، أو رأى المصلحة في عدم القرض، أو لكونه بغير بلده ويحتاج لكثرة مؤنة لمن يتوجه لإيجاره وقبض غلته، ويظهر ضبط هذه الكثرة، بأن تستغرق أجرة العقار أو قريبا منها، بحيث لا يبقى منها إلا مالا وقع له عرفا.
اه.
تحفة.
(وقوله: أو غبطة ظاهرة) أي بأن يرغب فيه بأكثر من ثمن مثله، وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن أو خيرا منه بكله وفي البجيرمي ما نصه.
تنبيه: المصلحة أعم من الغبطة، إذ الغبطة: بيع بزيادة على القيمة لها وقع، والمصلحة لا تستلزم ذلك، لصدقها بنحو شراء ما يتوقع فيه الربح، وبيع ما يتوقع فيه الخسران لو بقي.
اه (قوله: وأفتى بعضهم بأن للولي الصلح على بعض دين المولي.
الخ) قال في التحفة، بعد ذكر الإفتاء المذكور، وفيه نظر: إذ لا بد في صحة الصلح من الإقرار.
اللهم إلا أن يفرض خشية ضياع البعض، ولو مع الإقرار، ويتعين الصلح، لتخليص الباقي.
اه.
وكتب السيد عمر البصري على قول التحفة، وأفتى بعضهم بأن للولي الصلح الخ، ما نصه: يؤخذ منه بعد التأمل أن المراد جواز إقدام الولي على ذلك للضرورة، لا صحة الصلح المذكور في نفس الأمر، فإنها مسكوت عنها.
وحينئذ: فلا فرق بين الإقرار وعدمه، وأن بقية ماله باق بذمة المدين باطنا، بل وظاهرا إذا زال المانع وتيسر استيفاء الحق منه، كما في المسألة المنظر بها، وهي دفع بعض ماله لسلامة باقيه، فإنه يجوز للولي الإقدام عليه، لأنه عقد صحيح يملكه به الآخذ، بل هو ضامن له مطلقا على ما تقرر.
اه (قوله: إذا تعين ذلك) أي الصلح على بعض دين المولي.
(وقوله: لتخليص ذلك البعض) أي المصالح عليه، أي على أخذه، وذلك لأن القاعدة: أن الصلح يتعدى بالباء.
وعلى: للمأخوذ، وبمن وحتى: للمتروك (قوله: كما أن له، بل يلزمه) الكاف للتنظير، والضمير أن للولي.
(وقوله: دفع بعض ماله) إسم أن مؤخر، وفاعل يلزم: يعود عليه، وهو وإن كان مؤخرا لفظا: مقدم رتبة، وضمير ماله يعود على المولي (قوله: وله) أي للولي.
(وقوله بيع ماله) أي المولي.
(وقوله نسيئة) أي بأجل.
واشترط يسار المشتري، وعدالته، وزيادة على النقد تليق بالنسيئة، وقصر الأجل عرفا.
اه.
تحفة.
(وقوله: لمصلحة) أي كربح، وخوف من نهب (قوله: وعليه أن يرتهن إلخ) أي ويجب على الولي أن يرتهن بالثمن رهنا واقيا، ويستثني من ذلك: ما لو باع مال ولده من نفسه نسيئة، لأنه أمين في حق ولده.
ويجب عليه أيضا: أن يشهد على البيع (قوله: إن لم يكن المشتري موسرا) مفهومه أنه إن كان موسرا: لا يجب عليه الارتهان، وهذا هو ما قاله الإمام، واقتضاه كلام الشيخين، ولم يرتضه في التحفة، ونصها، بعد كلام، ولا تغني عنه، أي الارتهان
- ملاءة المشتري، لأنه قد يتلف احتياطا للمحجور، فإن ترك واحد مما ذكر، أي الإشهاد، والارتهان، بطل البيع، إلا إذا ترك الرهن والمشتري موسر على ما قاله الإمام، واقتضاه كلامهما، وقال السبكي: لا استثناء، وضمن.
نعم: إن باعه لمضطر لا رهن معه: جاز.
اه (قوله: ولولي الخ) أي ويجوز لولي، أن يقرض مال موليه إذا كان لضرورة، فإن لم توجد: امتنع عليه أن يقرضه، كما مر في القرض - وعبارته هناك: ويمتنع على ولي قرض مال موليه بلا ضرورة.
نعم: يجوز للقاضي إقراض مال المحجور عليه بلا ضرورة، لكثرة أشغاله، إن كان المقترض أمينا موسرا.
اه (قوله:
ولا ولاية لام على الاصح، ومن أدلى بها، ولا لعصبة.
نعم، لهم الانفاق من مال الطفل في تأديبه وتعليمه، لانه قليل، فسومح به عند فقد الولي الخاص.
ويصدق أب أو جد في أنه تصرف لمصلحة بيمينه، وقاض بلا يمين، إن كان ثقة عدلا، مشهور العفة، وحسن السيرة، لا وصي، وقيم، وحاكم، وفاسق، بل المصدق بيمينه هو المحجور، حيث لا بينة، لانهم قد يتهمون.
ومن ثم: لو كانت الام وصية كانت كالاولين، وكذا آباؤها.
(فرع) ليس لولي أخذ شئ من مال موليه إن كان غنيا مطلقا، فإن كان فقيرا وانقطع بسببه عن كسبه: أخذ قدر نفقته، وإذا أيسر: لم يلزمه بدل ما أخذه.
قال الاسنوي: هذا في وصي وأمين، أما أب أو جد، فيأخذ قدر كفايته - اتفاقا - سواء الصحيح وغيره.
وقيس بولي اليتيم فيما ذكر: من جمع مالا لفك أسير، أي مثلا، فله
إن كان فقيرا الاكل منه.
وللاب والجد: استخدام محجوره فيما لا يقابل بأجرة ولا يضربه على ذلك، خلافا لمن
ــ
ولقاض) أي ويجوز لقاض.
(وقوله: ذلك) أي الإقراض.
(وقوله: مطلقا) أي وجدت ضرورة، أو لم توجد (قوله: بشرط الخ) ظاهر صنيعه أنه مرتبط بقوله لقاض فقط، لكن المعنى يقتضي أن الولي غير القاضي مثله (قوله: ولا ولاية لأم على الأصح) أي قياسا على النكاح، ومقابله أنها تلي بعد الأب والجد، وتقدم على وصيهما، لكمال شفقتها (قوله: ومن أدلى بها) أي ولا ولاية لمن أدلى إلى المحجور بالأم: كالأخ للأم (قوله: ولا لعصبة) أي ولا ولاية لعصبة: كالأخ، وابنه، والعم.
(قوله: نعم.
لهم الخ) أي يجوز للعصبة، أي العدل منهم، الإنفاق على الطفل فيما يحتاجه من ماله.
(وقوله: عند فقد الولي الخاص) هو الأب، فأبوه - وإن علا.
قال في التحفة: وقضيته أن له - أي للعدل منهم - ذلك، ولو مع وجود قاض، وهو متجه إن خيف منه عليه، بل في هذه الحالة: للعصبة، وصلحاء بلده، بل عليهم، كما هو ظاهر، تولي سائر التصرفات في ماله بالغبطة: بأن يتفقوا على مرضي منهم يتولى ذلك، ولو بأجرة.
اه (قوله: ويصدق أب أو جد) أي فيما إذا ادعى الولد عليهما بعد بلوغه، أو إفاقته، أو رشده - بأن تصرفكما من غير مصلحة، وادعيا أنه بمصلحة: فيصدقان باليمين، لأنهما لا يتهمان: لوفور شفقتهما (قوله: وقاض بلا يمين) أي ويصدق قاض من غير يمين (قوله: إن كان) أي القاضي (قوله: لا وصي وقيم وحاكم وفاسق) أي لا يصدقون في أن تصرفهم لمصلحة (قوله: حيث لا بينة) أي تشهد بمدعاهم - فإن وجدت: فهم المصدقون (قوله: لأنهم قد إلخ) أي لا يصدقون، لأنهم قد يتهمون (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل التعليل المذكور: يؤخذ أنه لو كانت الأم وصية: كانت كالأولين - أي الأب والجد: أي فتصدق باليمين.
وذلك لعدم التهمة (قوله: وكذا آباؤها) أي: وكذا يصدق آباؤها لو كانوا أوصياء (قوله: فرع إلخ) الأولى: فروع - كما هو ظاهر - (قوله: ليس لولي الخ) أي يحرم عليه ذلك (قوله: إن كان) أي الولي.
وقوله: مطلقا أي سواء انقطع بسببه عن كسبه أم لا (قوله: فإن كان فقيرا الخ) مقابل قوله غنيا (قوله: أخذ قدر نفقته) قال في التحفة: ورجح المصنف أنه يأخذ
الأقل منها ومن أجرة مثله.
اه (قوله: وإذا أيسر) أي الولي.
(وقوله: لم يلزمه بدل ما أخذه) أي لم يلزمه أن يدفع لموليه بدل ما أخذه من ماله (قوله: هذا) أي ما ذكر، من التفصيل بين الفقير المنقطع عن كسبه، والغني، (وقوله: في وصي وأمين) أي وقيم (قوله: سواء الصحيح وغيره) في بعض نسخ الخط: سواء الموسر الصحيح وغيره، لكن الموافق للتحفة: الأول، وقال فيها: واعترض بأنه إن كان مكتسبا: لا تجب نفقته، ويرد بأن المعتمد أنه لا يكلف الكسب، فإن فرض أنه اكتسب ما لا يكفيه: لزم فرعه تمام كفايته، وحينئذ فغاية الأصل هنا أنه اكتسب دون كفايته، فيلزم الولد تمامها، فاتجه أن له أخذ كفاية البعض في مقابلة عمله، والبعض لقرابته.
اه (قوله: فيما ذكر) أي في التفصيل المذكور (قوله: أي مثلا) أي أن فك الأسير: ليس بقيد، بل مثله: إصلاح ثغر، أو حفر بئر، أو تربية يتيم (قوله: فله) أي لمن جمع مالا لما ذكر، وهذا بيان لمن ذكر.
(وقوله: إن كان فقيرا) أي وانقطع بسببه عن كسبه.
وقوله الأكل منه، قال في التحفة بعده: كذا قيل، والوجه أن يقال فله أقل الأمرين، أي السابقين، اه (قوله: وللأب والجد: استخدام محجوره إلخ) أي من غير أجرة.
قال في التحفة: وله إعارته لذلك، ولخدمة من يتعلم منه ما ينفعه دينا أو دنيا، وإن قوبل بأجرة، كما يعلم مما
جزم بأن له ضربه عليه، وأفتى النووي بأنه لو استخدم ابن ابنته: لزمه أجرته إلى بلوغه ورشد، وإن لم يكرهه.
ولا يجب أجرة الرشيد إلا إن أكره.
ويجري هذا في غير الجد للام، وقال الجلال البلقيني: لو كان للصبي مال غائب فأنفق وليه عليه من مال نفسه بنية الرجوع، إذا حضر ماله رجع، إن كان أبا أو جدا، لانه يتولى الطرفين، بخلاف غيرهما: أي حتى الحاكم، بل يأذن لمن ينفق، ثم يوفيه وأفتى جمع فيمن ثبت له على أبيه دين فادعى إنفاقه عليه: بأنه يصدق هو أو وارثه باليمين.
فصل في الحوالة
ــ
يأتي أول العارية - اه.
(وقوله: فيما لا يقابل بأجرة) قضيته أنه لو استخدمه فيما يقابل بها: لزمته، وإن لم يكرهه، لكنه بولايته عليه إذا قصد بإنفاقه عليه جعل النفقة في مقابلة الأجرة اللازمة برئت ذمته.
اه.
بجيرمي (قوله: ولا يضر به على ذلك) أي على الاستخدام (قوله: وأفتى النووي بأنه لو استخدم) أي الجد من الأم المعلوم من المقام.
(وقوله: لزمه أجرته إلى بلوغه رشده) قال في التحفة، أي لأنه ليس من أهل التبرع بمنافعه المقابلة بالعوض.
اه (قوله: وإن لم يكرهه) أي على الاستخدام، وهو غاية للزوم الأجرة (قوله: ولا يجب أجرة الرشيد) أي في مقابلة الاستخدام.
(وقوله: إلا إن أكره) أي عليه، فإن لم يكره: فلا أجرة (قوله: ويجري هذا) أي التفصيل بين لزوم الأجرة على من استخدمه إلى البلوغ والرشد، وعدم لزومها عليه بعده، إلا إن أكره وقوله في غير الجد للأم: يشمل الأب والجد للأب اه.
سم.
وهذا لا ينافي ما قبل الإفتاء، لأنه مفروض فيما لا يقابل بأجرة، وهذا فيما يقابل بها.
فتأمل (قوله: لو كان للصبي مال غائب) أي عن بلده (قوله: من مال نفسه) متعلق بأنفق: أي أنفق الولي عليه من ماله.
(وقوله: بنية الرجوع) متعلق بأنفق (قوله: إذا حضر ماله) أي الصبي.
والظرف متعلق بالرجوع (قوله: رجع) جواب لو، وضميره المستتر يعود على الولي (قوله: إن كان إلخ) قيد في الرجوع (قوله: لأنه) أي من ذكر من الأب أو الجد يتولى الطرفين: أي الإيجاب والقبول، وهو تعليل
لرجوعه إذا نواه عند الإنفاق (قوله: بخلاف غيرهما) أي غير الأب والجد من بقية الأولياء، فإنه إذا أنفق من مال نفسه على الصبي: لا يرجع، ولو نوى الرجوع عند الإنفاق، لعدم صحة تولية الطرفين (قوله: بل يأذن الخ) أي بل إذا أراد غيرهما - الصادق بالحاكم - الرجوع: يأذن لمن ينفق عليه، ثم إذا حضر ماله: يوفيه منه (قوله: فادعى إنفاقه عليه) أي فادعى الأب أنه أنفق ما ثبت في ذمته على ابنه (قوله: بأنه إلخ) متعلق بأفتى: أي أفتى بأن الأب يصدق باليمين، وإذا مات: قام وارثه مقامه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في الحوالة أي في بيان حكمها، وبيان بعض أركانها، وشرائطها، وهي بفتح الحاء، وحكي كسرها، لغة: التحول، والانتقال.
وشرعا عقد يقتضي تحول دين من ذمة إلى ذمة.
وقد تطلق على هذا الانتقال نفسه.
والأصل فيها قبل الإجماع: خبر الشيخين: مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على ملئ - بالهمز - فليتبع بتشديد التاء، أو سكونها، وتفسره رواية البيهقي وإذا أحيل أحدكم على ملئ، فليحتل وقوله: مطل الغني ظلم أي إطالة المدافعة فسق.
قال في التحفة: ويؤخذ منه أن المطل كبيرة، لأنه جعله ظلما، فهو كالغصب، فيفسق بمرة منه.
قال السبكي: مخالفا للمصنف في اشتراط تكرره نقلا عن مقتضى مذهبنا، وأيده غيره بتفسير الأزهري للمطل، بأنه إطالة المدافعة، أي فالمرة لا تسمى مطلا، ويخدشه، أي يضعفه، حكاية المصنف اختلاف المالكية: هل يفسق بمرة منه أو لا؟ فاقتضى اتفاقهم على أنه لا يشترط في تسميته مطلا تكرره، وإلا لم يأت اختلافهم.
وقد يؤيد هذا تفسير القاموس له بأنه، أي المطل، التسويق بالدين، وبه يتأيد ما قاله السبكي.
اه.
والأصح أنها بيع دين بدين جوز للحاجة، وذلك لأن المحيل: باع ما في
(تصح حوالة بصيغة) وهي إيجاب من المحيل: كأحلتك على فلان بالدين الذي لك علي، أو نقلت حقك إلى فلان، أو جعلت مالي عليه لك، وقبول من المحتال بلا تعليق، ويصح بأحلني، (وبرضا محيل، ومحتال) ولا يشترط رضا المحال عليه.
(ويلزم بها) أي الحوالة (دين محتال محالا عليه) فيبرأ المحيل بالحوالة عن دين المحتال، والمحال عليه عن دين المحيل، ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه إجماعا، (فإن تعذر أخذه منه بفلس) حصل للمحال عليه، وإن قارن الفلس الحوالة، (أو جحد) أي إنكار منه للحوالة، أو دين المحيل وحلف عليه، أو بغير ذلك: كتعزز المحال عليه، وموت شهود الحوالة:(لم يرجع) المحتال (على
ــ
ذمة المحال عليه بما في ذمته للمحتال، والمحتال: باع ما في ذمة المحيل بما في ذمة المحال عليه.
فالبائع: المحيل، والمشتري: المحتال، والمبيع: دين المحيل، والثمن: دين المحتال.
وقيل إنها استيفاء حق (قوله: تصح حوالة بصيغة).
(واعلم) أن أركان الحوالة ستة: محيل، ومحتال، ومحال عليه، ودينان: دين للمحتال على المحيل، ودين للمحيل على المحال عليه، وصيغة.
وشرائط الحوالة خمسة: رضا المحيل والمحتال.
وثبوت الدينين الذي على المحيل والذي على المحال عليه، فلا تصح ممن لا دين عليه، ولا على من لا دين عليه.
وصحة الإعتياض عنهما: فلا
تصح بدين السلم ورأس ماله، ولا عليهما، لعدم صحة الإعتياض عنهما، وكذا لا تصح بدين الجعالة قبل الفراغ من العمل ولا عليه لما ذكر.
والعلم بالدينين قدرا وصفة وجنسا: فلو جهل ذلك العاقدان، أو أحدهما، فهي باطلة.
وتساويهما كذلك: فلو عدم التساوي، أو جهل، فهي باطلة.
(قوله: وهي) أي الصيغة (قوله: كأحلتك على فلان بالدين الذي لك علي) قال في التحفة: فإن لم يقل بالدين، فكناية اه.
وقال م ر: هو صريح، وإن لم يقل بالدين الذي لك علي ولم ينوه - فعلى ما جرى عليه حجر: أن الكناية تدخل الحوالة، وعلى ما جرى عليه م ر: أنها لا تكون إلا صريحة، فلا تدخلها الكناية.
(قوله: أو نقلت إلخ) أشار به إلى أنه لا يتعين في الصيغة لفظ الحوالة، بل يكفي ما يؤدي معناها: كنقلت حقك إلى فلان، أو جعلت ما أستحقه على فلان لك، أو ملكتك الدين الذي عليه.
والمعتمد، عند الرملي، عدم الإنعقاد بلفظ البيع، ولو نواها.
وعند ابن حجر: الانعقاد إن نواها (قوله: وقبول) بالرفع، عطف على إيجاب (قوله: بلا تعليق) راجع للإيجاب والقبول، كما في البيع (قوله: ويصح) أي القبول بلفظ أحلني: أي فهو استيجاب قائم مقام القبول، ومثله: ما لو قال احتل على فلان بما لك علي من الدين، فقال: احتلت، أو قبلت، فيكون استقبالا قائما مقام الإيجاب.
أفاده ع ش (قوله: وبرضا محيل ومحتال) هذا مستغنى عنه بالصيغة، إذ الإيجاب والقبول يتضمن رضاهما، إلا أن يقال ليس هو مقصودا بالذات، بل المقصود: مفهومه، وهو قوله بعد: ولا يشترط رضا المحال عليه.
والمحيل: هو من عليه الدين للمحتال.
والمحتال: هو من له الدين على المحيل (قوله: ولا يشترط رضا المحال عليه) أي لأنه محل الحق، فلمن له الحق أن يستوفيه بنفسه وبغيره (قوله: ويلزم بها الخ) شروع في فائدة الحوالة المترتبة عليها، وحاصلها براءة ذمة المحيل من دين المحتال، وبراءة ذمة المحال عليه من دين المحيل، وتحول حق المحتال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
وقوله دين محتال: أي نظيره يصير في ذمة المحال عليه.
(قوله: فإن تعذر أخذه) أي المحتال على إضافة المصدر لفاعله أو الدين على إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل.
(وقوله: منه) أي من المحال عليه (قوله: بفلس) متعلق بتعذر، والباء سببية: أي تعذر الأخذ بسبب فلس.
(وقوله: حصل للمحال عليه) المقام للإضمار، فكان عليه أن يقول: حصل له (قوله: وإن قارن الفلس الحوالة) أي لا فرق في الفلس بين أن يكون طارئا على الحوالة أو مقارنا لها، فلا رجوع للمحتال على المحيل في الحالتين (قوله: أو جحد) معطوف على فلس: أي أو تعذر أخذه منه بجحد.
(وقوله: أي إنكار منه) أي المحال عليه لأصل الحوالة (قوله: أو دين المحيل) معطوف على الحوالة: أي أو إنكار لدين المحيل (قوله: وحلف) يقرأ بصيغة المصدر: عطفا على إنكار، أو بصيغة الماضي وجعل الواو للحال.
محيل) بشئ، وإن جهل ذلك، ولا يتخير لو بان المحال عليه معسرا وإن شرط يساره.
ولو طلب المحتال المحال عليه فقال أبرأني المحيل قبل الحوالة، وأقام بذلك بينة: سمعت، وإن كان المحيل في البلد.
ثم المتجه أن للمتحال: الرجوع بدينه على المحيل، إلا إذا استمر على تكذيب المحال عليه.
ولو باع عبدا وأحال بثمنه، ثم اتفق المتبايعان على حريته وقت البيع، أو ثبتت حريته حينئذ ببينة شهدت حسبة، أو أقامها العبد: لم تصح الحوالة، وإن كذبهما المحتال في الحرية ولا بينة فلكل منهما تحليفه على نفي العلم بها، وبقيت الحوالة.
(ولو اختلفا) أي الدائن والمدين في أنه (هل وكل أو أحال؟) بأن قال المدين: وكلتك لتقبض لي،
ــ
(وقوله: عليه) أي على الإنكار المذكور، يعني أن تعذر الأخذ المذكور.
يحصل بإنكار المحال عليه الدين أو الحوالة مع حلفه على ذلك.
(قوله: أو بغير ذلك) يعني أو تعذر أخذه بغير الفلس والجحد.
(قوله: كتعزز المحال عليه) أي تقويه وتغلبه (قوله: لم يرجع المحتال على محيل) جواب فإن، وإنما لم يرجع عليه، لأن الحوالة بمنزلة القبض، وقبولها متضمن، لاعترافه باستجماع شرائط الصحة.
قال في التحفة: نعم.
له، أي المحتال، تحليف المحيل أنه لا يعلم براءة المحال عليه على الأوجه.
وعليه فلو نكل: حلف المحتال، كما هو ظاهر، وبان بطلان الحوالة، لأنه حينئذ كرد المقر له الإقرار.
اه.
ولو شرط فيها الرجوع عند التعذر بشئ مما ذكر: لم تصح الحوالة، لأنه شرط خالف مقتضاها (قوله: وإن جهل) أي المحتال.
(وقوله: ذلك) أي تعذر الاخذ بشئ مما يذكر (قوله: ولا يتخير لو بان الخ) لا فائدة له بعد الغاية السابقة، أعني قوله وإن قارن الفلس الحوالة، وجزمه بعدم الرجوع، ولو مع الجهل، إلا أن يقال: ذكره لأجل الغاية التي بعده.
وعبارة المنهج: فيها إسقاط ذلك، وذكر الغاية بعد قوله: لم يرجع على محيل، وهي أولى (قوله: وإن شرط يساره) أي المحال عليه: أي فلا عبرة بالشرط المذكور، لأنه مقصر بترك الفحص.
وقيل له الخيار إن شرط يساره، ثم تبين إعساره (قوله: ولو طلب المحتال المحال عليه الخ) هذه المسألة نقلها في التحفة عن ابن الصلاح (قوله: فقال) أي المحال عليه.
(وقوله: أبرأني المحيل) قال سم - هل كذلك إذا قال أقر أنه لم يكن له علي دين حتى يكون للمحتال الرجوع؟ اه.
(قوله: قبل الحوالة) قال في التحفة: هو صريح في أنه لا تسمع منه دعوى الإبراء، ولا تقبل منه بينته، إلا أن صرح بأنه قبل الحوالة، بخلاف ما لو أطلق.
ومن ثم أفتى بعضهم بأنه لو أقام بينة بالحوالة، فأقام المحال عليه بينة بإبراء المحيل له: لم تسمع بينة الإبراء، أي وليس هذا من تعارض البينتين، لما تقرر أن دعوى الإبراء المطلق والبينة الشاهدة به فاسدان، فوجب العمل ببينة الحوالة، لأنها لم تعارض.
اه.
(قوله: بذلك) أي بالبراءة المفهومة من أبرأني.
(قوله: سمعت) أي البينة في وجه المحتال.
قال الغزي: وهذا صحيح في دفع المحتال.
أما إثبات البراءة من دين المحيل، فلا بد من إعادتها في وجهه.
اه.
تحفة (قوله: ثم المتجه) أي ثم بعد سماع بينة المحال عليه بالبراءة المتجهة الخ.
(وقوله: إلا إذا استمر) أي المحتال، أي فلا يرجع على المحيل (قوله: ولو باع عبدا) أي أو أمة، ولو قال رقيقا: لشملهما (قوله: وأحال بثمنه) أي أحال البائع بثمن العبد على المشتري (قوله: ثم اتفق المتبايعان) أي والمحتال أيضا، بدليل قوله بعد: وإن كذبهما المحتال الخ.
وقوله على حريته: أي على أن العبد حر وقت البيع.
(قوله: أو ثبتت حريته
حينئذ) أي حين البيع (قوله: ببينة شهدت حسبة) قال البجيرمي: شهادة الحسبة هي التي تكون بغير طلب، سواء أسبقها دعوى، أم لا (قوله: أو أقامها العبد) أي أو أقام العبد البينة على حريته: أي ولم يصرح بالرق قبل ذلك، لأنها تكذب قوله.
ومثل العبد: ما إذا أقامها أحد الثلاثة، أعني المتبايعين، والمحتال، ولم يصرح بأن المبيع مملوك، بل اقتصر على البيع (قوله: لم تصح الحوالة) جواب لو.
والمراد أنه بان عدم انعقادها لتبين أن لا بيع، فلا ثمن، فيرد المحتال ما أخذه من المشتري، ويبقى حقه كما كان (قوله: وإن كذبهما) أي المتبايعين المتفقين على الحرية، فهو مقابل للصورة الأولى (قوله: ولا بينة) أي على الحرية (قوله: فلكل منهما) أي المتبايعين.
(وقوله: تحليفه) أي المحتال، ولو حلفه أحدهما: لم يكن للثاني تحليفه، لاتحاد خصومتهما (قوله: على نفي العلم بها) أي لأن هذه قاعة الحلف على النفي الذي لا يتعلق بالحالف، فيقول: والله لا أعلم حريته (قوله: وبقيت الحوالة) وحيئنذ يأخذ المحتال المال من المشتري، ويرجع
فقال الدائن: بل أحلتني، وقال المدين: أحلتك، فقال الدائن: بل وكلتني، (صدق منكر حوالة) بيمينه، فيصدق المدين في الاولى، والدائن في الاخيرة.
لان الاصل بقاء الحق في ذمة المستحق عليه.
(تتمة) يصح من مكلف رشيد: ضمان بدين واجب، سواء استقر في ذمة المضمون له: كنفقة اليوم وما
ــ
المشتري على البائع المحيل، لأنه قضى دينه بإذنه الذي تضمنته الحوالة (قوله: ولو اختلفا) أي بعد إذن مدين لدائنه في القبض.
(وقوله: أي الدائن والمدين) بيان لضمير التثنية.
(وقوله: في أنه) أي المدين، والجار والمجرور متعلق باختلفا، أي اختلفا في أن المدين وكل أو أحال؟ والمراد: اختلفا في اللفظ الصادر من المدين، هل هو لفظ الوكالة، أو الحوالة؟ (قوله: بأن قال المدين: وكلتك لتقبض لي) أي أو قال: أردت بقولي أحلتك الوكالة (قوله: فقال الدائن: بل أحلتني) أي أو أردت الحوالة (قوله: صدق منكر حوالة) جواب لو (قوله: فيصدق في المدين) أي بيمينه في أنه وكل، أو في أنه أراد الحوالة.
وبحلفه: تندفع الحوالة، وبإنكار الآخر الوكالة: ينعزل، فيمتنع قبضه، فإن كان قد قبض: برئ الدافع له، لأنه وكيل أو محتال، ويلزمه تسليم ما قبضه للحالف، وحقه عليه باق.
(قوله: والدائن) أي ويصدق الدائن: أي بيمينه.
(وقوله: في الأخيرة) أي فيما إذا ادعى الوكالة، والمدين الحوالة.
وبحلفه: تندفع الحوالة، ويأخذ حقه من المستحق عليه، ويرجع هذا على المحال عليه (قوله: لأن الأصل الخ) علة لتصديق منكر الحوالة.
(وقوله: المستحق عليه) هو، بفتح الحاء، المدين.
والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله: تتمة) أي في بيان أحكام الضمان، وأحكام الصلح.
وقد ترجم الفقهاء لكل منهما بباب مستقل، وذكرهما بعد الحوالة، لأن كلا منهما يترتب عليه قطع النزاع، كالحوالة، والضمان لغة: الالتزام، وشرعا: يقال لالتزام دين أو بدن أو عين، ويقال للعقد الذي يحصل به ذلك.
ويسمى الملتزم لذلك: ضامنا، وضمينا، وحميلا، وزعيما، وكفيلا، وصبيرا.
قال الماوردي: لكن العرف خص الضمين: بالمال، أي
ومثله الضامن، والحميل: بالدية، والزعيم: بالمال العظيم، والكفيل: بالنفس، والصبير: يعم الكل: والأصل فيه: حديث العارية مؤداة، أي مردودة، والزعيم غارم، والدين مقضي وحديث أنه صلى الله عليه وسلم تحمل عن رجل عشرة دنانير.
وأركانه خمسة: ضامن، ومضمون عنه، ومضمون له، ومضمون، وصيغة.
وهو مندوب لقادر واثق بنفسه، وإلا فمباح.
قال العلماء: الضمان أوله شهامة، أي شدة حماقة، وأوسطه ندامة، وآخره غرامة.
ولذلك قيل نظما: ضاد الضمان بصاد الصك ملتصق فإن ضمنت: فحاء الحبس فيالوسط ومن مستلطف كلامهم، ثلاثة أحرف شنيعة: ضاد الضمان، وطاء الطلاق، وواو الوديعة.
وقال بعضهم: عاشر ذوي الفضل واحذر عشرة السفل وعن عيوب صديقك كف وتغفل وصن لسانك إذا ما كنت في محفل ولا تشارك ولا تضمن ولاتكفل (قوله: يصح من مكلف رشيد) أي ولو حكما: ليدخل من بذر بعد رشده ولم يحجر عليه، ومن فسق، ومن سكر متعديا، فإن هؤلاء في حكم الرشيد، ولا بد أن يكون مختارا أيضا، فخرج الصبي، والمجنون، والسفيه، والمكره، ولو قنا أكرهه سيده، فلا يصح ضمانهم.
ولا بد، على الأصح، أن يعرف عين المضمون له، وهو رب الدين، لتفاوت الناس في المطالبة تشديدا وتسهيلا، فلا يكفي معرفته مجرد نسبه أو اسمه، وإنما كفت معرفة عينه، لأن الظاهر عنوان الباطن، وتقوم معرفة وكيله مقام معرفته عند م ر تبعا لوالده، وجرى ابن حجر، تبعا لشيخ الإسلام، على عدم الإكتفاء بذلك.
(قوله: ضمان بدين) أي ولو منفعة: كالعمل الملتزم الذمة بالإجارة، أو المساقاة.
وشمل الدين: الزكاة، فيصح ضمانها لمستحقين انحصروا.
اه.
بجيرمي.
(وقوله: واجب) أي ثابت، ولو باعتراف الضامن، وإن لم يثبت على المضمون عنه شئ.
كما صرح به الرافعي، بل الضمان متضمن، لاعترافه بوجود شرائطه، فيلزم الضامن المال الذي اعترف به.
ويشترط في الدين: أن يكون معلوم القدر، والجنس، والصفة.
وخرج بذلك: الديون المجهولة، فلا يصح ضمانها (قوله: سواء استقر) المراد من الإستقرار: اللزوم، وقيل المراد بالمستقر: الذي أمن من سقوطه.
(وقوله: في ذمة
قبله للزوجة، أو لم يستقر، كثمن مبيع لم يقبض، وصداق قبل وطئ، لا بما سيجب، كدين قرض، ونفقة غد للزوجة، ولا بنفقة القريب مطلقا.
ولا يشترط رضا الدائن والمدين.
وصح ضمان الرقيق بإذن سيده.
وتصح منه كفالة بعين مضمونة، كمغصوبة، ومستعارة، وببدن من يستحق حضوره مجلس حكم بإذنه، ويبرأ الكفيل
ــ
المضمون له) صوابه المضمون عنه، وهو المدين الذي ضمن عنه ما عليه.
(وقوله: كنفقة اليوم وما قبله) تمثيل للذي استقر في ذمته.
(قوله: أو لم يستقر) أي لكنه آيل إلى الإستقرار (قوله: كثمن مبيع لم يقبض) أي ذلك المبيع، وهو تمثيل للذي لم يستقر (قوله: وصداق قبل وطئ) التمثيل به لما لم يستقر مبني على أن المراد بالإستقرار، عدم تطرق
السقوط إليه، والصداق قبل الوطئ يتطرق السقوط إليه، كأن تفسخ النكاح بعيبه، أما على أن المراد به اللزوم، فلا يصح جعله تمثيلا له، لأنه لازم بالعقد (قوله: لا بما سيجب) أي لا يصح الضمان بما سيجب .. ويستثنى من ذلك: ضمان درك المبيع، أو الثمن، وهو أن يضمن للمشتري الثمن إن خرج المبيع مستحقا، أو معيبا ورد.
ويضمن للبائع المبيع إن خرج الثمن كذلك.
وإضافة ضمان الدرك: لأدنى ملابسة، لأن المضمون في الصورة الأولى: الثمن عند إدراك المستحق للمبيع، وفي الصورة الثانية: عند إدراك المستحق للثمن، فظهر من ذلك أن الدرك: اسم مصدر، بمعنى الإدراك، وفسره بعضهم: بالعهد والتبعة، فكأنه قال: يضمن له عهدة الثمن أو المبيع والتبعة به، أي المطالبة به، ولذلك يسمى ضمان العهدة أيضا.
ولا يصح الضمان المذكور إلا بعد قبض المضمون، لأنه إنما يضمن: ما دخل في ضمان البائع أو المشتري.
(قوله: كدين قرض) أي سيقع، وكان الأولى التقييد به، كما في فتح الجواد، وعبارته: لا بما سيجب، كدين قرض أو بيع سيقع - اه.
وذلك كأن قال أقرض هذا مائة وأنا ضامنها، فلا يصح ضمانه، لأنه غير ثابت.
وقد تقدم للشارح، في فصل القرض، ذكر هذه المسألة، وأنه يكون ضامنا فيها، وعبارته هناك: ولو قال أقرض هذا مائة وأنا لها ضامن، فأقرضه المائة، أو بعضها، كان ضامنا، على الأوجه.
اه.
وحينئذ فيكون ما هنا، من عدم صحة الضمان، منافيا لما مر عنه، من أن الأجوه: الضمان إلا أن يقال إنه هناك جرى على قول، وهنا على قول، وتقدم عن شرح البهجة في الكتابة التي على قوله كان ضامنا على الأوجه: أنه وقع للماوردي نظير ما وقع لشارحنا من أنه صحح الضمان هناك، ولم يصححه في باب الضمان، وأنه حمل ما قاله هناك على أنه مفرع على القول القديم، وما قاله هنا على القول الجديد، الذي صححه الشيخان فارجع إليه إن شئت.
(قوله: ونفقة غد للزوجة) عبارة الروض وشرحه: وكذا نفقة ما بعد اليوم للزوجة وخادمها، وإن جرى سبب وجوبها، لأنه توثقة، فلا يتقدم ثبوت الحق كالشهادة.
اه.
(قوله: ولا بنفقة القريب الخ) معطوف على لا بما سيجب: أي ولا يصح الضمان بنفقة القريب مطلقا، أي سواء كانت ماضية، أو مستقبلة، وذلك لأن سبيلها البر والصلة، لا الديون.
وفي البجيرمي: لأنها مجهولة، ولسقوطها بمضي الزمان، وهذا ما رجحه الأذرعي، وجزم به ابن المقري.
ز ي.
اه.
(قوله: ولا يشترط رضا الدائن) أي لا يشترط في صحة الضمان رضا الدائن: أي ولا قبوله، وهذا هو الأصح.
وقيل يشترط الرضا، ثم القبول لفظا، وذلك لأن الضمان محض التزام، لم يوضع على قواعد المعاقدات.
(وقوله: والمدين) أي ولا يشترط رضا المدين، وهذا بالإتفاق، لجواز أداء الدين من غير إذنه، فالتزامه أولى (قوله: وصح ضمان الرقيق) أي المكاتب وغيره.
(وقوله: بإذن سيده) وذلك لأن الضمان إثبات مال
في الذمة بعقد، وهو لا يصح من غير إذن.
قال في التحفة: وإنما صح خلع أمة بمال في ذمتها بلا إذن، لأنها قد تضطر إليه لنحو سوء عشرته.
اه.
وإذا ضمن بالإذن، فإن عين السيد للأداء جهة يقضي منها الدين: عمل بتعيينه، وإن لم يعين له جهة، بأن اقتصر له على الإذن بالضمان، تعلق الغرم بما يكسبه، وبما في يده من أموال التجارة، إن كان مأذونا له فيها، فإن لم يكن مأذونا له فيها: تعلق بما يكسبه فقط بعد الإذن.
(قوله: وتصح منه) أي من المكلف الرشيد، (وقوله: كفالة بعين) أي التزام ردها إلى مالكها.
(واعلم) أن الكفالة ترادف الضمان لغة وشرعا، كما عرفت، وتغايره عرفا: إذ هو خص الضمان بالمال مطلقا، عينا كان أو دينا، والكفالة بالبدن.
(وقوله: مضمونة) أي ضمان يد، كالمغصوب، والمستام، أو ضمان عقد.
وخرج به:
بإحضار مكفول، شخصا كان أو عينا، إلى المكفول له، وإن لم يطالبه، وبحضوره عن جهة الكفيل بلا حائل: كمتغلب بالمكان الذي شرط في الكفالة الاحضار إليه، وإلا فحيث وقعت الكفالة فيه.
فإن غاب لزمه إحضاره، إن عرف محله، وأمن الطريق، وإلا فلا.
ولا يطالب كفيل بمال، وإن فات التسليم بموت أو غيره.
فلو شرط أنه
ــ
غير المضمونة، كالوديعة، والرهن، فلا تصح الكفالة بهما.
(قوله: وببدن الخ) معطوف على بعين: أي وتصح منه كفالة بإحضار بدن من يستحق حضوره في مجلس الحكم: أي لأجل حق الآدمي مطلقا، ما لا كان، أو عقوبة: كقصاص، وحد قذف، أو حق لله تعالى مالي: كزكاة، وكفارة.
بخلاف غيره.
كحدود الله تعالى، وتعازيره: كحد خمر، وزنا، وسرقة.
لأنا مأمورون بسترها، والسعي في إسقاطها ما أمكن.
(وقوله: بإذنه) متعلق بتصح، أو بكفالة المقدرين، أي إنما تصح كفالة بدن من ذكر: بإذنه، وإلا لفات مقصود الكفالة من إحضاره، لأنه لا يلزمه الحضور مع الكفيل من غير إذن، ويعتبر إذن المكفول بنفسه إن كان ممن يعتبر إذنه ولو سفيها وبوليه إن كان صبيا، أو مجنونا، أو وارثه إن كان ميتا، ليشهدوا على صورته، وكان الشاهد تحمل الشهادة عليه كذلك، ولم يعرف نسبه واسمه، فإن عرفهما: لم يحتج إليها.
ومحل ذلك قبل إدلائه في هواء القبر، وإلا فلا تصح الكفالة، لأن في إخراجه بعد ذلك إزراء به.
وعلم تقرر أن من مات، ولم يأذن في كفالته، ولا وارث له، لا تصح كفالته.
(قوله: ويبرأ الكفيل بإحضار مكفول) من إضافة المصدر إلى مفعوله بعد حذف الفاعل: أي ويبرأ الكفيل بإحضاره بنفسه أو وكيله المكفول، وإن لم يقل عن الكفالة.
وكما يبرأ بذلك: يبرأ بإبراء المكفول له.
(وقوله: شخصا كان) أي المكفول، أو عينا: فهو تعميم في المكفول.
(وقوله: إلى المكفول له) متعلق بإحضار، أي أو وارثه.
(وقوله: وإن لم يطالبه) الضمير المستتر يعود على المكفول له، والبارز يعود على الكفيل.
(قوله: وبحضوره) أي المكفول.
وهو معطوف على بإحضار: أي ويبرأ الكفيل بحضور المكفول.
والمراد به هنا خصوص البدن، إذ لا يتصور حضور العين بنفسها إلا إن كانت حيوانا.
ويشترط فيه أن يكون بالغا عاقلا، فلا يكفي
حضور الصبي والمجنون.
(وقوله: عن جهة الكفيل) أي مع إتيانه بلفظ يدل عليه، وذلك بأن يقول: حضرت أو سلمت نفسي عن جهة الكفيل: فلا يكفي مجرد حضوره من غير أن يقول ما تقدم، كما في التحفة، ونصها: وظاهر كلامهم اشتراط اللفظ هنا، أي فيما إذا حضر بنفسه، لا فيما قبله، أي فيما إذا حضره الكفيل.
ويفرق بأن مجئ هذا وحده: لا قرينة فيه، فاشترط لفظ يدل، بخلاف مجئ الكفيل به، فلا يحتاج إلى لفظ.
ونظيره أن التخلية في القبض: لا بد فيها من لفظ يدل عليها، بخلاف الوضع بين يدي المشتري، كما مر، نعم: إن أحضره بغير محل التسليم، فلا بد من لفظ يدل على قبوله له حينئذ، فيما يظهر، اه.
(قوله: بلا حائل) متعلق بكل من إحضار وحضور: أي يشترط لبراءة الكفيل بإحضار المكفول أو حضوره بنفسه: أن لا يكون هناك حائل بينه وبين المكفول له، فإن كان هناك حائل، كمتغلب يمنعه من تسلمه، فلا يبرأ، لعدم حصول المقصود.
قال في التحفة: نعم، إن قبل مختارا: برئ.
اه.
فقوله كمتغلب: أي ظالم، تمثيل للحائل (قوله: بالمكان) متعلق أيضا بكل من إحضار وحضور: أي ويبرأ الكفيل بإحضاره المكفول، أو حضوره بنفسه إلى المكان المذكور.
فإن أحضره، أو حضر بنفسه في غيره: لم يلزم المستحق القبول، إن كان له غرض في الإمتناع، وإلا فالظاهر، كما قاله الشيخان، لزوم القبول، فإن امتنع: رفعه إلى الحاكم يقبض عنه، فإن فقد: أشهد شاهدين أنه سلمه (قوله: وإلا فحيث وقعت الكفالة فيه) أي وإن لم يشترط مكان: فيعتبر المكان الذي وقعت الكفالة فيه، لكن إن صلح فإن خرج عن الصلاحية: تعين أقرب مكان صالح على ما هو قياس السلم أفاده سم.
(قوله: فإن غاب) أي المكفول من بدن أو عين.
(وقوله: لزمه) أي الكفيل إحضاره أو ولو من دار الحرب، ومن فوق مسافة القصر، ولو في بحر غلبت السلامة فيه، فيما يظهر، وما يغرمه الكفيل من مؤنة السفر في هذه الحالة: في مال نفسه ولو كان المكفول ببدنه يحتاج لمؤن السفر ولا شئ معه: اتجه أن يأتي فيه ما لو كان المكفول محبوسا بحق.
وقد ذكر صاحب البيان، وغيره، فيه: أنه، أي الكفيل، يلزمه قضاؤه، أي الدين، أي فيقال هنا يلزمه مؤن السفر، ثم إنه يمهل مدة ذهاب وإياب عادة، فإن مضت المدة المذكورة ولم يحضره: حبس ما لم يؤد الدين لأنه مقصر.
(وقوله: إن عرف محله وأمن
يغرم المال، ولو مع قوله إن فات التسليم للمكفول، لم تصح.
وصيغة الالتزام فيهما: كضمنت دينك على فلان، أو تحملته، أو تكفلت ببدنه، أو أنا بالمال، أو بإحضار الشخص ضامن، أو كفيل.
ولو قال أوءدي المال، أو أحضر الشخص، فهو وعد بالتزام، كما هو صريح الصيغة، نعم: إن حفت به قرينة تصرفه إلى الانشاء: انعقد به، كما بحثه ابن الرفعة، واعتمده السبكي، ولا يصحان بشرط براءة أصيل، ولا بتعلق وتوقيت.
وللمستحق مطالبة الضامن والاصيل.
ولو برئ: برئ الضامن.
ولا عكس في الابراء، دون الاداء، ولو مات
ــ
الطريق) أي ولم يكن ثم من يمنعه منه عادة (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يعرف المحل بأن جهله، ولم يأمن الطريق.
فلا يلزمه إحضاره.
قال في النهاية: ويقبل قوله في جهله ذلك بيمينه.
اه.
ولا يكلف السفر إلى الناحية التي علم ذهابه إليها، وجهل خصوص القرية التي هو بها ليبحث عن الموضع الذي هو به.
اه.
ع ش (قوله: ولا يطالب كفيل بمال)
أي ولا يطالب الكفيل بإحضار البدن أو العين إذا تلف كل منهما بمال، وذلك لأنه إنما التزم حضور ما ذكر، ولم يلتزم المال، فإذا فات ما التزمه: لا شئ عليه.
(قوله: وإن فات التسليم) أي من المكفول.
وقوله بموت: الباء سببية، متعلقة بفات.
أي فات بسبب موته.
(قوله: أو غيره) أي الموت، كهرب، أو توار ولم يدر محله (قوله: فلو شرط أنه يغرم المال) أي كقوله: كفلت بدنه بشرط الغرم، أو على أني أغرم، أو نحوه.
قال البجيرمي: وليس من الشرط ما لو قال كفلت بدنه، فإن مات فعلي ضمان المال، فتصح الكفالة، وهذا وعد لا يلزم الوفاء به.
اه.
(قوله: لم تصح) أي الكفالة، لأن ذلك خلاف مقتضاه، وهو عدم غرم الكفيل المال.
(قوله: وصيغة الإلتزام) شروع في بيان الصيغة التي هي أحد أركان الضمان.
(وقوله: فيهما) أي في الضمان والكفالة (قوله: كضمنت دينك الخ) أشار به إلى أن شرط الصيغة لهما لفظ يشعر بالتزام، ويقوم مقامه الكتابة مع النية، وإشارة أخرس (قوله: ولو قال أؤدي الخ) أي لو أتى بصيغة لا تشعر بالتزام: لا ينعقد الضمان (قوله: فهو وعد بالتزام) أي قوله المذكور وعد بالتزام، ولا يدل على التزام: أي والوعد لا يجب الوفاء به.
(وقوله: كما هو صريح الصيغة) يعني أن الصيغة المذكورة، وهي أؤدي الخ، صريحة في الوعد وعدم الإلتزام (قوله: نعم، إن حفت به) أي أحاطت به، أي بقوله ؤدي الخ، قرينة: كأن رأى صاحب الحق يريد حبس المديون، فقال الضامن أنا أؤدي المال، فذلك قرينة على أنه يريد أنا ضامنه، ولا تتعرض له.
ع ش.
(وقوله: تصرفه) أي القول المذكور.
(وقوله: إلى الإنشاء) أي إلى إنشاء عقد الإلتزام (قوله: انعقد) أي الضمان به (قوله: كما بحثه ابن الرفعة، واعتمده السبكي) قال في التحفة بعده: وبحث الأذرعي أن العامي إذا قال قصدت به التزام ضمان أو كفالة: لزمه، وهو أوجه مما قبله، ويؤيده ما يأتي: أنه لو قال داري لزيد، كان لغوا، إلا إن قصد بالإضافة كونها معروفة به مثلا، فيكون إقراره.
وقد يقال البحثان متقاربان، فإن الظاهر أن ابن الرفعة لا يريد أن القرينة تلحقه بالصريح، بل تجعله كناية، فحينئذ إن نوى: لزمه، وإلا فلا، لكنه يشترط شيئين: القرينة، والنية من العامي وغيره.
والأذرعي لا يشترط إلا النية من العامي، ويحتمل في غيره أن يوافق ابن الرفعة، وأن يأخذ بإطلاقهم أنه لغو.
اه.
(قوله: ولا يصحان) أي الضمان والكفالة.
(وقوله: بشرط براءة أصيل) هو المدين الذي عليه الحق، وذلك لمنافاته مقتضاهما.
قال ع ش: هو ظاهر في الضمان، ويصور في الكفالة بإبراء كفيل الكفيل بأن يقول: تكفلت بإحضار من عليه الدين على أن من تكفل به قبل برئ.
اه.
وفي كون هذا يسمى أصيلا نظر، إلا أن يقال إنه أصيل بالنسبة للثاني، فتأمل.
وقال بعضهم: المراد بالأصيل في الكفالة: المكفول.
اه.
بجيرمي.
(قوله: ولا بتعليق) أي ولا يصحان بتعليق نحو: إذا جاء الغد فقد ضمنت ما على
فلان، أو كفلت بدنه.
وتوقيت: أي ولا بتوقيت: نحو أنا ضامن ما على فلان، أو كفيل ببدنه إلى شهر، فإذا مضى: برئت، وإنما لم يصحا بما ذكر، لأنهما عقدان، كالبيع، وهو لا يدخله تعليق ولا تأقيت، فكذلك هما (قوله: وللمستحق الخ) هذا ثمرة الضمان وفائدته، والمستحق شامل للمضمون له ووارثه.
(وقوله: مطالبة الضامن والأصيل) بأن يطالبهما جميعا، أو يطالب أيهما شاء بالجميع، أو يطالب أحدهما ببعضه، والآخر بباقيه.
أما الضامن: فللخبر السابق (الزعيم غارم)، وأما الأصيل: فلأن الدين باق عليه.
قال في التحفة: ولا محذور في مطالبتهما، وإنما المحذور: في تغريهما
أحدهما والدين مؤجل: حل عليه.
ولضامن رجوع على أصيل، إن غرم.
ولو صالح عن الدين بما دونه: لم يرجع إلا بما غرم ولو أدى دين غيره بإذن: رجع، وإن لم يشرط له الرجوع، لا إن أداه بقصد التبرع.
(فرع) أفتى جمع محققون بأنه لو قال رجلان لآخر: ضمنا مالك على فلان: طالب كلا بجميع الدين.
وقال جمع متقدمون: طالب كلا بنصف الدين، ومال إليه الاذرعي.
قال شيخنا: إنما تقسط الضمان في:
ــ
معا كل الدين، والتحقيق أن الذمتين إنما اشتغلنا بدين واحد كالرهنين بدين واحد، فهو كفرض الكفاية: يتعلق بالكل، ويسقط بفعل البعض.
فالتعدد فيه: ليس في ذاته، بل بحسب ذاتيهما.
ومن ثم: حل على أحدهما، فقط، وتأجل في حق أحدهما فقط.
ولو أفلس الأصيل فطلب الضامن بيع ماله أو لا: أجيب، إن ضمن بإذنه، وإلا فلا، لأنه موطن نفسه على عدم الرجوع.
اه.
(قوله: ولو برئ) أي الأصيل بأداء أو إبراء أو حوالة.
(وقوله: برئ الضامن) أي لسقوط الحق.
(قوله: ولا عكس في الإبراء) أي لو برئ الضمان بإبراء المستحق له لم يبرأ الأصيل لأنه إسقاط للوثيقة، فلا يسقط به الدين.
قال في التحفة: وشمل كلامهم ما لو أبرأ الضامن من الدين، فيكون كإبرائه من الضمان، وهو متجه، خلافا للزركشي، وقوله إن الدين واحد تعدد محله فيبرأ الأصيل بذلك: يرده ما مر في التحقيق من التعدد الإعتباري، فهو على الضامن: غيره على الأصيل، باعتبار أن ذاك: عارض له اللزوم، وهذا: أصلي فيه، فلم يلزم من إبراء الضامن من العارض: إبراء الأصيل من الذاتي.
اه.
وقال سم: يمكن رد ما قاله الزركشي مع تسليم اتحاد الدين، لأن معنى أبرأتك من الدين: أسقطت تعلقه بك.
ولا يلزم من سقوط تعلقه به: سقوطه من أصله، وإنما سقط عن الضامن: بإبراء الأصيل، لأن تعلقه به تابع لتعلقه بالأصل، فإذا سقط الأصل: سقط تابعه.
اه.
(قوله: دون الأداء) أي بخلاف ما لو برئ الضامن بأداء الدين للمستحق، فإنه يبرأ الأصيل (قوله: ولو مات أحدهما) أي الضامن أو الأصيل (قوله: والدين مؤجل) أي والحال أن الدين مؤجل: أي عليهما بأجل واحد (قوله: حل عليه) أي على الميت منهما لوجود سبب الحلول في حقه، وأما الآخر الحي: فلا يحل عليه، لعدم وجوده في حقه، ولأنه ينتفع بالأجل.
وإذا مات الأصيل، وله تركة، فللضامن مطالبة المستحق، بأن يأخذ منها، أو يبرئه، لاحتمال تلفها، فلا يجد مرجعا إذا غرم.
وإذا مات الضامن وأخذ المستحق ماله من تركته: لا ترجع ورثته على الأصيل إلا بعد الحلول (قوله: ولضامن رجوع على أصيل إن غرم) محله
إذا كان الضمان والأداء بإذنه، وكان الأداء من ماله، فإن انتفى إذنه له فيهما، أو كان الأداء، لا من ماله، بل من سهم الغارمين، فلا رجوع، فإذا وجد الإذن في الضمان دون الأداء: رجع في الأصح، لأنه إذن في سبب الأداء، فإن وجد الإذن في الأداء، دون الضمان، فلا رجوع: إلا إن أدى بشرط الرجوع فيرجع (قوله: ولو صالح) أي الضامن (وقوله عن الدين بما دونه) أي كأن صالح عن مائة بما دونها (قوله: لم يرجع) أي على الأصيل.
(وقوله: إلا بما غرم) أي وهو القدر الذي صولح به، وذلك لأنه هو الذي بذله.
وفي التحفة: قال شارح التعجيز: والقدر الذي سومح به يبقى على الأصيل، إلا أن يقصد الدائن مسامحته به أيضا.
اه.
وفيه نظر ظاهر، لأنه لم يسامح هنا بقدر، وإنما أخذه بدلا عن الكل، فالوجه: إبراء الأصيل منه أيضا.
اه.
(قوله: ولو أدى دين غيره بإذن) أي بإذن ذلك الغير في الأداء.
وخرج به: ما إذا لم يأذن له في ذلك، فلا رجوع مطلقا، لأنه متبرع (قوله: رجع) أي المؤدي على المؤدى عنه (قوله: وإن لم يشرط له الرجوع) غاية للرجوع: أي يرجع، وإن لم يشرط الآذن الرجوع عليه إذا أدى.
وهو للرد على القول الضعيف، بأنه لا يرجع، معللا له بأن الإذن لا يقتضي الرجوع، وهذا لا ينافي ما مر آنفا، من أنه إذا وجد الإذن في الأداء دون الضمان، فلا رجوع، إلا أن يشرط الرجوع، لأن هنا وجد ضمان بلا إذن، فلما وجد هناك سبب آخر للأداء غير الإذن فيه وهو كون الأداء عن جهة الضمان الذي بلا إذن اعتبر شرط الرجوع (قوله: إلا إن أداه بقصد التبرع) أي لا يرجع إن أداه بقصد التبرع، ويعرف بإقراره: سواء شرط له الآذن الرجوع عليه أم لا.
(قوله: طالب كلا بجميع الدين) أي كرهنا عبدنا بألف: يكون نصف كل رهنا بجميع الألف.
(وقوله: وقال جمع متقدمون طالب كلا بنصف الدين) أي كاشترينا هذا بألف.
واعتمد في التحفة: الأول، قال: والقياس على الرهن واضح، وعلى البيع غير واضح، لتعذر شراء كل بألف، فتعين
متاعك في البحر وأنا وركاب السفينة ضامنون، لانه ليس ضمانا حقيقة، بل استدعاء إتلاف مال لمصلحة فاقتضت التوزيع، لئلا ينفر الناس عنها.
(واعلم) أن الصلح جائز مع الاقرار، وهو على شئ غير المدعي معاوضة - كما لو قال: صالحتك عما
ــ
تنصيفه بينهما، ثم قال رأيت شيخنا اعتمد ما اعتمدته، قال: وبه أفتيت، وعلله بأن الضمان وثيقه لا تقصد فيه التجزئة، واعتمد في النهاية الثاني.
قال: وبه أفتى الوالد رحمه الله تعالى، لأنه اليقين، وشغل ذمة كل واحد بالزوائد مشكوك فيه.
وبذلك أفتى البدر بن شهبة عند دعوى أحد الضامنين ذلك وحلفهما عليه، لأن اللفظ ظاهر فيه، وبالتبعيض قطع الشيخ أبو حامد.
وفي سم: قال شيخنا الشهاب الرملي، المعتمد في مسألة الضمان: أن كلا ضامن للنصف فقط، وفي مسألة الرهن: أن نصف كل رهن: بالنصف، فالقياس على الرهن: قياس ضعيف على ضعيف.
اه.
(قوله: قال شيخنا إلخ) أتى به في التحفة جوابا عما يرد على معتمده من عدم التقسيط فيما لو قالا: ضمنا مالك على فلان.
وحاصل الجواب أن
هذا لا يرد على المسألة المذكورة، لأنه ليس ضمانا حقيقة، والكلام فيما هو ضمان حقيقة (قوله: لأنه ليس ضمانا حقيقة) أي لأنه على ما لم يجب، والضمان حقيقة أن يكون على ما وجب (قوله: بل استدعاء إتلاف مال) أي طلب ذلك.
وقوله لمصلحة: هي السلامة (قوله: فاقتضت) أي المصلحة.
(وقوله: التوزيع) أي تقسيط الضمان على الكل.
(وقوله: عنها) أي عن المصلحة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(قوله: واعلم أن الصلح الخ) شروع في بيان أحكام الصلح: من صحته مع الإقرار، ومن جريان حكم البيع عليه، وهو لغة: قطع النزاع.
وشرعا: عقد يحصل به ذلك.
وهو أنواع: صلح بين المسلمين والكفار، وعقدوا له باب الهدنة، والجزية، والأمان، وصلح بين الإمام والبغاة، وعقدوا له باب البغاة، وصلح بين الزوجين عند الشقاق، وعقدوا له باب القسم والنشوز، وصلح في المعاملات، وعقدوا له هذا الباب.
والأصل فيه قوله تعالى: * (والصلح خير) * لأنه إن كان المراد به مطلق الصلح، كما يدل عليه الإتيان بالإسم الظاهر، دون الضمير، فالأمر ظاهر.
وإن كان المراد الصلح بين الزوجين، كما يدل عليه السياق، فغيره بالقياس عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا وإنما خص المسلمين، مع جوازه بين الكفار أيضا، لانقيادهم للأحكام غالبا.
وشرط صحة الصلح: سبق خصومة بين المتداعيين، فلو قال: صالحني من دارك مثلا بكذا، من غير سبق خصومة، فأجابه: فهو باطل، على الأصح، لأن لفظ الصلح: يستدعي سبق الخصومة، سواء كانت عند حاكم أم لا.
ولفظه يتعدى للمأخوذ: بالباء أو على، وللمتروك: بمن أو عن.
وقد نظم بعضهم هذه القاعدة بقوله: في الصلح للمأخوذ باء وعلى والترك من وعن كثير إذا جعلا ونظمها بعضهم أيضا بقوله: بالباء أو على يعدى الصلح لما أخذته فهذا نصح ومن وعن أيضا لما قد تركافي أغلب الأحوال ذا قد سلكا فإذا قال صالحتك من الدار، أو عنها، بألف، أو عليه: فالدار متروكة، لدخول من، أو عن، عليها، والألف مأخوذة لدخول الباء، أو على، عليه.
وقد يعكس الأمر على خلاف الغالب.
(وقوله: جائز مع الإقرار) أي صحيح معه.
ولو أنكر بعده فإذا أقر ثم أنكر: جاز الصلح، بخلاف ما لو أنكر فصولح، ثم أقر فإن الصلح باطل، فإن صولح ثانيا بعد الإقرار: كان صحيحا.
ومثل الإقرار إقامة البينة واليمين المردودة، لأن لزوم الحق بالبينة، كلزومه بالإقرار.
واليمين
المردودة: بمنزلة الإقرار، أو البينة.
وليس من الإقرار: صالحني عما تدعيه بكذا، لأنه قدير يريد به قطع الخصومة (قوله: وهو على شئ غير المدعي الخ) يعني أن الصلح غير المدعي، بأن يكون المدعى دراهم، فصولح على ثوب، يكون
(1) سورة النساء، الاية:128.
تدعيه على هذا الثوب، فله حكم البيع، وعلى بعض المدعى إبراء إن كان دينا، فلو لم يقل المدعي أبرأت ذمتك: لم يضر، ويلغى الصلح حيث لا حجة للمدعي مع الانكار، أو السكوت من المدعى عليه، فلا يصح
ــ
بيعا (واعلم) أن الصلح إما أن يكون عن عين، وإما أن يكون عن دين.
وكل منهما: إما أن يجري من المدعى به على غيره، ويسمى صلح المعاوضة، أو على بعضه، ويسمى صلح الحطيطة، فالأقسام أربعة.
واقتصر المؤلف على القسم الأول من قسمي العين، وترك الثاني، وهو الصلح منها على بعضها، وذكر الثاني من قسمي الدين، وترك الأول، وهو الصلح منه على غيره، ثم إنه إما أن يجري بين متداعبين، وهو ما ذكره المؤلف، وإما أن يجري بين مدع وأجنبي، وهذا لم يذكره.
وحاصله أن الأجنبي إن صالح عن عين للمدعى عليه، فإن لم يكن وكيلا عنه لم يصح صلحه، لأنه فضولي.
وإن كان وكيلا عنه، فإن صرح بالوكالة، بأن قال: وكلني في الصلح معك وهو مقر لك بها، أو وهي لك، صح، ووقع للموكل، فإن لم يصرح بالوكالة، أو قال وهو مبطل في إنكاره، أو لم يزد على قوله وكلني الغريم في الصلح معك: لم يصح.
وإن صالح عنها لنفسه بعين ماله، أو بدين في ذمته، فإن قال وهو مقر لك، أو وهي لك: صح له، وإن قال وهو مبطل لك فشراء شئ مغصوب، فإن قدر، ولو في ظنه، على انتزاعه ممن هو تحت يده: صح، وإلا فلا.
وإن قال وهو محق أو لا أعلم حاله أو لم يزد على قوله صالحني بكذا: لغا الصلح، هذا كله إن صالح عن عين، فإن عن دين بغير دين بغير دين ثابت من قبل، فإن قال هو مقر لك، أو وهو لك، وهو مبطل في إنكاره: صح للمدعى عليه فيما إذا صالح له، أو لنفسه فيما إذا صالح لها.
فإن صالح عنه بدين ثابت من قبل الصلح: لم يصح (قوله: فله حكم البيع) وهو مفرد مضاف، فيعم، فكأنه قال: فله أحكام البيع، أي من الشفعة، والرد بالعيب، وخيار المجلس والشرط، ومنع التصرف قبل القبض، وإنما جرت عليه أحكام البيع، لأن الصلح المذكور بيع للعين المدعاة من المدعي للمدعى عليه بلفظ الصلح.
(قوله: وعلى بعض المدعي الخ) معطوف على شئ غير المدعي: أي وهو على بعض المدعي إبراء: أي كصالحتك عن الألف التي لي عليك على خمسمائة.
(وقوله: إن كان) أي المدعى به دينا، فإن كان عينا وجرى الصلح على بعضها، فهبة منها للباقي لذي اليد، فتثبت فيه أحكامها، من إذن في قبض، ومضى إمكانه، فيصح بلفظ الصلح: كصالحتك من الدار على بعضها، كما يصح بلفظ الهبة، بأن يقول وهبتك نصفها، وصالحتك على نصفها.
ولا يصح بلفظ البيع: بأن يقول بعتك نصفها، وصالحتك على نصفها - لعدم الثمن - لأن العين كلها ملك المقر له، فإذا باعها
ببعضها: فقد باع ملكه بملكه، والشئ ببعضه - وهو محال - (قوله: فلو لم يقل المدعي أبرأت ذمتك لم يضر) أي لا يشترط في الصلح المذكور أن يكون بلفظ الإبراء، بل يصح بلفظ الصلح، كالصيغة المتقدمة، ولفظ الإبراء والإسقاط ونحوهما: كالحط والوضع.
ثم إنه لا يفتقر إلى القبول إلا إن جرى بلفظ الصلح، كصالحتك على نصفه.
فيفتقر إليه، لأن اللفظ يقتضيه، ورعاية اللفظ في العقود: أكثر من رعاية معناها.
(قوله: ويلغو الصلح الخ) أي كأن أدعى عليه دارا فأنكر أو سكت، ثم تصالحا على بعضها أو غيرها، فالصلح باطل، لأنه على إنكار أو سكوت.
وهذا محترز قوله المار مع الإقرار.
وقد يصح الصلح مع عدم الإقرار في مسائل، منها اصطلاح الورثة فيما وقف بينهم، كما إذا مات الميت عن ابن وولد خنثى مسألة الذكورة من اثنين ومسألة الأنوثة من ثلاثة والجامعة ستة فيعطى الابن ثلاثة والخنثى اثنين، ويوقف واحد إلى الإتضاح، أو الصلح: كأن يصطلحا على أن يكون لكل منهما نصف القيراط.
ومنها ما لو أسلم الزوج على أكثر من أربع، ومات قبل الإختيار، فيوقف الميراث بينهن حتى يصطلحن، وكذا إذا طلق إحدى زوجتيه، ومات قبل البيان فيما إذا كانت معينة في نيته، أو قبل التعيين فيما إذا كانت مبهمة عنده.
ومنها ما لو تداعيا وديعة عند آخر، فقال لا أعلم لأيكما هي؟ فيصطلحان على أنها بينهما على تفاضل أو تساو.
(قوله: حيث لا حجة للمدعي) الظرف متعلق بيلغو: أي يلغو حيث لا حجة موجودة للمدعي.
أما إذا كانت له حجة، وهي البينة من شاهدين، أو رجل وامرأتين، أو يمين وشاهد، فيصح، لكن بعد تعديلها، وإن لم يحكم بالملك على الأوجه.
وقال سم: وصورة المسألة أنه أقام البينة ثم صالح.
ويبقى ما لو صالح ثم أقامها.
وفي شرح العباب: ولو أقيمت بينة بعد الصلح على الإنكار بأنه ملك وقته، فهل يلحق بالإقرار؟ قال الجوهري: يلحق به، بل أولى، لأنه يمكن الطعن فيها، لا فيه.
اه.
(قوله: فلا يصح الصلح الخ) هو
الصلح على الانكار، وإن فرض صدق المدعي، خلافا للائمة الثلاثة.
نعم، يجوز للمدعي المحق أن يأخذ ما بذل له في الصلح على الانكار، ثم إن وقع بغير مدعى به كان ظافرا وسيأتي حكم الظفر.
(فرع) يحرم على كل أحد غرس شجر في شارع، ولو لعموم النفع للمسلمين، كبناء دكة، وإن لم يضر فيه، ولو لذلك أيضا، وإن انتفى الضرر حالا، أو كانت الدكة بفناء داره.
ويحل الغرس بالمسجد للمسلمين أو ليصرف ريعه بل يكره.
ــ
عين قوله ويلغو الصلح، فكان الأولى أن يقتصر على الغاية وما بعدها.
(وقوله: على الإنكار) أي أو السكوت (قوله: وإن فرض صدق المدعى) غاية في بطلان الصلح (قوله: خلافا للأئمة الثلاثة) أي في قولهم: إن الصلح لا يبطل مع ذلك (قوله: نعم.
يجوز للمدعي المحق أن يأخذ ما بذل الخ) عبارة شرح الروض: وإذا كان على الإنكار، وكان المدعي محقا، فيحل له فيما بينه وبين الله أن يأخذ ما بذل له.
قاله الماوردي.
وهو صحيح في صلح الحطيطة.
وفيه فرض كلامه - فإذا صالح على غير المدعي، ففيه ما يأتي في مسألة الظفر.
قاله الأسنوي.
اه (قوله: وسيأتي حكم الظفر) أي في باب الدعوى والبينات، وعبارته هناك: وله - أي للشخص - بلا خوف فتنة عليه أو على غيره: أخذ ماله، استقلالا
للضرورة من مال مدين له مقر مماطل به، أو جاحد له، أو متوار، أو متعزز، وإن كان على الجاحد بينة، أو رجا إقراره لو رفعه للقاضي، لاذنه صلى الله عليه وسلم لهند لما شكت إليه شح أبي سفيان أن تأخذ ما يكفيها وولده بالمعروف، ولأن في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة، وإنما يجوز له الأخذ من جنس حقه.
ثم عند تعذر جنسه يأخذ غيره، ويتعين في أخذ غير الجنس تقديم النقد على غيره.
ثم إن كان المأخوذ من جنس ماله: يتملكه، ويتصرف فيه بدلا عن حقه، فإن كان من غير جنسه: فيبيعه الظافر نفسه، أو مأذونه للغير، لا لنفسه، اتفاقا، ولا لمحجوره: لامتناع تولي الطرفين وللتهمة.
انتهت.
(قوله: فرع: يحرم على كل أحد إلخ) شروع في بيان الحقوق المشتركة، ومنع التزاحم عليها.
وقد أفرده الفقهاء بباب مستقل.
وحاصل الكلام على ذلك: أنه يحرم غرس الشجر في الشارع وإن انتفى الضرر وكان النفع لعموم المسلمين ويحل في المسجد مع الكراهة للمسلمين كأكلهم من ثماره، أو ليصرف ريعه في مصالح المسجد.
ويحرم بناء دكة مطلقا في الشارع، أو في المسجد، ولو انتفى الضرر بها، أو كانت بفناء داره.
وإنما حرم ذلك: لأنه قد تزدحم المارة، فيعطلون بذلك، لشغل المكان به، ولأنه إذا طالت المدة: أشبه موضعه الأملاك، وانقطع عنه أثر استحقاق الطروق.
(وقوله: غرس شجر) مثله كل ما يضر المار في مروره، كإخراج روشن، أو ساباط، أي سقيفة، على حائطين، والطريق بينهما.
فإن لم يتضرر المار به، بأن رفعه بحيث يمر تحته الشخص التام الطويل مع حمولة على رأسه، وبحيث يمر تحته المحمل على البعير إذا كانت الطريق ممر فرسان وقوافل: جاز ذلك.
هذا إذا كان ما ذكر في شارع، أي طريق نافذ، فإن كان في غيره، فلا يجوز إلا بإذن الشركاء فيه.
(وقوله: في شارع) هو مرادف للطريق النافد.
وأما الطريق لا بقيد النافذ، فهو أعم من الشارع عموما مطلقا.
ومادة الإجتماع الطريق النافذ.
وينفرد في طريق غير نافذ (قوله: كبناء دكة) الكاف للتنظير: أي نظير حرمة بناء دكه، وهي المسطبة العالية.
والمراد هنا: مطلق المسطبة.
قال في التحفة: ومثلها ما يجعل بالجدار المسمى بالكبش، إلا إن اضطر إليه لخلل بنائه.
ولم يضر المارة، لأن المشقة تجلب التيسير.
اه.
(قوله: وإن لم يضر) مفعوله محذوف: أي لم يضر ذلك البناء والمارة.
(وقوله: فيه) أي في الشارع، وهو متعلق بلفظ بناء (قوله: ولو لذلك) ولو كان البناء لذلك: أي لعموم النفع للمسلمين (قوله: وإن انتفى الضرر حالا) لم يظهر لهذه الغاية فائدة بعد الغاية الأولى.
أعني قوله: وإن لم يضر، فكان الأولى إسقاطها (قوله: ويحل الغرس بالمسجد الخ) وإنما امتنع في الشارع مطلقا، لكون توقع الضرر فيه أكثر.
ويجوز حفر البئر في الشارع، وفي المسجد، حيث لا ضرر، وكان بإذن الإمام وفي شرح الرملي: تقييد الجواز بكونه لعموم المسلمين، وإذن الإمام.
(وقوله: للمسلمين) أي لنفعهم كأكلهم من ثمارها.
(وقوله: أو ليصرف ريعه) أي ما غرس.
وقوله: له أي للمسجد أي لمصالح المسجد، كترميم، وإسراج (قوله: بل يكره) المناسب والأخصر أن يقول: مع الكراهة، كما عبرت به فيما مر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.