المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في الوصية - إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين - جـ ٣

[البكري الدمياطي]

الفصل: ‌باب في الوصية

‌باب في الوصية

هي لغة الايصال: من وصى الشئ بكذا وصله به، لان الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه.

وشرعا تبرع بحق مضاف لما بعد الموت.

وهي سنة مؤكدة إجماعا.

وإن كانت الصدقة بصحة فمرض أفضل، فينبغي أن لا

ــ

باب في الوصية

أي في بيان أحكامها.

وقدمها على الفرائض لأنه هو الأنسب، إذ الإنسان يوصي ثم يموت ثم تقسم تركته.

وأكثرهم أخرها عنها لأن قبولها وردها ومعرفة قدر الثلث ومن يكون وارثا متأخر عن الموت، ولأن الفرائض أقوى وأهم منها، إذ هي ثابتة بحكم الشرع لا تصرف للميت فيها، وهذه عارضة فقد توجد وقد لا توجد، والأصل فيها قبل الإجماع، قوله تعالى، في أربعة مواضع، * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * (1) وتقديمها على الدين للاهتمام بشأنها، ولأن النفس قد لا تسمح بها لكونها تبرعا، وإلا فهو مقدم عليها شرعا بعد مؤن التجهيز.

وأخبار، كخبر ابن ماجه: المحروم من حرم الوصية، من مات على وصية مات على سبيل وسنة وتقى وشهادة ومات مغفورا له وكالخبر الذي ساقه الشارح.

وكانت أول الإسلام واجبة بكل المال للوالدين والأقربين، لقوله تعالى: * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) * (2) ثم نسخ بوجوبها بآية المواريث، وبقي استحبابها في الثلث فأقل لغير الوارث، وإن قل المال وكثر العيال، قال الدميري، رأيت بخط ابن الصلاح أبي عمرو، أن من مات بغير وصية لا يتكلم في مدة البرزخ، وأن الأموات يتزاورون في قبورهم سواه، فيقول بعضهم لبعض، ما بال هذا؟ فيقال مات من غير وصية اه.

قال ع ش: ويمكن حمل ذلك على ما إذا مات من غير وصية واجبة، بأن نذرها، أو خرج مخرج الزجر.

اه.

وأركانها أربعة: موص، وموصى له، وموصى به، وصيغة.

وكلها بشرائطها تعلم من كلامه (قوله: هي لغة الإيصال) أي أنه الوصية في اللغة معناها الإيصال (قوله: من وصى) أي أن الوصية مأخوذة من وصى، وهو بالتخفيف، كوعى، ومن قرأه بالتشديد فقد صحفه (قوله: لأن الموصي الخ) كان الأنسب تأخيره عن المعنى الشرعي، لأنه توجيه لتسميته وصية.

اه.

بجيرمي (قوله: وصل خير دنياه بخير عقباه) الإضافة فيهما على معنى في: أي وصل الخير المنجز الواقع منه في الدنيا، وهو الطاعات الواقعة منه حال حياته التي من جملتها الإتيان بصيغة الوصية بالخير الواقع في آخرته المسبب عما قبله في حال حياته، فإذا قال أوصيت له بكذا، أو أوصيت بعتق هذا العبد، فهذا خير واقع منه في دنياه، وإعطاء الموصى له الوصية بعد الموت أو إعتاق الوارث بعده خير عقباه، لا يقال القربة الصادرة من الموصي ليست إلا الوصية وهي في حياته، والواقع بعد موته إنما هو أثر ذلك، وهو وصول الموصي به للموصى له أو إعتاق العبد، وهذا الأثر ليس فعل الموصي، لأنا نقول إنما نسب ذلك إليه لتسببه فيه، كما أشرنا إليه، فقد حصل له بإيصائه خير بعد موته، وصدر

منه في حياته خير، وقد وصل أحدهما بالآخر، ويحتمل أن المراد أنه وصل خير دنياه، أي تمتعه في الدنيا بالمال، بخير عقباه، أي انتفاعه بالثواب الحاصل بالوصية بالمال، وعلى كل، ففي العبارة قلب، والأصل وصل خير عقباه بخير دنياه، لأن الوصلة تقع بعده فالذي يوصل هو المتأخر، وقد يقال لا حاجة لذلك لأن الإيصال أمر نسبي، فكل منهما متصل بالآخر.

اه.

ش ق (قوله: وشرعا) عطف على لغة (قوله: مضاف) بالرفع صفة لتبرع، وبالجر صفة لحق، وهو

(1) سورة النساء، الاية:11.

(2)

سورة البقرة، الاية: 180

ص: 234

يغفل عنها ساعة: كما صرح به الخبر الصحيح ما حق أمرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه أي ما الحزم أو المعروف شرعا إلا ذلك، لان الانسان لا يدري متى يفجؤه الموت.

وتكره الزيادة على الثلث إن لم يقصد حرمان ورثته، وإلا حرمت (تصح وصية مكلف حر) مختار عند، الوصية،

ــ

الأولى، لأن التبرع في الحال، والحق إنما يعطى للموصى له بعد الموت، فهو المضاف لما بعد الموت، لا التبرع، ثم إن إضافته لما بعد الموت: إما حقيقة: كأعطوه كذا بعد موتي، أو تقديرا: كأوصيت له بكذا، فكأنه قال: بعد موتي، لأن الوصية لا تكون إلا بعد الموت.

وزاد شيخ الإسلام وغيره في التعريف: ليس بتدبير ولا تعليق عتق بصفة، لأن كلا منهما ليس بوصية وإن التحقا بها حكما من حيث الاعتبار من الثلث بدليل أنهما لا يتوقفان على القبول، ولا يقبلان الرجوع بالقول، وإن قبلا الرجوع بالفعل، كبيع ونحوه ولو كانا من قبيل الوصية لصح الرجوع عنهما بالقول (قوله: وهي سنة مؤكدة إجماعا) وقد تباح، كالوصية للأغنياء وللكافر والوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات، وعليه حمل قول الرافعي إنها ليست عقد قربة.

وقد تجب، كما إذا نذرها، أو ترتب على تركها ضياع حق عليه أو عنده.

وقد تحرم كما إذا غلب على ظنه أن الموصى له يصرف الموصى به في معصية، وكما إذا قصد حرمان ورثته بالزائد على الثلث.

وقد تكره، كما إذا لم يقصد حرمان ورثته بالزائد على الثلث، وسيذكرهما، فتعتريها الأحكام الخمسة (قوله: وإن كانت الخ) غاية في تأكد الوصية، أي هي مؤكدة، وإن كانت الصدقة المنجزة في حال صحته ثم في حال مرضه أفضل من الوصية.

وقوله فمرض، أفاد بالفاء الترتيب في الفضل، فهي في حال الصحة أفضل منها في حال المرض، لخبر الصحيحين: أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا (قوله: فينبغي أن لا يغفل عنها) أي الوصية.

وقوله ساعة: أي وقتا ما (قوله: كما صرح به) أي بالانبغاء المذكور (قوله: ما حق امرئ الخ) ما نافية، وحق مبتدأ خبره ما بعد إلا، وجملة له شئ، صفة لامرئ، وجملة يوصي فيه، صفة لشئ، وجملة ببيت، صفة ثانية لامرئ، وهي من بات التامة.

ويحتمل أنها هي خبر المبتدأ، وما بعد إلا

حال، وهو الأولى، لأن الخبر لا يقترن بالواو، وإن كان الأول هو مقتضى حل الشارح.

والمعنى عليه: ما الحزم والرأي حقه أن يبيت ليلة أو ليلتين إلا في هذه الحالة المذكورة لا في غيرها والليلة والليلتان ليستا للتقييد، فالمراد أنه لا يمضي عليه زمن إلا في هذه الحالة، وقوله مكتوبة عند رأسه، أي مع الإشهاد عليها لأن الكتابة بلا إشهاد لا عبرة بها، لما ذكروه في الوديعة أنه لا عبرة بخط ميت على شئ أن هذا وديعة فلان أو في دفتره أن لفلان عندي كذا وديعة، لاحتمال التلبيس.

ولو اقتصر على الإشهاد كفى، ولكن السنة الجمع بين الكتابة والشهادة (قوله: أي ما الحزم الخ) تفسير لحاصل معنى الخبر.

والحزم هو الرأي السديد.

(وقوله: أو المعروف) أي المطلوب.

(وقوله: إلا ذلك) أي أن يبيت ووصيته مكتوبة عند رأسه (قوله: لأن الإنسان الخ) علة لكون الحزم والمعروف شرعا ذلك، أي وإنما كان الحزم والمعروف شرعا للإنسان ذلك، لأنه لا يدري متى يفجؤه الموت، ولا يخلو غالبا من أن يكون له أو عليه حقوق فتضيع ورثته أو يضيع أرباب الحقوق من حقهم الذي عنده إذا لم يكن بينة.

وينبغي له أن يعدل في وصيته لما روى الإمام أحمد والدارقطني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، فإذا جار في وصيته، فيختم له بسوء عمله فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار سبعين سنة فيعدل في وصيته، فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة (قوله: وتكره الزيادة الخ) المناسب تأخير هذه المسألة وذكرها بعد قوله وينبغي لمن ورثته أغنياء أو فقراء أن لا يوصي بزائد على الثلث الخ، وإذا كرهت الزيادة على الثلث.

قال سم: فلا يقال فلتبطل الوصية حينئذ، لأن الوصية بالمكروه هنا وقعت تابعة للوصية بالأصل التي هي غير مكروهة، بل مطلوبة، ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره.

اه.

(قوله: وإلا حرمت) أي وإن قصد حرمان ورثته حرمت، وضعف الحرمة في التحفة، واعتمد الكراهة مطلقا، وعبارتها، بعد قول المنهاج ينبغي أن لا يوصي بأكثر من ثلث، ومن ثم صرح جمع بكراهة الزيادة عليه، وأما تصريح آخرين بحرمتها فهو ضعيف وإن قصد بذلك حرمان ورثته، كما علم مما قدمته في شرح قوله في الوقف كعمارة الكنائس فباطل، وأيضا فهو لا حرمان منه أصلا، أما

ص: 235

فلا تصح من صبي ومجنون ورقيق ولو مكاتبا لم يأذن له السيد ولا من مكره والسكران كالمكلف.

وفي قول تصح من صبي مميز (لجهة حل): كعمارة مسجد ومصالحه، وتحمل عليهما عند الاطلاق: بأن قال أوصيت به للمسجد - ولو غير ضرورية - عملا بالعرف.

ويصرفه الناظر للاهم والاصلح باجتهاده.

وهي للكعبة وللضريح

ــ

الثلث، فلأن الشارع وسع له في ثلثه ليتدارك به ما فرط منه، فلم يؤثر قصده به ذلك.

وأما الزائد عليه، فهو إنما ينفذ إن أجازوه، ومع إجازتهم لا ينسب إليه حرمان، فهو لا يؤثر قصده.

اه.

وقوله كما علم مما قدمته الخ: عبارته هناك.

(فرع) يقع لكثيرين أنهم يقفون أموالهم في صحتهم على ذكور أولادهم قاصدين بذلك حرمان إناثهم، وقد تكرر، من غير واحد، الإفتاء ببطلان الوقف حينئذ، وفيه نظر ظاهر، بل الوجه، الصحة.

أما أولا فلم نسلم أن قصد الحرمان

معصية، كيف وقد اتفق أئمتنا، كأكثر العلماء، على أن تخصيص بعض الأولاد بماله كله أو بعضه هبة أو وقفا أو غيرهما لا حرمة فيه ولو لغير عذر؟ وهذا صريح في أن قصد الحرمان لا يحرم الخ.

اه.

(قوله: تصح وصية الخ) شروع في بيان شروط الموصي الذي هو أحد الأركان الأربعة (قوله: مكلف حر مختار) أي وإن كان مفلسا أو سفيها لم يحجر عليه أو حجر عليه على المذهب لصحة عبارته أو كان كافرا ولو حربيا (قوله: عند الوصية) قيد في الكل، فالعبرة باستكمال الشروط عند الوصية (قوله: فلا تصح من صبي الخ) شروع في محترزات القيود، وإنما تصح منهم لعدم صحة عبارتهم ولعدم ملك الرقيق أو ضعفه.

وقوله ورقيق، أي كله، وأما المبعض فتصح منه بما ملكه ببعضه الحر لوجود أهليته والقول بعدمها، لأنه يستعقب الولاء وهو من غير أهله ممنوع، لأنه إن عتق قبل موته فذاك، وإلا فقد زال رقه بموته.

أفاده م ر.

وقوله ولو مكاتبا، أي ولو كان الرقيق مكاتبا.

وقوله لم يأذن له السيد، أما إذا أذن له فتصح منه (قوله: ولا من مكره) أي ولا تصح من مكره كسائر العقود (قوله: والسكران) أي المتعدي.

اه.

سم.

وقوله كالمكلف، أي فتصح وصيته (قوله: وفي قول تصح من صبي مميز) أي لأنها لا تزيل الملك حالا، ويجاب بأنه لا نظر لذلك مع فساد عبارته حتى في غير المال.

اه.

تحفة (قوله: لجهة حل) متعلق بوصية، وهو شروع في بيان الموصى له.

وأفاد بالإضافة اشتراط عدم معصية في الوصية له إذا كان جهة، ومثلها ما إذا كان غير جهة، وإن كان ظاهر صنيعه يوهم خلافه، فيتشرط فيه عدم المعصية أيضا.

وشرط فيه أيضا كونه موجودا معينا أهلا للملك حين الوصية، فلا تصح لكافر بنحو مسلم أو مصحف، ولا لحمل سيحدث لعدم وجوده، ولا لميت لأنه ليس أهلا للملك، ولا لأحد هذين الرجلين لإبهامه، كما سيذكره، ولا فرق في جهة الحل بين أن تكون قربة، كالفقراء وبناء المساجد وعمارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وألحق الشيخ أبو محمد بها قبور العلماء والصالحين لما فيه من إحياء الزيارة أو التبرك بها، أو مباحة لا تظهر فيها القربة كالوصية للأغنياء، وفك أسارى الكفار من المسلمين (قوله: كعمارة مسجد الخ) تمثيل لجهة الحل، أي كأن قال أوصيت بمالي هذا ليعمر به المسجد الفلاني (قوله: ومصالحه) أي المسجد، وهو عطف عام على خاص (قوله: وتحمل) أي الوصية.

وقوله عليهما، أي على العمارة وعلى المصالح (قوله: عند الإطلاق) أي إطلاق الوصية وعدم تقييدها بعمارة أو مصالح.

وقوله بأن قال الخ: تصوير للإطلاق (قوله: ولو غير ضرورية) أي ولو كانت المصالح الشاملة للعمارة غير ضرورية: أي لازمة لنحو المسجد (قوله: عملا بالعرف) علة للحمل عليهما عند الإطلاق (قوله: ويصرفه الناظر) أي يصرف الموصى به للمسجد للأهم والأصلح من المصالح.

قال ع ش: فليس للوصي الصرف بنفسه، بل يدفعه للناظر أو لمن قام مقام

الناظر.

ومنه ما يقع الآن من النذر لإمامنا الشافعي رضي الله عنه أو غيره من ذوي الأضرحة المشهورة، فيجب على الناظر صرفه لمتولي القيام بمصالحه، وهو يفعل ما يراه فيه.

ومنه أن يصنع بذلك طعاما أو خبزا لمن يكون بالمحل المنذور عليه التصدق من خدمته الذين جرت العادة بالإنفاق عليهم لقيامهم بمصالحه اه.

(قوله: وهي) أي الوصية.

وقوله للكعبة، أي بأن قال أوصيت بمالي للكعبة.

وقوله وللضريح النبوي، أي القبر النبوي.

وقوله تصرف لمصالحهما، أي الكعبة والضريح النبوي.

وفي ع ش: لو أوصى بدراهم لكسوة الكعبة أو الضريح النبوي وكانا غير محتاجين لذلك حالا وفيما شرط من وقفه لكسوتهما ما يفي بذلك، فينبغي أن يقال بصحة الوصية، ويدخر ما أوصى به أو تجدد به كسوة أخرى، لما

ص: 236

النبوي تصرف لمصالحهما الخاصة بهما كترميم ما، وهي من الكعبة دون بقية الحرم، وقيل في الاولى لمساكين مكة.

قال شيخنا: يظهر أخذا مما قالوه في النذر للقبر المعروف بجرجان صحة الوصية كالوقف لضريح الشيخ الفلاني، وتصرف في مصالح قبره والبناء الجائز عليه ومن يخدمونه أو يقرأون عليه.

أما إذا قال للشيخ الفلاني ولم ينو ضريحه ونحوه: فهي باطلة.

ولو أوصى لمسجد سيبني: لم تصح، وإن بني قبل موته إلا تبعا، وقيل تبطل فيما لو قال أردت تمليكه وكعمارة نحو قبة على قبر نحو عالم في غير مسبلة.

ووقع في زيادات العبادي: ولو

ــ

في ذلك من التعظيم.

اه.

(قوله: كترميم ما وهى من الكعبة) أي سقط منها، وهو تمثيل للمصالح الخاصة بالكعبة.

وكان المناسب أن يزيد، ومن البناء الكائن على الضريح النبوي، حتى يصير تمثيلا للمصالح الخاصة بالضريح النبوي أيضا (قوله: دون بقية الحرم) أي أرض الحرم، فلا يصرف في مصالحه.

ويقال بالنسبة للضريح النبوي دون الأستار الخارجة عنه.

ولو أوصى للحرم ويصرف في مصالح الكعبة وبقية الحرم (قوله: وقيل في الأولى) هي الوصية للكعبة.

وقوله لمساكين مكة، أي يصرف لهم (قوله: قال شيخنا) عبارته.

ويظهر أخذا مما تقرر، أي من صحة الوصية للضريح النبوي وللكعبة، ومما قالوه في النذر للقبر المعروف بجريان صحتها كالوقف لضريح الشيخ الفلاني، ويصرف في مصالح قبره، والبناء الجائز عليه ومن يخدمونه أو يقرؤون عليه.

ويؤيد ذلك ما مر آنفا من صحتها ببناء قبة على قبر ولي.

اه.

(قوله: صحة الوصية) فاعل يظهر.

وقوله كالوقف، أي كصتحه (قوله: لضريح الشيخ الفلاني) متعلق بكل من الوصية ومن الوقف (قوله: وتصرف) أي الوصية بمعنى الموصى به.

ولو قال ويصرف، بالياء، كما في التحفة، لكان أولى.

(وقوله: في مصالح قبره) أي كترميم وإسراج ونحوهما (قوله: والبناء الجائز عليه) أي على القبر، كقبة، والعطف من عطف المغاير، إن لم تجعل المصالح شاملة له، وإلا كان من عطف الخاص، والبناء الجائز هو أن يكون في غير مسبلة، كما سيأتي (قوله: ومن يخدمونه) أي وتصرف لمن يخدمون الضريح بكنسه وخدمة الزوار وإسراج المصابيح فيه المحتاج إليها.

وفي سم، هل يجري هذا في الوصية للكعبة والضريح النبوي كما هو قياسه؟ اه.

(قوله: أو يقرؤون عليه) أي ولمن يقرؤون على الضريح.

قال ع ش: هل المراد من اعتاد القراءة عليه كالاسباع التي اعتيد قراءتها في أوقات مخصوصة، أو لكل من اتفقت قراءته عليه وإن لم يكن له عادة بها؟ فيه نظر.

ولا يبعد الأول.

اه.

(قوله: أما إذا

قال للشيخ الفلاني) أي أوصيت به للشيخ الفلاني أو أوقفته عليه (قوله: ولم ينو ضريحه) أي صرفه لمصالح ضريحه، وتعلم النية بإخباره.

قال ع ش: وشمل قوله ولم ينو، ما لو أطلق وقياس الصحة عند الأطلاق في الوقف على المسجد الصحة هنا، ويحل على عمارته ونحوها.

اه.

وقوله ونحوه، أي ولم ينو نحو الضريح، أي صرفه لنحوه، كالبناء عليه، أو من يخدمونه، أو يقرؤون عليه (قوله: فهي) أي الوصية لما ذكر.

وقوله باطلة، أي لأنها تمليك، وتمليك المعدوم ممتنع (قوله: ولو أوصى لمسجد سيبنى) أي بأن قال أوصيت بهذا المال ليصرف في مصالح المسجد الذي سيبنى (قوله: لم تصح) أي الوصية، لما مر آنفا من أنها تمليك، وتمليك المعدوم ممتنع (قوله: إلا تبعا) أي للموجود، فإنها تصح: كأوصيت لمسجد فلان وما سيبنى من المساجد (قوله: وقيل تبطل الخ) مرتبط بقوله وتحمل عليهما عند الأطلاق، بأن قال أوصيت به للمسجد، فكان الأولى ذكره عقبه، وليس مرتبطا بقوله ولو أوصى لمسجد سيبنى، كما هو ظاهر، وعبارة المنهج وشرحه، وتحمل عند الإطلاق عليهما عملا بالعرف.

فإن قال أردت تمليكه، فقيل تبطل الوصية.

وبحث الرافعي صحتها بأن للمسجد ملكا وعليه وقفا.

قال النووي: هذا هو الأفقه الأرجح.

اه.

ومثلها عبارة المغني ونصها بعد قول المنهاج وكذا إن أطلقت على الأصح، ويحمل على عمارته ومصالحه.

(تنبيه) سكت المصنف عما إذا قال أردت تمليك المسجد، ونقل الرافعي عن بعضهم أن الوصية باطلة، ثم قال ولك أن تقول سبق أن للمسجد ملكا وعليه وقفا، وذلك يقتضي صحة الوصية.

قال المصنف، وهو الأفقه الأرجح.

وقال ابن الرفعة: في كلام الرافعي في اللقطة ما يفهم جواز الهبة للمسجد.

وقال ابن الملقن، وبه صرح القاضي في تعليقه،

ص: 237

أوصى بأن يدفن في بيته بطلت الوصية.

وخرج بجهة حل: جهة المعصية - كعمارة كنيسة وإسراج فيها وكتابة نحو توراة وعلم محرم (و) تصح (لحمل) موجود حال الوصية يقينا، فتصح لحمل انفصل وبه حياة مستقرة لدون ستة أشهر من الوصية أو لاربع سنين فأقل ولم تكن المرأة فراشا لزوج أو سيد وأمكن كون الحمل منه، لان

ــ

والكعبة في ذلك كالمسجد، كما صرح في البيان نقلا عن الشيخ أبي علي.

اه.

وقوله بأن للمسجد ملكا وعليه وقفا، أي بأن اللفظ المشتمل على قوله للمسجد يكون ملكا والمشتمل على قوله عليه يكون وقفا، فالتعبير باللام يفيد الملك، وبعلى يفيد الوقف (قوله: وكعمارة) عطف على كعمارة مسجد.

وقوله نحو قبة، أي كقنطرة.

وقوله على قبر نحو عالم، كنبي وولي.

وعبارة النهاية: وشمل عدم المعصية القربة كعمارة المساجد ولو من كافر، وقبور الأنبياء والعلماء والصالحين لما في ذلك من إحياء الزيارة والتبرك بها.

ولعل المراد به، أي بتعمير القبور، أن تبنى على قبورهم القباب والقناطر، كما يفعل في المشاهد، لا بناء القبور نفسها، للنهي عنه.

اه.

باختصار.

وقوله في غير مسبلة، متعلق بعمارة، أي عمارة ذلك في غير مقبرة مسبلة، بأن كانت مملوكة لنحو ذلك الولي أو لمن دفنه فيها، فإن كانت مسبلة أو

موقوفة، حرم ذلك لما فيه من التضييق (قوله: ووقع) أي وجد.

وقوله ولو أوصى الخ: فاعل الفعل (قوله: بطلت الوصية) قال في التحفة: ولعله بناه على أن الدفن في البيت مكروه، وليس كذلك ومثله في النهاية (قوله: وخرج بجهة حل جهة المعصية) أي فالوصية لها باطلة، وذلك لأن القصد منها تدارك ما فات في حال الحياة من الإحسان، فلا يجوز أن يكون معصية (قوله: كعمارة كنيسة) أي كالوصية لعمارة كنيسة، أي لأجل التعبد فيها فلا يجوز، لأنها معصية.

أما كنيسة تنزلها المارة، أو موقوفة على قوم يسكنونها، أو تحمل أجرتها للنصارى، فتجوز.

وحكى الماوردي وجها إنه إن خص نزولها بأهل الذمة حرم، واختاره السبكي.

ولو وصي ببنائها لنزول المارة والتعبد معا، لم يصح في أحد وجهين.

ويظهر ترجيحه تغليبا للحرمة، وسواء أوصى لما ذكر مسلم أو كافر، بل قيل إن الوصية ببناء الكنيسة من المسلم ردة، ولا تصح أيضا الوصية ببناء موضع لبعض المعاصي كالخمارة، وقوله وإسراج فيها، أي وكالوصية لإسراج في الكنيسة فلا تجوز، ومحله إذا كان ذلك بقصد تعظيمها، أما إذا قصد انتفاع المقيمين والمجاورين بضوئها فهي جائزة، وإن خالف في ذلك الأذرعي.

أفاد ذلك كله في المغني (قوله: وكتابة نحو توراة) أي وكالوصية لكتابة نحو توراة كإنجيل فلا يجوز، ومثل الكتابة القراءة.

قال ع ش: أي ولو غير مبدلين، لأن فيه تعظيما لهم.

اه (قوله: وعلم محرم) أي وكتابة علم محرم كأحكام شريعة اليهود والنصارى وكتب النجوم والفلسفة، ومثل الكتابة القراءة، فالوصية لها باطلة أيضا (قوله: وتصح لحمل الخ) هذا مرتب على ما إذا كان الموصى له غير جهة الذي هو عديل قوله لجهة، فكان الأولى والأخصر أن يأتي به وشرطه، ثم يفرع عليه ما ذكر، كأن يقول مثلا ولغير جهة بشرط أن يكون موجودا حال الوصية يقينا فتصح لحمل الخ، كما صنع في المنهاج، وعبارته، وإذا أوصى لجهة عامة فالشرط أن لا تكون معصية، أو لشخص فالشرط أن يتصور له الملك، فتصح لحمل، وتنفذ إن انفصل حيا وعلم وجوده عندها.

اه (قوله: موجود) أي معين، وسيبين محترزه (قوله: فتصح لحمل) أي حرا كان أو رقيقا من زوج أو شبهة أو زنا، وهو مفرع على وجوده حال الوصية يقينا، وكان الأولى، والأخصر أن يحذف هذه الجملة ويقتصر على ما بعدها ويذكر بعنوان التصوير، كأن يقول بأن انفصل الخ ويكون عليه قوله الآتي لا لحمل سيحدث معطوفا على قوله لحمل في المتن.

فتنبه.

وقوله انفصل، أي وتنفذ إن انفصل، كما يعلم من عبارة المنهاج المارة آنفا، وقوله وبه حياة مستقرة، أي والحال أن فيه حياة مستقرة، فإن انفصل وليست فيه، لم يستحق شيئا (قوله: لدون ستة أشهر) أي وإن كانت فراشا لزوج أو سيد، لأنها أقل مدة الحمل، فيعلم أنه كان موجودا عندها.

اه.

تحفة (قوله: أو لأربع سنين) أي أو انفصل لأربع سنين، فإن انفصل لأكثر من أربع سنين لا يستحق شيئا، للعلم بحدوثه

بعدها.

وقوله فأقل، أي من أربع سنين صادق بما إذا انفصل لدون ستة أشهر، وليس مرادا، لأنه قد صرح به فيما قبله، بل المراد ما انفصل لستة أشهر فأكثر إلى أربع سنين (قوله: ولم تكن المرأة فراشا لزوج أو سيد) قيد في المعطوف، أعني قوله انفصل لأربع سنين فأقل فقط، لما علمت من التحفة أنه إذا انفصل لدون ستة أشهر لا فرق فيه بين أن تكون

ص: 238

الظاهر وجوده عندها لندرة وطئ الشبهة وفي تقدير الزنا إساءة ظن بها.

نعم: لو لم تكن فراشا قط لم تصح الوصية قطعا لا لحمل سيحدث وإن حدث قبل موت الموصي: لانها تمليك، وتمليك المعدوم ممتنع، فأشبهت الوقف على من سيولد له.

نعم، إن جعل المعدوم تبعا للموجود - كأن أوصى لاولاد زيد الموجودين ومن سيحدث له من الاولاد - صحت لهم تبعا، ولا لغير معين فلا تصح لاحد هذين.

هذا إذا كان بلفظ الوصية، فإن كان بلفظ أعطوا هذا لاحدهما: صح، لانه وصية بالتمليك من الموصى إليه.

(و) تصح (لوارث) للموصي (مع

ــ

فراشا وبين أن لا تكون كذلك.

وخرج به ما إذا كانت فراشا لمن ذكر فإنه لا يستحق شيئا، لاحتمال حدوثه من ذلك الفراش بعد الوصية.

وفي البجيرمي نقلا عن ق ل، المراد بالفراش وجود وطئ يمكن كون الحمل منه بعد وقت الوصية، وإن لم يكن من زوج أو سيد بل الوطئ ليس قيدا إذ المدار على ما يحال عليه وجود الحمل.

اه.

(قوله: وأمكن كون الحمل منه) الجملة حال من فراشا أي فراشا حال كونه يمكن أن يكون ذلك الحمل المنفصل لأربع سنين فأقل منه.

وعبارة شرح المنهج أمكن، بإسقاط الواو وهو الأولى، وعليها فالجملة صفة لفراشا، أي فراشا موصوفا بإمكان كون الحمل منه، فإن كانت فراشا له لكن لا يمكن أن يكون ذلك الحمل منه، بأن يكون ذو الفراش ممسوحا، كان كالعدم واستحق الموصى به (قوله: لأن الظاهر الخ) علة لصحة الوصية للحمل بالنسبة لما إذا انفصل لأربع سنين فأقل.

وقوله وجوده أي الحمل عندها أي الوصية (قوله: لندرة وطئ الشبهة) علة للعلة.

قال البجيرمي: أي من غير ضرورة تدعو إلى ذلك فلا يرد ما إذا ولدته لدون ستة أشهر ولم تكن فراشا فيتعين حمله على وطئ الشبهة أو الزنا.

اه.

(قوله: نعم: لو لم تكن فراشا قط) أي لا قبل الوصية ولا بعدها.

وفي البجيرمي ما نصه: هذا الإستدراك خرج مخرج التقييد لما سبق كأنه قال هذا إذا عرف لها فراش سابق ثم انقطع، فإن لم يكن لها فراش أصلا لم تصح الوصية لانتفاء الظهور وانحصار الطريق في وطئ الشبهة أو الزنا.

ح ل.

اه.

وقوله لم تصح الوصية قطعا، أي لاحتمال وجوده معها أو بعدها من وطئ شبهة أو زنا، ولا يرد ما تقدم من أن وطئ الشبهة نادر وفي تقدير الزنا إساءة ظن، لأن محل ذلك ما لم يضطر إليه، كما تقدم آنفا عن البجيرمي - (قوله: لا لحمل سيحدث) معطوف على الحمل، أي لا تصح الوصية للحمل الذي سيوجد، وهذا محترز قوله موجود (قوله: وإن حدث الخ) غاية في عدم صحة الوصية للذي سيحدث (قوله: لأنها) أي الوصية، وهو علة لعدم صحتها للحمل الذي سيحدث.

وقوله وتمليك المعدوم ممتنع، من جملة العلة (قوله: فأشبهت) أي الوصية.

(وقوله: الوقف على من سيولد له) أي فإنه لا يصح عليه لأنه معدوم (قوله: نعم إلخ) استدراك على عدم صحة الوصية للمعدوم.

(وقوله: إن جعل المعدوم تبعا للموجود) أي في الوصية.

وقوله كأن أوصى الخ تمثيل لجعل المعدوم تبعا له (قوله:

صحت) أي الوصية قال في التحفة: كما هو قياس الوقف، إلا أن يفرق بأن من شأن الوصية أن يقصد بها معين موجود، بخلاف الوقف، لأنه للدوام المقتضي لشموله للمعدوم ابتداء.

ثم رأيت بعضهم اعتمد القياس وأيده إلخ.

اه.

(قوله: ولا لغير معين) أي ولا تصح لغير معين، أي لمبهم، وهذا محترز قيد ملحوظ في كلامه وهو كونه معينا، كما علمت.

(قوله: فلا تصح لأحد هذين) الأخصر أن يجعله تمثيلا بأن يقول: كأحد هذين (قوله: هذا إلخ) أي ما ذكر من عدم صحتها لأحد هذين.

وقوله إذا كان بلفظ الوصية، اسم كان يعود على الموصي، والجارو المجرور خبرها، إلا أنه يقدر المتعلق خاصا بدلالة المقام، أي إذا كان الموصى معبرا عما ذكر بلفظ الوصية، بأن قال أوصيت لأحد هذين (قوله: فإن كان بلفظ أعطوا) أي فإن كان الموصي معبرا عنه بلفظ أعطوا أحد هذين: صح (قوله: لأنه وصية بالتمليك من الموصى إليه) علة للصحة إذا كان التعبير بلفظ الإعطاء، أي وإنما صح حينئذ لأنه وصية بالتمليك الصادر من الموصى إليه وتمليكه لا يكون إلا لمعين، بخلاف ما إذا كان بلفظ الوصية فإنه تمليك من الموصى وهو لغير معين فلا يصح.

(والحاصل) أن قصده بهذه العلة بيان الفرق بين ما إذا عبر بلفظ الوصية وما إذا عبر بلفظ الإعطاء وحاصله أنه في الأولى تمليك لغير معين وهو لا يصح، وفي الثانية فوض التمليك للموصى إليه والتمليك منه لا يكون إلا لمعين منهما فصح ذلك كما إذا قال الموكل للوكيل بعه لأحد هذين فإنه يصح، والوكيل يعين أحدهما (قوله: وتصح للوارث للموصي

ص: 239

إجازة) بقية (ورثته) بعد موت الموصي وإن كانت الوصية ببعض الثلث ولا أثر لاجازتهم في حياة الموصي: إذ لا

حق لهم حينئذ، والحيلة في أخذه من غير توقف على إجازة أن يوصي لفلان بألف: أي وهو ثلثه فأقل إن تبرع لولده بخمسمائة، أو بألفين كما هو ظاهر.

فإذا قبل وأدى للابن ما شرط عليه.

أخذ الوصية، ولم يشارك بقية الورثة الابن فيما حصل له.

ومن الوصية له إبراؤه وهبته والوقف عليه.

نعم، لو وقف عليهم ما يخرج من الثلث على قدر نصيبهم نفذ من غير إجازة، فليس لهم نقضه.

والوصية لكل وارث بقدر حصته - كنصف وثلث - لغو،

ــ

مع إجازة الخ) قيده شيخ الإسلام، وتبعه الخطيب في مغنيه بالخاص واحترز به عن العام كما لو أوصى لإنسان من المسلمين معين بالثلث فأقل وكان وارثه بيت المال فإنها تصح ولا تتوقف على إجازة الإمام، ورده في التحفة والنهاية بأن الوارث جهة الإسلام لا خصوص الموصى له فلا يحتاج للإحتراز عنه لأنه ليس بوارث فالوصية وصية لغير وارث، وهي إذا خرجت من الثلث لا تتوقف على إجازة.

والعبرة بكونه وارثا وقت الموت دون وقت الوصية.

فلو أوصى لأخيه ولا ابن له فحدث له ابن قبل موته تبين أنها وصية لغير وارث، أو أوصى لأخيه وله ابن فمات الابن قبل موت الموصي.

فهي وصية لوارث.

وقوله بقية ورثته، أي المطلقين التصرف، فلو لم يجيزوا بطلت.

وكذلك تبطل فيما إذا لم يكن له وارث غير الموصى له، لتعذر إجازته لنفسه.

وإذا كان فيهم محجور عليه بسفه أو صغر أو جنون فلا تصح إجازته، بل إن توقعت أهليته انتظرت، وإلا بطلت.

قال في فتح الجواد.

وإجازتهم هنا وفيما يأتي تنفيذ لصحة الوصية لكونها غير لازمة رعاية لهم، لا ابتداء تمليك، فلا رجوع لهم.

اه.

(قوله: بعد موت الموصي) متعلق بإجازة: أي وإنما تعتبر الإجازة، أي أو

الرد، بعد موت الموصي، وسيأتي محترزه (قوله: وإن كانت الوصية ببعض الثلث إلخ) غاية في اشتراط إجازة بقية الورثة، أي لا بد من إجازتهم ولو كانت الوصية ببعض الثلث، وإن قل جدا، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث إلا أن تجيز الورثة رواه البيهقي (قوله: ولا أثر لإجازتهم في حياة الموصي) هو محترز قوله بعد موت الموصي (قوله: إذ لا حق لهم حينئذ) علة لكونه لا أثر لإجازتهم قبل موته، أي وإنما كان لا أثر لذلك لأنهم لاحق لهم حين إذ كان الموصى حيا، وذلك لاحتمال برئه وموته (قوله: والحيلة في أخذه الخ) يعني إذا أراد المورث أن يخص أحد أولاده بشئ بعد موته ويأخذه من غير توقف على إجازة بقية الورثة، فليوص لأجنبي ويعلق الوصية على تبرعه لولده بشئ فإذا مات الموصي وقبل الأجنبي الوصية وتبرع لولده، صحت الوصية، وأخذ الولد ما تبرع به عليه من غير توقف على الإجازة، فهذه حيلة وطريق لأخذ الولد الوارث المال من غير توقف على الإجازة، لأنه في الظاهر ليس من مال المورث، وإنما هو من مال الأجنبي.

وفي الحقيقة هو من مال مورثه، لأنه لو لم يوص للأجنبي لما تبرع ذلك الأجنبي على ولد الموصي (قوله: أن يوصي لفلان) أي الأجنبي (قوله: أي وهو) أي الألف ثلثه أي ثلث مال الموصى فأقل، أي أو أكثر، لكنه يتوقف على الإجازة في الزائد (قوله: إن تبرع) أي فلان الأجنبي، وقوله لولده: أي ولد الموصي (قوله: كما هو ظاهر) راجع لقوله أو بألفين، أي لا فرق في الذي يتبرع به فلان بين أن يكون أقل من الموصى به له أو أكثر (قوله: أخذ الوصية) أي الموصى به ولم يشارك بقية الورثة الابن.

قال في التحفة بعده: ويوجه بأنه لم يحصل له من مال الميت شئ تميز به حتى يحتاج لإجازة بقية الورثة.

اه.

قال البجيرمي، بعد نقله ما ذكر: وعليه فلا يكون من الوصية لوارث إلا أن يقال أنه لما علق وصيته لزيد على ما ذكر جعل كأنه وصية لوارث.

تأمل.

اه.

(قوله: ومن الوصية له الخ) أي ومن معنى الوصية للوارث إبراؤه من دين له عليه وهبته شيئا والوقف عليه، فيتوقف صحة ذلك على إجازة بقية الورثة.

قال ع ش: والكلام في التبرعات المنجزة في مرض الموت أو المعلقة به.

أما ما وقع منه في الصحة فينفذ مطلقا، ولا حرمة، وإن قصد به حرمان الورثة، اه.

(قوله: نعم، لو وقف الخ) هذه الصورة مستثناة من الوقف.

وقوله عليهم، أي على الورثة، وقوله على قدر نصيبهم، متعلق بوقف أي وقف ذلك على قدر نصيبهم، وذلك كمن له ابن وبنت وله دار تخرج من ثلثه فوقف ثلثيها على الابن وثلثها على البنت (قوله: نفذ) أي الوقف.

وقوله من غير إجازة، أي من غير احتياج إلى إجازة بعض الورثة لبعضهم، لأنه لما لم يضر أحد الورثة لم تتوقف الصحة على الإجازة، ولأنه لو وقفها على أجنبي لم تتوقف على إجازتهم، فكذا عليهم (قوله:

ص: 240

لانه يستحقه بغير وصية، ولا يأثم بذلك.

وبعين هي قدر حصته: كأن ترك ابنين وقنا ودارا قيمتهما سواء، فخص كلا بواحد صحيحة إن أجازا.

ولو أوصى للفقراء بشئ لم يجز للوصي أن يعطى منه شيئا لورثة الميت، ولو فقراء - كما نص عليه في الام - وإنما تصح الوصية (بأعطوه كذا)، وإن لم يقل من ما لي أو وهبته له أو جعلته له (أو هو له بعد موتي) في الاربعة، وذلك لان إضافة كل منها للموت صيرتها بمعنى الوصية (وبأوصيت له) بكذا وإن لم يقل بعد موتي لوضعها شرعا لذلك.

فلو اقتصر على نحو وهبته له: فهو هبة ناجزة، أو على نحو ادفعوا

ــ

فليس لهم) أي للورثة الموقوف عليهم.

وقوله نقضه: أي إبطاله، أي الوقف، ولا إبطال شئ منه، لأنه تصرفه في ثلث ماله نافذ (قوله: والوصية) مبتدأ خبره لغو.

وقوله لكل وارث، يخرج به البعض، كما لو كان له ثلاثة بنين فأوصى لواحد منهم معين بثلث ماله فتصح الوصية، لكن تتوقف على إجازة الباقين، فإن أجازها قاسمها في الثلثين الباقيين كما هو ظاهر اه.

سم وقوله بقدر حصته، أي مشاعا.

وقوله كنصف أو ثلث، كأن مات عن أخت وأم فالأولى لها النصف والثانية لها الثلث، فلو وقف داره عليهما بقدر حصتهما صح ذلك (قوله: ولا يأثم بذلك) أي بالوصية المذكورة.

قال في التحفة: لأنه مؤكد للمعنى الشرعي لا مخالف له، بخلاف تعاطي العقد الفاسد.

اه.

(قوله: وبعين) معطوف على بقدر حصته، أي والوصية لكل وارث بعين هي قدر حصته.

قال سم: فخرج بعض الورثة، لكن حكمه كالكل بالأولى.

اه.

وفي المغني: والدين كالعين فيما ذكر، كما بحثه بعضهم، اه (قوله: صحيحة) خبر المبتدأ المقدر.

وقوله إن أجازا، أي أجاز كل منهما صاحبه، وإنما توقفت صحتها على الإجازة لاختلاف الأغراض في الأعيان (قوله: ولو أوصى للفقراء بشئ لم يجز للوصي الخ) وإنما جاز أخذ الواقف الفقير مما وقفه على الفقراء لأن الملك ثم لله فلم ينظر إلا لمن وجد فيه الشرط، وهنا ألحق لبقية الورثة وللميث فلم يعط وارثه.

اه.

تحفة (قوله: كما نص عليه في الأم) أي حيث قال في قول الموصى ثلث مالي لفلان يضعه حيث يراه الله تعالى، أي أو حيث يراه هو أنه لا يأحذ منه لنفسه شيئا ولا يعطي منه وارثا للميث، لأنه إنما يجوز له ما كان يجوز للميث بل يصرفه في القرب التي ينتفع بها الميت، وليس له حبسه عنده ولا إيداعه لغيره، ولا يبقى منه في يده شيئا يمكنه أن يخرجه ساعة من نهار، وفقراء أقاربه أولى، ثم أحفاده، ثم جيرانه، والأشد تعففا وفقرا أولى.

اه.

ملخصا.

وكأنه أراد بأحفاده محارمه من الرضاع لينتظم الترتيب.

اه.

تحفة (قوله: وإنما تصح الوصية إلخ) شروع في بيان الصيغة التي هي أحد الأركان، وهي كل لفظ أشعر بالوصية، وهي تنقسم إلى صريح، وهو ما ذكره بقوله أعطوه كذا الخ، وإلى كناية، وهي ما ذكره بقوله وتنعقد بالكناية، كقوله عينت هذا له الخ (قوله: بأعطوه كذا) أي أو ادفعوا إليه كذا.

(قوله: وإن لم يقل من مالي) غاية في صحة الوصية بأعطوه كذا، أي تصح الوصية بقوله أعطوه كذا، وإن لم يضف إليه من مالي (قوله: أو وهبته الخ) معطوف على أعطوه كذا.

ومثله حبوته أو ملكته أو تصدقت عليه (قوله: أو هو) أي هذا المال مثلا له، أي لزيد مثلا (قوله: بعد موتي في الأربعة) أي هو قيد في الألفاظ الأربعة، أعني قوله أعطوه كذا الخ، ومثل قوله بعد موتي، قوله بعد عيني، أو إن قضى الله علي، وأراد الموت، (قوله: وذلك لأن إضافة كل منها الخ) أي وإنما صحت بهذه الألفاظ المذكورة، مع أنها ليست من مادة الوصية، لأن إضافة كل منها للموت

صيرتها بمعنى الوصية، فاسم الإشارة عائد على كونها صحت بهذه الألفاظ.

ولو زاد قبل إسم الإشارة وهذه الأربعة من الصريح في الوصية وجعل اسم الإشارة عائدا إليه لكان أولى (قوله: وبأوصيت الخ) معطوف على قوله بأعطوه، أي وتصح الوصية بأوصيت له بكذا، وإن لم يضم إليه بعد موتي، (قوله: لوضعها شرعا لذلك) أي لما كان بعد الموت، أي للتمليك الحاصل بعد الموت، وهو تعليل للغاية، أي وإنما صحت بأوصيت مع عدم انضمام بعد موتي إليه لأن هذه الصيغة موضوعة في الشرع لما ذكر (قوله: فلو اقتصر الخ) محترز تقييد الأربعة الألفاظ الأول ببعد الموت.

وقوله على نحو وهبته، أي كحبوته وملكته.

وقوله فهو هبة ناجزة، أي وليست وصية، وإن نواها، وذلك لأنه وجد نفاذا في موضوعه، وهو التمليك المنجز في حال الحياة، فلا يكون كناية في غيره، وهو الوصية.

ثم إن كان في مرض الموت حسب من الثلث، كالوصية، وإن كان في الصحة أو مرض لم يمت فيه فمن رأس المال (قوله: أو نحو على ادفعوا) أي أو اقتصر

ص: 241

إليه من مالي كذا أو أعطوا فلانا من مالي كذا: فتوكيل يرتفع بنحو الموت وليست كناية وصية، أو على جعلته له: احتمل الوصية والهبة، فإن علمت نيته لاحدهما، وإلا بطل، أو على ثلث مالي للفقراء لم يكن إقرارا ولا وصية للفقراء.

قال شيخنا: ويظهر أنه كناية وصية، أو على هو له فإقرار، فإن زاد من مالي فكناية وصية.

وصرح جمع متأخرون بصحة قوله لمدينة إن مت فأعط فلانا ديني الذي عليك أو ففرقه على الفقراء، ولا يقبل قوله في ذلك، بل لا بد من بينة به.

وتنعقد بالكناية: كقوله عينت هذا له، أو ميزته له، أو عبدي هذا له.

والكتابة كناية فتنعقد بها

ــ

على نحو ادفعوا إليه من مالي كذا والمناسب أن يحذف هذا ويقتصر على نحو أعطوه كذا، لأنه هو المذكور في كلامه.

وأما نحو ادفعوا فلم يذكره رأسا، ولعله سرى له من عبارة شيخه في التحفة (قوله: فتوكيل) أي فهو توكيل، والفاء واقعة في جواب لو مقدرة قبل قوله أو على نحو ادفعوا الخ: أي أو لو اقتصر على الخ فهو توكيل.

وقوله يرتفع: أي التوكيل بنحو الموت، كالجنون، فإذا أعطى الوكيل قبل موته صح، وإن كان بعد موته لا يصح، لأنه ينعزل بموت الموكل (قوله: وليست الخ) أي وليست هذه الألفاظ الثلاث، أعني وهبته له، وادفعوا له، وأعطوه كذا، من غير تقييدها ببعد الموت، كناية وصية، وذلك لأنها من الصرائح في بابها، أعني باب الهبة، ووجدت طريقا في استعمالها في موضوعها، فلا تحمل على أنها كناية في غيره، نظير ما سيأتي في قوله، أو على قوله فإقرار، (قوله: أو علي جعلته له) أي أو اقتصر على جعلته له.

(وقوله: احتمل الوصية والهبة) أي فهو صالح لأن يكون وصية وأن يكون هبة.

وجعل الحاوي له من صرائح الوصية غلط (قوله: فإن علمت نيته لأحدهما) أي الوصية أو الهبة، وجواب إن محذوف، أي فيعمل به (قوله: وإلا بطل) أي وإن لم تعلم نيته لواحد منهما بطل اللفظ المذكور (قوله: أو على ثلث مالي للفقراء) أي أو لو اقتصر على قوله ثلث مالي للفقراء.

والمناسب حذف هذا أيضا، لأنه لم يذكر في كلامه سابقا مقيدا حتى يصح قوله فإن اقتصر عليه، أي ذكره من غير تقييد بقوله بعد موتي، ولعله سرى له من عبارة شيخه أيضا (قوله: لم يكن إقرارا) أي للفقراء بثلث ماله.

قال في التحفة.

(فإن قلت) لم لم يكن إقرارا بنذر سابق؟ (قلت) لأن قوله مالي الصريح في بقائه كله على ملكه ينفي ذلك، وإن أمكن تأويله، إذ لا إلزام بالشك.

ومن ثم لو قال ثلث هذا المال للفقراء لم يبعد حمله على ذلك ليصح، لأن كلام المكلف متى أمكن حمله على وجه صحيح من غير مانع فيه لذلك حمل عليه.

اه.

(قوله: ولا وصية) أي ولم يكن وصية، أي لأنه ليس من ألفاظها الصريحة ولا الكناية (قوله: ولا وصية للفقراء) أي صريحة (قوله: قال شيخنا ويظهر أنه كناية وصية) مثله في النهاية (قوله: أو على هو له) أي أو لو اقتصر على قوله هو، أي العبد مثلا، له.

وقوله فإقرار، أي لأنه من صرائحه ووجد نفاذا في موضوعه، أي طريقا في استعماله في موضوعه، فلا يحمل على أنه كناية وصية.

ومثله ما لو اقتصر على قوله هو صدقة أو وقف على كذا فينجز من حينئذ، وإن وقع جوابا ممن قيل له أوص، لأن وقوعه كذلك لا يفيد في صرفه عن كونه صدقة أو وقفا (قوله: فإن زاد من مالي) أي بأن قال هو له من مالي (قوله: فكناية وصية) أي لاحتمال الوصية والهبة الناجزة فافتقر للنية، فلو مات ولم تعلم نيته بطلت، لأن الأصل عدمها.

قال في التحفة: والإقرار هنا غير متأت لأجل قوله مالي، نظير ما مر، اه (قوله: وصرح جمع متأخرون بصحة قوله) أي الدائن، وهو حينئذ وصية، لأنه علقه بالموت (قوله: ولا يقبل قوله) أي المدين.

وقوله في ذلك، أي أن الدائن قال له أعط الدين لفلان أو فرقة للفقراء.

(وقوله: بل لا بد من بينة به) أي بقول الدائن له ما ذكر نظير ما لو اعترف أن عنده مالا لفلان الميت، وادعى أنه قال له هذا لفلان أو أنت وصيي في صرفه في كذا، فإنه لا يصدق إلا ببينة - كما رجحه الغزي وغيره -.

(تنبيه) قال في الأسني: لو قال كل من ادعى بعد موتي شيئا فأعطوه له ولا تطالبوه بالحجة، فادعى اثنان بعد موته بحقين مختلفي القدر ولا حجة، كان كالوصية تعتبر من الثلث، وإن ضاق على الوفاء قسم بينهما على قدر حقيهما.

قاله

ص: 242

مع النية، ولو من ناطق - إن اعترف نطقا هو أو وارثه بنية الوصية بها - ولا يكفي هذا خطي وما فيه وصيتي، وتصح بالالفاظ المذكورة من الموصي (مع قبول) موصى له (معين) محصور إن تأهل، وإلا فنحو وليه (بعد موت موص) ولو بتراخ، فلا يصح القبول كالرد قبل موت الموصي، لان للموصي أن يرجع فيها.

فلمن رد قبل الموت

ــ

الروياني.

وفي الأشراف: لو قال المريض ما يدعيه فلان فصدقوه فمات، قال الجرجاني هذا إقرار بمجهول وتعيينه للورثة.

اه.

وقوله إقرار بمجهول، قال في التحفة: فيه نظر، لأن قوله يدعيه تبرؤ منه، ولأن أمره لغيره بتصديقه لا يقتضي أنه هو مصدقه، فلو قيل إنه وصية أيضا لم يبعد.

اه.

وفي سم ما نصه: في فتاوى السيوطي رجل له مساطير على غرماء من عشرين سنة وأكثر وأقل، وأوصى أن من أنكر شيئا مما عليه أو ادعى وفاءه يحلف ويترك، فهل يعمل بذلك والحال أن في الورثة أطفالا؟

(الجواب) نعم، يعمل به خصوصا إذا لم تكن بينة تشهد بما في المساطير فإنها لا تقوم بها حجة الخ.

اه (قوله: وتنعقد) أي الوصية.

وقوله بالكناية، هي التي تحتمل الوصية وغيرها، ومعلوم أن الكناية تفتقر إلى النية.

قال ع ش: وهل يكتفي في النية باقترانها بجزء من اللفظ أو لا بد من اقترانها بجميع اللفظ كما في البيع؟ فيه نظر، والأقرب الأول.

ويفرق بينهما بأن البيع لما كان في مقابلة عوض احتيط له، بخلاف ما هنا.

اه (قوله: كقوله الخ) تمثيل للكناية.

وقوله عينت هذا له أو ميزته له، إنما كان ما ذكر كناية في الوصية لشمول التمييز والتعيين للتمليك بالوصية ولغيره كالإعارة (قوله: أو عبدي هذا له) إنما كان كذلك لاحتمال أن يكون المراد موصى به له أو عارية له (قوله: والكتابة كناية) أي الوصية بالكتابة كناية، وإن كان المكتوب صريحا (قوله: فتنعقد) أي الوصية.

وقوله بها، أي الكتابة.

وقوله مع النية، أي نية الوصية، فإذا كتب لزيد كذا ونوى به الوصية صح ذلك وكان وصية (قوله: ولو من ناطق) غاية للانعقاد بالكتابة مع النية (قوله: إن اعترف الخ) قيد للانعقاد بها من الناطق، أي لا تنعقد بها منه إلا إن اعترف بالنية نطقا، بأن قال نويت بها الوصية لفلان، وخرج بالناطق، غيره، كمن اعتقل لسانه، فلا يشترط الاعتراف منه بذلك، لتعذه، بل يكفي منه - في صحة الوصية - الكتابة مع النية الإشارة أيضا كالبيع.

وروي أن أمامة بنت أبي العاصي أصمتت، فقيل لها لفلان كذا ولفلان كذا؟ فاشارت أن نعم.

فجعل ذلك وصية (قوله: ولا يكفي) أي عن الاعتراف بالنية نطقا هذا خطي وما فيه وصيتي، إذ مجرد الكتابة لا يلزم منه النية.

وفي الروض وشرحه، فلو كتب أوصيت لفلان بكذا وهو ناطق وأشهد جماعة أن الكتابة خطه وما فيه وصية ولم يطلعهم عليه، أي على ما فيه، لم تنعقد وصيته، كما لو قيل له أوصيت لفلان بكذا؟ فأشار أن نعم.

اه (قوله: وتصح) أي الوصية، وهو دخول على المتن.

(وقوله: بالألفاظ المذكورة) أي الصريحة والكناية.

(وقوله: من الموصي) متعلق بمحذوف صفة للألفاظ المذكورة، أي الألفاظ الصادرة من الموصي (قوله: مع قبول موصى له) أي باللفظ، ولا يكفي الفعل، وقيل يكفي.

وعبارة التحفة، قال الزركشي ظاهر كلامهم أن المراد القبول اللفظي، ويشبه الاكتفاء بالفعل، وهو الأخذ، كالهداية.

اه.

وسبقه إليه القمولي فقال في الرهن يكفي التصرف بالرهن ونحوه، وكلاهما ضعيف.

والفرق بين هذا والهداية ونحو الوكيل واضح، إذ النقل للإكرام الذي استلزمته الهدية عادة يقتضي عدم الاحتياج للفظ في القبول، ولا كذلك هنا.

ونحو الوكالة لا يقتضي تملك شئ فلا يشبه ما هنا، وإنما يشبهه، أي ما هنا، الهبة، وهي لا بد فيها من القبول لفظا.

اه (قوله: معين) خرج به الجهة، كالفقراء والمساكين.

(وقوله: محصور) خرج به المعين غير المحصور، كالعلويين، فلا يشترط القبول منهم فيما إذا أوصى لهم (قوله: إن تأهل) أي إن كان أهلا للقبول

(قوله: وإلا فنحو وليه) أي وإن لم يتأهل بأن كان صبيا أو مجنونا، فالمعتبر قبول نحو وليه كسيده أو ناظر المسجد على الأوجه، بخلاف نحو الخيل المسبلة بالثغور لا تحتاج لقبول لأنها تشبه الجهة العامة.

ولو كانت الوصية للمعين بالعتق، كاعتقوا هذا بعد موتي، سواء قال عني أم لا، لم يشترط قبوله، لأن فيه حق مؤكدا لله تعالى، فكان كالجهة العامة، وكذا المدبر، بخلاف أوصيت له برقبته، لاقتضاء هذه الصفة القبول.

اه.

تحفة (قوله: بعد موت موص) متعلق بمحذوف

ص: 243

القبول بعده، ولا يصح الرد بعد القبول.

ومن صريح الرد: رددتها، أو لا أقبلها.

ومن كنايته: لا حاجة لي بها،

وأنا غني عنها ولا يشترط القبول في غير معين كالفقراء، بل تلزم بالموت، ويجوز الاقتصار على ثلاثة منهم، ولا يجب التسوية بينهم.

وإذا قبل الموصى له بعد الموت بأن به - أي بالقبول - الملك له في الموصي به من

ــ

صفة لقبول، أي قبول كائن بعد موت الموصي، فالمعتبر في القبول أن يكون بعد الموت فلا عبرة به قبله، كما سيذكره، قال في المنهج وشرحه، فإن مات الموصى له لا بعد موت الموصي، بأن مات قبله أو معه، بطلت الوصية، لأنها ليست لازمة ولا آيلة إلى اللزوم.

ولو مات بعده وقبل القبول أو الرد خلفه الوارث في ذلك.

اه (قوله: ولو بتراخ) غاية في اشتراط القبول بعد موت الموصي: أي يشترط القبول بعده ولو مع تراخ، وإنما لم يشترط الفور، لأنه إنما يشترط في العقود التي يشترط فيها ارتباط القبول بالإيجاب.

قال في التحفة: نعم يلزم الولي القبول أو الرد فورا بحسب المصلحة، فإن امتنع مما اقتضته المصلحة عنادا انعزل، أو متأولا قام القاضي مقامه.

اه.

وقال سم: حاصل ما في شرح البهجة وغيره عن الرافعي، وهو المعتمد عند م ر، فيما لو أوصي لصبي أو وهب له فلم يقبل الولي أن للصبي إذا بلغ قبوله الوصية دون الهبة.

اه (قوله: فلا يصح القبول الخ) محترز قوله بعد موت موص.

وقوله كالرد، الكاف للتنظير (قوله: قبل موت الموصي) أي ولا معه (قوله: لأن للموصي إلخ) علة لعدم صحة القبول كالرد قبل موت الموصي، أي وإنما لم يصح حينئذ لأن للموصي الرجوع في وصيته ما دام حيا فلا يكون للموصى له حق حينئذ (قوله: فلمن رد قبل الموت القبول بعده) ومثله العكس، فلمن قبل قبل الموت الرد بعده (قوله: ولا يصح الرد بعد القبول) عبارة التحفة: نعم القبول بعد الرد لا يفيد، وكذا الرد بعد القبول قبل القبض أو بعده على المعتمد.

اه (قوله: ومن صريح الرد الخ) مرتب على محذوف، وهو أنه لا بد في الرد من لفظ يدل عليه صريح أو كناية ومن الصريح كذا الخ.

(وقوله: رددتها أو لا أقبلها) أي أو أبطلتها أو ألغيتها (قوله: ومن كنايته لا حاجة لي بها) أي أو هذه لا تليق بي، فإن نوى الركد بها ثبت وإلا فلا.

(قوله: ولا يشترط القبول في غير معين) أي بأن كان جهة، أي أو معين لكنه غير محصور كالعلويين كما تقدم، وذلك لتعذره منهم.

ومن ثم لو قال لفقراء محل كذا وانحصروا، بأن سهل عادة عدهم تعين قبولهم ووجب التسوية بينهم (قوله: بل تلزم بالموت) أي بل تلزم الوصية بموت الموصي، والإضراب انتقالي، وهو يفهم أن غير المحصورين لو ردوا لم ترد

للزومها بالموت (قوله: ويجوز الاقتصار على ثلاثة منهم) أي من الفقراء، أي لكونهم غير محصورين.

قال ع ش: أما المحصورون فيجب استيعابهم والتسوية بينهم.

ومنه ما وقع السؤال عنه في الوصية لمجاوري الجامع الأزهر فتجب التسوية بينهم لانحصارهم لسهولة عدهم، لأن أسماءهم مكتوبة مضمونة، فيما يظهر، ويحتمل خلافه.

اه (قوله: وإذا قبل الوصي له بعد الموت بأن الخ) أي وإن رد بان أنه ملك للوارث، فإن لم يقبل ولم يرد خيره الحاكم بينهما، فإن أبى حكم عليه بالإبطال: كمتحجر امتنع من الأحياء.

وعبارة متن المنهاج مع شرح الرملي: وهل يملك الموصى له المعين الموصى به الذي ليس بإعتاق بموت الموصي أم بقبوله أم الملك موقوف.

ومعنى الوقف هنا عدم الحكم عليه عقب الموت بشئ.

(فإن قيل) بان أنه ملك بالموت، وإلا بأن لم يقبل بأن رد بان أنه ملك للوارث من حين الموت؟ أقوال، أظهرها الثالث، لأنه لا يمكن جعله للميت فإنه لا يملك، ولا للوارث فإنه لا يملك إلا بعد الوصية والدين، ولا للموصى له، وإلا لما صح رده، كالإرث، فتعين وقفه.

وعليها، أي على الأقوال الثلاثة، تبنى الثمرة وكسب عبد حصلا بين الموت والقبول، وكذا بقية الفوائد الحاصلة حينئذ ونفقته وفطرته وغيرهما من المؤن، فعلى الأول له الأولان وعليه الآخران، وعلى الثاني لا، ولا قبل القبول، بل للوارث، وعليه وعلى المعتمد هي موقوفة، فإن قبل فله الأولان وعليه الآخران، وإلا فلا، وإذا رد فالزوائد بعد الموت للوارث، وليست من التركة، فلا يتعلق بها دين، ويطالب الموصى له بالنفقة إن توقف في قبوله ورده.

اه.

بتصرف.

وقوله أي بالقبول، تفسير للضمير، ولو قال بان بالقبول لكان أخصر.

وقوله الملك، فاعل بان.

وقوله له، أي للموصى له.

وقوله في الموصى به، ظرف لغو متعلق بالملك أو مستقر متعلق بمحذوف صفة له، أي

ص: 244

الموت: فيحكم بترتب أحكام الملك حينئذ من وجوب نفقة وفطرة والفوز بالفوائد الحاصلة وغير ذلك.

(لا) تصح الوصية (في زائد على ثلث في) وصية وقعت في (مرض مخوف) لتولد الموت عن جنسه كثيرا (إن رده وارث) خاص مطلق التصرف، لانه حقه، فإن كان غير مطلق التصرف - فإن توقعت أهليته عن قرب: وقف إليها، وإلا بطلت، ولو أجار بعض الورثة فقط: صح في قدر حصته من الزائد وإن أجاز الوارث الاهل فإجازته تنفيذ للوصية بالزائد والمخوف: كإسهال متتابع، وخروج الطعام بشدة ووجع، أو مع دم من عضو شريف،

ــ

الملك الثابت في الموصى به.

وقوله من الموت متعلق بالملك (قوله: فيحكم الخ) مرتب على تبين الملك من الموت، أي وإذا تبين ملكه للموصى به فيتبعه الفوائد الحاصلة منه كالثمرة والكسب فيملكها الموصى له، وعليه المؤن والفطرة.

(قوله: بترتب أحكام الملك) أي عليه، فالمتعلق محذوف.

وقوله حينئذ، أي حين إذ بان الملك له (قوله: من وجوب نفقة الخ) بيان لأحكام الملك (قوله: والفوز إلخ) أي ومن الفوز بالفوائد الحاصلة من الموصى به حين الموت، ككسب وثمرة (قوله: وغير ذلك) أي من بقية المؤن ككسوة وثمن دواء (قوله: لا تصح الوصية إلخ) شروع في بيان حكم الوصية بالزائد على الثلث وحكم التبرعات في المرض (قوله: في وصية) الأولى الاقتصار على ما قبله وحذف هذا، لأن ذكره

يورث ركاكة، إذ المعنى عليه لا تصح الوصية في وصية الخ (قوله: وقعت في مرض مخوف) التقييد به يقتضي صحة الوصية في الزائد على الثلث في غير المرض المخوف وإن رده وارث خاص، وليس كذلك، إذ لا فرق في عدم الصحة حينئذ بين أن يوصي في حالة الصحة أو في حالة المرض المخوف وغيره.

وعبارة المنهج والمنهاج، ليس فيها التقييد بما ذكر، فالصواب إسقاطه (قوله: لتولد الموت) بيان لضابط كونه مخوفا، وسيبين أفراده.

وقوله عن جنسه، أي ذلك المرض.

وقوله كثيرا، أي بأن لا يندر تولد الموت عنه، وإن لم يغلب الموت به.

اه.

ع ش (قوله: إن رده) أي الزائد، وهو قيد في عدم الصحة.

وقوله وارث خاص، أي حائز، فان لم يكن الوارث خاصا، بل كان عاما، كبيت المال، بطلت ابتداء في الزائد لعدم تأتي الإجازة منه لأن الحق فيه لجميع المسلمين، أو كان خاصا لكنه غير حائز، كأخوين رد أحدهما وأجاز الآخر، بطلت في قدر حصته من الزائد، كما سيصرح به في قوله ولو أجاز بعض الورثة الخ.

(قوله: مطلق التصرف) أي بأن لا يكون محجورا عليه بسفه أو صغر أو جنون (قوله: لأنه حقه) أي لأن الزائد حق الوارث، وهو علة لعدم الصحة عند الرد، أي وإنما لم تصح الوصية في الزائد إن رده وارث خاص، لأن ذلك الزائد حقه، أي مستحق له، فله أن يرد وله أن يجيز (قوله: فإن كان) أي ذلك الوارث الخاص.

(وقوله: غير مطلق التصرف) أي بأن كان صغيرا أو مجنونا أو محجورا عليه بسفه.

(وقوله: فإن توقعت أهليته) أي بالبلوغ أو الإفاقة أو الرشد.

(وقوله: عن قرب) قيد به في فتح الجواد ولم يقيد به في التحفة والنهاية والمغني وغيرها من الكتب التي بأيدينا، بل اقتصرروا على توقع الأهلية.

وعبارة المغني: ومقتضى إطلاقهم أن الأمر يوقف على تأهل الوارث، وهو كذلك إن توقعت أهليته، وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين.

قال شيخي رحمه الله: لأن يد الوارث عليه، فلا ضرر عليه في ذلك.

اه.

وقوله وقف، أي ذلك الزائد، أي الحكم فيه.

وقوله إليها أي إلى الأهلية (قوله: وإلا) أي وإن لم تتوقع أهليته عن قرب، بأن لم تتوقع أهليته رأسا كمن به جنون مستحكم أيس من برئه بغلبة الظن بأن شهد بها خبيران، أو توقعت لا عن قرب.

وقوله بطلت، أي الوصية في الزائد فقط، فإن برئ وأجاز بان نفوذها (قوله: ولو أجاز بعض الورثة الخ) محترز قيد ملحوظ في المتن، وهو كونه حائزا، كما أشرت إليه، (قوله: صح) أي المذكور من الوصية، ولو قال صحت، بالتاء، لكان أولى (قوله: وإن أجاز الخ) مقابل قوله في المتن إن رده وارث، والأنسب التفريع وتقديمه على قوله ولو أجاز بعض الورثة.

(وقوله: الوارث الأهل) أي للتصرف، والمقام للإضمار، إلا أنه أظهر لئلا يعود الضمير لو أضمر على أقرب مذكور، وهو بعض الورثة، (قوله: فإجازته الخ) الأنسب بالمقابلة أن يقول فتصح الوصية في الزائد ثم يقول وإجازته الخ.

(وقوله: تنفيد

للوصية بالزائد) أي إمضاء للزائد الذي تصرف فيه الموصي بالوصية، إذ تصرفه صحيح بشرط الإجازة.

فإذا وجدت كانت إمضاء فقط، نظير بيع الشخص المشفوع فإنه صحيح بشرط إجازة الشفيع، فإذا أجاز كانت إجازته إمضاء لتصرف

ص: 245

كالكبد، دون البواسير، أو بلا استحالة، وحمى مطبقة، وكطلق حامل، وإن تكررت ولادتها، لعظم خطره، ومن ثم كان موتها منه شهادة وبقاء مشيمة والتحام قتال بين متكافئين واضطراب ريح في حق راكب سفينة، وإن

ــ

الشريك في الشخص وهذا هو الأصح.

ومقابله يقول إنها عطية مبتدأة من الوارث، والوصية بالزائد لغو، لنهيه صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص عن الوصية بالنصف وبالثلثين.

رواه الشيخان.

ويترتب على الخلاف المذكور أنه إن قلنا بالأول فليس للمجيز الرجوع قبل القبض ولا يحتاج إلى لفظ هبة ولا تجديد قبول وقبض وتنفذ من المفلس، وإن قلنا بالثاني كان له الرجوع في الزائد قبل القبض ويحتاج إلى ما ذكر من لفظ الهبة وتجديد وقبول وقبض ولا تنفذ من المفلس، ويترتب على ذلك أيضا أن الزوائد الحاصلة بعد الموت تكون للموصى له على الأول لا للوارث، وعلى الثاني بالعكس.

ويترتب عليهما أنه لا بد من معرفة الوارث قدر الزائد على الثلث وقدر التركة إن كانت الوصية بمشاع، لا معين فلو جهل أحدهما لم يصح - كالإبراء من المجهول - ومن ثم لو أجاز وقال ظننت قلة المال أو كثرته ولم أعلم كميته وهي بمشاع حلف أنه لا يعلم ونفذت فيما ظنه فقط، أو بمعني لم يقبل: أفاده ابن حجر (قوله: والمخوف الخ) إن كان مراده بهذا تعداد أفراد المرض المخوف المذكور آنفا في كلامه فلا يناسب ذلك ذكره من جملة ذلك طلق الحامل والتحام القتال وما بعده، لأن ما ذكر ليس من المرض المخوف.

وإن كان مراده تعداد أفراد المخوف مطلقا كان سواء مرضا أو غيره، فلا يناسب تقييده المرض فيما سبق بالمخوف، إذ علمت ذلك فكان الأولى أن يعد أفراد المرض المخوف ثم يقول ويلحق بذلك ترك الحامل وحالة التحام القتال ونحوهما، كما في المنهاج، فتنبه (قوله: كإسهال الخ) لم يذكر حد المخوف لطول الاختلاف فيه بين الفقهاء، فقيل هو كل ما يستعد بسببه للموت بالاقبال على العمل الصالح، وقيل كل ما اتصل به الموت، وقال الماوردي وتبعاه كل ما لا يتطاول بصاحبه معه الحياة، وقالا عن الإمام وأقراه ولا يشترط في كونه مخوفا غلبة حصول الموت به بل عدم ندرته، كالبرسام الذي هو ورم في حجاب القلب أو الكبد يصعد أثره إلى الدماغ، وهو المعتمد، وإن نازع فيه ابن الرقعة، فعلم أنه ما يكثر عنه الموت عاجلا وإن خالف المخوف عند الأطباء.

اه.

تحفة.

وقوله متتابع، أي أياما، لأنه حينئذ ينشف رطوبات البدن، وكذا نحو يومين وانضم إليه إعجال ومنع نوم أو عدم استمساك أو خروج طعام غير مستحيل أو معه وجع وشدة، ويسمى الزحير أو دم من عضو شريف ككبد.

اه.

فتح الجواد.

(قوله: وخروج طعام الخ) معطوف على إسهال، أي وكخروج طعام بشدة ووجع أو مع دم فهو من المخوف ولو لم يصحبه

إسهال، كما صرح به الأطباء، لكن بشرط أن يتكرر تكرارا يفيد سقوط القوة.

وذهب بعضهم إلى أنه يشترط أن يصحبه إسهال ولو غير متواتر، ونظر فيه في التحفة والنهاية (قوله: من عضو شريف) متعلق بمحذوف صفة لدم، أي دم كائن من عضو شريف.

وقوله كالكبد تمثيل للعضو الشريف (قوله: دون البواسير) أي دون خروجه من البواسير، أي فلا يكون مخوفا (قوله: أو بلا استحالة) معطوف على قوله بشدة، أي أو خروج الطعام بلا استحالة، أي غير مستحيل لزوال القوة الماسكة، فيكون مخوفا (قوله: وحمى) عطف على إسهال، أي وكحمى مطبقة، بكسر الباء أشهر من فتحها، وهي الملازمة التي لا تبرح لأن إطباقها يذهب القوة التي هي قوام الحياة.

قال في شرح الروض، ومحل كونها مخوفة إذا زادت على يوم أو يومين.

اه.

وكالحمي المطبقة حمى الورد، بكسر الواو، وهي التي تأتي كل يوم، وحمى الثلث، بكسر الثاء، وهي التي تأتي يومين وتقلع يوما، لا حمى الربع، بكسر الراء، وهي التي تأتي يوما وتقلع يومين، لأن المحمول يأخذ قوة في يومي الإقلاع (قوله: وكطلق حامل) عطف على كإسهال، وأعاد العامل إشارة إلى أنه نوع آخر من المخوف غير الذي تقدم.

وخرج بالطلق، نفس الحمل، فليس بمخوف ولا أثر لتولد الطلق المخوف منه، لأنه ليس بمرض.

قال في الروض وشرحه: ويمتد خوفه، أي الطلق، إلى انفصال المشيمة، وهي التي تسميها النساء الخلاص، أو إلى زوال ما حصل بالولادة فيما لو انفصلت، أي المشيمة، وحصل من الولادة جرح أو ضربان شديد أو ورم.

اه.

(قوله: وان تكررت ولادتها) غاية المقدر، أي هو من المخوف، وإن تكررت ولادة صاحبة الطلق (قوله: لعظم خطره) أي الطلق، وهو علة لذلك المقدر المار آنفا (قوله: ومن ثم) أي من أجل عظم خظره كان موتها من الطلق يعد شهادة (قوله: وبقاء

ص: 246

أحسن السباحة وقرب من البر - وأما زمن الوباء والطاعون فتصرف الناس كلهم فيه محسوب من الثلث.

وينبغي لمن ورثته أغنياء أو فقراء أن لا يوصي بزائد على ثلث، والاحسن أن ينقص منه شيئا.

(ويعتبر منه) أي الثلث

ــ

مشيمة) معطوف على طلق، أي وكبقاء مشيمة - وهي المسماة بالخلاص - إلى الوضع، فإذا انفصلت زال الخوف ما لم يبق بعده جرح أو ضربان شديد أو ورم، وإلا فلا يزول الخوف إلا بعد زواله.

ومثله موت الجنين في جوفها (قوله: والتحام قتال) معطوف على طلق، أي وكالتحام قتال، فهو من المخوف، وعبارة المنهاج، والمذهب، أنه يلحق بالمخوف أسر كفار اعتادوا قتل الأسرى والتحام قتال بين متكافئين وتقديم لقصاص أو رجم واضطراب وهيجان موج في راكب سفينة.

اه.

وخرج بالتحام، قتال ليس فيه التحام، وإن تراميا بالنشاب، فهو ليس من المخوف.

(وقوله: بين متكافئين) أي بين اثنين أو حزبين متكافئين، أي أو حزبي التكافؤ.

وخرج به ما إذا عدم التكافؤ، كمسلمين وكافر، فلا يكون التحام القتال فيه من المخوف (قوله: واضطراب ريح) يلزم منه هيجان الموج، فمن جمع بينهما، كالمنهاج، أراد

التأكيد.

وعبارة الروض وشرحه، وهيجان البحر بالريح، بخلاف هيجانه بلا ريح.

اه (قوله: وإن أحسن الخ) غاية المقدر: أي أن اضطراب الريح من المخوف في حق راكب السفينة وإن أحسن السباحة وقرب من البر.

ومحله حيث لم يغلب على ظنه السلامة والنجاة من ذلك.

كما في النهاية (قوله: وأما زمن الخ) الأولى حذف أما وعطف ما بعدها على طلق حامل، إذ ليس لها مقابل ومحمل في كلامه، وعبارة النهاية، ويلحق بالمخوف أشياء كالوباء والطاعون، أي زمنهما، فتصرف الناس كلهم فيه محسوب من الثلث، لكن قيده في الكافي بما إذا وقع في أمثاله.

وهو حسن، كما قاله الأذرعي، وهل يقيد به إطلاقهم حرمة دخول بلد الطاعون أو الوباء أو الخروج منها لغير حاجة، أو يفرق؟ فيه نظر، وعدم الفرق أقرب، وعموم النهي يشمل التحريم مطلقا اه.

وقوله وعدم الفرق، أي بين تقييد حرمة الخروج بمن وقع في أمثاله وبين تقييد إلحاق المخوف بمن وقع في أمثاله.

وقوله أقرب، أي فيقيد بما إذا وقع في أمثاله.

(وقوله: يشمل التحريم مطلقا) أي فيشمل أمثاله وغيرهم، لكن التقييد أقرب كما قدمه، اه.

ع ش.

وفي شرح الروض، قال ابن الأثير: الطاعون المرض العام، والوباء يحصل بفساد الهواء فتفسد منه الأمزجة فجعل الوباء قسما من الطاعون، وبعضهم فسر الطاعون بغير ذلك، ولعله أنواع، وقيل الوباء المرض العام، وقيل الموت الذريع، أي السريع، اه (قوله: وينبغي لمن ورثته الخ) أي يطلب ذلك على سبيل الندب على المعتمد من كراهة الوصية بالزائد، وعلى سبيل الوجوب على مقابله، وإنما طلب ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين عاده في مرضه وقال له أوصي بمالي كله؟ قال.

لا.

قال بثلثيه؟ قال: لا.

قال: بثلثه؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ويجوز في الثلث الأول الرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف، أي كافيك، أو على أنه فاعل لفعل محذوف، أي يكفيك، والنصب على أنه مفعول لفعل محذوف، أي أعط الثلث.

وأما الثلث الثاني فيتعين رفعه، لأنه مبتدأ خبره كثير.

وأن تذر، بفتح الهمزة، على أنه مؤول بمصدر من معناه مبتدأ خبره خير، والجملة خبر إن، والتقدير إنك تركك ورثتك أغنياء خير من تركك إياهم عالة، أي فقراء لأن العالة جمع عائل، وهو الفقير، ومعنى يتكففون الناس يمدون أكفهم لسؤال الناس.

ولقوله عليه الصلاة والسلام: أن الله تعالى تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم رواه ابن ماجة.

ثم إن الاعتبار في كون الموصى به ثلث المال بيوم الموت لا بيوم الوصية، فلو أوصى بثلث ماله وتلف ثم كسب مالا أو لم يكن له مال ثم كسبه لزم الوارث إخراج الثلث، ولا تنفذ الوصية إلا في الثلث الفاضل بعد وفاء الدين أو سقوطه عنه، فلو كان عليه دين مستغرق لم تنفذ الوصية في شئ، لكنها تنعقد حتى لو أبرأه

الغريم أو قضى عنه الدين من أجنبي أو من وارث نفذت الوصية في الثلث، كما جزم به الرافعي وغيره، ولو أوصى بالثلث وله عين ودين دفع للموصى له ثلث العين، وكلما نص من الدين شئ دفع له ثلثه.

ولو أوصى بشئ هو ثلث ماله وباقيه غائب لم يتسلط الموصى له على شئ منه حالا لاحتمال تلف الغائب لا يقال كان يتسلط على ثلث الحاضر، لأنه يستحقه، سواء تلف الغائب أم لا، لأنا نقول تسلط الموصى له على شئ من الوصية متوقف على تسلط الوارث على

ص: 247

أيضا (عتق علق بالموت) في الصحة أو المرض (و) تبرع نجز في مرضه.

(كوقف وهبة) وإبراء.

ولو اختلف الوارث والمتهب: هل الهبة في الصحة أو المرض؟ صدق المتهب بيمينه، لان العين في يده.

ولو وهب في

ــ

مثليه، والوارث لا يتسلط على ثلثي الحاضر، لاحتمال سلامة الغائب (قوله: والأحسن أن ينقص منه شيئا) أي خروجا من خلاف من أوجب ذلك ولأنه صلى الله عليه وسلم اسكثر الثلث، وهذا كالاستدراك على مفهوم مقابله، إذ مفهومه استواء الوصية لثلث فأقل في الحسن، فدفعه بقوله والأحسن الخ.

قال زي قوله والأحسن، هذا ما رجحه في الروضة لكن قال في الأم إذا ترك ورثته أغنياء اخترت أن يستوعب الثلث، وإذا لم يدعهم أغنياء كرهت له أن يستوعب الثلث.

ونقله في شرح مسلم عن الأصحاب.

اه.

اسعاد.

اه (قوله: ويعتبر منه أي الثلث أيضا) أي كما تعتبر الوصية منه، وفيه أنه لم يتقدم منه أن الوصية تعتبر من الثلث حتى يحيل عليه ما هنا بقوله أيضا ويمكن أن يقال أنه تقدم منه ذلك بطريق المفهوم: إذ قوله لا تصح الوصية في زائد على ثلث يفهم أنها تصح في الثلث وتعتبر منه.

تأمل.

(واعلم) أنه إذا اجتمعت تبرعات متعلقة بالثلث وضاق عنها الثلث، فإن تمحضت عتقا، سواء كانت منجزة أو معلقة بالموت، فإن كانت مرتبة فيهما، كأن قال في الأولى أعتقت سالما فغانما فبكرا، أو قال في الثانية إذا مت فسالم حر ثم غانم ثم بكر، أو قال اعتقوا بعد موتي سالما ثم غانما ثم بكرا قدم أول فأول إلى تمام الثلث، وما زاد يتوقف على إجازة الورثة، وإن لم تكن مرتبة، كأن قال في المنجزة أعتقتكم أو أنتم أحرار أو قال في المعلقة إذا مت فأنتم أحرارا أو فسالم وغانم وبكر أحرار أقرع بينهم، فمن خرجت قرعته عتق منه ما يفي بالثلث ولا يعتق من كل بعضه حذرا من التشقيص، لأن المقصود من العتق تخليص الرقبة من الرق.

وإن كان منجزا والبعض معلقا قدم المنجز على المعلق، لأن المنجز لازم لا يمكن الرجوع فيه، بخلاف المعلق وإن تمحضت غير عتق سواء كانت منجزة أو معلقة بالموت أيضا.

فإن كانت مرتبة فيهما، كأن قال في الأولى تبرعت لزيد بكذا ثم تبرعت لعمرو بكذا وهكذا، أو قال في الثانية اعطوا لزيد كذا بعد موتي ثم اعطوا عمرا كذا بعد موتي وهكذا قدم أول فأول إلى تمام الثلث، ويتوقف ما زاد على إجازة الورثة، وإن وجدت دفعة منه أو من وكلائه كأن قال في المنجزة لجمع عليهم ديون له أبرأتكم أو تصدق أحد وكلائه ووهب آخر ووقف آخر كلهم معا،

وكأن قال في المعلقة أوصيت لزيد بكذا ولعمرو بكذا ولبكر بكذا، أو إن مت فأعطوا زيدا كذا وعمرا كذا وبكرا كذا قسط الثلث على الجميع كما تقسط التركة بين أرباب الديون عند ضيقها عن الوفاء بها كلها، فإذا أوصى لزيد بمائة ولعمرو بخمسين ولبكر بخمسين وثلث المال مائة فقط فلزيد خمسون ولكل من عمرو وبكر خمسة وعشرن وإن كان البعض منجزا والبعض معلقا قدم المنجز على المعلق (قوله: عتق علق بالموت) أي ولو مع غيره، كأن قال إن مت ودخلت الدار فأنت حر فيشترط دخوله بعد الموت، إلا أن يريد الدخول قبله فيتبع، وقيل لا فرق بين تقدم الدخول وتأخره، والأول أصح، كما في شرح م ر في كتاب التدبير (قوله: في الصحة أو المرض) متعلق بعلق، وهو تعميم في التعليق، أي لا فرق فيه بين أن يقع في حال الصحة أو المرض (قوله: وتبرع الخ) معطوف على عتق، أو ويعتبر من الثلاث تبرع نجز في مرضه، أي الموت، ثم إن الموجود في النسخ الواو من قوله وتبرع من المتن، وقوله تبرع، أي كوقف من الشرح، وهو لا يصح، فإما أن يكون كله من المتن، كما في المنهج، أو كله من الشرح ويكون دخولا على المتن (قوله: كوقف الخ) أي وعتق لغير مستولدته، أما لها فهو من رأس المال، كما سيذكره، وكعارية عين سنة مثلا وتأجيل ثمن مبيع كذلك، فيعتبر من الثلث أجرة الأولى وثمن الثانية وإن باعها بأضعاف ثمن مثلها، لأن تفويت يدهم كتفويت ملكهم.

أفاده في التحفة والنهاية (قوله: وهبة) أي كأن وهب عينا عنده لآخر في مرض موته فتعتبر من الثلث (قوله: وإبراء) أي كأن أبرأ الدائن في مرض موته المدين من الدين الذي عليه فيعتبر من الثلث (قوله: ولو اختلف الوارث الخ) هذا مندرج في قوله الآتي ولو اختلف في وقوع التصرف في الصحة أو في المرض الخ، فالمناسب والأولى أن يؤخره عن قوله ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض، ويزيد لفظ أقبض بعد أداة الاستفهام، بأن يقول هل أقبض في الصحة أو في المرض؟ كما هو صريح في فتح

ص: 248

الصحة وأقبض في المرض، اعتبر من الثلث.

أما المنجز في صحته فيحسب من رأس المال، كحجة الاسلام، وعتق المستولدة، ولو ادعى الوارث موته في مرض تبرعه والمتبرع عليه شفاءه وموته من مرض آخر أو فجأة، فإن كان مخوفا صدق الوارث وإلا فالآخر.

ولو اختلفا في وقوع التصرف في الصحة أو في المرض، صدق المتبرع عليه، لان الاصل دوام الصحة، فإن أقاما بينتين قدمت بينة المرض.

(فرع) لو أوصى لجيرانه فلاربعين دارا من كل جانب فيقسم حصة كل دار على عدد سكانها، أو للعلماء

ــ

الجواد، وعبارته مع الأصل، وإقباض هبة، أي موهوب في المرض وإن وهب في الصحة اعتبارا بحالة القبض لتوقف الملك عليه، ولو اختلف الوارث والمتهب، هل أقبض في الصحة أو المرض؟ صدق المتهب بيمينه، لأن العين في يده.

وقضيته أنها لو كانت في يد الوارث صدق، وهو محتمل.

اه.

ومثله في التحفة إلا أن فيها زيادة قوله الآتي ولو اختلفا في وقوع التصرف الخ، ونصها، وهبة في صحة وإقباض في مرض باتفاق المتهب والوارث وإلا حلف المتهب، لأن العين في يده الخ (قوله: هل الهبة) أي المقبوضة بدليل ما بعده (وقوله: في الصحة) أي وقعت في حال الصحة، وهذه دعوى المتهب لأجل حسبانها من رأس المال.

(وقوله: أو في المرض) أي أو وقعت في حال المرض، وهذه دعوى الوارث

لأجل حسبانها من الثلث (قوله: وصدق المتهب) أي في أنها وقعت الهبة في حال الصحة (قوله: لأن العين في يده) أي المتهب، وهو تعليل لتصديق المتهب.

قال في التحفة، ومثله في النهاية، وقضيته أنها لو كانت بيد الوارث وادعى المتهب أنه ردها إليه أو إلى مورثه وديعة أو عارية صدق الوارث، وهو محتمل.

اه (قوله: ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض) هذه الصورة غير صورة المتن، لأن تلك وقع فيها الهبة والقبض في حال المرض (قوله: اعتبر من الثلث) أي اعتبر ما أقبضه في حال المرض من الثلث كصورة المتن، لأن الهبة لا تملك إلا بالقبض، فلا أثر لتقدم الهبة (قوله: أما المنجز في صحته الخ) محترز قوله نجز في مرضه.

(وقوله: فيحسب من رأس المال) أي لا من الثلث فقط (قوله: كحجة الإسلام) الكاف للتنظير، أي نظير حجة الإسلام، فإنها تحسب من رأس المال.

سواء أوصى بها أم لا، إلا إن قيد بالثلث فمنه عملا بتقييده وفائدته مزاحمة الوصايا (قوله: وعتق المستولدة) أي وكعتق المستولدة فإنه يحسب من رأس المال لو نجز في مرض الموت ويكون حينئذ مستثنى من التبرع المنجز في المرض.

وفي المغني بعد قول المنهاج ويعتبر من الثلث تبرع نجز في مرضه ما نصه، وخرج بتبرع ما لو استولد في مرض موته، فإنه ليس تبرعا، بل إتلاف واستمتاع، فهو من رأس المال، وبمرضه تبرع نجز في صحته، فيحسب من رأس المال، لكن يستثنى من العتق في مرض الموت عتق أم الولد إذا أعتقها في مرض موته فإنه ينفذ من رأس المال، كما سيأتي في محله، مع أنه تبرع نجز في المرض.

اه.

(قوله: ولو ادعى الوارث إلخ) أي لو اختلف الوارث والمتبرع عليه في أنه مات المتبرع في المرض الذي تبرع فيه أو في غيره مع اتفاقهما على أن التبرع واقع في حال مرض، فقال الوارث إنه مات في مرض التبرع، وقال المتبرع عليه إنه شفي من مرضه الذي تبرع فيه ومات من مرض آخر أو فجأة، ففيه تفصيل، فإن كان المرض الذي تبرع فيه مخوفا صدق الوارث، وإلا فالثاني (قوله: أو فجأة) عطف على قوله من مرض آخر (قوله: وإلا فالآخر) أي وإن لم يكن مخوفا صدق المتبرع عليه، وذلك لأن غير المخوف بمنزلة الصحة (قوله: ولو اختلفا) أي الوارث والمتبرع عليه، وعبارة التحفة، عقب قوله وإلا فالآخر، أي لأن غير المخوف بمنزلة الصحة، وهما لو اختلفا في وقوع التصرف فيها أو في المرض صدق المتبرع عليه، لأن الأصل دوام الصحة.

اه.

فلو صنع المؤلف مثل صنعها لكان أولى (قوله: لأن الأصل دوام الصحة) أي استمرار الصحة، فالتصرف واقع فيها (قوله: فإن أقاما) أي الوارث والمتبرع عليه.

(وقوله: بينتين) أي تشهد كل بينة بمدعى من أقامها (قوله: قدمت بينة المرض) أي لأنها ناقلة وبينة الصحة مستصحبة، وتلك مقدمة عليها (قوله: فرع) الأولى فروع (قوله: لو أوصى لجيرانه) أي أو لجيران المسجد (قوله: فلأربعين دارا من كل جانب) أي

فتعطى الوصية لأربعين دارا من كل جانب من الجهات الأربع، وذلك لخبر حق الجوار أربعون دارا هكذا وهكذا

ص: 249

فلمحدث يعرف حال الراوي قوة أو ضدها والمروي صحة وضدها، ومفسر يعرف معنى كل آية وما أريد بها، وفقيه يعرف الاحكام الشرعية نصا واستنباطا.

والمراد هنا من حصل شيئا من الفقه، بحيث يتأهل به لفهم باقيه،

ــ

وهكذا وهكذا - وأشار قداما وخلفا، ويمينا وشمالا رواه أبو داود وغيره مرسلا، وله طرق تقويه فجملة ذلك مائة وستون دارا وفي سم ما نصه: الوجه الوجيه الذي لا يتجه غيره أن هذا جرى على الغالب من أن للدار جوانب أربعا، وأن ملاصق كل جانب دار واحدة، فلو كانت الدار مثمنة مثلا ولاصق كل ثمن دار اعتبر أربعون من كل ثمن، ولو لم يلاصق إلا داران فقط، بأن اتسعت مسافة الملاصق فعمت إحدى الدارين جهتين من جهاتها الأربع، والأخرى الجهتين الباقيتين، اعتبر أربعون من أحد الملاصقتين وأربعون أخرى من الملاصقة الأخرى فتكون الجملة ثمانين فقط، كما ذكر، لكن لو لاصق كل دار من هاتين الدارين دور كثيرة، بأن اتسعت مسافة الدارين وضاقت مسافة ملاصقهما من الدور فهل يعتبر مع كل واحدة من الدارين تسعة وثلاثون على الامتداد من كل ملاصقة لها، أو لا يعتبر إلا تسعة وثلاثون فقط مما بعد كل من المتبعتين على الامتداد؟ فيه نظر.

والمتجه الأول.

اه.

ملخصا.

وقال في التحفة: ويجب استيعاب المائة والستين إن وفى بهم بأن يحصل لكل أقل متمول، وإلا قدم الأقرب.

اه (قوله: فيقسم حصة كل دار على عدد سكانها) في العبارة حذف، وهو، فيقسم المال على عدد الدور، ثم يقسم حصة كل دار على عدد سكانها.

وعبارة التحفة: ويقسم المال على عدد الدور، ثم ما خص كل دار على عدد سكانها، أي يحق عند الموت فيما يظهر فيهما، سواء في ذلك المسلم والغني والحر والمكلف وضدهم اه.

(قوله: أو للعلماء) عطف على قوله لجيرانه، أي أو أوصى للعلماء وهم الموصوفون بأنهم أصحاب علوم الشرع يوم الموت، لا وقت الوصية، وهي ثلاثة: الحديث، والتفسير، والفقه.

فلو عين علماء بلدة مثلا ولا عالم فيهم يوم الموت بطلت الوصية، لكن قال سم: قد يتجه أن محله ما لم يوجد بتلك البلد علماء بغير العلوم الثلاثة، وإلا حمل عليهم، كما لو أوصى بشاة ولا شاة له وعنده ظباء تحمل الوصية عليها.

اه.

(قوله: فلمحدث) أي فيصرف الموصى به لمحدث وقوله يعرف الخ، بيان لضابط المحدث.

قال في المغني، والمراد به أي بعلم الحديث، معرفة معانيه ورجاله وطرقه وصحيحه وعليله وسقيمه وما يحتاج إليه، وهو من أجل العلوم بعد القرآن، فالعالم به من أجل العلماء، وليس من علمائه من اقتصر على السماع المجرد.

اه.

وقوله قوة: منصوب على التمييز: أي من جهة القوة.

وقوله أو ضدها أي ضد القوة وهو الضعف.

وقوله والمروي، معطوف على الراوي أي ويعرف حال المروي من جهة الصحة وضدها (قوله: ومفسر) معطوف على محدث، أي ويصرف أيضا لمفسر.

قال في المغني:

التفسير لغة بيان معنى اللفظ الغريب، وشرعا معرفة الكتاب العزيز وما أريد به، وهذا بحر لا ساحل له، وكل عالم يأخذ منه على قدره.

اه.

(قوله: يعرف معنى كل آية) قال اسم: ظاهره اعتبار معرفة الجميع، وقد يتوقف فيه.

اه.

(قوله: وما أريد بها) أي بالآية من الأحكام نقلا في التوقيفي، واستنباطا في غيره، ومن ثم قال الفارقي: لا يصرف لمن علم تفسير القرآن دون أحكامه، لأنه كناقل الحديث.

اه.

تحفة (قوله: وفقيه) معطوف على محدث، أي ويصرف الموصى به أيضا الفقيه.

وقوله يعرف الأحكام الشرعية نصا واستنباطا، هذا بيان لضابط الفقيه المبحوث عنه في فن أصول الفقه، وهو المجتهد، وهذا ليس مرادا هنا، أي في الوصية، بل المراد به ما أفاده الشارح بقوله بعد والمراد به الخ.

(وقوله: من حصل شيئا من الفقه الخ) المراد من عرف من كل باب من أبواب الفقه طرفا صالحا يهتدي به إلى معرفة باقية، دون من عرف طرفا أو طرفين منه فقط، كمن عرف أحكام الحيض أو الفرائض فقط، وإن سماها الشارع نصف العلم.

وقال ع ش: المراد به في زماننا العارف بما اشتهر الإفتاء به، فهو يعد فقيها، وإن لم يستحضر من كل باب ما يهتدي به إلى باقيه.

اه.

بالمعنى.

وفي المغني ما نصه: قال الماوردي: لو أوصي لأعلم الناس صرف للفقهاء، لتعلق الفقه بأكثر العلوم.

وقال شارح التعجيز: أولى الناس بالفقه في الدين نور يقذف هيئته في القلب، أي من قدف في قلبه ذلك، وهذا القدر قد يحصل لبعض أهل العنايات موهبة من الله تعالى، وهو المقصود الأعظم، بخلاف ما يفهمه أكثر أهل الزمان، فذلك صناعة.

ص: 250

وليس منهم نحوي وصرفي ولغوي ومتكلم ويكفي ثلاثة من أصحاب العلوم الثلاثة أو بعضها.

ولو أوصى لاعلم الناس اختص بالفقهاء، أو للقراء لم يعط إلا من يحفظ كل القرآن عن ظهر قلب، أو لاجهل الناس صرف لعباد

ــ

(وسئل) الحسن البصري عن مسألة.

(فأجاب) فقيل إن فقهاءنا لا يقولون ذلك، فقال وهل رأيتم فقيها قط؟ الفقيه هو القائم ليله، الصائم نهاره، الزاهد في الدنيا، الذي لا يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله، فإن قبلت منه حمد الله تعالى، وفقه عن الله أمره ونهيه، وعلم ما يحبه وما يكرهه، فذلك هو العالم الذي قيل فيه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين فإذا لم يكن بهذه الصفة فهو من المغرورين.

واختلف في الراسخ في العلم، فقيل هو من جمع أربع خصال: التقوى فيما بينه وبين الله، والتواضع فيما بينه وبين الناس، والزهد فيما بينه وبين الدنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين نفسه، والأصح أنه العالم بتصاريف الكلام، وموارد الأحكام، ومواقع المواعط، لأن الرسوخ الثبوت في الشئ.

اه.

ملخصا.

(قوله: وليس منهم الخ) أي ليس من العلماء الذين تصرف الوصية لهم نحوي وصرفي ولغوي، أي عارف بعلم النحو أو الصرف أو اللغة أي أو المعاني والبيان

والبديع أو العروض أو القوافي وغيرها من بقية علوم الأدب الإثني عشر علما عملا بالعرف المطرد عليه غالب الوصايا، فإنه حيث أطلق العالم لا يتبادر منه إلا أصحاب علوم الشرع الثلاثة: أعني الحديث، والتفسير، والفقه.

وقوله ومتكلم، عبارة المنهاج وكذا متكلم عند الأكثرين.

قال في المغني، أي فهو ليس منهم، لما ذكر.

ونقله العبادي في زيادته عن النص.

وقيل يدخل، وبه قال المتولي، ومال إليه الرافعي، وقال السبكي: إن أريد به العلم بالله وصفاته وما يستحيل عليه ليرد على المبتدعة ويميز بين الإعتقاد الصحيح والفساد فذاك من أجل العلوم الشرعية، وقد جعلوه في كتب السير من فروض الكفايات، وإن أريد به التوغل في شبهه والخوض فيه على طريق الفلسفة فلا.

وهذا القسم هو الذي أنكره الشافعي، وقال: لأن يأتي العبد ربه بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بعلم الكلام.

اه.

بتصرف (قوله: ويكفي ثلاثة من أصحاب الخ) أي من كل صنف من أصحاب العلوم الثلاثة أو بعضها، ولا يجزئ واحد من كل صنف، كما في فتح الجواد، ونص عبارته: والمراد بمحدث وما بعده الجنس، فيكفي ثلاثة فقهاء، ولا يجزئ واحد من كل صنف.

اه.

وعبارة الروض وشرحه، وإن أوصى للفقراء والمساكين وجب لكل منهما النصف، ولا يقسم ذلك على عدد رؤوسهم، أو أوصى لأحدهما دخل فيه الآخر، فيجوز الصرف إليهما، أو أوصى للرقاب أو غيرهم من الأصناف أو العلماء لم يجب الإستيعاب، بل يستحب عند الإمكان، كما في الزكاة، إذا فرقها المالك ويكفي ثلاثة من كل صنف، أي الإقتصار عليها، لأنها أول الجمع، ولا تجب التسوية بينهم اه.

ومحل الإكتفاء بثلاثة من كل صنف، حيث لم يقيدوا بمحل أو قيدوا وهم غير محصورين، فإن قيدوا بمحل، كأن قال لعلماء بلد كذا وهم محصورون وجب التعميم والتسوية، بل والقبول.

فإن لم يكن بها عالم بطلت الوصية (قوله: اختص بالفقهاء الخ) أي لتعلق الفقه بكثير من العلوم، كما مر (قوله: أو للقراء) أي أو أوصى للقراء (قوله: عن ظهر قلب) أي عرفا، فلا يضر غلط يسير ولا لحن كذلك فيما يظهر.

اه.

ع ش (قوله: أو لأجهل الناس) أي أو أوصى لأجهل الناس.

وقوله صرف لعباد الوثن، قال في شرح الروض، قال الزركشي: وقضية كلامهم صحة الوصية وهو لا يلائم قولهم إنه يشترط للوصية للجهة عدم المعصية وقد تفطن لذلك صاحب الإستقصاء فقال: وينبغي عدم صحتها لما فيها من المعصية، كما لا تصح لقاطع الطريق.

اه.

وأجاب في التحفة عن ذلك ولفظها.

واستشكلت صحة الوصية بأنها معصية، ويجاب بأن الضار ذكر المعصية، لا ما قد يستلزمها أو

(1) قوله الإثني عشر علما: أي المنظومة في قول بعضهم: صرف بيان معاني النحو قافية شعر عروض اشتقاق الخط انشاء

محاضرات وثاني عشرها لغة تلك العلوم لها الاداب أسماء

ص: 251

الوثن، فإن قال من المسلمين فمن يسب الصحابة ويدخل في وصية الفقراء والمساكين وعكسه، ويدخل في أقارب زيد كل قريب، وإن كان بعد، لا أصل وفرع، ولا تدخل في أقارب نفسه ورثته (وتبطل الوصية المعلقة بالموت) ومثلها تبرع علق بالموت، سواء كان التعليق في الصحة أو المرض، فللموصي الرجوع فيها، كالهبة، قبل القبض، بل أولى.

ومن ثم لم يرجع في تبرع نجزه في مرضه، وإن اعتبر من الثلث (برجوع) عن الوصية

ــ

يقارنها، كما هنا، ومن ثم ينبغي، بل يتعين بطلانها لو قال لمن يعبد الوثن أو يسب الصحابة.

اه (قوله: فإن قال من المسلمين) أي وإن أوصى لأجهل الناس، وقيدهم بالمسلمين.

(وقوله: فمن يسب الصحابة) أي فتصرف لمن يسبهم، لأنهم أجهل المسلمين، وقيل للمجسمة.

وقيل لمرتكبي الكبائر من المسلمين، إذ لا شبهة لهم (قوله: ويدخل في وصية الفقراء الخ) وذلك لانطلاق كل على ما يشمل الآخر عند الإنفراد، وأما عند الإجتماع فيطلق كل على ما يقابل الآخر، كما مر في قسم الصدقات، (قوله: وعكسه) هو أن يدخل في وصية المساكين والفقراء (قوله: ويدخل في أقارب زيد الخ) أي في الوصية لأقارب زيد.

(وقوله: كل قريب) أي مسلما كان أو كافرا، ذكرا أو أنثى أو خنثى، فقيرا، أو غنيا، ويدخل أيضا الأجداد والجدات والأحفاد، وذلك لأن هذا اللفظ يذكر عرفا شائعا لإرادة جهة الغرابة فعمم (قوله: لا أصل) أي لا يدخل أصل فقط.

وقوله وفرع، أي ولد فقط، وإنما لم يقل أصول وفروع لما علمت من دخول الأجداد والجدات والأحفاد، وإنما لم يدخل الأصل والفرع لأنهما لا يسميان أقارب عرفا بالنسبة للوصية، وإن كانا يسميان أقارب بالنسبة لغيرها (قوله: ولا تدخل في أقارب نفسه) أي ولا تدخل في الوصية لأقارب نفسه وورثته اعتبارا بعرف الشرع، لا بعموم اللفظ، ولأن الوارث لا يوصى له عادة، وقيل يدخلون لوقوع الإسم عليهم ثم يبطل نصيبهم لتعذر إجازتهم لأنفسهم، ويصح الباقي لغيرهم.

أفاده في شرح الروض.

(قوله: وتبطل الوصية الخ) شروع في بيان حكم الرجوع عن الوصية وما يحصل به (قوله: المعلقة بالموت) أي المضافة لما بعد الموت لفظا، كما إذا كانت الصيغة من غير مادة الوصية، ومعنى كما إذا كانت من مادتها لما تقدم أن التقييد بقوله بعد موتي لازم في غير أوصيت من الصيغ كأعطوا أو ادفعوا، وأما في أوصيت فلا يلزم لوضعه شرعا لذلك (قوله: ومثلها تبرع علق بالموت) فيه أن هذا وصية لا مثلها، فهو مما يندرج تحت قوله المعلقة بالموت، إلا أن يحمل قوله المعلقة بالموت على ما إذا كان اللفظ المشتمل على التعليق من مادة الوصية.

وقوله تبرع علق بالموت، على ما إذا كان من غيرها فلا يكون مندرجا، بل يكون قسيما، لكن يبقى الإيراد في الحكم عليه بالمثلية مع أنه نوع منها، فلو اقتصر المؤلف على قوله وتبطل الوصية برجوع بنحو نقضتها كأبطلتها أو رددتها أو أزلتها الخ، وأسقط ما بعد قوله وتبطل مما ذكره في الشرح لكان أولى وأخصر وأسلم من الركاكة الحاصلة في عبارته، وعبارة المنهاج له الرجوع عن الوصية وعن بعضها

بقوله نقضت الوصية أو أبطلتها أو رجعت فيها أو فسختها.

اه.

قال في التحفة، إجماعا، وكالهبة قبل القبض بل أولى، ومن ثم لم يرجع في تبرع نجز في مرضه، وإن اعتبر من الثلث، لأنه عقد تام.

اه.

(قوله: فللموصي الرجوع فيها) أي يجوز له، وينبغي أن يأتي فيه ما تقدم في الوصية من الأحكام، فيقال هنا بعد حصول الوصية وإن كانت مطلوبة حين فعلها إذ عرض للموصى له ما يقتضي أنه صرفها في محرم وجب الرجوع، أو في مكروه ندب الرجوع، أو في طاعة كره الرجوع (قوله: كالهبة قبل القبض) الكاف للتنظير في جواز الرجوع في الهبة قبل قبضها، لأنها حينئذ غير لازمة (قوله: بل أولى) أي بل الرجوع عن الوصية أولى من الرجوع عن الهبة لعدم تنجيزها، بخلاف الهبة (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن الرجوع جائز في الوصية لكونها كالهبة غير المقبوضة، بل أولى، لم يرجع في تبرع نجزه في مرضه، كوقف وعتق وهبة مقبوضة، لأنه حينئذ ليس كالهبة غير المقبوضة.

وفي شرح الروض، وإنما يرجع في المنجز، وإن كان معتبرا من الثلث، حيث جرى في المرض كالمعلق بالموت، لأن المقتضي للرجوع في الوصية كون التمليك لم يتم لتوقفه على القبول بعد الموت، والتبرع المنجز عقد تام بإيجاب وقبول، فأشبه البيع من وجه.

وقوله وإن اعتبر من الثلث، غاية في عدم الرجوع (قوله: برجوع عن الوصية) متعلق بتبطل، ولو ادعى الوارث رجوع الموروث عنها فلا تقبل بينته، إلا إن تعرضت

ص: 252

(بنحو نقضتها)، كأبطلتها أو رددتها أو أزلتها.

والاوجه صحة تعليق الرجوع فيها على شرط لجواز التعليق فيها، فأولى في الرجوع عنها (و) بنحو (هذا لوارثي) أو ميراث عني، سواء أنسي الوصية أم ذكرها.

(وسئل) شيخنا عما لو أوصى له بثلث ماله إلا كتبه، ثم بعد مدة أوصى له بثلث ماله ولم يستثن: هل يعمل بالاولى أو بالثانية؟.

(فأجاب) بأن الذي يظهر العمل بالاولى، لانها نص في إخراج الكتب، والثانية محتملة إنه ترك الاستثناء فيها لتصريحه به في الاولى، وأنه تركه إبطالا له، والنصب مقدم على المحتمل (و) بنحو (بيع ورهن) ولو بلا قبول (وعرض عليه) وتوكيل فيه (و) نحو (غراس) في أرض أوصى بها، بخلاف زرعه بها.

ولو اختص نحو

ــ

لصدوره منه بعد الوصية.

ولا يكفي عن التعرض قولها رجع عن جميع وصاياه.

(قوله: بنحو نقضتها) أي ويحصل الرجوع بنحو نقضتها كأبطلتها الخ: أي وكفسختها، ورفعتها، ورجعت فيها.

وهذه كلها صرائح: كهو حرام على الموصى له (قوله: والأوجه صحة تعليق الرجوع فيها على شرط) أي كإذا قدم فلان فقد رجعت في وصيتي (قوله: لجواز التعليق فيها) أي في الوصية نفسها (قوله: فأولى في الرجوع عنها) أي فجواز التعليق في الرجوع عنها أولى من جوازه في نفسها (قوله: وبنحو هذا لوارثي) معطوف على بنحو نقضتها، أي ويحصل الرجوع عن الوصية بقول الموصي هذا لوارثي أو ميراث عني حال كونه مشيرا إلى الموصى به، وذلك لأنه لا يكون لوارثه إلا وقد أبطل الوصية فيه فصار كقوله رددتها.

قال في التحفة: ويفرق بينه وبين ما لو أوصى بشئ لزيد ثم به لعمرو فإنه يشرك بينهما لاحتمال نسيانه للأولى، بأن الثاني هنا لما ساوى الأول في كونه موصى له وطارئا استحقاقه لم يمكن ضمه إليه صريحا في رفعه، فأثر فيه احتمال النسيان وشركنا، إذ لا مرجح، بخلاف الوارث فإنه مغاير له واستحقاقه أصلي، فكان ضمه إليه رافعا لقوته.

اه (قوله: سواء أنسي الخ) تعميم في حصول الرجوع بقوله المذكور (قوله: وسئل شيخنا الخ) السؤال والجواب في التحفة (قوله:

عما لو أوصي له بثلث ماله إلا كتبه) أي بأن قال أوصيت لزيد بثلث مالي إلا كتبي، فاستثنى الكتب من دخولها في الوصية (قوله: ثم بعد مدة) أي من الوصية الأولى.

(وقوله: أوصى له) أي للموصى له أولا (قوله: ولم يستثن) أي الكتب (قوله: هل يعمل بالأولى) أي بالوصية الأولى، وهي التي استثنى فيها الكتب.

وقوله أو بالثانية: أي بالوصية الثانية، وهي التي لم يستثن فيها شيئا (قوله: فأجاب بأن الذي يظهر العمل بالأولى) وهي التي استثنى فيها الكتب، قال سم: ويحتمل العمل بالثانية، كما لو أوصى له بخمسين ثم بمائة (قوله: لأنها) أي الأولى، وقوله نص، أي صريح في إخراج الكتب (قوله: والثانية محتملة إلخ) أي وأما الوصية الثانية فهي محتملة لكونه ترك الإستثناء فيها لتصريحه بالإستثناء في الأولى، فتكون الكتب مستثناة تقديرا، ولا تدخل في الثلث (قوله: وأنه تركه الخ) أي ومحتملة أنه ترك الإستثناء إبطالا له، فلا تكون الكتب مستثناة وتدخل في الثلث (قوله: والنص مقدم على المحتمل) قال في التحفة بعده، وأيضا فقاعدة حمل المطلق على المقيد، تقدم المقيد أو تأخر، تصرح بذلك، (قوله: وبنحو بيع) أي ويحصل الرجوع بنحو بيع الموصى به.

واندرج تحت نحو: إعتاقه، وإيلاده وكتابته، وإصداقه، وكل تصرف لازم ناجز: كهبة مقبوضة (قوله: ورهن) معطوف على نحو بيع، أي ويحصل الرجوع برهن للموصى به لتعريضة للبيع (قوله: ولو بلا قبول) راجع للبيع والرهن، وذلك لدلالتهما على الإعراض (قوله: وعرض عليه) أي ويحصل الرجوع بعرض الموصى به على ما ذكر من نحو البيع والرهن.

(وقوله: وتوكيل فيه) أي فيما ذكر أيضا، وذلك لأن كلا من العرض والتوكيل وسيلة إلى ما يحصل به الرجوع (قوله: ونحو غراس) معطوف على نحو نقضتها، أي ويحصل الرجوع بنحو غراس كبناء (وقوله: بخلاف زرعه بها) أي بالأرض الموصى بها، فلا يحصل الرجوع به والفرق بينه وبين نحو الغراس أن كلا من الغراس ونحوه كالبناء يراد للدوام، بخلاف زرعه، لأنه ليس للدوام، فأشبه لبس الثوب ومما يحصل به الرجوع أيضا خلطه برا معينا أوصى به ببر مثله أو أجود أو أراد منه لأنه أخرجه بذلك عن إمكان التسليم، وخلطه صبرة أوصى بصاع منها بأجود منها، لأنه أحدث بالخلط زيادة

ص: 253

الغراس ببعض الارض، اختص الرجوع بمحله.

وليس من الرجوع إنكار الموصي الوصية إن كان لغرض.

ولو أوصى بشئ لزيد ثم أوصى به لعمرو، فليس رجوعا، بل يكون بينهما نصفين.

ولو أوصى به لثالث كان بينهم أثلاثا، وهكذا.

قاله الشيخ زكريا في شرح المنهج.

ولو أوصى لزيد بمائة ثم بخمسين فليس له إلا خمسون، لتضمن الثانية الرجوع عن بعض الاولى، قاله النووي.

ــ

لم يرض تسليمها، ولا يمكن بدونها، بخلاف ما لو خلطها بمثلها فلا يحصل الرجوع به، لأنه لم يحدث تعييب، إذ لا فرق بين المثلين.

وكذا لو خلطها بأردأ منها في الأصح، قياسا على تعييب الموصى به، وهو لا يؤثر.

ومما يحصل به الرجوع طحنه البر الموصى به، وعجن الدقيق الموصى به، وغزل القطن الموصى به.

لإشعار ذلك كله بالإعراض عن الوصية.

(تنبيه) قال في المغني: هذا كله في وصية بمعين، فإن أوصى بثلث ماله ثم هلك أو تصرف في جميعه ببيع أو غيره لم يكن رجوعا، لأن الثلث مطلق لا يختص بما ملكه وقت الوصية، بل العبرة بما ملكه عند الموت - زاد أو نقص أو تبدل - كما جزم به في الروضة وأصلها وغيرهما.

اه.

(قوله: ولو اختص نحو الغراس) أي كالبناء.

(وقوله: ببعض الأرض) أي الموصى بكلها (قوله: اختص الرجوع بمحله) أي محل الغراس فقط ولا يحصل الرجوع في جميعها (قوله: وليس من الرجوع إنكار الموصي الوصية) ظاهره وإن لم يكن الإنكار جواب سؤال، وهو ظاهر، لأن الموصي قد يكون له غرض في إنكارها مطلقا، ولكن قيده م ر وحجر في شرحيهما بذلك، ولم يذكرا مفهومه.

اه.

بجيرمي (قوله: أن كان لغرض) كخوف من نحو ظالم عليه، وإلا فيكون رجوعا.

وهذا التفصيل هو المعتمد.

وقيل إنه رجوع مطلقا.

وقيل إنه ليس برجوع مطلقا، كما في المغنى، وعبارته: ولو سئل عن الوصية فأنكرها قال الرافعي فهو على ما مر في جحد الوكالة، أي فيفرق فيه بين أن يكون لغرض، فلا يكون رجوعا، أو لا لغرض فيكون رجوعا، وهذا هو المعتمد.

ووقع في أصل الروضة أنه رجوع، وفي التدبير أنه ليس برجوع، ويمكن حمل ذلك على ما مر.

اه.

(قوله: ولو أوصى بشئ) أي معين من ماله (قوله: ثم أوصى به) أي بذلك الشئ الذي أوصى به لزيد (قوله: فليس رجوعا) لاحتمال إرادة التشريك فيشرك بينهما، كما لو قال دفعة واحدة أوصيت بها لكما لكن لو رد أحدهما الوصية في الأولى كان الكل للآخر، بخلافه في الثانية، فإنه يكون له النصف فقط، لأنه الذي أوجبه له الموصي صريحا، بخلافه في الأولى.

اه.

مغني.

وقد تقدم عن حجر الفرق بينه وبين قول الموصي في الموصى به هذا الوارثي، فلا تغفل (قوله: بل يكون بينهما نصفين) إلا إذا كان الموصي عالما بالوصية الأولى أو قال أوصيت لزيد بما أوصيت به لعمرو فيكون رجوعا اه.

بجيرمي (قوله: ولو أوصى به) أي بهذا الشئ الذي أوصى به أولا لزيد وثانيا لعمرو.

وقوله لثالث، أي لشخص ثالث كبكر.

وقوله كان، أي الموصى به.

وقوله بينهم، أي بين الثلاثة الموصى له أولا، والموصى له ثانيا، والموصى له ثالثا.

وقوله وهكذا، أي فلو أوصى به لرابع غير الثلاثة كان بينهم أرباعا (قوله: قاله الشيخ زكريا) أي قال ما ذكر من قوله ولو أوصى بشئ لزيد ثم أوصى به لعمرو الخ (قوله: ثم بخمسين) أي ثم بعد الوصية الأولى أوصى له بخمسين (قوله: فليس له إلا خمسون الخ) فرق في التحفة بينه وبين ما تقدم فيما لو أوصي بثلث ماله إلا كتبه ثم أوصى بثلث ماله ولم يستثن شيئا، حيث عمل بالأولى هناك وعمل بالثانية هنا، بأنها هنا صريحة في مناقضة الأولى وإن قلنا إن مفهوم العدد ليس بحجة، لأن محله حيث لا قرينة كما هو معلوم من محله، وهنا القرينة المناقضة فعمل بالثانية لأنها المتيقنة، بخلاف الثانية هناك فإنها ليست

صريحة في مناقضة الأولى، بل هي محتملة لأن يراد فيها ما أريد في الأولى من الإستثناء.

ومحتملة لإبطال ما أريد في الأولى، فلم يعمل هناك بالثانية، بل عمل بالأولى المتيقنة، بعكس ما هنا.

ولا يتأتى هنا اعتبارهم احتمال نسيان الأولى، لأنهم إنما اعتبروه في الوصية لاثنين، فقالوا فيها بالتشريك، بخلاف الوصيتين لواحد، فإن الثانية مبطلة للأولى، فاحتيط لها باشتراط تحقق مناقضتها للأولى اه.

بتصرف.

مطلب في الإيصاء وهو قول المحشي

ص: 254

مطلب في الايصاء

ــ

(تتمة) تعرض للوصية ولم يتعرض للإيصاء، وقد ترجم له الفقهاء بفصل مستقل، ولا بد من التعرض له تكميلا للفائدة - فأقول: حاصل الكلام عليه أن الإيصاء لغة الإيصال، كالوصية.

وشرعا إثبات تصرف مضاف لما بعد الموت ولو تقديرا وإن لم يكن فيه تبرع، كالإيصاء بالقيام على أمر أطفاله، ورد ودائعه، وقضاء ديونه، فإنه لا تبرع في شئ من ذلك بخلاف الوصية فإنه لا بد فيها من التبرع وأركانه أربعة: موصي، ووصي، وموصى فيه، وصيغة.

وشرط في الموصي بقضاء الحقوق التي عليه وتنفيذ الوصايا ورد الودائع ونحوها ما تقدم في الموصي بمال، من كونه مالكا بالغا عاقلا حرا مختارا.

وشرط في الموصي بنحو أمر طفل ومجنون ومحجور عليه بسفه، مع ما مر من الشروط، أن يكون له ولاية عليه ابتداء من الشرع، لا بتفويض، فلا يصح الإيصاء من صبي ومجنون ورقيق ومكره، ولا من أم وعم، لعدم الولاية عليهما، ولا من الوصي، لأن ولايته ليست شرعية ابتداء، بل جعلية بتفويض الأب أو الجد إليه إلا إن أذن له فيه، كأن قال أوص عني، فأوصى عن الولي، لا عن نفسه، ولا يصح الإيصاء من أب على ولده والجد بصفة الولاية، لأن ولايته ثابتة شرعا ابتداء، بخلاف الوصي، كما علمت، وشرط في الوصي: الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والعدالة والاهتداء إلى التصرف وعدم عداوة منه للمولى عليه وعدم جهالة، فلا يصح الإيصاء إلى من فقد شيئا من ذلك، كصبي ومجنون وفاسق ومن به رق أو عداوة وكافر على مسلم، ومن لا يكفي في التصرف لهرم أو سفه.

وتعتبر الشروط المذكورة عند الموت، لا عند الإيصاء، ولا بينهما، لأنه وقت التسلط على القبول حتى لو أوصى لمن خلا عن الشروط أو بعضها كصبي ورقيق ثم استكلمها عند الموت صح، ولا يضر عمى، لأن الأعمى متمكن من التوكيل فيما لا يتمكن منه، ولا أنوثة، لما في سنن أبي داود أن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة رضي الله عنها، وإذا جمعت أم الطفل الشروط المذكورة فهي أولى من غيرها، لوفور شفقتها.

واستجماعها للشروط معتبر عند الإيصاء.

قال في التحفة: وقول غير واحد عند الموت عجيب، لأن الأولوية إنما يخاطب بها الموصي، وهو لا علم بما عند الموت.

اه.

ويشترط في الموصى فيه كونه تصرفا ماليا

مباحا، فلا يصح الإيصاء في تزويج نحو بنته أو ابنه، لأن هذا لا يسمى تصرفا ماليا، وأيضا غير الأب والجد لا يزوح الصغيرة والصغير، ولا في معصية، كبناء كنيسة للتعبد، لكون الإيصاء قربة، وهو تنافي المعصية.

ويشترط في الصيغة، لفظ يشعر بالإيصاء، كأوصيت إليك، أو جعلتك وصيا، أو أقمتك مقامي بعد موتي، فيما عدا أوصيت، على قياس ما مر في الوصية، ولا بد من بيان ما يوصى فيه.

فلو اقتصر على نحو أوصيت إليك كان لغوا، ويجوز فيه التأقيت والتعليق: كأوصيت إليك إلى بلوغ ابني أو قدوم زيد، وكإذا مت أو إذا مات وصيي فقد أوصيت إليك.

ويشترط القبول بعد الموت، ولو بتراخ، ويكتفي فيه بالعمل كالوكالة، ولكل من الموصي والوصي رجوع متى شاء لأنه عقد جائز إلا إن تعين الوصي وغلب على ظنه استيلاء ظالم من قاض وغيره عليه فليس له الرجوع.

ولو خاف الوصي على مال اليتيم ونحوه من استيلاء الظالم عليه فله تخليصه بشئ منه فيبذل شيئا القاضي السوء الذي لو لم يبذل له شيئا لانتزع المال منه وسلمه لبعض خونته وأدى ذلك إلى استئصاله.

وكذا يجوز للوصي تعييب مال اليتيم ونحوه.

كما قاله ابن عبد السلام، إذا خاف عليه الغصب لأجل حفظه، كما في قصة الخضر عليه السلام، وقد حكاها الله تعالى بقوله: * (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) * (1) وقد نظم ابن رسلان في زبده معظم ما يتعلق بالإيصاء بقوله: سن لتنفيذ الوصا ووفاديونه إيصاء حر كلفا ومن ولي ووصي أذنافيه على الطفل ومن تجننا إلى مكلف يكون عدلاوأم الأطفال بهذا أولى

(1) سورة الكهف، الاية: 79

ص: 255

(وتنفع ميتا) من وارث وغيره (صدقة) عنه، ومنها وقف لمصحف وغيره، وبناء مسجد، وحفر بئر، وغرس شجر منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته (ودعاء) له إجماعا.

وصح في الخبر أن الله تعالى يرفع درجة العبد في الجنة باستغفار ولده له وقوله تعالى: * (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) * عام مخصوص

ــ

وقوله من ولي، أي وسن الإيصاء من ولي وقول ووصي، أي ومن وصي لكن يقيدنا بإذن الولي له في الإيصاء عن نفسه أن عن الموصي، وإلا فلا يصح إيصاء الوصي.

وقوله أذنا، يقرأ بالبناء للمجهول، وألفه للإطلاق، أي أذن الولي للوصي في الإيصاء.

(وقوله: إلى مكلف) متعلق بإيصاء، أي سن إيصاء من ذلك إلى مكلف - والأحسن جعل إلى زائدة، إذ فعل الإيصاء يتعدى بنفسه.

فتنبه.

مطلب ما ينفع الميت (قوله: وتنفع ميتا الخ) جرت عادة الفقهاء يذكرون هذه المسألة في باب الوصية، ولها ارتباط به، إذ الوصية صدقة

معلقة بالموت، كما يؤخذ من حدها المار.

(قوله: من وارث وغيره) متعلق بمحذوف حال مما بعده، أي حال كون الصدقة أو الدعاء كائنين من وارث وغيره، وهو تعميم فيه (قوله: صدقة عنه) أي عن الميت، سواء كان المتصدق هو في حياته أو غيره، فقوله الآتي منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته راجع لهذا وما بعده.

اه.

رشيدي (قوله: ومنها) أي الصدقة.

(وقوله وقف لمصحف) أي عن الميت.

(وقوله وغيره) بالجر عطف على مصحف، أو وقف لغير المصحف كدار (قوله: وبناء مسجد الخ) أي وإجراء نهر وبيت بناه للغريب ليأوي فيه، أو بناه للذكر، وقد تقدم، في باب الوقف، بيان العشرة التي يبقى ثوابها له بعد موته، ولا ينقطع منها ما ذكر ومنها ما هو غير صدقة، كدعاء ولد له، وكعلم ينتفع به.

وقد تقدم هناك أيضا نظمها للجلال السيوطي، ولا بأس بإعادته هنا وهو هذا: إذا مات ابن آدم ليس يجري عليه من خصال غير عشر علوم بثها ودعاء نجل وغرس لنخل والصدقات تجري وراثة مصحف ورباط ثغر وحفر البئر أو إجراء نهر وبيت للغريب بناه يأوي إليه أو بناء محل ذكر وتعليم لقرآن كريم فخدها من أحاديث بحصر (قوله: منه في حياته الخ) متعلق بمحذوف صفة لصدقة ولما بعدها من قوله وقف وبناء وحفر وغرس، أو حال منها كلها، أي الصادارت منه حال كونه حيا، أو حال كونها صادرة منه في حال كونه حيا.

وقوله أو من غيره، معطوف على منه، أي أو الصادرات من غيره.

وقوله عنه، متعلق بمحذوف حال من متعلق الجار والمجرور: أي حال كون هذه الأمور الصادرة من غيره مجعولة عنه.

والمراد أن من صدرت منه جعل ثوابها لذلك الميت.

وقوله بعد موته، متعلق بما تعلق به الجار والمجرور، أي الصادرات بعد موته (قوله: ودعاء) معطوف على صدقة، أي وينفعه أيضا دعاء له من وارث وغيره، ولو أخر قوله أولا من وراث وغيره عنه لكان أولى.

(قوله: إجماعا) دليل لكل من الصدقة ومن الدعاء (قوله: وصح في الخبر الخ) دليل للدعاء، ومما يدل له أيضا قوله تعالى: * (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) * (2) فأثنى عليهم بالدعاء للسابقين.

ومما يدل للصدقة، خبر سعد بن عبادة: قال: يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال نعم: قال أي الصدقة أفضل؟ قال سقي الماء رواهما مسلم وغيره: ومما يدل لهما خبر: إذا مات ابن آدم الخ (قوله: باستغفار ولده له) أي بأن يقول: أستغفر الله لوالدي، أو اللهم اغفر له.

وفي المغني بعد قوله

في الجنة، فيقول يا رب أني لي هذا؟ فيقال باستغفار ولدك لك (قوله: وقوله تعالى) مبتدأ خبره عام، والقصد بإيراد هذه الآية دفع إيراد من تمسك بظاهرها، وقال لا ينفع الإنسان إلا ما حصله بنفسه، ولا ينفعه دعاء الغير له، ولا الصدقة عنه * (الهامش)(2) سورة الحشر، الاية: 10

ص: 256

بذلك، وقيل منسوخ.

ومعنى نفعه بالصدقة أنه يصير كأنه تصدق.

قال الشافعي رضي الله عنه وواسع فضل الله أن يثيب المتصدق أيضا.

ومن ثم قال أصحابنا: يسن له نية الصدقة عن أبويه مثلا، فإنه تعالى يثيبهما ولا ينقص من أجره شيئا.

ومعنى نفعه بالدعاء، حصول المدعو به له إذا استجيب، واستجابته محض فضل من الله تعالى.

أما نفس الدعاء وثوابه فهو للداعي، لانه شفاعة أجرها للشافع، ومقصودها للمشفوع له.

نعم، دعاء الولد يحصل ثوابه، نفسه للوالد الميت، لان عمل ولده لتسببه في وجوده من جملة عمله، كما صرح به خبر ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث ثم قال: أو ولد صالح، أي مسلم، يدعو له حمل دعاءه من عمل الوالد.

ــ

وحاصل الدفع أن مفهوم الآية مخصوص بغير الصدقة والدعاء.

وفي البجيرمي العموم في مفهومه وهو أنه ليس له شئ في غير سعيه فيخص بغير الصدقة والدعاء.

(وقوله: مخصوص بذلك) أي بما ذكر من الإجماع وغيره.

وعبارة التحفة: وهما مخصصان، وقيل ناسخان لقوله تعالى: * (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) * إن أريد ظاهره، وإلا فقد أكثروا في تأويله، ومنه أنه محمول على الكافر، أو أن معناه لا حق له إلا فيما سعى، وأما ما فعل عنه فهو محض فضل لا حق له فيه.

وظاهر مما هو مقرر في محله أن المراد بالحق هنا نوع تعلق ونسبة إذ لا يستحق أحد على الله ثوابا مطلقا، خلافا للمعتزلة.

اه.

(قوله: ومعنى نفعه) أي الميت بالصدقة.

(وقوله: أنه يصير كأنه تصدق) قال في التحفة: واستبعاد الإمام له بأنه لم يأمر به ثم تأويله بأنه يقع عن المتصدق وينال الميت بركته، رده ابن عبد السلام بأن ما ذكروه من وقوع الصدقة نفسها عن الميت حتى يكتب له ثوابها هو ظاهر السنة.

اه.

(قوله: وواسع فضل الله) الأنسب نصب واسع بإسقاط الخافض، وإضافته لما بعده من إضافة الصفة للموصوف، أي ومن فضل الله الواسع إثابة الله المتصدق أيضا كما يثيب الميت المتصدق عنه (قوله: ومن ثم إلخ) أي ومن أجل أن المتصدق يثاب أيضا، كما قال الإمام، قال أصحابنا: يسن لمن أراد أن يتصدق أن ينوي الصدقة عن أبويه ولا يقتصر على نية نفسه بها.

وقوله مثلا، راجع للأبوين، أي الأبوين، أي أو غيرهما: كالأخوين (قوله: فإنه تعالى الخ) لا حاجة إليه بعد قوله ومن ثم (قوله: يثيبهما) أي الأبوين مثلا.

(وقوله: ولا ينقص من أجره) أي المتصدق (قوله: ومعنى نفعه) أي الميت.

(وقوله: بالدعاء) أي دعاء الغير له.

(وقوله: حصول المدعو به له) أي حصول الشئ الذي دعي به للميت، كالمغفرة والرحمة، (وقوله: إذا استجيب) أي الدعاء (قوله: واستجابته) أي الدعاء.

(وقوله: محض فضل من الله تعالى، أي ليس بواجب عليه، خلافا للمعتزلة (قوله: أما نفس الدعاء) وهو الطلب الصادر منه، كقوله مثلا اللهم اغفر لوالدي وللمسلمين.

(وقوله: ونوابه) أي الدعاء لا معنى لكون الدعاء نفسه للداعي إلا كون ثوابه له، فيكون عطفه على ما قبله من قبيل عطف التفسير (قوله: لأنه) أي الدعاء للميت شفاعة.

(وقوله: ومقصودها) أي الشفاعة، وهو المدعو به.

(وقوله: للمشفوع له) هو الميت.

(والحاصل) إذا طلب لوالديه المغفرة مثلا فنفس الطالب يثاب عليه الداعي لأنه شفاعة الخ، ونفس المطلوب، وهو المغفرة، يكون للميت، وهذا هو المراد من انتفاع الميت بالدعاء (قوله: نعم، دعاء الولد الخ) استدراك على قوله أما نفس الدعاء وثوابه فهو للداعي.

(وقوله: يحصل ثوابه) أي الدعاء.

(وقوله: نفسه) بالرفع، توكيد لثواب.

وقوله للولد الميت، قال ع ش: ومثله الحي، للعلة المذكورة، اه.

وانظر، هل يحصل للولد ثواب أيضا أو لا؟ والظاهر أنه لا مانع من حصول الثواب له أيضا، إذ فضل الله واسع، وإن كان ظاهر العبارة يقتضي خلافه.

(قوله: لأن عمل ولده الخ) تعليل لحصول الثواب للوالد.

وقوله لتسببه، أي الوالد في وجوده، أي الولد، وهو علة لكونه من جملة عمله، فهو علة تقدمت على معلولها.

وقوله من (وقوله: جملة عمله) أي الوالد، وهو خبر أن (قوله: كما صرح به) أي بما ذكر من أن عمل الولد من جملة عمل الوالد (قوله: ينقطع عمل ابن آدم الخ) أي ثوابه، كما تقدم في باب الوقف، وقوله ثم قال الخ، عطف

(1) سورة النجم، الاية: 39

ص: 257

أما القراءة فقد قال النووي في شرح مسلم: المشهور من مذهب الشافعي أنه لا يصل ثوابها إلى الميت.

وقال بعض أصحابنا يصل ثوابها للميت بمجرد قصده بها، ولو بعدها، وعليه الائمة الثلاثة واختاره كثيرون من أئمتنا، واعتمده السبكي وغيره، فقال: والذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت نفعه وبين ذلك، وحمل جمع عدم الوصول الذي قاله النووي على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت ولم ينو القارئ ثواب

ــ

على مقدر، أي وعد الأولى والثانية من الثلاث، ثم قال في بيان الثالثة أو ولد صالح، والمراد مسلم، لأن الإسلام يستلزم قبول أصل الدعاء، والصلاح إنما هو شرط كماله، كما تقدم.

(قوله: جعل) أي النبي صلى الله عليه وسلم دعاءه: أي الولد من عمل الوالد، وذلك لأن معنى الحديث ينقطع عمله إذا مات إلا من ثلاث، فلا ينقطع عمله منها، ومن جملة الثلاثة دعاء الولد له.

قال في التحفة بعده: وإنما يكون منه، ويستثنى من انقطاع العمل إن أريد نفس الدعاء، لا المدعو به.

اه.

(قوله: أما القراءة الخ) لم يذكر في سابقه مجملا ولا مقابلا لأما، فكان المناسب أن يذكرهما أولا كأن يقول وينفع الميت أشياء، أما الصدقة والدعاء فبالإجماع، ثم يقول: وأما القراءة ففيها خلاف.

أو يعدل عن تعبيره هذا ويقول وما ذكرته، من أنه ينفع الميت الصدقة والدعاء فقط، هو ما ذكره في المنهاج، وأفهم أنه لا ينفعه غيرهما من سائر العبادات، ولو قراءة وفيها خلاف فقد قال النووي الخ.

وعبارة المغني: (تنبيه) كلام المصنف قد يفهم أنه لا ينفعه ثواب غير ذلك، أي الصدقة والدعاء كالصلاة عنه قضاء أو غيره وقراءة القرآن وهو المشهور عندنا، ونقله المصنف في شرح مسلم والفتاوى عن الشافعي رضي الله عنه والأكثرين، واستثنى صاحب التلخيص من الصلاة ركعتي الطواف وقال: يأتي بهما الأجير عن المحجور عنه تبعا للطواف، وصححاه، وقال ابن عبد السلام في بعض فتاويه: لا يجوز أن يجعل ثواب القراءة للميت، لأنه تصرف في الثواب من غير إذن الشارع

فيه.

وحكى القرطبي في التذكرة أنه رؤي في المنام بعد وفاته، فسئل عن ذلك، فقال كنت أقول ذلك في الدنيا، والآن بأن لي أن ثواب القراءة يصل إلى الميت.

وحكى المصنف في شرح مسلم والأذكار وجها أن ثواب القراءة يصل إلى الميت، كمذهب الأئمة الثلاثة، واختاره جماعة من الأصحاب، منهم ابن الصلاح، والمحب الطبري، وابن أبي الدم، وصاحب الذخائر، وابن أبي عصرون.

وعليه عمل الناس.

وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن.

وقال السبكي.

الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه، نفعه، إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارئ نفع الملدوغ نفعته، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: وما يدريك أنها رقية؟ وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى اه.

(قوله: لا يصل ثوابها إلى الميت) ضعيف.

(وقوله: وقال بعض أصحابنا يصل) معتمد.

اه.

بجيرمي (قوله: بمجرد قصده) أي الميت بها: أي بالقراءة.

وقوله ولو بعدها، أي ولو وقع القصد بعد القراءة (قوله: وعليه) أي على وصول ثوابها للميت، الأئمة الثلاثة، وفي التحفة بعده على اختلاف فيه عن مالك.

اه.

(قوله: واختاره) أي اختار القول بوصول ثواب القراءة للميث كثيرون من أئمتنا، ولا حاجة إلى هذا بعد قوله وقال بعض أصحابنا الخ.

وفي التحفة الاقتصار على الثاني، ولم يذكر الأول، أعني قوله وقال بعض أصحابنا ونصها، وفي القراءة وجه، وهو مذهب الأئمة الثلاثة، واختاره كثيرون من أئمتنا الخ.

وفي فتح الجواد: الاقتصار على الأول، وعبارته، وقال بعض أصحابنا يصل ثوابها للميت مطلقا، واعتمده السبكي وغيره وبين أن الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت نفعه، على أن جماعات من العلماء ذهبوا إلى أنه يصل إليه ثواب جميع العبادات من صلاة، وصوم، وقراءة، وغيرها.

اه.

فأنت تراه لفق بين العبارتين، فكان الأولى الاقتصار على أحدهما فتنبه (قوله: فقال) أي السبكي، والذي دل عليه الخبر، أي خبر الملدوغ.

وقوله أن بعض القرآن، مثله كله بالأولى (قوله: وبين ذلك) أي بين السبكي ذلك، أي دلالة الخبر بالإستنباط على ما ذكر، فقال إذ قد ثبت أن القارئ لما قصد بقراءته نفع الملدوغ نفعته، وأقر ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: وما يدريك أنها رقية؟ وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى اه.

ولك رده بأن الكلام ليس في مطلق النفع، بل في حصول ثوابها له، وهذا لا يدل عليه حديث الملدوغ.

اه.

تحفة (قوله: وحمل جمع عدم

ص: 258

قراءته له أو نواه ولم يدع.

وقد نص الشافعي والاصحاب على ندب قراءة ما تيسر عند الميت والدعاء عقبها، أي لانه حينئذ أرجى للاجابة، ولان الميت تناله بركة القراءة: كالحي الحاضر قال ابن الصلاح: وينبغي الجزم بنفع:

ــ

الوصول الخ) أي وحملوا الوصول على القراءة بحضرة الميت، أو على نية القراءة له أو على الدعاء عقبها، كما في سم، وعبارته.

(والحاصل) أنه إذا نوى ثواب قراءة له أو دعا عقبها بحصول ثوابها له أو قرأ عند قبره حصل له مثل ثواب قراءته، وحصل للقارئ أيضا الثواب.

فلو سقط ثواب القارئ لمسقط، كأن غلب الباعث الدنيوي، بقراءته بأجرة، فينبغي أن لا يسقط مثله بالنسبة للميت.

ولو استأجر للقراءة للميت ولم ينوه ولا دعا له بعدها ولا قرأ عند قبره علم يبرأ من واجب الإجارة.

وهل تكفي نية القراءة في أولها وإن تخلل فيها سكوت؟ ينبغي نعم، إذا عد ما بعد الأول من توابعه.

م ر.

اه.

لكن ظاهر كلام الشارح، كالتحفة وشرح المنهج، يفيد أن القراءة بحضرة الميت من غير نية ثواب القراءة له أو القراءة لا بحضرة الميت مع النية فقط من غير دعاء عقبها لا يحصل ثوابها لميت، فلا بد في الأولى من النية وفي الثانية من الجمع بين النية والدعاء (قوله: أو نواه) أي ثواب القراءة للميت.

وقوله ولم يدع قضيته، كما علمت، أنه لا بد من الجمع بين النية والدعاء ولا يغني أحدهما عن الآخر.

وقال سم، واعتمد م ر: الإكتفاء بنية جعل الثواب له، وإن لم يدع، (قوله: وقد نص الشافعي الخ) هذا ذكره في التحفة تأييد الكلام ساقط من عبارة الشارح ونصها بعد وحمل جمع عدم الوصول على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت إلى آخر ما ذكره المؤلف، أما الحاضر ففيه خلاف منشؤه الخلاف في أن الإستئجار للقراءة على القبر يحمل على ماذا؟ فالذي اختاره في الروضة أنه كالحاضر في شمول الروضة النازلة عند القراءة له، وقيل محملها أن يعقبها بالدعاء له، وقيل أن يجعل أجره الحاصل بقراءته للميت، وحمل الرافعي على هذا الأخير الذي دخل عليه عمل الناس.

وفي الأذكار أنه الإختيار قول الشالوشي إن قرأ ثم جعل الثواب للميت لحقه.

وأنت خبير أن هذا كالثاني صريح في أن مجرد نية وصول الثواب للميت لا يفيد ولو في الحاضر، ولا ينافيه ما ذكره الأول، وهو أنه كالحاضر، لأن كون مثله فيما ذكر إنما يفيده مجرد نفع، لا حصول ثواب القراءة الذي الكلام فيه، وقد نص الشافعي والأصحاب على ندب قراءة ما تيسر عند الميت والدعاء عقبها الخ، فكان المناسب للمؤلف أن يذكر ما قبل قوله وقد نص الشافعي أو يحذف الكل.

فتنبه (قوله: لأنه) أي الدعاء.

وقوله حينئذ، أي حين إذ كان الدعاء عقب القراءة.

وقوله أرجى للإجابة، أي أقرب إليها، لأن موضع القراء موضع بركة.

وقوله ولأن الميت تناله بركة القراءة.

أي لا ثوابها، وهذا هو محط التأييد الذي ساق في التحفة قوله وقد نص الشافعي الخ، لأجله، وبيان ذلك أنه ادعى أن مجرد النية من غير دعاء لا يفيد، أي لا يحصل ثواب القراءة للميت، وإن كان يحصل له منها نفع مجرد، وأيد ذلك بما نص عليه الشافعي وأصحابه من أن الميت يناله بركة القراءة، وهي غير ثوابها.

فتنبه.

وقوله كالحي الحاضر، أي في محل القراءة فإنه تناله بركة القراءة قال في التحفة بعده: لا المستمع، لأن الإستماع يستلزم القصد، فهو عمل، وهو منقطع بالموت.

اه.

(قوله: قال ابن

الصلاح الخ) عبارة المغني، وقال ابن الصلاح وينبغي أن يقول اللهم أوصل ثواب ما قرأنا لفلان، فيجعله دعاء، ولا يختلف في ذلك القريب والبعيد.

وينبغي الجزم بنفع هذا لأنه إذا نفع الدعاء وجاز بما ليس للداعي فلأن يجوز بماله أولى، وهذا لا يختص بالقراءة، بل يجري في سائر الأعمال.

وكان الشيخ برهان الدين الفزاري ينكر قولهم اللهم أوصل ثواب ما تلوته إلى فلان خاصة وإلى المسلمين عامة، لأن ما اختص بشخص لا يتصور التعميم فيه، كما لو قال خصصتك بهذه الدراهم لا يصح أن تقول وهي عاملة للمسلمين.

قال الزركشي: والظاهر خلاف ما قاله، فإن الثواب قد يتفاوت، فأعلاه ما خص زيدا مثلا، وأدناه ما كان عاما، والله تعالى يتصرف فيما يعطيه من الثواب بما يشاء.

وقد أشار الروياني في أول الحلية إلى هذا فقال صلاة الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة وعلى النبيين عامة.

اه.

وأما ثواب القراءة إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنع الشيخ تاج الدين الفزاري منه وعلله بأنه لا يتجرأ على الجناب الرفيع إلا بما أذن فيه، ولم يأذن إلا في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة.

قال الزركشي، ولهذا اختلفوا في جواز الدعاء بالرحمة، وإن كانت بمعنى الصلاة لما

ص: 259

اللهم أوصل ثواب ما قرأته أي مثله، فهو المراد، وإن لم يصرح به لفلان، لانه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعي فماله أولى.

ويجري هذا في سائر الاعمال من صلاة وصوم وغيرهما.

ــ

في الصلاة من معنى التعظيم، بخلاف الرحمة المجردة، وجوزه بعضهم، واختاره السبكي، واحتج بأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعتمر عن النبي صلى الله عليه وسلم عمر بعد موته من غير وصية.

وحكى الغزالي في الإحياء عن علي ابن الموفق.

وكان من طبقة الجنيد.

أنه حج عن النبي صلى الله عليه وسلم حججا وعدها القاضي ستين حجة، وعن محمد بن إسحاق النيسابوري أنه ختم عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة آلاف ختمة، وضحى عنه مثل ذلك.

اه.

ولكن هؤلاء أئمة مجتهدون، فإن مذهب الشافعي، أن التضحية عن الغير بغير إذنه لا تجوز، كما صرح به المصنف في باب الأضحية.

اه.

ومثلها الحج والعمرة، كما هو ظاهر، وقد تقدم في باب الإجارة، كلام يتعلق بما هنا، فارجع إليه إن شئت (قوله: فهو) أي المثل المراد.

وقوله وإن لم يصرح به، أي بالمثل في العبارة، وهو غاية لكونه هو المراد (قوله: لفلان) متعلق بأوصل (قوله: لأنه الخ) تعليل لانبغاء الجزم بنفع الميت بما ذكر (قوله: بما ليس للداعي) أي بالشئ الذي لم يجعله الداعي لنفسه، أي لم ينوه به نفسه كالقراءة بقصد الميت.

وقوله فماله أولى، أي فنفعه بما قصد به الداعي نفسه، كأن قرأ القرآن بقصد الثواب له أولى من ذلك (قوله: ويجري هذا في سائر الأعمال) ظاهره أن الإشارة راجعة لقول ابن الصلاح وينبغي الجزم الخ، ويحتمل أنه من كلام ابن الصلاح أيضا، وحينئذ فهو صريح أن الإنسان إذا صلى أو صام مثلا وقال اللهم أوصل ثواب هذا لفلان يصل إليه ثواب ما فعله من الصلاة أو الصوم مثلا.

فتنبه وراجع.

اه.

رشيدي.

وقوله فتنبه

وراجع، قد تقدم لشارحنا في باب الصوم ما نصه: قال المحب الطبري يصل للميت كل عبادة تفعل عنه واجبة أو مندوبة.

وفي شرح المختار لمؤلفه مذهب أهل السنة، إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره ويصله.

اه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 260