الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الوكالة والقراض
(تصح وكالة) شخص متمكن لنفسه كعبد، وفاسق في قبول نكاح، ولو بلا إذن سيد، لا في إيجابه،
ــ
باب في الوكالة والقراض
أي في بيان أحكامهما، وشرائطهما.
وجمع بين الوكالة والقراض في ترجمة واحدة، مع أن الفقهاء أفردوا كلا بترجمة مستقلة، لما بينهما من تمام الإرتباط، إذ القرض توكيل وتوكل، فالمالك، كالموكل، فيشترط فيه شروطه، والعامل كالوكيل، فيشترط فيه شروطه، والوكالة، بفتح الواو، وكسرها، لغة: التفويض، والمراعاة، والحفظ.
وشرعا، ما سيذكره الشارح من قوله: وهي تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة.
وهي ثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وذلك لقوله تعالى: * (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) * (1) وهما وكيلان لا حاكمان على المعتمد، ولخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم بعث السعاة لأخذ الزكاة، ولكون الحاجة داعية إليها.
ولهذا ندب قبولها، لأنها قيام بمصلحة الغير.
وقد تحرم: إن كان فيها إعانة على محرم.
وقد تكره: إن كان فيها إعانة على مكروه.
وقد تجب: إن توقف عليها دفع ضرر الموكل، كتوكيل المضطر في شراء طعام قد عجز عنه، وقد تتصور فيها الإباحة كما إذا لم يكن للموكل حاجة في الوكالة، وسأله الوكيل إياها من غير غرض وأركانها أربعة: موكل، ووكيل، وموكل فيه، وصيغة.
وشرط في الموكل: صحة مباشرته ما وكل فيه بملك أو ولاية، وإلا فلا يصح توكيله لأنه إذا لم يقدر على التصرف بنفسه، فبنائبه أولى.
فلا يصح توكيل غير مكلف في تصرف إلا السكران المتعدي، فيصح توكيله، ولا توكيل مكاتب في تبرع بلا إذن سيده، وسفيه فيما لا يستقل به، ولو بإذن وليه، وفاسق في إنكاح ابنته.
ويستثنى من ذلك: الأعمى، فيصح توكيله في نحو بيع، وشراء، وإجارة وهبة، وإن لم تصح مباشرته له للضرورة والمحرم فيصح أن يوكل حلالا في النكاح بعد التحلل، أو يطلق.
وشرط في الوكيل: صحة مباشرته ما وكل فيه، كالموكل، لأنه إذا لم يقدر على التصرف فيه لنفسه، فلغيره أولى فلا يصح توكيل صبي ومجنون، ومغمى عليه، ولا توكل امرأة في نكاح ولا محرم فيه ليعقده في إحرامه، وشرط في الموكل فيه: أن يكون قابلا للنيابة، وأن يملكه الموكل حين التوكيل، وأن يكون معلوما، ولو بوجه، فلا يصح فيما لا يقبل النيابة، كالعبادات، ولا فيما لا يملكه الموكل، كالتوكيل في بيع ما سيملكه، نعم، يصح فيما ذكر تبعا: كوكلتك في بيع ما أملكه، وكل ما سأملكه.
ولا فيما ليس بمعلوم، كوكلتك في كل قليل وكثير، أو في كل أموري، وبيع
بعض أموالي، لما في ذلك من الغرر العظيم، الذي لا ضرورة إلى احتماله.
وشرط في الصيغة، لفظ من موكل يشعر برضاه.
ولا يشترط من الوكيل: القبول لفظا، بل الشرط: عدم الرد منه، فلو ردها، كأن قال لا أقبل، أو لا أفعل، بطلت.
وكل ما ذكر يستفاد من كلام الشارح (قوله: تصح وكالة شخص) من إضافة المصدر لمفعوله.
(وقوله: متمكن لنفسه) أي متمكن من التصرف لنفسه فالجار والمجرور متعلق بمحذوف.
وهذا شرط للوكيل، (وقوله: كعبد وفاسق) تمثيل للمتمكن من التصرف لنفسه.
(وقوله: في قبول النكاح) أي أن تمكن العبد والفاسق ليس مطلقا، بل بالنسبة لقبول النكاح، فيصح توكلهما فيه، لتمكنهما منه لأنفسهما.
(وقوله: ولو بلا إذن سيد) أي أو ولي فيما إذا كان الفاسق سفيها.
وعبارة شرح المنهج: والسفيه والعبد فيتوكلان في قبول النكاح بغير إذن الولي والسيد.
اه.
والغاية للرد على من يقول:
(1) سورة النساء، الاية:35.
وهي تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة ليفعله في حياته، فتصح (في كل عقد): كبيع، ونكاح، وهبة، ورهن، وطلاق منجز، (و) في كل (فسخ) كإقالة، ورد بعيب.
وفي قبض، وإقباض للدين أو العين، وفي إستيفاء عقوبة آدمي، والدعوى والجواب، وإن كره الخصم، وإنما تصح الوكالة فيما ذكر، إن كان (عليه ولاية لموكل) بملكه التصرف فيه حين التوكيل، فلا يصح في بيع ما سيملكه وطلاق من سينكحها، لانه لا ولاية له عليه حينئذ، وكذا لو وكل من يزوج موليته إذا طلقت أو انقضت عدتها، على ما قاله الشيخان هنا، لكن رجح
ــ
لا يصح توكل العبد في قبول النكاح بغير إذن سيده، وعلى من يقول بصحة ذلك: في القبول وفي الإيجاب (قوله: لا في إيجابه) أي لا يصح توكلهما في إيجاب النكاح، وذلك لعدم تمكنهما منه لكونه ولاية، وهما ليسا من أهلها (قوله: وهي) أي الوكالة شرعا.
(وقوله: تفويض شخص) في البجيرمي، هلا أطلقها على العقد أيضا كما مر في الأبواب قبله، وسيأتي في أبواب أخر؟ فليحرر، فإن الظاهر إطلاقها عليه شرعا.
شوبري.
اه.
وقد يقال: المراد تفويض شخص الخ بصيغة (قوله: فيما يقبل النيابة) أي مما يقبلها، ففي: بمعنى من - البيانية لأمره - وهي حال منه: أي حال كون ذلك الأمر مما يقبل النيابة.
فإن قلت: النيابة هي الوكالة، وقد أخذت في تعريف الوكالة، وهذا دور.
أجيب بأن النيابة شرعا أعم من الوكالة، فلا دور، إلا أنه يرد عليه أنه يصير التعريف به غير مانع.
(وقوله: ليفعله في حياته) خرج به الإيصاء، فإنه إيما يفعله بعد موته (قوله: فتصح) أي الوكالة، وهو مفرع على ما يقبل النيابة (قوله: كبيع ونكاح وهبة) أي وضمان ووصية وحوالة، فيقول: جعلت موكلي ضامنا لك كذا، أو موصيا بكذا أو أحلتك بمالك على موكلي من كذا بنظيره مما له على فلان (قوله: وطلاق منجز) أي لمعينة، فلو وكله بتطليق إحدى نسائه، لم يصح، في الأصح (قوله: وفي كل فسخ) معطوف على في كل عقد: أي وتصح الوكالة في كل فسخ، والمراد بالفسخ: الذي ليس على الفور، أو على الفور، وحصل عذر لا يعد به التأخير بالتوكيل فيه تقصيرا، فإن عد التوكيل فيه تقصيرا، فلا
يصح التوكيل فيه (قوله: كإقالة) تمثيل للفسخ، وهي طلب المشتري من البائع الفسخ (قوله: وفي قبض وإقباض) معطوف على في كل عقد: أي وتصح الوكالة في قبض وإقباض للدين أو العين (قوله: وفي استيفاء عقوبة آدمي) معطوف على في كل عقد أيضا: أي وتصح في كل استيفاء عقوبة لآدمي، كقصاص، وحد قذف، ويصح التوكيل أيضا في استيفاء عقوبة لله تعالى، لكن من الإمام أو السيد (قوله: والدعوى) أي وتصح الوكالة في الدعوى: أي بنحو مال أو عقوبة لغير الله تعالى، والجواب عن ذلك (قوله: وإن كره الخصم) غاية لصحة التوكيل في الدعوى والجواب: أي يصح التوكيل في الدعوى، وفي الجواب عنها، سواء رضي الخصم بذلك أو لا.
ومذهب الإمام أبي حنيفة، رضي الله عنه، اشتراط رضا الخصم (قوله: وإنما تصح الوكالة فيما ذكر) أي من العقود والفسوخ (قوله: إن كان عليه ولاية لموكل الخ) هذا شرط في الموكل فيه، وهو ما مر من العقود والفسوخ وما بعدهما: أي أنه يشترط فيه أن يكون للموكل ولاية عليه، أي سلطنة، بسبب ملكه التصرف فيه: سواء كان مالكا للعين أو لا، كالولي، والحاكم، فعبارته أعم من قول المنهج، وشرط في الموكل فيه أن يملكه حين التوكيل، إذ هو خاص بمالك العين، ولا يشمل الولي والحاكم (قوله: فلا يصح) أي التوكيل.
(وقوله: في بيع ما سيملكه) أي استقلالا، لا تبعا، فيصح في بيع ما لا يملكه تبعا للملوك، أو في بيع عين يملكها، وأن يشتري له بثمنها كذا.
وقياس ذلك، صحة توكيله بطلاق من سينكحها تبعا لمنكوحته، كذا في شرح المنهج (قوله: لأنه لا ولاية الخ) علة لعدم الصحة: (وقوله: له) أي للموكل.
(وقوله: عليها) أي على ما سيملكه، أو من سينكحها.
(وقوله حينئذ) أي حين إذ وكل (قوله: وكذا لو وكل) أي وكذلك لا يصح التوكيل لو وكل الولي من يزوج موليته إذا طلقت أو إذا انقضت عدتها، وذلك لعدم ولايته عليها حين التوكيل.
(وقوله: إذا طلقت أي وانقضت عدتها)،
في الروضة، في النكاح، الصحة.
وكذا لو قالت له، وهي في نكاح أو عدة، أذنت لك في تزويجي إذا حللت، ولو علق ذلك على الانقضاء أو الطلاق، فسدت الوكالة، ونفذ التزويج للاذن، (لا) في (إقرار) أي لا يصح التوكيل فيه، بأن يقول لغيره: وكلتك لتقر عني لفلان بكذا، فيقول الوكيل أقررت عنه بكذا، لانه إخبار عن حق، فلا يقبل التوكيل، لكن يكون الموكل مقرا بالتوكيل، (و) لا في (يمين)، لان القصد بها تعظيم الله تعالى،
ــ
كما هو ظاهر، (وقوله: هنا) أي في باب الوكالة (قوله: لكن رجح في الروضة في النكاح) أي في باب النكاح: الصحة، أي صحة الوكالة، ونصها.
فرع في فتاوى البغوي أن التي يعتبر إذنها في تزويجها إذا قالت لوليها وهي في نكاح أو عدة: أذنت لك في تزويجي إذا فارقني زوجي، أو انقضت عدتي، فينبغي أن يصح الإذن، كما لو قال الولي للوكيل، زوج بنتي إذا فارقها زوجها وانقضت عدتها، وفي هذا التوكيل، وجه ضعيف، إنه لا يصح، وقد سبق في الوكالة.
اه.
(قوله: وكذا لو قالت له إلخ) أي وكذا رجح في الروضة، في باب النكاح، صحة الإذن فيما لو قالت لوليها، وهي في نكاج أو عدة، أذنت لك
في تزويجي إذا حللت، بأن يطلقها زوجها وتنقضي عدتها في الصورة الأولى، أو تنقضي العدة في الثانية فقط.
وفي النهاية: أفتى الوالد، رحمه الله تعالى، بصحة إذن المرأة المذكورة لوليها، كما نقلاه في كتاب النكاح، عن فتاوى البغوي، وأقراه، وعدم صحة توكيل الولي المذكور، كما صححاه في الروضة وأصلها هنا، والفرق بينهما: أن تزويج الولي، بالولاية الشرعية، وتزويج الوكيل، بالولاية الجعلية.
وظاهر أن الأولى أقوى، فيكتفي فيها بما لا يكتفي به في الثانية.
وأن باب الإذن أوسع من باب الوكالة.
وما جمع به بعضهم، بين ما ذكر في البابين، بحمل عدم الصحة على الوكالة، والصحة على التصرف، إذ قد تبطل الوكالة، ويصح التصرف، رد بأنه خطأ صريح، مخالف للمنقول، إذا الإبضاع يحتاط لها فوق غيرها.
اه.
(قوله: ولو علق ذلك الخ) أي ولو علق الولي ذلك: أي توكيل التزويج، بأن قال إذا طلقت بنتي، أو انقضت عدتها، فقد وكلتك في تزويجها، فسدت الوكالة، ونفذ التزويج للإذن.
قال سم: كذا في شرح الروض، لكن أطال ابن العماد في توقيف الحكام في بيان عدم النفوذ إذا فسد التوكيل في النكاح، وفي تغليط من سوى بين النكاح وغيره في النفوذ بذلك.
اه.
وانظر: ما الفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى المارة، وهي كذا لو وكل الخ، فإنها متضمنة للتعليق، وإن لم يكن صريحا فيها؟ ويمكن الفرق بأن الوكالة هنا معلقة، وهناك منجزة، والمعلق إنما هو التزويج، وهو لا يضر، لما سيأتي: أن المضر تعليق الوكالة، وأما تعليق التصرف: فغير مضر (قوله: لا في إقرار) عطف على في كل عقد (قوله: أي لا يصح التوكيل فيه) بيان لمنطوق ما قبله، والمناسب لما قبله في الحل أن يقول: أي لا تصح الوكالة في إقرار (قوله: بأن يقول) أي الموكل، وهو تصوير للوكالة في الإقرار: إيجابا، وقبولا (قوله: فيقول الوكيل: أقررت عنه) أي عن موكلي: أي أو يقول جعلته مقرا بكذا (قوله: لأنه) أي الإقرار، وهو تعليل لعدم صحة الوكالة في الإقرار: أي وإنما لم تصح فيه لأن الإقرار إخبار عن حق، وهو لا يقبل التوكيل، كالشهادة (قوله: لكن يكون الموكل مقرا بالتوكيل) أي لإشعاره بثبوت الحق عليه، وقيل ليس بإقرار: لأن التوكيل بالإبراء ليس بإبراء، ومحل الخلاف: إذا قال وكلتك لتقر عني لفلان بكذا، فلو قال أقر عني بألف له علي كان إقرار قطعا، ولو قال له أقر علي بألف، لم يكن إقرارا قطعا: صرح به صاحب التعجيز اه.
شرح الروض.
وقوله فلو قال أقر عني بألف له علي: أي لو جمع بين عني وعلي، كان إقرار قطعا، وقوله: ولو قال أقر علي بألف: أي ولو اقتصر على علي، لم يكن إقرارا قطعا، وخالف بعضهم في هذه، فقال إنه يكون مقرا، لأنها أولى من عني.
وفي البجيرمي: والحاصل أنه إذا أتى بعلي وعني، يكون إقرارا قطعا.
وإن حذفهما، لا يكون إقرارا قطعا، وإن أتى بأحدهما،
يكون إقرارا، على الأصح، كما يؤخذ من كلام ح ل، وعلى كلام ق ل وع ش وز ي: لا يكون مقرا قطعا إذا أتى بعلي.
اه.
(قوله: ولا في يمين) عطف على في كل عقد أيضا: أي لا تصح الوكالة في يمين (قوله: لأن القصد بها) أي
فأشبهت العبادة.
ومثلها: النذر، وتعليق العتق والطلاق بصفة، ولا في الشهادة، إلحاقا لها بالعبادة، والشهادة على الشهادة ليست توكيلا، بل الحاجة جعلت الشاهد المتحمل عنه، كحاكم أدى عنه عند حاكم آخر، (و) لا في (عبادة)، إلا في حج، وعمرة، وذبح نحو أضحية، ولا تصح الوكالة إلا (بإيجاب) وهو ما يشعر برضا الموكل الذي يصح مباشرته الموكل فيه في التصرف:(كوكلتك) في كذا، أو فوضت إليك، أو أنبتك، أو أقمتك مقامي فيه، (أو بع) كذا، أو زوج فلانة، أو طلقها، أو أعطيت بيدك طلاقها وأعتق فلانا.
قال السبكي: يوءخذ من
ــ
باليمين، وهو علة لعدم صحة الوكالة في اليمين (قوله: فأشبهت العبادة) أي فأشبهت اليمين العبادة: أي في كون القصد تعظيم الله تعالى (قوله: ومثلها النذر إلخ) أي ومثل اليمين في عدم صحة الوكالة، النذر، وتعليق العتق، والطلاق بصفة، فلا يصح أن يقول وكلتك في أن تنذر عني، أو تعلق عتق عبدي، أو طلاق زوجتي بصفة، إلحاقا لها باليمين.
ونقل المتولي في التعليق أوجها: ثالثها إنه إن كان التعليق بقطعي، كطلوع الشمس، صح، وإلا فلا، فإنه يمين، لأنه حينئذ يتعلق به حث أو منع أو تحقق خبر، واختاره السبكي، أفاده في شرح الروض (قوله: ولا في شهادة) أي ولا يصح التوكيل فيها، (وقوله: إلحاقا لها بالعبادة) أي إلحاقا للشهادة بالعبادة.
وانظر وجه الإلحاق.
وعبارة المغني: لأنا احتطنا، ولم نقم غير لفظها مقامها، فألحقت بالعبادة، ولأن الحكم فيها منوط بالشاهد، وهو غير حاصل للوكيل.
اه.
(قوله: والشهادة على الشهادة الخ) هذا جواب عما يقال: كيف لا يصح التوكيل بالشهادة، مع أن الشهادة على الشهادة جائزة بالاتفاق.
وحاصل الجواب أنها ليست توكيلا، بل هي تحمل عن الشاهد.
وعبارة المغني: فإن قيل: الشهادة على الشهادة باسترعاء ونحوه جائزة كما سيأتي، فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب بأن ذلك ليس توكيلا، كما صرح به القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ، بل شهادة على شهادة، لأن الحاجة الخ.
اه.
وقوله باسترعاء أي طلب من الشاهد، بأن يقول له أنا شاهد بكذا، وأشهدك، أو اشهد على شهادتي به.
وقوله ونحوه: أي نحو الاسترعاء، كالسماع، بأن يسمعه يشهد عند حاكم إلى آخر ما سيأتي في باب الشهادة
(قوله: المتحمل عنه.) أي المؤدي عنه، وهو بصيغة اسم المفعول، (وقوله: كحاكم أدى عنه) أي جعلته بمنزلة حاكم أدى عنه حكمه عند حاكم آخر، بأن حكم حاكم على غائب، وأنهى حكمه إلى حاكم بلد الغائب، فهذا الذي أدى حكم الحاكم عند الحاكم الآخر، ليس بوكيل عنه، وإنما هو مؤد، ورسول، وكذلك المتحمل للشهادة: ليس بوكيل، وإنما هو مؤد لشهادة الشاهد (قوله: ولا في عبادة) أي لا يصح التوكيل فيها، وإن لم تتوقف على نية.
وذلك لأن مباشرها: مقصود بعينه، اختيارا من الله تعالى، ولا فرق بين أن تكون العبادة فرضا أو نفلا، كصلاة، وصوم، واعتكاف، فليس له أن يترك الصلاة ويوكل غيره ليصلي عنه، أو يصلي منفردا ويوكل غيره ليصليها جماعة له، ويكون ثوابها له.
وكذا البقية.
أما القيام بالوظائف، كمن
عليه إمامة مسجد، أو تدريس، فينيب غيره، حيث كان النائب مثله، أو أكمل منه، أفاده الشرقاوي (قوله: إلا في حج وعمرة) أي فيصح التوكل فيهما، ولا بد أن يكون الموكل معضوبا أو وصيا عن ميت، ويندرج فيهما، توابعهما، كركعة الطواف، فيصح التوكيل فيهما، تبعا لهما، بخلاف ما لو أفردهما بالتوكيل: فلا يصح.
والحاصل أن العبادة على ثلاثة أقسام: إما أن تكون بدنية محضة، فيمتنع التوكيل فيها، إلا ركعتي الطواف تبعا.
وإما أن تكون مالية محضة، فيجوز التوكيل فيها مطلقا، وإما أن تكون مالية غير محضة، كنسك، فيجوز التوكيل فيها بالشرط المار (قوله: وذبح نحو أضحية) أي فله أن يوكل في ذلك.
وهناك أشياء أخر مستثناة يجوز التوكيل فيها، فلتراجع (قوله: لا تصح الوكالة إلخ) شروع في بيان الصيغة (قوله: وهو ما يشعر الخ) أي الإيجاب لفظ يشعر الخ.
ومثل اللفظ: كتابة، أو إشارة أخرس مفهمة، (وقوله: الذي يصح مباشرته الموكل فيه) هذا شرط للموكل، كما تقدم، (وقوله: في التصرف) متعلق برضا، أي يشعر برضا الموكل في تصرف الوكيل في الموكل فيه (قوله: قال السبكي إلخ) عبارة التحفة قبل ذلك: وخرج بكاف الخطاب، ومثلها وكلت فلانا، ما لو قال وكلت كل من أراد بيع داري مثلا، فلا يصح، ولا ينفذ
كلامهم صحة قول من لا ولي لها: أذنت لكل عاقد في البلد أن يزوجني.
قال الاذرعي: وهذا، إذا صح محله، إن عينت الزوج ولم تفوض إلا صيغة فقط.
وبنحو ذلك.
أفتى ابن الصلاح، ولا يشترط في الوكالة: القبول لفظا، لكن يشترط عدم الرد فقط.
ولو تصرف غير عالم بالوكالة: صح، إن تبين وكالته حين التصرف، كمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا.
ولا يصح تعليق الوكالة بشرط: كإذا جاء رمضان فقد وكلتك في كذا، فلو تصرف بعد وجود الشرط المعلق، كأن وكله بطلاق زوجة سينكحها، أو ببيع عبد سيملكه، أو بتزويج بنته إذا طلقت واعتدت: فطلق بعد أن نكح، أو باع بعد أن ملك، أو زوج بعد العدة نفذ عملا بعموم الاذن.
وإن قلنا بفساد الوكالة بالنسبة إلى سقوط الجعل المسمى إن كان ووجوب أجرة المثل، وصح تعليق التصرف فقط، كبعه لكن
ــ
تصرف أحد فيها بهذا الإذن، لفساده، نعم: بحث السبكي صحة ذلك فيما لا يتعلق بعين الوكيل فيه غرض، كوكلت كل من أراد في إعتاق عبدي هذا، أو تزويج أمتي هذه.
قال: ويؤخذ من هذا قول من لا ولي لها، إلى آخر ما ذكره الشارح (قوله: قال الأذرعي: وهذا إن صح الخ) كتب العلامة الرشيدي ما نصه: (قوله: وهذا إن صح) أي ما ذكر من تزويج الأمة، وعبارته، أي الأذرعي، في قوته نصها: وما ذكره، يعني السبكي، في تزويج الأمة، إن صح، ينبغي أن يكون فيما إذا عين الزوج ولم يفوض إلا صيغة العقد، ثم قال.
وسئل ابن الصلاح عمن أذنت أن يزوجها العاقد في البلد من زوج معين بكذا، فهل لكل أحد عاقد بالبلد تزويجها؟ فأجاب إن اقترن بإذنها قرينة تقتضي التعيين، بأن سبق إذنها قريبا ذكر عاقد معين، أو كانت تعتقد أن ليس بالبلد غير واحد، فإن إذنها حينئذ تختص، ولا يعم.
وإن لم يوجد شئ من هذا القبيل، فذكرها العاقد محمول على مسمى العاقد على الإطلاق، وحينئذ: لكل عاقد بالبلد تزويجها.
هذا مقتضى الفقه في هذا.
اه.
(قوله: وبنحو ذلك) أي وبمثل ما ذكره السبكي أفتى ابن الصلاح، وقد علمت إفتاءه في عبارة الرشيدي، فلا تغفل (قوله: ولا يشترط في الوكالة
القبول لفظا) أي لأنها إباحة ورفع حجر، كإباحة الطعام، فلا يتعين فيها القبول لفظا.
نعم: لو كان لإنسان عين معارة، أو مؤجرة، أو مغصوبة فوهبها لآخر فقبلها، وأذن له في قبضها، ثم إن الموهوب له ولك في قبضها المستعير، أو المستأجر، أو الغاصب، اشترط قبوله لفظا، ولا يكتفي بالفعل، وهو الإمساك، لأنه استدامه لما سبق، فلا دلالة فيه على الرضا بقبضه عن الغير.
اه.
شرح الروض (قوله: لكن يشترط) أي في الوكالة.
(وقوله: عدم الرد) أي بأن يرضى ويمتثل، فإن رد، لم تصح الوكالة.
وإلا صحت (قوله: ولو تصرف) أي فضولي.
وعبارة التحفة: ولا يشترط هنا فور ولا مجلس.
ومن ثم لو تصرف غير عالم الخ.
اه.
(قوله: صح) أي تصرفه، أي لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر (قوله: كمن باع الخ) الكاف للتنظير في صحة البيع المذكور (قوله: ولا يصح تعليق الوكالة بشرط) أي صفة أو وقت، والظاهر أن المراد بالتعليق: ما كان بالأدوات وبغيرها، بدليل أمثلته الآتية (قوله: فلو تصرف) أي الوكيل (قوله: كأن وكله بطلاق الخ) أي كأن قال له وكلتك في طلاق زوجتي التي سأنكحها، أو في بيع عبدي الذي سأملكه، ففيما ذكر، تعليق الوكالة بصفة، أعني النكاح والملك، وذلك لأنه في قوة قوله إن نكحت فلانة، فأنت وكيل في طلاقها، أو إن ملكت فلانا، فأنت وكيل في بيعه (قوله: أو بتزويج بنته إذا طلقت) قد تقدم عن ابن العماد ما فيه، فلا تغفل (قوله: نفذ) أي التصرف المذكور، وهو جواب لو (قوله: عملا بعموم الإذن) أي الذي تضمنته الوكالة، فهي، وإن كانت فاسدة بخصوصها، لا يفسد الإذن بعمومه، لأنه بفساد الخاص، لا يفسد العام، وإنما كان الإذن أعم من الوكالة: لأن باب الإذن أوسع من باب الوكالة، وعبارة الروض: ولو علقها بشرط: فسدت، ونفذ تصرف صادف الإذن.
قال في شرحه: وكذا حيث فسدت الوكالة، إلا أن يكون الإذن فاسدا.
كقوله وكلت من أراد بيع داري - فلا ينفذ التصرف قاله الزركشي اه.
(قوله: وإن قلنا بفساد الوكالة الخ) هذا بيان لما يترتب على الوكالة الفاسدة، وهو سقوط الجعل المسمى إن كان، وتجب أجرة
بعد شهر، وتأقيتها: كوكلتك إلى شهر رمضان.
ويشترط في الوكالة أن يكون الموكل فيه معلوما للوكيل، ولو بوجه، كوكلتك في بيع جميع أموالي، وعتق أرقائي، وإن لم تكن أمواله وأرقاؤه معلومة، لقلة الغرر فيه، بخلاف
بع هذا أو ذاك، وفارق إحدى عبيدي، بأن الاحد صادق على كل، وبخلاف بع بعض مالي.
نعم: يصح بع، أو هب منه ما شئت.
وتبطل في المجهول، كوكلتك في كل قليل وكثير، أو في كل أموري، أو تصرف في أموري كيف شئت لكثرة الغرور فيه (وباع) كالشريك (وكيل) صح مباشرته التصرف لنفسه (بثمن مثل) فأكثر (حالا)،
ــ
المثل، كما أن الشرط الفاسد في النكاح يفسد الصداق المسمى، ويوجب مهر المثل، بخلاف الوكالة الصحيحة، فإنه يستقر فيها الجعل المسمى إن كان.
والحاصل الوكالة الصحيحة والفاسدة يستويان: بالنسبة لنفوذ التصرف، ويتغايران، بالنسبة للجعل المسمى، فيسقط في الفاسدة، ويستقر في الصحيحة.
تنبيه قال في المغني: هل يجوز الإقدام على التصرف بالوكالة الفاسدة؟ قال ابن الرفعة: لا يجوز، لكن استبعده
ابن الصلاح، وهذا هو الظاهر، لأن هذا ليس من تعاطي العقود الفاسدة، لأنه يقدم على عقد صحيح.
اه.
(قوله: إن كان) أي وجد الجعل.
(وقوله: ووجوب) معطوف على سقوط (قوله: وصح تعليق التصرف فقط) أي دون الوكالة، إنها منجزة، والمعلق التصرف، كوكلتك في كذا، وإذا جاء رمضان فبعه، (قوله: وتأقيتها) أي وصح تأقيتها، أي الوكالة (قوله: إلى شهر رمضان) متعلق بوكلتك، وحينئذ إذا دخل الشهر المذكور، ينعزل (قوله: أن يكون الموكل فيه) يقرأ بصيغة المجهول، ونائب الفاعل: الجار والمجرور (قوله: معلوما للوكيل ولو بوجه) أي بحيث يقل معه غرر في الموكل فيه: بأن يذكر من أوصافه ما لا بد منه في تمييزه، فيجب في توكيله في شراء عبد، بيان نوعه، كتركي، وهندي، وبيان صفته، كرومي، ونوبي، إن احتيج إلى ذلك، بأن اختلفت أصناف ذلك النوع اختلافا ظاهرا، وفي شراء دار: بيان محله، أي حارة وسكة، ثم محل بيان ما ذكر، إذا لم يقصد به التجارة، وإلا فلا يجب بيان شئ من ذلك، بل يكتفي: اشتر بهذا ما شئت من العروض، أو ما رأيته مصلحة (قوله: كوكلتك الخ) تمثيل لما هو معلوم من وجه، مجهول من وجه آخر، فالوجه الذي هو معلوم منه في الوكالة في بيع جميع الأموال خصوص كونه مالا، والوجه المجهول منه أنواع المال، والوجه المعلوم في عتق الأرقاء خصوص كونه عتقا، وجهة الجهل عدم العلم بالعدد وكونها ذكورا أو إناثا.
اه.
بجيرمي (قوله: وإن لم تكن أمواله وأرقاؤه معلومة) أي من بعض الوجوه: ككون الوكيل والموكل لم يعرفا نوعها وصنفها وعددها، وكون الأرقاء ذكورا أو إناثا، وبه يندفع ما يتراءى من التنافي في كلامه، حيث اشترط أولا العلم، ثم ذكر ما يفيد علم الاشتراط، وحاصل الدفع، أن الشرط: العلم، ولو من بعض الوجوه، وهذا لا ينافي أنه لا يضر الجهل من بعض آخر (قوله: لقلة الغرر) تعليل لمحذوف: أي فإنه يصح التوكل فيما كر، لقلة الغرر فيه (قوله: بخلاف بع هذا أو ذاك) أي فإنه لا يصح، وذلك لكثرة الغرر فيه (قوله: وفارق أحد عبيدي) أي فارق قوله المذكور: ما إذا قال بع أحد عبيدي، أي فإنه يصح (قوله: بأن الأحد الخ) متعلق بفارق.
(وقوله: صادق على كل) أي على كل عبد أي فالعقد وجد موردا يتأثر به، بخلافه في الأول، فإنه لم يجد ذلك، لأن أو، للإبهام، فلذلك لم يصح فيه، وصح في الثاني.
وعبارة شرح الروض.
وفرق بينهما بأن العقد لم يجد في الأول موردا يتأثر به، لأن أو: للإبهام، بخلاف الثاني، فإنه صادق على كل عبد.
اه.
(قوله: بخلاف بع بعض مالي) أي فإنه لا يصح: أي لكثرة الغرر فيه، لكون الموكل فيه شديد الإبهام (قوله: نعم، يصح بع، أو هب منه ما شئت) فرق في شرح الروض بين هذه الصورة - حيث صح التوكيل فيها، وبين الصورة المارة قيله، حيث لم يصح فيها، بأن الموكل فيه فيها مبهم، ولأنه نكرة، لا عموم فيه ولا خصوص، بخلافه في هذه الصورة، فإنه
معرفة عامة مخصوصة، وحيث صح فيها، فإنما يصح التصرف في البعض، دون الجميع، لأن من، للتبعيض (قوله: وتبطل) أي الوكالة (وقوله: في المجهول) أي من كل وجه، بدليل ما قبله.
وكان الأولى زيادته (قوله: لكثرة الغرر فيه)
فلا يبيع نسيئة، ولا بغير نقد البلد، ولا بغبن فاحش، بأن لا يحتمل غالبا، فبيع ما يساوي عشرة بتسعة: محتمل، وبثمانية: غير محتمل.
ومتى خالف شيئا مما ذكر فسد تصرفه، وضمن قيمته يوم التسليم، ولو مثليا، إن أقبض المشتري، فإن بقي: استرده، وله حينئذ بيعه بالاذن السابق، وقبض الثمن، ولا يضمنه.
وإن تلف، غرم الموكل
ــ
قال في التحفة: إذ يدخل فيه ما لا يسمح الموكل ببعضه، كطلاق زوجاته، والتصدق بأمواله (قوله: وباع الخ) شروع فيما يجب على الوكيل وما يمتنع عليه في الوكالة المطلقة والمقيدة بعد صحتها (قوله: كالشريك) الكاف للتنظير (قوله: صح مباشرته إلخ) الجملة صفة لوكيل، ولا حاجة إليه، لأنه قد علم من قوله، في صدر الباب، تصح وكالة شخص متمكن لنفسه الخ (قوله: بثمن مثل فأكثر) متعلق بباع: أي باع بثمن مثل فأكثر، وهو قيد أول، وسيذكر محترزه.
(وقوله: حالا) قيد ثان.
وسيذكر محترزه أيضا (قوله: فلا يبيع نسيئة) أي بأجل، ولو بأكثر من ثمن المثل، لأن المعتاد، غالبا، الحلول مع الخطر في النسيئة.
اه.
نهاية.
قال ع ش: ويظهر أنه لو وكله وقت نهب: جاز له البيع نسيئة، إذا حفظ عن النهب.
وكذا لو وكله وقت الأمن، ثم عرض النهب لأن القرينة قاضية قطعا برضاه.
الخ.
اه.
(قوله: ولا بغير نقد البلد) هذا محترز قيد ملحوظ في المتن، وهو بنقد البلد والمراد بنقد البلد: ما يتعامل به أهلها غالبا، نقدا كان أو عرضا، الدلالة القرينة العرفية عليه، فإن تعدد لزمه بالأغلب، فإن تساويا، فبالأنفع، وإلا تخير، أو باع بهما.
والمراد بالبلد: ما وقع فيه البيع بالإذن، لدلالة القرينة العرفية عليه، فإن سافر بما وكل في بيعه لبلد بلا إذن، لم يجز له بيعه إلا بنقد البلد المأذون فيها (قوله: ولا بغبن فاحش) محترز قوله بثمن مثل: أي لا يبيع بدونه إذا كان بغبن فاحش، وهو ما لا يحتمل، أي يغتفر في الغالب، أما إذا كان لا بغبن فاحش، جاز البيع به (قوله: بأن لا يحتمل) تصوير للغبن الفاحش (قوله: فبيع ما يساوي عشرة بتسعة) أي من الدراهم.
أو الأنصاف، لا من الدنانير، (وقوله: محتمل) أي مغتفر، وينبغي أن يكون المراد حيث لا راغب بتمام القيمة أو أكثر، وإلا فلا يصح، أخذا مما سيأتي.
فيما لو عين له الثمن أنه لا يجوز له الإقتصار على ما عينه إذا وجد راغبا كما سيأتي، وقد يفرق سم على منهج.
أقول: وقد يتوقف في الفرق بأن الوكيل يجب عليه رعاية المصلحة، وهي منتفية فيما لو باع بالغبن اليسير مع وجود من يأخذ بكامل القيمة.
اه.
ع ش (قوله: وبثمانية غير محتمل) أي وبيع ما يساوي عشرة بثمانية غير محتمل.
والصواب، الرجوع في ذلك إلى العرف المطرد، كما في التحفة، والنهاية، وعبارتها: قال ابن أبي الدم: العشرة إن سومح بها في المائة يتسامح بالمائة في الألف، فالصواب: الرجوع للعرف، ويوافقه قولهما عن الروياني: إنه يختلف
بأجناس الأموال، لكن قوله في البحر، إن اليسير يختلف باختلاف الأموال، فربع العشر كثير في النقد والطعام، ونصفه يسير في الجواهر والرقيق ونحوهما، محل نظر، وهو محمول على عرف زمنه، إذ الأوجه: اعتبار العرف المطرد في كل ناحية بما يتسامح به فيها.
اه.
(قوله: ومتى خالف) أي الوكيل، وقوله شيئا مما ذكر، أي من كونه حالا، وبنقد البلد، وبثمن المثل، ومخالفته لذلك، بأن باع مؤجلا، أو بغير نقد البلد، أو بغير ثمن المثل، (وقوله: فسد تصرفه) أي بيعه المذكور، لفقد الشروط المعتبرة فيه (قوله: وضمن) أي الوكيل، لتعديه بتسليمه له ببيع فاسد والقيمة المغرومة للحيلولة، لا للفيصولة.
(وقوله: قيمته) أي أقصى قيمه.
(وقوله: يوم التسليم) أي تسليم الموكل للمشتري (قوله: ولو مثليا) غاية لضمانه القيمة، وهي للرد على من يفصل بين المتقوم والمثلي (قوله: إن أقبض) أي الوكيل، وهو قيد لتضمينه القيمة، فإن لم يقبضه: فلا ضمان، كما هو ظاهر (قوله: فإن بقي) أي المبيع عند المشتري، وقوله استرده، أي الوكيل من المشتري.
قال ع ش: ولا يزول الضمان بالاسترداد، بل إما بالبيع الثاني، أو استئمان من المالك.
اه.
(قوله: وله) أي للوكيل، (وقوله: حينئذ) أين حين إذ استرده، (وقوله: بيعه) أي ثانيا، (وقوله: بالإذن السابق) أي فلا يحتاج إلى تجديد الإذن (قوله: ولا يضمنه) أي الثمن لو تلف، فيده عليه يد أمانة.
وعبارة شرح المنهج: ولا يضمن ثمنه.
وكتب البجيرمي: أي فيما إذا باعه بالإذن السابق.
اه.
(قوله: وإن تلف) أي المبيع عند المشتري وهو مقابل قوله فإن بقي
بدله الوكيل أو المشتري والقرار عليه.
وهذا كله، (إذا أطلق الموكل) الوكالة في البيع، بأن لم يقيد بثمن، ولا حلول، ولا تأجيل، ولا نقد، وإن قيد بشئ، اتبع.
فرع: لو قال لوكيله بعه بكم شئت، فله بيعه بغبن فاحش، لا بنسيئة، ولا بغير نقد البلد، أو بما شئت، أو بما تراه، فله بيعه بغير نقد البلد، لا بغبن، ولا بنسيئة، أو بكيف شئت فله بيعة بنسيئة، لا بغبن، ولا بغير نقد البلد، أو بما عز وهان، فله بيعه بعرض وغبن، لا بنسيئة، (ولا يبيع) الوكيل لنفسه وموليه، وإن أذن له في ذلك، وقدر له بالثمن، خلافا لابن الرفعة، لامتناع اتحاد الموجب والقابل، وإن انتفت التهمة، بخلاف أبيه وولده
ــ
(قوله: بدله) أي بدل المبيع التالف.
والمراد به: البدل الشرعي من مثل أو قيمة، وهذا بالنسبة للوكيل.
وأما المشتري: فيضمن المثل إن كان مثليا، وأقصى القيم إن كان متقوما، لأنه مقبوض بعقد فاسد.
اه.
بجيرمي (قوله: والقرار عليه) أي على المشتري، لأنه قبضه بعقد فاسد (قوله: وهذا كله) أي ما ذكر: من اشتراط كون البيع بثمن مثل حال، وبنقد البلد إذا أطلق الموكل الوكالة في البيع (قوله: بأن لم يقيد الخ) تصوير للإطلاق المذكور (قوله: وإن قيد بشئ) المناسب: فإن قيد، بفاء التفريع، وقوله: اتبع، أي ما قيد به الموكل، فلو قيد بثمن، تعين، ولو وكله ليبيع مؤجله، صح.
ثم إن أطلق الأجل، حمل على عرف في المبيع بين الناس، فإن لم يكن عرف، راعى الأنقع للموكل في قدر الأجل.
ويشترط الإشهاد في هذه الحالة، وإن قدر الأجل، اتبع الوكيل ما قدره الموكل، فإن باع بحال أو نقص عن الأجل الذي قدره، كأن باع إلى شهر ما، قال له الموكل بعه إلى شهرين، صح البيع، إن لم ينهه الموكل، ولم يكن عليه فيه ضرر، كنقص ثمن، أو مؤنة حفظ، ولم يعين المشتري، وإلا فلا يصح، لظهور قصد المحاباة (قوله: فرع) هو
مشتمل على مسائل أربع، فمن ثم عبر غيره بفروع، وهو الأولى، والغرض منه، تقييد قوله وباع كالشريك وكيل بثمن مثل الخ، أي محل كونه كالشريك، وأنه لا يبيع إلا بالقيد المتقدمة إن لم يأت بصيغة من هذه الصيغ الآتية في الفرع، فإن أتى بها، عمل بمقتضاها (قوله: لو قال) أي الموكل (قوله: فله بيعه بغبن فاحش) أي لأن كم للعدد، فيشمل القليل والكثير (قوله: أو بما شئت) أي أو قال له بعه بما شئت (قوله: فله بيعه بغير نقد البلد) أي لأن ما يصدق بالعرض والنقد (قوله: أو بكيف شئت) أي أو قال له: بعه بكيف شئت.
(وقوله: فله بيعه بنسيئة) أي لأن كيف، للأحوال، فيشمل الحال والمؤجل (قوله: أو بما عز وهان) أي أو قال بعه بما عز وهان.
قال في المصباح: عز الرجل، عزا بالكسر، وعزازة، بالفتح، قوي، وفيه أيضا: هان يهون هونا، بالضم، وهوانا، ذل وحقر.
اه.
إذا علمت ذلك، فالمراد بهما هنا، الكثرة والقلة علي سبيل المجاز المرسل من ذكر المسبب وإرادة السبب في الأول، وذلك لأن القوة، سببها الكثرة غالبا، وبالعكس في الثاني.
وذلك لأن الحقارة: سببها القلة غالبا (قوله: فله بيعه بعرض وغبن) أي لأن ما تصدق بالنقد والعرض، كما علمت، ولما اقترنت بعز وهان، صدقت أيضا بالقليل والكثير (قوله: ولا يبيع الوكيل لنفسه) أي على نفسه.
(وقوله: وموليه) أي ولا على موليه من صغير ومجنون وسفيه، وإنما منع من بيعه له، لئلا يلزم تولي الطرفين.
وقولهم يجوز للأب تولي ذلك، هو في معاملته لنفسه مع موليه، وهنا ليس كذلك، لأن المعاملة لغيره.
وفي البجيرمي، وإنما جاز تولي الجد تزويج بنت ابنه، ابن ابنه الآخر، لأن الولاية له أصالة من الشرع (قوله: وإن أذن) أي الموكل (وقوله: له) أي للوكيل.
(وقوله: في ذلك) أي في البيع لنفسه أو موليه (قوله: خلافا لابن الرفعة) أي في تجويزه البيع لنفسه وموليه.
قال في التحفة: وقوله اتحاد الطرفين عند انتفاء التهمة جائز: بعيد من كلامهم، لأن علة منع الاتحاد: ليست التهمة، بل عدم انتظام الإيجاب والقبول من شخص واحد.
اه.
وكتب السيد عمر البصري ما نصه، (قوله: خلافا لابن الرفعة الخ) كلام ابن الرفعة وجيه جدا، من حيث المعنى، لكن ترجيحهم منع توكيله للهبة من نفسه، يرده من حيث النقل.
اه.
(قوله: لامتناع اتحاد إلخ) علة لعدم صحة البيع المذكور.
(وقوله: وإن انتفت التهمة) الغاية للرد (قوله: بخلاف أبيه
الرشيد، ولا يصح البيع بثمن المثل مع وجود راغب بزيادة لا يتغابن بمثلها إن وثق به، قال الاذرعي: ولم يكن مماطلا، ولا ماله أو كسبه حراما، أي هو كله، أو أكثره، فإن وجد راغب بالزيادة في ثمن خيار المجلس أو الشرط ولو للمشتري وحده ولم يرض بالزيادة فسخ الوكيل العقد، وجوبا، بالبيع، للراغب بالزيادة، وإلا انفسخ بنفسه ولا يسلم الوكيل بالبيع بحال المبيع حتى يقبض الثمن الحال، وإلا ضمن للموكل قيمة البيع، ولو مثليا، (وليس له) أي للوكيل بالشراء (شراء معيب) لاقتضاء الاطلاق عرفا السليم (ووقع) الشراء (له) أي للوكيل (إن علم) العيب واشتراه بثمن في الذمة، وإن ساوى المبيع الثمن إلا إذا عينه الموكل، وعلم بعيبه، فيقع له، كما إذا
ــ
وولده الرشيد) أي بخلاف بيع الوكيل لأبيه، ومثله سائر أصوله، وولده الرشيد، ومثله سائر فروعه المستقلين، فإنه يصح، وذلك لانتفاء اتحاد الموجب والقابل، وقيل لا يصح، لأنه متهم بالميل إليهم (قوله: ولا يصح البيع الخ) الأولى تقديم هذا على قوله: ومتى خالف شيئا الخ، فتنبه (قوله: لا يتغابن بمثلها) في ع ش ما نصه: قوله وثم راغب، أي ولو
بما لا يتغابن به، أخذا من إطلاقه.
وفي شرح الروض، التقييد بما لا يتغابن بمثله.
قال سم على منهج، بعد نقله ذلك عن شرح الروض، وهو يفهم الصحة، إذا وجد الراغب بالذي يتغابن بمثله.
وفيه نظر.
اه.
(أقول) وقد يقال العرف في مثله جار بالمسامحة، وعدم الفسخ للزيادة اليسيرة.
اه (قوله: أن وثق) أي الوكيل (وقوله: به) أي بذلك الراغب (قوله: ولم يكن) أي ذلك الراغب مماطلا: أي في دفع الثمن (قوله: أي هو كله أو أكثره) في بعض نسخ الخط إسقاط أي، وفي بعضها إسقاط هو، وهو أولى من إثباتهما معا، كما في النسخ التي بأيدينا (قوله: ولو للمشتري) أي ولو كان الخيار للمشتري وحده وفي ع ش، نقلا عن الزيادي، تقييد الخيار بكونه للبائع، أو لهما، قال: فإن كان للمشتري: امتنع، أي الفسخ، اه.
وفي سم: ما يؤيده، ونص عبارته، قوله: أو حدث في زمن الخيار، عبارته في شرح الإرشاد هنا، خيار المجلس، أو خيار الشرط، ولو للمشتري وحده.
اه.
وفيما ذكره من المبالغة نظر لا يخفى اه.
ووجهه أنه إذا كان الخيار للمشتري وحده، يمتنع الفسخ، للزوم البيع من جهة البائع (قوله: ولم يرض) أي المشتري، (وقوله: بالزيادة)، أي بتسليمها (قوله: فسخ الوكيل العقد) جواب فإن وجد (قوله: بالبيع للراغب) الباء بمعنى اللام التعليلية: أي لأجل أن يبيعه على الراغب للشراء بالزيادة (قوله: وإلا انفسخ) أي وإن لم يفسخ الوكيل، انفسخ العقد بنفسه، لكن بشرط أن يكون باذل الزيادة باقيا على رغبته (قوله: ولا يسلم الوكيل) أي لا ينبغي له ذلك إلا إن قبض الثمن، بدليل صحة العقد المستلزمة للحل غالبا، وإن كان مقتضى ما في شرح الإرشاد أنه يحرم عليه ذلك ولا يحل قبل القبض، وعبارته بعد كلام، فإن عكس، أي سلم قبل القبض، أثم، وغرم، أي للحيلولة، قيمة المبيع، ولو مثليا.
اه.
وفي البجيرمي على شرح المنهج ما يؤيد ما قلناه، وعبارته: وله تسليم المبيع أو لا، ويصح البيع، وإن كان يضمن.
اه.
(وقوله: بحال) أي بثمن حال، فإن كان مؤجلا، فله فيه تسليم المبيع، لكن ليس له قبضه إذا حل، إلا بإذن جديد، أو قامت قرينة عليه، (وقوله: المبيع)، مفعول يسلم (قوله: وإلا ضمن) أي وإلا يسلم بعد القبض، بأن سلم قبله، ضمن للموكل قيمته، أي وقت التسليم، وهي للحيلولة، فإذ أغرمها ثم قبض الثمن: دفعه إلى الموكل، واسترد ما غرم (قوله: وليس له: أي للوكيل الخ) أي لا ينبغي له ذلك، فلا ينافي حينئذ صحة شرائه في غالب الأقسام الآتية (قوله: لاقتضاء الإطلاق عرقا السليم) يشعر بأن الكلام في الوكالة المطلقة، وهو كذلك، ويؤيده الاستثناء الآتي قريبا (قوله: ووقع الشراء له) أي وإذا اشترى الوكيل المعيب، وقع الشراء له (قوله: إن علم العيب) سيأتي محترزه (قوله: واشتراه) أي اشترى الوكيل المعيب (قوله: بثمن في الذمة) أي في ذمته واحترز به عما إذا اشتراه بعين مال
الموكل، وكان عالما بالعيب، فإنه لا يقع لواحد منهما، ويحرم لتعاطيه عقدا فاسدا، وسيذكره في كلامه (قوله: وإن ساوى المبيع الثمن) أي وقع له، وإن ساوى المبيع الذي اشتراه الثمن، فهو غاية لوقوعه له (قوله: إلا إذا عينه) أي المعيب الموكل، وهو مرتبط بكلام المصنف، أي أنه إذا اشترى المعيب، يقع له، إلا إذا عينه الموكل له عالما بحاله،
اشتراه بثمن في الذمة، أو بعين ماله جاهلا بعيبه، وإن لم يساو المبيع الثمن، وعلم مما مر أنه حيث لم يقع للموكل، فإن كان الثمن عين ماله، بطل الشراء، وإلا وقع للوكيل.
ويجوز لعامل القراض شراؤه، لان القصد ثم الربح، وقضيته أنه لو كان القصد هنا الربح جاز، وهو كذلك، ولكل من الموكل والوكيل، في صورة الجهل، رد بعيب، لا لوكيل إن رضي به موكل.
ولو دفع موكله إليه مالا للشراء، وأمره بتسليمه في الثمن، فسلم من عنده، فمتبرع، حتى ولو تعذر مال الموكل، لنحو غيبة مفتاح، إذ يمكنه الاشهاد على أنه أدى عنه ليرجع أو إخبار الحاكم بذلك، فإن لم يدفع له شيئا، أو لم يأمره بالتسليم فيه، رجع للقرينة الدالة على إذنه له في التسليم عنه، (ولا) له (توكيل بلا إذن) من الموكل (فيما يتأتى منه) لانه لم يرض بغيره.
نعم، لو وكله في قبض دين فقبضه
ــ
فإنه يقع للموكل (قوله: كما إذا اشتراه الخ) أي كما يقع للموكل أيضا إذا اشتراه الوكيل بثمن في ذمته، أو بعين مال الموكل مع جهله بعيبه في الصورتين (قوله: وعلم مما مر الخ) لا يخفى ما في عبارته، فكان الأولى والأخصر أن يقول: وعلم مما مر أنه حيث لم يقع للوكيل ولا للموكل يبطل الشراء، وذلك لأنه ذكر لوقوعه للوكيل صورة، وهي ما إذا اشتراه بثمن في الذمة وعلم بالعيب، وذكر لوقوعه للموكل ثلاثا: وهي ما إذا عين المبيع وعلم بعيبه، وما إذا اشتراه الوكيل بثمن في الذمة وكان جاهلا بالعيب، وما إذا اشتراه بعين مال الموكل وكان كذلك، فيعلم من هذا أنه حيث لم يقع لا لهذا ولا لهذا، بأن فقدت القيود، يبطل الشراء فتأمل.
(وقوله: أنه حيث لم يقع للموكل)، أي بأن كان الوكيل عالما بالعيب، (وقوله: فإن كان الثمن عين ماله)، أي الموكل، (وقوله: وإلا)، أي وإن لم يكن عين ماله، بل في الذمة ووقع للوكيل (قوله: ويجوز لعامل القراض شراؤه) أي المعيب (قوله: لأن القصد ثم) أي في القراض الربح (قوله: وقضيته) أي التعليل المذكور، (وقوله: أنه لو كان القصد هنا)، أي في الوكالة الربح، وذلك بأن وكله في التصرف في أمواله بالبيع والشراء، وقوله جاز، أي شراء المعيب (قوله: وهو) أي ما ذكر من كون مقتضى التعليل الجواز هنا أيضا.
(وقوله: كذلك) أي مسلم.
وفي شرح الروض، وبه جزم الأذرعي وغيره اه (قوله: ولكل الخ) أما الموكل، فلأنه المالك، والضرر لاحق به، وأما الوكيل فلأنه لو لم يكن له رد فربما لا يرضى به الموكل، فتعذر الرد، لأنه فوري، ويقع الشراء له، فيتضرر به.
وفي التحفة: نعم، شرط رده، أي الموكل، على البائع أن يسميه الوكيل في العقد، أو ينويه، ويصدقه البائع، وإلا رده على الوكيل.
اه (قوله: في صورة الجهل) أي في صورة ما إذا اشتراه جاهلا بعيبه (قوله: لا لوكيل) أي لا رد لوكيل إن رضي به، أي بالمعيب الموكل (قوله: ولو دفع موكله إليه) أي إلى الوكيل (قوله: وأمره بتسليمه) أي المال المدفوع (قوله: فمتبرع) أي بالثمن، ولا رجوع للوكيل عليه، ويلزمه رد ما أخذه من الموكل إليه.
وهذا يقع كثيرا، أي يدفع شخص لآخر دراهم يشتري بها له شيئا، فيدفع من ماله غيرها.
اه بجيرمي (قوله: حتى ولو تعذر الخ) أي حتى أنه يكون متبرعا، ولا يرجع، ولو تعذر دفع مال الموكل ثمنا، بسبب غيبه مفتاح الصندوق الذي فيه مال الموكل (قوله: إذ
يمكنه الخ) تعليل لكونه يكون متبرعا بماله الذي دفعه: أي وإنما يكون متبرعا بذلك لأنه يمكنه أن يشهد على أنه أدى عنه من ماله ليرجع عليه (قوله: أو إخبار الحاكم) بالرفع عطف على إشهاد، (وقوله: بذلك) أي بأنه أدى عنه ليرجع عليه (قوله: فإن لم يدفع) أي الموكل.
(وقوله: له) للوكيل، (وقوله: أو لم يأمره بالتسليم فيه) أي أو دفع له شيئا لكن لم يأمره بتسليمه في الثمن (قوله: رجع) أي الوكيل على موكله بالمال الذي دفعه ثمنا (قوله: للقرينة الخ) أي وهي توكيله بشراء شئ ولم يدفع له شيئا، أو دفع لكن لم يصرح له أن يدفعه في الثمن، وفي كون هذه الأخيرة قرينة دالة على إذنه في التسليم عنه من ماله نظر، إذ ما دفعه إليه إلا ليسلم في الثمن.
فتأمل (قوله: ولا له توكيل الخ) أي ولا يصح للوكيل أن يوكل في الشئ الذي يمكنه أن يتصرف فيه بنفسه من غير إذن من الموكل (قوله: لأنه) أي الموكل لم يرض بغيره أي بتصرف غيره، وهو تعليل لعدم صحة توكيل الوكيل (قوله: نعم إلخ) استدراك على عدم صحة توكيل الوكيل مما يتأتى منه
، وأرسله مع أحد من عياله، لم يضمن كما قاله الجوري، قال شيخنا: والذي يظهر أن المراد بهم، أولاده ومماليكه، وزوجاته، بخلاف غيرهم، ومثله، إرسال نحو ما اشتراه له مع أحدهم، وخرج بقولي فيما يتأتى منه: ما لم يتأت منه، لكونه يتعسر عليه الاتيان به لكثرته، أو لكونه لا يحسنه، أو لا يليق به، فله التوكيل عن موكله، لا عن نفسه، وقضية التعليل المذكور امتناع التوكيل عند جهل الموكل بحاله.
ولو طرأ له العجز لطرو نحو مرض أو سفر، لم يجز له أن يوكل، وإذا وكل الوكيل بإذن الموكل، فالثاني وكيل الموكل، فلا يعزله الوكيل.
فإن قال الموكل، وكل عنك، ففعل، فالثاني وكيل الوكيل، لانه مقتضي الاذن، فينعزل بعزله، ويلزم الوكيل أن لا يوكل إلا أمينا، ما لم يعين له غيره مع علم الموكل بحاله، أو لم يقل له وكل من شئت، على الاوجه، كما لو قالت
ــ
(قوله: لم يضمن كما قاله الجوري) هذا ما جرى عليه ابن حجر، وجرى في النهاية على خلافه، وعبارتها: وشمل كلامه، ما لو أراد إرسال ما وكل في قبضه من دين مع بعض عياله، فيضمن إن فعله، خلافا للجوري.
اه.
لكن قيد الأذرعي عدم الضمان، بما إذا كان المرسل معه أهلا للتسليم، بأن يكون رشيدا (قوله: قال شيخنا الخ) عبارته، وكأن وجه اغتفار ذلك في عياله، والذي يظهر، أن المراد بهم أولاده، ومماليكه وزوجاته اعتياد استنابتهم في مثل ذلك، بخلاف غيرهم.
اه.
(وقوله: أولاده ومماليكه وزوجاته) قال ع ش، وينبغي أن يلحق بمن ذكر، خدمته بإجارة ونحوها.
اه (قوله: ومثله إرسال) أي ومثل إرسال ما قبضه من الدين، إرسال ما اشتراه لموكله، فلا يضمنه لو تلف (قوله: ما لم يتأت منه) فاعل خرج، أي خرج الموكل فيه الذي لا يتأتى للوكيل التصرف فيه بنفسه (قوله: لكونه إلخ) علة لعدم التأتي منه (قوله: فله التوكيل) أي فللوكيل أن يوكل فيما لا يتأتى منه (قوله: لا عن نفسه) فإن وكل عنها، بطل على الأصح، أو أطلق، وقع عن موكله.
شوبري.
اه.
بجيرمي (قوله: وقضية التعليل المذكور) التعليل الذي يعنيه ساقط من عبارته، كما يعلم من عبارة التحفة، ونصها، وإن لم يتأت ما وكل فيه منه، لكونه لا يحسنه أو لا يليق به، فله التوكيل عن موكله، لأن التفويض لمثله، إنما يقصد به الاستنابة، ومن ثم لو جهل الموكل حاله، أو اعتقد خلاف حاله، امتنع التوكيل.
اه.
فقول الشارح وقضية التعليل، يعني به قوله لأن التفويض الخ، وإنما كان مقتضى التعليل ما ذكره، لأنه يشعر بعلم الموكل بحاله.
فتدبر.
(وقوله: امتناع التوكيل) أي توكيل الوكيل، (وقوله: عند جهل الموكل بحاله) وهو أنه
لا يتأتى منه مباشرة الموكل فيه بنفسه بأن كان معتقدا أنه يتأتى منه ذلك (قوله: ولو طرأ له) أي للوكيل، (وقوله: لم يجز له أن يوكل) أي من غير إذن موكله، قال ع ش: وذلك لما تقدم من أن الموكل لم يرض بتصرف غيره، لكن قضية قوله: ثم ولا ضرورة كالمودع الخ أنه لو دعت الضرورة إلى التوكيل عند طرو ما ذكر، كأن خيف تلفه لو لم يبع، ولم يتيسر الرفع فيه إلى قاض، ولا إعلام الموكل، جاز له التوكيل، بل قد يقال بوجوبه، وهو ظاهر.
وبقي عكسه، وهو ما لو وكل عاجزا ثم قدر، هل له المباشرة بنفسه أم لا؟ فيه نظر.
والأقرب الثاني، أخذا من قول الشارح المار، كابن حجر، لأن التفويض لمثله إنما يقصد به الاستنابة، لكن عبارة شرح المنهج، لأن التفويض لمثل هذا لا يقصد منه عينه.
اه.
ومقتضاها أنه إنما قصد حصول الموكل فيه من جهة الوكيل، فيتخير بين المباشرة بنفسه والتفويض إلى غيره.
اه (قوله: وإذا وكل الخ) المناسب أن يقول عطفا على قوله فيما يتأتى منه، وبلا إذن من الموكل: ما إذا أذن له الموكل في التوكيل، فإنه يجوز منه، ثم يقول: وإذا وكل الخ.
(قوله: فالثاني) أي الوكيل الثاني.
(وقوله: وكيل الموكل) أي لا وكيل الوكيل الأول (قوله: فلا يعزله الوكيل) أي لأن الموكل أذن له في التوكيل - لا في العزل -.
(قوله: فإن قال الموكل) أي لوكيله، (وقوله: وكل عنك) أي لا عني، (وقوله: ففعل) أي وكل عنه، بأن قال له أنت وكيلي (قوله: لأنه) أي كونه وكيل الوكيل مقتضى الإذن أي الدال عليه الصيغة (قوله: فينعزل) أي الوكيل الثاني، (وقوله: بعزله) أي بعزل الوكيل الأول إياه، فالإضافة من إضافة المصدر إلى فاعله وحذف مفعوله، وينعزل أيضا بعزل الموكل له، لأن م ملك عزل الأصل، ملك عزل الفرع بالأولى، كما قاله م ر (قوله: ويلزم الوكيل الخ) أي حيث جاز له التوكيل (قوله: إلا أمينا) أي فيه كفاية لذلك
لوليها: زوجني ممن شئت، فله تزويجها من غير الكفء أيضا، وقوله لوكيله في شئ، افعل فيه ما شئت، أو كل ما تفعله جائز، ليس إذنا في التوكيل.
فرع: لو قال بع لشخص معين كزيد، لم بيع من غيره، ولو وكيل زيد، أو بشئ معين من المال، كالدينار، لم يبع بالدراهم، على المعتمد، أو في مكان معين، تعين، أو في زمان معين، كشهر كذا، أو يوم كذا، تعين ذلك، فلا يجوز قبله، ولا بعده، ولو في الطلاق، وإن لم يتعلق به غرض، عملا بالاذن، وفارق إذا
ــ
التصرف (قوله: ما لم يعين له غيره) قيد في لزوم توكيله أمينا، أي يلزمه ذلك ما لم يعين الموكل للوكيل غير أمين.
فإن عينه: اتبع تعيينه لإذنه فيه، (وقوله: مع علم الموكل بحاله) قيد في القيد، أي محل كونه يوكل غير الأمين إذا عينه الموكل له إذا علم بحاله، فإن لم يعلم بحاله، امتنع توكيله، فإن عين له فاسقا فزاد فسقه، امتنع توكيله أيضا (قوله: أو لم يقل له الخ) معطوف على لم يعين: أي وما لم يقل له وكل من شئت، فإن قال له ذلك، فله توكيل غير الأمين، على الأوجه، عند حجر، وعند م ر: خلافه.
وعبارته، ومقتضى كلام المصنف عدم توكيل غير الأمين، وإن قال له وكل من شئت، وهو كذلك، خلافا للسبكي، وفارق ما لو قالت لوليها: زوجني ممن شئت، حيث جاز له تزويجها من غير كفء، بأن المقصود هنا حفظ المال، وحسن التصرف فيه، وغير الأمين لا يتأتى منه ذلك، وثم مجرد صفة كمال هي الكفاءة،
وقد يتسامح بتركها، بل قد يكون غير الكفء أصلح.
اه (قوله: كما لو قالت إلخ) الكاف للتنظير، وقوله أيضا، أي كما له تزويجها من الكفء (قوله: وقوله) أي الموكل، وهو مبتدأ، خبره جملة ليس إذنا في التوكيل أو قوله أو كل ما تفعله جائز، أي أو قوله لوكيله كل الخ (قوله: ليس إذنا في التوكيل) أي أن القول المذكور ليس إذنا من الموكل للوكيل في توكيله غيره.
قال في شرح الروض: أي لأنه يحتمل ما شئت من التوكيل، وما شئت من التصرف فيما أذن له فيه، ولا يوكل بأمر محتمل كما لا يهب.
اه (قوله: فرع) أي في بيان ما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة (قوله: لو قال) أي الموكل لوكيله.
(وقوله: لشخص معين) هو كما في التحفة حكاية للفظ الموكل بالمعنى، فإن الموكل لا يقول ذلك، بل يقول بع لزيد مثلا، ومثله، يقال فيما عطف عليه (قوله: لم يبع من غيره) أي لا يجوز أن يبيع الوكيل على غير المعين، وإن رغب بزيادة عن ثمن المثل الذي دفعه المعين، لأنه لا عبرة بهذه الزيادة، لامتناع البيع لدافعها، ووجه تعيينه، أنه قد يكون للموكل غرض في تخصيصه كطيب ماله، بل وإن لم يكن له غرض أصلا: عملا بإذنه.
قال في النهاية: ولو مات زيد، أي المعين، بطلت الوكالة، كما صرح به الماوردي، بخلاف ما لو امتنع من الشراء، إذ تجوز رغبته فيه بعد ذلك، وكتب ع ش، قوله بطلت الوكالة، ينبغي أن محله ما لم يغلب على الظن أنه لم يرده بخصوصه، بل لسهولة البيع منه بالنسبة لغيره.
اه (قوله: ولو وكيل زيد) أي ولو كان ذلك الغير وكيلا لزيد المعين، فلا يصح بيعه له، قال في التحفة: وقيده ابن الرفعة بما إذا تقدم الإيجاب أو القبول، ولم يصح بالسفارة.
اه.
وقال سم: وبحث الأذرعي الصحة، فيما إذا كان الموكل مما لا يتعاطى الشراء بنفسه، كالسلطان.
اه (قوله: أو بشئ معين) معطوف على لشخص معين، أي أو قال بع بشئ معين من المال، (وقوله: كالدينار) تمثيل للشئ المعين من المال (قوله: لم يبع بالدراهم) جواب لو المقدرة، أي ولا يصح له ذلك وإن زادت الدراهم، إذ لم يأت بالمأمور به، ولا بما اشتمل عليه، بخلاف بعه بمائة، فباعه بمائة وثوب.
ويؤيد ذلك أن من نذر التصديق بدرهم، لا يجزئه بدينار.
اه.
فتح الجواد (قوله: أو في مكان معين) معطوف أيضا على لشخص معين، أي أو قال له بعه في مكان معين، كمكة مثلا، (وقوله: تعين) أي ذلك المكان، فلا يصح البيع في غيره، وإن لم يكن نقد المعين أجود، ولا الراغبون فيه أكثر.
وذلك، لأنه قد يقصد الموكل إخفاءه (قوله: أو في زمان معين) معطوف أيضا على لشخص معين، أي أو قال له في زمان معين، (وقوله: تعين ذلك) أي الزمان، ووجهه أن الحاجة قد تدعو للبيع فيه خاصة (قوله: فلا يجوز) أي البيع.
(وقوله: قبله ولا بعده) أي قبل ذلك الزمان المعين أو بعده (قوله: ولو في الطلاق) غاية لتعين الزمان الذي ذكره في التوكيل بقطع النظر عن كونه في البيع أو غيره،
جاء رأس الشهر فأمر زوجتي بيدك، ولم يرد التقييد برأسه، فله إيقاعه بعده، بخلاف طلقها يوم الجمعة، فإنه يقتضي حصر الفعل فيه، دون غيره، وليلة اليوم، مثله إن استوى الراغبون فيهما.
ولو قال يوم الجمعة، أو العيد مثلا، تعين أول جمعة أو عيد يلقاه، وإنما يتعين المكان، إذا لم يقدر الثمن، أو نهاه عن غيره، وإلا جاز البيع في غيره.
(وهو) أي الوكيل ولو بجعل (أمين) فلا يضمن ما تلف في يده بلا تعد، ويصدق بيمينه في دعوى التلف والرد على الموكل، لانه ائتمنه بخلاف الرد على غير الموكل كرسوله، فيصدق الرسول بيمينه، ولوكله بقضاء دين فقال قضيته، وأنكر المستحق دفعه إليه صدق المستحق بيمينه، لان الاصل عدم القضاء، فيحلف، ويطالب
ــ
وإلا فلا يصلح أن يكون غاية، أي فلو قال له طلق يوم الجمعة، لم يجز قبله ولا بعده، وقال الدارمي: إنه يقع بعده، لأن المطلقة فيه مطلقة بعده، ورد بأنه غريب، مخالف للنظائر ومثل الطلاق في ذلك العتق.
قال في التحفة: والفرق بينه، أي الطلاق، وبين العتق: بأنه يختلف باختلاف الأوقات في الثواب، بخلاف الطلاق ممنوع، بل قد يكون له غرض ظاهر في طلاقها في وقت مخصوص، بل الطلاق أولى، لحرمته زمان البدعة، بخلاف العتق.
اه (قوله: وان لم يتعلق به) أي بالزمان المعين، فهو غاية لتعين الزمان في التوكيل.
ويحتمل أن يكون غاية لجميع ما تقدم من الصور، وعليه يراد بالمعين: الذي عاد إليه ضمير به ما عينه الموكل من الشخص، والمال، والمكان، والزمان.
(قوله: عملا بالإذن) أي وإنما تعين ذلك الزمان، ولا يجوز قبله ولا بعده، عملا بالإذن، فهو علة لتعين الزمان فقط، ويحتمل أن يكون علة لتعين ما تقدم جميعه، كما مر في الغاية، إلا أنه يبعد الاحتمال الثاني هنا وفيما مر في الغاية قوله بعد، وفارق الخ، لأنه خاص بالزمان، كما ستعرفه (قوله: وفارق) أي ما ذكر من تعين الزمان فيما إذا قال له بع يوم الجمعة، أو طلق يوم الجمعة، قول الموكل لوكيله إذا جاء رأس الشهر فأمر زوجتي بيدك، حيث لم يتعين فيه الزمان، ولم يذكر الشارح ما يفرق به، ولعله ساقط من الناسخ، كما يعلم من عبارة فتح الجواد، ونصها: وفارق إذا جاء رأس الشهر فأمر زوجتي بيدك، ولم يرد التقييد برأسه، فله إيقاعه بعده، باقتضاء هذه الصيغة حينئذ أن رأسه أول أوقات الفعل الذي فوضه إليه من غير حصر فيه، بخلاف طلقها يوم الجمعة، فإنه يقتضي حصر الفعل فيه، دون غيره.
اه.
فقوله باقتضاء الخ: متعلق بفارق.
وهذا هو الفارق بين الصورتين.
تأمل (قوله: بخلاف الخ) مرتب على الساقط المار، كما يعلم من عبارة فتح الجواد المارة (قوله: وليلة اليوم مثله) أي أنه إذا عين اليوم فله التصرف في ليلته بالقيد الذي ذكره، وعبارة شرح الروض، ولو باع الوكيل ليلا، فإن كان الراغبون فيه مثل النهار، صح، وإلا فلا.
قاله القاضي في تعليقه.
اه.
(قوله: ولو قال) أي الموكل لوكيله، (وقوله: يوم الجمعة أو العيد) أي بع يوم الجمعة أو يوم العيد (قوله: تعين أول جمعة أو عيد يلقاه) هذا يدل على أنه قال ذلك قبل دخول يوم الجمعة ويوم العيد.
وبقي ما لو قاله في يوم الجمعة أو العيد، فهل يحمل على بقيته، أو على أول جمعة أو عيد يلقاه بعد ذلك اليوم؟ فيه نظر، والأقرب الثاني: لأن عدوله عن اليوم إلى الجمعة أو العيد قرينة على عدم إرادته بقية اليوم.
اه.
ع ش (قوله: وإنما يتعين المكان) أي الذي عينه الموكل له، (وقوله: إذا لم يقدر) أي الموكل للوكيل الثمن، (وقوله: أو نهاه عن غيره) أي أو قد الثمن ونهاه عن البيع في غير المكان المعين (قوله: وإلا) أي بأن قدر
له الثمن ولم ينهه عن غيره، (وقوله: جاز البيع في غيره) أي غير المكان المعين، ولو قبل مضي المدة التي يتأتى فيها الوصول إلى المكان المأذون فيه، لأن الزمان إنما اعتبر تبعا للمكان لتوقفه عليه، فلما سقط اعتبار المتبوع سقط اعتبار التابع.
اه.
سم (قوله: وهو أي الوكيل، ولو بجعل أمين) وذلك لأنه نائب عن الموكل في اليد والتصرف، فكانت يده كيده، ولأن الوكالة عقد إرفاق ومعونة، والضمان مناف لذلك.
اه.
سم (قوله: بخلاف الرد على غير الموكل) أي بخلاف دعوى الرد على غير الموكل، فلا يصدق إلا ببينة، فإن لم يأت بها، صدق غير الموكل بيمينه في عدم الرد، وقوله كرسوله.
أي الموكل، ودخل تحت الكاف: وارثه، ووكيله، وفي البجيرمي: وكذا دعوى الرد من رسول الوكيل أو وارثه أو وكيله على الموكل، فلا بد من بينة في ذلك كله.
اه (قوله: ولو وكله بقضاء دين) أي ولو وكل المدين شخصا في
الموكل فقط.
(فإن تعدى) كأن ركب الدابة ولبس الثوب تعديا: (ضمن) كسائر الامناء، ومن التعدي، أن يضيع منه المال ولا يدري كيف ضاع، أو وضعه بمحل ثم نسيه ولا ينعزل بتعديه بغير إتلاف الموكل فيه.
ولو أرسل إلى بزاز ليأخذ منه ثوبا سوما فتلف في الطريق: ضمنه المرسل، لا الرسول.
فرع: لو اختلفا في أصل الوكالة بعد التصرف، كوكلتني في كذا، فقال ما وكلتك.
أو في صفتها، بأن قال وكلتني بالبيع نسيئة، أو بالشراء بعشرين، فقال: بل نقدا، أو بعشرة، صدق الموكل بيمينه في الكل لان الاصل
ــ
قضاء الدين الذي عليه من مال ذلك المدين (قوله: فقال) أي الوكيل، (وقوله: قضيته) أي الدين عنك (قوله: وأنكر المستحق دفعه إليه) أي وأنكر الدائن دفع الدين إليه، فإن صدقه، صدق الوكيل بيمينه.
فإن قيل: ما فائدة اليمين مع تصديق المستحق؟.
قلنا: فائدتها تظهر إذا كان وكيلا بجعل، فالوكيل يدعي الدفع للمستحق ليأخذ الجعل، والموكل ينكره ليمنعه منه، ففائدتها.
استحقاق الوكيل الجعل.
مرحومي.
اه.
بجيرمي (قوله: لأن الأصل عدم القضاء) أي للدين، وهو علة لتصديق المستحق (قوله: فيحلف) أي المستحق (قوله: ويطالب الموكل فقط) أي وليس له مطالبة الوكيل (قوله: فإن تعدى) أي الوكيل في تلف الموكل فيه (قوله: كأن ركب الدابة) تمثيل للتعدي، ومحل كون الركوب يعد تعديا، حيث كان يليق به سوقها، ولم تكن جموحا، وإلا لم يكن تعديا (قوله: ولبس الثوب) أي وكأن لبس الثوب، (وقوله: تعديا) لا حاجة إليه، لأن مراده، التمثيل لما كان تعديا، نعم: كان له أن يقيد اللبس، بما إذا كان لغير إصلاحه، أما إذا كان له كلبسه لأجل دفع العث عنه، فلا يعد تعديا، ومن لبس الثوب تعديا والركوب كذلك، كما قال ع ش، لبس الدلالين للأمتعة التي تدفع إليهم، وركوب الدواب أيضا التي تدفع إليهم لبيعها، ما لم يأذن في ذلك، أو تجر به العادة، ويعلم الدافع بجريان العادة بذلك، وإلا فلا يكون تعديا، لكن يكون عارية، فإن تلف بالاستعمال المأذن فيه حقيقة أو حكما، بأن جرت به العادة على ما مر، فلا ضمان، وإلا ضمن بقيمته وقت التلف (قوله: ضمن) أي صار متسببا في الضمان بمعنى أنه لو تلف بعد ذلك ولو بغير تفريط ضمنه.
اه.
بجيرمي (قوله: أن يضيع منه) أي من الوكيل (قوله: ولا يدري
كيف ضاع) أي ولا يدري على أي حالة وقع الضياع؟ (قوله: أو وضعه بمحل) معطوف على يضيع، ولو عبر بصيغة المضارع، لكان أنسب، أي ومن التعدي، أن يضعه بمحل، ثم ينسى ذلك المحل الموضوع فيه (قوله: ولا ينعزل بتعديه) أي لأن الوكالة إذن في التصرف، والأمانة حكم يترتب عليها، ولا يلزم من ارتفاع الحكم، بطلان الإذن نعم ينزع المال منه لعدل، ويتصرف فيه الوكيل، وهو عنده أمانة.
(وقوله: بغير إتلاف الموكل فيه) أما به، فينعزل (قوله: ولو أرسل إلى بزاز) هو بائع البز، أي القماش (قوله: ضمنه المرسل لا الرسول) قال ع ش: ويؤخذ منه جواب حادثة وقع السؤال عنها، وهي أن رجلا أرسل إلى آخر جرة ليأخذ فيها عسلا، فملأها ودفعها للرسول ورجع بها، فانكسرت منه في الطريق، وهو أن الضمان على المرسل، ومحله في المسألتين، كما هو واضح، حيث تلف الثوب والجرة بلا تقصير من الرسول، وإلا فقرار الضمان عليه، وينبغي أن يكون المرسل طريقا في الضمان.
اه (قوله: لو اختلفا) أي الموكل والوكيل (قوله: في أصل الوكالة) أي في وجودها (قوله: بعد التصرف) أي أما قبله فتعمد إنكار الوكالة عزل، فلا فائدة للمخاصمة، وتسميته فيها موكلا، بالنظر لزعم الوكيل اه.
نهاية (قوله: أو في صفتها) أي أو اختلفا في صلة الوكالة، أي باعتبار ما اشتملت عليه، وهو الموكل فيه، وذلك لأن ما ذكره اختلاف في صفة الموكل فيه، لا في الوكالة (قوله: فقال) أي الموكل بل نقدا، أي بل وكلتك بالبيع نقدا، أي حالا، وهو راجع للأول.
(وقوله: أو بعشرة) أي أو وكلتك بالشراء بعشرة، وهو راجع للثاني (قوله: صدق الموكل بيمينه في الكل) أي وبعد تصديقه بالنسبة للصورة الأخيرة، أعني قوله أو بالشراء بعشرين، فقال بل بعشرة، فإن كان الوكيل قد اشترى بعين مال الموكل وسماه في العقد، بأن قال اشتريته لفلان بهذا والمال له، أو قال بعد الشراء بعين مال الموكل اشتريته لفلان والمال له، وصدقه البائع فيما ذكره فالبيع باطل، لأنه
معه (وينعزل) الوكيل (بعزل أحدهما) أي بأن يعزل الوكيل نفسه، أو يعزله الموكل، سواء كان بلفظ العزل أم لا، كفسخت الوكالة، أو أبطلتها، أو أزلتها، وإن لم يعلم المعزول.
(و) ينعزل أيضا، بخروج أحدهما عن أهلية التصرف (بموت، أو جنون) حصلا لاحدهما، وإن لم يعلم الآخر به، ولو قصرت مدة الجنون، وزوال ملك الموكل عما وكل فيه أو منفعته، كأن باع أو وقف أو آجر أو رهن أو زوج أمة.
ولا يصدق الموكل (بعد
ــ
ثبت بالتسمية أو التصديق أن المال والشراء لغير العاقد، وثبت بيمين ذي المال أنه لم يأذن له في الشراء بذلك القدر، فبطل الشراء، وإن كذبه البائع، بأن قال له: إنما اشتريته لنفسك والمال لك، أو سكت عن المال، حلف على نفي العلم بالوكالة، ووقع الشراء للوكيل.
وكذا يقع الشراء له إن اشترى في الذمة ولم يسم الموكل في العقد، وكذا إن سماه وكذبه البائع في الوكالة، بأن قال سميته ولست وكيلا عنه (قوله: لأن الأصل معه) أي الموكل، وهو تعليل لتصديق الموكل بيمينه (قوله: وينعزل الوكيل الخ) أشار بهذا إلى أن الوكالة جائزة من الجانبين، وذلك لأن لزومها يضرهما، إذ قد يظهر للموكل مصلحة في العزل.
وقد يعرض للوكيل ما يمنعه عن العمل.
(وقوله: بعزل أحدهما) من إضافة المصدر إلى فاعله،
ومفعوله محذوف، ولفظ المضاف إليه، وهو أحدهما، صادق بالموكل وبالوكيل، فعلى الأول، يقدر المفعول الوكيل، وعلى الثاني، يقدر نفسه، أي بعزل الموكل الوكيل، أو بعزل الوكيل نفسه (قوله: بأن يعزل الوكيل نفسه) قال البجيرمي: قياس ما يأتي في الأصل أن لو خيف من العزل ضياع المال، حرم، ولم ينعزل، وإن كان المالك حاضرا فيما يظهر.
ابن حجر.
اه (قوله: أو يعزله الموكل) أي وإن ترتب على عزله للوكيل استيلاء ظالم على مال الموكل، فلا يحرم، وينعزل بذلك، ولا يقال فيه تضييع لماله، لأنه من التروك بل لا يزيد على ما لو استولى على ماله ظالم يحضرته وقدر على دفعه، فلا يجب عليه الدفع عنه، اه.
ع ش.
اه.
بجيرمي (قوله: كفسخت الوكالة أو أبطلتها أو أزلتها) قال في التحفة: ظاهره انعزال الحاضر بمجرد هذا اللفظ، وإن لم ينوه به، ولا ذكر ما يدل عليه.
وأن الغائب في ذلك كالحاضر، وعليه، فلو تعدد له وكلاء ولم ينو أحدهم، فهل ينعزل الكل، لأن حذف المعمول يفيد العموم، أو يلغو، لإيهامه للنظر في ذلك مجال، والذي يتجه في حاضر أو غائب ليس له وكيل غيره، إنعزاله بمجرد هذا اللفظ، وتكون أل للعهد الذهني الموجب لعدم إلغاء اللفظ وأنه في التعدد ولا نية ينعزل الكل كالقرينة حذف المعمول، ولأن الصريح، حيث أمكن استعماله في معناه المطابق له خارجا، لا يجوز إلغاؤه.
اه (قوله: وينعزل أيضا) أي كما ينعزل بعزل نفسه أو بعزل الموكل إياه، ينعزل أيضا بخروجه أو خروج موكله عن أهلية التصرف (قوله: بموت) متعلق بخروج، أي الخروج يكون بموت أو جنون، ومثلهما إغماء وطرو رق، كأن كان حربيا فاسترق وحجر سفه، وكذا حجر فلس فيما لا ينفذ منه، وكذا فسق في نحو نكاح مما يشترط فيه العدالة، قالا في التحفة والنهاية، واللفظ للنهاية: وخالف ابن الرفعة فقال: الصواب أن الموت ليس بعزل، وإنما تنتهي به الوكالة، قال الزركشي: وفائدة عزل الوكيل بموته إنعزال من وكله عن نفسه، إن جعلناه وكيلا عنه.
اه.
وقيل لا فائدة لذلك في غير التعاليق.
اه.
وفي سم ما نصه: (فرع) لو سكر الوكيل، ينبغي أن يقال، إن تعدى بسكره، لم ينعزل، وإلا انعزل أخذا من قولهم.
واللفظ للروض: ويصح توكيل السكران بمحرم.
اه.
قال في شرحه: كسائر تصرفاته، بخلاف السكران بمباح، كدواء، فإنه كالمجنون، اه.
وكلامهما في الوكيل، لا في الموكل، كما هو صريح سياقهما، على أنه لو كان في الموكل، كان الأخذ بحاله - كما لا يخفى.
اه.
(قوله: حصلا) أي الموت والجنون (قوله: لأحدهما) أي الوكيل أو الموكل (قوله: وإن لم يعلم الآخر) أي الذي لم يحصل له ذلك، وهذه غاية، كالتي بعدها، للإنعزال بما ذكر (قوله: ولو قصرت مدة الجنون) أي لأنه لو قارن العقد، لمنع الإنعقاد، فإذا طرأ، أبطله (قوله: وزوال ملك موكل) معطوف على موت، أي وينعزل أيضا
بزوال الخ، قال في النهاية، فلو عاد لملكه، لم تعد الوكالة.
اه.
(قوله: أو منفعته) معطوف على ملك: أي أو زوال منفعة ما وكل فيه، (وقوله: كأن باع أو وقف) تمثيل لزوال الملك.
(وقوله: أو آجر) تمثيل لزوال المنفعة، (وقوله: أو
تصرف) أي تصرف الوكيل في قوله كنت عزلته (إلا ببينة) يقيمها على العزل.
قال الاسنوي: وصورته إذا أنكر الوكيل العزل، فإن وافقه على العزل لكن ادعى أنه بعد التصرف فهو كدعوى الزوج تقدم الرجعة على انقضاء العدة، وفيه تفصيل معروف، انتهى.
ولو تصرف وكيل أو عامل بعد انعزاله جاهلا في عين مال موكله، بطل، وضمنها إن سلمها، أو في ذمته انعقد له.
فروع: لو قال لمدينه إشتر لي عبدا بما في ذمتك، ففعل، صح للموكل، وبرئ المدين، وإن تلف، على الاوجه، ولو قال لمدينه: أنفق على اليتيم الفلاني كل يوم درهما من ديني الذي عليك، ففعل، صح،
ــ
رهن) هو وما بعده لا يصلحان مثالا لزوال الملك ولا لزوال المنفعة، إذ المرهون أو المزوجة لم يزل ملك الموكل عنهما ولا يمنع من الانتفاع بهما، ولو قال، كما في شرح المنهج، ومثله ما لو رهن أو زوج، لكان أولى.
وعبارة النهاية: ولو وكله في بيع، ثم زوج، أو آجر، أو رهن وأقبض، كما قاله ابن كج، أو وصى، أو دبر، أو علق عتقه بصفة أخرى، كما بحثه البلقيني وغيره، أو كاتب: انعزل، لأن مريد البيع، لا يفعل شيئا من ذلك.
اه.
(قوله: في قوله الخ) متعلق بيصدق، وكان الأولى للؤلف، أن يجعل هذا من المتن، (وقوله: كنت عزلته) أي قبل التصرف (قوله: قال الأسنوي وصورته) أي عدم تصديق الموكل في قوله كنت عزلته قبل التصرف إلا ببينة (قوله: إذا أنكر الوكيل العزل) أي من أصله (قوله: فإن وافقه) أي وافق الوكيل الموكل (قوله: لكن ادعى) أي الوكيل أنه بعد التصرف: أي العزل وقع بعد التصرف، أي وادعى الموكل أنه قبله، وكان المناسب ذكره ليرجع إليه الضمير بعده، أعني قوله فهو، إذ المناسب رجوعه لدعوى الموكل العزل قبل التصرف، كما هو ظاهر (قوله: وفيه تفصيل) أي في دعوى الزوج تقدم الرجعة تفصيل معروف أي وهو ما ذكره الشارح في باب الرجعة، وعبارته هناك، ولو ادعى رجعة في العدة وهي منقضية، ولم تنكح، فإن اتفقا على وقت الإنقضاء، كيوم الجمعة، وقال راجعت قبله، فقالت بل بعده، حلفت أنها لا تعلم أنه راجع، فتصدق، لأن الأصل عدم الرجعة قبله.
فلو اتفقا على وقت الرجعة، كيوم الجمعة، وقالت انقضت يوم الخميس، وقال بل انقضت يوم السبت، صدق بيمينه أنها ما انقضت يوم الخميس، لاتفاقهما على وقت الرجعة، والأصل عدم انقضاء العدة قبله.
اه.
أي فيقال هنا أيضا، إذا اتفقا على وقت العزل وقال الوكيل تصرفت قبله، وقال الموكل بعده، حلف الموكل أنه لا يعلمه تصرف قبله، ويصدق، لأن الأصل عدمه لما بعده، أو اتفقا على وقت التصرف، وقال عزلتك قبله، فقال الوكيل بل بعده حلف الوكيل أنه لا يعلم عزله قبله، ويصدق (قوله: أو عامل) أي في القراض (قوله: جاهلا) أي بالعزل (قوله: في عين مال موكله) متعلق بتصرف: أي تصرف في عين مال موكله، وكان المناسب أن يزيد، أو مقارضه، لأنه ذكر العامل، وهو يلائم المقارض.
(قوله: بطل) أي تصرفه (قوله: وضمنها) أي العين.
(وقوله: إن سلمها) أي العين للمتصرف منه، وهو قيد في الضمان (قوله: أو في ذمته) معطوف على في عين الخ: أي أو تصرف الوكيل أو العامل في ذمته، بأن اشترى بمال في
ذمته، لا بعين مال الموكل، أو المقارض.
(قوله: انعقد) أي ذلك التصرف، وقوله له: أي لمن ذكر، من الوكيل، والعامل (قوله: فروع) أي ستة (قوله: لو قال) أي الدائن لمدينه (قوله: ففعل) أي المدين ما أمره به دائنه (قوله: صح) أي الشراء (قوله: وبرئ المدين) أي من الدين الذي عليه (قوله: وإن تلف) أي ما اشتراه المدين، وهو العبد.
(قوله: على الأوجه) متعلق بقوله صح، أي صح للموكل على الأوجه، أي عند شيخه ابن حجر، تبعا لما في في الأنوار، والذي استوجهه غيره، أنه لا يقع للموكل، بل للمدين، وعبارة ع ش.
(فرع) وكل الدائن المدين أن يشتري له شيئا بما في ذمته، لم يصح، خلافا لما في الأنوار، لأن ما في الذمة، لا يتعين إلا بقبض صحيح، ولم يوجد، لأنه لا يكون قابضا مقبضا من نفسه.
اه.
سم.
على منهج، واعتمد ابن حجر ما في الأنوار، ومنع كونه من اتحاد القابض والمقبض، فليراجع.
وقول سم لم يصح: أي وإذا فعل وقع الشراء للمدين، ثم
وبرئ على ما قاله بعضهم: يوافقه قول القاضي لو أمر مدينه أن يشتري له بدينه طعاما، ففعل، ودفع الثمن وقبض الطعام، فتلف في يده: برئ من الدين.
ولو قال لوكيله: بع هذه ببلد كذا، واشتر لي بثمنها قنا، جاز له إيداعها في الطريق، أو المقصد، عند أمين، من حاكم فعيره، إذ العمل غير لازم له، ولا تغرير منه، بل المالك هو المخاطر بماله، ومن ثم لو باعها، لم يلزمه شراء القن، ولو اشتراه، لم يلزمه رده، بل له إيداعه عند من ذكر، وليس له رد الثمن، حيث لا قرينة قوية تدل على رده، كما استظهره شيخنا، لان المالك لم يأذن فيه فإن فعل فهو في ضمانه، حتى يصل لمالكه ومن ادعى أنه وكيل لقبض ما على زيد من عين أو دين، لم يلزمه الدفع إليه، إلا ببينة بوكالته.
ولكن يجوز الدفع له إن صدقه في دعواه، أو ادعى أنه محتال به وصدقه، وجب الدفع له، لاعترافه بانتقال المال إليه، وإذا دفع إلى مدعي الوكالة فأنكر المستحق وحلف أنه لم يوكل، فإن كان المدفوع هينا، استردها إن بقيت، وإلا غرم من شاء منهما، ولا رجوع للغارم على الآخر، لانه مظلوم بزعمه، أو دينا، طالب
ــ
إن دفعه للدائن، رده، إن كان باقيا، وإلا رد بدله.
اه.
(قوله: على ما قاله بعضهم) قال في التحفة بعده أخذا مما يأتي في إذن المؤجر للمستأجر في الصرف في العمارة، وإذن القاضي للمالك في هرب عامل المساقاة والجمال، ومما لو اختلع زوجته بألف وأذن لها في إنفاقه على ولدها، ومما نقله الأذرعي عن الماوردي وغيره عن ابن سريج، أنه لو وكل مدينه في شراء كذا من جملة دينه، صح، وبرئ الوكيل مما دفعه، ثم قال فيها.
ولك أن تقول هذا كله لا دلالة فيه، لما قاله ذلك البعض، لأن القابض في مسألتنا، ليس أهلا للقبض، إذ اليتيم صغير، لا أب له.
الخ.
اه.
(قوله: ويوافقه) أي ما قاله بعضهم (قوله: فتلف في يده) أي تلف الطعام في يد المشتري، الذي هو المدين (قوله: برئ) أي المدين من الدين (قوله: بع هذه) أي العين (قوله: جاز له) أي للوكيل (قوله: عند أمين) متلعق بإيداعها، (وقوله: من حاكم فغيره) بيان له (قوله: إذ العمل غير لازم له) أي للوكيل، وهو علة لجواز إيداعها (قوله: ولا تغرير منه) أي الوكيل (قوله: ومن ثم) أي من أجل العمل غير لازم له (قوله: ولو اشتراه) أي الوكيل القن، (وقوله: لم يلزمه رده) أي إلى الوكيل (قوله: بل له) أي للوكيل.
(وقوله: إيداعه) أي القن، (وقوله: عند من ذكر) أي عند أمين حاكم فغيره.
(قوله: وليس له رد الثمن الخ) أي ليس للوكيل إذا باع العين أن يرد ثمنها للموكل، إلا إذا وجدت قرينة قوية منه تدل على الرد، بأن قال له بع العين واشتر لي بثمنها قنا، وإذا لم تشتره، فلا تبق الثمن عند أحد، فحينئذ يرد، ولا يضمن لو تلف (قوله: حيث لا قرينة قوية) أي موجودة، فخبر لا محذوف، وقوية، بالنصب، صفة لقرينة (قوله: لأن المالك لم يأذن فيه) أي في رد الثمن، وهو علة
لقوله وليس له رد (قوله: فإن فعل) أي رد الثمن، (وقوله: فهو) أي الثمن في ضمانه، أي الوكيل (قوله: لقبض ما على زيد من عين أو دين) استعمال على، في العين، تغليب، وعبارة غيره، لقبض ما عليه من دين، أو عنده من عين.
اه.
(قوله: لم يلزمه) أي زيدا، وهو جواب من.
(وقوله: الدفع إليه) أي إلى مدعي الوكالة، (وقوله: إلا ببينة بوكالته) أي لاحتمال أن الموكل ينكر فيغرمه، تحفة (قوله: ولكن يجوز إلخ) قال في شرح الروض: هذا مسلم في الدين، لأنه يسلم ملكه، وأما في العين، فلا، لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه.
اه.
وقوله وأما في العين فلا، محله إن لم يغلب على ظنه إذن المالك له في قبضها بقرينة قوية، وإلا فيجوز ذلك، كما في النهاية (قوله: أو ادعى أنه محتال به) أي بما على زيد من الدين خاصة، لأن الحوالة مختصة به، ومثل ذلك، ما إذا ادعى أنه وارث له مستغرق، أو وصي، أو موصى له منه.
(قوله: وصدقه) أي صدق المحال عليه المحتال في دعواه الحوالة، (وقوله: وجب الدفع) أي دفع المحال عليه ما عليه، (وقوله: له) أي للمحتال.
(وقوله: لاعترافه) أي المحال عليه، (وقوله: بانتقال المال إليه) أي إلى المحتال.
وفي البجيرمي على الخطيب ما نصه، وبقول الشارح لاعترافه الخ، حصل الفرق بينه وبين الأول، حيث يجوز له الدفع إذا صدقه، ولا يجب.
اه.
(قوله: وإذا دفع) أي زيد الذي عليه الحق (قوله: فأنكر) أي الوكالة، (وقوله: المستحق) أي الذي له الحق على زيد (قوله: فإن كان المدفوع عينا: استردها) أي المستحق، وعبارة الروض
الدافع فقط، أو إلى مدعي الحوالة فأنكر الدائن الحوالة وحلف، أخذ دينه ممن كان عليه ولا يرجع المؤدي على من دفع إليه، لانه اعترف بالملك له.
قال الكمال الدميري، لو قال أنا وكيل في بيع أو نكاح وصدقه من يعامله، صح العقد، فلو قال بعد العقد لم يكن وكيلا: لم يلتفت إليه.
(ويصح قراض: وهو) أن يعقد على مال يدفعه
ــ
وشرحه، فإن كان عينا، وبقيت، أخذها، أو أخذها، الدافع وسلمها إليه.
اه.
(قوله: وإلا غرم) أي وإن لم تبق، بأن تلفت، غرم المستحق من شاء منهما، أي من مدعي الوكالة، والدافع له (قوله: ولا رجوع للغارم على الآخر) محله، إذا تلفت من غير تفريط من القابض، فإن كان بتفريط منه، فإن كان هو الغارم، فلا يرجع على الدافع، وإن كان الدافع هو الغارم، رجع عليه.
وذلك لأن القابض، وكيل في زعم الدافع، والوكيل، يضمن بالتقصير، والمستحق، ظلم الدافع بأخذ القيمة منه، وماله في ذمة القابض، فيستوفيه الدافع منه حينئذ، في مقابلة حقه الذي أخذه منه المستحق، ومحله أيضا، ما لم يشترط الضمان على القابض لو أنكر المالك، أو تلف بتفريط القابض، وإلا فيرجع الدافع عليه حينئذ (قوله: لأنه مظلوم بزعمه) أي لأن الغارم مظلوم بزعم نفسه لغير الآخر، بسبب إنكار المستحق الوكالة، والمظلوم لا يرجع إلا على ظالمه، وهو المستحق، فضمير لأنه بزعمه، راجع للغارم، ومتعلق مظلوم، محذوف، وعبارة الروض وشرحه، وإن تلفت طالب بها من شاء، ثم لا يرجع أحدهما على الآخر، لاعترافهما أن الظالم غيرهما، فلا يرجع إلا
على ظالمه.
اه.
وفي البجيرمي على الخطيب ما نصه، (وقوله: لأنه مظلوم) فلا يرجع على غير ظالمه، ويؤخذ منه حكم الشكية المعلومة، وهو، ما لو اشتكى شخص شخصا لذي شوكة، وغرمه مالا، فإنه يرجع به عليه، ولا يرجع على الشاكي، خلافا للأئمة الثلاثة.
اه.
(وقوله: عليه) أي على ذي الشوكة الذي غرمه، وقوله ولا يرجع على الشاكي، أي لأنه غير ظالمه (قوله: أو دينا) أي أو إن كان المدفوع دينا، (وقوله: طالب) أي المستحق، (وقوله: الدافع فقط) أي ولا يطالب القابض، لأنه فضولي بزعم المستحق، والمقبوض ليس حقه، وإنما هو مال المديون.
وإذا غرم الدافع، فإن بقي المدفوع عند القابض، فله استرداده منه، وإن صار للمستحق في زعمه، لأنه مال من ظلمه، وقد ظفر به، فإن تلف، فإن كان بلا تفريط منه، لم يغرمه، وإلا غرمه.
اه.
ملخصا من الروض وشرحه (قوله: أو إلى مدعي الحوالة) معطوف على قوله إلى مدعي الوكالة: أي وإذا دفع المحال عليه المحال به إلى مدعي الحوالة (قوله: أخذ) أي الدائن، وهو جواب إذ المقدرة.
وقوله: ممن كان عليه، وهو المدين المحال عليه (قوله: لا يرجع المؤدي) أي وهو المحال عليه.
(وقوله: على من دفع إليه) وهو مدعي الحوالة (قوله: لأنه) أي المؤدي، (وقوله: اعترف بالملك له) أي لذي الحوالة.
قال البجيرمي، فهو، أي المحال عليه، مظلوم بإنكار المحيل الحوالة، فلا يرجع على غير ظالمه، وهو المحيل.
اه.
(وقوله: وهو) أي ظالمه (قوله: قال الكمال الدميري: لو قال أنا وكيل الخ) عبارة الروض وشرحه: ويجوز عقد البيع والنكاح ونحوهما بالمصادقة على الوكالة به، ثم بعد العقد إن كذب الوكيل نفسه، بأن قال لم أكن مأذونا فيه: لم يؤثر، وإن وافقه المشتري في مسألة البيع على التكذيب، لأن فيه حقا للموكل، إلا إن أقام المشتري بينة بإقراره أنه لم يكن مأذونا له في ذلك العقد، فيؤثر فيه، وكالمشتري، في ذلك، كل من وقع العقد له.
اه.
(قوله: ويصح قراض) شروع في القسم الثاني من الترجمة، والقراض، بكسر القاف، مصدر قارض، كالمقارضة، كما قال ابن مالك: لفاعل الفعال والمفاعلة.
ويقال له المضاربة، من الضرب، بمعنى السفر، قال تعالى: * (وإذا ضربتم في الأرض) * (1) أي سافرتم، لاشتماله عليه غالبا، والقراض والمقارضة، لغة أهل الحجاز، والمضاربة: لغة أهل العراق، والأصل فيه: الإجماع، والحاجة، لأن صاحب المال، قد لا يحسن التصرف، ومن لا مال له يحسنه، فيحتاج الأول إلى الإستعمال، والثاني إلى العمل.
واحتج له أيضا بقوله تعالى: * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * (2) أي ليس عليكم حرج في أن تطلبوا زيادة من ربكم، وهي الربح.
والآية، وإن لم تكن نصا في المدعي، يصح الإحتجاج بها من حيث عمومها، إذ الفصل فيها بمعنى الربح أعم
(1) سورة النساء، الاية:101.
(2)
سورة البقرة، الاية:198.
لغيره ليتجر فيه، على أن يكون الربح مشتركا بينهما (في نقد خالص مضروب) لانه عقد غرر، لعدم انضباط العمل والوثوق بالربح وإنما جوز: للحاجة، فاختص بما يروج غالبا، وهو النقد المضروب.
ويجوز عليه، وإن أبطله السلطان، وخرج بالنقد، العرض، ولو فلوسا، وبالخالص، المغشوش وإن علم قدر غشه، أو استهلك،
ــ
من أن يكون حاصلا بأموالهم أو بأموال غيرهم، ونظيرها قوله تعالى: * (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) * (1) واحتج له أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم ضارب لخديجة بمالها إلى الشام، وأنفذت معه عبدها ميسرة، بفتح السين، وضمها، واعترض الإستدلال بما ذكر، بأن سفره لخديجة كان على سبيل الإستئجار، لا على سبيل المضاربة، لما قيل من أنها استأجرته بقلوصين، أي ناقتين، وأجيب باحتمال تعدد الواقعة، فمرة سافر على سبيل الإستئجار، ومرة على سبيل المضاربة، أو أن من عبر بالإستئجار، تسمح به، فعبر به عن الهبة، ووجه الدلالة مما ذكره، أنه صلى الله عليه وسلم حكاه بعد البعثة مقررا له، فدل على جوازه، وأركانه ستة: مالك، وعامل، وعمل، ومال، وربح، وصيغة.
وحقيقته أن أوله، أي قبل ظهور الربح، وكالة، وآخره، أي بعد ظهور الربح، جعالة (قوله: وهو) أي القراض شرعا، وأما لغة: فهو مشتق من القرض، وهو القطع.
وسمي المعنى الشرعي به، لأن المالك قطع للعامل قطعة من ماله يتصرف فيها، وقطة من الربح، ويستفاد من التعريف المذكور، أركان القراض الستة، فالمالك والصيغة، مأخوذان من قوله أن يعقد، وقوله: لغيره هو العامل، وقوله ليتجر.
فيه اشارة للعمل، والمال والربح ظاهران (قوله: على مال يدفعه) خرج به، ما لو قارضه على منفعة كسكنى داره يؤجرها مرة بعد أخرى، وما زاد على أجرة لمثل يكون بينهما، أو على دين عليه، أو على غيره يحصل ذلك ويتجر فيه، وما تحصل من الربح يكون بينهما.
وما لو قال بع هذا، وقارضتك على ثمنه، فلا يصح كل ذلك.
نعم: البيع صحيح، وله أجرة مثل العمل إن عمل (قوله: ليتجر فيه) خرج به ما لو عامله على شراء بر يطحنه ويخبزه، أو على غزل ينسجه ويبيعه، فلا يصح، لأن الطحن وما بعده لا يسمى تجارة، بل هي أعمال مضبوطة يستأجر عليها، فلا تحتاج إلى القراض عليها، المشتمل على الجهالة المغتفرة للحاجة (قوله: على أن يكون الربح مشتركا بينهما) خرج به اختصاص أحدهما به فلا يصح (قوله: في نقد الخ) متعلق بيصح، وأسقط من الشروط، كونه معلوما جنسا، وقدرا، وصفة، وكونه معينا، وكونه بيد العامل، فلا يصح على مجهول جنسا، وقدرا، وصفة، وعلى غير معين، كأن قارضه على ما في الذمة من دين أو عين، نعم: لو قارضه على نقد في ذمته، ثم عينه في المجلس، صح.
وكذا لو كان في ذمة العامل، وعينه كذلك، ولا على شرط كون المال بيد غير العامل كالمالك ليوفي من ثمنه ما اشتراه العامل، لأنه قد لا يجده عند الحاجة (قوله: لأنه الخ) علة لمحذوف، أي ولا يصح في غيره لأنه الخ.
(وقوله: عقد غرر) أي عقد مشتمل على غرر، (وقوله:
لعدم انضباط العمل) بيان للغرر، فهو علة العلة (قوله: والوثوق بالربح) أي ولعدم الوثوق بالربح، فهو معطوف على انضباط.
وإنما لم يكن موثوقا به: لأنه قد يحصل، وقد لا يحصل (قوله: وإنما جوز للحاجة) أي وإنما جوز القراض، مع كونه مشتملا على غرر، للحاجة (قوله: فاختص بما يروج غالبا) أي في غالب الأحوال، وعبارة فتح الجواد، وإنما جوز للحاجة، واختص بما يروج بكل حال، أي باعتبار الأصل، إذ الأوجه، جوازه بنقد خالص لا يتعامل به، أو أبطله السلطان، أو مغشوش راج رواج الخالص في كل مكان.
اه.
وعبارة شيخ الإسلام: فاختص بما يروج بكل حال، وتسهل التجارة به.
اه.
وقوله بكل حال، أي بحيث لا يرده أحد، بخلاف التبر، والمغشوش، والفلوس.
وقوله: وتسهل التجارة به.
أي بخلاف العرض، فالعطف مغاير، ويصح أن يكون للتفسير، أو عطف لازم.
اه.
ش ق (قوله: وهو) أي الذي يروج غالبا، (وقوله: النقد المضروب) أي لأنه ثمن الأشياء (قوله: ويجوز) أي القراض.
(وقوله: عليه) أي على النقد.
(وقوله: وإن أبطله) أي ذلك النقد، أي أو كان في ناحية لا يتعامل به فيها (قوله: وخرج بالنقد، والعرض) أي كالنحاس، والقماش.
(وقوله: ولو فلوسا) أي جددا، فهي من العروض، لأنها قطع من النحاس، ومن جعلها من
(1) سورة المزمل، الاية:20.
وجاز التعامل به.
وبالمضروب التبر، وهو ذهب أو فضة لم يضرب، والحلي فلا يصح في شئ منها، وقيل يجوز
على المغشوش إن استهلك غشه.
وجزم به الجرجاني.
وقيل إن راج.
واختاره السبكي وغيره.
وفي وجه ثالث في زوائد الرضة أنه يجوز على كل مثلي، وإنما يصح القراض (بصيغة) من إيجاب من جهة رب المال: كقارضتك، أو عاملتك في كذا، أو خذ هذه الدراهم واتجر فيها، أو بع، أو اشتر على أن الربح بيننا، وقبول فورا من جهة العامل لفظا، وقيل يكفي في صيغة الامر، كخذ هذه واتجر فيها القبول بالفعل، كما في الوكالة، وشرط المالك والعامل، كالموكل والوكيل، صحة مباشرتهما التصرف (مع شرط ربح لهما) أي للمالك والعامل،
ــ
النقد، أراد كونه يتعامل بها كالنقد.
قال ع ش: وأخذه غاية للخلاف فيه.
اه.
أي فهي للرد (قوله: وبالخالص) أي وخرج بالخالص (قوله: وإن علم قدر غشه) وعلى هذا لا يصح بالريالات الفرانسة ونحوها مما دخله النحاس، والغاية للرد، كالتي بعدها (قوله: وبالمضروب: التبر) أي وخرج بالمضروب: التبر (قوله: وهو) أي التبر.
(وقوله: ذهب أو فضة لم يضرب) سواء في ذلك القراضة وغيرها، هذا باعتبار عرف الفقهاء، وإلا فهو كسارة الذهب والفضة إذا أخذ من معدنهما قبل تنقيتهما (قوله: وقيل يجوز على المغشوش الخ) اعتمده م ر.
وقوله إن استهلك غشه، المراد به، كما استوجهه ع ش، عدم تميز النحاس عن الفضة مثلا في رأي العين، وليس المراد به أن لا يتحصل منه شئ بالعرض على النار، وإلا لما صح قراض أصلا (قوله: وقيل إن راج) أي وإن لم يستهلك.
اه.
ع ش (قوله: وفي وجه ثالث) لعله رابع، أو بالنسبة لما في زوائدها.
وقوله على كل مثلي: أي كالحبوب والثمار، ومقتضاه أنه لا يجوز في المتقوم، كالرقيق (قوله: وإنما يصح القراض) دخول على المتن، فقوله بصيغة، متعلق به، وقدره لطول الكلام على ما مر (قوله: من إيجاب) بيان للصيغة، (وقوله: من جهة إلخ) متعلق بمحذوف صفة لإيجاب، أي إيجاب حاصل من جهة رب المال
(قوله: كقارضتك الخ) أمثلة للإيجاب (قوله: أو بع أو اشتر) أو: بمعنى الواو، المعبر بها في التحفة والنهاية والمغني، وقال في المغني، فلو قال اشتر، ولم يذكر البيع، لم يصح في الأصح اه.
(قوله: على أن الربح بيننا) راجع لجميع الصيغ المتقدمة، كما نص عليه الرشيدي، فلو لم يذكره فيها، فسد القراض، وللعامل أجرة المثل، كما سيصرح به المتن، إلا في الصيغة الأخيرة، فلا شئ له أصلا، كما صرح به في التحفة، فيها، ونصها.
فإن اقتصر على بع أو اشتر، فسد ولا شئ له لأنه لم يذكر له مطمعا.
اه.
وكتب الرشيدي على قول النهاية، فلو اختصر على بع واشتر فسد، ما نصه: أي ولا شئ له، كما في التحفة، وهذا حكمة النص على هذه، دون ما قبلها، وإلا فالفساد قدر مشترك بين الجميع، حيث لم يقل والربح بيننا، فكان على الشارح أن يذكره، وقضية ما في التحفة، استحقاق العامل في مسألة اتجر فيها إذا لم يقل الربح بيننا، وانظر: ما وجهه؟ اه.
(قوله: وقبول فورا من جهة العامل لفظا) أي كالبيع، لأنه عقد معاوضة يختص بمعين، بخلاف الوكالة، لأنها مجرد إذن والحوالة لأنها لا تختص بمعين.
اه.
شرح الروض (قوله: وقيل يكفي في صيغة الأمر) أي فيما إذا صدر من رب المال صيغة الأمر.
وقوله القبول بالفعل، فاعل يكفي، والباء فيه للتصوير، أي القبول المصور بالفعل، أي فعل ما أمر به من غير لفظ، وقوله كما في الوكالة، أي والجعالة، ورد بأنه عقد معاوضة يختص بمعين.
كما تقدم، فلا يشبه ذينك - لكن قد يشكل عليه قوله بعد قريبا.
وشرط المالك والعامل، كالموكل والوكيل، وقول البهجة: عقد القراض يشبه التوكيلا الخ، إلا أن يقال.
المراد لا يشبه ذينك في هذا الحكم، أو من كل الوجوه، بل من بعضها، أفاده سم (قوله: كالموكل والوكيل) أي لأن القراض توكيل وتوكل بعوض، فيشترط أهلية التوكيل في المالك، وأهلية التوكل في العامل، فلا يصح إذا كان أحدهما محجورا عليه، أو عبدا أذن له في التجارة، أو كان العامل أعمى، (وقوله: صحة مباشرتهما التصرف) خبر بعد خبر، لأن الجار والمجرور قبله خبر، ولا يخفى ما في ذكره من الركاكة، فلو اقتصر عليه أو على الجار والمجرور قبله، كما في المنهاج، أو قال في صحة، بزيادة الجار، ويكون بيانا لوجه الشبه لكان أولى، فتأمل (قوله: مع شرط ربح لهما) متعلق بيصح الذي قدره الشارح، أي وإنما يصح
فلا يصح على أن لاحدهما الربح (ويشترط كونه) أي الربح (معلوما بالجزئية) كنصف، وثلث.
ولو قال قارضتك على أن الربح بيننا، صح مناصفة، أو على أن لك ربع سدس العشر، صح، وإن لم يعلماه عند العقد، لسهولة معرفته، وهو جزء من مائتين وأربعين جزءا.
ولو شرط لاحدهما عشرة، أو ربح صنف، كالرقيق، فسد القراض.
(ولعامل في) عقد قراض (فاسد: أجرة مثل) وإن لم يكن ربح، لانه عمل طامعا في المسمى، ومن القراض الفاسد، على ما أفتي به شيخنا ابن زياد رحمه الله تعالى، ما اعتاده بعض الناس من دفع مال إلى آخر بشرط أن يرد له لكل عشرة اثني عشر إن ربح أو خسر، فلا يستحق العامل إلا أجرة المثل، وجميع الربح أو الخسران على المالك، ويده على المال يد أمانة.
فإن قصر، بأن جاوز المكان الذي أذن له فيه، ضمن المال.
انتهى.
ولا أجرة للعامل في الفاسد إن شرط الربح كله للمالك لانه لم يطمع في شئ.
ويتجه أنه لا يستحق شيئا
ــ
القراض مع شرط ربح لهما، ومحط الشرطية قوله لهما (قوله: فلا يصح) أي القراض.
وقوله على أن لأحدهما الربح، أي أو أن لغيرهما منه شيئا لعدم كونه لهما.
قال في الروض وشرحه، ولو قال قارضتك على أن نصف الربح لي ساكتا عن نصيب العامل، لم يصح، لأن الربح فائدة رأس المال، فهو للمالك، إلا ما ينسب منه للعامل، ولم ينسب له شئ منه،
أو على أن نصف الربح لك، صح، وتناصفاه، لأن ما لم ينسبه للعامل، يكون للمالك بحكم الأصل، سواء سكت عن نصيبه نفسه، أو قدر لنفسه أقل، كأن قال علي أن لك النصف ولي السدس، وسكت عن الباقي، ولو قال قارضتك على النصف، أو على السدس، صح المشروط للعامل، لأن المالك يستحق بالملك، لا بالشرط.
اه.
(قوله: ويشترط كونه، أي الربح معلوما بالجزئية) لو قال وبالجزئية، بزيادة الواو، لكان أولى، لأن أصل العلم شرط، وكونه بالجزئية شرط آخر.
وخرج بالأول، ما لو لم يعلم أصلا، كأن قال قارضتك على أن لك فيه شركة أو نصيبا، وخرج بالثاني، ما إذا علم، لكن بالجزئية كأن قال قارضتك على أن لك عشرة، أو ثمانية مثلا، وسيصرح بمحترز الثاني (قوله: كنصف وثلث) تمثيل للجزئية (قوله: صح مناصفة) أي على الأصح، إذ المتبادر من ذلك عرفا، المناصفة، كما لو قال: هذه الدار بيني وبين فلان، ومقابل الأصح يقول: لا يصح، لاحتمال اللفظ لغير المناصفة، فلا يكون الجزء معلوما (قوله: أو علي أن لك ربع سدس العشر) أي أو قال قارضتك على أن لك ربع سدس العشر، وتعبيره بما ذكر: أولى من تعبير بعضهم بسدس ربع العشر، لأن تقديم أعظم الكسرين، أولى من تأخيره.
(وقوله: وإن لم يعلماه) أي قدر ربع ما ذكر، (وقوله: وهو) أي ربع ما ذكر جزء من مائتين وأربعين جزءا، بيانه أن عشر المائتين وأربعين، أربعة وعشرون، وسدس العشر أربعة، وربع سدسه واحدا، وذلك كله مجرد مثال (قوله: ولو شرط لأحدهما عشرة) بفتحتين، أي والباقي للآخر، أو بينهما (قوله: أو ربح صنف) أي أو شرط له ربح صنف واحد.
(وقوله: كالرقيق) مثال للصنف (قوله: فسد القراض) أي لعدم العلم بالجزئية، ولأنه قد لا يربح غير العشرة، أو غير ذلك الصنف، فيفوز أحدهما بجميع الربح.
اه.
شرح المنهج (قوله: ولعامل) خبر مقدم، وأجرة مثل، مبتدأ مؤخر (قوله: في عقد قراض) الإضافة للبيان، وقوله فاسد، أي بسبب فقده شرطا من الشروط المارة، ككون رأس المال غير نقد، أو شرط أن الربح لأحدهما (قوله: وإن لم يكن ربح) أي يوجد، فهو من كان التامة، وهو غاية في كونه له أجرة المثل (قوله: لأنه) أي العامل، (وقوله: عمل طامعا في المسمى) أي وقد فات، فوجب رد عمله على عامله، وهو متعذر، فرجع إلى أجرة المثل (قوله: ومن القراض الفاسد على ما أفتى به الخ) وإنما كان فاسدا في الصورة المذكورة: لعدم العلم بالجزئية، لأنه قد لا يربح إلا الذي شرط عليه به، فيفوز أحدهما حينئذ بالربح، ولاشتراط أخذ الزيادة منه، ولو مع وجود الخسارة، ولعدم وجود صيغة القراض (قوله: ويده) أي العامل (قوله: فإن قصر) أي في حفظ المال حتى تلف (قوله: بأن جاوز المكان الخ) تصوير لتقصيره، أي بأن تعدي العامل المكان المأذون له في التصرف فيه (قوله: ضمن المال) جواب إن (قوله: ولا أجرة الخ) هذا تقييد للمتن:
أي محل كون العامل له أجرة المثل، إن لم يشرط الربح كله للمالك، وإن لم يعلم الفساد، وأنه لا أجرة له، ولو قدم هذا
أيضا إذا علم الفساد، وأنه لا أجرة له.
ويصح تصرف العامل مع فساد القراض، لكي لا يحل له الاقدام عليه بعد علمه بالفساد.
ويتصرف العامل، ولو بعرض، لمصلحة، لا بغبن فاحش، ولا بنسيئة، بلا إذن فيهما، ولا يسافر بالمال بلا إذن، وإن قرب السفر، وانتفى الخوف والموءنة، فيضمن به، ويأثم، ومع ذلك القراض باق على حاله، أما بالاذن، فيجوز، لكن لا يجوز ركوب في البحر إلا بنص عليه (ولا يمون) أي لا ينفق منه على نفسه حضرا ولا سفرا، لان له نصيبا من الربح، فلا يستحق شيئا آخر، فلو شرط المؤنة في العقد، فسد (وصدق) عامل بيمينه (في) دعوى (تلف) في كل المال أو بعضه، لانه مأمون، نعم، نص في البويطي،
ــ
على قوله، ومن القراض الفاسد، لكان أنسب، وقوله إن شرط، يقرأ بالبناء للمجهول (قوله: لأنه لم يطمع في شئ) أي فهو راض بالعمل مجانا.
قال في التحفة: نعم، إن جهل ذلك، بأن ظن أن هذا لا يقطع حقه من الربح أو الأجرة، وشهد حاله بجهله لذلك استحق أجرة المثل، فيما يظهر.
اه (قوله: ويتجه أنه لا يستحق شيئا إلخ) أي لأنه لم يطمع في شئ أيضا، وفي النهاية يستحق ذلك، وإن علم الفساد، وظن أنه لا أجرة له، (وقوله: وأنه لا أجرة له) قال سم - قضيته، أن مجرد علم الفساد لا يمنع الإستحقاق، ووجهه أنه حينئذ طامع فيما أوجبه الشارع من أجرة المثل.
اه.
(قوله: ويصح تصرف العامل مع فساد القراض) أي نظرا لبقاء الإذن، كالوكالة، هذا إذا كان الفساد لفوات شرط ككونه غير نقد والحال أن المقارض مالك، أما إذا كان لعدم أهلية العاقد أو المقارض ولي أو وكيل، فلا ينفذ تصرفه، كذا في البجيرمي (قوله: لكن لا يحل له) أي للعامل: أي فيأثم بذلك.
(وقوله: الإقدام عليه) أي على التصرف.
وقوله بعد علمه، أي العامل بالفساد (قوله: يتصرف العامل الخ) شروع في بيان بعض أحكام القراض، وقوله ولو بعرض، أي وإن لم يأذن له المالك، إذ الغرض، الربح، وقد يكون فيه، وقوله بمصلحة أي لأنه في الحقيقة وكيل، وهو متعلق بيتصرف (قوله: لا بغبن فاحش) أي لا يتصرف بغبن فاحش في بيع أو شراء، وتقدم بيانه في الوكالة، فلا تغفل، قال ع ش: وظاهره أنه يبيع بغير الغبن الفاحش، ولو كان ثم من يرغب فيه بتمام قيمته، ولعله غير مراد، أخذا مما تقدم في الوكالة، أن محل الصحة، إذا لم يكن ثم راغب يأخذه بهذه الزيادة، اه (قوله: ولا بنسيئة) أي ولا يتصرف بنسيئة، أي بأجل في بيع أو شراء أيضا للغرر، ولأنه قد يتلف رأس المال، فتبقى العهدة متعلقة بالمالك، اه.
تحفة.
وقوله: بلا إذن فيهما، أي في الغبن والنسيئة، أما بالإذن، فيجوز، لأن المنع لحقه، وقد زال بإذنه، ويأتي في البيع نسيئة ما مر في الوكالة، من أنه إن قدر للعامل مدة تعينت، فلا يزيد عليها، ولا ينقص.
وإن أطلق الأجل، حمل على العرف، ومنه وجوب الإشهاد أيضا، فإن تركه، ضمن (قوله: ولا يسافر بالمال بلا إذن) أي لأن فيه خطرا وتعريضا للتلف، قال في المغني، نعم، لو قارضه بمحل لا يصلح للإقامة، كالمفازة، فالظاهر، كما قال الأذرعي: أنه يجوز له السفر به إلى مقصده المعلوم لهما، ثم ليس له بعد ذلك أن يحدث سفرا إلى غير محل إقامته.
اه.
(قوله: فيضمن به) أي فيضمن العامل بالسفر، أي يكون في ضمانه، ولو تلف بعد ذلك بلا تقصير، كما تقدم (قوله: ومع ذلك) أي ومع ما ذكر من الضمان والإثم بسبب السفر.
القراض باق
بحاله، أي لا ينفسخ، سواء سافر بعين المال، أو العروض التي اشتراها به، ثم إذا باع فيما سافر إليه وهو أكثر قيمة مما سافر منه أو استويا، صح البيع للقراض، أو قل قيمة بما لا يتغابن به، لم يصح (قوله: أما بالإذن: فيجوز) أي السفر به (قوله: لكن لا يجوز ركوب في البحر) أي المالح، ومثله الأنهار إذا زاد خطرها على خطر البر.
اه.
ح ل.
(وقوله: إلا بنص) أي من المالك عليخه، أي على ركوب البحر، أي أو على بلد لا يصل لها إلا منه، فإنه يجوز حينئذ ذلك (قوله: ولا يمون) أي العامل (قوله: أي لا ينفق) تفسير بالأخص.
(وقوله: منه) أي من مال القراض، (وقوله: على نفسه) أي العامل، قال في الروض وشرحه، وعليه أن ينفق على مال القراض منه، لأنه من مصالح التجارة.
اه.
(قوله: لأن له) أي للعامل نصيبا من الربح، أي شأنه ذلك، فلا ينافي أنه قد لا يربح، قال سم، وأيضا قد تكون النفقة قدر الربح، فيفوز به العامل، وقد تكون أكثر، فيؤدي إلى أن يأخذ جزءا من رأس المال.
اه.
(قوله: فسد) أي العقد، لأن ذلك مخالف لمقتضاه (قوله: وصدق عامل بيمينه في دعوى تلف) أي على التفصيل الآتي في الوديعة.
وحاصله أنه إن لم يذكر سببا،
واعتمده جمع متقدمون، أنه لو أخذ ما لا يمكنه القيام به، فتلف بعضه ضمنه، لانه فرط بأخذه، ويطرد ذلك في الوكيل، والوديع، والوصي، ولو ادعى المالك بعد التلف أنه قرض، والعامل أنه قراض، حلف العامل، كما أفتى به ابن الصلاح، كالبغوي، لان الاصل عدم الضمان، خلافا لما رجحه الزركشي وغيره، من تصديق المالك، فإن أقاما بينة، قدمت بينة المالك، على الاوجه، لان معها زيادة علم.
(و) في (عدم ربح)، أصلا (و) في (قدره) عملا بالاصل فيهما، (و) في (خسر) ممكن، لانه أمين.
ولو قال ربحت كذا، ثم قال غلطت في
ــ
أو ذكر سببا خفيا، كسرقة، أو ظاهرا، كحريق، عرف هو دون عمومه، أو عرف، هو وعمومه، واتهم صدق بيمينه، فإن لم يتهم في الأخيرة صدق بلا يمين، أو جهل السبب الظاهر، طولب ببينة بوجوده، ثم حلف يمينا أنه تلف، فالصور ست، وقد تقدم هذا التفصيل في الوكالة (قوله: في كل المال) متعلق بمحذوف صفة لتالف.
أي تلف حاصل في كل المال أو في بعضه (قوله: لأنه) أي العامل مأمون، وهو تعليل لتصديقه بيمينه (قوله: نعم نص) أي الشافعي (قوله: واعتمده) أي النص المذكور في البويطي (قوله: أنه الخ) أي على أنه، فإن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بعلى مقدرة متعلقة بنص (قوله: لو أخذ) أي العامل، (وقوله: ما لا يمكنه القيام به) أي العمل فيه كله (قوله: فتلف بعضه) قال سم، أنظر مفهومه، اه.
وكتب الرشيدي ما نصه، قوله فتلف بعضه، أي بعد عمله فيه، كما هو نص البويطي، ولفظه، وإذا أخذ مالا لا يقوى مثله على عمله فيه ببدنه، فعمل فيه، فضاع، فهو ضامن، لأنه مضيع.
اه (قوله: لأنه فرط بأخذه) الأصوب ما علل به الشافعي رضي الله عنه في نصه السابق من قوله لأنه مضيع.
اه.
رشيدي (قوله: ويطرد ذلك) أي ما نص عليه في البويطي، (وقوله: في الوكيل والوديع) أي المودع عنده والوصي، أي فيقال إذا أخذوا ما لا يمكنهم القيام به فتلف، ضمنوه (قوله: ولو ادعى المالك بعد التلف أنه قرض) أي ليلزم الآخذ بدله، وخرج ببعد التلف.
ما لو ادعى المالك عليه ذلك قبله، فيصدق هو، لأن العامل يدعي عليه الإذن في التصرف وحصته من الربح والأصل عدمهما (قوله:
والعامل أنه قراض) أي وادعى العامل أنه قراض، لئلا يلزمه بدله (قوله: حلف العامل) أي صدق العامل بيمينه، وكان الأولى، التعبير به وهو جواب لو (قوله: لأن الأصل) علة لتصديق العامل بيمينه (قوله: خلافا لما رجحه الزركشي وغيره من تصديق المالك) جرى على هذا في النهاية، ولفظها، ولو ادعى المالك بعد تلف المال أنه قرض، والعامل أنه قراض، صدق المالك بيمينه، كما جزم به ابن المقري، وجرى عليه القمولي في جواهره، وأفتى به الوالد رحمه الله، خلافا للبغوي، وابن الصلاح، إذ القاعدة أن من كان القول قوله في أصل الشئ، فالقول قوله في صفته، مع أن الأصل عدم الإئتمان الدافع للضمان، وقال في الخادم، إنه الظاهر، لأن القابض يدعي سقوط الضمان عنه، مع اعترافه بأنه قبض، والأصل عدم السقوط، الخ.
اه.
قال في التحفة، وجمع بعضهم بحمل الأول، أي تصديق العامل، على ما إذا كان التلف قبل التصرف، لأنهما حينئذ اتفقا على الإذن، واختلف في شغل الذمة، والأصل براءتها، وحمل الثاني، أي تصديق المالك، على ما إذا كان بعد التصرف، لأن الأصل في التصرف في مالك الغير، أنه يضمن، ما لم يتحقق خلافه، والأصل عدمه (قوله: فإن أقاما بينة) أي أقاما كل واحد بينة، (وقوله: قدمت بينة المالك) وفي النهاية قدمت بينة العامل، وفي التحفة، وقال بعضهم الحق التعارض، أي فيأتي فيه ما مر عند عدم البينة.
اه.
أي من تصديق العامل، إن كان التلف قبل التصرف، وتصديق المالك، إن كان بعده (قوله: لأن معها زيادة علم) أي بانتقال الملك إلى الآخر، فهي أثبت شغل الذمة، بخلاف بينة العامل، فهي مستصحبة لأصل البراءة، والبينة الناقلة مقدمة على المستصحبة، أفاده البجيرمي (قوله: وفي عدم ربح) معطوف على في تلف، أي وصدق في دعوى عدم ربح.
(وقوله: وفي قدره) معطوف أيضا على في تلف، أي وصدق في دعوى قدر ربح كعشرة (قوله: عملا بالأصل) وهو ما يعديه العامل، (وقوله: فيهما) أي في عدم الربح وفي قدره (قوله: وفي خسر) معطوف على في تلف أيضا، أي وصدق في دعوى خسر (قوله: ممكن) أي محتمل، بأن عرض كساد فيما يتصرف فيه، فإن لم يمكن، لا يصدق (قوله: لأنه أمين) أي وصدق في ذلك، لأنه،
الحساب، أو كذبت، لم يقبل، لانه أقر بحق لغيره فلم يقبل رجوعه عنه، ويقبل قوله بعد خسرت، إن احتمل، كأن عرض كساد.
(و) في (رد) للمال على المالك، لانه ائتمنه كالمودع.
ويصدق العامل أيضا في قدر رأس المال، لان الاصل عدم الزائد، وفي قوله اشتريت هذا لي أو للقراض والعقد في الذمة لانه أعلم بقصده، أما لو كان الشراء بعين مال القراض، فإنه يقع للقراض، وإن نوى نفسه، كما قاله الامام، وجزم به في المطلب.
وعليه فتسمع بينة المالك أنه اشتراه بمال القراض.
وفي قوله لم تنهني عن شراء كذا، لان الاصل عدم النهي، ولو اختلفا في القدر المشروط له، أهو النصف، أو الثلث، مثلا؟ تحالف.
وللعامل بعد الفسخ أجرة المثل، والربح جميعه للمالك، أو في أنه وكيل أو مقارض، صدق المالك بيمينه، ولا أجرة عليه للعامل.
(تتمة) الشركة نوعان: أحدهما فيما ملك اثنان مشتركا بإرث أو شراء.
والثاني أربعة أقسام: منها قسم
ــ
أي العامل، أمين، فهو تعليل لتصديقه في دعوى الخسر (قوله: ولو قال) أي العامل، وقوله ربحت كذا، أي قدرا معينا، كألف، (وقوله: ثم قال غلطت في الحساب أو كذبت) أي أن القدر الذي أخبرتكم بأني ربحته وقع مني غلطا، أو كذبت فيه، فأنا ما ربحت القدر المذكور، وقوله لم يقبل، أي قوله إن غلطت أو كذبت، قال في التحفة بعده، نعم، له تحليف المالك، وإن لم يذكر شبهة.
اه.
(قوله: لأنه) أي العامل أقر بحق لغيره، وهو المالك قوله فلم يقبل رجوعه عنه، أي
عن إقراره (قوله: ويقبل قوله بعد) أي بعد قوله ربحت كذا، وقوله خسرت، مقول القول، وقوله إن احتمل، أي قوله المذكور، وقوله كأن عرض كساد، أي نقص في قيمة السلعة (قوله: وفي رد المال) معطوف على في تلف أيضا، أي وصدق في دعوى رد المال على المالك، وقوله لأنه، أي المالك ائتمنه، أي العامل، وقوله كالمودع، هو بفتح الدال، أي فإنه يصدق في دعواه الرد على المودع، بكسرها (قوله: في قدر رأس المال) أي أو في جنسه (قوله: لأن الأصل عدم الزائد) أي عدم دفع زيادة إليه، وهو تعليل لتصديق العامل في قدر رأس المال (قوله: وفي قوله اشتريت هذا لي) أي ويصدق العامل في قوله اشتريت هذا لي، أي وإن كان رابحا، وقوله أو للقراض، أي أو اشتريته للقراض، وإن كان خاسرا، وقوله والعقد في الذمة، أي والحال أنه في الذمة، أي ذمة العامل، والظاهر أنه راجع للصورة الأولى، أعني قوله اشتريت هذا لي، بدليل المحترز (قوله: لأنه أعلم بقصده) أي بقصد نفسه، أي وهو مأمون (قوله: وعليه) أي على ما قاله الإمام، من أنه إذا اشتراه بعين مال القراض، يقع للقراض، وقوله فتسمع بينة المالك، أي فيما إذا اختلفا فيما حصل الشراء به، هل هو مال القراض أو مال العامل؟ قال في التحفة، لما تقرر أنه مع الشراء بالعين لا ينظر إلى قصده وهو أحد وجهين في الرفعي من غير ترجيح، ورجح جمع متقدمون مقابله، لأنه قد يشتري به لنفسه متعديا، فلا يصح البيع، وقد يجمع بحمل ما قاله الإمام على ما إذا نوى نفسه، ولم يفسخ القراض، ومقابله على ما إذا فسخ، وحينئذ فالذي يتجه: سماع بينة المالك، ثم يسأل العامل، فإن قال فسخت، حكم بفساد الشراء، وإلا فلا.
اه.
وقوله ورجح جمع متقدمون الخ.
استوجهه في النهاية.
(قوله: وفي قوله لم تنهني الخ) أي كأن اشترى سلعة، فقال نهيتك عن شرائها، فقال العامل لم تنهني، فيصدق العامل، وتكون للقراض، لأن الأصل، عدم النهي، أما لو قال المالك، لم آذنك في شراء كذا، فقال العامل بل أذنت لي، فالمصدق المالك.
اه.
نهاية.
(قوله: ولو اختلفا) أي المالك والعامل (قوله: في القدر المشروط له) أي للعامل من الربح.
وقوله تحالفا، أي لاختلافهما في عوض العقد مع اتفاقهما على صحته، فأشبه اختلاف المتبايعين.
اه.
تحفة، ولا ينفسخ العقد بالتحالف، وإنما ينفسخ بفسخهما، أو أحدهما، أو الحاكم (قوله: وللعامل الخ) أي لتعذر رجوع عمله إليه، فوجب له قيمته، وهو الأجرة.
(قوله: أو في أنه وكيل أو مقارض) أي أو اختلفا في ذلك، فقال المالك أنت وكيل، وقال العامل أنا مقارض، وقوله صدق المالك بيمينه، نعم.
إن أقاما بينتين، قدمت بينة العامل، لأن معها زيادة علم بوجوب الأجرة.
والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله: تتمة) أي في بيان أحكام الشركة، بكسر الشين، وإسكان الراء، وبفتح الشين مع كسر الراء وإسكانها، وقد أفردها الفقهاء بباب مستقل، وذكرها بعد الوكالة،
صحيح، وهو أن يشترط اثنان في مال لهما ليتجرا فيه، وسائر الاقسام باطلة، كأن يشترك اثنان ليكون كسبهما بينهما بتساو، أو تفاوت، أو ليكون بينهما ربح ما يشتريانه في ذمتهما بمؤجل، أو حال، أو ليكون بينهما كسبهما
ــ
لأنها من أفرادها، إذ كل من الشريكين، وكيل عن الآخر، وموكل له، والأصل فيها قبل الإجماع، خبر السائب أنه كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث، وافتخر بشركته بعد المبعث، والخبر الصحيح القدسي: يقول الله تعالى: أنا ثالث الشريكين، ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه، خرجت من بينهما أي أنا كالثالث للشريكين في إعانتهما وحفظهما وأنزل البركة في أموالهما مدة عدم الخيانة، فإذا حصلت الخيانة، رفعت البركة والإعانة عنهما، وهو معنى خرجت من بينهما، وهي لغة: الإختلاط شيوعا، أو مجاورة، بعقد أو غيره.
وشرعا، عقد يقتضي ثبوت الحق في شئ لأكثر من واحد على جهة الشيوع (قوله: الشركة نوعان) أي اللغوية، لأن النوع الأول: ليس فيه عقد، والنوع الثاني: قسمه إلى أربعة أقسام، بعضها صحيح، وبعضها باطل، والمعنى الشرعي، مختص بالصحيح، على ما قاله بعضهم (قوله: أحدهما فيما ملك) أي أحدهما ثابت بسبب ملك اثنين مشتركا.
ففي سببية، وما مصدرية، وقوله مشتركا، أي مالا مشتركا، أي مختلطا بحيث لا يتميز.
وهو مفعول ملك، ويحتمل أن تكون في باقية على معناها، وما، موصول اسمي، وجملة ملك، صلة، والعائد عليها، محذوف، ومشتركا، حال، أي أحدهما ثابت في المال الذي ملكاه حال كونه مشتركا، أي مختلطا، بحث لا يتميز تأمل.
وقوله بإرث أو شراء، متعلق بملك، وهو يشير إلى أنه لا فرق في ثبوت الملك لهما، بين أن يكون على جهة القهر، كالإرث، أو الاختيار، كالشراء (قوله: والثاني أربعة أقسام) لا يحسن مقابلته لما قبله فكان الأولى أن يقول، وثانيهما فيما عقد عليه اثنان الشركة، وعبارة التحرير، هو نوعان، أحدهما في الملك قهرا كان أو اختيار، كإرث وشراء، والثاني بالعقد لها، وهي أنواع أربعة الخ، وهي ظاهرة (والحاصل) أن الشركة لها سببان، السبب الأول، الملك من غير عقد شركة، بأن يملك اثنان مالا موروثا، أو مالا مشترى.
والثاني، العقد، أي أن يعقد اثنان الإشتراك بينهما على مال أو غيره (قوله: منها قسم صحيح) أي بالإجماع، ويسمى شركة العنان، بكسر العين، من عن الشئ، أي ظهر، فهي أظهر الأنواع، لظهورها بصحتها، أو لأنه ظهر لكل من الشريكين مال الآخر، أو من عنان الدابة، لاستواء الشريكين فيها في نحو الولاية والربح والسلامة من الغرر، كاستواء طرفي العنان، أو لمنع كل منهما الآخر لما يشتهي، كمنع العنان الدابة وأركانها خمسة، عاقدان، ومعقود عليه، وذكر عمل، وصيغة، أو شرط في العاقدين ما شرط في الموكل والوكيل، من صحة التصرف، وشرط في المعقود عليه، أن يكون مثليا، كالدراهم والدنانير، والبر، لأنه إذا اختلط بجنسه، لم يتميز، بخلاف المتقوم وقد تصح فيه بأن يكون مشتركا بينهما قبل العقد، كأن
ورثاه، أو اشترياه، أو باع أحدهما بعض عرضه ببعض عرض الآخر، كنصف بنصف، أو ثلث بثلثين، وأذن كل لصاحبه في لتصرف بعد القبض، وذلك لعدم تميز المالين حينئذ، وأن يتحدا المالان جنسا وصفة، بحيث لو خلطا، لم يتميزا كل منهما عن الآخر، وأن يخلطا قبل العقد، لتحقق معنى الشركة.
وأن يشترطا الربح والخسران على قدر المالين، عملا بقضية العقد، وقد ذكر شرط العمل بقوله، ويتسلط كل واحد منهما الخ، وشرط الصيغة بقوله، وشرط فيها لفظ الخ.
(قوله: وهو) أي القسم الصحيح، وقوله: أن يشترط اثنان، أي يصح التصرف منهما، كما علمت، وقوله من مال لهما، أي مثلي نقد أو غيره، على ما عرفت (قوله: وسائر الأقسام) أي باقيها، وهو ثلاثة، شركة الأبدان، وشركة المفاوضة، وشركة الوجوه، وقوله باطلة، أي لكثرة الغرر فيها، لا سيما شركة المفاوضة، ولخلوها عن المال المشترك، كما ستعرفه (قوله: كأن يشترك اثنان ليكون كسبهما بينهما) أي مكسوبهما ببدنهما خاصة، وإلا كانت عين شركة المفاوضة الآتية، سواء اتفقا حرفة، كخياطين، أو اختلفا فيها، كخياط ورفاء، وهذه تسمى شركة الأبدان، وهي باطلة، لعدم المال، فمن انفرد بشئ، فهو له، وما اشتركا فيه يوزع عليهما بنسبة أجرة المثل، بحسب الكسب، وجوزها أبو حنيفة رضي الله عنه مطلقا، ومالك وأحمد رضي الله عنهما مع اتحاد الحرفة (قوله: بتساو أو تفاوت) متعلق بمحذوف حال من الضمير في الخبر: أي حال كون الكسب الكائن بينهما حاصلا بتساو أو تفاوت، أي بحسب ما شرطاه (قوله: أو ليكون بينهما الخ)
وربحهما ببدنهما، أو مالهما، وعليهما ما يعرض من غرم، وشرط فيها لفظ يدل على الاذن في التصرف بالبيع والشراء، فلو اقتصر على اشتراكنا: لم يكف عن الاذن فيه ويتسلط كل واحد منهما على التصرف بلا ضرر أصلا، بأن يكون فيه مصلحة، فلا يبيع بثمن مثل وثم راغب بأزيد.
ولا يسافر به حيث لم يضطر إليه لنحو قحط وخوف، ولا يبضعه بغير إذنه، فإن سافر به، ضمن، وصح تصرفه، أو أبضعه بدفعه لمن يعمل لهما فيه، ولو
ــ
أي أو يشترك اثنان ليكون بينهما ربح ما يشتريانه في ذمتهما، أي يشتريه وجيهان في ذمتهما، ومثل ذلك، ما إذا اشتراه وجيه في ذمته وفوض بيعه لخامل والربح بينهما، وأعطى خامل ماله لوجيه ليس له مال ليعمل فيه والربح بينهما، وهذه تسمى شركة الوجوه، من الوجاهة، أي العظمة، والصدارة، وهي باطلة، إذ ليس بينهما مال مشترك، فكل من اشترى شيئا، فهو له، عليه خسره، وله ربحه (قوله: أو ليكون بينهما الخ) أي أو يشترك اثنان ليكون بينهما كسبهما وربحهما ببدنهما أو مالهما: أي من غير خلط، أو معه.
وتفارق حينئذ شركة العنان بالشرط المذكور بعد، أو، مانعة خلو، فتجوز الجمع، وقوله وعليهما، أي المشتركين ما يعرض من غرم، قيد في كل من كون الكسب والربح بالبدن، ومن كونهما بالمال، وخرج به، بالنسبة للأول، شركة الأبدان، وبالنسبة للثاني، شركة العنان.
والمراد، غرم لا بسبب الشركة، كغصب وغيره، وإلا فالغرم بسببها موجود في شركة العنان، وفي الكلام اكتفاء، أي ولهما ما يحصل من غنم، وهذه تسمى شركة مفاوضة، من تفاوضا في الحديث، شرعا فيه جميعا، قال م ر: أو من قوم فوضى، بفتح الفاء، أي مستوين
في الأمور، ومنه قول الشاعر: لا يصلح الناس فوضى سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا وهي باطلة أيضا، لاشتمالها على أنواع من الغرر، ولعدم وجود المال في بعض صورها، فيختص حينئذ كل بما كسبه ببدنه، إن لم يكن مال، فإن كان هناك مال من غير خلط، فظاهر أن مال كل له، ومع الخلط يكون الزائد بينهما على قدر المالين، ويرجع كل على الآخر بأجرة عمله (قوله: وشرط فيها) أي الشركة.
وغيره ذكر الأركان المارة، ثم قال: وشرط في الصيغة، فلو صنع كصنعه لكان أولى.
وقوله لفظ: في معناه ما مر، من الكتابة، وإشارة الأخرس.
وقوله يدل على الإذن في التصرف، أي بأن يقولا لا اشتركنا وأذنا في التصرف.
والمراد، الإذن لمن يتصرف من كل منهما أو من أحدهما، وقوله بالبيع والشراء، متعلق بالتصرف (قوله: فلو اقتصر على اشتركنا) أي على قولهما ذلك قال سم: لو وقع هذا القول من أحدهما مع الإذن في التصرف، فينبغي أن لا يكفي، لأنه عقد متعلق بمالهما، فلا يكفي فيه اللفظ من أحد الجانبين، بل لا بد معه من وقوعه من الآخر، أو قبوله، وفاقا للرملي.
اه.
بتصرف (قوله: لم يكف عن الإذن فيه) أي في التصرف لاحتمال أن يكون إخبارا عن حصول الشركة (قوله: ويتسلط كل واحد منهما) أي الشريكين، وهو شروع في شروط العمل (قوله: بلا ضرر) أي في المال المشترك، وهو متعلق بيتسلط (قوله: بأن يكون) تصوير لعدم وجود ضرر أصلا.
ولو قال ويتسلط كل واحد منهما بمصلحة، لكان أخصر.
وعبارة المنهج، وشرط في العمل مصلحة، ثم قال في شرحه، وتعبيري بمصلحة، أولى من قوله بلا ضرر، لاقتضائه جواز البيع بثمن المثل، مع وجود راغب بزيادة.
اه.
(قوله: ولا يسافر به) قال في فتح الجواد: نعم، إن اشتركا بمفازة، سافر به لمقصده، ولو بلا إذن، للقرينة.
اه.
(قوله: حيث لم يضطر إليه) أي السفر به، فإن اضطر إليه، سافر به، بل يلزمه في هذه الحالة، كالوديع، وعبارة التحفة، ولا يسافر به، حيث لم يعطه في السفر، ولا اضطر إليه لنحو قحط أو خوف، ولا كان من أهل النجعة.
اه.
وقوله لنحو قحط، أي في بلده، وقوله أو خوف، أي من حريق، أو نهب (قوله: ولا يبضعه) بضم التحتية فسكون الموحدة، أي يجعله بضاعة يدفعه لمن يعمل لهما فيه، ولو متبرعا، لأنه لم يرض بغير يده.
اه.
تحفة (قوله: بغير إذنه) متعلق بكل من يسافر ومن يبضع، وإن كان ظاهر عبارته تعلقه بالثاني فقط، أي لا يسافر بغير إذنه ولا يبضعه بغير إذنه، فإن كان بإذنه، صح، ولا ضمان، لكن مجرد الإذن في السفر، لا يتناول ركوب البحر، بل لا بد من النص عليه، أو تقوم عليه قرينة
تبرعا بلا إذن، ضمن أيضا والربح والخسران بقدر المالين، فإن شرطا خلافه، فسد العقد، فلكل على الآخر أجرة عمله له، ونقد التصرف منهما مع ذلك للاذن، وتنفسخ بموت أحدهما وجنونه، ويصدق في دعوى الرد إلى شريكه في الخسران والتلف، في قوله اشتريته لي أو للشركة، لا في قوله اقتسمنا وصار ما بيدي لي مع قول الآخر: لا، بل هو مشترك، فالمصدق المنكر، لان الاصل عدم القسمة، ولو قبض وارث حصته من دين مورثه، شاركه الآخر ولو باع شريكان عبدهما صفقة، وقبض أحدهما حصته، لم يشاركه الآخر.
(فائدة) أفتى النووي، كابن الصلاح، فيمن غصب نحو نقد أو بر وخلطه بماله، ولم يتميز، بأن له إفراز قدر المغصوب، ويحل له التصرف في الباقي.
ــ
(قوله: فإن سافر به) أي من غير إذنه، وقوله صح تصرفه، أي لبقاء الإذن فيه (قوله: أو أبضعه) معطوف على سافر، أي أو إن أبضعه، بدفعه الخ.
تصوير للإبضاع، كما عرفت، وقوله بلا إذن، متعلق بأبضعه.
وقوله ضمن أيضا، جواب أن المقدرة بعد أو (قوله: والربح والخسران بقدر المالين) أي باعتبار القيمة، لا الأجزاء، فلو خلط قفيزا بمائة، وقفيزا بخمسين، فهي أثلاث، لصاحب الأول، ثلثان، ولصاحب الثاني ثلث.
(قوله: فإن شرطا خلافه) أي خلاف ما ذكر، كأن شرطا تساوي الربح والخسران مع تفاوت المالين، أو شرطا تساوي المالين مع التفاوت في الربح والخسران، وقوله فسد العقد، أي لمخالفة ذلك موضوعها (قوله: فلكل على الآخر أجرة عمله له) أي وإذا فسد العقد يكون لكل على الآخر أجرة عمله بحسب ماله، فإذا كان لأحدهما ألفان، وللآخر ألف، وأجرة عمل كل منهما مائة، فثلثا عمل الأول في ماله، وثلثه على الثاني، وعمل الثاني بالعكس، فللأول عليه ثلث المائة، وله على الأول ثلثاها، فيقع التقاص بثلثها، ويرجع على الأول بثلثها، وقد يقع التقاص إن استويا في المال والعمل، قال في التحفة، نعم، إن تساويا مالا، وتفاوتا عملا، وشرط الأقل للأكثر عملا لم يرجع بالزائد، إن علم الفساد، وأنه لا شئ في الفاسد، لأنه عمل غير طامع في شئ، كما لو عمل أحدهما فقط في فاسدة.
اه.
(قوله: ونفذ التصرف منهما) أي من الشريكين.
وقوله مع ذلك، أي مع فساد العقد، أي ويكون الربح والخسران على قدر المالين بعد إخراج أجرة عمل كل منهما وقوله للإذن، أي لوجود الإذن في التصرف، وهو علة لنفوذ التصرف (قوله: وتنفسخ) أي الشركة، وذلك لأنها عقد جائز من الجانبين، فهي كالوكالة.
وقوله بموت أحدهما وجنونه، أي وإغمائه، والحجر عليه بسفه أو فلس (قوله: ويصدق) أي الشريك في دعوى الرد إلى شريكه، وذلك لأن يده أمانة، كالمودع، والوكيل، فيصدق في ذلك، وقوله في الخسران، أي وفي قدر الربح، وقوله والتلف: أي ويصدق في التلف، لكن على التفصيل المتقدم بيانه (قوله: وفي قوله اشتريته لي أو للشركة) أي ويصدق فيما إذا اشترى الشريك شيئا، وقال اشتريته للشركة أو لنفسي، وكذبه الآخر، لأنه أعرف بقصده، قال في التحفة: نعم، لو اشترى شيئا فظهر عيبه، وأراد رد حصته، لم يقبل قوله على البائع أنه اشتراه للشركة، لأن الظاهر، أنه اشتراه لنفسه، فليس له تفريق الصفقة عليه.
اه.
(قوله: لا في قوله اقتسمنا إلخ) أي لا يصدق في ذلك، لأن الأصل عدم القسمة، قال في التحفة: وإنما قبل قوله في الرد، مع أن الأصل عدمه، لأن من شأن الأمين قبول قوله فيه توسعة عليه.
اه.
(قوله: شاركه الآخر) أي لاتحاد الجهة، وهي الإرث (قوله: ولو باع شريكان عبدهما) أي أو وكل أحدهما الآخر فباعه (قوله: لم يشاركه الآخر) فرق في التحفة بين هذه والتي قبلها، بأن المشترك بنحو الشراء يتأتى فيه تعدد
الصفقة المقتضي لتعدد العقد وترتب الملك، فكان كل من الشريكين فيه كالمستقل، ولأن حقه لا يتوقف وجوده على وجود غيره، فإذا قبض قدر حصته، أو بعضها، فاز به، بخلاف نحو الإرث، فإنه حق يثبت في الورثة دفعة واحدة، من غير أن يتصور فيه ترتب ولا توقف، فكان جميعه كالحق الذي لا يمكن تبعيضه، فلم يختص قابض شئ منه به.
اه.
(قوله: أفتى النووي - كابن الصلاح - فيمن غصب نحو نقد الخ) ساق الإفتاء المذكور في التحفة، ثم قال: ويأتي لذلك تتمة قبيل الأضحية، ولا بأس بذكرها، تتميما للفائدة، وهي ما نصه، لو اختلط مثلي حرام، كدرهم أو دهن، أو حب
فصل في أحكام الشفعة
ــ
بمثله له، جاز له أن يعزل قدر الحرام بنية القسمة، ويتصرف في الباقي ويسلم الذي عزله لصاحبه إن وجد، وإلا فلناظر بيت المال، واستقل بالقسمة على خلاف المقرر في الشريك للضرورة، إذ الفرض، الجهل بالمالك، فاندفع ما قيل يتعين الرفع للقاضي ليقسمه عن المالك، وفي المجموع، طريقه أن يصرف قدر الحرام إلى ما يجب صرفه فيه، ويتصرف في الباقي بما أراد، ومن هذا، اختلاط أو خلط نحو دراهم لجماعة، ولم يتميز فطريقه أن يقسم الجميع بينهم على قدر حقوقهم، وزعم العوام أن اختلاط الحلال بالحرام يحرمه، باطل.
إلخ.
اه.
(قوله: بأن له الخ) متعلق بأفتى.
وقوله إفراز: أي فصل وإخراج.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في أحكام الشفعة أي في بيان بعض أحكام الشفعة، وهي بإسكان الفاء، وحكي ضمها، لغة من الشفع، ضد الوتر، فكأن الشفيع يجعل نفسه أو نصيبه شفعا، بضم نصيب شريكه إليه، أو من الشفاعة، لأن الأخذ بها كان جاهلية.
وشرعا، حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث بسبب الشركة فيما ملك بعوض.
وشرعت لدفع الضرر: أي ضرر مؤنة القسمة، واستحداث المرافق في الحصة السائرة إليه لو قسم، كالمصعد، والمنور، والبالوعة، وغير ذلك، وهذا الضرر كان يمكن حصوله قبل البيع، وكان من حق الراغب في البيع أن يخلص صاحبه منه بالبيع له، فلما باع لغيره، سلطه الشارع على أخذه منه قهرا، والأصل فيها خبر البخاري: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، فلا شفعة أي حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة بالمشترك الذي لم تقع فيه القسمة بالفعل، مع كونه يقبلها لأن الأصل في النفي بلم، أن يكون في الممكن بخلافه بلا، واستعمال أحدهما محل الآخر، تجوز، كما في قوله تعالى: * (لم يلد، ولم يولد) * (1) أي لا يلد، ولا يولد، وكما في قوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * (2) أي لم يمسه.
وقوله فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، أي فإذا وقعت حدود القسمة بين الشريكين، وبينت الطرق، فلا شفعة، وهذا كناية عن حصول القسمة، فكأنه قال: فإذا قسم، فلا شفعة، وأركانها ثلاثة: شفيع، وهو الآخذ، ومشفوع، وهو المأخوذ، ومشفوع منه، وهو المأخوذ منه، وشرط في الشفيع، أن يكون شريكا بخلطة الشيوع، لا بالجوار، فلا شفعة لجار الدار، ملاصقا كان أو غيره، خلافا للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، فإنه أثبتها للجار فلو قضى بها حنفي للجار، ولو شافعيا، لم ينقض حكمه، وشرط في المشفوع، أن يكون مما ينقسم، أي مما يقبل القسمة إذا طلبها الشريك، دون ما لا ينقسم، كحمام صغير، وطاحون صغيرة، ودار، وحانوت، وساقية كذلك، والضابط في ذلك، أن ما يبطل نفعه المقصود منه لو قسم، بحيث لا يمكن جعل الحمام حمامين، ولا الطاحون طاحونين، وهكذا، لا تثبت فيه الشفعة، وما لا يبطل نفعه المقصود منه لو قسم، بل يكون بحيث ينتفع به بعد القسمة إذا طلبها الشريك من الوجه الذي كان ينتفع به قبلها، كطاحون، وحمام كبيرين، بحيث يمكن جعلهما طاحونين وحمامين، تثبت فيه الشفعة، وشرط فيه أيضا، أن يكون مما لا ينقل من الأرض، فلا شفعة فيما ينقل، وشرط في المشفوع منه، تأخر سبب ملكه عن سبب ملك الآخذ، فيكفي في أخذ الشفيع بالشفعة، تقدم سبب ملكه عن سبب ملك المأخوذ منه، وإن تقدم ملكه على ملك الآخذ، فلو باع أحد الشريكين نصيبه لزيد بشرط الخيار للبائع، أو لهما فباع الآخر نصيبه لعمرو في زمن الخيار بيع بت، فالشفعة للمشتري الأول، وهو زيد، إن لم يشفع بائعه على المشتري الثاني، وهو عمرو، لتقدم سبب ملك الأول عن سبب ملك الثاني.
فلو اشترى اثنان دارا، أو بعضها معا، فلا شفعة لأحدهما على الآخر، لعدم السبق، وليست الصيغة ركنا فيها، لأنها، كما تقدم، حق تملك، أي استحقاقه، وهو لا يتوقف ثبوته على صيغة، نعم تجب في التملك، فلا يملك الشفيع الشقص، إلا بلفظ يشعر به، كتملكت، أو أخذت بالشفعة، وسيذكره الشارح بقوله، ولا يملك الشفيع إلا
(1) سورة الاخلاص، الاية:3.
(2)
سورة الواقعة، الاية:79.
إنما تثبت الشفعة لشريك لا جار في بيع أرض مع تابعها كبناء، وشجر وثمر غير مؤبر فلا شفعة في شجر أفرد بالبيع، أو بيع مع مغرسه فقط، ولا في بئر، ولا يملك الشفيع لا بلفظ، كأخذت بالشفعة مع بذل الثمن للمشتري.
ــ
بلفظ الخ (قوله: إنما ثبت الشفعة لشريك) أي ولو كان مكاتبا، أو غير عاقل، كمسجد له شقص لم يوقف باعه شريكه، فإنه يأخذ له الناظر بالشفعة أو ذميا، وقوله لا جار، أي لخبر البخاري المار، وما ورد فيه، محمول على الجار الشريك، جمعا بين الأحاديث.
وقوله في بيع أرض، متعلق بثبت (قوله: مع تابعها) أي إن كان، فلا يقال مفهومه أن الأرض الخالية
عن التابع لا شفعة فيها، والمراد بالتابع، ما يتبعها في مطلق البيع من بناء، وما يتبعه من باب، ورف سمر، ومفتاح غلق مثبت، وكل منفصل توقف عليه نفع متصل (قوله: كبناء) تمثيل للتابع.
وقوله وشجرا، أي رطب على الأوجه.
اه.
فتح الجواد (قوله: وثمر غير مؤبر) أي عند البيع، فيؤخذ بالشفعة، ولو لم يتفق الآخذ حتى أبر، وعبارة م ر، غير مؤبر، أي عند البيع، وإن كان مؤبرا عند الأخذ، وكذا كل ما دخل في البيع ثم انقطعت تبعيته، فإنه يأخذه بالشفعة.
اه.
وما المؤبر عنده، فلا تثبت فيه الشفعة، لانتفاء التبعية (قوله: فلا شفعة في شجر أفرد الخ) عبارة فتح الجواد مع الأصل، فلا تثبت في منقول غير تابع لما ذكر، وإن بيع مع الأرض، كزرع يؤخذ دفعة واحدة، ولا في تابع كبناء، أو غراس بيع دون أرض، وكبناء على سقف، ولو مشتركا، لأن المنقول، لا يدوم، فلا يدوم ضرر الشركة فيه، والتابع إذا أفرد عن متبوعه، يشبه المنقول ومن ثم، لو باعها مع الأس أو المغرس فقط، لم تثبت أيضا لأن المبيع من الأرض هنا، تابع، والمتبوع، وهو البناء والشجر، منقول، ولا في شجر جاف شرط دخوله في بيع أرض لانتفاء التبعية.
اه.
(قوله: ولا في بئر) عبارة الروض: ولو باع نصيبه من أرض تنقسم، وفيها بئر لا تنقسم، ويسقي منها، ثبتت، أي الشفعة في الأرض دونها، أي البئر.
اه.
(قوله: مع بذل الثمن للمشتري) أي أو رضاه بكون الثمن يكون في ذمة الشفيع، أو قضاء القاضي له بها إذا حضر مجلسه وأثبت حقه فيها وطلبه.
تتمة: الشفعة على الفور، لأنها حق ثبت لدفع الضرر، فكانت كالرد بالعيب، بجامع أن كلا شرع لدفع الضرر، وحينئذ فليبادر الشفيع إذا علم بيع الشقص بأخذه، وتكون المبادرة على العادة، فلا يكلف الإسراع على خلاف العادة، بعدو، أو غيره، ولو كان في الصلاة أو في الحمام، أو في قضاء الحاجة، لم يكلف القطع، بل له التأخير إلى فراغ ذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.