المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الفرائض ــ باب الفرائض أخره عن العبادات والمعاملات لاضطرار الإنسان إليهما، أو - إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين - جـ ٣

[البكري الدمياطي]

الفصل: ‌ ‌باب الفرائض ــ باب الفرائض أخره عن العبادات والمعاملات لاضطرار الإنسان إليهما، أو

‌باب الفرائض

ــ

باب الفرائض

أخره عن العبادات والمعاملات لاضطرار الإنسان إليهما، أو إلى أحدهما، من حين ولادته دائما، أو غالبا، إلى موته، ولأنهما معلقان بإدامة الحياة السابقة على الموت.

ولما كان نصف العلم ناسب ذكره في نصب الكتاب والأصل فيها آيات المواريث، وأخبار، كخبر الصحيحين: ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر وورد في الحث على تعلمها وتعليمها من الأخبار والآثار أشياء كثيرة، فمن الأول خبر تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض، وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة، فلا يجدان من يقضي بينهما رواه الحاكم وصحح إسناده، وخبر من علم فريضة كان كمن عتق عشر رقاب، ومن قطع ميراثا قطع الله ميراثه من الجنة، وخبر تعلموا الفرائض فإنها من دينكم، وإنه نصف العلم، وإنه أول علم ينزع من أمتي رواه ابن ماجه وغيره.

وسمي نصفا لتعلقه بالموت المقابل للحياة، وقيل النصف بمعنى الصنف كقول الشاعر: إذا مت كان الناس نصفان: شامت، وآخر مثن بالذي كنت أصنع فإن المراد بالنصفين الصنفان، أي النوعان، وقيل غير ذلك.

ومن الثاني ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إذ تحدثتم فتحدثوا بالفرائض، وإذا لهوتم فالهوا بالرمي واعلموا أن علم الفرائض يعرف بأنه فقه المواريث، وعلم الحساب الموصل إلى معرفة ما يخص كل ذي حق من التركة.

فحقيقته مركبة من فقه المواريث وعلم الحساب الموصل إلى ما ذكر.

والمراد بفقه المواريث فهم مسائل قسمة التركات، وبعلم الحساب إدراك مسائل الحساب، وموضوعه التركات، وغايته معرفة ما يخص كل ذي حق من التركة، والتركة ما خلفه الميت من مال أو حق، ويتعلق بها خمسة حقوق مرتبة، أولها الحق المتعلق بعين التركة، كالزكاة، والجناية، والرهن.

ثانيها: مؤن التجهيز بالمعروف.

ثالثها: الديون المرسلة في الذمة.

رابعها: الوصايا بالثلث فما دونه لأجنبي.

خامسها: الإرث.

وقد نظم ذلك ابن رسلان في زبده بقوله:

يبدأ من تركة الميت بحق كالرهن والزكاة بالعين اعتلق فمؤن التجهيز بالمعروف فدينه ثم الوصايا توفى من ثلث باقي الإرث الخ.

وصورة الرهن أن تكون التركة مرهونة بدين على الميت فيقتضي بها دينه مقدما على مؤن التجهيز وسائر الحقوق، وصورة الزكاة أن تتعلق الزكاة، فالنصاب ويكون النصاب باقيا، فتقدم الزكاة على سائر الحقوق والديون، فإن كان النصاب تالفا كانت من جملة الديون المرسلة في الذمة، وللإرث أركان، وشروط، وأسباب، وموانع.

فأركانه ثلاثة: وارث، ومورث، وحق موروث، وشروطه ثلاثة: تحقق حياة الوارث، وتحقق موت المورث، والعلم بجهة الإرث.

وأسبابه ثلاثة: وهي نكاح، وولاء، ونسب، كما قال في الرحبية: أسباب ميراث الورى ثلاثة كل يفيد ربه الوراثة وهي نكاح وولاء ونسب ما بعدهن للمواريث سبب فالنكاح عقد الزوجية الصحيح وإن لم يحصل وطئ ولا خلوة.

والولاء عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه.

ص: 261

أي مسائل قسمة المواريث جمع فريضة، بمعنى مفروضه.

والفرض لغة التقدير، وشرعا هنا نصيب مقدر للوارث، وهو من الرجال عشرة: ابن، وابنه، وأب، وأبوه، وأخ مطلقا، وابنه، إلا من الام، وعم، وابنه، إلا

ــ

والنسب وهو القرابة، وهي الأبوة، والبنوة، والإدلاء بأحدهما.

وموانعه ثلاثة: قتل، ورق، واختلاف دين، كما قال في الرحبية: ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث رق وقتل واختلاف دين فافهم فليس الشك كاليقين فلا يرث القاتل من مقتوله ولو بحق، والقاتل من له دخل في القتل، ولو بوجه، والرق مانع من الجانبين: أي جانب الرقيق وجانب قريبه، فلا يرث ولا يورث.

واختلاف الدين بالإسلام والكفر، فلا توارث بين مسلم وكافر، لخبر الصحيحين: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم.

(فائدة) كان في الجاهلية يورثون الرجال الكبار دون النساء والصغار، ثم كان في أول الإسلام بالتحالف والنصرة، ثم نسخ إلى التوارث بالإسلام والهجرة، ثم نسخ إلى وجوب الوصية، ثم نسخ بآيات المواريث.

(فائدة أخرى) الناس في الإرث وعدمه على أربعة أقسام: قسم يرث ويورث، وقسم يرث ولا يورث، وقسم يورث ولا يرث، وقسم لا يرث ولا يورث.

فالأول كثير، كالأخوين والأصل مع فرعه والزوجين.

والثاني: كالأنبياء عليهم الصلاة

والسلام، فإنهم لا يورثون لقوله صلى الله عليه وسلم: نحن معاشر الأنبياء نرث ولا نورث، ما تركناه صدقة.

والثالث: المبعض فإنه لا يرث عندنا ويورث عنه جميع ما مكله ببعضه الحر، لأنه تام الملك.

والرابع: كالرقيق والمرتد، فلا يرثان ولا يورثان (قوله: أي مسائل قسمة المواريث) تفسير مراد، أي أن المراد بالفرائض في الترجمة مسائل قسمة المواريث، أي التركات، سواء كانت بالفرض أو بالتعصيب، وليس المراد بها الأنصباء المقدرة فقط، فلا يرد أنه كان حقه أن يقول باب الفرائض والتعصيب.

(وقوله: جمع فريضة الخ) بيان لمعناه الأصلي (قوله: والفرض لغة التقدير) قال تعالى: * (فنصف ما فرضتم) * (1)(قوله: وشرعا هنا) أي في هذا الباب بخصوصه، فلا ينافي أن الفرض شرعا يطلق على ما قابل الحرام والمندوب ونحوهما.

وهو المطلوب فعله طلبا جازما وإن شئت قلت هو ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه (وقوله: نصيب مقدر للوارث) أي كنصف وربع وثمن.

وخرج بالمقدر، التعصيب فإنه ليس مقدرا، بل يأخذ العاصب جميع التركة إن انفرد، وما أبقت الفروض إن لم تستغرق التركة (قوله: وهو) أي الوارث.

(وقوله: من الرجال) أي حال كونه من الرجال، وسيذكر مقابله بقوله ومن النساء.

وقوله عشرة، أي بطريق الاختصار، أما بطريق البسط فخمسة عشر: الابن، وابن الابن، وإن سفل، والأب، والجد، وإن علا، والأخ الشقيق، والأخ للأب، والأخ للأم، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ للأب، والعم الشقيق، والعم للأب، وابن العم الشقيق، وابن العم للأب، والزوج، والمعتق، وقد نظمها بالطريق الأول صاحب الرحبية في قوله: والوارثون من الرجال عشرة أسماؤهم معروفة مشتهره الابن، وابن الابن، مهما نزلا والأب، والجد له، وإن علا والأخ من أي الجهات كانا قد أنزل الله به القرآنا وابن الأخ المدلي إليه بالأب فاسمع مقالا ليس بالمكذب والعم، وابن العم من أبيه فاشكر لذي الإيجاز والتنبيه والزوج، والمعتق ذو الولاء فجملة الذكور هؤلاء

(1) سورة البقرة، الاية: 237

ص: 262

للام، وزوج وذو ولاء.

من النساء تسع: بنت، وبنت ابن، وأم، وجدة، وأخت، وزوجة وذات ولاء، ولو فقد الورثة كلهم فأصل المذهب أنه لا يورث ذوو الارحام، ولا يرد على أهل الفرض فيما إذا وجد بعضهم، بل

ــ

(واعلم) أنه لو اجتمع جميع الرجال فقط ورث منهم ثلاثة: الأب، والابن والزوج، لأنهم لا يحجبون والباقي

محجوب، فابن الابن بالابن والجد بالأب، والباقي من الأخوة والأعمام محجوب بهما، ولا يكون الميت في هذه الصورة إلا امرأة، وهي الزوجة، ومسألتهم من اثني عشر، لأن فيها ربعا للزوج وسدسا للأب، وكل مسألة فيها ربع وسدس، فهي من اثني عشر، للأب السدس اثنان، وللزوج الربع ثلاثة، وللابن الباقي وهو سبعة (قوله: ومن النساء) معطوف على قوله من الرجال، أي وللوارث من النساء.

(وقوله: سبع) أي بطريق الاختصار أيضا، أما بطريق البسط فعشر، البنت، وبنت الابن، وإن نزل، الأم، والجدة من جهة الأم، والجدة من جهة الأب، والأخت الشقيقة، والأخت للأب، والأخت للأم، والزوجة، والمعتقة.

وقد نظم ذلك بالطريق الأول أيضا صاحب الرحبية بقوله: والوارثات من النساء سبع لم يعط أنثى غيرهن الشرع بنت، وبنت ابن، وأم مشفقة وزوجة، وجدة، ومعتقة والأخت من أي الجهات كانت فهذه عدتهن بانت وقوله وجدة، لا فرق فيها بين أن تكون من جهة الأم، كأم الأم، أو من جهة الأب، كأم الأب، بشرط أن لا تدلي بذكر بين أنثيين، بأن تدلي بمحض الإناث، أو بمحض الذكور، أو بمحض الإناث إلى مخص الذكور، فإن أدلت بذكريين أنثيين، كأم أبي الأم، فلا ترث، لأنها من ذوي الأرحام، وتسمى الجدة الفاسدة.

(واعلم) أيضا أنه لو اجتمع جميع الإناث فقط ورث منهن خمس: البنت، وبنت الابن، والأم، والزوجة، والأخت الشقيقة، والباقي منهن محجوب الجدة بالأم والأخت للأم بالبنت، وكل من الأخت للأب والمعتقة بالشقيقة لكونها مع البنت، وبنت الابن عصبة تأخذ الفاضل عن الفروض، ولا يكون الميت في هذه إلا رجلا، وهو الزوج، ومسألتهن من أربعة وعشرين، لأن فيها سدسا وثمنا، والسدس من ستة، والثمن من ثمانية، وهما متوافقان بالنصف، فيضرب نصف أحدهما في كامل الآخر، فيتحصل أربعة وعشرون، للبنت النصف إثنا عشر، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين أربعة، وللأم السدس أربعة أيضا، وللزوجة الثمن ثلاثة، وللأخت الباقي، وهو واحد، ولو اجتمع كل الذكور وكل الإناث إلا الزوجة فإنها الميتة، أو كل الإناث وكل الذكور إلا الزوج فإنه الميت ورث في المسألتين خمسة الأبوان والابن والبنت وأحد الزوجين وهو الزوج حيث كان الميت الزوجة، أو الزوجة حيث كان الميت الزوج، والباقي محجوبون بهم، ومسألة الزوج من اثني عشر، للأبوين السدسان أربعة، وللزوج الربع ثلاثة، والباقي، وهو خمسة، بين الابن والبنت أثلاثا، لأن الابن برأسين، والبنت برأس ولا ثلث لها صحيح، فحصل الكسر على ثلاثة رؤوس، فتضرب ثلاثة في أصل المسألة،

وهو اثنا عشر، بستة وثلاثين، ومنها تصح فتقول من له شئ من أصلها أخذه مضروبا في جزء سهمها وهو ثلاثة، فللأبوين أربعة في ثلاثة باثني عشر لكل منهما ستة وللزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة يبقى خمسة عشر، للإبن منها عشرة وللبنت خمسة.

ومسألة الزوجة من أربعة وعشرين، للأبوين السدسان ثمانية وللزوجة الثمن ثلاثة، والباقي، وهو ثلاثة عشر، بين الإبن والبنت أثلاثا، لما علمت، ولا ثلث لها صحيح، فحصل الكسر على ثلاثة رؤوس، فتضرب ثلاثة في أصل المسألة، وهو أربعة وعشرون، باثنين وسبعين.

ومنها تصح فتقول من له شئ من أصلها أخذه مضروبا في جزء سهمها وهو ثلاثة فللأبوين ثمانية في ثلاثة بأربعة وعشرين لكل منهما اثنا عشر، وللزوجة ثلاثة في ثلاثة بتسعة يبقى تسعة وثلاثون للإبن ستة وعشرون وللبنت ثلاثة عشر (قوله: ولو فقد الورثة كلهم فأصل المذهب أنه لا يورث ذوو الأرحام) أي لما صح أنه صلى الله عليه وسلم: لما استفتى فيمن ترك عمته وخالته لا غير، رفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم رجل ترك عمته وخالته لا وارث له غيرهما، ثم قال أين السائل؟ قال: ها أنا ذا.

قال لا ميراث لهما (قوله: ولا يرد على أهل الفرض فيما إذا

ص: 263

المال لبيت المال، ثم إن لم ينتظم المال رد ما فضل عنهم عليهم غير الزوجين بنسبة الفروض، ثم ذوي الارحام، وهم أحد عشر: ولد بنت، وأخت، وبنت أخ، وعم وعم لام، وخال، وخالة، وعمة، وأبو أم، وأم أبي

ــ

وجد بعضهم) أي ولم يستغرق، كبنت أو أخت (قوله: بل المال) وهو الكل فيما إذا فقدوا كلهم، أو البعض فيما إذا فقد البعض لبيت المال (قوله: ثم إن لم ينتظم الخ) عبارته غير منتظمة لاقتضائها أن ما تقدم من كون أصل المذهب ما ذكر مقيد بما إذا انتظم، وليس كذلك، بل أصل المذهب ما تقدم مطلقا، انتظم أو لا، وإنما اختار المتأخرون عند عدم الانتظام أن يرد لذوي الفروض فإن فقدوا فلذوي الأرحام.

ويدل على ذلك عبارة المنهاج ونصها: ولو فقدوا كلهم فأصل المذهب أنه لا يرث ذوو الأرحام ولا يرد على أهل الفرض، بل المال لبيت المال، وإن لم ينتظم، وأفتى المتأخرون إذا لم ينتظم أمر بيت المال بالرد على أهل الفرض، غير الزوجين، ما فضل عن فروضهم بالنسبة، فإن لم يكونوا صرف إلى ذوي الأرحام.

اه.

بزيادة يسيرة من التحفة.

وقوله رد ما فضل عنهم، أي زاد على فروضهم المقدرة.

وقوله عليهم، متعلق برد، أي رد عليهم.

وقوله غير الزوجين، أما هما فلا يرد عليهما (قوله: بنسبة الفروض) متعلق برد، أي رد بنسبة فرض كل من يرد عليه إلى مجموع ما أخذ من فرضه وفرض رفقته، ففي أم وأخت منها يبقى بعد إخراج فرضيهما ثلاثة من ستة، فيرد بالنسبة لمجموع ما أخذ، وهو ثلاثة، فنسبة السهمين نصيب الأم لذلك ثلثان فلها ثلثا الباقي، وهو سهمان، ونسبة نصيب الأخت لذلك ثلث فلها ثلث، وهو سهم، فللأم أربعة وللأخت اثنان، وترجع بالإختصار إلى ثلاثة.

اه.

ش ق (قوله: ثم ذوي الأرحام) أي ثم إن لم يوجد أصحاب الفروض الذين يرد عليهم بأن لم يكن أحد من الورثة أصلا،

أو كان هناك أحد من أهل الفروض الذين لا يرد عليهم كأحد الزوجين، صرف المال كله في الأولى أو الفاضل في الثانية لذوي الأرحام.

هكذا يتعين حل العبارة، لا كما يقتضيه ظاهرها، لأنه فاسد.

وذوو الأرحام كل قريب غير من تقدم من المجمع على إرثهم، فإن لم يوجد أحد من ذوي الأرحام فحكمه، كما قال العز بن عبد السلام، إنه إذا جارت الملوك في مال المصالح وظفر بالمال الذي لم يوجد له وارث ولو من ذوي الأرحام أحد يعرف المصالح أخذه وصرفه فيها كما يصرفه الإمام العادل وهو مأجور على ذلك قال: والظاهر وجوبه بشرط سلامة العاقبة، وإن كان يستحقه في بيت المال جاز له أن يأخذ منه لنفسه وعياله ما يحتاجه، والعبرة بالعمر الغالب (قوله: وهم أحد عشر) أي صنفا، وترجع بالإختصار إلى أربعة أصناف: الأول من ينتمي إلى الميت، أي ينتسب إليه لكونه أصله، وهم أولاد البنات وأولاد بنات الابن وإن نزلوا.

الثاني: من ينتمي إليهم الميت لكونهم أصوله، وهم الأجداد والجدات الساقطون وإن علوا.

الثالث: من ينتمي إلى أبو الميت: وهم أولاد الأخوات وبنات الإخوة وبنو الإخوة للأم ومن يدلي إلى الميت بهم.

الرابع: من ينتمي إلى أجداد الميت وجداته، وهم الأعمام من جهة الأم والعمات مطلقا وبنات الأعمام مطلقا وإن تباعدوا وأولادهم وإن نزلوا، ثم إنه لا خلاف عند من ورث ذوي الأرحام أن من انفرد منهم حاز جميع المال، وإنما الخلاف عند الاجتماع في كيفية إرثهم، وفي ذلك مذهبان، أصحهما مذهب أهل التنزيل، ومحصله أنه ينزل كل منهم منزلة من يدلي به إلى الميت، فكل فرع ينزل منزلة أصله، وينزل أصله منزلة أصله.

وهكذا درجة درجة إلى أن يصل إلى أصل وارث بالفرض أو التعصيب، وكل من نزل منزلة شخص يأخذ ما كان يأخذه ذلك الشخص فيفرض موت ذلك الشخص، وإن هذا المنزل منزلته وارثه، وهذا في غير الأخوال والخالات.

أما هم فينزلون منزلة الأم لا منزلة من أدلوا به وهم الأجداد، وفي غير الأعمام من جهة الأم والعمات وبنات الأعمام.

أما هم فينزلون منزلة الأب، لا منزلة من أدلوا به، وهم الأجداد، والثاني مذهب أهل القرابة ومحصلة تقديم الأقرب منهم إلى الميت فيقدم الصنف الأول على الثاني، وهو على الثالث، وهكذا، ففي بنت بنت وبنت بنت ابن المال على المذهب الثاني لبنت البنت لقربها إلى الميت، وعلى الأول بينهما أرباعا.

ووجهه أن بنت البنت تنزل منزلة البنت فلها النصف وبنت بنت الابن تنزل منزلة بنت الابن فلها السدس تكملة الثلثين، فمسألتهما من ستة لدخول النصف في السدس، يبقى اثنان يقسمان عليهما ردا باعتبار نصيبهما، فلبنت البنت واحد ونصف، ولبنت بنت الابن نصف، فحصل الكسر على مخرج النصف، وهو اثنان، فيضرب في أصل المسألة، وهو ستة، يخرج اثنا

ص: 264

أم، وولد أخ لام.

(الفروض) المقدرة (في كتاب الله) ستة: ثلثان، ونصف، وربع، وثمن وثلث، وسدس.

فال (- ثلثان) فرض أربعة (لاثنين) فأكثر، (من بنت، وبنت ابن، وأخت لابوين، ولاب، وعصب كلا) من البنت

ــ

عشر، لبنت البنت تسعة فرضا وردا، ولبنت بنت الابن ثلاثة فرضا وردا.

وترجع بالإختصار إلى أربعة.

فأصل المسألة من ستة، وتصح من اثني عشر، وترجع بالإختصار إلى أربعة (قوله: الفروض الخ) شرع في بيان الفروض وأصحابها، وبيان قدر ما يستحقه كل منهم (قوله: المقدرة) اعترض بأن في ذكره بعد الفروض تكرارا لأن معنى الفروض: الأنصباء المقدرة، فكأنه قال: الانصباء المقدرة المقدرة.

وأجيب بارتكاب التجريد فيها بأن يراد منها الأنصباء فقط وقوله في كتاب الله، أي المنصوص عليها في كتاب الله، وهو القرآن العظيم.

وقيد به لأجل قوله بعد ستة لأنها هي الثابتة في كتاب الله وإلا ورد عليه أنها سبعة لا ستة فقط والسابع ثبت بالإجتهاد، وهو ثلث الباقي في مسائل الجد والإخوة حيث كان مع الجد ذو فرض وزادت الأخوة على مثليه.

وذلك كأم وجد وخمسة إخوة أصلها من ستة، وتصح من ثمانية، وقيل من ثمانية عشر تأصيلا، لأن فيها سدسا، وثلث الباقي ثلاثة وللجد ثلث الباقي خمسة، ولكل أخ اثنان من العشرة الباقية.

ومثله ثلث ما يبقي في الغرار سميا بذلك لشهرتهما، فهما كالكوكب الأغر: أي النير المضئ، وكما يسميان بالغواوين يسميان أيضا بالعمريتين: لقضاء سيدنا عمر فيهما بذلك، وبالغريبتين: لغرابتهما ومخالفتهما للقواعد، وهما أب وأم وزوج أو زوجة بأن ماتت الزوجة في المسألة الأولى عن أبيها وأمها وزوجها فللزوج النصف واحد لأنها من اثنين مخرج النصف وللأم ثلث الباقي وهو واحد، فانكسرت على مخرج الثلث: تضرب ثلاثة في اثنين بستة، فهي من ستة تصحيحا، وقيل تأصيلا، لأن فيها نصفا وثلث الباقي فللزوج النصف ثلاثة وللأم ثلث الباقي واحد وللأب اثنان، أو مات الزوج في المسألة الثانية عن أبيه وأمه زوجته فللزوجة الربع واحد لأنها من أربعة مخرج الربع وللأم ثلث الباقي واحد وللأب اثنان، وأما السبع والتسع في مسائل العول فمذكوران في كتاب الله تعالى: لأن الأول سدس عائل، والثاني ثمن عائل، كما سيأتي بيانه (قوله: ستة) أي مقدارا وعددا، وخمسة مخرجا: لأن مخرج الثلث والثلثين من ثلاثة (قوله: ثلثان الخ) أعلم أن لهم في عد الفروض طرقا ثلاثا: الأولى طريقة التدلي، وهي أن تذكر أولا الكسر الأعلى، ثم تنزل إلى ما تحته وهكذا: كأن تقول الثلثان والنصف ونصف كل ونصف نصفه، وعبارة الشارح قريبة من هذا، أو تقول الثلثان ونصفهما وربعهما والنصف ونصفه وربعه.

والثانية طريقة الترقي، وهي أن تذكر أولا الكسر الأدق ثم ما فوقه وهكذا، كأن تقول الثمن والسدس وضعفهما وضعف ضعفهما، أو تقول الثمن وضعفه وضعف ضعفه والسدس وضعفه وضعف ضعفه.

والثالثة طريقة التوسط، وهي أن تذكر أولا الكسر الوسط ثم تنزل درجة وتصعد درجة، كأن تقول الربع والثلث ونصف كل وضعف كل، أو تقول الربع ونصفه وضعفه والثلث ونصفه وضعفه.

والمقصود من العبارات واحد، فهو تفنن في التعبير

(قوله: فالثلثان) بدأ بهما اقتداء بالقرآن، ولأنه نهاية ما ضوعف (قوله: فرض أربعة) أي من الأصناف.

ولو قال لأربعة لكان أولى، لأجل أن يناسب قوله بعد لاثنين، ومثله يقال فيما يأتي (قوله: لاثنين فأكثر) خبر لمبتدأ محذوف: أي وهما لاثنين فأكثر، ولو عبر بما جعلته أولى لكان بدلا منه، وقوله من بنت: بيان لاسم العدد، أعني الاثنين، أي حالة كون الاثنين فأكثر من صنف البنات، وقوله وبنت ابن، الواو بمعنى أو، ومثله يقال فيما بعده، أي أن الثلثين فرض اثنين فأكثر من البنات، وفرض اثنين فأكثر من بنات الابن، وفرض اثنين فأكثر من الأخوات لأبوين، وفرض اثنين فأكثر من الأخوات لأب، قال تعالى في البنات * (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) * (1) وبنات الابن كالبنات والبنتان وبنتا الابن مقيستان على الأختين.

وقال تعالى في الأختين فأكثر: * (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) * (2) إنزلت في سبع أخوات لجابر رضي الله عنه حين مرض وسأل عن إرثهن منه، فدل على أن المراد منها الأختان فأكثر.

ويشترط لاستحقاق البنات الثلثين أن لا يكون لهن معصب، ولاستحقاق بنات الإبن لهما عدم أولاد الصلب، وأن لا يكون معصب، ولاستحقاق

(1) سورة النساء، الاية:11.

(2)

سورة النساء، الاية:176.

ص: 265

وبنت الابوين، والاخت لابويه أو لاب (أخ ساوى) له في الرتبة والادلاء، فلا يعصب ابن الابن البنت ولا ابن ابن الابن بنت ابن لعدم المساواة في الرتبة.

ولا يعصب الاخ لابوين الاخت لاب ولا الاخ لاب الاخت لابوين لعدم

المساواة في الادلاء، وإن تساويا في الرتبة، (و) عصب (الاخريين) أي الاخت لابوين أو لاب (الاوليان) وهما

ــ

الأخوات لأبوين أن لا يكون ولد صلب.

ولا ولد ابن ولا معصب، ولاستحقاق الأخوات لأب أن لا يكون ولد صلب ولا ولد ابن ولا أحد من الأشقاء ولا معصب (قوله: وعصب كلا الخ).

(اعلم) أن العصبة ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس: وهم الذين سيذكرهم المؤلف بقوله وهي ابن وابنة الخ، ومعنى ذلك أن من انفرد منهم يأخذ جميع المال ويسقط إذا استغرقت أصحاب الفروض التركة إلا في المسألة المشركة، وهي زوج وأم وإخوة لأم وأخ شقيق فللزوج النصف وللأم السدس وللأخوة للأم الثلث، ويشاركهم الأخ الشقيق.

وعصبة بالغير: كالبنات بالبنين والأخوات بالإخوة، وهم الذين ذكرهم بقوله هنا وعصب كلا أخ الخ، ومعنى ذلك أنه يكون للذكر مثل حظ الأنثيين إجماعا لقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * (1).

وعصبة مع الغير: كالأخوات مع البنات أو بنات الإبن، وهم الذين ذكرهم بقوله وعصب الأخريين الأوليان، ومعنى ذلك أن للبنت أو بنت الابن النصف فرضا وللبنات أو لبنات الابن الثلثين كذلك، وما فضل فهو للأخت أو للأخوات المتساويات بالعصوبة (قوله: أخ ساوى له) اللام زائدة والضمير يعود على كلا من البنت الخ.

وقوله في الرتبة، أي في الدرجة، متعلق بساوي، أي

ساوى ذلك الأخ كلا من البنت وما بعدها.

وخرج به من هو أعلى في الدرجة فلا يعصب من هي تحته فيها، بل يسقطها كالإبن مع بنت الإبن، ومن هو أنزل فيها فلا يعصب من هي أعلى منه، بل تأخذ فرضها وهو يأخذ الباقي كالبنت مع ابن الابن.

نعم: بنت الإبن يعصبها الذكر النازل عنها درجة من أولاد الإبن إن لم يكن لها شئ من الثلثين، كبنتي صلب وبنت ابن وابن ابن ابن، فإن كان لها شئ من الثلثين لم يعصبها: كبنت وبنت ابن وابن ابن ابن، بل لبنت الصلب النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين والباقي له، لأن لها فرضا استغنت عن تعصيبه.

قال ابن رسلان في زبده: وعصب الأخت أخ يماثل وبنت الإبن مثلها والنازل وقوله والإدلاء هو معطوف على الرتبة، أي وساواه في الإدلاء أي الانتماء والقرب للميت (قوله: فلا يعصب الخ) تفريع على مفهوم قوله ساوي له بالنسبة للرتبة.

وقوله الآتي ولا يعصب الأخ الخ، تفريع على مفهومه بالنسبة للإدلاء.

وقوله إبن الإبن البنت: وإنما لم يعصبها لأنه أنزل منها درجة، كما علمت (قوله: ولا ابن ابن الابن بنت ابن) أي ولا يعصب ابن ابن الابن بنت ابن لأنه أنزل منها أيضا.

هذا إن كان لها شئ من الثلثين، وإلا عصبها، كما علمت (قوله: لعدم المساواة في الرتبة) علة لعدم تعصيب ابن الابن البنت وابن ابن ابن بنت ابن (قوله: ولا يعصب الأخ لأبوين الأخت لأب) أي بل يحجبها (قوله: ولا الأخ لأب الأخت لأبوين) أي ولا يعصب الأخ لأب الأخت لأبوين، بل يفرض لها معه ويأخذ الباقي بالتعصيب (قوله: لعدم المساواة في الإدلاء) هو علة لعدم تعصيب الأخ لأبوين الأخت لأب، وعدم تعصيب الأخ لأب الأخت لأبوين: أي وإنما لم يعصبها في الصورة الأولى لعدم مساواتها له في الإدلاء إلى الميت، إذ هي تدلي بالأب فقط، وهو يدلي بالأب والأم، بل تسقط، ولم يعصبها في الصورة الثانية لعدم المساواة أيضا في الإدلاء لأنها أدلت إلى الميت بالأبوين وهو بالأب فقط، بل تأخذ نصف التركة فرضا، وهو يأخذ الباقي تعصيبا (قوله: وإن تساويا في الرتبة) غاية في عدم تعصيب الأخ الخ (قوله: وعصب الأخريين الخ) قال في الرحبية: والأخوات إن تكن بنات فهن معهن معصبات

(1) سورة النساء، الاية:11.

ص: 266

البنت وبنت الابن.

والمعنى أن الاخت لابوين أو لاب مع البنت أو بنت الابن تكون عصبة، فتسقط أخت لابوين اجتمعت مع بنت أو بنت ابن أخا لاب، كما يسقط الاخ لاب (ونصف) فرض خمسة (لهن) أي لمن ذكرنا حال كونهن (منفردات) عن أخواتهن وعن معصبهن، (ولزوج ليس لزوجته فرع) وارث، ذكرا كان أو أنثى (وربع) فرض اثنين (له) أي للزوج (معه) أي مع فرعها، (و) ربع (لها) أي لزوجة فأكثر (دونه) أي دون فرع له، (وثمن

ــ

وإنما كانت الأخوات مع البنات عصبات لأنه إذا كان في المسألة بنتان فصاعدا أو بنتا ابن وأخوات وأخذت البنات

الثلثين فلو فرضنا للأخوات وأعلنا المسألة نقص نصيب البنات فاستبعدوا أن يزاحم أولاد الأب الأولاد وأولاد الابن ولم يمكن إسقاط أولاد الأب فجعلن عصبات ليدخل النقص عليهن خاصة قاله إمام الحرمين.

اه.

من حاشية البقري (قوله: أي الأخت لأبوين) تفسير للأخريين.

وقوله أو لأب، الأولى أن يقول والأخت للأب (قوله: الأوليان) فاعل عصب الذي قدره الشارح (قوله: وهما) أي الأوليان (قوله: والمعنى) أي معنى كون الأوليين يعصبان الأخريين.

وقوله مع البنت أو بنت الابن، الظرف متعلق بمحذوف حال من الأخت، والمعنى أن الأخت حالة كونها مجتمعة مع البنت أو بنت لابن.

(وقوله: تكون عصبة) أي فتأخذ ما زاد على فرض البنت أو بنت الابن (قوله: فتسقط أخت الخ) تفريع على كون الأخت تكون عصبة، لكن بالنسبة للشقيقة، أي وحيث كانت عصبة فتسقط أخت لأبوين اجتمعت مع بنت أو بنت ابن أخا لأب، وذلك لأنها صارت كالأخ الشقيق، فتحجب الإخوة لأب، ذكورا كانوا أو إناثا، ومن بعدهم من العصبات، واقتصر على الأخت لأبوين، ومثلها الأخت لأب، حيث صارت عصبة فتحجب بني الإخوة مطلقا ومن بعدهم من العصبات، كالأخ للأب فإنه يحجب بني الإخوة مطلقا.

وقوله أخا لأب، مفعول تسقط.

ولو قال ولد أب لكان أولى، لشموله الذكر والأنثى (قوله: كما يسقط الخ) تنظير.

وقوله الأخ، أي الشقيق (قوله: ونصف) معطوف على ثلثان في المتن، وكان عليه أن يزيد في الشرح أل المعرفة، كما زادها في المعطوف عليه، وقوله فرض خمسة، خبر لمبتدأ محذوف، أي وهو فرض خمسة وهي الزوج والبنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والأخت لأب، ولكل في استحقاقه النصف شروط، فالزوج يستحقه بشرط واحد، وهو أن لا يكون للزوجة فرع وارث، وبنت الصلب تستحقه بشرطين، وهما أن لا يكون لها معصب ولا مماثل، وبنت الابن تستحقه بثلاثة شروط، وهي أن لا يكون ولد صلب ولا معصب ولا مماثل، والأخت للأبوين تستحقه بأربعة شروط، أن لا يكون ولد صلب ولا ولد ابن ولا معصب ولا مماثل، والأخت للأب تستحقه بخمسة شروط، أن لا يكون ولد صلب ولا ولد ابن ولا أحد من الأشقاء ولا معصب ولا مماثل (قوله: منفردات عن أخواتهن) فإن لم ينفردن عنه ثبت لهن الثلثان.

وقوله وعن معصبهن، فإن لم ينفردن عنه كان للذكر معهن مثل حظ الأنثيين، ويشترط أيضا أن ينفردن عمن يحجبهن حرمانا في غير البنات، لأنهن لا يحجبن حرمانا أصلا (قوله: ولزوج ليس لزوجته فرع وارث) أي لقوله تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) * (1) وولد الابن كولد الصلب في حجب الزوج من النصف إلى الربع إجماعا، إما لصدق الولد به مجازا فيكون مأخوذا من الآية على هذا، أو لقياسه عليه في ذلك بجامع الإرث والتعصيب فيكون بطريق القياس على هذا.

وعدم فرعها المذكور صادق بأن لا يكون لها فرع أصلا أو لها فرع غير وارث

كرقيق وقاتل أو مختلف دين.

وقوله ذكرا كان أو أنثى، تعميم في الفرع (قوله: وربع) معطوف على ثلثان أيضا ويجري فيه ما تقدم.

وقوله فرض اثنين، خبر لمبتدأ محذوف.

وقوله له الجار والمجرور، خبر لمبتدأ محذوف، أي وهو كائن له (قوله: ومعه) أي مع فرعها، أي ذكرا كان أو غيره سواء كان منه أيضا أم لا قال تعالى: * (فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن) * (2) وجعل له في حالتيه ضعف ما للزوجة في حالتيها لأن فيه ذكورة، وهي تقتضي التعصيب، فكان معها كالابن مع البنت.

اه.

شرح المنهج (قوله: وربع لها الخ) لا حاجة إلى زيادة لفظة وربع، وذلك لقوله تعالى: * (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد) * (3) وقوله فأكثر، أي من زوجة كاثنتين وثلاث وأربع، فالأربع تشتركن في الربع، كمن

(1) سورة النساء، الاية:12.

(2)

سورة النساء، الاية:12.

(3)

سورة النساء، الاية: 12

ص: 267

لها) أي للزوجة (معه) أي مع فرع لزوجها، (وثلث فرض اثنين لام ليس لميتها فرع) وارث (ولا عدد) اثنان فأكثر (من إخوة) ذكرا كان أو أنثى، (ولولديها) أي ولدي أم فأكثر يستوي فيه الذكر والانثى (وسدس) فرض سبعة (لاب وجد لميتهما فرع) وارث (وأم لميتها ذلك أو عدد من إخوة) وأخوات اثنان فأكثر (وجدة) أم أب وأم أم،

ــ

دونهن، وقوله أي دون فرع له، لا فرق فيه بين الذكر وغيره، وبين أن يكون فرعها أيضا أو لا (قوله: وثمن) معطوف على ثلثان أيضا.

وقوله لها معه، أي وهو فرض للزوجة في حال كونها كائنة مع فرع وارث لزوجها، سواء كان منها أم لا، وكان المناسب لسابقه ولاحقه أن يقول هنا وهو فرض واحدة، وإنما كان فرضها معه الثمن لقوله تعالى: * (فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم) * (1) قال في التحفة: وجعل له، أي للزوج، في حالتيه ضعف ما لها في حالتيها لأن فيه ذكورة، وهي تقتضي التعصيب، فكان معها كالابن مع البنت.

اه،.

وتقدم مثله عن شرح المنهج.

(واعلم) أنه لا يجتمع الثمن مع الثلث ولا الربع في فريضة واحدة.

قال ابن الهائم: والثمن للميراث لا يجامع ثلثا ولا ربعا وغير واقع ووجه ذلك أن شرط إرث الثمن وجود الفرع الوارث، وشرط إرث الثلث عدمه.

والشرطان متباينان، فيلزم منه تباين المشروطين، وكذا يقال في عدم اجتماع الثمن مع الربع للزوجة والزوجات، فإن شرط الأول وجود الفرع الوارث، والثاني عدمه.

وأما عدم اجتماع الثمن مع الربع للزوج، مع أن شرط كل وجود الفرع الوارث، فلأنه لا يمكن اجتماع الزوج والزوجة في فريضة واحدة (قوله: وثلث) معطوف على ثلثان أيضا.

وقوله فرض اثنين، خبر لمبتدأ محذوف (قوله: لأم) أي وهو لأم (قوله: ليس لميتها فرع وارث) أي بالقرابة الخاصة، بأن لم يكن له فرع أصلا، أوله فرع غير

وارث كرقيق وقاتل، أو فرع وارث بالقرابة العامة كابن بنت، فالنفي داخل على مقيد بقيدين، فيصدق بنفيهما ونفي أحدهما (قوله: ولا عدد اثنان فأكثر من إخوة) أي سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم، وذلك لقوله تعالى: * (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس) * (2) قال في الرحبية: والثلث فرض الأم حيث لا ولدولا من الإخوة جمع ذو عدد كاثنين أو ثنتين أو ثلاث حكم الذكور فيه كالإناث وقد لا ترث الأم الثلث وليس هناك فرع وارث ولا عدد من الإخوة والأخوات، كما في الغراوين، بل تأخذ السدس أو الربع، ويقال له ثلث الباقي، كما تقدم، وسيأتي أيضا في قوله وثلث باقي الأم الخ (قوله: ولولديها) معطوف على قوله لأم، أي وهو لولدي الأم.

وقوله فأكثر، أي من ولدين كثلاثة وأربعة، وذلك لقوله تعالى: * (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) * (3) قال في الرحبية: وهو لاثنين أو اثنتين من ولد الأم بغير مين وهكذا إن كثروا أو زادوا فما لهم فيما سواه زادوا (قوله يستوي فيه) أي الثلث: الذكر والأنثى.

قال في الرحبية: ويستوي الإناث والذكور فيه كما قد أوضح المسطور أي المكتوب، وهو القرآن العظيم في قوله تعالى: * (فهم شركاء في الثلث) * فإن التشريك إذا أطلق يقتضي المساواة، وهذا مما خالف فيه أولاد الأم غيرهم، فإنهم خالفوا غيرهم في أشياء لا يفضل ذكرهم على أنثاهم اجتماعا ولا انفرادا، ويرثون مع من أدلوا به ويحجب بهم نقصانا وذكرهم أدلى بأنثى ويرث (قوله: وسدس) معطوف أيضا على ثلثان، وقوله فرض سبعة، أي وهو فرض سبعة، فهو خبر لمبتدأ محذوف، على نسق ما تقدم، (قوله: لأب وجد) أي

(1) سورة النساء، الاية:12.

(2)

سورة النساء، الاية:11.

(3)

سورة النساء، الاية: 12

ص: 268

وإن علتا سواء كان معها ولد أم لا.

هذا إ لم تدل بذكر بين أنثيين، فإن أدلت به كأم أبي أم لم ترث بخصوص القرابة، لانها من ذوي الارحام (وبنت ابن فأكثر مع بنت أو بنت ابن أعلى) منها (وأخت فأكثر لاب مع أخت

ــ

لقوله تعالى: * (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) * (1) والجد كالأب، والمراد جد لم يدل بأنثى، وإلا فلا يرث بخصوص القرابة، لأنه من ذوي الأرحام.

وفي البجيرمي ما نصه.

(فإن قيل) لا شك أن حق الوالدين أعظم من حق الولد لأن الله تعالى قرن طاعته بطاعتهما، فقال تعالى: * (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) * (2) فإذا كان كذلك، فما الحكمة في أنه جعل نصيب الأولاد أكثر؟ (وأجاب) عنه الإمام الرازي حيث قال: الحكمة أن الوالدين ما بقي من عمرهما إلا القليل، أي غالبا، فكان احتياجهما إلى المال قليلا، وأما الأولاد فهم في زمن الصبا، فكان احتياجهم إلى المال كثيرا، فظهر الفرق.

اه.

وقوله لميتهما فرع وارث، فإن لم يكن له فرع وارث كانا عصبة فيستغرقان جميع المال إن انفردا، فإن لم ينفردا أخذا ما بقي بعد الفروض.

نعم، قد يفرض للجد السدس حينئذ، وذلك كما إذا كان مع الاخة وكان هناك ذو فرض وكان السدس أوفر له من ثلث الباقي، ومن المقاسمة كزوج وأم وجد وثلاثة إخوة للزوج النصف وللأم السدس والأوفر للجد السدس لأنه سهم كامل، فإن المسألة من ستة، ولو قاسم أو أخذ ثلث الباقي لأخذ أقل من ذلك.

(قوله: وأم) بالجر معطوف على أب، أي ولأم.

وقوله لميتها ذلك، أي فرع وارث.

وقوله أو عدد من إخوة وأخوات، أي سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم أو كان البعض أشقاء والبعض غير أشقاء حتى لو كان لوجود الأخوين احتمالا كان للأم السدس على الراجح، كأن وطئ اثنان امرأة بشبهة وأتت بولد واشتبه الحال، ثم مات هذا الولد عن أمه قبل لحوقه بأحدهما، وكان هناك ولدان لأحدهما، فتعطى الأم السدس لاحتمال أن يكونا أخوين للميت (قوله: وجدة) بالجر عطف على أب، أي ولجدة واحدة أو أكثر فيشتركن في السدس لانه صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس رواه أبو داود وغيره، وقضى للجدتين في الميراث بالسدس بينهما.

رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين، ومحل إعطائها السدس عند عدم الأم، أما عند وجودها فتسقط بالإجماع، فإنها إنما ترث بالأمومة، والأم أقرب منها.

وقوله أم أب وأم أم: أي لا فرق في الجدة بين أن تكون من جهة الأب، كأم الأب، أو من جهة الأم، كأم الأم، أو من الجهتين معا، كأم أم وأم أب، ومثال الجهتين، تزوج ابن ابن هند بنت بنتها فولد لهما زيد، فهند جدته لأمه وأبيه: إذ هي أم أم أمه، وأم أبي أبيه.

قال في الرحبية: والسدس فرض جدة في النسب واحدة كانت لأم وأب (قوله: سواء كان معها ولد أم أم لا) أي السدس فرضها مطلقا، سواء كان وجد معها ولد أم أم لا (قوله: هذا إن لم تدل الخ) أي محل كونها لها السدس إن لم تدل على الميت بذكر بين أنثيين، بأن أدلت بمحض ذكور كأم أبي الأب، أو إناث، كأم أم الأم، أو بمحض إناث إلى ذكور، كأم أم أب اوب (قوله: فإن أدلت به) أي بذكر بين أنثيين (قوله: لم ترث بخصوص القرابة) أي لإدلائها لمن لا يرث.

وقوله لأنها، أي الجدة، وقوله من ذوي الأرحام، المناسب من ذوات

الأرحام، وهن سبع، كما يؤخذ مما تقدم، وهن: العمة، والخالة، وبنت البنت، وبنت العم، وبنت الأخ، وبنت الأخت، وهذه الجدة.

(فائدة) حاصل القول أن الجدات عندنا على أربعة أقسام: القسم الأول من أدلت بمحض إناث، كأم الأم وأمهاتها المدليات بإناث خلص، والقسم الثاني من أدلت بمحض الذكور، كأم الأب وأم أبي الأب وأم أبي أبي الأب وهكذا بمحض الذكور.

والقسم الثالث من أدلت بإناث إلى ذكور، كأم أب أو كأم أم أم أبي أب وهكذا، والقسم الرابع عكس

(1) سورة النساء، الاية:11.

(2)

سورة النساء، الاية: 23

ص: 269

لابوين، وواحد من ولد أم) ذكرا كان أو غيره (وثلث باق) بعد فرض الزوج أو الزوجة (لام مع أحد زوجين وأب)، لا ثلث الجميع ليأخذ الاب مثلي ما تأخذه الام.

فإن كانت مع زوج وأب فالمسألة من ستة، للزوج ثلاثة، وللاب اثنان، وللام واحد.

وإن كانت مع زوجة وأب فالمسألة من أربعة، للزوجة واحد، وللام واحد،

ــ

الثالث، وهي من أدلت بذكر غير وارث، كأم أبي الأم وهي الجدة الفاسدة (قوله: وبنت ابن) بالجر عطف على أب أيضا، أي وهو، أي السدس، لبنت ابن واحدة فأكثر مع البنت، وذلك لقضائه صلى الله عليه وسلم بالسدس في الواحدة.

رواه البخاري.

وقيس به الأكثر قال في الرحبية: وبنت الابن تأخذ السدس إذا كانت مع البنت مثالا يحتذي (قوله أو بنت ابن أعلى منها) أي أو مع بنت ابن أعلى منها، وذلك كبنت ابن ابن مع بنت ابن، فالثانية تأخذ النصف، والأولى تأخذ السدس تكملة الثلثين.

وخرج بقوله مع بنت أو بنت ابن بالأفراد، ما لو كانت مع بنتين فأكثر فإنه لا شئ لها، إلا أن يكون معها ذكر يعصبها، سواء كان أخاها أو ابن عمها أو أنزل منها (قوله: وأخت الخ) بالجر أيضا عطف على أب، أي وهو لأخت واحدة فأكثر لأب مع أخت لأبوين، أي كما في بنت الابن مع البنت، فللأخت للأبوين النصف، وللأولى السدس تكملة الثلثين.

قال في الرحبية: وهكذا الأخت مع الأخت التي بالأبوين يا أخي أدلت وخرج بقوله مع أخت بالأفراد، ما لو كانت مع أختين لأبوين، فإنه لا شئ لها، ما لم يكن لها أخ، فإن كان لها أخ عصبها، ويسمى الأخ المبارك، إذ لولاه لسقطت (قوله: وواحد من ولد أم) بالجر معطوف على أب، أي وهو لواحد من أولاد الأم لقوله تعالى: * (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس) * (1) أي أخ من أم أو أخت منها قال في الرحبية: وولد الأم له إذا انفرد سدس جميع المال نصا قد ورد (قوله: وثلث باق الخ) هذا مستأنف وليس معطوفا على ما قبله، وهو القسم السابع الثابت بالاجتهاد وليس في كتاب الله تعالى.

(قوله: بعد فرض إلخ) الظرف متعلق بباق (قوله: لأم) الجار والمجرور خبر المبتدأ (قوله: مع أحد زوجين وأب) الظرف متعلق بمحذوف صفة لأم: أي أم كائنة مع أحد زوجين ومع أب.

وخرج بالأب الجد فللأم معه الثلث كاملا، لا ثلث الباقي، لأنه لا يساويها في الدرجة (قوله: لا ثلث الجميع) معطوف على ثلث باق، أي لها ثلث الباقي فقط لا ثلث جميع المال (قوله: ليأخذ الأب) علة لأخذها ثلث الباقي، لا ثلث الجميع، أي وإنما أخذت الأم ثلث الباقي ولم تأخذ ثلث الجميع، مع عدم وجود فرع وارث ولا عدد من الإخوة والأخوات، لأجل أن يأخذ الأب مثلي ما تأخذه الأم، وذلك لأنا لو أعطينا الأم الثلث كاملا لزم إما تفضيل الأم على الأب في صورة الزوج، وما أنه لا يفضل عليها التفضيل المعهود، وهو كونه مثليها في صورة الزوجة مع أن الأب والأم في درجة واحدة.

والأصل في اجتماع الذكر مع الأنثى المتحدي الدرجة من غير أولاد الأم، أن يكون له ضعف ما لها (قوله: فإن كانت) أي الأم.

(وقوله: مع زوج وأب) أي كائنة مع زوج للميتة وأب لها (قوله: فالمسألة من ستة) أي تصحيحا، لأنها من اثنين مخرج النصف للزوج واحد وللأم ثلث الباقي، فانكسرت على مخرج الثلث، وهو ثلاثة، فتضرب ثلاثة في اثنين بستة، وقيل تأصيلا، لأن فيها نصفا وثلث الباقي (قوله: وإن كانت) أي الأم.

(وقوله: مع زوجة وأب) أي كائنة مع زوجة للميت وأب له.

(وقوله: فالمسألة من أربعة) أي لأن فيها ربعا.

وهذه المسألة والتي قبلها تلقبان بالغراوين تشبيها لهما بالكوكب الأغر، أي النير المضئ، وبالعمريتين، لقضاء عمر بهما، وبالغريبتين، لغرابتهما ومخالفتهما القواعد، وقد أشار إليهما في الرحبية بقوله:

(1) سورة النساء، الاية: 12

ص: 270

وللاب اثنان.

واستبقوا فيهما لفظ الثلث محافظة على الادب في موافقة قوله تعالى: * (وورثه أبواه فلامه الثلث) * وإلا فما تأخذه الام في الاولى سدس وفي الثانية ربع.

(ويحجب ولد ابن بابن أو ابن ابن أقرب منه،

ــ

وإن يكن زوج وأم وأب فثلث الباقي لها مرتب وهكذا مع زوجة فصاعدا فلا تكن عن العلوم قاعدا (قوله: استبقوا) أي الفرضيون.

وقوله فيهما، أي في المسألتين، وقوله لفظ الثلث، أي دون معناه فإنه ليس بثلث حقيقة.

وقوله محافظة على الأدب، أي على حصول الأدب، وهو علة لاستبقوا، وقوله في موافقة متعلق بالأدب، وفي بمعنى الباء، أي الأدب الحاصل بالموافقة (قوله: وإلا) أي وإلا يكن القصد المحافظة على حصول الأدب بالموافقة فلا يصح ذلك لأن ما تأخذه الأم في الحقيقة في المسألة الأولى، وهي ما إذا كان الميت الزوجة سدس، وفي المسألة الثانية،

وهي ما إذا كان الميت الزوج، ربع.

(تنبيه) علم مما تقدم أن أصحاب الفروض ثلاثة عشر، أربعة من الذكور، الزوج، والأخ للأم، والأب، والجد، وقد يرث الأب والجد بالتعصيب فقط، وقد يجمعان بينهما، كما إذا كان مع أحدهما بنت أو بنت ابن أو هما أو بنتا ابن فله السدس فرضا والباقي بعد فرضه وفرض البنت أو بنت البنت أو هما بالعصوبة (قوله: ويحجب إلخ) شروع في بيان الحجب، وهو لغة المنع، ومنه قول الشاعر: له حاجب في كل أمر يشينه وليس له عن طالب العرف حاجب قال بعضهم: يعني به النبي صلى الله عليه وسلم، أي له صلى الله عليه وسلم مانع عن كل أمر يشينه، وليس له مانع عن طالب المعروف والإحسان.

وشرعا، منع من قام به سبب الإرث من الإرث بالكلية أو من أوفر حظية ويسمى الثاني حجب نقصان، وقد تقدم في ضمن بيان الفروض، كحجب الزوج بالفرع من النصف إلى الربع، وحجب الأم به من الثلث إلى السدس، ويسمى الأول حجب حرمان، وهو قسمان، حجب بالشخص أو بالاستغراق، وهذا هو المراد هنا، وحجب بالوصف، كأن قام به مانع من الموانع المتقدمة.

ولا يدخل الحجب المراد هنا على الأبوين والزوجين وولد الصلب، ويدخل على من عداهم.

وبيان ذلك ان ابن الابن يحجبه الابن أو ابن ابن أقرب منه، والجد يحجبه الأب أو جد أقرب منه والأخ الشقيق يحجبه ثلاثة الأب والابن وابن الابن، والأخ للأب يحجبه أربعة وهم من قبله والأخ الشقيق، والأخ للأم يحجبه ستة الأب والجد والابن والبنت وابن الابن وبنت الإبن وإن سفل وابن الأخ الشقيق يحجبه ستة أيضا: الأب والجد والإبن وابن الإبن والأخ الشقيق والأخ للأب، وابن الأخ للأب يحجبه سبعة هؤلاء الستة وابن الأخ الشقيق، والعم الشقيق يحجبه ثمانية وهم من قبله وابن الأخ للأب، والعم للأب يحجبه تسعة وهم من قبله والعم الشقيق، وابن العم الشقيق يحجبه عشرة وهم من قبله والعم للأب، وابن العم للأب يحجبه أحد عشر وهم من قبله وابن العم الشقيق، والمعتق يحجبه عصبة النسب، وبنت الإبن يحجبها الإبن أو بنتان إذا لم يكن معها من يعصبها وإلا أخذت معه الثلث الباقي تعصيبا، والجدة تحجب بالأم، سواء كانت من جهة الأب كأم الأب أو من جهة الأم كأم الأم، كما قال في الرحبية: وتسقط الجدات من كل جهة بالأم فاحفظه وقس ما أشبهه وتحجب الجدة من جهة الأب بالأب أيضا لأنها تدلي به، بخلاف الجدة من جهة الأم فلا تحجب بالأب والجدة القربى من كل جهة تحجب البعدي من تلك الجهة، فلا ترث البعدي مع وجود القربى مع اتحاد الجهة - وإن لم تدل

بها - كأم أبي أب وأم أب فلا ترث الأولى مع الثانية، والقربى من جهة الأم كأم أم تحجب البعدي من جهة الأب كأم أم أب، والقربى من جهة الأب كأم أب لا تحجب البعدي من جهة الأم كأم أم أم.

قال في الرحبية:

ص: 271

و) يحجب (جد بأب، و) تحجب (جدة لام بأم) لانها أدلت بها، (و) جدة (لاب بأب) لانها أدلت به، (وأم

بالاجماع.

(و) يحجب (أخ لابوين بأب وابن وابنه) وإن نزل (و) يحجب (أخ لاب بهما) أي بأب وابن (وبأخ لابوين) وبأخت لابوين معها بنت أو بنت ابن، كما سيأتي، (و) يحجب أخ (لام بأب) وأبيه، وإن علا، (وفرع)

ــ

وإن تكن قربى لأم حجبت أم أب بعدي وسدسا سلبت وإن تكن بالعكس فالقولان في كتب أهل العلم منصوصان لا تسقط بالبعدي على الصحيح واتفق الجل على التصحيح والأخت من الجهات كلها كالأخ منها، فيحجبها من يحجبه، فتحجب الأخت لأبوين بالأب والابن وابن الابن كالأخ لأبوين والأخت لأب بهؤلاء وأخ لأبوين كالأخ لأب والأخت لأم بأب وجد وفرع وارث كالأخ لأم.

نعم الشقيقة أو التي لأب لا يحجبها فروض مستغرقة بل يفرض لها وفتعول المسألة كما إذا ماتت امرأة عن زوج وأم وأختين لأم وأخت شقيقة أو لأب، فالمسألة من ستة: للزوج النصف ثلاثة، وللأم السدس واحد، وللأختين للأم الثلث اثنان، فتعول المسألة إلى تسعة بفرض الأخت الشقيقة أو لأب، وهو النصف ثلاثة والأخت التي لأب لها السدس مع الشقيقة، بخلاف الأخ الشقيق أو لأب فإنه يحجبه أصحاب الفروض المستغرقة، والأخوات الخلص لأب يحجبهن أيضا شقيقة مع بنت أو بنت ابن أو شقيقتان لأنه لم يبق من الثلثين شئ، والمعتقة كالمعتق فيحجبها عصبة النسب.

(واعلم) أن شرط الحجب في كل ما مر، الإرث، فمن لم يرث لمانع قام به لا يحجب غيره، ومثله من لم يرث لكونه محجوبا فإنه لا يحجب غيره حرمانا أو نقصانا إلا في صور، كالإخوة مع الأب يحجبون به ويردون الأم من الثلث إلى السدس، وولدي الأم مع الجد يحجبان به ويردانها إلى السدس، ففي زوج وشقيقة وأم وأخ لأب لا شئ للأخ، مع أنه مع الشقيقة يردان الأم إلى السدس (قوله: ولد ابن) أي وإن سفل.

(وقوله: بابن) أبا كان أو عما.

(وقوله: أو ابن ابن الخ) بالجر عطف على ابن، أي ويحجب ولد ابن بابن ابن أقرب منه كابن ابن ابن وابن ابن ابن ابن، فالثاني يحجب بالأول: لأنه أقرب منه درجة، وكما يحجب ابن الأبن بمن ذكر يحجب بأصحاب فروض مستغرقة، كما إذ اجتمع مع أبوين وبنتين (قوله: ويحجب جد بأب) أي بذكر متوسط بينه وبين الميت، لأن كل من أدلى للميت بواسطة حجبته إلا أولاد الأم، وخرج بذكر من أدلى بأنثى فإنه لا يرث أصلا فلا يسمى حجبا، كما علم من جده السابق، (قوله: وتحجب جدة لأم) أي جدة الميت من جهة أمه كأم أمه.

وقوله بأم، أي فقط، فلا تحجب بالأب، كما تقدم، وقوله لأنها، أي

الجدة.

وقوله أدلت بها، أي انتسبت وتوصلت الجدة بالأم (قوله: وجدة الخ) أي وتحجب جدة لأب بأب لإدلائها به، خلافا لجمع ذهبوا إلى عدم حجبه لها، لحديث فيه، لكن ضعفه عبد الحق وغيره.

اه.

نهاية (قوله: وأم) بالجر عطف على أب، أي وتحجب جدة لأب بالأم أيضا.

(وقوله: بالإجماع) أي ولأنها أقرب منها في الأمومة التي بها الإرث (قوله: ويحجب أخ لأبوين بأب وابن وابنه) قال في الاسني: للإجماع، ولتقدم جهتي البنوة والأبوة على غيرهما.

اه.

وقوله وإن نزل، أي ابن الابن، فإنه يحجب الأخ (قوله: ويحجب أخ لأب بهما) الأولى بهم، أي بهؤلاء الثلاثة، لأن المرجع ثلاثة: وهم الأب والابن وابنه، ولعله توهم أن المرجع اثنان، بدليل اقتصاره في التفسير عليهما، وهما الأب والابن.

وعبارة المنهاج ويحجب الأخ لأب بهؤلاء.

اه.

قال في التحفة: لأنهم حجبوا الشقيق، فهو أولى، وقوله وبأخ لأبوين، معطوف على بهما، أي ويحجب الأخ لأب أيضا بأخ لأبوين، وذلك لأنه أقوى وأقرب منه (قوله: وبأخت لأبوين الخ) معطوف على بهما، أي ويحجب أخ لأب أيضا بأخت لأبوين معها بنت لما تقدم من أنها تعصب بالبنت وأنها تصير بمنزلة الأخ الشقيق فتحجب الأخ لأب.

وقوله كما سيأتي صوابه كما تقدم، أي في قوله فتسقط أخت لأبوين اجتمعت مع بنت أو بنت ابن أخا لأب (قوله: ويحجب أخ لأم بأب الخ) للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم فدسر الكلالة في الآية التي فيها إرث ولد الأم، بأنه من لم يخلف ولدا ولا والدا، فافهم تفسيرها بما ذكر أنه إن خلف ولدا أو والدا فلا يرثه أخوه لأمه، بل يسقط.

وقوله

ص: 272

وارث للميت، وإن نزل، ذكرا كان أو غيره، (و) يحجب (إبن أخ لابوين بأب وجد وابن) وابنه، وإن نزل، (وأخ) لابوين أو لاب (و) يحجب (ابن أخ لاب بهؤلاء) الستة، (وبابن أخ لابوين) لانه أقوى منه، ويحجب عم لابوين بهولاء السبعة، وبابن أخ لاب وعم لاب بهؤلاء الثمانية، وبعم لابوين وابن عم لابوين بهؤلاء التسعة، وبعم لاب وابن عم لاب بهؤلاء العشرة، وبابن عم لابوين.

ويحجب ابن ابن أخ لابوين بابن أخ لاب لانه أقرب منه، وبنات الابن بابن أو بنتين فأكثر للميت إن لم يعصب أخ أو ابن عم، فإن عصبت به أخذت معه الباقي بعد ثلثي البنتين بالتعصيب والاخوات لاب بأختين لابوين فأكثر، إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن.

ويحجبن أيضا بأخت لابوين معها بنت أو بنت ابن.

(واعلم) أن إبن الابن كالابن إلا أنه ليس له مع البنت مثلاها، والجدة كالام إلا أنها لا ترث الثلث ولا ثلث

ــ

وفرع وارث، بالجر عطف على أب، أي ويحجب بفرع وارث للميت.

وقوله وإن نزل، أي الفرع كابن ابن ابن الابن.

وقوله ذكرا كان أي الفرع.

وقوله أو غيره، أي غير ذكر من أنثى وخنثى.

(والحاصل) أن ولد الأم يحجب بستة، بالابن، وابن الابن، والبنت، وبنت الابن، والأب، والجد (قوله: ويحجب ابن أخ لأبوين بأب) أي لأنه أقرب منه.

وقوله وجد، أي وإن علا، قال في التحفة: لأنه أقوى منه، وقيل يقاسم، أي ابن الأخ، أبا الجد، لاستواء درجتهما، كالأخ مع الجد، ورد، بأن هذا خارج عن القياس، فلا يقاس عليه.

اه.

وقوله وابن وابنه، وأي ويحجب ابن أخ لأبوين بابن وابنه لأنهما أقرب منه وأقوى.

وقوله وأخ لأبوين أو لأب، أي ويحجب ابن أخ لأبوين بأخ لأبوين أو لأب، لأنه أقرب منه (قوله: ويحجب ابن أخ لأب بهؤلاء الستة) هو الأب، والجد، والابن، وابنه والأخ الشقيق، والأخ للأب.

وقوله وبابن أم لأبوين، أي ويحجب أيضا ابن االأخ لأب بابن أخ لأبوين.

وقوله لأنه، أي ابن الأخ لأبوين.

وقوله أقوى منه، أي من ابن الأخ لأب لإدلائه إلى الميت بجهتين (قوله:

ويحجب عم لأبوين) هو أخو أبي الميت الشقيق.

وقوله بهؤلاء السبعة: هم الأب، والجد، والابن، وابنه، والأخ الشقيق، والأخ لأب وابن الأخ الشقيق وقوله وبابن أخ لأب، أي ويحجب زيادة على هؤلاء السبعة بابن أخ لأب (قوله: وعم لأب) أي ويحجب عم لأب، وهو أخو أبي الميت من أبيه.

وقوله بهؤلاء الثمانية: هم السبعة المارة وزيادة ابن أخ لأب.

وقوله وبعم لأبوين، أي ويحجب بعم لأبوين أيضا زيادة على الثمانية، فيكون المجموع تسعة (قوله: وابن عم لأبوين) أي ويحجب ابن عم لأبوين، وقوله بهؤلاء التسعة وبعم لأب، أي فيكون المجموع عشرة (قوله: وابن عم لأب) أي ويحجب ابن عم لأب.

وقوله بهؤلاء العشرة وبابن عم لأبوين، أي فيكون المجموع أحد عشر (قوله: لأنه) أي ابن الأخ لأب.

وقوله أقرب منه، أي من ابن ابن الأخ لأبوين.

(واعلم) أن طريقة الفرضيين أنه إن اختلفت الدرجة عللوا بأنه أقرب منه، كابن أخ لأبوين وأخ لأب، وإن اتحدت عللوا بأنه أقوى منه، كالشقيق والأخ لأب (قوله: وبنات الابن بابن) أي وتحجب بنات الابن بابن مطلقا، لأنه إما أب أو عم، فهو أقوى وأقرب منهن.

وقوله أو بنتين فأكثر للميت، أي وتحجب بنات الابن أيضا بهما، لأنه لم يبق من الثلثين شئ، وقوله إن لم يعصب أخ أو ابن عم أي محل حجبهن بالبنتين فأكثر إن لم يوجد من يعصبهن، فإن وجد كأخ لهن أو ابن عم، أخذن معه الثلث الباقي تعصيبا (قوله: فإن عصبت) أي البنات، وكان الأولى عصبن، بنون النسوة، وقوله به: أي بالمذكور من الأخ وابن العم (قوله: والأخواب لأب الخ) أي وتحجب الأخوات لأب بأختين لأبوين لأنهما استغرقا الثلثين فلم يبق لهما شئ (قوله: إلا أن يكون معهن ذكر) المراد به خصوص الأخ، لأنه الأخت لا يعصبها إلا أخوها، بخلاف بنات الابن فإنه يعصبهن من في درجتهن أو أسفل (قوله: ويحجبن الخ) أي الاخوات لأب وقوله بأخت لأبوين معها بنت أو بنت ابن، وإنما حجبنا الأخوات لأب لاستغراقهما التركة، إذ الأخت عصبة مع البنت، فكل منهما يأخذ

ص: 273

الباقي، بل فرضها دائما السدس.

والجد كالاب إلا أنه لا يحجب الاخوة لابوين أو لاب، وبنت الابن كالبنت إلا

ــ

النصف (قوله: واعلم أن ابن الابن كالإبن) أي في أنه يستغرق المال بالعصوبة إذا انفرد ويعصب بنت الابن ويحجب الاخوة والاخوات ونحوهم من كل مائة ما تقدم مما يحجب بالابن.

وقوله إلا أنه ليس له مع البنت، أي بنت الصلب مثلاها، بل تأخذ هي النصف فرضها وهو يأخذ الباقي بطريق العصوبة، وذلك لعدم المساواة في الرتبة، كما تقدم، (قوله: والجدة كالأم) أي في أنها ترث ولا تحجب إلا بالأم، وإن كانت من جهتها، وتحجب بالأب أيضا إن كانت من جهته (قوله: بل فرضها دائما السدس) أي لأنه صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، وقضى به للجدتين (قوله: والجد كالأب) أي في أنه

يستغرق المال بالعصوبة إذا انفرد، وفي أنه يحجب من يحجبون بالأب ما عدا الإخوة الأشقاء أو لأب.

(واعلم) أن الجد مع الإخوة لم يرد فيهم شئ من الكتاب ولا من السنة، وإنما ثبت حكمهم باجتهاد الصحابة رضي الله عنهم: فمذهب الإمام أبي بكر الصديق وابن عباس رضي الله عنهم وجماعة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم كأبي حنيفة، ان الجد كالأب مطلقا، فيحجب الإخوة.

ومذهب الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزين بن ثابت رضي الله عنه وابن مسعود رضي الله عنه أنهم يرثون، وهو مذهب الأئمة الثلاثة: الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين.

وحاصل الكلام فيه على هذا المذهب أنه إذا اجتمع جد وإخوة وأخوات لأبوين أو لأب، فإن لم يكن معهم ذو فرض فله حالان المقاسمة أو ثلث المال، والمقاسمة أولى له في خمس صور، وضابطها أن تكون الإخوة أقل من مثليه وهي جد وأخ جد وأخت جد وأختان وثلاث أخوات جد وأخ وأخت، وإنما كانت أولى لأنه في الصورة الأولى يخصه نصف المال وهو أكثر من الثلث، وفي الصورة الثانية يخصه الثلثان وهما أكثر من الثلث، وفي الصورة الثالثة يخصه النصف، إذ هو له مثلا ما للأنثى، وفي الصورة الرابعة يخصه الخمسان وهما أكثر من الثلث، لأن العدد الجامع للكسرين خمسة عشرة فثلثه خمسة وخمساه ستة، وهي أكثر من الخمسة بواحد، ومثلها الصورة الخامسة وتستوي المقاسمة وثلث المال في ثلاث صور.

وضابطها أن تبلغ الإخوة مثليه وهي جد وأخوان جد وأخ وأختا جد وأربع أخوات، وإن كان معهم ذو فرض فله بعد الفرض ثلاث حالات الأكثر من سدس جميع المال أو ثلث الباقي أو المقاسمة، فالسدس خير له في زوجة وبنتين وجد وأخ وثلث الباقي خير له في جدة وجد وخمسة إخوة، والمقاسمة خير له في جدة وجد وأخ، وقد لا يبقى شئ بعد أصحاب الفروض كبنتين وزوج وأم وجد، فيفرض له سدس ويزاد في العول، فأصل مسألتهم من اثني عشر، لأن فيها ربعا وسدسا وتعال إلى ثلاثة عشر ثم يزاد في العول للجد اثنان، وقد يبقى دون سدس كبنتين وزوج وجد فيفرض له وتعال، وقد يبقى سدس كبنتين وأم وجد فيفوز به الجد، وتسقط الإخوة والأخوات في هذه الأحوال لأنهم عصبة ولم يبق بعد الفروض شئ، ولو كان مع الجد إخوة أشقاء وإخوة لأب فالحكم فيه ما سبق ويعد الأشقاء عليه الإخوة للأب في القسمة فيدخلونهم معهم فيها إذا كانت خيرا له، فإذا أخذ حقه فإن كان في الأشقاء ذكر فالباقي لهم وتسقط الإخوة لأب كما في جد وأخ شقيق وأخ لأب، فإن لم يكن فيهم ذكر فتأخذ الشقيقة إلى النصف والباقي للإخوة للأب كما في عشرية زيد، وهي جد وشقيقة وأخ لأب أصل مسألتهم من خمسة، وتصح من عشرة لأن فيها نصفا ومخرجه اثنان فيضربان في عدد رؤوسهم وهو خمسة بعشرة للأخت النصف خمسة وللجد أربعة يبقى واحد للأخ

من الأب، ومثلها عشرينية، زيد وهي جد وشقيقة وأختان من الأب هي من خمسة وتصح من عشرين وتأخذ الشقيقتان فصاعدا إلى الثلثين كجد وشقيقتين وأخ لأب هي من ستة ولا شئ للأخ للأب لأنه لا يفضل عن الثلثين شئ والجد مع الأخوات كأخ، فلا يفرض لهن معه إلا في الأكدرية وهي زوج وأم وجد وأخت لأبوين أو لأب، فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت النصف: إذ لا مسقط لها ولا معصب فتعول المسألة بنصيبها من ستة إلى تسعة.

وتصح من سبعة وعشرين للزوج تسعة وللأم ستة وللجد والأخت اثنا عشر أثلاثا له الثلثان ثمانية ولها الثلث أربعة (قوله: إلا أنه) أي الجد وقوله لا يحجب الإخوة لأبوين أو لأب، أي بل يشاركونه، بخلاف الأب فإنه يسقطهم (قوله: وبنت الابن كالبنت) أي فعند فقدها لها النصف وعند وجودها لها السدس تكملة الثلثين.

وقوله إلا أنها، أي بنت الابن.

وقوله

ص: 274

أنها تحجب بالابن والاخ لاب كالاخ لابوين إلا أنه ليس له مع الاخت لابوين مثلاها، (وما فضل) من التركة عمن له فرض من أصحاب الفروض (أو الكل) أي كل التركة إن لم يكن له ذو فرض (لعصبة).

وتسقط عند الاستغراق (وهي ابن ف) - بعده (ابنه) وإن سفل (فأب فأبوه) وإن علا (فأخ لابوين و) أخ (لاب فبنوهما) كذلك (فعم لابوين فلاب فبنوهما) كذلك، ثم عم الاب ثم بنوه ثم عم الجد ثم بنوه.

وهكذا (ف) - بعد عصبة النسب

ــ

تحجب بالابن، بخلاف بنت الصلب فإنها لا تحجب به بل يعصبها (قوله: والأخ لأب كالأخ لأبوين) أي في أنه إذا انفرد يجوز جميع المال، وإذا لم ينفرد حاز الباقي بعد أرباب الفروض، إن لم يكن فيهم حاجب، وإلا سقط (قوله: إلا أنه) أي الأخ لأب، قال ش ق: أي وإلا أنه يحجب في المشتركة وهي زوج وأم وإخوة لأم وأخ شقيق، فلو وجد بدل الشقيق أخ لأب سقط، وفي اجتماع الأخت الشقيقة مع البنت أو بنت الابن، وفي اجتماع الزوج مع الأخت الشقيقة فلا شئ للأخ للأب فيما ذكر.

وقوله ليس له مع الأخت لأبوين مثلاها، أي لأنه لا يعصبها، فتأخذ النصف حينئذ فرضا، ويأخذ الباقي تعصيبا (قوله: وما فضل الخ) ما اسم موصول مبتدأ.

(وقوله: أو الكل) بالرفع عطف على ما.

(وقوله: لعصبة) خبره، وهو شروع في بيان الإرث بالتعصيب.

قال في الرحبية: فكل من أحرز كل المال من القرابات أو الموالي أو كان ما يفضل بعد الفرض له فهو أخو العصوبة المفضلة وتقدم أنها على ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير.

وقتدم معنى كل.

فلا تغفل.

وفي البجيرمي: لفظ عصبة إما اسم جنس يصدق على الواحد والمتعدد والذكر والأنثى، أو جمع عاصب كطالب وطلبة، وعلى الثاني فيكون عصبات جمع الجمع اه.

بالمعنى (قوله: تسقط عند الاستغراق) أي أن حكم العصبة أنها تسقط إذا استغرقت الفروض التركة، كزوج وأم وولد أم وعم، فلا شئ للعم للاستغراق (قوله: وهي) أي العصبة (قوله: فبعده ابنه) أي فبعد الابن ابنه، فهو عاصب بعده.

وإنما قدم على الأب لأنه أقوى منه: إذ له معه السدس فقط (قوله: فأب) أي

فبعد الابن وابنه أب، فهو لا يرث بالتعصيب إلا إذا فقدا.

أما إذا وجدا أو أحدهما ورث السدس فرضا، وقد يرث الأب بهما معا فيما إذا كان للميت بنت أو بنت ابن فيأخذ السدس فرضا والباقي بعد فرضيهما تعصيبا، والجد كالأب في ذلك (قوله: فأخ لأبوين الخ) أي فبعد الابن وابنه والأب والجد أخ لأبوين وأخ لأب وبنوهما، فإذا فقدوا، بأن مات الميت ولم يخلف أصلا ولا فرعا، كانت الإخوة وبنوهم عصبة، وهم مرتبون: فالأخ الشقيق مقدم على الأخ لأب وهكذا في بنيهما.

وقوله وأخ لأب، المناسب فأخ لأب، بالفاء، ولا بد من الترتيب بينهما، كما علمت (قوله: فبنوهما) أي الأخ لأبوين والأخ لأب وقوله كذلك، أي على هذا الترتيب، فيقدم ابن الأخ لأبوين على ابن الأخ لأب (قوله: فعم الخ) أي ثم بعد بني الأخوة عم لأبوين ثم عم لأب (قوله: فبنوهما) أي العم لأبوين والعم لأب.

وقوله كذلك، أي على هذا الترتيب فيقدم ابن العم لأبوين على ابن العم لأب (قوله: ثم عم الأب الخ) أي ثم بعد أعمام الميت وبنيهم يعصب عم أبي الميت وهو أخو أبي أبي الميت.

ولا فرق فيه أيضا بين أن يكون لأبوين أو لأب (قوله: ثم بنوه) أي ثم بنو عم الأب لأبوين أو لأب (قوله: ثم عم الجد) أي ثم بعد بني عم الأب يعصب عم جد الميت وهو أخو أبي أبي أبي الميت.

ولا فرق فيه أيضا بين أن يكون لأبوين أو لأب (قوله: ثم بنوه) أي ثم بنو عم جد الميت لأبوين أو لأب (قوله: وهكذا) أي ثم عم أبي الجد ثم بنوه ثم عم جد الجد ثم بنوه وهكذا يقدم البعيد من الجهة المقدمة على القريب من الجهة المؤخرة.

(والحاصل) جهات العصوبة عندنا سبع: البنوة، ثم الأبوة، ثم الجدودة والإخوة، ثم بنو الإخوة، ثم العمومة، ثم الولاء، ثم بيت المال.

وقد نظمها بعضهم بقوله: بنوة أبوة أخوة جدودة بنو كذا الأخوة عمومة ولا بيت المال سبع لعاصب على التوالي

ص: 275

عصبة الولاء، وهو (معتق) ذكرا كان أو أنثى، (ف) - بعد المعتق (ذكور عصبته) دون إناثهم ويؤخر هنا الجد عن الاخ وابنه فمعتق المعتق فعصبته.

فلو اجتمع بنون وبنات أو إخوة وأخوات فالتركة لهم (للذكر مثل حظ الانثين)

ــ

والأخوة والجدودة في مرتبة واحدة لاستوائهما في الإدلاء إلى الميت، لأن كلا منهما يدلي إليه بالأب.

وإذا علمت ذلك فإذا اجتمعت عصبات، فمن كانت جهته مقدمة فهو مقدم، كابن وأب وأخ وهكذا.

فالأول مقدم على الثاني، والثاني مقدم على الثالث، وهكذا.

والمقدم يحجب المؤخر.

هذا إذا اختلفت الجهة، فإذا اتحدت قدم بالقرب في الدرجة، كالابن وابن الابن وكابن الأخ ولو لأب وابن ابن الأخ ولو شقيقا، فيقدم الأول على الثاني لقربه في الدرجة مع اتحادهما في الجهة، وإذا استويا قربا قدم بالقوة كأخ شقيق وأخ لأب، وكعم شقيق وعم لأب فيقدم الأول منهما على

الثاني لقوته عنه، فإن الأول أدلى بأصلين، والثاني أدلى بأصل واحد، وإلى ذلك أشار الجعبري بقوله: فبالجهة التقديم ثم بقربه وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا (قوله: فبعد عصبة النسب الخ) والحاصل أن من لا عصبة له بنسب وله معتق فله ماله كله أو الفاضل بعد الفروض أو الفرض، سواء كان المعتق رجلا أو امرأة، فإن لم يوجد فالمال لعصبته المتعصبين بأنفسهم، وترتيبهم هنا كترتيبهم في النسب، فيقدم عند موت العتيق ابن فابنه وإن سفل الأقرب فالأقرب فأب فجد، وإن علا، فبقية الحواشي، إلا أن أخا المعتق وابن أخيه يقدمان على جده هنا، فإن لم يكن له عصبة فلمعتق المعتق ثم عصبته كذلك، ولا ترث امرأة بولاء إلا معتقها، بفتح التاء، أو منتميا إليه بنسب أو ولاء.

وقوله عصبة الولاء، الإضافة فيه من إضافة المسبب للسبب، أي عصبة سببها الولاء (قوله: وهو) أي العصبة، وذكر الضمير مراعاة للخبر.

وقوله معتق، أي بأي وجه كان، ولو كان العتق بعوض، كما في الكتابة وغيرها، كأنت حر على ألف أو بعتك نفسك بألف، وإنما ثبت بالولاء العصوبة كما ثبتت بالنسب لقوله صلى الله عليه وسلم: الولاء لحمة كلحمة النسب.

(واعلم) أن الإرث به ثابت من جهة المعتق خاصة، لأن الأنعام من جهته فقط، فاختص الإرث به، فلا يرث العتيق معتقه (قوله: ذكرا كان أو أنثى) تعميم في المعتق، وذلك لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الولاء لمن أعتق وليس لنا عصبة من النساء إلا المعتقة، كما قال في الرحبية: وليس في النساء طرا عصبة إلا التي منت بعتق الرقبة (قوله: فبعد المعتق الخ) أي ثم العصبة بعد المعتق ذكور عصبته، أي من النسب، وذلك لأن العتيق لو كان رقيقا لاستحقوه وكذا ميراثه.

وقوله دون إناثهم، أي إناث عصبته، أي بالغير، كالبنت مع الابن، أو مع الغير كالأخوات مع البنات، فلا ترث بنت المعتق ولا أخته ولا جدته.

ولو قال دون الإناث، من غير إضافة، لكان أولى، ليشمل إناث العصبة وغيرهن، كالأم والجدة والزوجة (قوله: ويؤخر هنا) أي في الإرث بالولاء، واحترز به عن النسب فإنه لا يؤخر فيه الجد عنهما، بل يشارك الأخ ويسقط ابن الأخ.

وقوله عن الأخ، متعلق بيؤخر، وإنما أخر الجد عنه لأن تعصيب الأخ يشبه تعصيب الابن، لإدلائه بالبنوة، وهي مقدمة على الأبوة.

وكان قياس ذلك أنه في النسب كذلك، لكن صد عنه الإجماع.

اه.

تحفة.

وقوله وابنه، بالجر عطف على الأخ، وضميره يعود عليه، وإنما أخر الجد عنه أيضا لقوة البنوة كما يقدم إبن الإبن على الأب، ويجري ذلك في عم المعتق أو ابنه مع أبي جده فيقدم عمه أو ابن عمه عليه (قوله: فمعتق

المعتق) أي فبعد ذكور عصبة المعتق يكون العصبة معتق المعتق.

وقوله فعصبته، أي فبعد معتق المعتق عصبته أي وبعد عصبته معتق معتق المعتق فعصبته، وهكذا.

(تنبيه) كلام المؤلف كالصريح في أن الولاء لا يثبت للعصبة في حياة المعتق، بل إنما يثبت بعده، وليس بمراد، بل الولاء ثابت لهم في حياة المعتق على المذهب المنصوص في الأم، إذ لو لم يثبت لهم الولاء إلا بعد موته لم يرثوا وقال

ص: 276

وفضل الذكر بذلك لاختصاصه بلزوم ما لا يلزم الانثى من الجهاد وغيره.

وولد ابن كولد وأخ لاب كأخ لابوين فيما ذكر.

ــ

السبكي، تلخص للأصحاب فيه وجهان، أصحهما أنه لهم معه، لكن هو المقدم عليهم فيما يمكن جعله له كإرث المال ونحوه كالصلاة عليه وولاية تزويجه إذا كان المعتق ذكرا، أما ما لا يمكن جعله له كغسله إذا كان أنثى والمعتق ذكرا فيقدم غيره عليه.

قال في فتح الجواد مع المتن، ثم الولاء إما ولاء مباشرة على من مسه رق، أو سراية على عتقاء العتيق وعتقاء عتقائه والعصبة فيه من ذكر أو ولاء استرسال وسراية وهو الذي يثبت على أولاد العتيق وأحفاده تبعا، والعصبة فيه معتق أصل أب أو أم بالنسبة لمن رق أحد آبائه، أي أصوله، من جهة الأب دونه، فيرثه معتق ذلك الأصل باسترسال الولاء منه إليه، لأن النعمة عليه نعمة على فرعه.

وأفهم كلامه أن شرط هذا أن يمس الرق أحد آبائه، فلا يكفي مسه لأمه وحدها، فلا ولاء عليه لمواليها لأن الانتساب إلى الأب وهو حر مستقل لا ولاء عليه فليكن الولد مثله، وأن لا يمسه رق وإلا كان ولاؤه لمعتقه فعصبة معتقه فمعتق معتقه فعصبته لأن ولاء المباشرة أقوى.

اه (قوله: فلو اجتمع الخ) لا يظهر التفريع، فكان الأولى التعبير بالواو.

وعقد في منهج والمنهاج لهذه المسألة فصلا مستقلا وذكر قبلها كلاما يناسبها.

وعبارة الأول مع شرحه، فصل في كيفية إرث الأولاد أولاد الابن انفرادا واجتماعا، لابن فأكثر التركة إجماعا ولبنت فأكثر ما مر في الفروض من أن للبنت النصف وللأكثر الثلثين، ولو اجتمعا، أي البنون والبنات، فالتركة لهم، للذكر مثل حظ الأنثيين الخ.

اه (قوله: فالتركة لهم للذكر مثل حظ الأنثيين) أي لقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * (1) أي مثل نصيبهما (قوله: وفضل الذكر) أي على الأنثى وقوله بذلك، أي بأخذ مثل حظ الأنثيين (قوله: لاختصاصه) أي الذكر.

وقوله بلزوم ما لا يلزم الأنثى، عبارة التحفة، وفضل الذكر لاختصاصه بنحو النصرة، وتحمل العقل والجهاد، وصلاحيته للإمامة والقضاء وغيرها.

وجعل له مثلاها لأن له حاجتين: حاجة لنفسه، وحاجة لزوجته.

وهي لها الأولى، بل قد تستغنى بالزوج.

اه (قوله: وولد ابن) أي وإن نزل.

(قوله: فيما ذكر) أي في نظير ما ذكر في البنين مع البنات والإخوة مع الأخوات، فإذا اجتمع ولد الابن مع أنثى في درجته كأخته أو بنت عمه أو اجتمع أخ لأب مع

أخته من أبيه فالتركة لهم، للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذا يعصب ابن الابن من هي فوقه كإبن ابن ابن مع بنت الإبن، ومحله إن لم يكن لها سدس كبنت وبنت ابن وابن ابن ابن، وإلا فلا يعصبها.

وعبارة المنهج مع شرحه، ولد الابن، وإن نزل، كالولد فيما ذكر إجماعا، فلو اجتمعا والولد ذكر أو ذكر معه أنثى حجب ولد الإبن إجماعا، أو أنثى وإن تعدت فله، أي لولد الإبن، ما زاد على فرضها من نصف أو ثلثين إن كانوا ذكورا أو ذكورا وإناثا، ويعصب الذكر في الثانية من في درجته كأخته وبنت عمه، وكذا من فوقه كعمته وبنت عم أبيه إن لم يكن لها سدس، وإلا فلا يعصبها، فإن كان ولد الإبن أنثى وإن تعددت فلها مع بنت سدس، كما مر، تكملة الثلثين، ولا شئ لها مع أكثر منها، كما مر، بالإجماع.

وكذا كل طبقتين منهم: أي من ولد الابن، فولد ابن الإبن مع ولد الإبن كولد الإبن مع الولد فيما تقرر.

اه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1) سورة النساء، الاية: 11

ص: 277

فصل في بيان أصول المسائل (أصل المسألة عدد الرؤوس إن كانت الورثة عصبات) كثلاثة بنين أو أعمام فأصلها ثلاثة (وقدر الذكر أنثيين إن اجتمعا) أي الصنفان من نسب.

ففي ابن وبنت يقسم المتروك على ثلاثة: للابن اثنان، وللبنت واحد، ومخارج الفروض اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون.

فإن كان في المسألة فرضان

ــ

فصل في بيان أصول المسائل أي في بيان ما يعول منها وما يتبع ذلك، ككون أحد العددين موافقا للآخر أو مباينا.

والأصول جمع أصل، وهو لغة، ما بنى عليه غيره.

وعرفا هنا، عدد مخرج فرض المسألة أو فروضها أو عدد رؤوس العصبة إن لم يكن فيها فرض، وتقدم أن علم الفرائض اسم لمجموع فقه المواريث وعلم الحساب الموصل إلى معرفة ما يخص كل ذي حق من التركة.

ولما أنهى الكلام على الجزء الأول، أعني فقه المواريث، أي فهم قسمة التركة، كقولنا للزوج النصف وهكذا، شرع يتكلم على الجزء الثاني، أعني علم الحساب، وهو المسائل التي يعرف بها تأصيل المسألة وتصحيحها، كقولنا كل مسألة فيها سدس فهي من ستة، وكل سهم انكسر على فريق وباينته سهامه يضرب عدد رؤوسه في أصل المسألة.

وحاصل الأصول سبعة: اثنان، وثلاثة، وأربعة، وستة، وثمانية، وإثنا عشر، وأربعة وعشرون، وهي مخارج الفروض.

فالإثنان مخرج النصف، والثلاثة مخرج الثلث والثلثين، والأربعة مخرج الربع، والستة مخرج السدس، والثمانية مخرج الثمن، والإثنا عشر مخرج السدس والربع، أو الثلث والربع، والأربعة والعشرون مخرج السدس والثمن.

وزاد بعض المتأخرين عليها أصلين آخرين في مسائل الجد والإخوة وهما ثمانية عشر وستة وثلاثون، فأولهما كأم وجد وخمسة إخوة لغير أم لأن فيها سدسا وثلث الباقي وثانيهما كزوجة وأم وجد وسبعة إخوة لغير أم لأن فيها ربعا وسدسا صحيحين وثلث

الباقي.

والذي يعول من الأصول ثلاثة، الستة تعول إلى سبعة: كزوج وأختين لغير أم، وإلى ثمانية: كهم وأم، وإلى تسعة: كهم وأخ لأم، وإلى عشرة: كهم وأخ آخر لأم.

والإثنا عشر: تعول إلى ثلاثة عشر: كزوجة وأم وأختين لغير أم، وإلى خمسة عشر كهم وأخ لأم، وإلى سبعة عشر: كهم وأخ آخر لأم، والأربعة والعشرون تعول إلى سبعة وعشرين: كبنتين وأم وأب وزوجة (قوله: أصل المسألة عدد الرؤوس) أي بعد تقدير الذكر برأسين إذا كان معه أنثى، كما سيصرح به بقوله وقدر الذكر الخ (قوله: إن كانت الورثة عصبات) أي وتقسم التركة عليهم بالسوية إن تمحضوا ذكورا كبنين أو إناثا كثلاث نسوة أعتقن رقيقا بالسوية، ولا يتصور في غيرهن كما تقدم (قوله: كثلاثة بنين أو أعمام) هو تمثيل لكون الورثة عصبات (قوله: فأصلها) أي المسألة.

وقوله ثلاثة.

بعدد رؤوسهم (قوله: وقدر) فعل أمر بمعنى عد واحسب، فهو يتعدى إلى مفعولين: الأول قوله الذكر، والثاني قوله أنثيين.

ويحتمل أن يكون ماضيا مبنيا للمجهول، والذكر نائب فاعله.

وفي ش ق: إنما لم يقدر الأنثيان بذكر لأنه لا يطرد، إذ قد تكون الورثة ثلاث بنات وأخا، ولو قدر الأنثيان بذكر لبقيت واحدة، بخلاف العكس، فإنه مطرد في كل صورة.

اه.

(قوله: أي الصنفان) تفسير لضمير اجتمعا، وهما ذكور وإناث (قوله: من نسب) حال من الصنفان، أي حال كون الصنفين كائنين من النسب.

وخرج به ما إذا كانا من الولاء فإن الإرث حينئذ لا بعدد الرؤوس، بل بحسب الشركة في العتق إن كانا معتقين، فإن كانا ورثة معتق فالإرث للذكر دون الإناث، كما تقدم (قوله: ففي ابن وبنت) تفريع على تقدير الذكر أنثيين عند اجتماع الصنفين، ولو جعله تمثيلا لذلك لكان أولى (قوله: يقسم المتروك) أي ما تركه الميت وخلفه، وهو التركة، سواء كانت مالا أو حقا (قوله: ومخارج الخ) كان المناسب أن يذكر قبله ما يقابل المتن، كأن يقول: فإن كانت الورثة أصحاب فروض أو بعضهم صاحب فرض وبعضهم تعصيب فأصلها من مخرج ذلك الفرض.

والفرض هو الكسر، كالثمن والربع والنصف.

ومخرج العدد، كالثمانية والأربعة والإثنين.

قال م ر: وكلها، أي الفروض، مشتقة من اسم العدد، إلا النصف فإنه من المناصفة،

ص: 278

فأكثر اكتفى عند تماثل المخرجين بأحدهما، كنصفين في مسألة زوج وأخت فهي من الاثنين، وعند تداخلهما بأكثرهما كسدس وثلث في مسألة أم وولديها وأخ لابوين أو لاب فهي من ستة، وكذا يكتفي في زوجة وأبوين.

ــ

لتناصف القسمين واستوائهما.

ولو أريد ذلك لقيل ثني، بضم أوله، كثلث وما بعده.

اه.

وقوله لقيل ثنى، أي يعبر عن النصف بثنى ليكون مشتقا من العدد، وهو اثنان.

اه.

سم (قوله: فإن كان في المسألة الخ) كأنه قال هذا إذا كان في المسألة فرض واحد فقط، فإن كان فيها فرضان الخ.

وحاصل الكلام على ذلك أنه إذا كان في المسألة فرضان فأكثر أي عددان فأكثر، فإما أن يكون بينهما تماثل أو تدخل أو توافق أو تباين، فأما التماثل، فبأن يكون عدد أحد المتماثلين مثل

عدد الآخر، وأما التداخل، فبأن يفنى الأكثر بالأقل مرتين فأكثر كثلاثة مع ستة أو تسعة، وأما التوافق، فبأن يكون بين العددين توافق في جزء من الأجزاء، وأما التباين، فبأن لا يحصل توافق بينهما في جزء من الأجزاء.

ثم إن الحكم في المتماثلين أن تأخذ أحدهما وتكتفي به عن الآخر، وفي المتداخلين أن تأخذ العدد الأكبر، وفي المتوافقين أن تضرب وفق أحدهما في كامل الآخر، وفي المتباينين أن تضرب أحدهما كاملا في الآخر كذلك.

ثم إن الشارح ذكر هذه النسب الأربع في تأصيل المسائل فقط، وهو تحصيل مخرج فروضها، وتجري أيضا في تصحيح المسائل وهو تحصيل أقل عدد يخرج منه نصيب كل وارث صحيحا، وسمي بذلك لكون القصد منه سلامة الحاصل لكل وارث من الكسر، وهو ناشئ عن التأصيل غالبا.

وقد يتحدان، كما في مسألة زوج وأبوين التي هي إحدى الغراوين، وبيان ذلك أنك إذا عرفت أصل المسألة فإن انقسمت السهام فذاك واضح، وإن انكسرت السهام على صنف فقابل سهامه بعدده، فإما أن يتباينا أو يتوافقا، فإن تباينا فاضرب عدده في المسألة بعولها إن عالت، ومنه تصح، كزوجة وأخوين لهما ثلاثة منكسرة، فيضرب اثنان عددهما في أربعة أصل المسألة تبلغ ثمانية، ومنها تصح، وإن توافقا فاضرب وفق عدد الصنف في المسألة بعولها إن عالت، فما بلغ صحت منه، كأم وأربعة أعمام لهم سهمان يوافقان عددهما بالنصف فتضرب اثنين في ثلاثة تبلغ ستة، ومنها تصح.

وإن انكسرت على صنفين فقابل سهام كل صنف بعدده أيضا، فإن توافقا رد عدد رؤوس الصنف الموافق إلى وفقه، وإن تباينا فاترك عدد كل فريق بحاله ثم انظر بين عدد رؤوسهما، فإن تماثلا فاضرب أحدهما في أصل المسألة بعولها إن كان، وإن تداخلا فاضرب أكثرهما في أصل المسألة كذلك، وإن توافقا فاضرب وفق أحدهما في الآخر ثم الحاصل في أصل المسألة بعولها إن كان، وإن تباينا فاضرب أحدهما في الآخر ثم الحاصل في أصل المسألة كذلك.

(والحاصل) تنظر أولا بين السهام والرؤوس وتحفظ عدد الفريق الذي باينته سهامه ووفق الفريق الذي وافقته سهامه، ثم تنظر ثانيا في هذين المحفوظين، فإن كانا متماثلين فخذ أحدهما، وإن كانا متداخلين فخذ الأكثر، وإن كانا متوافقين فاضرب وفق أحدهما في جميع الآخر، وإن كانا متباينين فاضرب جميع أحدهما في جميع الآخر، ثم بعد ذلك تأخذ الحاصل في كل حالة من هذه الحالات الأربع، ويسمى جزء منهم المسألة، وتضربه في أصل المسألة بعولها إن عالت، ولنمثل لك لبعضها فنقول، مثال المحفوظين المتماثلين مع تباين السهام للرؤوس أم وخمسة إخوة لأن وخمسة أعمام، فأصل المسألة من ستة للأم السدس واحد وللإخوة للأم الثلث اثنان، منكسرة عليهم، وللخمسة أعمام ثلاثة منكسرة عليهم أيضا، وبين الرؤوس تماثل فتأخذ أحد المتماثلين وتضربه في أصل المسألة بثلاثين ومنها تصح، ومثالهما مع

توافق السهام للرؤوس أم وعشرة إخوة لأم وخمسة عشرة عما، فأصل المسألة من ستة أيضا، للأم السدس واحد وللعشرة الإخوة اثنان الثلث وهما موافقان لرؤوسهم بالنصف فترد الرؤوس لوفقها وهو خمسة وللخمسة عشر عما ثلاثة وهي موافقة للرؤوس بالثلث، فترد الرؤوس لوفقها وهو خمسة وبين الوفقين تماثل، فتأخذ أحدهما، وهو خمسة، وتضربه في أصل المسألة، وهو ستة بثلاثين، ومنها تصح، وقس على ذلك أمثلة بقية الأحوال الأربعة، وقس أيضا على الإنكسار على صنفين الإنكسار على ثلاثة وعلى أربعة، وبيان ذلك كله مبسوط في محله، فاطلبه إن شئت (قوله: كنصفين) أي أو نصف، وما بقي كزوج وعم، كما سيأتي، وقوله في مسألة زوج وأخت، أي شقيقة أو لأب، وهذه المسألة تلقب باليتيمة، إذ ليس لنا شخصان يرثان المال مناصفة فرضا سواهما، فهي كالدرة اليتيمة، أي التي لا نظير لها (قوله: فهي) أي هذه المسألة.

وقوله من الإثنين، أي أصلها من الإثنين، والأول حذف أل (قوله: وعند تداخلهما بأكثرهما) أي ويكتفي عند

ص: 279

وعند توافقهما بمضروب وفق أحدهما في الآخر، كسدس وثمن في مسألة أم وزوجة وابن، فهي من أربعة وعشرين، حاصل ضرب وفق أحدهما، وهو نصف الستة أو الثمانية، في الآخر، وعند تباينهما بمضروب أحدهما في الآخر، كثلث وربع في مسألة أم وزوجة أخ لابوين أو لاب، فهي من اثني عشر حاصل ضرب ثلاثة في أربعة (وأصل) مسألة (كل فريضة فيها نصفان) كزوج وأخت لاب (أو نصف وما بقي)، كزوج وأخ لاب (اثنان) مخرج النصف (أو) فيها (ثلثان وثلث) كأختين لاب وأختين لام (أو ثلثان وما بقي) كبنتين وأخ لاب (أو

ــ

تداخل المخرجين بأكثرهما، فالظرف معطوف على الظرف الأول، فهو متعلق بما تعلق به (قوله: كسدس وثلث) فالأول من ستة، والثاني من ثلاثة، وبينها تداخل، فيكتفي بالأكثر وهو الستة (قوله: وولديها) أي الأم، وهما أخو الميت من الأم (قوله: فهي من ستة) أي فالمسألة من ستة، للأم واحد سدسها، ولولديها اثنان ثلثها، والباقي، وهو ثلاثة، للأخ الشقيق أو للأب (قوله: وكذا يكتفي الخ) فصله بكذا، لأنه ليس فيه تداخل، إذ ثلث الباقي ليس داخلا في الأربعة، مع أنه يكتفي بالأكثر، وهو الربع، عن الأصغر، وهو ثلث الباقي، فتكون من أربعة تأصيلا.

اه.

ش ق.

(وقوله: في زوجة وأبوين) فالزوجة لها الربع والأم لها ثلث الباقي، وما بقي للأب.

فالمسألة من أربعة: للزوجة واحد من أربعة، والأم لها واحد من ثلاثة، والباقي للأب (قوله: وعند توافقهما) معطوف على عند تماثل المخرجين: أي واكتفى عند توافق المخرجين.

(وقوله: بمضروب أحدهما في الآخر) أي بحاصل ذلك (قوله: كسدس وثمن) فالأول من ستة، والثاني من ثمانية، وبينهما توافق، إذ كل منهما له نصف صحيح، فيضرب نصف الستة، وهو ثلاثة، في كامل الآخر، وهو ثمانية، بأربعة وعشرين.

وقوله في مسألة أم وزوجة وابن، فالأم لها السدس، والزوجة لها الثمن، وما بقي للإبن (قوله: وعند تباينهما) معطوف أيضا على عند تماثل المخرجين، أو واكتفى عند تباين المخرجين.

(وقوله: بمضروب الخ) أي بحاصله (قوله: كثلث وربع) فالأول من ثلاثة، والثاني من أربعة.

وقوله في مسألة أم وزوجة وأخ لأبوين أو لأب، فالأم لها الثلث والزوجة لها الربع، وما بقي فللأخ المذكور (قوله: فهي) أي المسألة.

وقوله حاصل الخ، بدل من اثني عشر (قوله: وأصل مسألة

كل فريضة إلخ) لا يخفى ما في عبارته متنا وشرحا من عدم الالتئام والارتباط، فكان المناسب أن يذكر أولا مفهوم القيد، أعني، قوله إن كانت الورثة عصبات، ويذكر ما هو مرتب عليه، كما نبهت عليه، كأن يقول فإن كانت الورثة أصحاب فروض كلهم أو بعض فأصل المسألة مخرج فرضها، ثم يعد مخارج الفروض السبعة التي ذكرها، ثم يرتب عليها قوله وأصل كل مسألة الخ، ويقدم ذلك كله على قوله في الشرح، فإن كان في المسألة فرضان الخ، ويذكر قوله المذكور كالتعليل لما ذكره بقوله وأصل كل مسألة الخ، كأن يقول وذلك لأنه إن كان في المسألة الخ.

فتنبه.

وقوله كل فريضة، أي: كل مسألة مشتملة على فريضة بمعنى مفروضة، أي سهام مقدرة، ولا يخفى ما في عبارته من الركاكة الحاصلة بزيادته لفظة مسألة قبل لفظة كل، لأن المعنيس عليه وأصل مسألة كل مسألة الخ.

ولو أخر لفظة مسألة عن لفظة كل، كأن قال وأصل كل مسألة فريضة الخ، أي مسألة مشتملة على سهام مفروضة، لسلمت منها.

وقوله فيها نصفان، الجملة صفة لفريضة، أي فريضة موصوفة بأن فيها نصفين.

ولا يخفى أيضا ما فيه من ظرفية الشئ في نفسه، إذ الفريضة هي النصفان أو النصف وما بقي.

وهكذا إلا أن يقال من ظرفية المفصل في المجمل.

فتنبه (قوله: كزوج وأخت لأب) تمثيل للفريضة التي فيها نصفان، وذلك لأن الزوج له النصف والأخت لأب - أي أو شقيقة - لها النصف (قوله: أو نصف وما بقي) أي مع ما بقي من التركة.

وقوله كزوج وأخ لأب، أي أو شقيق بالأولى، فالزوج له النصف والأخ له ما بقي لأنه عصبة (قوله: اثنان) خبر أصل.

وقوله مخرج النصف، أي وهما مخرج النصف (قوله: أو فيها ثلثان) قدر الشارح لفظ فيها إشارة إلى أن ثلثان معطوف على نصفان.

وقوله وثلث، أي مع ثلث.

وقوله كأختين لأب وأختين لأم تمثيل للفريضة التي فيها ثلثان وثلث، فالأختان لأب أو لأب ولأم لهما الثلثان، والأختان لأم لهما الثلث.

وقوله أو ثلثان وما بقي معطوف أيضا على نصفان، أي أو فيها ثلثان وما بقي (قوله: كبنتين وأخ لأب) تمثيل للفريضة التي فيها ثلثان وما بقي، إذ البنتان لهما الثلثان

ص: 280

ثلث وما بقي) كأم وعم (ثلاثة) مخرج الثلث (أو) فيها (ربع وما بقي) كزوجه وعم (أربعة) مخرج الربع (أو) فيها (سدس، وما بقي) كأم وابن (أو سدس وثلث) كأم وأخوين لام (أو) سدس (وثلثان) كأم وأختين لاب (أو) سدس ونصف كأم وبنت (ستة) مخرج السدس (أو) فيها (ثمن وما بقي) كزوجة وابن (أو) ثمن (ونصف ما بقي) كزوجة وبنت وأخ لاب (ثمانية) مخرج الثمن (أو) فيها (ربع وسدس) كزوجة وأخ لام (اثنا عشر) مضروب وفق أحد المخرجين في الآخر (أو) فيها (ثمن وسدس) كزوجة وجدة وابن (أربعة وعشرون) مضروب وفق أحدهما في

ــ

والأخ لأب له الباقي لأنه عصبة (قوله: أو ثلث وما بقي) معطوف أيضا على نصفان، أي أو فيها ثلث وما بقي.

وقوله كأم وعم، تمثيل له، إذ الأم لها الثلث والعم له الباقي لأنه عصبة (قوله: ثلاثة) خبر أصل المقدر قبل فيها ثلثان، أي وأصل الفريضة التي فيها ثلثان الخ ثلاثة.

(قوله: مخرج الثلث) بدل من ثلاثة أو خبر لمبتدأ محذوف، أي وهي مخرج الثلث (قوله: أو فيها ربع) معطوف على فيها نصفان، أي وأصل كل فريضة فيها ربع وما بقي.

وقوله كزوجة وعم تمثيل له، إذ الزوجة لها الربع والعم له الباقي لأنه عصبة.

وقوله أربعة، خبر المبتدأ المقدر قبل قوله فيها ربع.

وقوله مخرج الربع،

بدل، أو خبر لمبتدأ محذوف، أي وهي مخرج الربع.

(قوله: أو فيها سدس وما بقي الخ) معطوف أيضا على فيها نصفان.

وقوله كأم وابن، تمثيل له: إذ الأم لها السدس والإبن له الباقي لأنه عصبة.

وقوله أو سدس وثلث، أي أو فيها سدس وثلث، وقوله كأم وأخوين لأم، تمثيل له، إذ الأم لها السدس والأخوان لأم لهما الثلث.

وقوله أو سدس وثلثان، أي أو فيها سدس وثلثان.

وقوله كأم وأختين لأب، تمثيل له.

إذ الأم لها السدس والأختان لهما الثلثان (قوله: أو سدس ونصف) أي أو فيها سدس ونصف.

وقوله كأم وبنت تمثيل له: إذ الأم لها السدس والبنت لها النصف.

وقوله ستة، خبر المبتدأ المقدر، وهو راجع للأربع صور.

وقوله مخرج السدس، يقال فيه ما تقدم (قوله: وفيها ثمن وما بقي) معطوف أيضا على فيها نصفان، أي والأصل في كل فريضة فيها ثمن مع ما بقي.

وقوله كزوجة وابن، تمثيل له، إذ الزوجة لها الثمن والابن له الباقي.

وقوله أو ثمن ونصف وما بقي، أي أو فيها ثمن ونصف مع ما بقي.

وقوله كزوجة وبنت وأخ لأب، تمثيل له، إذ الزوجة لها الثمن والبنت لها النصف والأخ للأب، أي الشقيق له الباقي لأنه عصبة (قوله: ثمانية) خبر المبتدأ المقدر، وهو راجع للمسألتين.

وقوله مخرج الثمن، يقال فيه ما تقدم (قوله: أو فيها ربع وسدس) معطوف أيضا على فيها نصفان.

وقوله كزوجة وأخ لأم، تمثيل له، إذ الزوجة لها الربع والأخ للأم له السدس.

وقوله اثنا عشر، خبر المبتدأ المقدر أيضا.

وقوله مضروب الخ، بدل أو خبر لمبتدأ محذوف، أي وهي مضروب، أي حاصل مضروب وفق أحد المخرجين في الآخر، إذ بينهما موافقة بالنصف.

والقاعدة أنهما إذا كانا كذلك يضرب وفق أحدهما في كامل الآخر، فيضرب نصف الستة، وهو ثلاثة، في الأربعة، أو نصف الأربعة، وهو اثنان، في الستة فيكون الحاصل اثني عشر (قوله: أو فيها ثمن وسدس) أي وما بقي.

وكان عليه أن يزيده وهو معطوف على فيها نصفان أيضا.

(واعلم) أنه ذكر عند كل أصل من الأصول التي عدها لفظ فيها إشارة إلى أن ما دخلت عليه أصل، فإن لم يكن أصلا، كالمسائل المندرجة تحت الأصل، لم يذكر فيها ذلك إشارة إلى أنه ليس بأصل.

فتنبه.

وقوله أربعة وعشرون، خبر المبتدأ المقدر، وهو لفظ أصل.

وقوله مضروب وفق أحدهما في الآخر، يقال فيه ما تقدم، فالأربعة والعشرون حاصل مضروب وفق أحد المخرجين في الآخر، وذلك لأن بين الثمانية والستة توافقا بالنصف فيضرب نصف أحدهما في كامل الآخر يبلغ أربعة وعشرين، وهذا آخر عدد أصول المسائل، وحاصلها سبعة، اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية وإثنا عشر وأربعة وعشرون، وهذه هي المتفق عليها.

وأما المختلف فيه فثمانية عشر وستة وثلاثون، ولا يكونان إلا في مسائل الجد والإخوة حيث كان ثلث الباقي خيرا له.

والراجح أنهما أصلان، لا تصحيحان، وذلك لأن ثلث الباقي فرض مضموم

لفرض آخر أو لفرضين فيجب اعتباره، وأقل عدد يخرج منه السدس وثلث الباقي صحيحا ثمانية عشر كما في أم وجد وخمسة إخوة لغير أم فللأم ثلاثة وهي السدس وللجد ثلث الباقي خمسة ولكل أخ اثنان من العشرة الباقية وأقل عدد يخرج

ص: 281

الآخر (وتعول) من أصول مسائل الفرائض ثلاثة (ستة إلى عشرة) وترا وشفعا.

فعولها إلى سبعة كزوج وأختين لغير أم، وإلى ثمانية كهم وأم، وإلى تسعة كهم وأخ لام، وإلى عشرة كهم وأخ آخر لام (و) تعول اثنا عشر إلى

ــ

منه السدس والربع وثلث الباقي صحيحا ستة وثلاثون وذلك كما في أم وزوجة وجد وسبعة إخوة لغير أم للأم السدس ستة وللزوجة الربع تسعة وللجد ثلث الباقي سبعة، ولكل أخ اثنان من الأربعة عشر الباقية وهذا ما عليه المحققون.

وقال بعضهم: تصحيح لا تأصيل، فأصل الأولى من ستة مخرج السدس ولا ثلث صحيح للباقي بعد سدس الأم تضرب ثلاثة في ستة بثمانية عشر، وقد علمت قسمتها.

وأصل الثانية من اثني عشر مخرج السدس والربع ولا ثلث صحيح للباقي بعد سدس الأم وربع الزوجة تضرب ثلاثة في اثني عشر بستة وثلاثين، وقد علمت قسمتها (قوله: وتعول الخ) اعلم أن العول لغة الارتفاع والزيادة، وفي الإصطلاح زيادة ما يبلغه مجموع السهام المأخوذ من الأصل عند ازدحام الفروض عليه ومن لازمه دخول النقص على أهلها بحسب حصصهم.

ولم يقع العول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في زمن أبي بكر رضي الله عنه، وإنما وقع في زمن عمر رضي الله عنه.

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أول من عال الفرائض عمر رضي الله عنه، لما التوت عليه الفرائض ودافع بعضها بعضا، وقال ما أدري أيكم قدم الله ولا أيكم أخر، وكان امرءا ورعا، فقال ما أجد شيئا أوسع لي من أن أقسم التركة عليكم بالحصص، وأدخل على كل ذي حق ما أدخل عليه من عول الفريضة.

اه.

وروي أن أول فريضة عالت في الإسلام زوج وأختان، فلما رفعت إلى عمر رضي الله عنه قال إن بدأت بالزوج أو بالأختين لم يبق للآخر حقه، فأشيروا علي، فأول من أشار بالعول العباس رضي الله عنه على المشهور، وقيل علي رضي الله عنه، وقيل زيد بن ثابت رضي الله عنه، والظاهر، كما قال السبكي رحمه الله، أنهم كلهم تكلموا في ذلك لإستشارة عمر رضي الله عنه إياهم واتفقوا على العول.

فلما انقضى عصر عمر رضي الله عنه أظهر ابن عباس رضي الله عنهما الخلاف في المباهلة، فقيل له ما بالك لم تقل هذا لعمر؟ فقال كان رجلا مهابا.

وقوله ثلاثة، ضابطها الستة وضعفها وضعف ضعفها.

قال في الرحبية: فإنهن سبعة أصول ثلاثة منهن قد تعول وبعدها أربعة تمام لا عول يعروها ولا انثلام (قوله: ستة إلى عشرة) أي تعول الستة أربع مرات على توالي الأعداد إلى أن تبلغ عشرة (قوله: كزوج وأختين

لغير أم) أي فمسألتهم من ستة، لأن فيها نصفا وثلثين، فللزوج ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة، ومجموعهما سبعة، فيقسم المال بينهما أسباعا، للزوج نصف عائل، وهو ثلاثة أسباع، ولأختين ثلثان عائلان، وهما أربعة أسباع.

(قوله: وإلى ثمانية) معطوف على قوله إلى سبعة، أي وعولها إلى ثمانية.

وقوله كهم، أي زوج وأختين لغير أم.

وقوله وأم، أي وزيادة أم عليهم، فللزوج النصف ثلاثة، وللأختين الثلثان أربعة، وللأم السدس واحد، ومجموع ذلك ثمانية فيصير للزوج ربع وثمن، وللأم ثمن وللأختين نصف.

ومثل ذلك المباهلة، وهي زوج وأم وأخت شقيقة أو لأب، فللزوج النصف وللأم الثلث وللأخت النصف ومجموعها ثمانية، وهذا هو مذهب الجمهور.

وعند ابن عباس رضي الله عنهما للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للأخت، وعنه قول آخر هو أن للزوج النصف والباقي بين الأم والأخت وإنما لقبت بالمباهلة لقول ابن عباس رضي الله عنهما: إن شاءوا فلندع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين.

والإبتهال مأخوذ من قولهم بهله الله، أي لعنه وأبعده من رحمته، أو من قولك أبهلته، إذا أهملته.

وأصل الإبتهال ما ذكر، ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه، وإن لم يكن التعانا، (قوله: وإلى تسعة) معطوف على قوله إلى سبعة، أي وعولها إلى تسعة.

وقوله كهم وأخ لأم، أي كزوج وأختين لغير أم وأم وزيادة أخ لأم عليهم، فللزوج النصف ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة وللأم السدس واحد وللأخ للأم السدس كذلك ومجموعها تسعة، فيصير للزوج ثلاثة أتساع وللأختين أربعة أتساع وللأم تسع وللأخ كذلك (قوله:

ص: 282

سبعة عشر وترا فعولها إلى ثلاثة عشر كزوجة وأم وأختين لغير أم، وإلى خمسة عشر كهم وأخ لام، وإلى سبعة عشر كهم وأخ آخر لام (و) تعول (أربعة وعشرون لسبعة وعشرين) فقط كبنتين وأبوين وزوجة، للبنتين ستة عشر وللابوين ثمانية وللزوجة ثلاثة، وتسمى بالمنبرية، لان عليا رضي الله عنه كان يخطب على منبر الكوفة قائلا: الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعا ويجزي كل نفس بما تسعى وإليه المآل والرجعى، فسئل حينئذ عن هذه المسألة فقال ارتجالا: صار ثمن المرأة تسعا، ومضى في خطبته.

وإنما عالوا ليدخل النقص على الجميع كأرباب الديون والوصايا إذا ضاق المال عن قدر حصتهم.

ــ

وإلى عشرة) معطوف على قوله إلى سبعة، أي وعولها إلى عشرة، وتلقب مسألتهم بأم الفروخ، لأنها شبهت بطائر وحوله أفراخه، وبالشريحية لأن القاضي شريحا أول من جعلها عشرة.

وقوله كهم وأخ آخر لأم، أي كزوج وأختين لغير أم وأم وأخ لها زيادة أخ آخر لها أيضا، فللزوج النصف ثلاثة وللأختين الثلثان أربعة وللأم السدس واحد وللأخوين الثلث اثنان ومجموعها عشرة فيصير للزوج ثلاثة أعشار وللأختين أربعة وللأم عشر وللأخوين عشران (قوله: وتعول اثنا عشر إلى سبعة عشر وترا) أي تعول ثلاث مرات وترا فقط: أي على توالي الأفراد (قوله: فعولها) أي الإثني عشر إلى ثلاثة عشر (قوله: كزوجة وأم وأختين لغير أم) أي فمسألتهم من اثني عشر لأن فيها ربعا وسدسا، فللزوجة الربع ثلاثة وللأم السدس اثنان وللأختين الثلثان ومجموعها ثلاثة عشر (قوله: وإلى خمسة عشر) أي وعولها إلى خمسة عشر.

وقوله: كهم وأخ لأم، أي كزوجة وأم وأختين لغير أم وزيادة أخ لأم فيزاد له اثنان، فإذا ضما إلى

الثلاثة عشر يصير المجموع خمسة عشر فيصير للزوج ثلاثة أخماس وللأم خمسان وللأخت ثمانية أخماس وللأخ للأم خمسان (قوله: وإلى سبعة عشر) أي وعولها إلى سبعة عشر.

(وقوله: كهم وأخ آخر لأم) أي وزيادة أخ آخر لأم فيزداد له اثنان فإذا ضما إلى الخمسة عشر يصير المجموع سبعة عشر.

ومثلها في ذلك أم الأرامل وهي جدتان وثلاث زوجات وأربع أخوات لأم، وثمان أخوات لأبوين أو لأب، فللجدتين السدس اثنان وللزوجات الربع ثلاثة وللأخوات للأم الثلث أربعة وللأخوات للأبوين الثلثان ثمانية ومجموع ذلك سبعة عشر، وكما تلقب بذلك تلقب بأم الفروج، بالجيم، لأنوثة الجميع، وبالدينارية لأن الميت لو ترك سبعة عشر دينارا خص كلا دينار (قوله: وتعول أربعة وعشرون لسبعة وعشرين فقط) أي فعولها إلى ذلك مرة واحدة.

وتلقب هذه المسألة بالبخيلة لقلة عولها.

وقد نظمها وما قبلها في الرحيبة بقوله: فتبلغ الستة عقد العشرة في صورة معروفة مشتهرة وتلحق التي تليها في الأثر بالعول أفرادا إلى سبع عشر والعدد الثالث قد يعول بثمنه فاعمل بما أقول (قوله: كبنتين وأبوين وزوجة) فأصل مسألتهم من أربعة وعشرين لأن فيها ثمنا للزوجة وثلثين للبنتين وبينهما تباين فيضرب مخرج أحدهما وهو ثلاثة مثلا في كامل مخرج الآخر، وهو ثمانية، يكون الحاصل أربعة وعشرين، فللبنتين الثلثان ستة عشر وللأبوين الثلث ثمانية وللزوجة الثمن ثلاثة فتعال المسألة بها إلى سبعة وعشرين (قوله: وتسمى) أي هذه المسألة العائلة إلى سبعة وعشرين (قوله: لأن الخ) بيان لسبب تسميتها بالمنبرية (قوله: فقال ارتجالا) أي من غير تأمل (قوله: صار ثمن المرأة تسعا) أي لأن الثلاثة تسع السبعة والعشرين (قوله: ومضى في خطبته) أي كمل خطبته (قوله: وإنما عالوا) أي الفرضيون هذه الأصول الثلاثة (قوله: ليدخل النقص على الجميع) أي جميع الورثة (قوله: كأرباب الخ) تنظير.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 283

فصل في بيان أحكام الوديعة صح إيداع محترم بأودعتك هذا أو استحفظتكه، وبخذه مع نية.

وحرم على عاجز عن حفظ الوديعة أخذها، وكره على غير واثق بأمانته.

ويضمن وديع بإيداع غيره - ولو قاضيا - بلا إذن من المالك، لا إن كان لعذر

ــ

فصل في بيان أحكام الوديعة أي في بيان أحكام الوديعة.

وهي مناسبة للفرائض لأن مال الميت بلا وارث يصير كالوديعة في بيت مال المسلمين، والأصل فيها قوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * (1) أي يأمر كل من كان عنده أمانة أن

يردها إلى صاحبها إذا طلبها، وهي وإن نزلت في مفتاح الكعبة فهي عامة، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وخبر أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك وروى البيهقي عن عمر رضي الله عنه أنه قال وهو يخطب لا يعجبنكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس فهو الرجل وهي لغة ما وضع عند غير مالكه لحفظه، من ودع يدع، إذا سكن، لأنها ساكنة عند الوديع.

وقيل من الدعة أي الراحة لأنها تحت راحته ومراعاته.

وشرعا العقد المقتضي للاستحفاظ أو العين المستحفظة، فهي حقيقة فيهما، ثم عقدها في الحقيقة توكيل من جهة المودع، وتوكل من جهة الوديع في حفظ مال أو اختصاص كنجس منتفع به، فخرجت اللقطة والأمانة الشرعية، كأن طير نحو ريح شيئا إليه أو إلى محله وعلم به.

وأركانها بمعنى العقد أربعة: وديعة بمعنى العين المودوعة، وشرط فيها كونه محترمة وإن لم تكن متمولة ولو نجسة نحو حبة بر وكلب ينفع، بخلاف غير المحترمة نحو كلب لا ينفع وآله لهو.

ومودع، بكسر الدال، ومودع بفتحها، وإن شئت قلت ووديع، وشرط فيهما ما مر في موكل ووكيل، وهو إطلاق تصرف لأن الإيداع استنابة في الحفظ.

فلو أودع ناقص نحو صبي ناقصا مثله أو كاملا ضمن كل منهما ما أخذه منه لأن الإيداع باطل ولو أودع كامل ناقصا لم يضمن إلا بإتلافه لأنه لم يسلطه على إتلافه، ولا يضمن بغير الإتلاف ولو بالتفريط لتقصيره بالإيداع عنده.

وبقيت صورة رابعة وهي أن يودع كامل كاملا ولا ضمان حينئذ إلا بالتفريط، وهذه الصورة هي مقصود الباب.

وصيغة، وشرط فيها ما مر في الوكالة، وهو اللفظ من أحد الجانبين، وعدم الرد من الآخر حتى لو قال الوديع أودعنيها فدفعها له ساكتا صح.

والإيجاب إما صريح: كأودعتك هذا أو استحفظتك، أو كناية مع النية: كخذه (قوله: صح إيداع محترم) أي وضع شئ محترم ولو اختصاصا، أما غيره، ككلب لا ينفع، وآله لهو، فلا يصح إيداعهما، كما تقدم (قوله: بأودعتك الخ) متعلق بإيداع، وهو بيان للصيغة.

والمثالان الأولان للإيجاب الصريح، والثالث للكناية، كما تقدم أيضا (قوله: وحرم على عاجز عن حفظ الوديعة أخذها) وذلك لأنه يعرضها للتلف، قال في المغني: والإيداع صحيح مع الحرمة وأثر التحريم مقصور على الإسم.

اه.

(قوله: وكره) أي أخذ الوديعة.

وقوله على غير واثق بأمانته، أي على غير من يثق بأمانة نفسه.

(والحاصل) إن قدر على حفظها ووثق بنفسه حالا ومآلا ولم تتعين عليه بأن لم يوجد غيره استحب له أخذها، فإن عجز عنه حرم أو لم يثق بأمانة نفسه كره له إن لم يعلم به المالك في الصورتين، فإن علم به فلا حرمة في الصورة الأولى، ولا كراهة في الصورة الثانية ويكون مباحا، أو تعين عليه بأن لم يوجد غيره وجب.

فتعتريها الأحكام الخمسة (قوله:

ويضمن وديع الخ) شروع في ذكر أسباب تعرض للوديعة موجبة للضمان، وإلا فهي أصلها الأمانة بمعنى أنها متأصلة فيها، لا تبع، كالرهن، لأن الله تعالى سماها أمانة بقوله: * (فليؤد الذي اؤتمن أمانته) * (2) وعبارة المنهج وأصلها، الأمانة

(1) سورة النساء، الاية: 58 (2) سورة البقرة، الاية: 283

ص: 284

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد تصير مضمونة بعوارض الخ.

وحاصل تلك الأسباب التي تعرض للوديعة الموجبة للضمان عشرة نظمها الدميري بقوله: عوارض التضمين عشر ودعها وسفر ونقلها وجحدها وترك إيصاء ودفع مهلك ومنع ردها وتضييع حكي والإنتفاع وكذا المخالفة في حفظها إن لم يزد ما خالفه وقد ذكر معظهما الشارع رحمه الله تعالى.

وقوله ودعها، بفتح الواو وسكون الدال، يعني إيداعها لغيره بلا إذن من المالك ولا عذر من الوديع ولو كان ذلك الغير قاضيا أو ولده أو زوجته أو خادمه، فما يقع كثيرا من أن الوديع يعطي الوديعة لولده أو زوجته أو خادمه ليحفظها كل منهم في حرزه موجب للضمان، لأن المودع لم يرض بذلك.

نعم، له الإستعانة بمن يحملها لحرز أو يعلفها أو يسقيها لأن العادة جرت بذلك.

وقوله وسفر، يعني السفر بها مع القدرة على ردها، لأنه عرضها للضياع، إذ حرز السفر دون حرز الحضر.

وقوله ونقلها، يعني نقلها من محلة أو دار إلى أخرى دونها في الحرز، أي دون المحلة أو الدار الأولى في الحرز.

وقوله وجحدها، أي بلا عذر بعد طلب من مالك لها، بخلاف ما لو جحدها بعذر كدفع ظالم عن مالكها أو جحدها بلا طلب من مالكها ولو بحضرته، لأن إخفاءها أبلغ في حفظها.

وقوله وترك إيصاء، أي أن يترك الإيصاء بالوديعة عند المرض أو السفر للقاضي أو الأمين عند فقد القاضي، فإن الإيصاء بها لمن ذكر يقوم مقام ردها إليه، فهو مخير عند فقد المالك ووكيله بين ردها للقاضي والإيصاء بها إليه، وعند فقد القاضي بين ردها للأمين والإيصاء بها إليه.

والمراد بالإيصاء بها الإعلام بها مع وصفها بما تتميز به إن كانت غائبة، أو الإشارة لعينها إن كانت حاضرة، والأمر بردها، فإن لم يفعل ما ذكر كما ذكر ضمن إن تمكن من ردها أو الإيصاء بها لأنه عرضها للفوات، إذ الوارث يعتمد ظاهر اليد ويدعيها لنفسه.

وقوله ودفع مهلك، بالجر عطف على إيصاء، أي وترك دفع مهلك، كترك تهوية

ثياب صوف وترك لبسها عند حاجتها لذلك وقد علمها فيلزمه تهويتها أو لبسها عند حاجتها لذلك وعلمه بها وباحتياجها لذلك وتمكنه منه بأن أعطاه المفتاح لأن الدود يفسدها وكل من الهواء وعبوق رائحة الآدمي بها يدفعه.

وقوله ومنع ردها، أي بلا عذر بعد طلب مالكها لها، بخلاف ما لو كان بعذر كصلاة وأكل ونحوهما.

والمراد بردها التخلية بينها وبين المالك، وأما حملها إليه فلا يلزمه.

وقوله وتضييع: أي لها، أي يتسبب في ضياعها كأن يضعها في غير حرز مثلها أو ينساها أو يدل عليها ظالما معينا محلها أو يسلمها له ولو مكرها ويرجع الوديع إذا غرم بها على الظالم لأن قرار الضمان عليه فإن المستولي على المال عدوانا.

ولو أخذها الظالم من يده قهرا عليه فلا ضمان على الوديع، وكذا لو أعلمه بأنها عنده من غير تعيين مكانها فلا يضمن بذلك وإن كان يجب عليه إنكارها والإمتناع من الإعلام بها جهده، وله أن يحلف على ذلك لمصلحة حفظها، ويجب عليه أن يوري في يمينه إن عرف التورية وأمكنته، فإن لم يور كفر عن يمينه إن حلف بالله، لأنه كاذب فيها، فإن حلف بالطلاق أو العتق حنث لأنه فدى الوديعة بزوجته أو رقيقه.

وقوله والإنتفاع: أي بها كأن يلبس الثوب ويركب الدابة بلا عذر، بخلاف ما إذا كان لعذر كلبس الثوب لدفع الدود وركوب الدابة لدفع الجماح فلا ضمان بذلك لأنه لمصلحة المالك.

وقوله وكذا المخالفة في حفظها، كقوله لا ترقد على الصندوق الذي فيه الوديعة فرقد وانكسر بثقله وتلف ما فيه بانكساره فيضمن بذلك لمخالفته المؤدية للتلف، لا إن تلف بغير ذلك، كسرقة فلا يضمن.

وقوله إن لم يزد ما خالفه، أي لم يزد في الحفظ الذي خالفه، كأن قال لا تقفل عليه فأقفل (قوله: بإيداع غيره) أي بوضع الوديعة عند غيره، ومعنى كونه يضمن بإيداع غيره أنه يصير طريقا في الضمان لأن للمالك أن يضمن من شاء الأول أو الثاني، فإن ضمن الثاني وهو جاهل بالحال رجع على الأول، وإن ضمن الأول رجع على الثاني إن علم، لا إن جهل، كذا في المغني (وقوله: ولو قاضيا) أي ولو كان ذلك الغير قاضيا فإنه يضمن بإيداعه إياه، والغاية للرد على من يقول إن أودع القاضي لم يضمن لأنه نائب الشرع.

(وقوله: بلا إذن من المالك) متعلق بإيداع، وهو قيد في الضمان.

وخرج به ما لو أذن له في أن يودعها غيره فالثاني وديع أيضا ولا يخرج الأول عن الإيداع إلا إن ظهر من المالك قرينة على إستقلال

ص: 285

كمرض وسفر وخوف حرق وإشراف حرز على خراب، وبوضع في غير حرز مثلها، وبنقلها إلى دون حرز مثلها، وبترك دفع متلفاتها كتهوية ثياب صوف أو ترك لبسها عند حاجتها، وبعدول عن الحفظ المأمور به من

ــ

الثاني به لجواز استنابة اثنين فأكثر في حفظها.

ثم إن صرح المالك باجتماعهما على حفظها تعين فيضعانها في حرز واحد لهما بأن يكون لكل منهما اليد عليه بملك أو إجارة اتفقا في ذلك أو اختلفا فيه ولكل منهما مفتاح عليه، فلو انفرد أحدهما بحفظها مع رضا الآخر ضمن كل منهما وعلى كل منهما قرار النصف، وإن لم يكن مع رضا الآخر اختص المنفرد وحده

ضمانا وقرارا وإن لم يصرح المالك باجتماعهما على حفظها جاز الإنفراد زمانا ومكانا مناوبة، كأن يحفظها كل منهما في حرزه يوما أو نحوه (قوله: لا إن كان لعذر) أي لا يضمن بإيداعه للغير إن كان لعذر، ومحله إذا تعذر ردها لمالكها أو وكيله ويجب عند فقدهما وضعها عند قاض ثم أمين والمراد به مستور العدالة ولا يكلف تأخير السفر لما في ذلك من المشقة (قوله: كمرض) أي للمودع، وهو تمثيل للعذر.

وقوله وسفر، أي مباح فلا يجوز إيداعه للغير إذا سافر إلا إذا كان السفر مباحا لأن إيداعها للغير رخصة فلا يبيحها سفر المعصية (قوله: وخوف الخ) أي للوديعة لوجود حريق في البقعة التى هي فيها (قوله: وإشراف حرز على خراب) أي ولم يجد حرزا ينقلها إليه (قوله: وبوضع في غيره حرز مثلها) عطف على بإيداع غيره، أي ويضمنها بوضعها في غير ذلك، وعبر غيره عن هذا السبب بتضييعها وهو أولى لأنه صادق بما إذا وضعها في غير حرز مثلها وبنسيانها وبدلالة ظالم عليها معينا محلها له، كما تقدم (قوله: وبنقلها) عطف بإيداع أيضا، أي ويضمنها أيضا بنقلها إلى دون حرز مثلها، أي بنقلها من محلها الذي هو حرز مثلها إلى ما هو دونه في الحرز ولو كان ذلك الدون حرز مثلها، وذلك لأنه عرضها للتلف بذلك، أما إذا تساويا أو كان المنقول إليه أحرز فلا يضمن لعدم التفريط من غير مخالفة، لكن محله ما لم ينهه المالك عن نقلها وإلا ضمن مطلقا.

إن نقلها بظن أنها ملكه ولم ينتفع بها لم يضمن (قوله: وبترك دفع متلفاتها) عطف على بإيداع أيضا: أي ويضمنها أيضا بترك دفع متلفاتها التي يتمكن من دفعها على العادة لأنه من أصول حفظها.

فعلم أنه لو وقع بخزانته حريق فبادر لنقل أمتعته فاحترقت الوديعة لم يضمنها مطلقا.

ووجهه ابن الرفعة بأنه مأمور بالإبتداء بنفسه.

ونظر الأذرعي فيما لو أمكنه إخراج الكل دفعة من غير مشقة لا تحتمل لمثله عادة، كما هو ظاهر، أو كانت فوق فنحاها وأخرج ماله الذي تحتها، والضمان في الأولى متجه وفي الثانية محتمل.

اه.

(قوله: كتهوية الخ) تمثيل للدفع المتروك، والأولى أن يقول كترك تهوية تمثيلا لترك دفع وليلائم ما بعده.

وقوله أو ترك لبسها، أي ثياب الصوف.

وقوله عند حاجتها: متعلق بتهوية أو بترك المقدر قبلها أو بترك لبسها وهنا متعلق محذوف، أي عند حاجة ثياب الصوف لما ذكر، أي لكل من التهوية واللبس.

وفي التحفة: وظاهر كلامهم أنه لا بد من نية نحو اللبس لأجل ذلك وإلا ضمن به، ويوجه في حال الإطلاق لأن الأصل الضمان حتى يوجد صارف له.

اه.

وفي النهاية مع الأصل: وكذا عليه لبسها لنفسه إن لاق به عند حاجتها بأن تعين طريقا لدفع الدود بسبب عبق ريح الآدمي لها.

نعم، إن لم يلق به لبسها ألبسها من يليق به بهذا القصد قدر الحاجة مع ملاحظته، كما قاله الأذرعي، فإن ترك ذلك ضمن ما لم ينهه.

نعم، لو كان ممن لا يجوز له لبسها كثوب حرير ولم يجد من يلبسه ممن يجوز له لبسه أو وجده ولم يرض إلا بأجرة فالأوجه

الجواز، بل الوجوب.

ولو كانت الثياب كثيرة بحيث يحتاج لبسها إلى مضي زمن يقابل بأجرة فالأقرب أن له رفع الأمر للحاكم ليفرض له أجرة في مقابلة لبسها، إذ لا يلزمه أن يبذل منفعته مجانا كالحرز.

اه.

(قوله: وبعدول عن الحفظ المأمور به) عطف على بإيداع أيضا، أي ويضمنها أيضا إذا تلفت بسبب عدوله عن الحفظ المأمور به لتعديه، فلو قال له لا ترقد على الصندوق فرقد عليه وانكسر بثقله فتلف ما فيه ضمن لحصول التلف من جهة مخالفته وتقصيره، بخلاف ما لو تلف بغير ذلك كسرقة فلا يضمن لأن رقاده عليه زيادة في الحفظ.

نعم، إن كان الصندوق في نحو المحراب فسرق من جانبه الذي لو لم يرقد على الصندوق لرقد فيه ضمن، ومثله ما لو أمره بالرقاد أمامه فرقد فوقه فسرق من أمامه.

وقوله من المالك: متعلق بالمأمور، ولو أسقطه لكان أولى ليشمل الأمر الشرعي فيما إذا أعطاه دراهم ولم يبين له وجه الحفظ، فإنه إن ربطها في كمه وأمسكها بيده أو جعلها في جيبه ولو الذي على وركه وليس واسعا أو واسعا وزره لم يضمن، فإن لم

ص: 286

المالك، وبجحدها وتأخير تسليمها لمالك بلا عذر بعد طلب مالكها، وبانتفاع بها كلبس وركوب بلا غرض المالك، وبأخذ درهم مثلا من كيس فيه دراهم مودعة عنده وإن رد إليه مثله فيضمن الجميع إذا لم يتميز الدرهم المردود عن البقية، لانه خلطها بمال نفسه بلا تمييز، فهو متعد، فإن تميز بنحو سكة أو رد إليه عين الدرهم ضمنه

ــ

يمسكها بيده، فإن كان فوق ما ربطها فيه ثوب آخر لم يضمن مطلقا، وإلا فإن جعل الخيط المربوط به من خارج فضاعت بأخذ طرار، بفتح المهملتين وتشديد الثانية: أي شرطي، ضمن لأنه خالف الأمر الشرعي بإبرازها له حتى صير قطعها سهلا عليه (قوله: وبجحدها) معطوف على بإيداع أيضا: أي ويضمن أيضا بجحد المودع الوديعة.

وقوله وتأخير تسليمها، الواو بمعنى أو، أي ويضمن أيضا بتأخير تسليمها.

وقوله بلا عذر بعد طلب مالكها: قيدان للضمان بالنسبة للجحود وللتأخير، وذلك كأن قال له أعطني وديعتي فقال له لم تودعني شيئا أو ليس لك عندي وديعة ثم أقر أو أثبتها المالك ببينة أو قال له ذلك وماطله بتسليمها ثم ادعى تلفها، فيضمنها لأن جحودها خيانة.

وخرج بقوله بلا عذر بالنسبة للجحود ما لو كان بعذر كأن طالب المالك بها ظالم فطالب المالك الوديع بها فجحدها دفعا للظالم ابتداء أو جوابا بالسؤال غير المالك ولو بحضرته أو لقول المالك لي عندك وديعة، لا وديعة لأحد عندي فلا يضمن أيضا لو تلف بعد ذلك لأن إخفاءها أبلغ في حفظها.

وخرج بالأول أيضا بالنسبة للتأخير ما لو كان التأخير بعذر كأن كان في صلاة، وبالثاني بالنسبة له أيضا ما لو كان بغير طلب من مالكها فإنه لا يضمن لعدم تقصيره (قوله: وبانتفاع بها) عطف على بإيداع أيضا، أي ويضمن أيضا بانتفاعه بها لتعديه، وفي ش ق يضمن وإن جهل أنها الوديعة أو ظن أنها ماله، والتعليل بالتعدي أغلبي.

اه.

وقوله كلبس وركوب، تمثيل للإنتفاع بها (قوله: بلا غرض المالك) قيد في ضمانه بالانتفاع، وخرج به ما إذا لبس الثوب أو ركب الدابة لغرض المالك، أي مصلحته، كلبسه له لدفع دود وكركوبه لها لجماح فلا يضمن بذلك، كما تقدم،

(قوله: وبأخذ درهم الخ) معطوف أيضا على قوله بإيداع: أي ويضمن أيضا بأخذ بعض الوديعة كأخذ درهم من كيس فيه دراهم.

وحاصله أنه إذا أخذه ثم رده بعينه ضمنه فقط سواء تميز عن الباقي أم لم يتميز، وإن رد بدله، فإن تميز بعلامة ضمنه فقط أيضا، وإن لم يتميز ضمن جميع الوديعة.

لكن محل ضمان الدرهم فقط في الصورتين إذا لم يفض ختما أو يكسر قفلا، وإلا ضمن الجميع (قوله: وإن رد إليه مثله) الواو للحال، وإن زائدة، أي والحال أنه رد إليه مثله.

وسيذكر محترزه (قوله: فيضمن الجميع) أي جميع ما في الكيس من الدراهم لو تلف لا الدرهم الذي أخذه ورد مثله فقط.

(وقوله: إذا لم يتميز) أي الدرهم المردود عن بقية الدراهم التي في الكيس، والمراد إذا عسر تمييزه عنها: كأن كانت السكة واحدة (قوله: لأنه خلطها الخ) تعليل لضمان الجميع، أي وإنما ضمن الجميع إذا أخذ درهما ورد مثله ولم يتميز لأنه خلط الوديعة التي هي مال الغير بمال نفسه عمدا وعسر تمييزه من غير رضا ذلك الغير بذلك الخلط فهو مقصر بذلك والضمان المذكور ضمان الغصوب، فهو قيمة المتقوم ومثل المثلي لأن المالك لم يرض بذلك.

وقوله بمال نفسه، أي وهو المثل الذي رده إلى الكيس، وإنما كان ماله، مع أنه قد أخذ نظيره من الكيس، لأن المالك لا يملك المثل إلا بدفع إليه وهو لم يدفعه إليه، وإنما وضعه في الكيس بدل الذي أخذه.

وقوله بلا تمييز، أي من عدم التمييز بين الدرهم المردود والدراهم التي في الكيس (قوله: فهو) أي المودع وقوله متعد، أي بأخذ درهم خلط مثله من غير رضا المالك (قوله: فإن تميز) أي الدرهم المردود، وهو محترز قوله إذا لم يتميز.

وقوله بنحو سكة، كأن خالفت سكة الدرهم المردود سكة بقية الدراهم.

واندرج تحت نحو، السواد والبياض.

قال سم: قد يقال إن مجرد السكة لا تقتضي التمييز لأن المراد به سهولته وقد تختلف السكة ويعسر التمييز لكثرة المختلط.

اه.

(قوله: أو رد إليه) أي إلى الكيس.

(وقوله: عين الدرهم) هذا محترز قوله وإن رد مثله (قوله: ضمنه) أي الدرهم المردود.

وقوله فقط: أي ولا يضمن الجميع.

(واعلم) أنه لم يتعرض لما إذا أخذه من الكيس ولم يرده أصلا.

وحكمه أنه يضمن فقط، كما هو صريح التحفة، ونصها، وخرج بقوله الدراهم أخذ بعضها كدرهم فيضمنه فقط ما لم يفض ختما أو يكسر قفلا، فإن رده لم يزل ضمانه حتى لو تلف الكل ضمن درهما أو النصف ضمن نصف درهم ولا يضمن الباقي بخلطه به لم وإن يتميز - بخلاف رد بدله

ص: 287

فقط.

وصدق وديع - كوكيل وشريك وعامل قراض - بيمين في دعوى ردها على مؤتمنه، لا على وارثه.

وفي قوله ما لك عندي وديعة، وفي تلفها مطلقا، أو بسبب خفي كسرقة، أو بظاهر كحريق عرف - دون عمومه - فإن عرف عمومه لم يحلف حيث لا تهمة.

(فائدة) الكذب حرام، وقد يجب: كما إذا سأل ظالم عن وديعة يريد أخذها فيجب إنكارها وإن كذب، وله الحلف عليه مع التورية.

وإذا لم ينكرها ولم يمتنع من إعلامه بها جهده ضمن، وكذا لو رأى معصوما اختفى

ــ

إلخ.

اه (قوله: وصدق وديع) كوكيل وشريك وعامل قراض: أي لأنهم أمناء، وكل أمين ادعى الرد على من ائتمنه يصدق بيمينه، ما عدا المرتهن والمستأجر فإنهما لا يصدقان في دعوى الرد وإن صدقا في دعوى التلف.

وخرج بالأمين

الضامن كالغاصب والمستعير والمستام فإنه لا يصدق في دعوى الرد إلا ببينة، وبمن ائتمنه وارث أحدهما مع الآخر، بأن ادعى وارث الوديع أنه ردها على المودع، أو ادعى الوديع أنه ردها على وارث المالك، أو ادعى وارث الوديع أنه ردها على وارث المودع فإنه لا يصدق إلا ببينة (قوله: وفي قوله ما لك عندي وديعة) أي يصدق بيمينه في قوله ليس عندي لك وديعة (قوله: وفي تلفها مطلقا) أي ويصدق في دعوى تلفها مطلقا، أي من غير تقييد بسبب ولا يلزمه بيان السبب.

نعم، يلزمه الحلف أنها تلفت بغير تفريط منه (قوله: أو بسبب خفي) أي أو ادعى تلفها بسبب خفي.

وقوله كسرقة، تمثيل للسبب الخفي، ومثلها الغضب إذا ادعى وقوعه في خلوة، وإلا طولب ببينة عليه، كما في النهاية، (قوله: أو بظاهر) أي أو ادعى تلفها بسبب ظاهر.

وقوله كحريق: تمثيل للسبب الظاهر.

وقوله عرف دون عمومه، أي للبقعة التي الوديعة فيها، وإنما صدق بيمينه لاحتمال ما ادعاه (قوله: فإن عرف عمومه) عبارة المنهاج: فإن عرف الحريق وعمومه، بالواو، وهي أولى، فلعل الواو ساقطة من الناسخ.

فإن لم يعرف هو ولا عمومه طولب ببينة على وجوده وحلف على تلفها به (قوله: حيث لا تهمة) فإن كان هناك تهمة بأن عم ظاهرا لا يقينا فحلف لاحتمال سلامتها (قوله: فائدة) لما كان لها تعلق بالوديعة باعتبار بعض أحوالها ذكرها فيها (قوله: الكذب حرام) أي سواء أثبت به منفيا، كأن يقول وقع كذا لما لم يقع، أو نفى به مثبتا، كأن يقول لم يقع لما وقع، وهو مناقض للإيمان معرض صاحبه للعنة الرحمن لقوله تعالى: * (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هو الكاذبون) * (1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، والكذب يهدي إلى النار وقول سيدنا عمر رضي الله عنه: لأن يضعني الصدق وقلما يفعل أحب إلي من أن يرفعني الكذب وقلما يفعل (قوله: وقد يجب الخ) قال في الإحياء، والضابط في ذلك أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا، فالكذب فيه حرام أو بالكذب وحده فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود.

وواجب إن وجب، كما لو رأى معصوما اختفى من ظالم يريد قتله أو إيذاءه لوجوب عصمة دمه أو سأله ظالم عن وديعة يريد أخذها فإنه يجب عليه إنكارها، وإن كذب، بل لو استحلف لزمه الحلف، ويوري، وإلا حنث، ولزمته الكفارة، وإذا لم يتم مقصود حرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قبل مجنى عليه إلا بكذب أبيح، ولو سأله سلطان عن فاحشة وقعت منه سرا، كزنا وشرب خمر، فله أن يكذب ويقول ما فعلت، وله أن ينكر سر أخيه.

اه.

(قوله: وله الحلف عليه) أي الإنكار.

وقوله مع التورية: أي بأن يقصد غير ما يحلف عليه، كأن يقصد بالثوب في قوله والله ما عندي ثوب، الرجوع، من ثاب إذا رجع، وبالقميص في قوله ما عندي قميص غشاء القلب، وهي واجبة عليه تخلصا من الكذب إن أمكنه وعرفها، وإلا فلا (قوله:

وإذا لم ينكرها) أي الوديعة، والمقام للتفريع.

وقوله ولم يمتنع الخ، عطف لازم على ملزوم.

وقوله من إعلامه، أي الظالم، وقوله بها، أي بالوديعة.

وقوله جهده، أي وسعه وطاقته (قوله: ضمن) أي الوديعة إذا أخذها الظالم منه، لأنه تسبب في ضياعها (قوله: وكذا لو رأى معصوما) أي وكذلك يجب الكذب فيما لو رأى معصوما قصده ظالم يريد قتله وهو

(1) سورة النحل، الاية: 105

ص: 288

من ظالم يريد قتله.

وقد يجوز كما إذا كان لا يتم مقصود حرب وإصلاح ذات البين وإرضاء زوجته إلا بالكذب فمباح، ولو كان تحت يده وديعة لم يعرف صاحبها وأيس من معرفته بعد البحث التام صرفها فيما يجب على الامام الصرف فيه، وهو أهم مصالح المسلمين مقدما أهل الضرورة وشدة الحاجة - لا في بناء نحو مسجد - فإن جهل ما ذكر دفعه لثقة عالم بالمصالح الواجبة التقديم، والاروع الاعلم أولى.

فصل في بيان أحاكم اللقطة

ــ

قد اختفى منه وقد سأله ذلك الظالم عنه (قوله: وقد يجوز) أي الكذب (قوله: كما إذا كان) أي الحال والشأن.

وقوله لا يتم مقصود حرب، أي وهو النصرة على العدو.

وقوله وإصلاح ذات البين، أي ولا يتم إصلاح ذات البين، أي الحالة الواقعة بين القوم من الفتنة والخصومة: وقوله وإرضاء زوجته: أي ولا يتم إرضاء زوجته، وقوله إلا بالكذب، متعلق بيتم: أي لا يتم كل من الثلاثة إلا به (قوله: فمباح) يغني عنه قوله وقد يجوز، فالصواب إسقاطه (قوله: ولو كانت تحت يده) أي إنسان.

(وقوله: لم يعرف صاحبها) أي بأن لم يعرف حاله بأن غاب غيبة طويلة وانقطع خبره (قوله: وأيس من معرفته) أي ومعرفة ورثته، ويمكن أن يحمل صاحبها على المالك لها مطلقا سواء كان الموروث أو الوارث، وقوله بعد البحث التام.

أي عن صاحبها (قوله: صرفها) أي الوديعة، وهو جواب لو.

(وقوله: فيما يجب على الإمام الصرف فيه) أي من مصالح المسلمين (قوله: وهو) أي ما يجب على الإمام الصرف فيه.

وقوله أهم مصالح المسلمين.

وهي كسد الثغور وأرزاق القضاة والعلماء وأهل الضرورات والحاجات، ولو حذف لفظ أهم لكان أولى لأن قوله بعد مقدما الخ يغني عنه إذ هو الأهم مطلقا، لكن في البجيرمي، في باب قسم الصدقات، أن الأهم مطلقا سد الثغور، لأن فيه حفظا للمسلمين (قوله: لا في بناء نحو مسجد) أي لا يصرفها في ذلك (قوله: فإن جهل) أي من تحت يده الوديعة.

وقوله ما ذكر.

أي ما يجب على الإمام الصرف فيه من المصالح (قوله: دفعه الخ) أي أو يسأل عن ذلك من ذكر وهو يفرقها بنفسه.

(خاتمة) نسأل الله حسن الختام.

قال في المغني: لو تنازع الوديعة اثنان بأن ادعى كل منهما أنها ملكه فصدق الوديع أحدهما بعينه فللآخر تحليفه، فإن حلف سقطت دعوى الآخر، وإن نكل حلف الآخر وغرم له الوديع القيمة، وإن صدقهما فاليد لهما والخصومة بينهما، وإن قال هي لأحدكما وأنسيته وكذباه في النسيان ضمن، كالغاصب، والغاصب إذا قال المغصوب لأحدكما وأنسيته فحلف لأحدهما على البت أنه لم يغصبه تعين المغصوب للآخر بلا يمين.

اه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل أي في بيان أحكام اللقطة، وذكرها عقب الوديعة لما بينهما من المناسبة من حيث إن في اللقط معنى الأمانة والولاية عليه، فالملتقط أمين فيما لقطه والشارع ولاه حفظه، ومن حيث مشاركتهما لها في كثير من الأحكام كاستحباب لقطها عند الوثوق بنفسه وعدمه عند عدم الوثوق بأمانة نفسه.

ويباح له أخذه في هذه الحالة إن لم يكن فاسقا، وإلا كره تنزيها وقيل تحريما، والأصل فيها قبل الإجماع الآيات الآمرة بالبر والإحسان، كقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (1) وفي أخذها لحفظها على مالكها وردها عليها بر وإحسان.

والأخبار الواردة في ذلك: كخبر مسلم: والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه أي والله معين للعبد إعانة كاملة ما دام العبد معينا لأخيه، فلا يرد أن الله في عون كل أحد دائما، وكخبر الصحيحين، عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن لقطة الذهب أو الورق.

فقال: اعرف

(1) سورة المائدة، الاية: 2

ص: 289

لو التقط شيئا لا يخشى فساده - كنقد ونحاس بعمارة أو مفازة عرفه سنة في الاسواق وأبواب المساجد فإن

ــ

عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها إليه، وإلا فشأنك بها.

وسأله عن ضالة الإبل؟ فقال: ما لك ولها؟ دعها، فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها.

وسأله عن الشاة فقال: خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب وقوله في الحديث فإن لم تعرف: أي صاحبها.

وقوله فاستنفقها: السين والتاء زائدتان، أي أنفقها، وهو عطف على مقدر، أي فتملكها ثم أنفقها بعد التملك، فهو على حد * (اضرب بعصاك الحجر فانفجرت) * (1) أي فضرب فانفجرت.

(وقوله: ولتكن وديعة عندك) أي إن لم تنفقها بعد التملك، أما إذا أنفقتها فهي مضمونة كما سيأتي.

(وقوله: فإن جاء صاحبها) تفريع على الشقين، أي سواء أنفقتها أم لم تنفقها.

(وقوله: فأدها إليه) أي إن بقيت عندك، وإلا فبدلها الشرعي من مثل أو قيمة، كما سيأتي، وأركانها ثلاثة: لقط، وملقوط، ولاقط.

وكلها تعلم من كلامه (قوله: ولو التقط شيئا لا يخشى فساده الخ) إعلم أن اللقطة تنقسم إلى أربعة أقسام: أحدها ما يبقى على الدوام، كذهب وفضة ونحاس، وحكمه أن يعرفه سنة على أبواب المساجد عند خروج الناس من الجماعة وفي الموضع الذي وجد فيه وفي الأسواق ونحوها من مجامع الناس، ويكون التعريف على العادة زمانا ومكانا، وابتداء السنة من وقت التعريف.

لا الإلتقاط، ولا يجب استيعاب السنة بالتعريف، بل يعرف أولا كل يوم مرتين طرفي النهار، لا ليلا ولا وقت القيلولة، ثم يعرف كل يوم طرقه أسبوعا أو أسبوعين، ثم يعرف كل أسبوع مرة أو مرتين إلى أن تتم سبعة أسابيع، ثم يعرف كل شهر مرة أو مرتين إلى آخر السنة.

فالمراتب أربعة وإن احتاج

التعريف إلى مؤنة فإن أخذ اللقطة ليحفظها على مالكها لم تلزمه، بل يرتبها القاضي من بيت المال أو يقترضها على المالك، وإن أخذها ليتملكها لزمته ثم بعد تعريفها سنة إن وجد صاحبها فذاك واضح، فإن لم يجده فهو مخير بين أن يتملكها بشرط الضمان وبين أن يحفظها على الدوام في حرز مثلها.

ولا بد في التملك من لفظ يدل عليه كتملكت، ثم بعده إن ظهر المالك وهي باقية واتفقا في رد العين أو البدل، فالأمر واضح، وإن تنازعا فطلب المالك العين وأراد الملتقط العدول إلى البدل، أجيب المالك، وإن تلف بعده غرم الملتقط المثل إن كانت مثلية أو القيمة إن كانت متقومة يوم التملك، وهذا كله في غير الحرم أما هي فلا يجوز لقطها إلا لحفظ ويجب تعريفها أبدا، لخبر إن هذا البلد حرمه الله لا يلتقط لقطته إلا من عرفها وفي رواية البخاري: لا تحل لقطته إلا لمنشد معرف.

والمعنى على الدوام وإلا فسائر البلاد كذلك، فلا تظهر فائدة للتخصيص.

قال ع ش: فإن أيس من معرفة مالكه فينبغي أن يكون مالا ضائعا أمره لبيت المال، وثانيها ما لا يبقى على الدوام ولا يقبل التجفيف بالعلاج كالرطب الذي لا يتتمر والعنب الذي لا يتزبب وحكمه أنه يتخير بين تملكه في الحال أو أكله أو شربه وغرم بدله من مثل أو قيمة وبيعه بثمن مثله وحفظ ذلك الثمن ويعرفه ليتملك الثمن المذكور.

وثالثها ما يبقى بالعلاج كالرطب الذي يتتمر والعنب الذي يتزبب.

وحكمه أنه يتخير بين بيعه بثمن مثله وحفظ ذلك الثمن، كما مر، وبين تجفيفه وحفظه لمالكه.

ورابعها ما يحتاح إلى نفقة كالحيوان.

وحكمه أنه إن كان لا يمتنع من صغار السباع فهو مخير فيه بين تملكه ثم أكله في الحال وغرم قيمته إن وجده في المفازة.

وإن وجده في العمران امتنعت هذه الخصلة لسهولة البيع فيه دون المفازة، وبين تركه بلا أكل بل يمسكه عنده فيتطوع في الإنفاق عليه، فإن لم يتطوع فلينفق بإذن الحاكم إن وجده وإلا أشهد، وبين بيعه بثمن مثله وحفظ ذلك الثمن ويعرفه ثم يتملك الثمن المذكور.

وإن كان يمتنع من صغار السباع، فإن وجده في الصحراء الآمنة امتنع أخذه للتملك وجاز أخذه للحفظ، وإن وجده في صحراء غير آمنة بأن كان الزمن زمن نهب جاز أخذه للتملك وللحفظ أيضا، وإن وجده في الحضر تخير بين إمساكه والإنفاق عليه وبيعه وحفظ ثمنه وامتنع أكله كما تقدم (قوله: بعمارة) متعلق بالتقط، والباء بمعنى من: أي التقطة من عمارة: أي مكان عامر، قال شيخ الإسلام في شرح التحرير: والمراد بالعمارة الشارع والمسجد ونحوهما لأنها مع الموات محل اللقطة.

اه.

وكتب ش ق ما نصه: قوله ونحوهما، أي كالمدارس والربط، فإن وجد في ملك شخص فله

(1) سورة البقرة، الاية: 60

ص: 290

ظهر مالكه، وإلا تملكه بلفظ تملكت، وإن شاء باعه وحفظ ثمنه.

أو ما يخشى فساده - كهريسة وبقل وفاكهة ورطب لا يتتمر - فيتخير ملتقطة بين أكله متملكا له ويغرم قيمته، وبين بيعه، ويعرفه بعد بيعه - ليتملك ثمنه بعد

ــ

وإن لم يدعه فلذي اليد قبله، وهكذا حتى ينتهي للمحيي، فإن لم يدعه فلقطة، كما تقدم عن م ر وظاهره أنه يكون لقطة بمجرد عدم دعواه.

وقال سم: لا بد من نفيه ذلك عن نفسه.

(وقوله: لأنها أي المذكورات مع الموات) أي الأرض التي لا مالك لها من العمارة، وحينئذ فالمراد بها ما عدا المفازة وملك الغير.

اه.

(قوله: أو مفازة) هي الأرض المخوفة، وتسميتها بذلك من تسمية الشئ بضده تفاؤلا بالفوز: أي النجاة (قوله: عرفه سنة) أي إذ لم يكن حقيرا، كما يدل عليه قوله بعد ويعرف حقير الخ.

والحكمة في اعتبار السنة أن القوافل لا تتأخر عنها غالبا، ولأنه لو لم يعرف سنة لضاعت الأموال على أربابها، ولو جعل التعريف أبدا لامتنع الناس من التقاطها، فكان في اعتبار السنة نظر للفريقين معا.

قال الخطيب: وقد يتصور التعريف سنتين، وذلك إذا قصد الحفظ فعرفها سنة ثم قصد التملك، فإنه لا بد من تعريفه سنة من حينئذ.

اه.

ويجب عليه قبل التعريف أن يعرف وعاءها من جلد أو خرقة، ووكاءها، أي الخيط الذي تربط به، وجنسها من ذهب أو فضة، وعددها أو وزنها، وأن يحفظها حتما في حرز مثلها (قوله: في الأسواق) متعلق بقوله عرفه ومثلها القهاوي ونحوها من كل ما يجتمع فيه الناس (قوله: وأبواب المساجد) أي وفي أبواب المساجد عند خروج الناس من الجماعة.

وعلم من قوله في أبواب المساجد أنه لا يعرف في المساجد، فيحرم إن شوش، وإلا كره.

وبهذا يجمع بين قول من قال بأنه يكره التعريف فيها، وقول من قال بأنه يحرم التعريف فيها إلا المسجد الحرام لأنه مجمع الناس فيعرف فيه.

ويعرف أيضا في الموضع الذي وجدها فيه لأن طلب الشئ فيه أكثر إلا أن يكون مفازة ونحوها من الأماكن الخالية فلا يعرف فيها، إذ لا فائدة في التعريف فيها، فإن مرت به قافلة تبعها وعرف فيها إن أراد ذلك، فإن لم يرد ذلك ففي بلد يقصدها ولو بلدته التي سافر منها، فلا يكلف العدول عنها إلى أقرب البلاد إلى ذلك المكان، خلافا لبعضهم (قوله: فإن ظهر مالكه) أي أعطاه إياه، فجواب الشرط محذوف (قوله: وإلا تملكه) أي وإن لم يظهر مالكه تملكه: أي إن شاء بدليل ما بعد، لكن بشرط الضمان (قوله: بلفظ تملكت) أي أنه لا بد في التملك من لفظ يدل على التملك إما صريح: كتملكت، أو كناية مع النية: كأخذته، أي لأنه تملك بيدل فافتقر إلى ذلك كالشراء.

قال في المغني: وهذا فيما يملك، وأما غيره، كالكلب والخمر، فلا بد فيه من اختيار نقل الاختصاص الذي كان لغيره لنفسه كما قاله ابن الرفعة.

اه.

(قوله: وإن شاء باعه وحفظ ثمنه) مثله في شرح التحرير.

والذي صرح به سم والخطيب على أبي شجاع أنه لا يباع في هذه الحالة، بل هو مخير بين تملكه وبين حفظه على الدوام، وصرح به الباجوري أيضا.

وعبارة الخطيب مع الأصل.

واللقطة على أربعة أضرب: أحدها ما يبقى على الدوام كالذهب والفضة فهذا، أي ما ذكرناه في الفصل قبله من التخيير

بين تملكها وبين إدامه حفظها إذا عرفها ولم يجد مالكها، هو حكمه، أي هذا الضرب.

اه.

(قوله: أو ما يخشى فساده) ما نكرة موصوفة معطوفة على شيئا، أي أو التقط شيئا يخشى فساده: أي بالتأخير (قوله: كهريسة الخ) عدد المثل إشارة إلى أنه لا فرق بين المتقوم كالهريسة، والمثلي كالرطب.

وقوله لا يتتمر: الجملة صفة لرطب وخرج به ما إذا كان يتتمر فإنه يتخير فيه بين بيعه وحفظ ثمنه، أو تتميره وحفظه، كما مر (قوله: فيتخير الخ) التخيير ليس بحسب التشهي، بل بحسب المصلحة لأنه يجب عليه الأحظ للمالك.

وعبارة م ر: ويتعين فعل الأحظ منهما والأقرب أن لا يستقل بفعل الأحظ في ظنه، بل يراجع الحاكم ويمتنع إمساكه لتعذره.

اه.

باختصار.

اه.

ش ق.

وقوله بين أكله، حالا، ولا فرق فيه بين الصحراء والعمران لسرعة فساده (قوله: متملكا له) حال من فاعل المصدر المقدر أي أكل الملتقط إياه حال كونه متملكا له، وهي تفيد أن التملك واقع حال الأكل، وهو لا يصح، لأن شرطه أن يكون قبله، وإلا كان غاصبا يلزمه أقصى القيم.

ويمكن أن يقال إن الحال هنا ماضية، وهي قد أثبتها ابن هشام في مغنيه ومثل لها بقوله جاء زيد أمس راكبا وسماها محكية، لكن نظر فيها الأشموني.

فانظره.

ولو قال بعد تملكه لكان أولى (قوله: وبين بيعه) أي ويتخير بين بيعه، لكن بإذن الحاكم إن وجده ولم يخف منه، وإلا استقل به (قوله: ويعرفه) أي المبيع الملتقط (قوله: ليتملك ثمنه بعد

ص: 291

التعريف - فإن ظهر مالكه أعطاه قيمته إن أكله، أو ثمنه إن باعه.

وفي التعريف بعد الاكل وجهان: أصحهما في العمارة وجوبه، وفي المفازة قال الامام: والظاهر أنه لا يجب، لانه لا فائدة فيه.

ولو وجد ببيته درهما مثلا وجوز أنه لمن يدخلونه عرفه لهم - كاللقطة - قاله القفال.

ويعرف حقير لا يعرض عنه غالبا، وقيل هو درهم زمنا يظن أن فاقده يعرض عنه بعده غالبا ويختلف ذلك باختلاف المال: فدانق الفضة حالا، والذهب نحو ثلاثة أيام.

أما ما يعرض عنه غالبا - كحبة زبيب - استبد به واجده بلا تعريف.

ومن رأي لقطة فرفعها برجله ليعرفها وتركها لم

يضمنها.

ويجوز أخذ نحو سنابل الحصادين التي اعتيد الاعراض عنها، ولو مما فيه زكاة - خلافا للزركشي -

ــ

التعريف) أي ولا يعرف الثمن (قوله: فإن ظهر مالكه) أي بعد أكله في الصورة الأولى، أو بعد تعريفه الكائن بعد بيعه في الثانية.

وقوله أعطاه قيمته، والمراد بها مطلق البدل وهو المثل في المثلى والقيمة في المتقوم (قوله: أو ثمنه) أي أو أعطاه ثمنه (قوله: وفي التعريف) أي تعريف الذي يخشى فساده بعد أكله (قوله: أصحهما) أي الوجهين (قوله: في العمارة) متعلق بما بعده وهو وجوبه، أي وجوب التعريف في العمارة (قوله: وفي المفازة) الذي يظهر أنه متعلق بمبتدأ محذوف خبره الجملة بعده: أي وتعريفه في المفازة.

قال الإمام الخ.

وقوله الظاهر أنه لا يجب قال شيخ الإسلام في شرح التحرير وفيه نظر.

اه.

وكتب ش ق قوله وفيه نظر، أي بناء على أن معنى كلام الإمام عدم وجوب التعريف بعد الأكل مطلقا، أما لو حمل على ما مر، من أنه لا يجب ما دام في المفازة فإذا وصل إلى العمران وجب، فلا نظر في كلامه.

اه.

(قوله: لأنه لا فائدة فيه) أي في التعريف في المفازة لعدم من يسمعه، وهذا تعليل لعدم وجوب التعريف فيها.

ومفهومه أنه لو كان فيه فائدة بأن كان فيها أحد يسمع التعريف وجب.

لكن عبارة التحفة صريحة في أنه لا يجب التعريف في المفازة مطلقا عند الإمام وعبارتها: ولا يجب تعريفه في هذه الخصلة على الظاهر عند الإمام، وعلل ذلك بأن التعريف إنما يراد للتملك وهو

قد وقع قبل الأكل واستقر به بدله في الذمة.

اه.

(قوله: ولو وجد ببيته الخ) الأنسب تقديم هذه المسألة وما بعدها إلى قوله ومن رأى لقطة الخ على قوله أو ما يخشى فساده لأنه من فروع ما لا يخشى فساده (قوله: وجوز) أي ظن.

وقوله أنه أي الدرهم.

وقوله لمن يدخلونه، أي البيت.

وقوله عرفه لهم: أي لمن يدخلونه.

والظاهر أن التعريف خاص بهم.

وقوله كاللقطة يفيد التشبيه أنه ليس بلقطه حقيقة، بل في حكمها، وليس كذلك، بل هو لقطة حقيقة، كما يؤخذ مما نقلته عن ش ق عند قوله بعمارة، فتنبه (قوله: ويعرف حقير الخ) أي في الأصح، وقيل إنه كغير الحقير في جميع ما تقدم.

وقوله لا يعرض عنه، قيد، وسيذكر محترزه (قوله: وقيل هو) أي الحقير، ولعل في العبارة سقطا من النساخ يعلم من عبارة التحفة ونصها: قيل هو، أي الحقير، دينار، وقيل هو درهم، وقيل وزنه، وقيل دون نصاب السرقة، والأصح عندهما، أي الشيخين، أنه لا يتقدر، بل ما يظن أن صاحبه لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه له غالبا.

اه.

(قوله: زمنا) ظرف متعلق بيعرف.

وقوله يظن أن فاقده، أي ذلك الحقير (قوله: يعرض عنه بعده) أي بعد ذلك الزمن الذي حصل التعريف فيه (قوله: ويختلف ذلك) أي الزمن الذي يعرف فيه الحقير، والمراد قدره.

وقوله باختلاف المال: أي قلته وكثرته (قوله: فدانق الفضة حالا) أي يعرف حالا، أي مدة يسيرة من لقطه.

وقوله والذهب الخ: أي ودانق الذهب يعرف ثلاثة أيام (قوله: أما ما يعرض عنه) أي أما الحقير الذي يعرض عنه في الغالب، وهو محترز قوله لا يعرض عنه.

وقوله كحبة زبيب: تمثيل لما يعرض عنه غالبا (قوله: استبد به واجده) أي استقل به.

ولو في حرم مكة ولا يعرفه رأسا.

وروي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلا يعرف زبيبة فضربه بالدرة، وكانت من نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إن من الورع ما يمقت الله عليه (قوله: ومن رأى لقطة فرفعها برجله ليعرفها وتركها لم يضمنها) فيه أنه تقدم للشارح في باب الوقف ما يقتضي أنه لو رفع السجادة من الصف برجله ضمن، ونص عبارته هناك: فلو كان له سجادة فيه فينحيها برجله من غير أن يرفعها بها عن الأرض لئلا تدخل في ضمانه.

اه.

ثم رأيت في الروض وشرحه ما نصه: وإن رآها مطروحة فدفعها برجله مثلا ليعرفها جنسا أو قدرا وتركها حتى ضاعت لم يضمنها لأنها لم تحصل في يده.

وقضيته عدم ضمانها وإن تحولت من مكانها بالدفع.

وهو ظاهر.

اه.

فلعل في عبارة المؤلف تحريف دفعها، بالدال، برفعها بالراء من النساخ (قوله: ويجوز أخذ

ص: 292

وكذا برادة الحدادين وكسرة الخبز من رشيد ونحو ذلك مما يعرض عنه عادة، فيملكه آخذه، وينفذ تصرفه فيه أخذا بظاهر أحوال السلف.

ويحرم أخذ ثمر تساقط إن حوط عليه وسقط داخل الجدار.

قال في المجموع: ما سقط خارج الجدار إن لم يعتد إباحته حرم، وإن اعتيدت حل، عملا بالعادة المستمرة المغلبة على الظن إباحتهم له.

ــ

نحو سنابل الخ) عبارة التحفة، ويجوز أخذ نحو سنابل الحصادين التي اعتيد الإعراض عنها.

وقول الزركشي ينبغي تخصيصه بما لا زكاة فيه أو بمن تحل له كالفقير، معترض بأن الظاهر اغتفار ذلك، كما جرى عليه السلف والخلف،

وبحث غيره تقييده بما ليس فيه حق بمن لا يعبر عن نفسه اعترضه البلقيني بأن ذلك إنما يظهر في نحو الكسرة مما قد يقصد وسبقت اليد عليه، بخلاف السنابل.

اه.

(قوله: وكذا برادة) أي وكذا يجوز أخذ برادة الحدادين، أي القطع الصغار التي تسقط عند برد الحديد (قوله: وكسرة خبز) أي يجوز أخذ كسرة خبز.

وقوله من رشيد: راجع للأخير بدليل عبارة التحفة المارة آنفا.

وخرج به غير الرشيد فلا يجوز أخذها منه (قوله: ونحو ذلك) أي المذكور من السنابل والبرادة وكسرة الخبز (قوله: فيملكه آخذه) أي ما ذكر مما مر (قوله: وينفذ تصرفه) أي الآخذ ببيع وهبة ونحوهما (قوله: ويحرم أخذ ثمر تساقط) أي من أشجاره كرطب وعنب وخوخ ومشمش وغيرها من بقية الأثمار (قوله: إن حوط عليه) أي على ذلك الثمر، والمراد على أشجاره (قوله: وسقط داخل الجدار) في التحفة في كتاب الصيد ما نصه: وكذا إن لم يحوط عليه أو سقط خارجه لكن لم تعتد المسامحة بأخذه.

وقوله قال في المجموع إلخ: ساقه في التحفة تأييدا لكلامه المار، وهو أنسب من صنيع المؤلف.

فتنبه (قوله: ما سقط خارج الجدار) أي المحوط على الأشجار (قوله: إن لم يعتد إباحته) أي إباحة المالك له.

وقوله حرم: أي أخذه (قوله: وإن اعتيدت) أي الإباحة.

وقوله حل: أي أخذه.

قال في التحفة كما تحل هدية أوصلها مميز.

اه.

(قوله: عملا الخ) علة للحل.

وقوله بالعادة المستمرة: أي المطردة.

وقوله المغلبة: أي تلك العادة المطردة.

وقوله على الظن: أي ظن الناس.

وقوله إباحتهم: أي الملاك.

وقوله له: أي لآخذه.

(لطيفة) كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له أبو دجانة، فكان إذا صلى الفجر خرج مستعجلا ولا يصبر حتى يسمع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له يوما: أليس لك إلى الله حاجة؟ فقال: بلى فقال فلم لا تقف حتى تسمع الدعاء؟ فقال: لي عذر يا رسول الله.

قال وما عذرك؟ فقال إن داري ملاصقة لدار رجل، وفي داره نخلة، وهي مشرفة على داري، فإذا هب الهواء ليلا يقع من رطبها في داري، فإذا انتبه أولادي، وقد مسهم الضر من الجوع فما وجدوه أكلوه، فأعجل قبل انتباههم، وأجمع ما وقع وأحمله إلى دار صاحب النخلة، ولقد رأيت ولدي يوما قد وضع رطبة في فمه فأخرجتها بأصبعي من فيه وقلت له يا بني لا تفضح أباك في الآخرة، فبكى لفرط جوعه.

فقلت له: لو خرجت نفسك لم أدع الحرام يدخل إلى جوفك، وحملتها مع غيرها إلى صاحبها.

فدمعت عينا النبي صلى الله عليه وسلم وسأل عن صاحب النخلة، فقيل له فلان المنافق، فاستدعاه وقال له: بعني تلك النخلة التي في دارك بعشرة من النخل: عروقها من الزبرجد الأخضر، وساقها من الذهب الأحمر، وقضبانها من اللؤلؤ الأبيض، ومعها من الحور العين بعدد ما عليها من الرطب.

فقال له المنافق: ما أنا تاجر أبيع بنسيئة، لا أبيع إلا نقدا لا وعدا، فوثب أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقال: هي بعشرة من النخيل في الموضع

الفلاني، وليس في المدينة مثل تلك النخيل، ففرح المنافق وقال بعتك.

قال قد اشتريت، ثم وهبها لأبي دجانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد ضمنت لك يا أبا بكر عوضها، ففرح الصديق، وفرح أبو دجانة رضي الله عنهما، ومضى المنافق إلى زوجته يقول قد ربحت اليوم ربحا عظيما، وأخبرها بالقصة وقال قد أخذت عشرة من النخيل، والنخلة التي بعتها مقيمة عندي في داري أبدا نأكل منها ولا نوصل منها شيئا إلى صاحبها، فلما نام تلك الليلة وأصبح الصباح وإذا بالنخلة قد تحولت بالقدرة إلى دار أبي دجانة كأنها لم تكن في دار المنافق، فتعجب غاية العجب.

وهذه معجزة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي قدرة الله تعالى ما هو أعظم من ذلك

ص: 293

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(تتمة) تعرض المصنف للقطة ولم يتعرض للقيط، وحاصل الكلام عليه أنه إذا وجد لقيط، أي صغير، ضائع لا يعلم له كافل من أب أو جد أو من يقوم مقامهما أو مجنون بالغ بقارعة الطريق فأخذه وكفالته وتربيته واجبة على الكفاية لقوله تعالى: * (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) * (1) ولأنه آدمي محترم فوجب حفظه كالمضطر إلى طعام غيره، فإذا التقطه بعض من هو أهل لحضانة اللقيط الإثم عن الباقي، فإن لم يلتقطه أحد أثم الجميع، ولو علم به واحد فقط تعين عليه، ويحب الإشهاد على التقاطه خوفا من أن يسترقه اللاقط، ولو كان ظاهر العدالة، وفارق الإشهاد على التقاط اللقطة حيث لم يجب بأن الغرض منها المال غالبا والإشهاد في التصرف المالي مستحب ولأن الغرض منه حفظ حريته ونسبه فوجب الإشهاد عليه، كافي النكاح، فإنه يجب الإشهاد عليه لحفظ نسب الولد لأبيه وحريته، وبأن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف ولا تعريف في اللقيط.

ويجب الإشهاد على ما معه من المال تبعا له، وإن كان لا يجب الإشهاد على المال وحده، فلو ترك الإشهاد لم تثبت له ولاية الحفظ، بل ينزعه منه، وجوبا، الحاكم دون الآحاد، ثم إن لم يوجد له مال فنفقته في بيت المال من سهم المصالح، فإم لم يكن في بيت المال مال أو كان ثم ما هو أهم منه اقترض عليه الحاكم، فإن عسر الاقتراض وجب على موسرينا قرضا عليه إن كان حرا، وإلا فعلى سيده.

وقد نظم ابن رسلان مبحث اللقيط في زبده فقال: للعدل أن يأخذ طفلا نبذافرض كفاية وحضنه كذا وقوته من ماله بمن قضى لفقده أشهد ثم اقترضا وعليه إذ يفقد بيت المال والقرض خذ منه لذي الكمال

(واعلم) أن اللقيط في دار الإسلام، أو ما ألحق بها، مسلم تبعا للدار إلا إن أقام كافر بينة بنسبه فيتبعه في النسب والدين فيكون كافرا تبعا له، بخلاف ما إذا استلحقه بلا بينة لأنه قد حكم بإسلامه تبعا لدار الإسلام أو ما ألحق بها وهي دار الكفر التي بها مسلم يمكن كونه منه ولو أسيرا منتشرا أو تاجرا، ولا يكفي اجتيازه بدار الكفر، بخلافه بدار الإسلام فإنه يكفي اجتيازه بها لحرمتها.

ولو وجد اللقيط بدار الكفر التي لا مسلم بها فهو كافر وهو حر وإن ادعى رقه لاقط أو غيره لأن غالب الناس أحرار إلا أن تقام برقه بينة متعرضة لسبب الملك كإرث أو شراء: كأن تشهد أنه رقيق لفلان ورثه من أبيه أو اشتراه، وإلا إن أقر بالرق بعد كماله لشخص ولم يكذبه المقر له، بأن صدقه أو سكت ولم يسبق منه قبل إقراره بالرق بعد كماله إقرار بحرية، أما إذا كذبه المقر له فلا يقبل إقراره بالرق له، وإن عاد المكذب وصدقه لأنه لما كذبه حكم بحريته بالأصل فلا يعود رقيقا، وكذا لو سبق منه قبل إقراره بالرق بعد كماله إقرار بحرية لأنه لما حكم بحريته بإقراره السابق لم يقبل إقراره بالرق بعد ذلك.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1) سورة المائدة، الاية: 32

ص: 294