المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في الهبة - إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين - جـ ٣

[البكري الدمياطي]

الفصل: ‌باب في الهبة

‌باب في الهبة

أي مطلقها: الشامل للصدقة والهدية.

(الهبة: تمليك عين) يصح بيعها غالبا، أو دين من أهل تبرع،

ــ

باب في الهبة

أي في بيان أحكامها: كجوازها، وعدم لزومها إلا بالقبض، وهي لغة مأخوذة من هبوب الريح، أي مروره، لمرورها من يد إلى أخرى، أو من مصدر هب من نومه بمعنى استيقظ، لأن فاعلها استيقظ للإحسان بعد أن كان غافلا عنه.

وشرعا، تطلق على ما يعم الصدقة والهدية والهبة ذات الأركان، أي على معنى عام يشمل الثلاثة، وهو تمليك تطوع في حياة، وتطلق على ما يقابلهما، وهو تمليك تطوع في حياة، لا لإكرام، ولا لأجل ثواب أو احتياج بإيجاب وقبول، وهذا هو معنى الهبة ذات الأركان، وهو المراد عند الإطلاق، فكل صدقة وهدية، هبة، ولا عكس - لانفرادها في ذات الأركان والأصل فيها، بالمعنى الأعم، قبل الإجماع آيات، كقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (1) أي ليعن بعضكم بعضا على ما فيه بر وتقوى، وقوله تعالى: * (وآتى المال على حبه) * (2) أي مع حب المال أو لأجل حب الله، فالضمير عائد على المال، وعلى، بمعنى مع، أو لله.

وعلى بمعنى لام التعليل، وأخبار: كخبر الصحيحين لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة أي لا تحقرن جارة مهدية لجارتها المهدى إليها، أو بالعكس، ولو ظلف شاة مشويا.

وهو مبالغة في القلة، أي ولو شيئا قليلا، ويروى أن عائشة رضي الله عنها أعطت سائلا حبة عنب، فأخذ يقلبها بيده استحقارا لها، فقالت زجرا، كم في هذه من مثقال ذرة؟ والله تعالى يقول: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * (3).

وأركانها، بالمعنى الخاص، أركان البيع، فهي ثلاثة إجمالا، عاقد، وموهوب، وصيغة، وشرط في العاقد، بمعنى الواهب، أهلية أن يتبرع، وبمعنى الموهوب له أهلية أن يتبرع عليه، فلا تصح من مكاتب بغير إذن سيده، ولا من ولي في مال موليه، ولا لحمل، ولا لبهيمة، ولا لنفس الرقيق، وشرط في الموهوب، صحة جعله عوضا، إلا نحو حبة بر، فتصح هبتها، وإن لم يصح بيعها، فنقل اليد عن الاختصاص، لا يسمى هبة، وإلا هبة موصوف في الذمة، كأن يقول وهبتك كذا في ذمتي، فلا يصح، لأن الهبة إنما ترد على الأعيان، لا على ما في الذمة، بخلاف البيع، فإنه يرد عليهما وشرط في الصيغة ما شرط في صيغة البيع، ومنه توافق الإيجاب والقبول، فلو وهب له شيئين، فقبل أحدهما، أو شيئا واحدا، فقبل بعضه، لم يصح، وقيل بالصحة.

وفرق بين الهبة والبيع، بأنه معاوضة، فضيق فيه، بخلافها (قوله: أي مطلقها الشامل للصدقة والهدية) أي المراد بالهبة في الترجمة، ما يشمل الصدقة والهدية، لا ما يقابلهما، وفيه أن التعريف المذكور خاص بالثاني، فيلزم عليه أنه ترجم لشئ ولم يذكره، وهو معيب (قوله: الهبة تمليك عين) خرج بها المنافع، وسيأتي ما فيها، قال في التحفة: وخرج بالتمليك، العارية والضيافة، فإنها إباحة، والملك إنما يحصل بالازدراد والوقف، فإنه تمليك منفعة لا عين، كذا قيل.

والوجه أنه لا تمليك فيه، وإنما هو بمنزلة الإباحة.

(وقوله: يصح بيعها غالبا) أشار بذلك لقاعدة، وهي

أن كل ما صح بيعه، صحت هبته، وما لا يصح بيعه، لا تصح هبته.

واستثنى من المنطوق، مسائل منها: الجارية المرهونة إذا استولدها الراهن المعسر أو أعتقها، فإنه يجوز بيعها، للضرورة، ولا يجوز هبتها، ومنها المكاتب، يجوز بيع

(1) سورة المائدة، الاية:2.

(2)

سورة االبقرة، الاية:177.

(3)

سورة الزلزلة، الاية:7.

ص: 168

(بلا عوض).

واحترز بقولنا بلا عوض، عن البيع والهبة بثواب، فإنها بيع حقيقة (بإيجاب: كوهبتك) هذا،

وملكتكه، ومنحتكه.

(وقبول) متصل به، (كقبلت) ورضيت وتنعقد بالكتابة: كلك هذا، أو كسوتك هذا.

وبالمعاطاة على المختار.

قال: قال شيخنا في شرح المنهاج: وقد لا تشترط الصيغة، كما لو كانت ضمنية، كأعتق عبدك عني، فأعتقه، وإن لم يقل مجانا، وكما لو زين ولده الصغير بحلى، بخلاف زوجته، لانه قادر على

ــ

ما في يده، ولا تصح هبته.

ومنها المنافع، يجوز بيعها بالإجارة، وفي هبتها وجهان: أحدهما لا تصح، لأنها ليست بتمليك، بناء على أن ما وهبت منافعه عارية، وثانيهما تصح، لأنها تمليك، بناء على أن ما وهبت منافعه أمانة، وهو ما رجحه ابن الرفعة والسبكي وغيرهما، واستثني من المفهوم أيضا مسائل، منها ما سيذكره الشارح بقوله: وقد تصح الهبة دون البيع كهبة حبتي بر ونحوهما الخ، ومنها.

حق التحجر كأن نصب علامات على موات ولم يحيه، فإنه يثبت له فيه حق التحجر، فيجوز هبته، ولا يجوز بيعه ومنها: صوف الشاة المجعولة أضحية ولبنها وجلدها.

ومنها الثمار قبل بدو الصلاح، فتجوز هبتها من غير شرط القطع، بخلاف البيع ومنها اختلاط حمام أحد البرجين بالآخر، أو بره أو مائعه ببر آخر أو مائعه فانه إذا وهب أحدهما نصيبه للآخر صحت هبته، وإن جهل قدره وصفته دون بيعه، وقد أشار إلى هذه المستثنيات بقوله: غالبا (قوله: أو دين) معطوف على عين، أي أو تمليك دين، أي لغير من هو عليه، وأما لمن هو عليه، فإبراء لا يحتاج إلى قبول، كما سيصرح به المؤلف (قوله: من أهل تبرع) متعلق بتمليك، أو بمحذوف حال منه: أي حال كونه كائنا من أهل تبرع، فهو قيد في صحة الهبة.

وتقيد أيضا بأن تكون على من هو أهل لأن يتبرع عليه، كما تقدم (قوله: بلا عوض) أي بلا أخذ عوض من الموهوب له، وهو أيضا متعلق بتمليك، أو بمحذوف حال منه (قوله: واحترز) فعل ماض مبني للمجهول.

ويحتمل أن يكون فعلا مضارعا مبدوء بهمزة المتكلم، وهو الأولى، وقوله عن البيع، أي فهو ليس بهبة، لأنه تمليك عين بعوض، وقوله والهبة بثواب، أي وعن الهبة بثواب، أي عوض، كقوله وهبتك هذا على أن تثيبني عليه، فيقبله.

ومقتضى عبارته أن الهبة بثواب لا يطلق عليها اسم الهبة لوجود العوضية، وبه صرح الزبيري، كما في المغنى (قوله: فإنها) أي الهبة بثواب بيع حقيقة، أي بالنظر للمعنى، وهو وجود العوض، فيجري فيها حينئذ أحكام البيع من الخيارين والشفعة وحصول الملك بالعقد، لا بالقبض، ومنع قبول بعض الموهوب ببعض الثواب أو كله، لاشتراط المطابقة في البيع، بخلاف التي بلا ثواب، فإنه لا يضر فيها قبول بعض الموهوب على ما تقدم (قوله: بإيجاب)

متعلق بتمليك، أو حال منه، على نحو ما مر، والمراد لفظا في حق الناطق، وإشارة في حق الأخرس (وقوله: كوهبتك هذا الخ) دخل تحت الكاف، أكرمتك، وعظمتك ونحلتك، وكذا أطعمتك ولو في غير طعام، كما نص عليه (قوله: وقبول) أي لفظا أو إشارة أيضا، (وقوله: متصل به) أي بالإيجاب، فيضر الفصل بينهما بأجنبي.

قال في النهاية، والأوجه، كما رجحه الأذرعي، اغتفار قوله بعد وهبتك وسلطتك على قبضه، فلا يكون فاصلا مضرا لتعلقه بالعقد، اه (قوله: وتنعقد) أي الهبة.

وقوله بالكناية، أي مع النية، ومنها الكتابة (قوله: كلك هذا) قال ع ش: ومنه ما اشتهر من قولهم في الإعطاء بلا عوض جبي، فيكون هبة حيث نواها به.

اه (قوله: أو كسوتك هذا) ظاهره ولو في غير الثياب، ويكون بمعنى نحلتك.

اه.

ع ش (قوله: وبالمعاطاة على المختار) أي وتنعقد بالمعاطاة على قول اختير، كما عبر به في التحفة، وفي النهاية: وبالمعاطاة على القول بها، اه.

وكان الأولى: التعبير بذلك لما لا يخفى ما في عبارته من الإيهام (قوله: وقد لا تشترط الصيغة) أي التصريح بها، وإلا فهي معتبرة تقديرا، كما قاله المحلي في أول البيع.

اه.

ع ش (قوله: كما لو كانت) أي الهبة، وقوله ضمنية: أي مندرجة في ضمن غيرها (قوله: كأعتق عبدك عني) أي فكأنه قال له هبني عبدك وأعتقه عني، وقوله فأعتقه، أي المالك عنه، فحينئذ يدخل العبد في ملك الآمر هبة، ويعتقق عليه، ولا يحتاج للقول (قوله: وإن لم يقل مجانا) أي تصح الهبة الضمنية من غير صيغة بقوله أعتق الخ: سواء قال له أعتق عبدك عني مجانا، أي بلا عوض، أو لم يقل ذلك، فالغاية المقدر (قوله: وكما لو زين ولده الصغير) أي فإنه يكون ملكا له، ولا يحتاج إلى صيغة، وهو عطف على قوله كما لو كانت ضمنية (قوله: بخلاف زوجته) أي فإن تزيينه لها بحلى لا يكون

ص: 169

تمليكه بتولي الطرفين.

قاله القفال، وأقره جمع، لكن اعترض بأن كلام الشيخين يخالفه، حيث اشترطا في هبة الاصل، تولي الطرفين بإيجاب وقبول.

وهبة ولي غيره أن يقبلها الحاكم أو نائبه.

ونقلوا عن العبادي وأقره: أنه لو غرس أشجارا، وقال عند الغرس أغرسها لابني مثلا، لم يكن إقرارا، بخلاف ما لو قال لعين في يده اشتريتها لابني، أو لفلان الاجنبي، فإنه إقرار.

ولو قال جعلت هذا لابني، لم يملكه إلا إن قبض له، وضعف السبكي والاذرعي وغيرهما قول الخوارزمي وغيره، أن إلباس الاب الصغير حليا يملكه إياه.

ونقل جماعة عن فتاوى القفال نفسه أنه لو جهز بنته مع أمتعة بلا تمليك، يصدق بيمينه في أنه لم يملكها، إن ادعته، وهذا صريح في رد

ــ

تمليكا لها (قوله: لأنه قادر على تمليكه) علة لمقدر، أي وإنما كان تزيينه لولده تملكا له، بخلاف تزيين الزوجة، لأنه قادر على تمليك ولده بتولي الطرفين، بخلاف الزوجة.

قال ع ش: ويؤخذ منه، أي من التعليل المذكور، أي غير الأب والجد إذا دفع إلى غيره شيئا، كخادمه، وبنت زوجته، لا يصير ملكا له، بل لا بد من إيجاب وقبول من الخادم إن تأهل للقبول، أو وليه إن لم يتأهل له.

فليتنبه له، فإنه يقع كثيرا بمصرنا.

نعم، إن دفع ذلك لمن ذكر لاحتياجه له أو قصد ثواب الآخرة، كان صدقة، فلا يحتاج إلى إيجاب ولا قبول.

ولا يعلم ذلك إلا منه، وقد تدل القرائن الظاهرة على شئ فيعمل به.

اه.

(قوله: قاله القفال) أي قال ما ذكر: من أن تزيين الأب ولده الصغير بحلى تمليك له (قوله: اعترض) أي اعترض جمع من الفقهاء ما قاله القفال، وأقره عليه جمع، من أن تزيين الأب لولده الصغير تمليك له (قوله: حيث إلخ)

بيان لوجه المخالفة (قوله: بإيجاب وقبول) الباء للتصوير، أي الطرفين المصورين بالإيجاب والقبول، كما هو ظاهر، قال ع ش: أي فلا فرق بين الزوجة والولد وغيرهما في أن التزيين لا يكون تمليكا.

اه (قوله: وهبة ولي غيره أن يقبلها الحاكم) أي وحيث اشترطا في هبة ولي غير الأصل قبول الهبة من الحكم أو نائبه فهبة، مجرور معطوف على هبة الأصل، وهو مضاف إلى ما بعده، وولي يقرأ بالتنوين وغيره بدل منه، والضمير فيه يعود على الأصل، والمصدر المؤول من أن ويقبلها منصوب مفعول لاشترطا مقدر (قوله: ونقلوا عن العبادي إلخ) هذا تأييد للاعتراض: أي نقل المعترضون عن العبادي، وأقروه أنه، أي الأصل، لو غرس أشجارا، وقال عند الغرس اغرسها لابني مثلا، لم يكن إقرارا له.

قال ع ش: أي ولا يكون تمليكا للإبن.

وفي التحفة، والفرق بأن الحلي صار في يد الصبي دون الغرس، لا يجدي، لأن صيرورته في يده بغير لفظ تملك، لا يفيد شيئا، على أن كون هذه الصيرورة تفيد الملك هو محل النزاع، فلا فرق.

اه (قوله: بخلاف الخ) خبر مبتدأ محذوف، أي وهو متلبس بخلاف الخ.

وقوله ما لو قال، أي الأصل (قوله: فإنه إقرار) أي فإن قوله المذكور إقرار بالعين لابنه ولو رشيدا أو للأجنبي.

قال ع ش: وذلك لاحتمال أن يكون الأجنبي وكله مثلا في شرائها له ومثله ولده الرشيد، وأن يكون تملكها لغير الرشيد من مال نفسه أو مال المحجور عليه اه (قوله: ولو قال جعلت هذا لابني الخ) عبارة الروض وشرحه، فإن غرس شجرا وقال عنده، أي عند غرسه، اغرسه لطفلي، لم يملكه، ولو قال جعلته له، صار ملكه، لأن هبته له، لا تقتضي قبولا، بخلاف ما لو جعله لبالغ، هذا إن اكتفينا بأحد الشفين من الوالد، فإن لم نكتف به، وهو الأصح، لم يصرح ملكه.

اه.

(وقوله: لم يملكه) أي الإبن.

وينبغي أن يكون كناية.

اه.

ع ش.

(وقوله: إلا إن قبض له) أي بعد القبول له، كأن يقول قبلت له، ثم يقبض.

وعبارة التحفة: إلا إن قبل وقبض له.

اه (قوله: وضعف السبكي الخ) هذا تأييد للاعتراض أيضا، وساقه في التحفة عقب قوله فلا فرق في الفرق الذي نقلته عنها بلفظ ثم رأيت الأذرعي قال إنه لا يتمشى على قواعد المذهب والسبكي والأذرعي وغيرهما ضعفوا قول الخوارزمي وغيره أن إلباس الخ ثم رأيت آخرين نقلوا عن القفال نفسه أنه لو جهز الخ (قوله: أن إلباس الأب الخ) هو عين التزيين المار، بل أخص منه، فلذلك ساقه تأييدا للإعتراض، كما علمت (قوله: ونقل الخ) تأييد أيضا للاعتراض، كما يشير إليه قوله، وهذا صريح إلخ (قوله: أنه) أي الأصل لو جهز بنته، أي بعثها إلى بيت زوجها مع أمتعة، وقوله بلا تمليك، أي من غير أن يصدر منه صيغة تمليك (قوله: يصدق) أي الأصل، وهو جواب لو (قوله: في أنه الخ) متعلق بيصدق.

(وقوله: إن ادعته)

ص: 170

ما سبق عنه، وأفتى القاضي فيمن بعث بنته وجهازها إلى دار الزوج، بأنه إن قال هذا جهاز بنتي، فهو مالك لها، وإلا فهو عارية، ويصدق بيمينه.

وكخلع الملوك، لاعتياد عدم اللفظ فيها، انتهى.

ونقل شيخنا ابن زياد عن فتاوى ابن الخياط: إذا أهدى الزوج للزوجة بعد العقد بسببه، فإنها تملكه، ولا يحتاج إلى إيجاب وقبول ومن ذلك، ما يدفعه الرجل إلى المرأة صبح الزواج مما يسمى صبحية في عرفنا، وما يدفعه إليها إذا غضبت، أو تزوج عليها، فإن ذلك تملكه المرأة بمجرد الدفع إليها.

انتهى.

ولا يشترط الايجاب والقبول قطعا في الصدقة، وهي ما أعطاه محتاجا، وإن لم يقصد الثواب أو غنيا لاجل ثواب الآخرة، بل يكفي فيها الاعطاء والاخذ ولا في الهدية

ــ

أي التمليك (قوله: وهذا صريح الخ) أي ما نقله جماعة من القفال نفسه: صريح في رد ما سبق منه، من أنه لو زين ولده الصغير، يكون تمليكا، وكتب الرشيدي ما نصه، قوله وهو صريح في رد إلخ، فيه نظر إذ ذاك في الطفل كما مر، بخلاف ما هنا، فإنه في البالغة، كما يرشد إليه قوله، إن ادعته، نعم إن كانت البنت صغيرة، أتى فيها ما مر في الطفل، كما لا يخفى.

اه (قوله: وجهازها) بكسر الجيم وفتحها، أي أمتعتها (قوله: فهو) أي الجهاز ملك لها، أي مؤاخذة بإقراره (قوله: وإلا فهو عارية) أي وإن لم يقل هذا جهاز بنتي، فهو عارية عندها.

وفي ع ش: قال سم كذك يكون عارية فيما يظهر إذا قال جهزت ابنتي بهذا، إذ ليس هذا صيغة إقرار بملك.

م ر.

اه.

والفرق بين هذه ومسألة القاضي، أي التي نقلها المؤلف، أن الإضافة إلى من يملك، تقتضي الملك، فكان ما ذكره في مسألة القاضي: إقرارا بالملك، بخلاف ما هنا.

اه (قوله: ويصدق بيمينه) أي فيما إذا تنازعا في القول المذكور بأن ادعت أنه قال هذا جهاز بنتي، وأنكر هو ذلك، فيصدق بيمينه في أنه ما قال ذلك (قوله: وكخلع الملوك) عطف على قوله السابق: كما لو كانت ضمنية - وهي بكسر الخاء، وفتح اللام، جمع خلعة، الكسوة التي تخلع على الأمراء وغيرهم، من نحو مشايخ البلد، فإنها هبة، ولا تحتاج إلى صيغة، وقال بعضهم، إنها هدية، لا هبة، لأن القصد فيها الإكرام (قوله: لاعتياد الخ) تعليل لصحة هبة خلع الملوك من غير صيغة، أي وإنما صحة الهبة فيها من غير صيغة، لأن العادة جرت بعدم اللفظ فيها (قوله: انتهى) أي ما قاله شيخه في شرح المنهاج، لكن بتصرف وحذف، كما يعلم بالوقوف على عبارته (قوله: ونقل شيخنا إلخ) هذا لا يلائم ما قبله، فإنه في الهبة التي تحتاج إلى صيغة، وهذا في الهدايا التي لا تحتاج إلى صيغة، كما هو صريح قوله إذا أهدى الخ (قوله: بعد العقد) يفيد أنه إذا كان قبل العبد لا تملكه إلا بإيجاب وقبول، لكن قد علمت أن قوله أهدي، يقتضي أنه هدية، وعليه فلا فرق على أنه سيأتي آخر الباب أن من دفع لمخطوبته طعاما أو غيره ليتزوجها فرد قبل العقد، رجع على من أقبضه.

فيقتضي حينئذ أنه إذا لم يرد، لا يرجع فيه، فهي تملك ما دفع لها قبل العقد لأجله من غير صيغة، وقوله بسببه، أي العقد يفيد أيضا أنه إذا كان لا بسببه لا تملكه إلا بإيجاب وقبول.

وقد علمت ما فيه (قوله: ومن ذلك) أي مما لا يحتاج إلى إيجاب وقبول، ما يدفعه الرجل الخ (قوله: فإن ذلك) أي المدفوع إليها.

(وقوله: تملكه المرأة بمجرد الدفع إليها) أي من غير احتياج إلى صيغة (قوله: ولا يشترط الإيجاب والقبول الخ) شروع في بيان الصدقة.

والهدية (قوله: قطعا) أي بخلاف (قوله: وهي ما أعطاه محتاجا الخ) فإن كان ذلك بلا صيغة، فهي صدقة فقط، وإن كان معها، فهي صدقة وهبة، ومثله، يقال في الهدية.

(والحاصل) أنه إن ملك لأجل الاحتياج أو لقصد الثواب مع صيغة، كان هبة وصدقة، وإن ملك بقصد الإكرام مع صيغة، كان هبة وهدية، وإن ملك لا لأجل الثواب ولا الإكرام بصيغة، كان هبة فقط.

وإن ملك لأجل الاحتياج أو الثواب من غير صيغة، كان صدقة فقط، وإن ملك لأجل الإكرام من غير صيغة، كان هدية فقط، فبين الثلاثة عموم وخصوص من وجه (قوله: أو غنيا لأجل ثواب الآخرة) أي أو أعطاه غنيا لأجل ثواب الآخرة، وهو يفيد أنه إن أعطاه غنيا لا لأجل ثواب الآخرة، لم يكن صدقة وهو ظاهر (قوله: ولا في الهدية) أي ولا يشترط الإيجاب والقبول في الهدية، وظاهره أن ذلك قطعا، لأنه معطوف على قوله في الصدقة المسلط عليه، ولا يشترط الإيجاب والقبول قطعا، وليس كذلك، بل هو على

ص: 171

ولو غير مأكول، وهي ما نقله إلى مكان الموهوب له إكراما، بل يكفي فيها البعث من هذا، والقبض من ذاك، وكلها مسنونة، وأفضلها الصدقة، وأما كتاب الرسالة الذي لم تدل قرينة على عوده، فقد قال المتولي إنه ملك المكتوب إليه، وقال غيره: هو باق بملك الكاتب، وللمكتوب إليه الانتفاع به على سبيل الاباحة.

وتصح الهبة

ــ

الصحيح، كما صرح به في متن المنهاج، وعبارته: ولا يشترطان، أي الإيجاب والقبول، في الهدية على الصحيح، بل يكفي البعث من هذا والقبض من ذلك، قال في المغني، كما جرى عليه الناس في الأعصار، وقد أهدى الملوك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الكسوة والدواب والجواري.

وفي الصحيحين: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة رضي الله عنها وعن أبويها ولم ينقل إيجاب ولا قبول.

اه.

(لطيفة): قال بعضهم ست كلمات جوهرية لا يحويها إلا العقول الذكية، أصل المحبة، الهدية، وأصل البغضة، الأسية، وأصل القرب، الأمانة، وأصل البعد، الخيانة.

وأصل زوال النعمة، البطر، وأصل العفة، غض البصر (قوله: ولو غير مأكول) غاية لعدم اشتراط الإيجاب والقبول في الهدية.

ولفظ غير، منصوب بإسقاط الخافض، أي ولو كانت الهدية بغير مأكول، أي من كل ما ينقل، كالثياب، والعبيد، وأما غير المنقول، كالعقار، فلا يقع عليه اسم الهدية، كما يفيده قوله بعد، وهي ما نقله الخ.

قال في شرح الروض، واستشكل ذلك بأنهم صرحوا في باب النذر بما يخالفه، حيث قالوا، لو قال لله علي أن أهدي هذا البيت، أو الأرض، أو نحوهما، مما لا ينقل، صح، وباعه، ونقل ثمنه.

ويجاب بأن الهدي، وإن كان من الهدية، لكنهم تواسعوا فيه بتخصيصه بالإهداء إلى فقراء الحرم، وبتعميمه في المنقول وغيره، ولهذا لو نذر الهدي، انصرف إلى الحرم، ولم يحمل على الهدية إلى فقير.

اه.

(قوله: وهي) أي الهدية، وقوله ما نقله: أي تمليك ما نقله المهدي، ومثله: ما لو بعثه.

وقد عبر به بعضهم (قوله: إلى مكان الموهوب له) المناسب المهدي إليه، كما هو ظاهر (قوله: إكراما) أي لأجل الإكرام، قال السبكي، والظاهر أن الإكرام ليس شرطا، والشرط، هو النقل.

قال الزركشي، وقد يقال احترزوا به عن الرشوة (قوله: بل يكفي الخ) إضراب انتقالي من قوله ولا في الهدية،

أي ولا يشترطان في الهدية بل يكفي فيها الخ.

وقوله البعث.

الأنسب بما قبله النقل بدله، (وقوله: من هذا) أي المهدي، فالبعث منه بمنزلة الإيجاب منه، (وقوله: القبض من ذاك) أي المهدى إليه، أي وهو بمنزلة القبول منه.

قال سم: هل يشترط الوضع بين يديه كما في البيع؟ ثم رأيت في تجريد المزجد ما نصه: في فتاوى البغوي يحصل ملك الهدية بوضع المهدي بين يديه إذا أعلمه به، ولو أهدى إلى صبي ووضعه بين يديه أو أخذه الصبي لا يملكه.

اه.

وهو يفيد ملك البالغ بالوضع بين يديه، وقد جعلوا ذلك قبضا في البيع.

اه.

(قوله: وكلها مسنونة) أي الهبة، والصدقة، والهدية، (وقوله: وأفضلها الصدقة) أي لأنها في الغالب تعطى للمحتاجين.

قال في الروض وشرحه، والكل مستحب، وإن كانت الصدقة أفضل، وصرفه إلى الجيران والأقارب أفضل منه إلى غيرهم.

ولا يحتقر المهدي ولا المهدى إليه القليل، فيمتنع الأول من إهدائه، والثاني من قبوله، لخبر: لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة ويستحب أن يدعو كل منهما للآخر بالبركة ونحوها، بأن يدعو المهدى إليه للمهدي، ثم يدعو له الآخر.

اه.

(قوله: وأما كتاب الرسالة الخ) الأولى حذف أما، لعدم تقدم ما يقابلها، وذكر هذه المسألة في التحفة بعد كلام يلائمها، ونصها مع الأصل، ولو بعث هدية في ظرف، فإن لم تجر العادة برده، كقوصرة تمر، أي وعائه، فهو هدية أيضا، كالذي في الظرف، تحكيما للعرف المطرد، وكتاب الرسالة الخ.

اه.

بتصرف.

فلو صنع الشارح كصنيع شيخه، لكان أولى (قوله: الذي لم تدل قرينة على عوده) قال ع ش: كأن كتب له فيه رد الجواب على ظهره (قوله: فقد قال المتولي إلخ) قال في النهاية، هو أوجه من قول غيره (قوله: وقال غيره) أي غير المتولي (قوله: هو) أي الكتاب المرسل (قوله: وللمكتوب إليه الانتفاع به) أي بأن يتعلم على الخطر الذي فيه أو يحفظ ما فيه ليكتب نظيره إلى صاحبه، وانظر، هل يجوز أن يكتب في ظهره

ص: 172

باللفظ المذكور: (بلا تعليق)، فلا تصح مع تعليق كإذا جاء رأس الشهر فقد وهبتك، أو أبرأتك، ولا مع تأقيت بغير عمرى ورقبى فإن أقت الواهب الهبة بعمر المتهب، كوهبت لك هذا عمرعك، أو ما عشت، صحت، وإن لم يقل فإذا مت فهي لورثتك، وكذا إن شرط عودها إلى الواهب أو وارثه بعد موت المتهب فلا تعود إليه ولا إلى وارثه للخبر الصحيح، وتصح ويلغو الشرط.

فإذا أقت بعمر الواهب أو الاجنبي، كأعمرتك هذا عمري، أو عمر فلان.

لم تصح.

ولو قال لغيره أنت في حل مما تأخذ أو تعطي أو تأكل من مالي، فله الاكل فقط، لانه إباحة، وهي تصح بمجهول، بخلاف الاخذ والاعطاء، قاله العبادي، ولو قال وهبت لك جميع ما لي، أو نصف ما لي، صحت إن كان المال أو نصفه معلوما لهما، وإلا فلا.

وفي الانوار: لو قال أبحت لك ما في داري، أو ما في

ــ

مسائل يتحفظها أم لا؟ مقتضى إطلاقه، جواز الانتفاع الأول (قوله: وتصح الهبة إلخ) دخول على المتن، (وقوله: باللفظ المذكور) أي وهو كوهبتك هذا في الإيجاب، وكقبلت ورضيت في القبول (قوله: بلا تعليق) متعلق بتصح (قوله: فلا تصح مع تعليق) مفرع على المفهوم (قوله: ولا مع تأقيت) زائد على المفهوم، فكان الأولى أن يفرده عما قبله بأن يقول: ولا تصح مع تأقيت أيضا.

(قوله: بغير عمرى ورقبى) أي أما التأقيت بهما، فلا يضر، ولا يخفى أن لفظ العمرى والرقبى من ألفاظ الهبة، لكنه صيغة مخصوصة، فالعمرى: من العمر، لذكر لفظ العمر فيها.

والرقبى، من الرقوب، لأن كلا منهما يرقب موت صاحبه (قوله: فإن أقت الواهب الهبة بعمر المتهب) أي أو أرقبه إياها، كقوله أرقبتك هذه الدار وجعلتها

لك رقبى، أي إن مت قبلي، عادت إلي، وإن مت قبلك، استقرت لك، فقبل وقبض، صحت، وتكون مؤبدة (قوله: أو ما عشت) أي أو وهبت لك هذا ما عشت، بتاء المخاطب (قوله: صحت) أي الهبة (قوله: وإن لم يقل الخ) غاية في الصحة، أي صحت الهبة، وإن لم يقل الواهب بعد قوله وهبت لك هذا عمرك فإذا مت، بفتح التاء، فهي لورثتك (قوله: وكذا إن شرط الخ) أي وكذا تصح الهبة إن شرط عودها إلى الواهب، بأن قال له أعمرتك هذه الدار، فإت مت، عادت إلي أو إلى ورثتي (قوله: فلا تعود إليه الخ) أي وإذا شرط ذلك، فلا تعود إلى الواهب ولا إلى وارثه، فيلغو الشرط المذكور، كما سيصرح به (قوله: للخبر الصحيح) دليل لكون التأقيت بهما لا يضر، وهو لا تعمروا ولا ترقبوا، فمن أعمر شيئا أو أرقبه، فهو لورثته أي لا تعمروا ولا ترقبوا طمعا في أن يعود إليكم، فإن مصيره الميراث لورثة المعمر والمرقب، بلفظ اسم المفعول فيهما (قوله: وتصح) أي الهبة، يغني عنه قوله صحت (قوله: ويلغو الشرط المذكور) أي في العمرى والرقبى، والمراد المذكور ولو بحسب القوة، ليشمل ما إذا لم يصرح بالشرط فإنه يفهم من اللفظ.

(فائدة) ليس لنا موضع يصح فيه العقد ويلغو فيه الشرط الفاسد المنافي لمقتضاه، إلا هذا (قوله: فإذا أقت بعمر الواهب الخ) محترز قوله بعمر المتهب، وكان المناسب أن يظهر فاعل أقت، ويضمر المضاف إليه عمر، بأن يقول، فإذا أقت الواهب بعمره، أي عمر نفسه (قوله: لم تصح) أي الهبة، وذلك لأن فيهما تأقيت الملك، لأن الواهب أو زيدا قد يموت أولا، وإنما اغتفر الأول، مع أن فيه تأقيت، لأنه تصريح بالواقع، لأن الإنسان لا يملك إلا مدة حياته (قوله: ولو قال لغيره الخ) انظر، ما مناسبة ذكر هذه المسألة هنا؟ فإن الكلام في الهبة، لا في الإباحة التي تضمنتها هذه المسألة، إلا أن يقال إنها صورة هبة.

وذكر في التحفة والنهاية والمغني في ضمن مستثنيات من مفهوم الشرط الآتي، وهو قوله وشرط الموهوب كونه عينا يصح بيعها، لكن صنيع الشارح أولى من صنيعه، إذ لا وجه للاستثناء، كما نص عليه سم، وع ش (قوله: فله الأكل فقط) قال سم: ما قدره.

اه.

قال ع ش: أقول ينبغي أن يأكل قدر كفايته، وإن جاوز العادة، حيث علم المالك بحاله، وإلا امتنع أكل ما زاد على ما يعتاده مثله غالبا لمثله، اه.

(قوله: لأنه إباحة) تعليل لأصل حل الأكل، لا لامتناع غيره.

اه.

رشيدي.

وقوله وهي، أي الإباحة دون الهبة، وقوله تصح بمجهول، أي كما في هذه المسألة (قوله: بخلاف الأخذ والإعطاء) محترز قوله فقط، أي له الأكل، لا الأخذ، والإعطاء، لأن الأول، إباحة دونهما (قوله: صحت) أي الهبة.

وقوله إن كان المال: أي كله في الصورة الأولى، وقوله أو نصفه، أي في الصورة الثانية، وقوله معلوما لهما،

ص: 173

كرمي، من العنب، فله أكله دون بيعه، وحمله، وإطعامه لغيره، وتقتصر الاباحة على الموجود، أي عندها في الدار أو الكرم.

ولو قال أبحت لك جميع ما في داري أكلا واستعمالا، ولم يعلم المبيح الجميع، لم تحصل الاباحة.

اه.

وجزم بعضهم أن الاباحة لا ترتد بالرد.

وشرط الموهوب كونه عينا يصح بيعها، فلا تصح هبة المجهول كبيعه، وقد مر آنفا بيانه، بخلاف هديته وصدقته، فتصحان، فيما استظهره شيخنا، وتصح هبة المشاع، كبيعه، ولو قبل القسمة: سواء وهبه للشريك أو غيره.

وقد تصح الهبة دون البيع، كهبة حبتي بر ونحوهما من المحقرات، وجلد نجس، على تناقض فيه في الروضة، وكذا دهن متنجس (وتلزم) أي الهبة

ــ

أي الواهب والمتهب (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يكن معلوما لهما فلا تصح، لأن هذا لا يصح بيعه، وما لا يصح بيعه، لا تصح هبته (قوله: من العنب) بيان لما الأولى والثانية (قوله: فله أكله) أي ما في الدار أو الكرم (قوله: دون بيعه وحمله وإطعامه لغيره) أي لأنه إباحة، وهي خاصة بما يأكله هو (قوله: على الموجود) أي على أكل العنب الموجود، (وقوله: أي عندها) أي الإباحة (قوله: في الدار أو الكرم) متعلق بالموجود (قوله: ولو قال أبحت لك جميع ما في داري) أي من عنب وغيره (قوله: أكلا واستعمالا) منصوبان على التمييز المحول عن المضاف، أي أبحت لك أكل جميع ما في داري واستعماله (قوله: ولم يعلم المبيح الجميع) أي جميع ما في الدار (قوله: لم تحصل الإباحة) أي فيمتنع عليه أخذ شئ مما لم يعلمه المبيح.

قال في التحفة: وهذا لا ينافي ما مر من صحة الإباحة بالمجهول، لأن هذا مجهول من كل وجه، بخلاف ذاك.

اه.

وكتب سم ما نصه: في كونه كذلك وكون ما مر ليس كذلك نظر.

اه.

(قوله: وجزم بعضهم أن الإباحة لا ترتد بالرد) يعني أن المباح له لو رد المباح للمبيح: لا يرتد، فله العود بعد الرد.

(واعلم) أن التبرع خمسة أنواع: وصية، وعتق، وهبة، ووقف، وإباحة، وهي كإباحة الشاة لشرب لبنها، والطعام للفقراء، وهي لا يتصرف فيها المباح له تصرف الملاك، بل يقتصر فيها على ما يأكله أو يشربه، ولا يجوز له أن يتصدق أو يبيع منه.

(قوله: وشرط الموهوب، كونه عينا) هذا يفيد أن الموهوب لا بد أن يكون عينا، وقد تقدم في كلامه جواز هبة الدين في التعريف السابق أول الباب، وسيأتي التصريح في كلامه، بأن هبة الدين للمدين إبراء له عنه، ولغيره هبة صحيحة، وقوله يصح بيعها، هذا يغني عنه قوله في التعريف السابق أول الباب يصح بيعها، فكان الأولى والأخصر، أن يقول، كعادته، واحترز بقوله يصح بيعها عما لا يصح بيعه كالمجهول.

وقد علمت ما استثني من منطوق ما ذكر ومفهومه، فلا تغفل (قوله: فلا تصح هبة المجهول) أي كوهبتك أحد العبدين أو الثوبين، وقوله كبيعه، أي كعدم صحة بيعه، أي المجهول (قوله: قد مر آنفا بيانه) أي بيان عدم صحة هبة المجهول في قوله: ولو قال وهبت لك جميع مالي الخ، ومحل البيان قوله وإلا فلا (قوله: بخلاف هديته وصدقته) أي المجهول (قوله: وتصح هبة المشاع) أي كدار أو أرض مشتركة بين اثنين، وقوله كبيعه، أي كصحة بيع المشاع (قوله: ولو قبل القسمة) أي ولو حصلت الهبة قبل قسمة الدار، وهو يفيد أنه بعدها يكون مشاعا.

وفيه نظر.

وعبارة الروض وشرحه، وتجوز هبة مشاع، وإن كان لا ينقسم، كعبد، اه.

وهي ظاهرة (قوله: سواء الخ) تعميم في صحة الهبة، أي تصح مطلقا، سواء وهبه الشريك لشريكه، أم لغيره (قوله: وجلد نجس) أي وكجلد نجس، فتصح هبته دون بيعه، وقوله على تناقض فيه في الروضة، أي مع وجود تناقض في كلام

الروضة في صحة هبة الجلد النجس، أي اختلف كلام الروضة فيها، ففي باب الأواني، قال بالصحة، وفي باب الهبة، قال بعدمها، وجمع بينهما بحمل الصحة على نقل اليد وعدمها على الملك الحقيقي (قوله: وكذا دهن متنجس) أي مثل الجلد النجس في صحة هبته دون بيعه، الدهن المتنجس (قوله: وتلزم الخ) ظاهره أن الهبة تملك بالعقد، ولا تلزم إلا بالقبض، وليس كذلك، بل لا تملك ولا تلزم إلا بالقبض، وفي البجيرمي عبارة سم، ولا تلزم الهبة الشاملة للهدية والصدقة، ولا يحصل الملك فيها إلا بالقبض من الواهب أو نائبه أو بإذنه فيه، فتلزم، ويحصل الملك الخ.

اه.

ولذلك فسر في الإقناع اللزوم بالملك حيث قال: ولا تلزم، أي لا تملك، اه.

والكلام في الهبة الصحيحة غير الضمنية، وغير

ص: 174

بأنواعها الثلاثة: (بقبض)، فلا تلزم بالعقد، بل بالقبض على الجديد، لخبر أنه (ص) أهدى للنجاشي ثلاثين أوقية مسكا، فمات قبل أن يصل إليه، فقسمه (ص) بين نسائه، ويقاس بالهدية.

الباقي، وإنما يعتد بالقبض إن كان بإقباض الواهب أو بإذنه أو إذن وكيله فيه، ويحتاج إلى إذنه فيه وإن كان الموهوب في يد المتهب.

ولا يكفي هنا الوضع بين يدي المتهب بلا إذن فيه، لان قبضه غير مستحق له، فاعتبر تحققه، بخلافه في المبيع، فلو مات

ــ

ذات الثواب، فخرج بالصحيحية، الفاسدة، فلا تملك أصلا، ولو بالقبض.

وبغير الضمنية الهبة الضمنية، كما لو قال أعتق عبدك عني مجانا، فأعتقه عنه، فإنه يسقط القبض فيها، وبغير ذات الثواب، الهبة ذات الثواب، فإنها تملك وتلزم بالعقد بعد انقضاء الخيار، لأنها بيع.

(وقوله: بأنواعها الثلاثة) أي الصادقة بأنواعها، وهي الصدقة، والهدية، والهبة ذات الأركان (قوله: بقبض) أي كقبض المبيع فيما مر بتفصيله.

نعم، لا يكفي هنا التخلية، ولا الوضع بين يديه، ولا الإتلاف، لأنه غير مستحق للقبض، قال في الروض وشرحه.

(فرع) ليس الإتلاف من المتهب للموهوب قبضا، بخلاف المشتري إذا أتلف المبيع، إلا أن يأذن له في الأكل أو العتق عنه، فيكون قبضا، وتقدر أنه ملكه قبل الازدراد والعتق.

اه.

بحدف (قوله: فلا تلزم بالعقد، بل بالقبض) تصريح بما صرح به أولا (قوله: على الجديد) لم يقيد به في المنهاج (قوله: لخبر إلخ) دليل على أنها إنما تلزم بالقبض، ومحل الاستدلال، قوله فقسمه الخ، أي فرده صلى الله عليه وسلم، ثم قسمه بين نسائه، لكون النجاشي مات قبل القبض، فيعلم منه أنها لا تلزم قبل القبض، إذ لو لزمت لما ردها صلى الله عليه وسلم (قوله: أهدى للنجاشي) بفتح النون، ونقل كسرها، وآخره ياء ساكنة، وهو الأكثر رواية، ونقل ابن الأثير تشديدها، ومنهم من جعله غلطا وهو لقب لكل من ملك الحبشة، واسمه أصحمة، ومعناه بالعربية.

عطية، وهو الذي هاجر إليه المسلمون في رجب سنة خمس من النبوة، فآمن وأسلم بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفي سنة تسع من الهجرة، ونعاه، أي أخبر بموته، وذكر محاسنه، النبي صلى الله عليه وسلم، وصورة الكتاب.

بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة.

أما بعد: فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، الملك القدوس السلام.

وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة

فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده، وإني أدعوك إلى الله وحده، لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني وترضى بالذي جاءني، فإني رسول الله، وإني أدعوك وجندك إلى الله تعالى، وقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي، قد بعثت إليكم ابن عمي جعفرا، ومعه نفر من المسلمين، والسلام على من اتبع الهدى.

وبعث الكتاب مع عمرو بن أمية الضمري.

اه.

بجيرمي (قوله: فمات) أي النجاشي.

(وقوله: قبل أن يصل) أي المهدي إلى النجاشي.

وفي بعض النسخ، تصل - بالتاء - والملائم بقوله بعد فقسمه الأول.

وفي المغني بدل قوله فمات الخ، ثم قال لأم سلمة إني لأرى النجاشي قد مات، ولا أرى الهدية التي أهديت إليه إلا سترد، فإذا ردت إلي، فهي لك، فكان كذلك، أي موت النجاشي، ورد الهدية، لكن لما ردت، قسمها صلى الله عليه وسلم بين نسائه، ولم يخص بها أم سلمة، (وقوله: بين نسائه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (قوله: ويقاس بالهدية) أي في الخبر، (وقوله: الباقي) هو الهبة والصدقة (قوله: وإنما يعتد بالقبض) أي في لزوم الهبة (قوله: إن كان) أي القبض.

(وقوله: بإقباض الواهب) أي الموهوب للمتهب، فالإضافة من إضافة المصدر لفاعله وحذف معمولاه (قوله: أو بإذنه) أي الواهب، أي أو كان القبض حصل بإذن الواهب (قوله: أو إذن وكيله) أي وكيل الواهب.

وقوله فيه، أي القبض (قوله: يحتاج إلى إذنه) أي الواهب فيه، أي القبض.

وكان الأولى الأخصر، الاقتصار على الغاية بعده، وحذف هذا، وذلك لأن قوله وإنما يعتد بالقبض المسلط على قوله أو بإذنه الخ، يغني عنه.

ولا بد من أن يكون الإذن بعد تمام الصيغة، فلو قال: وهبتك هذا، وأذنت لك في قبضه، فقال: قبلت.

لم يكف (قوله: ولا يكفي هنا) أي في الهبة (قوله: الوضع) أي وضع الموهوب (قوله: بلا إذن فيه) أي في القبض (قوله: لأن قبضه) أي المتهب، أو الموهوب، فالإضافة من إضافة المصدر لفاعله أو مفعوله، (وقوله: غير مستحق له) بصيغة

ص: 175

أحدهما قبل القبض، قام مقامه وارثه في القبض والاقباض.

ولو قبضه فقال الواهب رجعت عن الاذن قبله، وقال المتهب بعد صدق الواهب على ما استظهره الاذرعي، لكن ميل شيخنا إلى تصديق المتهب، لان الاصل

عدم الرجوع قبله، وهو قريب.

ويكفي الاقرار بالقبض، كأن قيل له وهبت كذا من فلان وأقبضته، فقال نعم، وأما الاقرار، أو الشهادة بمجرد الهبة.

فلا يستلزم القبض.

نعم، يكفي عنه قول الواهب ملكها المتهب ملكا لازما.

قال بعضهم: وليس للحاكم سؤال الشاهد عنه، لئلا يتنبه له، (ولاصل) ذكر أو أنثى من جهة الاب أو الام وإن علا (رجوع فيما وهب)، أو تصدق، أو أهدى، لا فيما أبرأ (لفرع) وإن سفل، إن بقي الموهوب (في

ــ

اسم المفعول، وضمير له يعود على المتهب.

وإنما لم يكن مستحقا له، لأن الملك لا يحصل إلا بالقبض، (وقوله: فاعتبر تحققه) أي القبض، ولا يكون إلا بالإذن (قوله: بخلافه في المبيع) محترز قوله هنا، أي بخلاف الوضع المذكور في المبيع، فإنه كاف، لأن قبضه مستحق له.

وعبارة شرح الروض: لأنه غير مستحق القبض، فاعتبر تحققه، بخلاف المبيع، فجعل التمكين منه قبضا (قوله: فلو مات أحدهما) أي الواهب، أو المتهب، (وقوله: قبل القبض) أي بإقباض أو إذن فيه (قوله: قام مقامه) أي الميت، ولا ينفسخ العقد، لأنه آيل إلى اللزوم، وكالموت: الجنون، والإغماء اه.

ش ق (قوله: في القبض) أي إن كان الميت هو المتهب، (وقوله: والإقباض) أي إن كان هو الواهب (قوله: ولو قبضه)

أي بالإذن بدليل ما بعده (قوله: فقال الخ) أي فاختلف الواهب والمتهب في الرجوع عن الإذن قبل القبض فقال الخ.

(وقوله: قبله) أي قبل القبض، فيكون غير صحيح، فلا تلزم الهبة (قوله: وقال المتهب بعد) أي رجعت بعد القبض، فهو صحيح والهبة لازمة (قوله: صدق الواهب) جواب لو (قوله: لكن ميل شيخنا) أي في شرح المنهاج، وعبارته، ولو قبضه فقال الواهب رجعت عن الإذن قبله، وقال المتهب بعده، صدق الواهب، على ما استظهره الأذرعي من تردد له في ذلك، ولا احتمال بتصديق المتهب، لأن الأصل عدم الرجوع قبله، وهو قريب، ثم رأيت أن هذا هو المنقول، كما ذكرته في شرح الإرشاد، اه (قوله: لأن الأصل عدم الرجوع) قال ع ش: ظاهره إن اتفقا على وقت الرجوع واختلفا في وقت القبض، ولو قيل بمجئ تفسير الرجعة فيه، لم يبعد، فيقال إن اتفقا على وقت القبض، واختلفا في وقت الرجوع، صدق المتهب.

وفي عكسه، يصدق الواهب وفيما إذا لم يتفقا على شئ، يصدق السابق بالدعوى، وإن ادعيا معا، صدق المتهب.

اه (قوله: وهو قريب) صنيعه يفيد أنه من كلامه، وليس كذلك، بل هو من كلام شيخه، كما يعلم من عبارته المارة (قوله: ويكفي) أي في لزوم الهبة الإقرار بالقبض، بخلاف الإقرار بالهبة فقط (قوله: كأن قيل له) أي للواهب، (وقوله: وهبت كذا) بتاء المخاطب، (وقوله من فلان) أي عليه، فمن: بمعنى على (قوله: فقال) أي الواهب، (وقوله: نعم) أي وهبته، وأقبضته (قوله: وأما الإقرار أو الشهادة الخ) قال في الروض وشرحه: وليس الإقرار بالهبة ولو مع الملك إقرارا بالقبض للموهوب، لجواز أن يعتقد لزومها بالعقد، والإقرار يحمل على اليقين.

اه (قوله: فلا يستلزم القبض) أي ويترتب عليه عدم لزوم الهبة به (قوله: نعم يكفي عنه الخ) لا محل للاستدراك هنا، فكان الأولى أن يقول، ويكفي عنه الخ.

والمراد أنه يقوم مقام إقراره بالقبض فيما إذا قيل له وهبت هذا وأقبضته قد ملكها ملكا لازما، فقوله المذكور، بدل قوله نعم وهبته وأقبضته.

قال ع ش: وينبغي أن يأتي مثله فيما لو قال لشاهد أشهد أنه ملكه ملكا لازما فيغني ذلك عن قوله وهبه وأقبضه.

اه.

(قوله: وليس للحاكم سؤال الشاهد عنه) قال ع ش: أي عن القبض.

اه.

والمراد أنه إذا شهد عند الحاكم بمجرد الهبة، فليس للحاكم أن يسأل الشاهد ويقول له تشهد أنه أقبضه، وذلك لئلا يتنبه الشاهد لذلك، فيشهد به، بل يحكم بعد لزوم الهبة، لما علم أن الإقرار أو الشهادة بمجرد الهبة، لا يستلزم القبض (قوله: ولأصل إلخ) أي لخبر لا محل لرجل أن يعطي عطية، أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده واختص بذلك، لانتفاء التهمة فيه، إذ ما طبع عليه من إيثاره لولده على نفسه، يقضي بأنه إنما رجع لحاجة، أو مصلحة (قوله: ذكر أو أنثى الخ) تعميم في الأصل، وهو بدل منه، (وقوله: من جهة الأب أو الأم) الجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف، أو متعلق بمحذوف

صفة لكل من ذكر ومن أنثى.

ولا يصح أن يكون صفة لأصل، لأن البدل لا يتقدم عليها إذا اجتمعا.

(وقوله: وإن علا) أي

ص: 176

سلطنتة بلا استهلاك) وإن غرس الارض، أو بنى فيها، أو تخلل عصير موهوب، أو آجره، أو علق عتقه، أو رهنه، أو وهبه بلا قبض فيهما لبقائه في سلطنته، فلا رجوع إن زال ملكه بهبة مع قبض، وإن كانت الهبة من الابن لابنه أو لاخيه لابيه، أو ببيع، ولو من الواهب، على الاوجه، أو بوقف.

ويمتنع الرجوع بزوال الملك، وإن عاد إليه، ولو بإقالة أو رد بعيب، لان الملك غير مستفاد منه حينئذ.

ولو وهبه الفرع لفرعه وأقبضه ثم رجع فيه:

ــ

كل منهما، فالضمير المستتر يعود إلى المذكور، ويصح أن يعود إلى الأصل (قوله: رجوع الخ) أي بشروط ثلاثة: أن يكون الفرع حرا، وأن يبقى الموهوب في سلطنته، وأن يكون عينا لا دينا وقد أشار إلى الأخير بقوله لا فيما أبرأ، وصرح بالثاني بقوله إن بقي الخ، وقال في النهاية: ولا يتعين الفور، أي في الرجوع، بل له ذلك متى شاء.

اه (قوله: لا فيما أبرأ) أي ليس له رجوع فيما أبرأ به ولده، كأن كان له على ولده دين فأبرأه منه، فيمتنع الرجوع جزما، سواء قلنا إنه تمليك، أم إسقاط، إذ لا بقاء للدين، فأشبه ما لو وهبه شيئا فتلف (قوله: لفرع) متعلق بوهب وما بعده، ويكون متعلق رجوع محذوفا، أي عليه (قوله: وإن سفل) أي الفرع كابن ابن ابنه (قوله: إن بقي الموهوب) أي أو المتصدق به أو المهدى به (قوله: في سلطنته) أي الفرع.

قال البجيرمي: هي عبارة عن جواز التصرف، وليس المراد بها الملك، بدليل شمول زوالها لما لو جنى الموهوب أو أفلس المتهب وحجر عليه، أو رهن الموهوب وأقبضه، فإن هذه لا تزيل الملك، لكنها تزيل جواز التصرف، وعبارة م ر على التحرير، (قوله: في سلطنته) أي استيلائه، وهي أولى من التعبير ببقاء الملك، لشمولها ما لو كانت العطية عصيرا فتخمر، ثم تخلل، فإن له الرجوع، لبقاء السلطنة، وإن لم يبق الملك.

اه (قوله: بلا استهلاك) أي بأن تبقى عينه.

وسيأتي محترزه (قوله: وإن غرس الأرض الخ) غاية في جواز رجوع الأصل، أي له الرجوع، وإن غرس، أي الفرع، الأرض الموهوبة، أو بنى فيها الخ.

(وقوله: أو تخلل عصير موهوب) أي بعد تخمره، وعبارة الإرشاد وشرحه، وإن تخمر، ثم تخلل عصير موهوب، لأن المالك الثابت في الخل: سببه ملك العصير، فكأنه الملك الأول بعينه (قوله: أو آجره) عبارة المنهاج: وكذا الإجارة على المذهب، قال م ر: لبقاء العين بحالها، ومورد الإجارة المنفعة، فيستوفيها المستأجر، ومقابل المذهب: قول الإمام إن لم يصح بيع المؤجر، ففي الرجوع تردد،.

اه (قوله: أو علق عتقه) أي العبد الموهوب (قوله: أو رهنه) أي رهن الفرع الموهوب عند غيره بدين أخذه منه، (وقوله: أو وهبه) أي لآخر (قوله: بلا قبض فيهما) أي في الرهن والهبة، بخلافهما بعده، فليس له الرجوع، كما سيصرح به (قوله: لبقائه) أي المذكور من الأرض التي غرسها أو بنى فيها، ومن العصير الذي تخلل الخ هو تعليل لجواز الرجوع في الجميع (قوله: فلا رجوع الخ) مفرع على مفهوم قوله إن بقي الموهوب في سلطنته (قوله: إن زال ملكه) الأنسب بسابقه إن زالت سلطنته (قوله: وإن كانت الهبة من الابن) أي الموهوب له لابنه، وهو غاية لعدم الرجوع، أي لا

يرجع الأصل على فرعه بعد أن وهب الفرع وأقبض، وإن كان الموهوب له فرعا أيضا للأصل بأن وهب الابن لابن أخيه من أبيه لإزالة الملك عن فرعه الذي وهب له ذلك الأصل (قوله: أو لأخيه لأبيه) أي أو الشقيق، وقيد بالأب، لإخراج الأخ للأم، فإنه لا يتوهم فيه الرجوع، لأنه أجنبي بالنسبة لذلك الأصل (قوله: أو ببيع) معطوف علي بهبة، أي ولا رجوع إن زال ملكه ببيع (قوله: ولو من الواهب) أي ولو كان البيع من الواهب نفسه الذي هو الأصل، فإنه لا رجوع له، وعبارة شرح الروض: وقضية كلامهم امتناع الرجوع بالبيع، وإن كان البيع من أبيه الواهب، وهو ظاهر.

اه.

وفي التحفة، يمتنع الرجوع، وإن كان الخيار باقيا للولد، كما اقتضاه إطلاقهم، لكن بحث الأذرعي جوازه إن كان البيع من أبيه الواهب وخياره باق، وهو ظاهر.

اه.

(وقوله: على الأوجه) هكذا في فتح الجواد، وانظر مقابله، فإن كان ما بحثه الأذرعي، فقد استظهره في التحفة، وفي النهاية أيضا.

وإن كان الجواز مطلقا، ولو لم يكن الخيار باقيا، فهو ظاهر، لكن لم أقف عليه في الكتب التي بأيدينا (قوله: أو بوقف) معطوف على بهبة أيضا، أي ولا رجوع أيضا إذا زال الملك عن الفرع بوقفه الموهوب.

قال في التحفة: أي مع القبول من الموقوف عليه إن شرطناه، فيما يظهر، لأنه قبله لم يوجد عقد يفضي إلى خروجه عن ملكه.

اه (قوله: ويمتنع الرجوع الخ) لو حذفه وجعلت الغاية لقوله فلا رجوع لكان أولى (قوله: وإن عاد

ص: 177

ففي رجوع الاب وجهان، والاوجه منهما: عدم الرجوع، لزوال ملكه، ثم عوده، ويمتنع أيضا إن تعلق به حق لازم، كأن رهنه لغير أصل وأقبضه ولم ينفك، وكذا إن استهلك، كأن تفرخ البيض، أو نبت الحب، لان الموهوب صار مستهلكا.

ويحصل الرجوع (بنحو رجعت) في الهبة، كنقضتها، أو أبطلتها، أو رددت الموهوب إلى ملكي.

وكذا بكناية، كأخذته، وقبضته، مع النية، لا بنحو بيع وإعتاق وهبة لغيره ووقف، لكمال ملك الفرع.

ولا يصح تعليق الرجوع بشرط، ولو زاد الموهوب رجع بزيادته المتصلة، كتعلم الصنعة، لا

ــ

إليه) غاية في امتناع الرجوع بزوال الملك، وهي للرد، أي يمتنع الرجوع، وإن عاد الموهوب إلى الفرع بعد زوال الملك عنه، فيكون الزوال الزائل العائد هنا كالذي لم يعد، وقد نظم ذلك بعضهم بقوله: وعائد كزائل لم يعد في فلس مع هبة للولد في في البيع والقرض وفي الصداق بعكس ذاك الحكم باتفاق (قوله: ولو بإقالة) أي ولو كان العود بسبب إقالته للمشتري البيع، أو بسبب رد المبيع عليه بعيب (قوله: لأن الملك الخ) تعليل لإمتناع الرجوع بعد العود، أي وإنما امتنع الرجوع بعد العود، لأن الملك، أي الآن غير مستفاد من الأصل حتى يزيله بالرجوع فيه، (وقوله: حينئذ) أي حين إذ زال الملك وعاد (قوله: ثم رجع) أي الفرع الواهب (وقوله: فيه) أي الموهوب (قوله: ففي رجوع الخ) جواب لو، (وقوله: الأب) لو عبر بالأصل لكان أولى (قوله: والأوجه منهما) أي من الوجهين (وقوله: عدم الرجوع) قال في التحفة: سواء قلنا إن الرجوع، أي من الفرع، إبطال للهبة أم لا، لأن القائل بالإبطال لم يرد به حقيقته، وإلا لرجع في الزيادة المنفصلة.

اه (قوله: لزوال ملكه ثم عوده) أي وهو بمنزلة العدم

(قوله: ويمتنع) أي الرجوع، وقوله أيضا: أي كما يمتنع فيما إذا زال ملكه عنه (قوله: إن تعلق به) أي: بالموهوب (قوله: كأن رهنه لغير أصل) فإن كان له: فله الرجوع، قال الزركشي: لأن المانع منه، أي الرجوع، في صورة الأجنبي، وهو إبطال حقه، منتف هنا.

ولهذا صححوا بيعه من المرتهن دون غيره.

اه.

شرح الروض (قوله: وأقبضه) قيد أول، خرج به ما إذا لم يقبضه، فللأصل الرجوع فيه، ما مر، لبقاء سلطنة الوالد عليه (قوله: ولم ينفك) أي المرهون، وهو قيد ثان، خرج به، ما إذا انفك، فله الرجوع (قوله: وكذا إن استهلك) أي وكذا يمتنع الرجوع إن استهلك الموهوب، بأن لم تبق عينه، وهو محترز قوله بلا استهلاك (قوله: كأن تفرخ البيض) أي صار البيض الموهوب فراخا (قوله: أو نبت الحب) أي بأن زرعه ونبت (قوله: لأن الموهوب صار مستهلكا) علة لمقدر: أي فيمتنع الرجوع في البيض الذي تفرخ، وفي الحب الذي نبت، لأن الموهوب صار مستهلكا.

قال في النهاية: ويفرق بينه وبين نظيره في الغصب حيث يرجع المالك فيه، وإن تفرخ ونبت، بأن استهلاك الموهوب يسقط به حق الواهب بالكلية، واستهلاك المغصوب ونحوه لا يسقط به حق مالكه.

اه (قوله: ويحصل الرجوع بنحو رجعت) أفاد به أنه لا بد من لفظ يدل على الرجوع (قوله: كنقضتها إلخ) تمثيل لنحو رجعت، ومثله ارتجعت الموهوب واسترددته (قوله: وكذا بكناية) أي وكذا يحصل الرجوع بكناية.

(وقوله: مع النية) أي نية الرجوع (قوله: لا بنحو بيع) أي لا يحصل الرجوع بنحو بيع، أي من الأصل مع كونه في يد الفرع، لأن ما هو في ملك الغير لا ينتقل عنه بتصرف غيره فيه، وهذه التصرفات باطلة.

اه.

بجيرمي.

وعبارة الروض وشرحه، فلو باع الوالد أو أتلف أو وهب أو وقف أو أعتق أو وطئ أو استولد الموهوب، لم يكن رجوعا، لأنه ملك للولد بدليل نفوذ تصرفاته فيه، ولا ينفذ فيه تصرف الوالد.

ويخالف المبيع في زمن الخيار، بأن الملك فيه ضعيف، بخلاف ملك الولد للموهوب، فيلزمه بالإتلاف والاستيلاد: القيمة، وبالوطئ، المهر، وتلغو البقية.

اه.

(قوله: وإعتاقه) الأولى كإعتاق، ويكون تمثيلا لنحو البيع.

(وقوله: وهبة لغيره) أي الفرع الموهوب له أولا (قوله: ووقف) أي من الأصل للموهوب، ولا يصح وقفه كإعتاقه (قوله: لكمال ملك الفرع) تعليل لعدم حصول الرجوع بما ذكر، أي لا يحصل الرجوع بما ذكر لكمال ملك الفرع.

قال في التحفة، فلم يقو الفعل على إزالته.

اه (قوله: ولا يصح تعليق الرجوع بشرط) أي بوصف، كإذا

ص: 178

المنفصلة، كالاجرة والولد والحمل الحادث على ملك فرعه.

ويكره للاصل، الرجوع في عطية الفرع، إلا لعذر، كأن كان الولد عاقا، أو يصرفه في معصية، وبحث البلقيني امتناعه في صدقة واجبة، كزكاة، ونذر، وكفارة، وبما ذكره أفتى كثيرون ممن سبقه وتأخر عنه، وله الرجوع فيما أقر بأنه لفرعه، كما أفتى به النووي، واعتمده جمع متأخرون، قال الجلال البلقيني عن أبيه، وفرض ذلك فيما إذا فسره بالهبة، وهو فرض لا بد منه.

انتهى.

وقال النووي: لو وهب وأقبض ومات فادعى الوارث كونه في المرض، والمتهب كونه في الصحة،

ــ

جاء رأس الشهر فقد رجعت، وذلك لأن الفسوخ لا تقبل التعليق، كالعقود (قوله: ولو زاد الموهوب) أي عند الفرع (قوله: رجع) أي الأصل، ومتعلق الفعل محذوف: أي فيه (قوله: بزيادته المتصلة) أي مع زيادة الموهوب المتصلة.

فالباء بمعنى مع، وذلك لأنها تتبع الأصل (قوله: كتعلم الصنعة) تمثيل للزيادة المتصلة، والمراد: التعلم الذي لا معالجة للسيد فيه.

قاله زي.

والمراد بالسيد: الولد الموهوب له، ومفهومه أن التعلم إن كان فيه معالجة تقابل بأجرة، دفعها الواهب لابنه إن طلبها.

تأمل.

اه.

بجيرمي (قوله: لا المنفصلة) أي لا الزيادة المنفصلة عن الموهوب، فلا يرجع الأصل فيها (قوله: كالأجرة) تمثيل للزيادة المنفصلة.

وقوله والولد، أي الحادث الحمل به بعد القبض، بخلاف القديم، فيرجع فيه، لأنه من جملة الموهوب، بناء على أن الحمل يعلم (قوله: الحمل الحادث) معطوف على الأجرة، ومقتضاه أنه من الزوائد المنفصلة، وليس كذلك، بل هو من الزوائد المتصلة، وألحق بالزوائد المنفصلة في عدم الرجوع فيه، ولو قال - كما في شرح المنهج - وكذا حمل حادث، لكان أولى، وقوله على ملك فرعه، متعلق بالحادث، أي الذي حدث على ما هو ملك للفرع، وهو الأم، ويلزم منه أن يكون بعد القبض، وعبارة شرح المنهج: لحدوثه على ملك الفرع.

اه.

وهي أولى، لأنها أفادت علة كون الحمل الحادث لا يرجع الأصل فيه، بل إنما يرجع في أمه فقط (قوله: ويكره للأصل: الرجوع في عطية الفرع إلخ) شروع في بيان حكم الرجوع (قوله: إلا لعذر) أي فلا يكره (قوله: كأن الخ) تمثيل للعذر، وعبارة التحفة، كأن كان الولد عاقا أو يصرفه في معصية فلينذره به، فإن أصر.

لم يكره - كما قالاه - وبحث الأسنوي ندبه في العاصي وكراهته في العاق إن زاد عقوقه، وندبه، إن أزاله، وإباحته، إن لم يفد شيئا.

والأذرعي عدم كراهته، إن احتاج الأب له لنفقة أو دين، بل ندبه إن كان الولد غنيا عنه، ووجوبه في العاصي إن تعين طريقا في ظنه إلى كفه عن المعصية، والبلقيني: امتناعه في صدقة واجبة، كزكاة، ونذر، وكفارة، وكذا في لحم أضحية تطوع، لأنه إنما يرجع، ليستقل بالتصرف، وهو فيه ممتنع، وبما ذكره، أفتى كثيرون ممن سبقه وتأخر عنه، وردوا على من أفتى بجواز الرجوع في النذر، بكلام الروضة وغيرها.

اه (قوله: وبحث البلقيني امتناعه) أي الرجوع (قوله: كزكاة الخ) تمثيل للصدقة الواجبة.

قال ع ش: لا يقال كيف يأخذ الزكاة أو النذر، مع إنه إذا كان فقيرا فنفقته واجبة على أبيه فهو غني بماله، وإن كان غنيا فليس له أخذ الزكاة من أصلها، لأنا نقول: نختار الأول، ولا يلزم من وجوب نفقته على أبيه، غناه، لجواز أن يكون له عائلة كزوجة، ومستولدة يحتاج للنفقة عليهما، فيأخذ من الزكاة ما يصرفه في ذلك، لأنه إنه يجب على أصله نفقته، لا نفقة عياله، فيأخذ من صدقة أبيه ما زاد على نفقة نفسه.

اه (قوله: وبما ذكره) أي البلقيني من امتناع الرجوع (قوله: ممن سبقه) أي تقدم عليه في الزمن، (وقوله: وتأخر عنه) أي فيه (قوله: وله الرجوع الخ) أي للأصل الرجوع في المال الذي أقر ذلك الأصل بأنه لفرعه (قوله: عن أبيه) أي نقلا عن أبيه (قوله: وفرض ذلك) أي فرض كونه

له الرجوع فيما أقر به إن لفرعه (قوله: فيما إلخ) الجار والمجرور خبر فرض، أي كائن فيما إذا فسر ما أقر به له بهبة.

قال سم، قضيته أنه لا يكفي ترك التفسير مطلقا، وفيه نظر.

اه (قوله: وهو فرض) أي فرض الرجوع في المقر به بما إذا فسره بهبة فرض لا بد منه، أي لا غنى عنه (قوله: لو وهب) أي المالك لغيره شيئا.

(وقوله: وأقبض) أي الموهوب للمتهب.

(وقوله: ومات) أي الواهب بعد الإقباض (قوله: فادعى الوارث كونه) أي ما ذكر من الهبة والإقباض واقعا في المرض: أي لأجل أن يعد من الثلث، لأن التصرفات الكائنة في مرض الموت تحسب منه (قوله: والمتهب) أي وادعى

ص: 179

صدق.

انتهى ولو أقاما بينتين قدمت بينة الوارث، لان معها زيادة علم (وهبة دين للمدين إبراء) له عنه، فلا يحتاج إلى قبول، نظرا للمعنى.

(ولغيره) أي المدين هبة (صحيحة) إن علما قدره، كما صححه جمع، تبعا للنص، خلافا لما صححه المنهاج.

(تنبيه) لا يصح الابراء من المجهول للدائن أو المدين، لكن فيما فيه معاوضة، كأن أبرأتني فأنت طالق، لا فيما عدا ذلك: على المعتمد، وفي القديم: يصح من المجهول مطلقا.

ولو أبرأ، ثم ادعى الجهل: لم يقبل

ــ

المتهب أن ما ذكر واقع في الصحة، لأجل أن يأخذه بتمامه من رأس المال (قوله: صدق) أي المتهب بيمينه، لأن العين في يده، والأصل دوام الصحة (قوله: ولو أقاما) أي الوارث والمتهب، (وقوله: بينتين) أي تشهد بينة كل بما ادعاه (قوله: قدمت إلخ) جواب لو (قوله: لأن معها) أي بينة الوارث وقوله زيادة علم، أي بالمرض الذي هو خلاف الأصل.

(تنبيه) قال في المغني: لو وهب لولده عينا، وأقبضه إياها في الصحة، فشهدت بينة لباقي الورثة أن أباه رجع فيما وهبه له، ولم تذكر ما رجع فيه: لم تسمع شهادتها، ولم تنزع العين منه، لاحتمال أنها ليست من المرجوع فيه.

اه.

(قوله: وهبة دين) أي أو التصدق به، (وقوله: الدين) متعلق بهبة (قوله: إبراء) أي صريحا، خلافا لما في الذخائر من أنه كناية، نعم، إن كان بلفظ الترك كأن يقول له تركته، أو لا آخذه منك، فهو كناية إبراء، وقوله له، أي للمدين.

وقوله عنه، أي عن الدين.

(قوله: فلا يحتاج إلى قبول) مفرع على كونه إبراء (قوله: نظرا للمعنى) هو كون هذه الهبة إبراء (قوله: ولغيره) معطوف على للمدين أي وهبة دين لغير المدين، كأن كان الدين على زيد، فوهبه لعمرو (قوله: هبة صحيحة) خبر المبتدأ المقدر قبل الجار والمجرور، أعني قوله لغيره (قوله: إن علما) أي الواهب والمتهب قدره، أي الدين، فإن لم يعلما قدره، فهي باطلة، لما مر من أن شرط صحة الهبة علم المتعاقدين بالموهوب (قوله: كما صححه إلخ) مرتبط بقوله هبة صحيحة (قوله: خلافا لما صححه المنهاج) أي من البطلان، وعبارته، وهبة الدين للمدين إبراء، ولغيره باطلة في الأصح.

اه.

قال في النهاية: لأنه غير مقدور على تسليمه، لأن ما يقبض من المدين، عين، لا دين، وظاهر كلام جماعة، واعتمده الوالد رحمة الله تعالى، بطلان ذلك، وإن قلنا بما مر من صحة بيعه لغير من هو عليه بشروطه السابقة، وهو كذلك، ويؤيده ما مر من صحة بيع الموصوف دون هبته، والدين مثله، بل أولى، الخ.

اه.

(قوله: تنبيه الخ) ذكره في المنهاج والمنهج في باب الضمان، ولم يذكره المؤلف هناك، وذكره هنا، لأنه لما بين أن هبة

الدين للمدين إبراء، ناسب أن يذكر ما يتعلق بالإبراء (قوله: لا يصح الإبراء من المجهول) أي الذي لا تسهل معرفته، بخلاف ما تسهل معرفته، كإبرائه من حصته من تركة مورثه، لأنه، وإن جهل قدر حصته، لكن يعلم قدر تركته، فتسهل معرفة الحصة، وعدم صحة ما ذكر، بالنسبة للدنيا.

وأما في الآخرة: فتصح، لأن المبرئ راض بذلك ولا يصح أيضا الإبراء المؤقت، كأن يقول أبرأتك مما لي عليك سنة، والمعلق بغير الموت.

أما المعلق به، كإذا مت فأنت برئ، فهو وصية، فيجري فيه تفصيلها (قوله: للدائن) متعلق بالمجهول (قوله: أو المدين) أي أو المجهول للمدين، (وقوله: لكن فيما فيه معاوضة) راجع للمدين، لا للدائن، كما في البجيرمي، ونص عبارته، فلا بد من علم المبرئ مطلقا وأما المدين، فإن كان الإبراء في معاوضة، كالخلع، بأن أبرأته مما عليه في مقابلة الطلاق، فلا بد من علمه أيضا، لتصح البراءة، وإلا فلا يشترط الخ.

اه (قوله: لا فيما عدا ذلك) أي لا تنتفي الصحة فيما عدا ما فيه معاوضة، فيصح إبراء المجهول للمدين في غير الذي فيه معاوضة، كدين ثبت عليه، وهو جاهل به فأبرأه منه الدائن العالم بقدره، (وقوله: على المعتمد) مرتبط بهذا فقط (قوله: وفي القديم الخ) أفاد به أن الأول، هو القول الجديد، وهو كذلك، كما صرح به في المنهاج، وعبارته: والإبراء من المجهول باطل في الجديد، قال في المغني، لأن البراءة متوقفة على الرضا، ولا يعقل مع الجهالة، والقديم أنه صحيح، لأنه إسقاط محض، كالإعتناق، ومأخذ القولين إنه تمليك أو إسقاط، فعلى الأول، يشترط العلم بالمبرأ، وعلى الثاني، لا يصح.

اه.

(وقوله: يصح) أي الإبراء.

(وقوله: مطلقا) أي فيما فيه معاوضة

ص: 180

ظاهرا، بل باطنا.

ذكره الرافعي.

وفي الجواهر عن الزبيلي: تصدق الصغيرة المزوجة إجبارا بيمينها في جهلها بمهرها.

قال الغزي: وكذا الكبيرة المجبرة إن دل الحال على جهلها، وطريق الابراء من المجهول، أن يبرئه مما يعلم أنه لا ينقص عن الدين، كألف شك هل دينه يبلغها أو ينقص عنها؟ ولو أبرأ من معين معتقدا أنه لا يستحقه، فبان أنه يستحقه، برئ، ويكره لمعط: تفضيل في عطية فروع، وإن سفلوا، ولو الاحفاد مع وجود الاولاد، على الاوجه، سواء كانت تلك العطية هبة أم هدية أم صدقة أم وقفا.

أو أصول، وإن بعدوا، سواء الذكر وغيره إلا لتفاوت حاجة، أو فضل، على الاوجه، قال جمع: يحرم، ونقل في الروضة عن الدارمي: فإن

ــ

وفي غيره (قوله: ولو أبرأ) أي الدائن (قوله: ثم ادعى الجهل) أي فيما أبرأه (قوله: لم يقبل) أي ما ادعاه.

وقوله ظاهرا أي بالنسبة للدنيا، وقوله بل باطنا، أي بل يقبل باطنا ويترتب عليه أنه لا يحل للمدين، وأنه في الآخرة يطالب به (قوله: ذكره الرافعي) في التحفة بعده، لكن في الأنوار أنه إن باشر سبب الدين لم يقبل، وإلا كدين ورثه قبل.

وفي الجواهر نحوه، فليخص به كلام الرافعي.

اه (قوله: تصدق الصغيرة الخ) ظاهره أنها تصدق بيمينها في حال صغرها، وليس كذلك، بل بعد بلوغها، ولو قال تصدق المزوجة صغيرة الخ، لأفاد ذلك، إذ يكون المراد عليه تصدق بعد بلوغها، وعبارة التحفة، في باب الخلع، ولو أبرأت، ثم ادعت الجهل بقدره، فإن زوجت صغيرة، صدقت بيمينها، أو بالغة ودل الحال على جهلها به، ككونها مجبرة، لم تستأذن، فكذلك، وإلا صدق بيمينه، وإطلاق الزبيلي تصديقه في البالغة، محمول على ذلك اه.

ومثلها عبارة مؤلفنا هناك، وقوله المزوجة إجبارا، أي بالإجبار لها من أبيها أو جدها وقوله بيمينها، متعلق

بتصدق، وكذلك قوله في جهلها بمهرها (قوله: وكذا الكبيرة إلخ) أي وكذا تصدق الكبيرة المزوجة إجبارا، (وقوله: إن دل الحال على جهلها) أي إن دلت القرينة على جهلها به، ككونها لم تستأذن (قوله: وطريق الإبراء من المجهول) أي الحيلة في صحة الإبراء من المجهول (قوله: أن يبرئه) أي يبرئ الدائن مدينة، (وقوله مما يعلم الخ) أي من قدر يعلم المبرئ أنه لا ينقص عن الدين الذي له، كأن يبرئه من ألف وهو يعلم أن دينه لا يزيد عليها، بل شك، هل يبلغها، أو ينقص عنها؟ (قوله: ولو أبرأ الخ) يعني لو أبرأ شخص شخصا من دين معين كمائة ريال حال كون المبرئ، بكسر الراء، معتقدا أنه لا يستحقها، فتبين بعد ذلك أنه يستحقها وقت الإبراء، بأن مات مورثه وله مائة ريال عند المبرأ، بفتح الراء، فيبرأ منها، لأن العبرة بالواقع.

(فائدة) يكفي في الغيبة التوبة والإستغفار للمغتاب بأن يقول اللهم اغفر له إن لم تبلغه وإلا فلا بد من تعيينها بل وتعيين حاضرها إن اختلف به الغرض ثم ان أبرأه منها مطلقا أو في الدنيا والآخرة أو في الدنيا فقط سقطت وإلا فلا ومحله ما لم تكن كبيرة فإن كانت كبيرة بأن كانت في أهل العلم والقرآن فلا بد من التوبة المعتبرة في الكبائر (قوله: ويكره لمعط الخ) وذلك لخبر البخاري اتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم وخبر أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال: لمن أراد أن يشهد على عطية لبعض أولاده لا تشهدني على جور لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم (وقوله في عطية فروع) أفهم أنه لا يكره التفضيل في غيرها كالتودد بالكلام وغيره لكن وقع في بعض نسخ الدميري لا خلاف أن التسوية بينهم مطلوبة حتى في التقبيل وله وجه وافهم قوله: فروع أن هذا الحكم لا يحري في الأخوة وغيرهم وهو كذلك، (قوله: وإن سفلوا) أي الفروع أي نزلوا (قوله: ولو الأحفاد) أي ولو كانوا أحفادا فإنه يكره التفضيل بينهم وهم أولادا لأولاد وفي القاموس أحفاد الرجل بناته أو أولاد أولاده.

اه وقوله مع وجود الأولاد ليس بقيد كما هو ظاهر (قوله: على الأوجه) راجع للغاية ومقابله يخصص كراهة ذلك بالأولاد وعبارة التحفة ولو الأحفاد مع وجود الأولاد على الأوجه وفاقا لغير واحد وخلافا لمن خصص الأولاد.

اه (قوله: سواء إلخ) تعميم في العطية وقوله أم وقفا أي أم تبرعا آخر كالإباحة (قوله: أو أصول) بالجر عطف على فروع أي ويكره أيضا التفضيل في عطية أصول (قوله: وإن بعدوا) أي الأصول (قوله: سواء الذكر وغيره) أي سواء

ص: 181

فضل في الاصل فليفضل الام، وأقره لما في الحديث أن لها ثلثي البر، بل في شرح مسلم عن المحاسبي، الاجماع على تفصيلها في البر على الاب.

ــ

في كراهة التفضيل الذكر منهم والأنثى (قوله: إلا لتفاوت الخ) راجع لقوله يكره بالنسبة للصنفين الفروع والأصول

أي يكره ما ذكر إلا لتفاوت في الحاجة أو الفضل فلا يكره والحاصل محل الكراهة عند الإستواء في الحاجة وعدمها وفي الدين وقلته وفي البر وعدمه وإلا فلا كراهة وعلى ذلك يحمل تفضيل الصحابة بعض أولادهم كالصديق رضي الله عنه فإنه فضل السيدة عائشة على غيرها من أولاده كسيدنا عمر فإنه فضل ابنه عاصما بشئ وكسيدنا عبد الله بن عمر فإنه فضل بعض أولاده على بعضهم رضي الله عنهم أجمعين (قوله: على الأوجه) متعلق ببكره أيضا أي يكره ذلك على الأوجه ومقابلة ما ذكر بعد قوله قال: جمع يحرم أي التفضيل وعبارة التحفة فإن لم يعدل لغير عذر كره عند أكثر العلماء وقال: جمع يحرم.

اه (قوله: ونقل) بصيغة المبني للمعلوم وفاعله يعود على النووي ومفعوله الجملة بعده فهي المنقولة وساقه في التحفة مستدركا به على كراهة تفضيل الأصول ونصها فإن فضل كره خلافا لبعضهم نعم في الروضة فإن فضل فالأولى أن يفضل الأم الخ.

ثم قال: وقضيته عدم الكراهة إذ لا يقال في بعض جزئيات المكروه أنه أولى من بعض اه.

وسياق عبارة الشارح يفيد أنه إذ أراد أن يفضل مع ارتكابه للكراهة أو للحرمة على القولين فليفضل الأم مع أنه ليس كذلك فكان الأولى له أن يسلك ما سلكه شيخه ليسلم من ذلك فتنبه (قوله: فإن فضل) أي أراد ذلك وقوله في الأصل أي في أصوله وهذا ليس في عبارة التحفة فهو من زيادته فكان الأولى أن يزيد أي التفسيرية (قوله: بل في شرح مسلم) الاضراب انتقالي (قوله: الاجماع على تفضيلها في البر) قال في التحفة وإنما فضل عليها في الإرث لما يأتي أن ملحظه العصوبة والعاصب أقوى من غيره وما هنا ملحظه الرحم وهي فيه أقوى لأنها أحوج اه.

(واعلم أن أفضل البر، بر الوالدين، بالإحسان إليهما، وفعل ما يسرهما من الطاعات لله تعالى وغيرهما مما ليس بمنهي عنه.

قال تعالى: * (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه، وبالوالدين إحسانا) * (1) الآية، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: كان تحتي امرأة، وكنت أحبها، وكان عمر يكرهها، فقال لي طلقها، فأبيت، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: طلقها رواه الترمذي وحسنه، ومن برهما: الإحسان إلى صديقهما، لخبر مسلم: إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه ومن الكبائر: عقوق الوالدين، وهو أن يؤذيهما أذى ليس بالهين - ما لم يكن أذاهما به واجبا وصلة الرحم، أي القرابة مأمور بها أيضا، وهي فعلك مع قريبك ما تعد به واصلا، وتكون بالمال، وقضاء الحوائج، والزيارة، والمكاتبة، والمراسلة بالسلام، ونحو ذلك.

روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة في

ظل العرش يوم القيامة: واصل الرحم، وامرأة مات زوجها وترك أيتاما فتقوم عليهم حتى يغنيهم الله أو يموتوا، ورجل اتخذ طعاما ودعا إليه اليتامى والمساكين وقال صلى الله عليه وسلم: رأيت في الجنة قصورا من در وياقوت وزمرد، يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها، فقلت يا جبريل: لمن هذه المنازل قال: لمن وصل الأرحام، وأفشى السلام، وأطعم الطعام، ورفق بالأيتام، وصلى بالليل والناس نياهم ويتأكد أيضا استحباب وفاء الوعد، قال تعالى: * (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) * (2)، وقال: * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * (3)، وقال: * (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) * (4) ويتأكد كراهة إخلاف الوعد.

قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) * (5) وروى الشيخان خبر: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان زاد مسلم

(1) سورة الاسراء، الاية:23.

(2)

سورة النحل، الاية:91.

(3)

سورة المائدة، الاية:1.

(4)

سورة الاسراء، الاية:34.

(5)

سورة الصف، الاية:3.

ص: 182

(فروع) الهدايا المحمولة عند الختان ملك للاب، وقال جمع: للابن.

فعليه يلزم الاب قبولها، ومحل الخلاف إذا أطلق المهدي فلم يقصد واحدا منهما، وإلا فهي لمن قصده، اتفاقا، ويجري ذلك فيما يعطاه خادم الصوفية فهو له فقط عند الاطلاق، أو قصده.

ولهم عند قصدهم وله ولهم عند قصدهما، أي يكون له النصف فيما يظهر، وقضية ذلك أن ما اعتيد في بعض النواحي من وضع طاسة بين يدي صاحب الفرح ليضع الناس فيها دراهم، ثم يقسم على الحالق أو الخاتن أو نحوهما، يجري فيه ذلك التفصيل، فإن قصد ذلك وحده، أو مع نظرائه المعاونين له، عمل بالقصد.

وإن أطلق، كان ملكا لصاحب الفرح، يعطيه لمن يشاء.

وبهذا يعلم أنه لا

نظر هنا للعرف، أما مع قصد خلافه، فواضح، وأما مع الاطلاق، فلان حمله على من ذكر، من الاب والخادم

ــ

في رواية: وإن صام وصلى اللهم بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، آمين (قوله: فروع) أي خمسة، الأولى: قوله الهدايا الخ الثاني: قوله ولو أهدى الخ، الثالث: قوله ولو قال خذها الخ، الرابع: قوله ومن دفع الخ، الخامس قوله ولو بعث هدية الخ (قوله: الهدايا المحمولة) أي إلى أب المختون (قوله: ملك للأب) خبر المبتدأ، وهو الهدايا.

وصح ذلك، مع أن المبتدأ جمع، والخبر مفرد، لأن لفظ ملك مصدر، وهو يخبر به عن المثنى والجمع والمفرد (قوله: وقال جمع للإبن) أي أنها مالك للإبن، لا للأي (قوله: فعليه) أي على القول الثاني، وهو أنها للإبن، وقوله يلزم الأب قبولها، أي عند انتفاء المحذور، كما لا يخفى، ومنه قصد التقرب للأب وهو نحو قاض، فيمتنع عليه القبول، كما بحثه بعض الشراح، وهو ظاهر.

اه.

نهاية وتحفة (قوله: ومحل الخلاف) أي بين كونها للأب أو للإبن (قوله: إذا أطلق المهدي) بكسر الدال: اسم فاعل.

(وقوله: فلم يقصد الخ) مفرع على الإطلاق، ولو قال: أي لم يقصد، بأداة التفسير، لكان أولى، إذ هو عين الإطلاق، لا مرتب عليه (قوله: وإلا) أي وإن لم يطلق المهدي، بأن وجد منه قصد (قوله: فهي) أي الهدايا، وقوله لمن

قصده، أي من الأب، أو من الإبن، أو منهما (قوله: ويجري ذلك) أي التفصيل بين حالة الإطلاق وحالة القصد.

والمراد يجري بعض ذلك، لأنه في حالة الإطلاق هنا لا خلاف في أنه للخادم، بخلافه هناك، فإن فيه خلافا بين كونه للأب أو للإبن، بدليل التفريع بعده (قوله: فهو) أي ما يعطي للخادم، (وقوله: له) أي ملك له.

(وقوله: فقط) أي لا له معهم، (وقوله: عند الإطلاق) أي إطلاق المعطي، بكسر الطاء، (وقوله: أو قصده) أي أو عند قصده، أي الخادم، والإضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعذ حذف الفاعل، أي عند قصد المعطى إياه (قوله: ولهم) أي وهو ملك لهم، أي الصوفية، (وقوله: عند قصدهم) أي قصد المعطي إياهم فقط (قوله: وله ولهم) أي وهو ملك للخادم والصوفية، (وقوله: عند قصدهما) أي قصد المعطي إياهما معا (قوله: أي يكون له النصف) يعني إذا قصدهما المعطي بالعطية، يكون له هو النصف، ولهم النصف الآخر.

قال في التحفة بعده، أخذا مما يأتي في الوصية لزيد الكاتب والفقراء.

اه.

قال سم: كذا في شرح م ر، وقد يفرق.

اه.

(قوله: وقضية ذلك) أي ما ذكر من جريان التفضيل فيما يعطاه خادم الصوفية (قوله: بين يدي صاحب الفرح) أي ختانا كان أو غيره (قوله: ليضع الناس فيها) أي في الطاسة (قوله: ثم يقسم) أي ما ذكر من الدراهم، والأولى تقسم: بالتاء، كما في التحفة، (وقوله: أو نحوهما) أي كالمعينين لهما (قوله: يجري الخ) الجملة خبر أن.

(وقوله: ذلك التفصيل) أي الكائن فيما يعطاه الخادم، والمراد يجري نظيره (قوله: فإن قصد الخ) بيان للتفصيل، وقوله ذلك، أي المذكور من الحالق أو الخاتم أو نحوهما (قوله: أو مع نظرائه المعاونين له) قال سم: هل يقسم بينه وبين المعاونين له بالسوية، أو بالتفاوت؟ وما ضابطه؟ ولا بد من اعتبار العرف في ذلك.

اه.

(قوله: وبهذا يعلم) أي ويجريان التفصيل في هذه المسائل الثلاث، وقوله هنا، أي في هذه المسائل، وقوله للعرف: أي العادي (قوله: أما مع قصد خلافه) أي العرف.

وقوله فواضح، خبر لمبتدأ محذوف، أي فهو، أي عدم النظر للعرف، واضح (قوله: وأما مع الإطلاق) أي عدم القصد رأسا (قوله: فلأن حمله) أي الإعطاء: أي تخصيصه بمن ذكر، وقوله من

ص: 183

وصاحب الفرح، نظرا للغالب أن كلا من هؤلاء هو المقصود هو عرف الشرع، فيقدم على العرف المخالف له، بخلاف ما ليس للشرع فيه عرف، فإنه تحكم فيه العادة.

ومن ثم لو نذر لولي ميت بمال، فإن قصد أنه يملكه، لغا، وإن أطلق، فإن كان على قبره ما يحتاج للصرف في مصالحه، صرف له، وإلا فإن كان عنده قوم اعتيد قصدهم بالنذر للولي، صرف لهم، ولو أهدي لمن خلصه من ظالم لئلا ينقص ما فعله لم يحل له قبوله، وإلا حل، أي وإن تعين عليه تخليصه، ولو قال خذ هذا واشتر لك به كذا، تعين ما لم يرد التبسط، أي أو تدل

ــ

الأب، أي بالنسبة للصورة الأولى، (وقوله: والخادم) أي بالنسبة للثانية، (وقوله: وصاحب الفرح) أي بالنسبة للثالثة، (قوله: أن كلا إلخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بمن مقدرة بيانا للغالب (قوله: هو المقصود) خبر أن الثانية (قوله: هو عرف الشرع) خبر أن الأولى، أي أن الحمل المذكور نظرا للغالب هو عرف الشرع (قوله: فيقدم) أي عرف الشرع، (وقوله: على العرف) أي العادي.

(وقوله: المخالف له) أي لعرف الشرع (قوله: بخلاف الخ) خبر لمبتدأ

محذوف، أو حال مما قبله، كما تقدم غير مرة.

(قوله: فإنه تحكم فيه العادة) أي العرف العادي، والإسناد فيه من قبيل المجاز العقلي، وفي بعض نسخ الخط فإنه يحكم فيه بالعادة (قوله: ومن ثم إلخ) أي من أجل أن ما ليس للشرع فيه عرف تحكم العادة فيه.

(قوله: ولو نذر) أي من ينعقد نذره، وهو والمسلم المكلف (قوله: ميت) صفة لولي (قوله: بمال) متعلق بنذر (قوله: فإن قصد) أي الناذر، وقوله أنه، أي الولي الميت، (وقوله: يملكه) أي المال بنذره له، (وقوله: لغا) أي النذر، لأنه ليس أهلا للملك (قوله: وإن أطلق) أي لم يقصد شيئا (قوله: فإن كان الخ) أي في ذلك تفضيل، فإن كان الخ (قوله: ما يحتاج للصرف في مصالحه) أي شئ يحتاج لأن يصرف المنذور في مصالحه، كقناديل معلقة عليه فيحتاج لشراء زيت للإسراج به فيها، وتقدم، في مبحث النذر، أن الإنتفاع به شرط، فلو لم يوجد هناك من ينتفع به من مصل أو نائم أو نحوهما، لم يصح النذر.

(قوله: وإلا) أي وإن لم يكن على قبره ما يحتاج للصرف فيه (قوله: فإن كان عنده) أي عند قبر الولي الميت، (وقوله: اعتيد قصدهم بالنذر) أي اطردت العادة بأنهم يقصدون بالنذر لذلك الولي (قوله: صرف لهم) أي صرف ذلك لهؤلاء القوم الذين اعتيد صرف النذر لهم، عملا بالعادة المطردة، ولم يذكر حكم ما إذا لم يكن هناك شئ يحتاج للصرف فيه ولم يكن قوم هناك يعتاد صرف النذر إليهم.

وقد تقدم في مبحث النذر في صورة ما إذا خرج أحد من ماله للكعبة والحجرة الشريفة والمساجد الثلاثة ما نصه: أنه إن اقتضى العرف صرفه في جهة من جهاتها، صرف إليها واختصت به، فإن لم يقتض العرف شيئا، فالذي يتجه أنه يرجع في تعيين المصرف لرأي ناظرها.

اه.

بتصرف.

ويمكن أن يقال هنا كذلك، وهو إنه إذا كان لقبر ذلك الولي ناظر، فيكون الرأي فيه له، ولا يلغو النذر، ويمكن خلافه.

فليراجع (قوله: ولو أهدى لمن خلصه من ظالم الخ) عبارة المغني: ولو خلص شخص آخر من يد ظالم، ثم أنفذ إليه شيئا، هل يكون رشوة أو هدية؟ قال القفال في فتاويه: ينظر، إن كان أهدى إليه مخافة أنه ربما لو لم يبره بشئ لنقض جميع ما فعله، كان رشوة، وإن كان يأمن خيانته، بأن لا ينقض ذلك بحال، كان هبة.

اه.

(قوله: لئلا ينقض) أي المهدى إليه، (وقوله: ما فعله) أي من تخليصه من ظالم (قوله: لم يحل له قبوله) أي لأنه إنما أعطاه خوفا من أن ينقض ما فعله، فهو رشوة، وفي التحفة، ولو شكا إليه أنه لم يعرف أجرته كاذبا، فأعطاه درهما أو أعطاه بظن صفة فيه أو في نسبه فلم يكن فيه باطنا، لم يحل له قبوله ولم يملكه، ويكتفي في كونه أعطى لأجل تلك الصفة بالقرينة.

اه.

(قوله: وإلا حل) أي وإن لم يهد إليه، لئلا ينقض ما فعله، بل أهدى إليه لا لما ذكر، حل قبوله، وقوله إن تعين عليه تخليصه، بأن لم يكن هناك من يخلصه إلا هو، وهذا مبني على الأصح، أنه يجوز أخذ العوض على الواجب

العيني إذا كان في كلفة (قوله: ولو قال) أي شخص لآخر (قوله: خذ هذا) أي الدرهم أو الدينار (قوله: تعين) أي الشراء المأمور به.

(وقوله: ما لم يرد) أي بقوله واشتر كذا، (وقوله: التبسط) أي التوسع وعدم تعيين ما أمره بشرائه، وقوله أو تدل قرينة حاله، الإضافة للبيان.

وقوله عليه، أي على التبسط.

قال في التحفة: لأن القرينة هنا محكمة، ومن ثم قالوا لو

ص: 184

قرينة حاله عليه.

ومن دفع لمخطوبته أو وكيلها أو وليها طعاما أو غيره ليتزوجها فرد قبل العقد، رجع على من أقبضه، ولو بعث هدية إلى شخص فمات المهدي إليه قبل وصولها، بقيت على ملك المهدي، فإن مات المهدى، لم يكن للرسول حملها إلى المهدى إليه.

ــ

أعطى فقيرا درهما بنية أن يغسل به ثوبه، أي وقد دلت القرينة عليه، تعين له (قوله: ومن دفع لمخطوبته الخ) هذه المسألة سيذكرها الشارح في أواخر باب الصداق، ونصها: لو خطب امرأة، ثم أرسل أو دفع إليها، بلا لفظ مالا قبل العقد، أي ولم يقصد التبرع، ثم وقع الإعراض منها أو منه، رجع بما وصلها منه.

اه.

قال في التحفة هناك، أي لأن قرينة سبق الخطبة تغلب على الظن أنه إنما بعث أو دفع إليها لتتم تلك الخطبة.

اه (قوله: فرد قبل العقد) أي لم يقبل، وقوله رجع على من أقبضه، أي لأنه إنما دفع إليها ما ذكر لأجل التزويج، ولم يوجد، وفي حاشية الجمل، في باب النكاح، ما نصه.

(سئل م ر) عمن خطب امرأة، ثم أنفق عليها نفقة ليتزوجها، فهل له الرجوع بما أنفقه أم لا؟.

(فأجاب) بأن له الرجوع بما أنفقه على من دفع له، سواء كان مأكولا، أو مشروبا، أم ملبسا، أم حلوا، أم حليا، وسواء رجع هو، أم مجيبه، أم مات أحدهما، لأنه إنما أنفقه لأجل تزوجها، فيرجع به إن بقي، وببدله إن تلف، وظاهر أنه لا حاجة إلى التعرض لعدم قصده الهدية لا لأجل تزوجه بها، لأنه صورة المسألة، إذ لو قصد ذلك، أي الهدية، لا لأجل تزوجه بها، لم يختلف في عدم الرجوع.

اه.

(قوله: ولو بعث) أي شخص (قوله: فمات المهدى إليه) أي الشخص الذي أهدي إليه (قوله: قبل وصولها) أي الهدية (قوله: بقيت على ملك المهدي) أي لما تقدم أن الهبة بأنواعها الثلاثة لا تملك إلا بالقبض بدليل أنه لما مات النجاشي قبل وصول ما أهداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، رد له وقسمه بين زوجاته (قوله: فإن مات المهدي) أي قبل وصول ما أهداه للمهدى إليه، (وقوله: لم يكن للرسول الخ) أي لا يجوز له ذلك إلا بإذن الوارث.

وعبارة الروض وشرحه.

(فرع) وإن مات المهدي أو المهدى إليه قبل القبض: فليس للرسول إيصالها، أي الهدية، إلى المهدى إليه، أو وارثه، إلا بإذن جديد.

اه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 185