الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الرعد
مدنية وآياتها 43 نزلت بعد سورة محمد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (سورة الرعد)
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ أي آيات هذه السورة ويحتمل أن يريد آيات الكتب على الإطلاق، ويحتمل أن يريد القرآن على الإطلاق، وهذا بعيد لتكرار القرآن بعد ذلك وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ يعني القرآن وإعرابه مبتدأ وخبره الحق بِغَيْرِ عَمَدٍ أي بغير شيء تقف إلا قدرة الله تَرَوْنَها قيل: الضمير للسموات، وترونها على هذا في موضع الحال أو استئنافا، وقيل: الضمير للعمد أي ليس لها عمد مرئية فيقتضي المفهوم من أن لها عمدا لا ترى، وقال الجمهور: لا عمد لها البتة، فالمراد نفي العمد ونفي رؤيتها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ثم هنا لترتيب الأخبار، لا لترتيب وقوع الأمر، فإن العرش كان قبل خلق السموات، وتقدّم الكلام على الاستواء في [الأعراف: 53] يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يعني أمر الملكوت يُفَصِّلُ الْآياتِ يعني آيات كتبه مَدَّ الْأَرْضَ يقتضي أنها بسيطة لا مكورة، وهو ظاهر الشريعة، وقد يترتب لفظ البسط والمدّ مع التكوير لأن كل قطعة من الأرض ممدودة على حدتها، وإنما التكوير لجملة الأرض رَواسِيَ يعني الجبال الثابتة زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يعني صنفين من الثمر: كالأسود والأبيض، والحلو والحامض، فإن قيل: تقتضي الآية أنه تعالى خلق من كل ثمرة صنفين، وقد خلق من كثير من الثمرات أصناف كثيرة، والجواب: أن ذلك زيادة في الاعتبار، وأعظم في الدلالة على القدرة، فذكر الاثنين، لأن دلالة غيرهما من باب أولى، وقيل: إن الكلام تم في قوله: من كل الثمرات ثم ابتدأ بقوله: جعل فيها زوجين يعني الذكر والأنثى والأول أحسن يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ أي يلبسه إياه فيصير له كالغشاء، وذلك تشبيه.
قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ يعني قطع متلاصقة ومع تلاصقها، فإن أرضها تتنوع إلى طيب
ورديء وصلب ورخو، وغير ذلك، وكل ذلك دليل على الصانع المختار المريد القادر صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ الصنوان هي النخلات الكثيرة، ويكون أصلها واحد وغير الصنوان المفترق فردا فردا، وواحد الصنوان صنو يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ حجة وبرهان على أنه تعالى قدير ومريد، لأن اختلاف مذاقها وأشكالها وألوانها مع اتفاق الماء الذي تسقى به: دليل على القدرة والإرادة، وفي ذلك ردّ على القائلين بالطبيعة.
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أي إن تعجب يا محمد فإن إنكارهم للبعث حقيق أن يتعجب منه، فإن الذي قدر على إنشاء ما ذكرنا من السموات والأرض والثمار قادر على إنشاء الخلق بعد موتهم، أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ هذا هو قول الكفار المنكرين للبعث، واختلف القراء في هذا الموضع وفي سائر المواضع التي فيها استفهامان، وهي أحد عشر موضعا، أولها هذا، وفي الإسراء موضعان، وفي المؤمنين موضع، وفي النمل موضع، وفي العنكبوت موضع، وفي ألم السجدة موضع، وفي الصافات موضعان وفي الواقعة موضع، وفي النازعات موضع، فمنهم من قرأ بالاستفهام في الأول والثاني ومنهم من قرأ بالاستفهام في الأول فقط وهو نافع ومنهم من قرأ بالاستفهام في الثاني فقط، وأصل الاستفهام في المعنى، وإنما هو عن الثاني في مثل هذا الموضع، فإن همزة الاستفهام معناها الإنكار، وإنما أنكروا أن يكونوا خلقا جديدا ولم ينكروا أن يكونوا ترابا، فمن قرأ بالاستفهام في الثاني فقط هو على الأصل ومن قرأ بالاستفهام في الأول، فالقصد بالاستفهام الثاني، ومن قرأ بالاستفهام فيهما فذلك للتأكيد وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ يحتمل أن يريد الأغلال في الآخرة فيكون حقيقة، أو يريد أنهم ممنوعون من الإيمان كقولك: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا [يس: 8] ، فيكون مجازا يجري مجرى الطبع والختم على القلوب وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ أي بالنقمة قبل العافية، والمعنى:
أنهم طلبوا العذاب على وجه الاستخفاف وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ جمع مثلة على وزن تمرة وهي العقوبة العظيمة التي تجعل الإنسان مثلا، والمعنى كيف يطلبون العذاب وقد أصابت العقوبات الأمم الذين كانوا قبلهم أفلا يخافون مثل ذلك؟
وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ يريد ستره وإمهاله في الدنيا للكفار والعصاة، وقيل: يريد مغفرته لمن تاب، والأول أظهر هنا.
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية: اقترحوا نزول آية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
من نزول ملك معه أو شبه ذلك، ولم يعتبروا بالقرآن ولا بغيره من الآيات العظام التي جاء بها، وذلك منهم معاندة إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ أي إنما عليك إنذارهم، وليس عليك أن تأتيهم بآية إنما ذلك إلى الله وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن يراد بالهادي الله تعالى، فالمعنى إنما عليك الإنذار والله هو الهادي لمن يشاء إذا شاء، والوجه الثاني: أن يريد بالهادي النبي صلى الله عليه وسلم، فالمعنى إنما أنت نبي منذر، ولكل قوم هاد من الأنبياء ينذرهم فليس أمرك ببدع ولا مستنكر. الثالث: روي أنها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا المنذر وأنت يا عليّ الهادي «1» .
اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى كقوله: يعلم ما في الأرحام، وهي من الخمس التي لا يعلمها إلا الله، ويعني يعلم هل هو ذكر أو أنثى، أو تام أو خداج، أو حسن أو قبيح، أو غير ذلك وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ معنى تغيض تنقص، ومعنى تزداد من الزيادة، وقيل: إن الإشارة بدم الحيض فإنه يقل ويكبر وقيل: للولد فالغيض السقط، أو الولادة لأقل من تسعة أشهر، والزيادة إبقاؤه أكثر من تسعة أشهر، ويحتمل أن تكون ما في قوله:
ما تَحْمِلُ وما تَغِيضُ وما تَزْدادُ: موصولة أو مصدرية سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ المعنى إن الله يسمع كل شيء، فالجهر والإسرار عنده سواء. وفي هذا وما بعده تقسيم، وهو من أدوات البيان، فإنه ذكر أربعة أقسام، وفيه أيضا مطابقة وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ المعنى سواء عند الله المستخفي بالليل وهو في غاية الاختفاء مع السارب بالنهار، وهو في غاية الظهور ومعنى السارب: المتصرف في سربه بالفتح: أي في طريقه ووجهه، والسارب والمستخفي اثنان قصد التسوية بينهما في اطلاع الله عليهما، مع تباين حالهما، وقيل: إن المستخفي بالليل والسارب بالنهار: صفتان لموصوف بينهما في اطلاع الله عليهما مع تباين حالهما، وقيل: إن المستخفي بالليل والسارب بالنهار: صفتان لموصوف واحد يستخفي بالليل ويظهر بالنهار، ويعضد هذا كونه قال: وسارب، فعطفه عطف الصفات ولم يقل ومن هو سارب بتكرار من كما قال، مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ، إلا أنّ جعلهما اثنين أرجح ليقابل من أسر القول ومن جهر به، فيكمل التقسيم إلى أربعة على هذا، ويكون قوله: وَسارِبٌ عطف على الجملة وهو قوله: ومن هو مستخف لا على مستخف وحده
لَهُ مُعَقِّباتٌ المعقبات هنا جماعة الملائكة، وسميت معقبات لأن بعضهم يعقب بعضا، والضمير في له يعود على من المتقدّمة، كأنه قال: لمن أسر ومن جهر، ولمن استخفى ومن ظهر له معقبات، وقيل: يعود على الله وهو قول ضعيف لأن الضمائر التي بعده تعود على العبد باتفاق يَحْفَظُونَهُ صفة للمعقبات، وهذا الحفظ يحتمل أن يراد
(1) . انظر لمزيد اطلاع ما جاء في الطبري.
به حفظ أعماله أو حفظه وحراسته من الآفات مِنْ أَمْرِ اللَّهِ صفة للمعقبات أي معقبات من أجل أمر الله أي أمرهم بحفظه، وقرئ بأمر الله، وهذه القراءة تعضد ذلك، ولا يتعلق من أمر الله على هذا ليحفظونه، وقيل: يتعلق به على أنهم يحفظونه من عقوبة الله إذا أذنب بدعائهم له واستغفارهم إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ من العافية والنعم حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ بالمعاصي، فيقتضي ذلك أن الله لا يسلب النعم، ولا يترك النقم إلا بالذنوب يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً الخوف يكون مع البرق من الصواعق والأمور الهائلة، والطمع في المطر الذي يكون معه السَّحابَ الثِّقالَ وصفها بالثقل، لأنها تحمل الماء وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ الرعد اسم ملك وصوته المسموع تسبيح، وقد جاء في الأثر: أن صوته زجر للسحاب، فعلى هذا يكون تسبيحه غير ذلك وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ قيل: إنه إشارة إلى الصاعقة التي نزلت على أربد [بن ربيعة] الكافر، وقتلته حين هم بقتل النبي صلّى الله عليه واله وسلّم هو وأخوه [لأمه] عامر بن الطفيل [العامري]«1» واللفظ أعم من ذلك وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ يعني الكفار، والواو للاستئناف أو للحال شَدِيدُ الْمِحالِ أي شديد القوة، والمحال مشتق من الحيلة، فالميم زائدة، ووزنه مفعل، وقيل: معناه شديد المكر من قولك: محل بالرجل إذا مكر به، فالميم على هذا أصلية ووزنه فعال وتأويل المكر على هذا القول كتأويله في المواضع التي وردت في القرآن.
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ قيل: هي لا إله إلا الله، والمعنى أن دعوة العباد بالحق لله ودعوتهم بالباطل لغيره وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ يعني بالذين: ما عبدوا من دون الله من الأصنام وغيرهم، والضمير في يدعون للكفار، والمعنى أن المعبودين لا يستجيبون لمن عبدهم إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ شبّه إجابة الأصنام لمن عبدهم بإجابة الماء لمن بسط إليه كفيه، وأشار إليه بالإقبال إلى فيه، ولا يبلغ فمه على هذا أبدا لأن الماء جماد لا يعقل المراد، فكذلك الأصنام، والضمير في قوله: وما هو الماء، وفي ببالغه للفم.
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً من لا تقع إلا على من يعقل، فهي هنا يراد بها الملائكة والإنس والجن، فإذا جعلنا السجود بمعنى الانقياد لأمر الله
(1) . انظر قصتهما في تفسير الطبري.
وقضائه فهو عام في الجميع: من شاء منهم ومن أبى، ويكون طوعا لمن أسلم وكرها لمن كره وسخط، وإن جعلنا السجود هو المعروف بالجسد، فيكون لسجود الملائكة والمؤمنين من الإنس والجن طوعا، وأما الكره فهو سجود المنافق وسجود ظل الكافر وَظِلالُهُمْ معطوف على من والمعنى أن الظلال تسجد غدوة وعشية، وسجودها انقيادها للتصرف بمشيئة الله سبحانه وتعالى
قُلِ اللَّهُ جواب عن السؤال المتقدم، وهو من رب السموات والأرض، وإنما جاء الجواب والسؤال من جهة واحدة، لأنه أمر واضح لا يمكن جحده ولا المخالفة فيه، ولذلك أقام به الحجة على المشركين بقوله: أفاتخذتم من دونه أولياء.
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ الأعمى تمثيل للكافر، والبصير تمثيل للمؤمن الظُّلُماتُ الكفر وَالنُّورُ الإيمان، وذلك كله على وجه التشبيه والتمثيل أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ أم هنا بمعنى بل والهمزة، وخلقوا صفة لشركاء والمعنى: أن الله وقفهم [سألهم] هل خلق شركاؤهم خلقا كخلق الله، فحملهم ذلك واشتباهه بما خلق الله على أن جعلوا إلها غير الله؟ ثم أبطل ذلك بقوله: قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فحصل الردّ عليهم أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها الآية: هذا مثل ضربه الله للحق وأهله والباطل وحزبه، فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به الأودية، وينتفع به أهل الأرض، وبالذهب والفضة والحديد والصفر [النحاس] وغيرها من المعادن التي ينتفع بها الناس، وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله وزواله بالزبد الذي يربى به السيل ويريد تلك المعادن التي يطفو فوقها إذا أذيبت، وليس في الزبد منفعة، وليس له دوام بِقَدَرِها يحتمل أن يريد ما قدر لها من الماء، ويحتمل أن يريد بقدر ما تحتمله على قدر صغرها وكبرها زَبَداً رابِياً الزبد ما يحمله السيل من غثاء ونحوه، والرابي المنتفخ الذي ربا ومنه الربوة وَمِمَّا يُوقِدُونَ المجرور في موضع خبر المقدم، والمبتدأ زبد مثله: أي ينشأ من الأشياء التي يوقد عليها زبد السيل ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ الذي يوقد عليه ابتغاء الحلي: هو الذهب والفضة، والذي يوقد عليه ابتغاء متاع هو الحديد والرصاص والنحاس والصفر وشبه ذلك، والمتاع ما يستمتع الناس به في مرافقهم وحوائجهم يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ أي يضرب أمثال الحق والباطل جُفاءً يجفاه السيل، أي يرمي به وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ يريد الخالص من الماء ومن تلك الأحجار
لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى الذين استجابوا هم المؤمنون، وهذا استئناف كلام،
والحسنى: الجنة، وإعرابها مبتدأ وخبرها: للذين استجابوا، والذين استجابوا مبتدأ وخبره لو أن لهم ما في الأرض الآية فيوقف على الأمثال، وعلى الحسنى، وقيل: للذين استجابوا يتعلق بيضرب، والحسنى مصدر من معنى استجابوا: أي استجابوا الاستجابة الحسنى، والذين لم يستجيبوا معطوف على الذين استجابوا، والمعنى: يضرب الله الأمثال للطائفتين، وعلى هذا إنما يوقف على: والذين لم يستجيبوا له سُوءُ الْحِسابِ أي المناقشة والاستقصاء.
أَفَمَنْ يَعْلَمُ تقرير. والمعنى أسواء من آمن ومن لم يؤمن، والأعمى هنا من لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم «وقيل: إنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وأبي جهل لعنه الله يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ القرابات وغيرها وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ قيل يدفعون الشرك بقول لا إله إلا الله، وقيل: يدفعون من أساء إليهم بالتي هي أحسن، والأظهر يفعلون الحسنات فيدرءون بها السيئات كقوله: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ [هود:
114] ، وقيل: إن هذه الآية نزلت في الأنصار، ثم هي عامة في كل مؤمن اتصف بهذه الصفات عُقْبَى الدَّارِ يعني الجنة، ويحتمل أن يريد بالدار: الآخرة وأضاف العقبى إليها لأنها فيها، ويحتمل أن يريد بالدار الدنيا، وأضاف العقبى إليها لأنها عاقبتها جَنَّاتُ عَدْنٍ بدل من عقبى الدار، أو خبر ابتداء مضمر تفسيرا لعقبى الدار وَمَنْ صَلَحَ أي من كان صالحا سَلامٌ عَلَيْكُمْ أي يقولون لهم: سلام عليكم بِما صَبَرْتُمْ يتعلق بمحذوف تقديره: هذا بما صبرتم ويجوز أن يتعلق بسلام أي ليسلم عليكم بما صبرتم وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ إلى آخر الآية أوصاف مضافة كما تقدم وقيل: إنها في الخوارج، والأظهر أنها في الكفار سُوءُ الدَّارِ يحتمل أن يراد بها الدنيا والآخرة اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ أي يوسع على ما من يشاء، ويضيق على من يشاء، وهذا تفسيره حيث وقع وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا إخبار في ضمنه ذم وتسفيه لمن فرح بالدنيا، لذلك حقرها بقوله: وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع أي: قليل بالنظر إلى الآخرة قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ خرج به مخرج
التعجب منهم لما طلبوا آية، أي قد جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن وآيات كثيرة فعميتم عنها، وطلبتم غيرها وتماديتم على الكفر، لأنّ الله يضل من يشاء مع ظهور الآيات، وقد يهدي من يشاء دون ذلك
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ بدل من من أناب، أو خبر ابتداء مضمر والذين آمنوا وعملوا الصالحات بدل ثان، أو مبتدأ طُوبى مصدر من طاب كبشرى ومعناها أصابت خيرا وطيبا، وقيل: هي شجرة في الجنة، وإعرابها مبتدأ.
كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ الكاف تتعلق بالمعنى الذي في قوله: يضل من يشاء ويهدي من يشاء وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قيل: إنها نزلت في أبي جهل، وقيل نزلت في قريش حين عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، فكتب الكاتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال قائلهم: نحن لا نعرف الرحمن، وهذا ضعيف، لأن الآية نزلت قبل ذلك ولأن تلك القصة إنما أنكروا فيها التسمية فقط، ومعنى الآية: أنهم يكفرون بالله مع تلاوة القرآن عليهم مَتابِ مفعل من التوبة وهو اسم مصدر وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ الآية: جواب لو محذوف تقديره: لو أن قرآنا على هذه الصفة من تسيير الجبال، وتقطيع الأرض وتكليم الموتى لم يؤمنوا به، فالمعنى كقوله: لا يؤمنوا ولو جاءتهم كل آية، وقيل تقديره: ولو أن قرآنا على هذه الصفة لكان هذا القرآن الذي هو غاية في التذكير ونهاية في الإنذار كقوله: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً [الحشر: 21] ، وقيل هو متعلق بما قبله والمعنى، وهم يكفرون بالرحمن ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أَفَلَمْ يَيْأَسِ معناه أفلم يعلم وهي لغة هوازن وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني كفار قريش قارِعَةٌ يعني مصيبة في أنفسهم وأولادهم وأموالهم، أو غزوات المسلمين إليهم أَوْ تَحُلُّ الفاعل ضمير القارعة. والمعنى إما إن تصيبهم، وإما أن تقرب منهم، وقيل التاء للخطاب، والفاعل ضمير المخاطب وهو النبي صلى الله عليه وسلم، والأول أظهر حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ هو فتح مكة، وقيل قيام الساعة.
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ الآية مقصدها تأنيس وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا حيث وقع فَأَمْلَيْتُ أي أمهلتهم
أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ هو الله تعالى أي حفيظ رقيب على عمل كل أحد، والخبر محذوف تقديره: أفمن هو قائم على كل نفس بما
كسبت أحق أن يعبد أم غيره؟ ويدل على ذلك قوله: وجعلوا لله شركاء قُلْ سَمُّوهُمْ أي اذكروا أسماءهم أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ المعنى: أن الله لا يعلم لنفسه شركاء وإذا لم يعلمهم هو فليسوا بشيء، فكيف تفترون الكذب في عبادتهم، وتعبدون الباطل، وذلك كقولك: قل لي من زيد؟ أم هو أقل من أن يعرف فهو كالعدم أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ المعنى أتسمونهم شركاء بظاهر اللفظ من غير أن يكون لذلك حقيقة كقوله: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ [النجم: 23] لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
يعني بالقتل والأسر والخوف وغير ذلك.
مَثَلُ الْجَنَّةِ هنا وفي القتال [محمد: 15] صفتها، وليس بضرب مثل لها، والخبر عند سيبويه محذوف مقدم تقديره: فيما يتلى عليكم صفة الجنة، وقال الفراء:
الخبر مؤخر، وهو تجري من تحتها الأنهار أُكُلُها دائِمٌ يعني ما يؤكل فيها من الثمرات وغيرها والأكل: بضم الهمزة المأكول، ويجوز فيه ضم الكاف وإسكانها، والأكل بفتح الهمزة المصدر وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ يعني من أسلم من اليهود والنصارى كعبد الله بن سلام والنجاشي وأصحابه وقيل: يعني المؤمنين والكتاب على هذا القرآن وَمِنَ الْأَحْزابِ قيل: هم بنو أمية، وبنو المغيرة من قريش والأظهر أنها في سائر كفار العرب، وقيل: هم اليهود والنصارى لأنهم لا ينكرون القصاص والأشياء التي في كتبهم، وإنما ينكرون البعض مما لا يعرفونه أو حرفوه قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وجه اتصاله بما قبله أنه جواب المنكرين، ورد عليهم كأنه قال: إنما أمرت بعبادة الله وتوحيده، فكيف تنكرون هذا مَآبِ مفعل من الأوب وهو الرجوع، أي مرجعي في الآخرة أو مرجعي بالتوبة وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً ردّ على من أنكر أن يكون الرسول من البشر أو يحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر من النساء والذرية، فالمعنى لست ببدع في ذلك، بل أنت كمن تقدم من الرسل.
وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ردّ على الذين اقترحوا الآيات لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ قال الفراء لكل كتاب أجل بالعكس. وهذا لا يلزم، بل المعنى صحيح من
غير عكس، أي لكل أجل كتاب كتبه الله في اللوح المحفوظ.
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ «1» قيل: يعني ينسخ ما يشاء من القرآن والأحكام، ويثبت منها ما يشاء، وقيل: هي في آجال بني آدم، وذلك أن الله تعالى قدر في ليلة القدر، وقيل: في ليلة النصف من شعبان بكتب أجل من يموت في ذلك العام، فيمحوه من ديوان الأحياء، ويثبت من لا يموت في ذلك العام، وقيل: إن المحو والإثبات على العموم في جميع الأشياء، وهذا تردّه القاعدة المتقررة أن القضاء لا يبدل، وأن علم الله لا يتغير، فقال بعضهم: المحو والإثبات في كل شيء إلا في السعادة والشقاوة الأخروية، والآجال وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ أصل كل كتاب، وهو اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه مقادير الأشياء كلها.
وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ إن شرط دخلت عليها ما المؤكدة وجوابها: فَإِنَّما أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها الإتيان هنا بالقدرة والأمر، والأرض أرض الكفار ونقصها هو بما يفتح الله على المسلمين منها، والمعنى أو لم يروا ذلك فيخافوا أن نمكنك منهم، وقيل: الأرض جنس، ونقصها بموت الناس، وهلاك الثمرات وخراب البلاد «2» وشبه ذلك لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ المعقب الذي يكر على الشيء فيبطله فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً تسمية للعقوبة باسم الذنب وسيعلم الكافر «3» تهديد، والمراد بالكافر الجنس بدليل قراءة الْكُفَّارُ بالجمع، وعقبى الدار الدنيا والآخرة قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أمره الله أن يستشهد الله على صحة نبوته وشهادة الله له هي: علمه بذلك وإظهاره الآيات الدالة على ذلك وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ معطوف على اسم الله على وجه الاستشهاد به، وقيل:
المراد عبد الله بن سلام ومن أسلم من اليهود والنصارى الذين يعلمون صفته صلى الله عليه وسلم من التوراة والإنجيل، وقيل: المراد المؤمنون الذين يعلمون علم القرآن ودلالته على النبوّة، وقيل:
المراد الله تعالى، فهو الذي عنده علم الكتاب، ويضعف هذا، لأنه عطف صفة على موصوف، ويقويه قراءة: ومن عنده بمن الجارة وخفض عنده.
(1) . ويثبت: بالتخفيف قراءة ابن كثير وأبو عمرو وعاصم. وبالتشديد: يثبّت: قرأ الباقون.
(2)
. ربما دلت الآية على ما يحدث في الأرض من خسف وغرق لبعض الأماكن والجزر في المحيطات بسبب الزلازل والبراكين كما صار مشهورا في أيامنا.
(3)
. قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: الكافر وقرأ الباقون: الكفار.