الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{19
يخبر تعالى أنه لا يتساوى الأضداد في حكمة الله، وفيما أودعه في فطر عباده. {وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى} فاقد البصر {وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلا الأمْوَاتُ} فكما أنه من المتقرر عندكم، الذي لا يقبل الشك، أن هذه المذكورات لا تتساوى، فكذلك فلتعلموا أن عدم تساوي المتضادات المعنوية أولى وأولى.
فلا يستوي المؤمن والكافر، ولا المهتدي والضال، ولا العالم والجاهل، ولا أصحاب الجنة وأصحاب النار، ولا أحياء القلوب وأمواتها، فبين هذه الأشياء من التفاوت والفرق ما لا يعلمه إلا الله تعالى، فإذا علمت المراتب، وميزت الأشياء، وبان الذي ينبغي أن يتنافس في تحصيله من ضده، فليختر الحازم لنفسه، ما هو أولى به وأحقها بالإيثار.
{إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ} سماع فهم وقبول، لأنه تعالى هو الهادي الموفق {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} أي: أموات القلوب، أو كما أن دعاءك لا يفيد سكان القبور شيئا، كذلك لا يفيد المعرض المعاند شيئا، ولكن وظيفتك النذارة، وإبلاغ ما أرسلت به، قبل منك أم لا.
ولهذا قال: {إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ} أي مجرد إرسالنا إياك بالحق لأن الله تعالى بعثك على حين فترة من الرسل وطموس من السبل واندراس من العلم وضرورة عظيمة إلى بعثك فبعثك الله رحمة للعالمين
وكذلك ما بعثناك به من الدين القويم والصراط المستقيم حق لا باطل وكذلك ما أرسلناك به من هذا القرآن العظيم وما اشتمل عليه من الذكر الحكيم حق وصدق {بَشِيرًا} لمن أطاعك بثواب الله العاجل والآجل {وَنَذِيرًا} لمن عصاك بعقاب الله العاجل والآجل ولست ببدع من الرسل
فما {مِنْ أُمَّةٍ} من الأمم الماضية والقرون الخالية {إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} يقيم عليهم حجة الله {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}
{25
أي: وإن يكذبك أيها الرسول، هؤلاء المشركون، فلست أول رسول كذب، {فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} الدالات على الحق، وعلى صدقهم فيما أخبروهم به، {وَبالزُّبُرِ} أي: الكتب المكتوبة، المجموع فيها كثير من الأحكام، {وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} أي: المضيء في أخباره الصادقة، وأحكامه العادلة، فلم يكن تكذيبهم إياهم ناشئا عن اشتباه، أو قصور بما جاءتهم به الرسل، بل بسبب ظلمهم وعنادهم.
{ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا} بأنواع العقوبات {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} عليهم؟ كان أشد النكير وأعظم التنكيل، فإياكم وتكذيب هذا الرسول الكريم، فيصيبكم كما أصاب أولئك، من العذاب الأليم والخزي الوخيم.
{27
يذكر تعالى خلقه للأشياء المتضادات، التي أصلها واحد، ومادتها واحدة، وفيها من التفاوت والفرق ما هو مشاهد معروف، ليدل العباد على كمال قدرته وبديع حكمته.
فمن ذلك: أن الله تعالى أنزل من السماء ماء، فأخرج به من الثمرات المختلفات، والنباتات المتنوعات، ما هو مشاهد للناظرين، والماء واحد، والأرض واحدة.
ومن ذلك: الجبال التي جعلها الله أوتادا للأرض، تجدها جبالا مشتبكة، بل جبلا واحدا، وفيها ألوان متعددة، فيها جدد بيض، أي: طرائق بيض، وفيها طرائق صفر وحمر، وفيها غرابيب سود، أي: شديدة السواد جدا.
ومن ذلك: الناس والدواب، والأنعام، فيها من اختلاف الألوان والأوصاف والأصوات والهيئات، ما هو مرئي بالأبصار، مشهود للنظار، والكل من أصل واحد ومادة واحدة.
فتفاوتها دليل عقلي على مشيئة الله تعالى، التي خصصت ما خصصت منها، بلونه، ووصفه، وقدرة الله تعالى حيث أوجدها كذلك، وحكمته ورحمته، حيث كان ذلك الاختلاف، وذلك التفاوت، فيه من المصالح والمنافع، ومعرفة الطرق، ومعرفة الناس بعضهم بعضا، ما هو معلوم.
وذلك أيضا، دليل على سعة علم الله تعالى، وأنه يبعث من في القبور، ولكن الغافل ينظر في هذه الأشياء وغيرها نظر غفلة لا تحدث له
⦗ص: 689⦘
التذكر، وإنما ينتفع بها من يخشى الله تعالى، ويعلم بفكره الصائب وجه الحكمة فيها.
ولهذا قال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فكل من كان بالله أعلم، كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله، الانكفاف عن المعاصي، والاستعداد للقاء من يخشاه، وهذا دليل على فضيلة العلم، فإنه داع إلى خشية الله، وأهل خشيته هم أهل كرامته، كما قال تعالى:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}
{إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} كامل العزة، ومن عزته خلق هذه المخلوقات المتضادات.
{غَفُورٌ} لذنوب التائبين.