الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{63
أي {قُلْ} للمشركين بالله، الداعين معه آلهة أخرى، ملزما لهم بما أثبتوه من توحيد الربوبية، على ما أنكروا من توحيد الإلهية {مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} أي: شدائدهما ومشقاتهما، وحين يتعذر أو يتعسر عليكم وجه الحيلة، فتدْعون ربكم تضرعا بقلب خاضع، ولسان لا يزال يلهج بحاجته في الدعاء، وتقولون وأنتم في تلك الحال:{لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ} الشدة التي وقعنا فيها {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} لله، أي المعترفين بنعمته، الواضعين لها في طاعة ربهم، الذين حفظوها عن أن يبذلوها في معصيته.
{قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ} أي: من هذه الشدة الخاصة، ومن جميع الكروب العامة. {ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} لا تفون لله بما قلتم، وتنسون نعمه عليكم، فأي برهان أوضح من هذا على بطلان الشرك، وصحة التوحيد؟ "
{65
أي: هو تعالى قادر على إرسال العذاب إليكم من كل جهة. {مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ} أي: يخلطكم {شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} أي: في الفتنة، وقتل بعضكم بعضا.
فهو قادر على ذلك كله، فاحذروا من الإقامة على معاصيه، فيصيبكم من العذاب ما يتلفكم ويمحقكم، ومع هذا فقد أخبر أنه قادر على ذلك. ولكن من رحمته، أن رفع عن هذه الأمة العذاب من فوقهم بالرجم والحصب، ونحوه، ومن تحت أرجلهم بالخسف.
ولكن عاقب من عاقب منهم، بأن أذاق بعضهم بأس بعض، وسلط بعضهم على بعض، عقوبة عاجلة يراها المعتبرون، ويشعر بها العالمون (1) .
{انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ} أي: ننوعها، ونأتي بها على أوجه كثيرة وكلها دالة على الحق. {لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} أي: يفهمون ما خلقوا من أجله، ويفقهون الحقائق الشرعية، والمطالب الإلهية.
{وَكَذَّبَ بِهِ} أي: بالقرآن {قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} الذي لا مرية فيه، ولا شك يعتريه. {قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} أحفظ أعمالكم، وأجازيكم عليها، وإنما أنا منذر ومبلغ.
{لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ} أي: وقت يستقر فيه، وزمان لا يتقدم عنه ولا يتأخر. {وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ما توعدون به من العذاب.
(1) في ب: "العاملون".
{68
المراد بالخوض في آيات الله: التكلم بما يخالف الحق، من تحسين المقالات الباطلة، والدعوة إليها، ومدح أهلها، والإعراض عن الحق، والقدح فيه وفي أهله، فأمر الله رسوله أصلا وأمته تبعا، إذا رأوا من يخوض بآيات الله بشيء مما ذكر، بالإعراض عنهم، وعدم حضور مجالس الخائضين بالباطل، والاستمرار على ذلك، حتى يكون البحث والخوض في كلام غيره، فإذا كان في كلام غيره، زال النهي المذكور.
فإن كان مصلحة كان مأمورا به، وإن كان غير ذلك، كان غير مفيد ولا مأمور به، وفي ذم الخوض بالباطل، حث على البحث، والنظر، والمناظرة بالحق. ثم قال:{وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ} أي: بأن جلست معهم، على وجه النسيان والغفلة. {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} يشمل الخائضين بالباطل، وكل متكلم بمحرم، أو فاعل لمحرم، فإنه يحرم الجلوس والحضور عند حضور المنكر، الذي لا يقدر على إزالته.
هذا النهي والتحريم، لمن جلس معهم، ولم يستعمل تقوى الله، بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم، أو يسكت عنهم، وعن الإنكار، فإن استعمل تقوى الله تعالى، بأن كان يأمرهم بالخير، وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم، فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخفيفه، فهذا ليس عليه حرج ولا إثم، ولهذا قال:
{وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أي: ولكن ليذكرهم، ويعظهم، لعلهم يتقون الله تعالى.
⦗ص: 261⦘
وفي هذا دليل على أنه ينبغي أن يستعمل المذكِّرُ من الكلام، ما يكون أقرب إلى حصول مقصود التقوى. وفيه دليل على أنه إذا كان التذكير والوعظ، مما يزيد الموعوظ شرا إلى شره، إلى أن تركه هو الواجب (1) لأنه إذا ناقض المقصود، كان تركه مقصودا.
(1) في ب: كان تركه هو الواجب.