الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{174
يمتن تعالى على سائر الناس بما أوصل إليهم من البراهين القاطعة والأنوار الساطعة، ويقيم عليهم الحجة، ويوضح لهم المحجة، فقال:{يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِن رَّبِّكُمْ} أي: حجج قاطعة على الحق تبينه وتوضحه، وتبين ضده.
وهذا يشمل الأدلة العقلية والنقلية، الآيات الأفقية والنفسية {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ} .
وفي قوله: {مِن رَّبِّكُمْ} ما يدل على شرف هذا البرهان وعظمته، حيث كان من ربكم الذي رباكم التربية الدينية والدنيوية، فمن تربيته لكم التي يحمد عليها ويشكر، أن أوصل إليكم البينات، ليهديكم بها إلى الصراط المستقيم، والوصول إلى جنات النعيم.
{وَأَنزلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} وهو هذا القرآن العظيم، الذي قد اشتمل على علوم الأولين والآخرين والأخبار الصادقة النافعة، والأمر بكل عدل وإحسان وخير، والنهي عن كل ظلم وشر، فالناس في ظلمة إن لم يستضيئوا بأنواره، وفي شقاء عظيم إن لم يقتبسوا من خيره.
ولكن انقسم الناس -بحسب الإيمان بالقرآن والانتفاع به- قسمين:
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ} أي: اعترفوا بوجوده واتصافه بكل وصف كامل، وتنزيهه من كل نقص وعيب. {وَاعْتَصَمُوا بِهِ} أي: لجأوا إلى الله واعتمدوا عليه وتبرؤوا من حولهم وقوتهم واستعانوا بربهم. {فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ} أي: فسيتغمدهم بالرحمة الخاصة، فيوفقهم للخيرات ويجزل لهم المثوبات، ويدفع عنهم البليات والمكروهات.
{وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} أي: يوفقهم للعلم والعمل، معرفة الحق والعمل به.
أي: ومن لم يؤمن بالله ويعتصم به ويتمسك بكتابه، منعهم من رحمته، وحرمهم من فضله، وخلى بينهم وبين أنفسهم، فلم يهتدوا، بل ضلوا ضلالا مبينا، عقوبة لهم على تركهم الإيمان فحصلت لهم الخيبة والحرمان، نسأله تعالى العفو والعافية والمعافاة.
{176}
أخبر تعالى أن الناس استفتوا رسوله صلى الله عليه وسلم أي: في الكلالة بدليل قوله: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} وهي الميت يموت وليس له ولد صلب ولا ولد ابن، ولا أب، ولا جد، ولهذا قال:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} أي: لا ذكر ولا أنثى، لا ولد صلب ولا ولد ابن.
وكذلك ليس له والد، بدليل أنه ورث فيه الإخوة، والأخوات بالإجماع لا يرثون مع الوالد، فإذا هلك وليس له ولد ولا والد {وَلَهُ أُخْتٌ} أي: شقيقة أو لأب، لا لأم، فإنه قد تقدم حكمها. {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} أي نصف متروكات أخيها، من نقود وعقار وأثاث وغير ذلك، وذلك من بعد الدين والوصية كما تقدم.
{وَهُوَ} أي: أخوها الشقيق أو الذي للأب {يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ} ولم يقدر له إرثا لأنه عاصب فيأخذ مالها كله، إن لم يكن صاحب فرض ولا عاصب يشاركه، أو ما أبقت الفروض.
{فَإِن كَانَتَا} أي: الأختان {اثْنَتَيْنِ} أي: فما فوق {فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً} أي: اجتمع الذكور من الإخوة لغير أم مع الإناث {فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ} فيسقط فرض الإناث ويعصبهن إخوتهن.
{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا} أي:
⦗ص: 218⦘
يبين لكم أحكامه التي تحتاجونها، ويوضحها ويشرحها لكم فضلا منه وإحسانا لكي تهتدوا ببيانه، وتعملوا بأحكامه، ولئلا تضلوا عن الصراط المستقيم بسبب جهلكم وعدم علمكم.
{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أي: عالم بالغيب والشهادة والأمور الماضية والمستقبلة، ويعلم حاجتكم إلى بيانه وتعليمه، فيعلمكم من علمه الذي ينفعكم على الدوام في جميع الأزمنة والأمكنة.
آخر تفسير سورة النساء فلله الحمد والشكر.