الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{8}
يخبر تعالى عن كرمه بعبده وإحسانه وبره، وقلة شكر عبده، وأنه حين يمسه الضر، من مرض أو فقر، أو وقوع في كربة بَحْرٍ أو غيره، أنه يعلم أنه لا ينجيه في هذه الحال إلا الله، فيدعوه متضرعا منيبا، ويستغيث به في كشف ما نزل به ويلح في ذلك.
{ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ} الله {نِعْمَةً مِنْهُ} بأن كشف ما به من الضر والكربة، {نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ} أي: نسي ذلك الضر الذي دعا الله لأجله، ومر كأنه ما أصابه ضر، واستمر على شركه.
{وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} أي: ليضل بنفسه، ويضل غيره، لأن الإضلال فرع عن الضلال، فأتى بالملزوم ليدل على اللازم.
{قُلْ} لهذا العاتي، الذي بدل نعمة الله كفرا:{تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} فلا يغنيك ما تتمتع به إذا كان المآل النار.
{9}
هذه مقابلة بين العامل بطاعة الله وغيره، وبين العالم والجاهل، وأن هذا من الأمور التي تقرر في العقول تباينها، وعلم علما يقينا تفاوتها، فليس المعرض عن طاعة ربه، المتبع لهواه، كمن هو قانت أي: مطيع لله بأفضل العبادات وهي الصلاة، وأفضل الأوقات وهو أوقات الليل، فوصفه بكثرة العمل وأفضله، ثم وصفه بالخوف والرجاء، وذكر أن متعلق الخوف عذاب الآخرة، على ما سلف من الذنوب، وأن متعلق الرجاء، رحمة الله، فوصفه بالعمل الظاهر والباطن.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} ربهم ويعلمون دينه الشرعي ودينه الجزائي، وما له في ذلك من الأسرار والحكم {وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} شيئا من ذلك؟ لا يستوي هؤلاء ولا هؤلاء، كما لا يستوي الليل والنهار، والضياء والظلام، والماء والنار.
{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} إذا ذكروا {أُولُو الألْبَابِ} أي: أهل العقول الزكية الذكية، فهم الذين يؤثرون الأعلى على الأدنى، فيؤثرون العلم على الجهل، وطاعة الله على مخالفته، لأن لهم عقولا ترشدهم للنظر في العواقب، بخلاف من لا لب له ولا عقل، فإنه يتخذ إلهه هواه.
{10}
أي: قل مناديا لأشرف الخلق، وهم المؤمنون، آمرا لهم بأفضل الأوامر، وهي التقوى، ذاكرا لهم السبب الموجب للتقوى، وهو ربوبية الله لهم وإنعامه عليهم، المقتضي ذلك منهم أن يتقوه، ومن ذلك ما مَنَّ الله عليهم به من الإيمان فإنه موجب للتقوى، كما تقول: أيها الكريم تصدق، وأيها الشجاع قاتل.
وذكر لهم الثواب المنشط في الدنيا فقال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا} بعبادة ربهم {حَسَنَة} ورزق واسع، ونفس مطمئنة، وقلب منشرح، كما قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}
{وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} إذا منعتم من عبادته في أرض، فهاجروا إلى غيرها، تعبدون فيها ربكم، وتتمكنون من إقامة دينكم.
ولما قال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} كان لبعض النفوس مجال في هذا الموضع، وهو أن النص عام، أنه كل من أحسن فله في الدنيا حسنة، فما بال من آمن في أرض يضطهد فيها ويمتهن، لا يحصل له ذلك، دفع هذا الظن بقوله:{وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} وهنا بشارة نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله " لا تزال طائفة من أمتي على
⦗ص: 721⦘
الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك " تشير إليه هذه الآية، وترمي إليه من قريب، وهو أنه تعالى أخبر أن أرضه واسعة، فمهما منعتم من عبادته في موضع فهاجروا إلى غيرها، وهذا عام في كل زمان ومكان، فلا بد أن يكون لكل مهاجر، ملجأ من المسلمين يلجأ إليه، وموضع يتمكن من إقامة دينه فيه.
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وهذا عام في جميع أنواع الصبر، الصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها، والصبر على طاعته حتى يؤديها، فوعد الله الصابرين أجرهم بغير حساب، أي: بغير حد ولا عد ولا مقدار، وما ذاك إلا لفضيلة الصبر ومحله عند الله، وأنه معين على كل الأمور.