الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{6
يقول تعالى مخبرا عن عناد بني إسرائيل المتقدمين، الذين دعاهم عيسى ابن مريم، وقال لهم:{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} أي: أرسلني الله لأدعوكم إلى الخير وأنهاكم عن الشر، [وأيدني بالبراهين الظاهرة] ، ومما يدل على صدقي، كوني، {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} أي: جئت بما جاء به موسى من التوراة والشرائع السماوية، ولو كنت مدعيا للنبوة، لجئت بغير ما جاءت به المرسلون، ومصدقا لما بين يدي من التوارة أيضا، أنها أخبرت بي وبشرت، فجئت وبعثت مصداقا لها {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} وهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب النبي الهاشمي.
فعيسى عليه الصلاة والسلام، كالأنبياء (1) يصدق بالنبي السابق، ويبشر بالنبي اللاحق، بخلاف الكذابين، فإنهم يناقضون الأنبياء أشد مناقضة، ويخالفونهم في الأوصاف والأخلاق، والأمر والنهي {فَلَمَّا جَاءَهُمْ} محمد صلى الله عليه وسلم الذي بشر به عيسى {بِالْبَيِّنَاتِ} أي: الأدلة الواضحة، الدالة على أنه هو، وأنه رسول الله [حقا] .
{قَالُوا} معاندين للحق مكذبين له {هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} وهذا من أعجب العجائب، الرسول الذي [قد] وضحت رسالته، وصارت أبين من شمس النهار، يجعل ساحرا بينا سحره، فهل في الخذلان أعظم من هذا؟ وهل في الافتراء أعظم (2) من هذا الافتراء، الذي نفى عنه ما كان معلوما من رسالته، وأثبت له ما كان أبعد الناس منه؟
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} بهذا وغيره، والحال أنه لا عذر له، وقد انقطعت حجته، لأنه {يُدْعَى إِلَى الإسْلامِ} ويبين له ببراهينه وبيناته، {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} الذين لا يزالون على ظلمهم مستقيمين، لا تردهم عنه موعظة، ولا يزجرهم بيان ولا برهان، خصوصا هؤلاء الظلمة القائمين بمقابلة الحق ليردوه، ولينصروا الباطل، ولهذا قال الله عنهم:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} أي: بما يصدر منهم من المقالات الفاسدة، التي يردون بها الحق، وهي (3) لا حقيقة لها، بل تزيد البصير معرفة بما هم عليه من الباطل، {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} أي: قد تكفل الله بنصر دينه، وإتمام الحق الذي أرسل به رسله، وإشاعة (4) نوره على سائر الأقطار، ولو كره الكافرون، وبذلوا بسبب كراهتهم كل سبب يتوصلون (5) به إلى إطفاء نور الله فإنهم مغلوبون.
وصاروا بمنزلة من ينفخ عين
⦗ص: 860⦘
الشمس بفيه (6) ليطفئها، فلا على مرادهم حصلوا، ولا سلمت عقولهم من النقص والقدح فيها.
ثم ذكر سبب الظهور والانتصار للدين الإسلامي، الحسي والمعنوي، فقال:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} أي: بالعلم النافع والعمل الصالح.
بالعلم الذي يهدي إلى الله وإلى دار كرامته، ويهدي لأحسن الأعمال والأخلاق، ويهدي إلى مصالح الدنيا والآخرة.
{وَدِينِ الْحَقِّ} أي: الدين الذي يدان به، ويتعبد لرب العالمين الذي هو حق وصدق، لا نقص فيه، ولا خلل يعتريه، بل أوامره غذاء القلوب والأرواح، وراحة الأبدان، وترك نواهيه سلامة من الشر والفساد (7) فما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، أكبر دليل وبرهان على صدقه، وهو برهان باق ما بقي الدهر، كلما ازداد العاقل تفكرا، ازداد به فرحا وتبصرا.
{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} أي: ليعليه على سائر الأديان، بالحجة والبرهان، ويظهر أهله القائمين به بالسيف والسنان، فأما نفس الدين، فهذا الوصف ملازم له في كل وقت، فلا يمكن أن يغالبه مغالب، أو يخاصمه مخاصم إلا فلجه وبلسه، وصار له الظهور والقهر، وأما المنتسبون إليه، فإنهم إذا قاموا به، واستناروا بنوره، واهتدوا بهديه، في مصالح دينهم ودنياهم، فكذلك لا يقوم لهم أحد، ولا بد أن يظهروا على أهل الأديان، وإذا ضيعوه واكتفوا منه بمجرد الانتساب إليه، لم ينفعهم ذلك، وصار إهمالهم له سبب تسليط الأعداء عليهم، ويعرف هذا، من استقرأ الأحوال ونظر في أول المسلمين وآخرهم
(1) في ب: كسائر الأنبياء.
(2)
في ب: أبلغ.
(3)
كذا في ب، وفي أ: التي.
(4)
في ب: وإظهار.
(5)
في ب: كل ما قدروا عليه مما يتوصلون.
(6)
في ب: ومثلهم كمثل من ينفخ عين الشمس.
(7)
كذا في ب، وفي أ: وترك للنواهي التي تعاطيها سبب الشر والفساد.