المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ - تفسير الشعراوي - جـ ١٢

[الشعراوي]

الفصل: {إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ

ولقائل أنْ يتساءل: أَلَمْ يكُنْ من الواجب ما دام قد قال: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ

} [الرعد:‌

‌ 33]

أن يأتي بالمقابل، ويقول: كمَنْ ليس قائماً على كل نفس بما كسبت؟

ولمثل هذا السائل نقول: إنها عظمة القرآن الذي يترك للعقل

ص: 7355

ما يمكن أن يستنبطه؛ فيأتي بأشياء تتطلَّب التفكير والاستنباط، كي يتنبَّه الإنسان أنه يستقبل كلام رَبٍّ حكيم؛ وعليه أن يبحث فيه.

ولذلك يقول سيدنا عبد الله بن مسعود: «ثَوِّروا القرآن» أي: أثيروه، كي تكتشفوا ما فيه من كنوز.

ونحن نعلم أن كلمة «قائم على الأمر» تعني أنه هو الذي يُدِيره ويُدبِّره، ولا تَخْفَى عليه خافية. وجاء الحق سبحانه هنا بصيغة القيام؛ كي نعلم أن الحق سبحانه لا يدير الأمر من حالة قعود؛ بل يديره وهو قائم عليه، فكل أمر هو واضح عنده غير خَفيّ.

وهو سبحانه قائم على كل نفس بما كسبتْ إن خيراً فخيْر؛ وإنْ شراً فشرّ، ولكنكم أيها الكافرون المشركون لا تملكون لأنفسكم ضراً ولا نَفْعاً؛ فهل يمكن لعاقل أنْ يساوي بين الذي يقوم على أمر كل نفس، بغيره مِمَّن ليس كذلك؟

ولكن هناك مَنْ قال فيهم الحق سبحانه في نفس الآية: {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ

} [الرعد: 33]

أي: جعلوا للقائم على أمر كُلِّ نفس شركاء لا يقدر الواحد فيهم على أمر نَفْسه؛ وبالتالي لا يقدر على أمر غيره؛ بل قد يُصَابُ الصَّنم من هؤلاء بشَرْخ؛ فيأتي مَنْ يعبدونه ليقوموا على أمره صارخين بأن إلههم قدْ انشرخَ؛ ويحتاج إلى مسمارين لتثبيته،

ص: 7356

فكيف يُسوُّونَ ذلك الصنم بالله الذي لا يحدُّه شيء ولا يحُدُّ قدرته شيء؟

وقَوْل الحق سبحانه: {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ

} [الرعد: 33]

دليل على النص المحذوف: «كمن هو غير قائم على كل نفس» ، فسبحانه ليس كهذه الأصنام العاجزة؛ لأنه سبحانه قائم على كل نفس؛ نفسك ونفس غيرك ونفس كل إنسان عاش أو سيعيش.

ولذلك يقول سبحانه بعدها: {قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الأرض أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القول

} [الرعد: 33]

وهنا يأمر الحق سبحانه رسوله أن يقول للكافرين بالله: قُولوا أسماء مَنْ تعبدونهم من غير الله؛ وهي أحجار، والأحجار لا أسماءَ لها؛ وهم قد سَمَّوْا الأصنام بأسماء كاللاّت والعُزَّى وهُبَل؛ وهي أسماء لم تُضِفْ لتلك الأصنام شيئاً، فهي لا تقدر على شيء؛ ولو سَمَّوْهَا لُنسِبت لعمرو بن لُحَيّ، الذي أوجدهم؛ وهُمْ سَمَّوْها ساعة أنْ نحتُوها.

ص: 7357

والإله الحق لا يسميه أحد، بل يُسمِّي هو نفسه، ولكن بما أن المسألة كَذِب في كَذِب، لذلك يسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم َ عن أسماء تلك الآلهة.

ويقول لهم: هل تنبئون أنتم الله خالق كل الكون بما لا يعلم في كونه الذي أوجده من عدم؟

سبحانه يعلم كل ما خلق؛ وأنتم لا تعبدون إلا أصناماً ينطبق عليها أنها من ظاهر القول؛ أي: قول لا معنى له؛ لأنهم أطلقوا أسماء على أشياء لا باطنَ لها ولا قدرة تستطيعها، وهم اكتفَوْا بالظاهر والمُسمَّى غير موجود.

ويقول الحق سبحانه: {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السبيل

} [الرعد: 33]

أي: أنهم ظنوا أنهم يمكرون على الله، ويقولون إن تلك الأصنام آلهة، وهي ليست كذلك.

ثم يقول سبحانه: {

وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد: 33]

أي: أن العذاب الذي يَلْقوْنَه في الحياة الدنيا هو لصيانة حركة المجتمع من الفساد، ولابد أنْ يقعَ لهم عذابٌ في الحياة الدنيا؛ ولأن مَنْ يؤجِّل عذابه للآخرة؛ لابد أن يرى في نفسه آية العذاب قبل أن يَلْقى عذابه في الآخرة.

إذن: فعذاب الدنيا هو لحماية حركة الحياة؛ ولذلك نجد القوانين وهي تُسَنُّ لِتُطبق على المنحرف؛ ومَنْ يرتكب الجُرْم يخاف أن تقع

ص: 7358

عليه العين؛ وإن رآه أحد فهو يبلغ عنه ليلقى عقابه؛ وبذلك تستقيم حركة الحياة.

ولذلك نجد الحق سبحانه يقول في سورة الكهف: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرض وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً حتى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشمس وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا ياذا القرنين إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً} [الكهف: 83 - 87]

أي: أنه قد أخذ تفويضاً بأن يقيم الأمر في هؤلاء الناس، فأقامه على أساسٍ من الثواب والعقاب؛ فمَنْ أحسنَ فَلَهُ الجزاء الحسن؛ ومَنْ أساء يَلْقى العقاب، وهكذا نجد عذاب الدنيا ضرورياً لسلامة حركة الحياة من بَطْش مَنْ لا يؤمنون بالله.

ولذلك نجد الحق سبحانه يقول بعد ذلك:

{لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الحياة الدنيا

}

ص: 7359

ولهؤلاء المشركين الذين لا يؤمنون بالآخرة عذابٌ في الدنيا بالقتل والأَسْر والمصائب والكوارث التي لا يقدرون عليها، وفَوْق

ص: 7359

ذلك لهم عذاب في الآخرة أكثر شدةً من عذابِ الدنيا؛ فليس لهم مَنْ يحميهم، أو يُقيم بينهم وبين عذاب الله وقاية أو عِصْمة.

وفي المقابل يقول سبحانه بعد ذلك:

{مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون

}

ص: 7360

والمصدر الأساسي الذي وعد المتقين بالجنة هنا هو الله، وقد بلَّغ عنه الرسل عليهم السلام هذا الوعد، وتَلاهُمُ العلماء المُبلِّغون عن الرسل.

وأنت حين تنظر إلى فعل يشيع بين عدد من المصادر، تستطيع أن تبحث عن المصدر الأساسي، والمَثَل هو قول الحق سبحانه: {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مَوْتِهَا

} [الزمر: 42]

ويقول في موقع آخر من القرآن: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ

} [السجدة: 11]

وهكذا تكون التَّوْفية قد آلتْ إلى الله؛ وآلتْ إلى مَلَكِ الموت، وقد أخذ مَلَكَ الموْت مسئولية التَّوفية من إسناد الحق له تلك المهمة؛ ويكون نسبتها لِملَكِ الموت هو نوع من إيضاح الطرف الذي يُوكِّل له الحق سبحانه تنفيذ المهمة.

ص: 7360

ومرة يأتي الحق سبحانه بالمصدر الأصلي الذي يُصدِر الأمر لِملَكِ الموْت بمباشرة مهمته.

وهنا في الآية الكريمة نجد قول الحق سبحانه: {وُعِدَ المتقون

} [الرعد: 35]

وهي مَبْنية لِمَا لم يُسَمّ فاعله؛ فالوعد منه سبحانه. «ونعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم َ يَعِد أيضاً، فها نحن قد جاء إلينا خبر بيعة العقبة؛ حين أخذ البيعة من الأنصار، وقالوا له: خُذْ لنفسك، فأخذ لنفسه ما أراد، ثم قالوا له: وماذا نأخذ نحن إنْ أدَّيْنَا هذا؟ فقال لهم:» لكم الجنة «.

وقال صلى الله عليه وسلم َ ذلك؛ لأن العمل الذي فعلوه؛ لا يكفيه أجراً إلا الجنة، ومن المعقول أن أيَّ واحد من الذين حضروا العقبة قد يتعرض للموت من بعد معاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم َ، فلو أنه وعدهم بِمَا في الدنيا من متاع قد يأخذه البعض فيما بعد؛ فالذي يموت قبل هذا لابُدَّ أن يدرك شيئاً مِمّا وعد الرسول مَنْ عاهدوه؛ ولذلك أعطاهم ما لا ينفد، وهو الوَعْد بالجنة.

والحق سبحانه هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول: {مَّثَلُ الجنة

} [الرعد: 35]

ص: 7361

أي: أنه يضرب لنا المَثَل فقط؛ لأن الألفاظ التي نتخاطَبُ بها نحن قد وُضِعتْ لِمَعان نعرفها؛ وإذا كانت في الجنة أشياء لم تَرَها عَيْنٌ ولم تسمعها أُذنٌ، ولم تخطر على بال بشر؛ فمنَ المُمْكِن أن نقول إنه لا توجد ألفاظ عندنا تؤدي معنى ما هناك، فيضرب الله الأمثال لنا بما نراه من الملذَّات؛ ولكن يأخذ منها المُكدِّرات والمُعكِّرات.

وهكذا نعرف أن هناك فارقاً بين» مثل الجنة «وبين» الجنة «، فالمَثَل يعطيني صورة أسمعها عن واقع لا أعلمه؛ لأن معنى التمثيل أن تُلحِق مجهولاً بمعلوم لِتأخذَ منه الحكم.

مثلما تقول لصديق: أتعرف فلاناً؛ فيقول لك:» لا «. فتقول له:» إنه يشبه فلاناً الذي تعرفه «.

وأنت تفعل ذلك كي تشبه مجهولاً بمعلوم؛ لتأتي الصورة في ذِهْن سامعك.

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم َ شرحاً لما أجمْله القرآن: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين

} [الزخرف: 71]

ويضيف صلى الله عليه وسلم َ: «فيها مَا لَا عَيْن رأتْ، ولا أُذن سمعتْ، ولا خَطر على قَلْب بشرٍ» .

ص: 7362

وحين تُدقَّق في هذا القول النبويّ الكريم تجد الترقِّي كاملاً؛ فقوله: «ما لا أُذن سمعتْ» جاء لأنه يعلم أن مُدْركَاتِ العيْنِ محدودة بالنسبة لِمَا تعلمُ الأذن؛ لأن الأذن تسمع ما لا تدركه العين؛ فهي تسمع ما يراه غيرُك بالإضافة إلى ما تراه أنت.

فالأذن تسمع القريب وتسمع البعيد وتنقل صوته وتستحضره ثم تميزه، بخلاف العين فهي محدودة المسافة حسب قوة الإبصار، ومع كل فنعيم الجنة فوق كل هذا الفوق.

ثم يأتي الترقِّي الأكبر في قوله: «ولا خطر على قلب بشر» . والخواطر أوسَعُ من قدرة الأذن وقُدْرة العين؛ فالخواطر تتخيَّل أشياء قد تكون غيرَ موجودة.

وهكذا نرى عَجْز اللغة عن أنْ تُوجد بها ألفاظ تعبر عن معنى ما هو موجود بالجنة، ولا أحدَ فينا يعلم ما هي الأشياء الموجودة بالجنة، وما دام أحد منا لم يَرَ الجنة؛ وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم َ قال:«فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» .

فلابُدَّ أنْ نعلم قَدْر عَجْز اللغة عن التعبير عَمَّا في الجنة، فإذا أراد الله أنْ يُعبِّر عَمَّا فيها؛ فهو يُوضِّح لنا بالمثَلِ؛ لا بالوصف، لأنه يعلم أن لغتنا تضع الألفاظ لِمَا هو موجود في حياتنا؛ ولا توجد ألفاظ في لغتنا تُؤدِّي معاني ما في الجنة.

ولذلك قال لنا الحق سبحانه: {مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى

} [محمد: 15]

ص: 7363

ومع أن الحق سبحانه يضرب مثلاً، إلا أنه خلَّص المَثَل من شوائبه التي نعرفها في الدنيا، فالمياه عندما تجري؛ تكون حُلْوة ورائقة وصَافية؛ وإنْ ركدتْ فهي تأسُنُ وتكون عَطِنة.

ولذلك يُوضِّح لنا الحق سبحانه أن المياه في الجنة غير آسنة؛ وأنها تكون أنهاراً منزوعاً من مياهها ما يُكِّدرها.

وكذلك المثل بأنهار من لبن لم يتغير طَعْمه. واللبن كما نعرف هو غذاء البدو؛ فَهُمْ يحلبون الماشية، ويحتفظون بألبانها في قِرَبٍ لِمُدةٍ طويلة؛ فيتغير طَعْم اللبن؛ ولذلك يضرب لهم المثَل بوجود أنهار من لبن لم يتغير طَعْمه.

وأيضاً يضرب المثل بوجود أنهار من عَسَل مُصفَّى، والعسل كما نعرف كان في الأصل يأتي من النحْل الذي كان يسكن الجبال قبل استئناسه؛ ووَضْعه في مناحل في الحدائق.

والحق سبحانه وتعالى هو القائل: {وأوحى رَبُّكَ إلى النحل أَنِ اتخذي مِنَ الجبال بُيُوتاً وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}

[النحل: 68]

وحين بحث علماء الحشرات عن تاريخ النحل، وجدوا أن أقدمَ عسل في العالم هو الذي كان موجوداً في الكهوف الجبليّة؛ ثم يليه في العمر العسل الذي جاء من خلايا النحل؛ تلك الخلايا التي أقامها

ص: 7364

النحل بعد استئناسه؛ ومن بعد ذلك يأتي العسل الذي أقمْنَا نحن له المنَاحل.

وقد ميَّزوا العسل القديم عن المتوسط عن الجديد، بأن أحرقوا بعضاً من كل نوع من أنواع العسل، فنتج من الاحتراق عنصر الكربون؛ ومن هذا العنصر اكتشفوا عمر كل نوع من الثلاثة.

ويوضح الحق سبحانه أن بالجنة أنهاراً من عَسَل مُصفَّى، وبذلك يُقدِّم لنا خَيْر ما كنا نُحِبه من عسل الدنيا، ولكن بدون ما يُكدِّره.

ويوضِّح سبحانه أيضاً أن في الجنة أنهاراً من خمر، ولكنها خَمْر تختلف عن خمر الدنيا؛ فهي لا تؤثر على التكوين العضْوي للعقل، كما أن خمر الدنيا ليس فيها لذةٌ للشاربين؛ لأنها من كحول يَكْوي الفم ويَلْسعه؛ ولذلك تجد مَنْ يشربها وهو يسكْبها في فمه لِتمُرَّ بسرعة فلا يشعر بلسعها في فمه، فتذهب إلى معدته مباشرة فتلهبها.

ويختلف الحال لو كان المشروب هو شراب عصير المانجو أو البرتقال أو القصب؛ حيث تستطيب النفس مذاقَ تلك الفواكه؛ فنجد مَنْ يشربها يتمهَّل ليستبقى أثرها في فمه.

ويقول الحق سبحانه عن خمر أنهار الجنة: {لَا فِيهَا غَوْلٌ

} [الصافات: 47]

ص: 7365

أي: أنه سبحانه ينفي عن خَمْر أنهار الجنة كُلَّ المُكدِّرات التي توجد في خمر الدنيا.

إذن: فساعةَ تسمع مثلاً عن الجنة؛ فاعلم أنه مَثَلٌ تقريبيّ؛ لأنه لا يمكن أن تأتي الحقيقة، حيث لا يوجد لفظ يُعبِّر عنها؛ وهي لم توجد عندنا؛ وسبحانه لا يخاطبنا إلا بما نعلم من اللغة؛ لذلك يأتي لنا بالمثَلِ المضروب لنأخذ منه صورة تقريبية.

وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها، يقول الحق سبحانه: {مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار

} [الرعد: 35]

ونعلم أن عَصَب حياة العرب أيام نزول القرآن كان هو الماء؛ ألم يطلبوا من الرسول أن يُفجِّر لهم الأنهار تفجيراً؟

نجد الحق سبحانه قد جاء بالتعبير القرآني عن أنهار الجنة بصورتين مختلفتين:

أولهما: {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار

} [الرعد: 35]

مثلما قال في الآية التي نحن بصَددِ خواطرنا عنها.

ومرَّة يقول سبحانه: {تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار

} [التوبة: 100]

والفارق بين العبارتين هو استيعاب الكمالية في النص، بمعنى أن:

ص: 7366

{تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار

} [الرعد: 35]

تُوضِّح أن منابع تلك الأنهار تأتي من تحت تلك الجنة مباشرة؛ فلا يَقِلّ الماء في تلك الأنهار أبداً.

ويُقال: إن الفارق بين أنهار الدنيا وأنهار الجنة أن أنهار الدنيا عبارة عن شقوق في الأرض لها شواطئ تحتضنها؛ أما أنهار الآخرة فهي تسير على الأرض دون شواطئ تحجزها.

ونجد أنهار الخمر تسير أيضاً في الأرض، ولا تتداخل مع أنهار الماء، وكذلك أنهار اللبن، وكُلُّ ذلك من صَنْعة رَبٍّ حكيم قادر.

أما قوله: {تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار

} [التوبة: 100]

أي: أن منابعها ليست من تحتها مباشرة؛ ولكنها تأتي دون نَقْصٍ من جهة أنت لا تعلمها؛ وهو سبحانه قادر على كل شيء.

ويتابع سبحانه، فيقول عن تلك الجنة: {أُكُلُهَا دَآئِمٌ

} [الرعد: 35]

والأكل هو ما يُؤكَل، وسبحانه القائل: {تؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا

} [إبراهيم: 25]

ص: 7367

وقوله: {أُكُلُهَا دَآئِمٌ

} [الرعد: 35]

أي: لا ينقطع، ونعلم أن الإنسان حين يأكل؛ فهو يفعل ذلك بهدف إشباع جُوعه؛ وبعد أن يُشبِع جُوعَه؛ قد يطلب أن يُرفعَ الطعام من أمامه، إلى أنْ يجوع، فيطلب الطعام من جديد.

ومنْ يحبون الطعام في حياتنا الدنيا نرى الواحد منهم وهو يقول: «أشعر ببعض الضيق لأني شبعتُ» ، فهو في عراك بين نفس تشتهي وبين بطن لا تشبع، وكأنه كان يريد أنْ يستمر في تناول الطعام طوال الوقت.

وقول الحق سبحانه: {أُكُلُهَا دَآئِمٌ

} [الرعد: 35]

شغل هذا القول الرومان الذين كانوا أصحاب إمبراطورية عُظْمى زَلْزلها الإسلام بحضارته الوليدة، وأرسل إمبراطورهم مَنْ يطلب من أحد الخلفاء إرسال رجل قادر على شرح قول الحق: {أُكُلُهَا دَآئِمٌ

} [الرعد: 35]

فأرسل لهم أحدَ العلماء؛ وسألوه: يقول قرآنكم إن أُكُل الجنة دائم؛ ونحن وأنتم تعلمون أن كل شيء يُؤخذ منه لابُدَّ له أن ينقص؛ فكيف يكون أُكُل الجنةِ دائماً؟

قال العالم لهم: هاتوا مصباحاً. فأحضروا له المصباح وأشعله أمامهم. وقال لكل منهم: فَليأْتِ كل منكم بمصباحه. فأحضر كل منهم مصباحه. وقال لهم: فَلْيُشعِل كل منكم مِصبْاحه.

ص: 7368

وهنا سألهم: ما الذي أنقصه إشعال مصابيحكم من هذا المصباح؟ قالوا: لا شيء. فقال لهم: هكذا ضرب الله لنا المثَل بأُكُل الجنة.

وبطبيعة الحال كان يجب أن يلتفتوا إلى أن المصباح يعتمد في اشتعاله على الزيت المخزون فيه، ويأتيه منه المدد، أما الجنة فمدَدُها من الله.

وهناك مَنْ قال: هل نتغوَّط في الجنة؟ فَردَّ عليه واحد من العارفين: لا. فتساءل: وأين تذهب بقايا ما نأكل من طعام الجنة؟

فقال العارف بالله: مثلما تذهب بقايا ما يتغذى عليه الطفل في بطن أمه؛ حيث يحترق هذا الفائض في مَشِيمة الطفل؛ والطفل في بطن أمه إنما ينمو بشكل مستمر، مُعتمِداً على غذاء يأتيه من أمه عَبْر الحَبْل السُّريّ.

وكل تلك الأمور تقريبية تجعلنا نعبر الفجوة بين ما نشهده في حياتنا اليومية، وبين ما أعدَّه الله للمتقين، وهو القيُّوم على كُلِّ أمْرٍ.

وقد قال الحق سبحانه: {أُكُلُهَا دَآئِمٌ

} [الرعد: 35]

يعني: أن الطعام موجود ولا ينتهي وكذلك الظل. والظل حَجْب المضيء من مكان؛ أو حَجْب مكان عن المضيء، ولا أحد يعلم أنه ستوجد هناك شمس أم لا؛ والعقل البشري قاصر عن تخيُّل ذلك؛

ص: 7369

فهو من فعل الله، وهو سبحانه قادر على كل شيء.

وهو القائل سبحانه: {والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً} [النساء: 57]

وهو القائل سبحانه: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} [الواقعة: 30]

ويتابع سبحانه: {

تِلْكَ عقبى الذين اتقوا وَّعُقْبَى الكافرين النار} [الرعد: 35]

أي: يا متقي الله؛ وضعتَ بينك وبين صفات جلاله وقاية، ولم تقربْ محارمه واتبعتَ منهجه؛ ستجد أنه سبحانه يُجازِيك بصفات كَماله وجَماله؛ فينزِلك الجنة التي وعدكَ بها.

لذلك إن وجدت مشقَّة في التكليف فعليك أن تعلمَ أن جزاء تلك المشقَّة هو الجزاء الجميل؛ لأنك صدَّقْتَ رسولك صلى الله عليه وسلم َ حين قال: «حفت الجنة بالمكاره؛ وحفت النار بالشهوات» .

والعاقل ساعةَ يرى تكليفاً يحُدُّ من حريته؛ فهو يستحضر الجزاء على تلك المشقَّة، وهو أيضاً حين يرى أمراً يبدو في ظاهره شهوة

ص: 7370

عاجلة؛ فهو يستحضر العقاب على تلك الشهوة العاجلة فيستبعدها.

وأي من الجزاء الطيب أو العقاب قد يأتي فجأة؛ لأن الموتَ لا ميعادَ له؛ ونحن نُصدِّق قول رسولنا صلى الله عليه وسلم َ: «الموت القيامة، فمن مات فقد قامت قيامته» .

وهكذا يُضخِّم الحق سبحانه من جزاء المؤمن المُتقي فيعشق العمل، ويتحمل مشاقّ التكليف ليكون مَوْصُولاً بالجزاء الطيب، فهذا الجزاء هو عُقْبى العمل الحسن في الدنيا، فالغاية الحقيقية من كل مراحل الوجود هي ألَاّ يوجد بَعْد للغاية؛ لأنها غاية الخلود لا تعرف البعدية.

ومادامت الجنة تضمن الخلود أبداً، فهي تستحق أن تكون غايةَ المؤمن وعاقبةَ عمله، والتزامِه بالتكاليف الإيمانية.

تماماً كما تكون النار هي عاقبة الكافرين المُكذِّبين؛ حيث يروْنَ الخير مصير المؤمنين؛ ويروْنَ الشرَّ مصيرهم؛ فيُجمع عليهم التنغيصُ؛ مرة بوجود الخير عند أهل الإيمان؛ ومرة بأن يَرَوْا ما أُعِدَّ لهم من شَرٍّ.

لذلك قال سبحانه: {

وَّعُقْبَى الكافرين النار} [الرعد: 35]

ص: 7371

ويقول سبحانه بعد ذلك:

{والذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب

}

ص: 7372

ونعلم أن الإسلام قد سُبِق بدينين؛ دين النصارى قَوْم عيسى عليه السلام؛ ومن قبله دين اليهود قوم موسى عليه السلام؛ وكِلَا الدينين له كتاب؛ الإنجيل كتاب المسيحية؛ والتوراة كتاب اليهودية؛ والقرآن هو كتاب الله المهيمن الخاتم؛ كتاب الإسلام، وهناك كتب سماوية أخرى مثل: صحف إبراهيم؛ وزبور داود، وغير ذلك.

وكان على مَنْ نزل عليهم التوراة والإنجيل أن يواصلوا الإيمان بمَدَدِ السماء، والخير القادم منها إلى الأرض، وقد سبق أن أخذ الله من أنبيائهم الميثاق على ذلك، وقال تعالى:

ص: 7372

{وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِي قالوا أَقْرَرْنَا قَالَ فاشهدوا وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشاهدين} [آل عمران: 81]

وهكذا نعلم أن الحق سبحانه قد شاء أن يستقبل كُلُّ دين سابق الدينَ الذي يليه بالإيمان به؛ وفي كل دين سابق لآخر كانت النصوص تؤكد ضرورة الإيمان بالرسول القادر، كي لا يحدث اقتراع بين الأديان الناسخة والأديان المنسوخة.

فمِنْ صميم مواد أيِّ دين سابق أن ينتظر الدين الذي يليه، وإذا ما جاء الدين الجديد فهو يستقبله فْرَعاً وتكملة، ولا يستقبله كدين يُضادِّ الدين السابق.

وإذا كان الإسلام هو الدين الذي تُختم به مواكب الرُّسُل؛ فلابُدَّ أن الأديان السابقة عليه قد بَشَّرَتْ به، وكل مؤمن بالأديان السابقة مُوصى بضرورة الإيمان به.

ويقول الحق سبحانه: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى وعيسى أَنْ أَقِيمُواْ الدين وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ

} [الشورى: 13]

ويقول الحق سبحانه: {والذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ

} [الرعد: 36]

ص: 7373

أي: أن أهل التوراة والإنجيل يفرحون بما جاء يا محمد من القرآن، والإنسان لا يفرح بشيء إلا إذا حقَّق له غايةً تُسْعِده، ولابُدَّ أن تكون هذه الغاية منشورة ومعروفة.

وهم قد فرحوا بما نزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم َ؛ لأنه حقق لهم ما جاء في كتبهم من نبوءة به.

ومعنى ذلك أن كتبهم قد صدقتْ، ومَنْ جاء بالرسالة الخاتم صادق، وكان عليهم أن يكونوا أول المُبَادرين إلى الإيمان به.

ذلك أن الفرحة هي العملية التعبيرية أو النُّزوعية من مواجيد الحب، والإنسان إنما يفرح بتحقيق أمر طيِّب كان ينتظره.

ولذلك كان يجب أن يُهروِلوا للإيمان بالدين الجديد، وأنْ يعلنوا الإيمان به مثلما فعل كعب الأحبار، وعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي الذي جاب أغلب البلاد باحثاً عن الدين الحق.

وهؤلاء هم مجرد أمثلة لِمَنْ أرادوا أنْ يُعبِّروا بالفرحة واستقبال مَدَدِ السماء عَبْر مجيء النبي الخاتم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم َ، وأعلنوا البيعة للرسول الجديد كما بشَّرَتْ به الكتب السماوية السابقة على بعثته، ثم وقفوا موقف العداء من الذين لم يفرحوا بِمقْدمِ الرسول، ثم غيَّروا ما جاء في كتبهم السماوية طمعاً في السلطة الزمنية.

ص: 7374

وعرف مَنْ آمنوا برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم َ أن الذين أنكروا نبوة محمد بن عبد الله قد دَلَّسوا على أنفسهم وعلى غيرهم، وأتوْا بأشياء لم تكن موجودة في كتبهم المُنزَّلة على رسلهم كادعائهم أن لله أبناء، وسبحانه مُنزَّه عن ذلك.

ولذلك جاء قول الحق سبحانه: {والذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأحزاب مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله ولا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} [الرعد: 36]

تلك عدالة من القرآن؛ لأن القرآن لم ينكر الكتب السماوية السابقة بأصولها، لكنه أنكر التحريف في العقائد، وأنكر مواقف مَنْ حرَّفوا وادَّعوْا كذباً أن هناك بنوة لله.

هذا التحريف لم يَنَلْ من القرآن إنكاراً لكل ما جاء بالكتب السابقة على القرآن؛ ولكنه أنكر التحريف فقط.

وقد أثبتَ القرآن ما لله وما للرسول، وأنكر التحريف الذي أرادوا به السلطة الزمنية؛ وادعاء القداسة، والتجارة بصكوك الغفران وبيع الجنة، وتلقِّي الاعترافات، وغير ذلك مما لم ينزل به كتاب سماوي.

وحين جاء الإسلام لِيُحرِّم ذلك دافعوا عن سلطتهم التي يتاجرون بها في أمور الدين، وهي ليست من الدين.

ص: 7375

وانظر إلى قول الحق سبحانه: {قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله ولا أُشْرِكَ بِهِ

} [الرعد: 36]

وهذا القول دليلٌ على أن هؤلاء المُغيّرين في الكتب السماوية أو الذين أنكروا وحدانية الله؛ هؤلاء جاء لهم بالقول الفَصْل: {إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله

} [الرعد: 36]

أي: أنه يُقِر بأن هناك ديناً قد اُختِير له من قِبَل مُرَبٍّ؛ ولم يَختَرْ محمد شيئاً أعجبه ليعبده، ولكنه كرسول من الله يَشْرُف بالانتماء لما جاءه الأمر به من السماء، وهو لا يشرك به أحد.

ونجد الرسول صلى الله عليه وسلم َ يتعصَّب لِمَا يتعلق بربه؛ وقد يتهاون بما يتعلق بشخصه.

ولذلك وجدنا بعض الملاحدة وقد قالوا له: نحن نؤمن بالله وبالسماء والوحي وبكل شيء، لَكِنّا لا نؤمن بك أنت، ولم يغضب رسول الله عليه الصلاة والسلام ُ، ولو كان يُدخِل ذاته أو أنانيته في الأمر لَغضِب، ولكنه لم يغضب.

والدليل على هذا هو أن مواجيده صلى الله عليه وسلم َ كانت مع الروم المؤمنين بكتاب سماوي ضد المشركين الذين لا يؤمنون بدين سماوي وهم الفُرْس؛ وحزن صلى الله عليه وسلم َ حين غُلبت الروم، فنزل إليه القول الحق بنبأ النصر القادم في بِضْع سنين؛ تسليةً له صلى الله عليه وسلم َ:{الم غُلِبَتِ الروم في أَدْنَى الأرض وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ العزيز الرحيم}

[الروم: 1 - 5]

ص: 7376