المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

و «السرابيل» جمع «سِرْبال» وهو ما يلي الجسد، وهو ما - تفسير الشعراوي - جـ ١٢

[الشعراوي]

الفصل: و «السرابيل» جمع «سِرْبال» وهو ما يلي الجسد، وهو ما

و «السرابيل» جمع «سِرْبال» وهو ما يلي الجسد، وهو ما نسميه في عصرنا «قميص» . وإذا كان السِّرْبال من قطران؛ فهو أسود لاذع نتن الرائحة سريع الاشتعال؛ وتلك صفات القطران، وهو شيء يسيل من بعض أشجار البادية وتلك صفاته، وهم يستخدمونه لعلاج الجمال من الجرب.

وعادة يضرب الحق سبحانه المثل من الصورة القريبة إلى الذِّهن من التي يراها العربي في بيئته.

ويقول عنهم الحق سبحانه أيضاً:

{وتغشى وُجُوهَهُمُ النار} [إبراهيم:‌

‌ 50]

.

والإنسان إذا ما تعرّض لأمر يصيبه بالعطب، فأوَّل ما يحاول الحفاظ عليه هو وجهه، ذلك أن الوجه هو أشرف شيء في الإنسان، فما بالنا حين تغشى وجوه الكفرةِ النارُ؟ إن مجرد تخيُّل ذلك أمر مؤلم.

وسبحانه يقول في آية اخرى: {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سواء العذاب يَوْمَ القيامة

} [الزمر: 24] .

وكأن الواحد منهم من فَرْط شدة العذاب يحاول أن يدفَع هذا العذاب بوجهه، وهكذا نجد أحاسيسَ شتَّى لهذا العذاب؛ وهو مُؤلِم أشدّ الألم.

ويقول سبحانه في موقع آخر: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ

} [القمر: 48] .

ص: 7616

وهكذا نجد أن الوجه قد جاء في أكثر من صورة؛ من صور هذا العذاب.

ويقول سبحانه من بعد ذلك: {لِيَجْزِيَ الله كُلَّ نَفْسٍ

} .

ص: 7617

والجزاء أمر طبيعي في الوجود، وحتى الذين لا يؤمنون بإله؛ ويديرون حركة حياتهم بتقنينات من عندهم قد وضعوا لأنفسهم قوانين جزاء تحدد كل جريمة والعقاب المناسب لها.

وبطبيعة الحال لا يكون أمراً غريباً أن يضع خالق الكون نظاماً للجزاء ثواباً وعقاباً، ولو لم يَضَعْ الحق سبحانه نظاماً للجزاء بالثواب والعقاب؛ لَنالَ كل مُفسدِ بُغْيته من فساده؛ ولأحسّ أهل القيم أنهم قد خُدِعُوا في هذه الحياة.

وما دام الجزاء أمراً طبيعياً؛ فلا ظُلْم فيه إذن؛ لأنه صادر عَمَّنْ قال: {لَا ظُلْمَ اليوم

} [غافر: 17] .

ولا يجازي الحق سبحانه الجزاء العنيف إلا على الجريمة العنيفة:

وقوله سبحانه:

ص: 7617

{لِيَجْزِيَ الله كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ

} [إبراهيم: 51] .

يعني أن المؤمن أو الكافر سَيلْقي جزاء ما فعل؛ إنْ ثواباً أو عقاباً.

والكسب - كما نعلم - هو أن تأخذ زائداً عن الأصل، فأنت حين تحرم نفسك من شيء في الدنيا؛ ستأخذ جزاء هو الثواب وما يزيد عن الأصل.

ومَنْ كسب سيئة سيأخذ عقاباً عليها، ويُقَال «كسب السيئة» ولا يقال «اكتسبها» ذلك أن ارتكابه للسيئة صار دُرْبة سلوكية؛ ويفرح بارتكابها، ولا بُدَّ إذن من الجزاء؛ والجزاء يحتاج حساباً، والحساب يحتاج ميزاناً.

وقد يقول المؤمن: إنِّي أُصدِّق ربي، ولن يظلم ربِّي أحداً. ونقول: إن المقصود بالميزان هو إقامة الحجة؛ ولذلك نجده سبحانه يقول: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [القارعة: 6 - 7] .

ويقول أيضاً: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: 8 - 9] .

ونجد القسمة العقلية في الميزان واضحة فهي مرة «ثَقُلَت»

ص: 7618

ومرة «خَفّت» . أما مَنْ تساوت كِفَّتا ميزانه؛ فَفَسرت حالته سورة الأعراف التي قال فيها الحق سبحانه: {وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ

} [الأعراف: 46] .

وما دام الحق سبحانه سيحاسب كل نَفْس بما كسبتْ؛ فقد يظنُّ البعض أن ذلك سيستغرق وقتاً؛ ولذلك يتابع سبحانه:

{إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} [إبراهيم: 51] .

ليبين لنا أنه سبحانه سُيحاسِب كل الخَلْق من لَدُن آدم إلى أنْ تقومَ الساعة بسرعة تناسب قدرته المطلقة.

وحين سأل الناسُ الإمام - علياً - كرَّم الله وجهه -: كيف سيحاسب الله الخلق كلهم دفعة واحدة؟ أجاب الإجابة الدَّالة الشافية، وقال:«كما يرزقهم جميعاً» .

ويقول سبحانه من بعد ذلك: {هذا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ

.} .

ص: 7619