الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يطغى: أي يزداد طغيانا، أسمع وأرى: أي أسمع وأرى ما يجرى بينكما من قول أو فعل، فأتياه: أي فقابلاه وجها لوجه، فأرسل معنا بنى إسرائيل: أي فأطلقهم من الأسر، ولا تعذبهم: أي ولا تبقهم على ما هم عليه من العذاب والتسخير فى شاقّ الأعمال، والسلام على من اتبع الهدى: أي والسلامة من العذاب فى الدارين لمن صدّق بآيات الله الهادية إلى الحق، تولى: أي أعرض.
المعنى الجملي
بعد أن عدد سبحانه المنن الثمانية بإزاء ما طلبه موسى من المطالب الثمان- شرع يذكر الأوامر والنواهي التي طلب إليه أن يقوم بتنفيذها ويؤدى الرسالة على النهج الذي أمره به.
الإيضاح
(اذهب أنت وأخوك بآياتى ولا تنيا فى ذكرى) أي اذهب أنت وأخوك إلى فرعون وقومه، وإنى ممدّ كما بحججي وبرهاناتى الدالة على صدق نبوتكما، ومظهر على أيديكما من الآيات ما تزاح به العلل والمعاذير، ولا تفترا فى دعوتهم وتبليغ الرسالة إليهم، فبيّنا لهم أن الله أرسلكما إليهم مبشرين بثوابه ومنذرين بعقابه.
(اذهبا إلى فرعون إنه طغى) أي اذهبا معا إلى فرعون، وناضلاه الحجة بالحجة، وقارعاه البرهان بالبرهان، لأنه طغى وتجبر وتمرّد حتى ادعى الربوبية فقال «أنا ربكم الأعلى» .
وتخصيص فرعون بالدعوة آخرا بعد أن كانت الدعوة عامة أوّلا، من قبل أنه إذا صادفت الدعوة من فرعون أذنا صاغية، واستجاب لدعوتهما وآمن بهما تبعه المصريون قاطبة كما قيل: الناس على دين ملوكهم.
ثم بين لهما سبيل الدعوة فقال:
(فقولا له قولا لينا) أي فكلماه بكلام رقيق لين، ليكون أوقع فى نفسه، وأنجع فى استجابته للدعوة، فبرقيق القول تلين قلوب العصاة، وتنكسر سورة الطغاة، ومن ثم جاء الأمر به لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فى قوله:«ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتى هى أحسن» .
ومن هذا ما حكى الله بعضه عن موسى فى قوله لفرعون: «هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى» وقوله تعالى له: «والسلام على من اتبع الهدى» .
ثم علل الأمر بإلانة القول بقوله:
(لعله يتذكر أو يخشى) تقدم أن قلنا إن (لعل) فى مثل هذا لتوقع حصول ما بعدها: أي أدّيا الرسالة، وقوما بتنفيذ ما دعوتكما إليه، واسعيا إلى إنجازه سعى من يرجو ويطمع أن يثمر عمله، ولا يخيب سعيه، فهو يجتهد قدر استطاعته، ويحتشد بأقصى وسعه آملا أن تكلل أعماله بالنجاح والفوز والفلاح.
وقصارى ذلك- اصدعا بالأمر وأنتما طامعان أن أعمالكما ستثمر، وأنكما ستهديانه إلى سواء السبيل وقد جرت العادة أن من رجا شيئا طلبه، ومن يئس انقطع عمله، والمقصد من ذلك إلزامه الحجة، وقطع المعذرة، وإن لم يفد هدايته.
(قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى) أي قال موسى وهارون:
ربنا إننا نخاف فرعون إن نحن دعوناه إلى ما أمرتنا أن ندعوه إليه، أن يعجّل علينا بالعقوبة، ولا يصبر إلى إتمام الدعوة، وإظهار المعجزة، أو يزداد طغيانا فيقول فى شأنك ما لا ينبغى، لعظيم جرأته، وقساوة قلبه، وفجوره وشديد عصيانه.
(قال لا تخافا إننى معكما أسمع وأرى) أي قال الله لهما: لا تخافا فرعون إننى معكما بالنصرة والتأييد، والحفظ من غوائله، وإننى أسمع وأرى ما يجرى بينكما وبينه من قول وفعل، وأحدث فى كل حال ما يصرف شره عنكما.
والخلاصة- لست بغافل عنكما، وإنى سأفعل ما يؤدى إلى حفظكما ونصركما عليه، فلا تأبها به، ولا تهتمّا بأمره.
(فأتياه فقولا إنا رسولا ربك) أي فقابلاه وقولا له: إن الله أرسلنا إليك- وقد أمرا بتبليغه ذلك من أول وهلة، ليعرف لهما حقهما، ويفكر فيما يقابلهما به من الرد على ما ادّعيا.
وفى التعبير بقولهما (ربك) إيماء إلى أن ما ادعيته من الربوبية لنفسك، مما لا ينبغى أن يلتفت إليه، ولا أن ينظر إليه نظرة الاعتبار والصدق.
(فأرسل معنا بنى إسرائيل ولا تعذبهم) أي فأطلق بنى إسرائيل من الأسر، ولا تعذبهم بتسخيرك إياهم فى شاقّ الأعمال كالحفر والبناء ونقل الأحجار، وقد كان المصريون يستخدمونهم هم ونساء هم فى تلك الأعمال.
وإنما بدأ بهذا الطلب دون دعوة هذا الطاغية وقومه إلى الإيمان، لأنه أخف وأسهل من ذلك، لما فيه من تبديل الاعتقاد وهو عسر شاقّ على النفس.
ثم ذكرا ما يوجب امتثال أمرهما، ويؤكد دعوى رسالتهما بقولهما.
(قد جئناك بآية من ربك) أي قد جئناك بالحجة البالغة، والبرهان الساطع، على أنه أرسلنا إليك، وإن لم تصدقنا فيما نقول أريناكها.
(والسلام على من اتبع الهدى) أي والسلامة والأمن من العذاب فى الدنيا والآخرة على من اتبع رسل ربه، واهتدى بآياته التي ترشد إلى الحق، وتنيل البغية، وتبعد عن الغى والضلال.
قال الزّجّاج: أي من اتبع الهدى سلّم من سخط الله وعذابه، وليس بتحية، والدليل على ذلك أنه ليس بابتداء لقاء ولا خطاب اه.
ويمثل هذا كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم قال:
بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإنى أدعوك بدعاية الإسلام، فاسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين.
وفى هذا ترغيب فى التصديق على أتم وجوهه، وتنفير من مخالفته، وصد عنها على أقصى غاية كما لا يخفى.