الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المفردات
قول الحق: أي قول الصدق الذي لا شبهة فيه، يمترون: أي يشكّون ويتنازعون، ما كان لله أن يتخذ من ولد. أي ما ينبغى ولا يصح أن يجعل له ولدا، صراط مستقيم: أي طريق لا يضل سالكه، الأحزاب: فرق النصارى الثلاث، مشهد:
أي شهود وحضور، يوم عظيم: هو يوم القيامة، اليوم: أي فى الدنيا، يوم الحسرة، هو يوم القيامة حين يندم الناس على ما فرّطوا فى جنب الله، قضى الأمر: أي فرغ من الحساب.
الإيضاح
(ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذى فيه يمترون) أي ذلك الذي فصّلت نبوّته، وذكرت مناقبه وأوصافه، هو عيسى بن مريم، نقول ذلك قول الصدق الذي لا ريب فيه، لا كما يقول اليهود من أنه ساحر وحاشاه، ولا كما تقول طائفة من النصارى إنه ابن الله، ولا كما تزعم طائفة أخرى أنه هو الله، ويخلعون عليه من صفات الألوهية ما هو منه براء.
ثم أكد ما دل عليه سابق الكلام من كونه ابنا لمريم لا لغيرها بقوله:
(ما كان لله أن يتخذ من ولد) أي لا يليق بحكمة الله وكمال ألوهيته أن يتخذ الولد لأنه لو أراده لخلقه بقول «كن» فلا حمل ولا ولادة، ولأن الولد إنما يرغب فيه، ليكون حافظا لأبيه يعوله وهو حىّ، وذكرا له بعد الموت، والله تعالى لا يحتاج إلى شىء من ذلك لعالم كله خاضع له، لا حاجة له إلى ولد ينفعه، وهو حى أبدا.
ولما كان اتخاذ الولد من النقائص أشار إلى تنزيهه تعالى عن ذلك فقال:
(سبحانه) أي تنزه ربنا عن كل نقص من اتخاذ الولد أو غيره.
ثم ذكر علة هذا التنزيه وبيان الوجه فيه فقال:
(إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) أي إذا أراد شيئا فإنما يأمر به فيصير كما يشاء كما قال: «إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون» ومن كان هذا شأنه فكيف يتوهم أن يكون له ولد، لأن ذلك من أمارات النقص والاحتياج؟.
(وإن الله ربى وربكم فاعبدوه) أي ومما أمر به عيسى قومه وهو فى مهده أن أخبرهم بقوله- إن الله ربى وربكم، وأمرهم بعبادته.
(هذا صراط مستقيم) أي هذا الذي أوصيتكم أن الله أمرنى به هو الطريق المستقيم فمن سلكه نجا، ومن اتبعه اهتدى، لأنه هو الدين الذي أمر به أنبياءه، من خالفه ضل وغوى، وسلك سبيل الردى.
ثم أشار إلى أنه مع وضوح الأمر فى شأن عيسى، وأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه- اختلفوا فيه كما قال:
(فاختلف الأحزاب من بينهم) أي فاختلف قوم عيسى فى شأنه فرقا ثلاثا.
فقالت اليعقوبية: (نسبة إلى عالم منهم يسمى يعقوب) هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء، وقالت النسطورية (نسبة إلى عالم يسمى نسطور) . هو ابن الله أظهره ما شاء ثم رفعه إليه. وقالت الملكانية (نسبة إلى الملك قسطنطين وكان فيلسوفا عالما) إنه عبد الله كسائر خلقه. وهذا الرأى هو الذي نصره الملك ونصره غيره من شيعته.
ثم توعد من كذب على الله وافترى وزعم أن له ولدا فقال:
(فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم) أي فعذاب شديد للكافرين من شهود ذلك اليوم وهو يوم القيامة، لشدة بأسه وعذابه، فالأيدى والأرجل والألسن
تشهد على أصحابها، وقد أجل الله عقابهم إلى هذا اليوم حلما منه وثقة بقدرته عليهم، فهو لا يعجّل عقوبة من عصاه كما
جاء فى الصحيحين «إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد)
وفى الصحيحين أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله- إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم» .
ثم عجب ربنا من قوة سمع الكفار وحذّة أبصارهم يوم القيامة وقد كانوا على الضد من هذا فى الدنيا فقال:
(أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم فى ضلال مبين) أي لئن كان هؤلاء الكفار الذين جعلوا لله أندادا وزعموا أن له ولدا- عميا فى الدنيا عن إبصار الحق والنظر إلى حجج الله التي أودعها فى الكون دالة على وحدانيته وعظيم قدرته وبديع حكمته، صما عن سماع آي كتبه وما دعتهم إليه الرسل مما ينفعهم فى دينهم ودنياهم ويهديهم إلى الصراط المستقيم- فما أسمعهم يوم قدومهم على ربهم فى الآخرة، وما أبصرهم حينئذ، حيث لا يجدى السماع والإبصار شيئا، ويعضّون على أناملهم حسرة وأسفا، ويتمنون على الله الأمانى، فيودون الرجوع إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم من صالح العمل، ولكن هيهات هيهات فقد فات الأوان.
صاح هل ريت أو سمعت براع
…
ردّ فى الضّرع ما قرى فى الحلاب
ومن ثم لا يجاب لهم طلب، بل يقال لكل أفاك أثيم «خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه. ثم فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه. إنه كان لا يؤمن بالله العظيم» .
ثم أمر سبحانه نبيه أن ينذر قومه والمشركين جميعا فقال:
(وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم فى غفلة وهم لا يؤمنون) أي وأنذر الناس جميعا يوم يتحسر الظالمون على ما فرّطوا فى جنب الله حين فرغ من الحساب، وذهب
أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، ونودى كل من الفريقين لا خروج من هنا بعد اليوم، ولا موت بعد اليوم.
روى الشيخان والترمذي عن أبى سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يؤتى بالموت بهيئة كبش أملح (يخالط بياضه سواد) فينادى مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون.
نعم، هذا الموت، وكلهم قد رأوه، ثم ينادى مناد يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت وكلهم قد رأوه، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ «وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم فى غفلة وهم لا يؤمنون» .
وقوله إذ قضى الأمر أي إذ فرغ من الحكم لأهل النار بالخلود فيها، ولأهل الجنة بمقام الأبد فيها بذبح الموت.
وذبحه تصوير لأن كلّا من الفريقين يفهم فهما لا لبس فيه أنه لا موت بعد ذلك.
وقوله: وهم فى غفلة: أي عن ذلك اليوم، وعن حسراته وأهواله، وقوله: وهم لا يؤمنون: أي وهم لا يصدّقون بالقيامة والبعث ومجازاة الله لهم على سييء أعمالهم بما أخبر أنه مجازيهم به.
ثم سلى رسوله وتوعد المشركين فقال:
(إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون) أي لا يحزنك أيها الرسول تكذيب المشركين لك فيما أتيتهم به من الحق، فإن إلينا مرجعهم ومصيرهم ومصير الخلق أجمعين، ونحن وارثو الأرض ومن عليها من الناس بعد فنائهم، ثم نجازى كل نفس بما عملت حينئذ، فنجازى المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، لا ظلم اليوم، إن الله سريع الحساب.