الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبما حدث من فتنة السامري لبنى إسرائيل ورجوع موسى إليهم غضبان أسفا، ثم معاقبته لهم على ما صنعوا، ثم ذكر الحيلة التي فعلها السامري حين أخرج لهم من حليهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى، فرد الله عليهم ووبخهم بأن هذا العجل لا يجيبهم إذا سألوه، ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا فى دينهم ولا دنياهم.
الإيضاح
(وما أعجلك عن قومك يا موسى؟) المراد بالقوم النقباء السبعون، وإعجاله عنهم تقدمه عليهم، أي أىّ شىء عجّل بك عن قومك، وجعلك تتقدمهم؟.
والمراد الإنكار عليه فى تقدمه عليهم، لأن ذلك يقتضى إغفال أمرهم وعدم العناية بهم، مع أنه مأمور باستصحابهم وإحضارهم معه، وإنكار للعجلة فى ذاتها أيضا، ولا سيما من أولى العزم الذين يجدر بهم مزيد الجزم.
(قال هم أولاء على أثرى) أي قال موسى مجيبا ربه: هم أولاء بالقرب منى آتون على أثرى، وما تقدمتهم إلا بخطإ يسيرة لا يعتدّ بها، وليس بينى وبينهم إلا مسافة قريبة، يتقدم بها بعض الرفقة على بعض.
(وعجلت إليك رب لترضى) أي وعجلت إليك رب لتزداد عنى رضا، بالمسارعة إلى امتثال أمرك، والوفاء بعهدك.
وخلاصة معذرته- إنى اجتهدت أن أتقدم قومى بخطإ يسيرة، ظنا منى أن مثل ذلك لا ينكر، فأخطأت فى اجتهادي، وقد حملنى على ذلك طلب الزيادة فى مرضاتك، وكأنه عليه السلام يقول: إنما أغفلت هذا الأمر مبادرة إلى رضاك ومسارعة إلى الميعاد، والموعود بما يسرّ يود لو ركب أجنحة الطير ليحظى بما يبتغى ويريد.
(قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك) أي قال: إنا قد اختبرنا قومك الذين خلفتهم مع هرون من بعد فراقك. قال ابن الأنبارى: صيّرناهم مفتونين أشقياء بعبادة العجل
من بعد انطلاقك من بينهم، وهم الذين خلفهم مع هرون اه. وهذه الفتنة وقعت لهم بعد خروج موسى بعشرين يوما.
(وأضلهم السامرى) أي دعاهم إلى الضلال باتخاذ العجل والدعاء إلى عبادته، وكان من قوم يعبدون البقر، فدخل فى دين بنى إسرائيل فى الظاهر وفى قلبه حنين لعبادة البقر، فأطاعه بعض وامتنع آخرون.
(فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا) أي فانصرف موسى إلى قومه بنى إسرائيل بعد انقضاء الليالى الأربعين- مغتاظا من قومه، حزينا لما أحدثوا من بعده من الكفر بالله. روى أنه لما رجع موسى سمع الصياح والضجيج وكانوا يرقصون حول العجل فقال للسبعين الذين كانوا معه هذا صوت الفتنة.
قال القرطبي: سئل الإمام أبو بكر الطرشوشى عن جماعة يجتمعون ويكثرون من ذكر الله وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم إنهم يضربون بالقضيب على شىء من الطبل ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيا عليه، ويحضرون شيئا يأكلونه، فهل الحضور معهم جائز أم لا؟ فأجاب: يرحمك الله، مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار فقاموا يرقصون حوله ويتواجدون، فهو دين الكفار وعبّاد العجل وأما الطبل فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله، وإنما كان مجلس النبي مع أصحابه، كأنما على رءوسهم الطير من الوقار، فينبغى للسطان أن يمنعهم من الحضور فى المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم أو يعينهم على باطلهم، وهذا مذهب مالك وأبى حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين اه.
(قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا) لا سبيل لكم إلى إنكاره، فقد وعدكم بإنزال الكتاب الهادي إلى الشرائع والأحكام، ووعدكم الثواب العظيم فى الآخرة
بقوله: «وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى» ووعدكم أنكم ستملكون أرض الجبارين وديارهم.
(أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدى؟) أي أفطال عليكم الزمان، فنسيتم وعدكم إياى بالثبات على دينى إلى أن أرجع من الميقات؟ أم تعمدتم فعل ما يكون سببا لحلول غضب ربكم عليكم بعبادتكم للعجل وكفركم به؟.
وخلاصة ذلك- أفطال عليكم العهد فنسيتم أم تعمدتم المعصية فأخلفتم؟.
(قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا) أي قالوا ما أخلفنا عهدك بالثبات على دينك إلا لأنا لم نملك أمرنا، فلو خلّينا وأنفسنا ولم يسوّل لنا السامري ما سوّله، لما أخلفنا.
وفى هذا إيماء إلى أنهم أقروا على أنفسهم بالخطأ وأنهم لم يطيقوا حمل أنفسهم على الصواب، ومن ثم وقعوا فيما وقعوا فيه من الفتنة.
وقصارى كلامهم: إن السامري سول لنا ماسول، وغلب على عقولنا فخالفنا عهدك.
(ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها) أي ولكن غلبنا موسى السامري إذ حمّلنا أحمالا من حلى القبط التي استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصر بعلة أن لنا عيدا غدا، وقال: إنما حبس موسى عنكم بشؤم حرمتها ثم أمرنا أن نحفر حفرة ونملأها نارا وأن نقذف الحلي فيها فقذفناه.
وسميت أوزارا: أي آثاما، لأنه لا يحل لهم أخذها، ولا تحل لهم الغنائم فى شريعتهم.
(فكذلك ألقى السامرى) أي فكما قذفنا نحن تلك الأثقال، ألقى السامري ما كان معه منها.
(فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار) أي فأخرج لهم من تلك الأثقال التي