الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوليائه فى الذل والمهانة، وأعداءه فى العز والراحة، لكنا نجد الأمر على العكس من هذا، فإنا نحن الذين يمتعون برفاهية العيش والرخاء والنعيم، وأنتم فى ضنك وفقر وخوف وذل، فهذا دليل على أنا على الحق وأنتم على الباطل.
وقد رد الله عليهم مقالتهم بأن الكافرين قبلكم وكانوا أحسن منكم حالا، وأكثر مالا، قد أبادهم الله وأهلكهم بعذاب الاستئصال، فدل هذا على أن نعيم الدنيا لا يرشد إلى محبة الله لمن أوتوه، ولا إلى أنهم مصطفون له من بين خلقه.
روى أن قائل هذه المقالة النضر بن الحرث ومن على شاكلته من قريش، للمؤمنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا فى خشونة من العيش وفى رثاثة من الثياب، وهم كانوا يرجّلون شعورهم ويلبسون فاخر الثياب.
ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب هؤلاء المفتخرين بحظوظهم الدنيوية ببيان مآل الفريقين يوم القيامة، وأن ما كان للمشركين فى الدنيا من المال وسعة الرزق فإنما ذلك استدراج وإمهال من الله لهم، ثم يلقون النكال والوبال فى جهنم وبئس القرار.
الإيضاح
(وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أى الفريقين خير مقاما وأحسن نديا؟) أي وإذا تتلى على المشركين آياتنا واضحات الدلالة قالوا مفتخرين على المؤمنين، ومحتجين على صحة ما هم عليه من الباطل، أي الفريقين منا ومنكم أوسع عيشا، وأنعم بالا، وأفضل مسكنا، وأحسن مجلسا، وأجمع عددا؟ أنحن أم أنتم؟
فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطل، وأولئك المستخفّون المستترون فى دار الأرقم ابن أبى الأرقم ونحوها من الدور على الحق؟
ونحو الآية قوله تعالى «وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه» .
وقد رد الله عليهم شبهتهم بقوله:
(وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا) أي وكم من أمة من المكذبين قد أهلكناهم بكفرهم وقد كانوا أحسن من هؤلاء أموالا وأثاثا ومناظر ذات جمال وزخرف.
وخلاصة هذا- إن كثيرا ممن كانوا أعظم منكم نعمة فى الدنيا كعاد وثمود وأضرابهم من الأمم العاتية قد أهلكهم الله، فلو صدق ما تدّعون من أن النعمة فى الدنيا تدل على الكرامة عند الله، ما أهلك أحدا من المتنعمين بها.
وفى هذا تهديد ووعيد لا يخفى، وكأنه قد قيل: فليرتقب هؤلاء، فسيحلّ بهم مثل ما حل بمن قبلهم من المثلات.
ثم أمر عز اسمه نبيه أن يجيب هؤلاء المفتخرين بقوله:
(قل من كان فى الضلالة فليمدد له الرحمن مدا. حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا) أي قل أيها الرسول لهؤلاء المدّعين أنهم على الحق، وأنكم على الباطل: إن ما افتخرتم به من زخرف الدنيا وزينتها لا يدل على حسن الحال فى الآخرة، فقد جرت سنة الله بأن من كانوا منهمكين فى الضلالة، مرخين لأنفسهم الأعنّة، فى سلوك المعاصي والآثام، يبسط لهم نعيم الدنيا، ويطيب عيشهم فيها، ويمتعهم بأنواع اللذات، ولا يزال يمهلهم استدراجا لهم إلى أن يشاهدوا ما وعدوا به رأى العين، إما عذابا فى الدنيا كما حصل يوم بدر، وإما مجىء الساعة وهم بها مكذبون، وعن الاستعداد لها مفرّطون، وإذ ذاك يعلمون من هو شر من الفريقين مكانا، وأن الأمر على عكس ما كانوا يقدّرون، وسيرون أنهم شر مكانا وأضعف جندا وأقل ناصرا من المؤمنين، وهذا رد على قولهم (أى الفريقين خير مقاما وأحسن نديا) .
وقصارى ذلك- إن من كان فى الضلالة فسنة الله أن يمدّ له ويستدرجه ليزداد