الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
أمر الله رسوله في صدر هذه السورة بتبكيت قريش وتوبيخهم على إنكارهم للبعث مع قيام الأدلة وتظاهرها على وجوده، ثم ساق الكثير منها مما لا يمكن رده ولا جحده، ثم أعقبه بذكر ما سيلقونه من العذاب حينئذ، واستثنى منهم عباد الله المخلصين وبين ما يلقونه من النعيم، ثم عطف على هذا أنه قد ضل قبلهم أكثر الأولين وأنه أرسل إليهم منذرين، ثم أورد قصص بعض الأنبياء تفصيلا متضمنا وصفهم بالفضل والعبودية له عز وجل:
وهنا أمره بالتنديد عليهم ثانيا بطريق الاستفتاء عن وجه القسمة الجائرة التي عملوها وهى جعل البنات لله وجعل البنين لأنفسهم بقولهم: الملائكة بنات الله، ثم بالتقريع ثالثا على استهانتهم بالملائكة بجعلهم إناثا، ثم أبطل كلا من هذين بالحجة التي لا يجد العاقل محيصا عن التصديق بها والإذعان لها.
الإيضاح
(فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ؟) أي سل قريشا مؤنبا لها ومقرّعا على ضعف أحلامها وسفاهة عقولها، ألربى البنات ولكم البنون؟ فمن أين جاءكم هذا التقسيم، وإلام تستندون؟ وإنكم لتكرهون البنات وتبغضونها أشد البغض كما جاء في قوله:
«وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ» .
ونحو الآية قوله في سورة النجم: «أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى؟ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى» أي قسمة جائرة.
(أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ؟) أي بل أخلقنا الملائكة إناثا وقد شهدوا هذا الخلق؟
وهذا ترقّ في التوبيخ لهم على هذه المقالة، إذ أن ذلك لا يعلم إلا بالمشاهدة أو النقل، ولا سبيل إلى معرفته بالعقل، حتى يقوم الدليل والبرهان على صحته، والنقل الصحيح الذي يؤيد ما تدّعون لا يوجد، فلم تبق إلا المشاهدة، وهذه لم تحصل، ونحو الآية قوله:«وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً، أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ؟ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ» .
ثم بين فساد منشأ هذه العقيدة الزائفة فقال:
(أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ. وَلَدَ اللَّهُ) أي وما جرأهم على هذا القول الهراء والرأى الخطل إلا اعتقادهم الباطل أن لله ولدا، وهو افتراء قبيح وإفك صريح، لا مستند له، ولا شبهة ترشد إلى صدقه.
ثم أكد هذا النفي بقوله:
(وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فيما يقولون، ولا أثرة لهم من علم يصدق ما يعتقدون، فمن أين جاءهم هذا؟
ثم نقض الدعوى من أساسها مبينا أن العقل لا يتقبلها فقال:
(أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ؟) أي أىّ شىء يحمله على أن يختار البنات ويترك البنين؟ والعرف والعادة والمنطق السليم شاهد صدق على غير هذا.
ونحو الآية قوله: «أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً؟ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً» .
(ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟) أي أما لكم عقول تتدبرون بها ما تقولون، وتتفكرون فى صحة ما تعتقدون؟ فالعقل يقضى ببطلان مثل هذا.
(أَفَلا تَذَكَّرُونَ؟) فتعرفوا خطأ ما تعتقدون، وترجعوا على أنفسكم باللائمة فيما تقولون.
ثم زاد في تأنيبهم وتقريهم وطالبهم ببرهان من النقل يؤيد صحة ما يدعون فقال:
(أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ؟ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي بل ألكم حجة واضحة على هذا نزل بها وحي؟ إن كان الأمر هكذا فأرونى كتابكم الذي يؤيد ما تقولون إن كنتم صادقين.
ولا يخفى ما في هذه الآيات من الدلالة على السخط العظيم، والإنكار الشديد لأقاويلهم، وتسفيه أحلامهم، مع الاستهزاء بهم، والتعجيب من جهلهم.
ثم ذكر أن هذه العقيدة ستؤدى بهم إلى ما لا ينبغى أن قال فقال:
(وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) المراد بالجنة الملائكة، وسموا جنّا لاجتنانهم واستتارهم عن العيون، أي وجعلوا بينه وبين الملائكة مشاكلة ومناسبة، فقالوا الملائكة بنات الله.
ثم ذكر أنهم سيندمون على مقالتهم هذه فقال:
(وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) أي ولقد علمت الملائكة الذين ادعى المشركون أن بينه تعالى وبينهم نسبا- إن هؤلاء المشركين محضرون إلى النار ومعذبون فيها لكذبهم وافترائهم في قيلهم هذا.
قال مجاهد ومقاتل: القائل ذلك هم كنانة وخزاعة، قالوا إن الله خطب إلى سادات الجن فزوجوه من سروات بناتهم، فالملائكة بنات الله من سروات بنات الجن، وقال الحسن: أشركوا الشيطان في عبادة الله، فهو النسب الذي جعلوه، وقال الكلبي وقتادة: قالت اليهود- لعنهم الله-: إن الله صاهر الجن فكانت الملائكة من بينهم.