الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الزمر
هى مكية إلا الآيات 52، 53، 54 فمدنيات، وآياتها خمس وسبعون نزلت بعد سبأ.
ووجه اتصالها بما قبلها:
(1)
إنه وصف القرآن في آخر سورة ص بقوله: «إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ» ووصفه هنا بقوله: «تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» .
(2)
إنه ذكر في ص أحوال الخلق من المبدإ إلى المعاد، وذكر هنا مثله- إلى نحو ذلك من وجوه للربط تظهر بالتأمل.
[سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 4]
بسم الله الرحمن الرحيم
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (4)
الإيضاح
(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) أي هذا الكتاب العظيم منزل من عنده تعالى، فهو الحق الذي لا مرية فيه كما جاء في آية: «وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ
الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ»
وجاء في قوله: «وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ. لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» .
وبعد أن بيّن شأن المنزل وأنه من عند الله- ذكر ما اشتمل عليه ذلك المنزّل من الحق والعدل فقال:
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ) أي إنا أنزلنا إليك القرآن أيها الرسول آمرا بالحق والعدل الواجب اتباعهما والعمل بهما.
ثم أمر رسوله بعبادته والإخلاص له فقال:
(فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) أي فاعبده تعالى ممحّضا له العبادة من شوائب الشرك والرياء بحسب ما أنزل في تضاعيف كتابه، على لسان أنبيائه من تخصيصه وحده بالعبادة وأنه لا ندّ له ولا شريك.
ثم أكّد هذا الأمر بقوله:
(أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) أي ألا لله العبادة والطاعة وحده لا شركة لأحد معه فيها، لأن كل ما دونه ملكه، وعلى المملوك طاعة مالكه،
وفي حديث الحسن عن أبى هريرة «أن رجلا قال: يا رسول الله إنى أتصدق بالشيء وأصنع الشيء أريد به وجه الله وثناء الناس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده، لا يقبل الله شيئا شورك فيه، ثم تلا: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) » .
وبعد أن أبان أن رأس العبادة الإخلاص لله- أعقب ذلك بذم طريق المشركين فقال:
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى) أي والذين اتخذوا من دون الله أولياء يعبدونهم، يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا عند الله منزلة ويشفعوا لنا عنده في حاجتنا.
ومن حديث عبادتهم للأصنام أنهم جعلوا تماثيل للكواكب، والملائكة، والأنبياء، والصالحين الذين مضوا، وعبدوها باعتبار أنها رمز إليها، وقالوا إن الإله الأعظم أجلّ من أن يعبده البشر مباشرة، فنحن نعبد هذه الآلهة وهى تعبد الإله الأعظم.
وهذه شبهة تمسك بها المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءت الرسل مفندة لها ماحية لها من الأذهان العالقة بها، موجهة العقول إلى إفراد الله وحده بالعبادة كما قال:«وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ» وقال:
قال قتادة: كانوا إذا قيل لهم من ربكم ومن خالقكم ومن خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء؟ قالوا الله. فيقال لهم فلم تعبدونهم؟ قالوا ليقربونا إلى الله زلفى ويشفعوا لنا عنده، فرد الله عليهم بقوله:«فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ» .
ثم هددهم وبيّن لهم عاقبة ما يفعلون فقال:
(إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي إن الله يحكم بينهم وبين خصومهم وهم المحقون فيما اختلفوا فيه من التوحيد والإشراك يوم القيامة، ويجازى كلا بما هو أهل له، فيدخل المخلصين الموحدين الجنة، ويدخل المشركين النار.
ثم بين نتيجة الحكم قال:
(إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) أي إن الله لا يرشد إلى الحق ولا يوفق له من هو كاذب مفتر عليه، بزعمه أن له ولدا وأن له ندّا وأن الأوثان تشفع لديه إلى غير ذلك من الترّهات والأباطيل التي لا يقبلها العقل، ولا تجد لها مستندا من نقل.
ثم فصّل ما كذبوا فيه فقال:
(لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) أي لو أراد الله أن يتخذ ولدا- ولا ينبغى له ذلك- لما رضى إلا بأكمل الأولاد وهم الأبناء، فكيف نسبتم إليه البنات؟