الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح المفردات
تذكرة: أي موعظة، سبيلا: أي طريقا توصله إلى الجنة، أدنى. أي أقلّ، والله يقدّر الليل والنهار. أي يعلم مقادير ساعاتهما، أن لن تحصوه. أي لا يمكنكم الإحصاء وضبط الساعات، فتاب عليكم. أي بالترخيص فى ذلك القيام المقدر ورفع التبعة عنكم، فاقرءوا ما تيسر من القرءان. أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل، يضربون فى الأرض. أي يسافرون للتجارة، وأقرضوا الله. أي أنفقوا فى سبل الخيرات.
المعنى الجملي
بعد أن بدأ السورة بشرح أحوال السعداء وبيّن معاملتهم للمولى ثم معاملتهم للخلق، ثم هدد الأشقياء بأنواع من العذاب فى الآخرة، ثم توعدهم بعذاب الدنيا، وبعدئذ وصف شدة يوم القيامة- ختم السورة بتذكيرات مشتملة على أنواع الهداية والإرشاد فمن شاء أن يسلك سبيل ربه بالطاعة والبعد عن المعصية فليفعل، ثم أخبره بما يقوم به هو والمؤمنون للعبادة من ساعات الليل: ثلثيه أو نصفه أو ثلثه، ثم خفف ذلك عنهم للأعذار التي تحيط بهم من مرض أو سفر للتجارة ونحوها أو جهاد للعدوّ، فليصلوا قدر ما يستطيعون، وليؤتوا زكاة أموالهم، وليستغفروا الله فى جميع أحوالهم، فهو الغفور الرحيم.
الإيضاح
(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ) أي إن ما تقدم من الآيات التي ذكر فيها يوم القيامة وأهوالها، وما هو فاعل فيها بأهل الكفر- عبرة لمن اعتبر وادّكر.
(فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا) أي فمن شاء اتعظ بها، واتخذ سبيلا إلى ربه
فآمن به وعمل بطاعته وأخبت إليه، وذلك هو النهج القويم، والطريق الموصل إلى مرضاته.
ثم رخص لأمته فى ترك قيام الليل كله للمشقة التي تلحقهم إذا هم فعلوا ذلك فقال:
(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) أي إن ربك لعليم بأنك تقوم أقلّ من ثلثى الليل وأكثر من النصف، وتقوم النصف، وتقوم الثلث أنت وطائفة من صحبك المؤمنين حين فرض عليكم قيام الليل.
(وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ) أي ولا يعلم مقادير الليل والنهار إلا الله، وأما أنتم فلن تستطيعوا ضبط الأوقات ولا إحصاء الساعات، فتاب عليكم بالترخيص فى ترك القيام المقدر، وعفا عنكم ورفع هذه المشقة.
قال مقاتل وغيره: لما نزلت «قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا» شق ذلك عليهم، وكان الرجل لا يدرى متى نصف الليل من ثلثه، فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطئ، فانتفخت أقدامهم، وامتقعت ألوانهم، فرحمهم الله وخفف عنهم فقال تعالى «عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ» .
والخلاصة- الله يعلم أنكم لن تحصوا ساعات الليل إحصاء تامّا فإذا زدتم على المفروض ثقل ذلك عليكم وكلفتم ما ليس بفرض، وإن نقصتم شق هذا عليكم، فتاب عليكم ورجع بكم من تثقيل إلى تخفيف، ومن عسر إلى يسر، وطلب إليكم أن تصلّوا ما تيسر بالليل كما أشار إلى ذلك بقوله:
(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل. قال الحسن. هو ما يقرأ فى صلاة المغرب والعشاء. وقال السدّى. ما تيسر منه هو مائة آية.
وفى بعض الآثار. من قرأ مائة آية فى ليلة لم يحاجّه القرآن، وعن قيس بن حازم قال:
«صليت خلف ابن عباس فقرأ فى أول ركعة بالحمد لله رب العالمين وأول آية من البقرة ثم ركع، فلما انصرفنا أقبل علينا فقال: إن الله يقول: «فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ» أخرجه الدار قطنى والبيهقي فى سننه.
ثم ذكر أعذارا أخرى تسوّغ هذا التخفيف فقال:
(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى، وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي علم سبحانه أنه سيكون من هذه الأمة ذوو أعذار لا يستطيعون معها القيام بالليل كمرض وضرب فى الأرض ابتغاء الرزق من فضل الله، وغزو فى سبيل الله فهؤلاء إذا لم يناموا فى الليل تتوالى عليهم أسباب المشقة ويظهر عليهم آثار الجهد، وفى هذا إيماء إلى أنه لا فرق بين الجهاد فى قتال العدوّ والجهاد فى التجارة لنفع المسلمين.
قال ابن مسعود: أيّما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن الإسلام صابرا محتسبا، فباعه بسعر يومه، كان عند الله من الشهداء، ثم قرأ قوله تعالى:
وأخرج البيهقي فى شعب الإيمان عن عمر رضى الله عنه قال: ما من حال يأتينى عليه الموت بعد الجهاد فى سبيل الله أحب إلىّ من أن يأتينى، وأنا بين شعبتى جبل ألتمس من فضل الله، وتلا:«وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ» .
ولما ذكر سبحانه ثلاثة أسباب مقتضية للترخيص ورفع وجوب القيام عن هذه الأمة- ذكر ما يفعلونه بعد هذا الترخيص فقال:
(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) أي من القرآن، والمراد صلّوا كما تقدم.
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً) أي وصلّوا الصلاة
المفروضة وقوّموها فلا تكون قلوبكم غافلة، ولا أفعالكم خارجة عما رسمه الدين، وآتوا الزكاة الواجبة عليكم، وأقرضوا الله قرضا حسنا بالإنفاق فى سبل الخير للأفراد والجماعات مما هو نافع لها فى رقيّها المدني والاجتماعى، وسيبقى لكم جزاء ذلك عند ربكم.
ونحو الآية قوله: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً» .
ثم حبّب فى الصدقة وفعل الخيرات فقال:
(وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) أي وما تقدموا لأنفسكم فى دار الدنيا من صدقة أو نفقة تنفقونها فى سبيل الله، أو فعل طاعة من صلاة أو صيام أو حج أو غير ذلك، تجدوا ثوابه عند الله يوم القيامة خيرا مما أبقيتم فى دار الدنيا، وأعظم منه عائدة لكم.
(وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ) أي وسلوا الله غفران ذنوبكم يصفح لكم عنها ويسترها يوم الحساب والجزاء.
(إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي إن الله ستّار على أهل الذنوب والتقصير، ذو رحمة فلا يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها.
نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ما فرط منا من الزلات، بحرمة سيد خليقته، وسند أهل صفوته. وصلّ ربنا على محمد وشيعته.