الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه أن شياطين الإنس والجن قد أعدّ لهم عذاب السعير، أردف ذلك ببيان أن هذه النار قد أعدها لكل جاحد بوحدانيته، مكذب برسله، منكر للبعث واليوم الآخر، ثم وصف هذه النار بأوصاف تشيب من هولها الولدان، وتصطك لسماعها الأسنان، منها:
(1)
أنه يسمع لها شهيق حين يلقى الكافرون فيها.
(2)
أنها تفوز بهم كما يفور ما فى المرجل حين يغلى.
(3)
أنها تكون شديدة الغيظ والحنق على من فيها.
(4)
أن خزنتها يسألون داخليها: ألم تأتكم الرسل فتبعدكم عن هذا العذاب؟
(5)
أن أهلها يعترفون بأن الله ما عذبهم ظلما، بل قد جاءهم الرسل فكذبوهم وقالوا لهم: أنتم فى ضلال بعيد.
(6)
دعاء الملائكة عليهم بالبعد من رحمة الله وألطافه، وكرمه وإحسانه.
الإيضاح
(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي قد سبق قضاؤنا، وجرت سنتنا أن من أشرك بنا، وكذب رسلنا، فقد استحق عذاب جهنم، وبئس المآل والمنقلب.
ثم ذكر فظائع أحوال هذه النار فقال:
(إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ) أي إذا طرح المجرمون فيها سمعوا لها صياحا وصوتا كصوت المتغيظ من شدة الغضب، وهى تغلى بهم كغلى المرجل بما فيه:
(تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) يقال فلان يتميز غيظا، ويتعصف غيظا وغضبا
فطارت منه شعلة فى الأرض وشعلة فى السماء، إذا وصفوه بالإفراط فى الغضب، من قبل أن الغضب إنما يحدث حين غليان دم القلب، والدم حين الغليان يأخذ حجما أكبر من حجمه، فتتمدد الأوعية الدموية فى البدن، وكلما كان الغضب أشد كان تمددها أكثر حتى تكاد تتقطع وينفصل بعضها من بعض.
ثم بين سبحانه عدله فى خلقه وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة وإرسال الرسول إليه فقال:
(كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ؟) أي كلما طرح فى جهنم جماعة من الكفار سألهم مالك وأعوانه من الزبانية سؤال تقريع وتوبيخ: هل أتتكم رسل من ربكم تنذركم شديد بأسه، وعظيم عقابه لمن عصاه وخالف أمره.
ونحو الآية قوله تعالى: «وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا» .
حينئذ يجيبهم هؤلاء مع التحسر على ما فات والندم على ما كان.
(قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) أي بلى جاءنا الرسول وأنذرنا فكذبناه وقلنا له: إن الله لم يوح إليك بشىء ولم يبعثك رسولا، وما أنت إلا بشر مثلنا، فما أنت فيما تدّعى إلا مجانف للحق، بعيد عن جادّة الصدق.
ثم عادوا على أنفسهم بالملامة، وندموا حيث لا ينفع الندم فقالوا:
(وَقالُوا: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) أي وقالوا: لو كانت لنا عقول ننتفع بها، أو آذان تسمع ما أنزل الله من الحق، ما كنا على ما نحن عليه من الكفر بالله، والاغترار باللذات التي كنا منهمكين بها فى دنيانا، فبؤنا بسخط ربنا وغضبه، وحلّ بنا عقابه الأليم.