الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روى: أنه عليه السلام كان يصلى عند الكعبة ويقرأ القرآن، وكان المشركون يجتمعون حوله حلقا حلقا وفرقا فرقا يستمعون ويستهزئون ويقولون: إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنّ قبلهم، فنزلت هذه الآيات.
الإيضاح
(فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ. عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) أي فما بالهم يسرعون إليك، ويجلسون حواليك، عن يمينك وعن شمالك، جماعات متفرقة، نافرين منك، لا يلتفتون إلى ما تلقيه عليهم من رحمة الله وهديه، ونصحه وإرشاده، وما فيه سعادتهم فى معاشهم ومعادهم.
ونحو الآية قوله: «فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ؟ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ» .
أخرج مسلم وغيره عن جابر قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ونحن حلق متفرقون، فقال:«مالى أراكم عزين، ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربها؟ قالوا: وكيف تصفّ الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الاول ويتراصّون فى الصف»
وقد كانت عادتهم فى الجاهلية أن يجلسوا حلقا مجتمعين.
قال شاعرهم:
ترانا عنده والليل داج
…
على أبوابه حلقا عزينا
ثم أيأسهم من نيلهم للسعادة التي يفوز بها من يستمعون القول فيتبعون أحسنه فقال:
(أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ؟ كَلَّا) أي أيطمع هؤلاء وهم نافرون من الرسول صلى الله عليه وسلم، معرضون عن سماع الحق- أن يدخلوا جنتى كما يدخلها المؤمنون المخبتون الذين يدعون ربهم خوفا وطمعا؟ كلا لا مطمع لهم فى ذلك مع ما هم عليه.
ثم ذكر السبب فى تيئيسهم منها فقال:
(إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) أي إنا خلقناهم من أجل ما يعلمون، وهو تكميل النفس بالإيمان والطاعة فمن لم يكملها بذلك فهو بمعزل عن أن يتبوأ متبوأ الذين أخلصوا لله وحده، وبعدت نفوسهم عن دنس الشرك والمعاصي.
ثم توعدهم بأنهم إن لم يثوبوا إلى رشدهم أهلكهم واستبدل بهم قوما غيرهم خيرا منهم فقال:
(فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ. عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) أي أقسم برب الكواكب ومشارقها ومغاربها، إنا لقادرون على أن نخلق أمثل منهم يستمعون دعوة الداعي ونصح الناصح، ونهلك هؤلاء، ولن يعجزنا ذلك، لكن مشيئتنا اقتضت تأخير عقوبتهم.
والخلاصة- إن هؤلاء المشركين فى تناقض واضطراب فى الرأى، فكيف ينكرون البعث ثم يطمعون فى دخول الجنة، وكيف ينكرون الخالق وقد خلقهم أوّلا مما يعلمون، وهو قادر على خلق مثلهم ثانيا.
وفى هذا تهكم بهم وتنبيه إلى تناقضهم فى كلامهم، فإن الاستهزاء بالساعة ودخول الجنة مما لا يقبله إلا من عنده دخل فى العقل، ومجانفة لصواب الرأى.
ثم سلّى رسوله عما يقولون ويفعلون فقال:
(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) أي دعهم فى تكذيبهم وعنادهم إلى يوم البعث، وحينئذ يعلمون عاقبة وبالهم، ويذوقون شديد نكالهم، حين يعرضون للحساب والجزاء، يوم تجزى كل نفس بما عملت، لا شفيع ولا نصير، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ثم فصل أحوالهم فى هذا اليوم فقال:
(يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أي يوم يخرجون من قبورهم إذا دعاهم الداعي لموقف الحساب- سراعا