المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثامنا: القرآن وسيلة ودواء مجرب - إنه القرآن سر نهضتنا - كيف يمكن للقرآن أن ينهض بالأمة؟

[مجدي الهلالي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولالأسباب والنتائج

- ‌الأسباب المادية والمعنوية:

- ‌النتائج من الله لا من الأسباب:

- ‌خطورة التعلق بالأسباب:

- ‌سِتار الأسباب:

- ‌هل الأسباب متاحة للجميع

- ‌الفصل الثانيلسنا كبقية الأمم

- ‌تمهيد:

- ‌الوضع الخاص بأمة الإسلام:

- ‌هل نترك الأسباب المادية

- ‌العودة إلى الله هي البداية:

- ‌المسلم الصحيح أولاً:

- ‌المقصود بصلاح الفرد:

- ‌هل هي دعوة للتخلف

- ‌الفصل الثالثالمعجزة التي نحتاجها

- ‌الحلقة المفقودة:

- ‌محاولات:

- ‌ضامن التنفيذ:

- ‌الدافع الذاتي:

- ‌ما المقصود بالقوة الروحية

- ‌المطلوب من القوة الروحية:

- ‌نحتاج إلى معجزة:

- ‌إنه القرآن العظيم:

- ‌مظاهر قوة تأثير القرآن:

- ‌هذا القرآن

- ‌الفصل الرابعلماذا القرآن هو سر نهضتنا

- ‌تمهيد:

- ‌أولاً: القرآن هو اختيار الله لعباده أجمعين

- ‌ثانيًا: القرآن يجمع بين الرسالة والمعجزة:

- ‌ثالثًا: القرآن يخاطب

- ‌رابعًا: القرآن لديه القدرة - بإذن الله -على الاستثارة الدائمة للمشاعر والضرب على أوتارالقلوب وتوليد الطاقة والقوة الروحية

- ‌خامسًا: القرآن ميسر للذكر والفهم

- ‌سادسًا: القرآن هو الكلمة السواءالتي لا يختلف عليها اثنان من الأمة

- ‌سابعًا: القرآن عبادة متجددة لا تُمل

- ‌ثامنًا: القرآن وسيلة ودواء مُجرب

- ‌تاسعًا: القرآن هو المنقذ - بإذن الله-والمُخرج من الفتن الذي دلنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الخامسكيف يُمكن للقرآنأن ينهض بالأمة

- ‌هجر القرآن:

- ‌الصورة الموروثة عن القرآن:

- ‌الكتاب الوحيد:

- ‌أين شرفنا

- ‌الحاضر الغائب:

- ‌إعادة الثقة في القرآن:

- ‌شرط لابد منه:

- ‌خصوصية الترتيل:

- ‌التأثر هو الغاية:

- ‌أتأثر ولكن

- ‌التربة مهيأة لاستقبال المشروع:

- ‌خطوات عملية مقترحة:

- ‌الفصل السادستصور مقترحللمراكزالقرآنية النموذجية

- ‌التوعية وإنشاء الرغبة:

- ‌إعداد المعلمين:

- ‌أولاً: وضوح الرؤية حول القرآن ودوره كرسالة ومعجزة وكيفية الانتفاع به

- ‌ثانيًا: مداومة تلاوة القرآن:

- ‌ثالثًا: بناء الإيمان من خلال القرآن:

- ‌التقييم:

- ‌ الحلقات القرآنية

- ‌صغار السن والقرآن:

- ‌الفصل السابعتساؤلات وردود

- ‌تمهيد:

- ‌قراءتان للقرآن

- ‌أيهما أفضل

- ‌الحد الأقصى لختم القرآن

- ‌ما المقصود بـ «اقرأ وارق»

- ‌الشيطان والقرآن

- ‌«الذي يتعتع له أجران»

- ‌التعمق في التدبر

- ‌التلقي المباشر من القرآن

- ‌المحافظة على الحفظ

- ‌تأثر غير العرب بالقرآن

- ‌الذنوب وأمراض القلوب

- ‌لا أجد أثرًا

- ‌مكانة السنة

- ‌وفي النهاية

- ‌أهم المراجع

الفصل: ‌ثامنا: القرآن وسيلة ودواء مجرب

‌ثامنًا: القرآن وسيلة ودواء مُجرب

ومما يؤهل القرآن ليكون بداية صحيحة لنهضة الأمة، أنه قد جُرِّب من قبل

استعمله الجيل الأول على حقيقته فصاروا من خلاله - بإذن الله - خير أمة، وتبدل ترتيبهم بين الأمم من الذيل إلى المقدمة في سنوات معدودة.

لقد كان حال أمة العرب قبل الإسلام أسوأ بكثير من حالنا الآن، ومع ذلك فقد نفع معهم القرآن وأثر فيهم، وغيَّرهم، وأصلح حالهم، وأعاد صياغتهم من جديد، وهذا - بلا شك - يعطينا الأمل بأن القرآن يصلح معنا - بإذن الله - ويقدر أن يفعل بنا مثل ما فعل بهم.

ويكفيك في هذا أن حزنهم الشديد على وفاة محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن فقط على فراقه، بل كان على انقطاع نزول القرآن، وانفصال الأرض عن السماء، كيف لا وقد ذاقوا حلاوة الإيمان من خلاله، وأدركوا قيمته وقدرته التغييرية الفذة، وأنه كان يرفعهم ويرقيهم في مدارج الإيمان، ويزيدهم معرفة بالله،

وارتباطًا به

تأمل معي هذه الواقعة التي تؤكد هذا المعنى:

«قال أبو بكر، رضي الله عنه، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعمر، رضي الله عنه: انطلق بنا إلى أم أيمن، نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها

فما انتهينا إليها بكت، فقال لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما أبكى أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكني أبكي أن الوحي انقطع من السماء!

فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها». (1)

فالنص - كما يقول د. فريد الأنصاري - دال بوضوح على أن ارتباط الصحابة، إنما كان بالقرآن، الذي هو ربط مباشر بالله، ولم يكن بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم إلا من حيث هو مبلغ عن الله (2).

(ومن ثمّ صح أن نقول: إن القرآن الكريم كان هو الباب المفتوح والمباشر الذي ولجه الصحابة الكرام إلى ملكوت الله، حيث صُنعوا على عين الله

إنه السبب الوثيق الذي تعلقت به قلوبهم، فأوصلهم إلى مقام التوحيد (الفعلي والحقيقي). (3)

ولقد دأب رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى ترسيخ الارتباط بالقرآن، باعتباره المصدر الأساسي للتربية، والمتتبع لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم يجدها شارحة للقرآن مبينة لما أُجمل فيه، مؤكدة لمعانيه، وهذا ما دفع الشافعي رحمه الله لأن يقول بأن السُّنة هي: فهم النبي للقرآن، أو نضح فهمه للقرآن (4).

أولا يكفينا القرآن؟!

جاء بعض المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتب قد كتبوها، فيها بعض ما سمعوه من اليهود. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كفى بقوم حمقا -أو ضلالة- أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إليهم». فنزلت:{أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51](5).

(1) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة.

(2)

التوحيد والوساطة في التربية الدعوية ، ص (45).

(3)

المصدر السابق ، ص (46).

(4)

كيف نتعامل مع القرآن لمحمد الغزالي، ص (45).

(5)

أخرجه الدارمي وأبو داود في مراسيله وابن أبي حاتم

انظر الدر المنثور.

ص: 37

وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر برجل يقرأ كتابًا، فاستمعه ساعة، فاستحسنه، فقال للرجل: اكتب لي من هذا الكتاب، فقال: نعم، فاشترى أديمًا فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأه عليه، وجعل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلون، فضرب رجل من الأنصار بيده الكتاب، قال: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب أما ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك:«إنما بعثت فاتحًا وخاتمًا، وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه واختصر لي الحديث اختصارًا، فلا يهلكنكم المتهوكون» (1).

وأخرج ابن الضريس عن الحسن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا، وقد هممنا أن نكتبها فقال:«يا ابن الخطاب أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولكني أعطيت جوامع الكلم، واختُصر لي الحديث اختصارًا» (2).

من هذه النصوص وغيرها يتبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعتمد شيئًا في تربية الصحابة غير القرآن، وسنته المطهرة، باعتبارها شارحة له.

ومن هنا توثق ارتباط الناس بالقرآن في العهد النبوي، ارتباطًا عمق صلة القلوب بربها، إلى درجة أن الصحابة، رضوان الله عليهم، كانوا يتتبعون الوحي، تتبع الملهوف، الحريص على الترقي في مدارج المعرفة بالله والسلوك إليه سبحانه (3).

تأمل معي أخي القارئ هذا الخبر الذي يبين كيف كان حال الصحابة مع القرآن، وكيف كانوا يستقبلون توجيهاته وإشاراته:

نزل رجل من العرب على عامر بن ربيعة، فأكرم عامر مثواه، وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء الرجل فقال: إني استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم واديًا ما في العرب أفضل منه، ولقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك. فقال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1].

بل انظر إلى مدى تقدير اليهود للقرآن، بل لآية واحدة فيه وهم الذين ينكرونه ويكذبونه ويكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا حسدًا من عند أنفسهم: «نزلت عليكم آية لو نزلت علينا معشر يهود لجعلنا يوم نزولها عيدًا يقصدون قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3] ، لما فيها من فضل وتكريم، فهل شعرنا نحن بهذا التكريم من الله، وقدرناه حق قدره، وقمنا بحقه؟

الجيل الفريد:

كان من نتاج ارتباط الصحابة الوثيق بالقرآن، والانصياع التام له، والسماح لمعجزته أن تعمل داخلهم، أن تكونت أمة جديدة وجيلاً فريدًا لم تر البشرية مثله حتى الآن.

يقول محمد الغزالي رحمه الله: الأمة التي نزل عليها القرآن فأعاد صياغتها هي المعجزة التي تشهد للنبي عليه السلام بأنه أحسن بناء الأجيال، وأحسن تربية الأمم، وأحسن صياغة جيل قدم الحضارة القرآنية للخلق .. فنحن نرى أن العرب عندما قرأوا القرآن، تحولوا إلى أمة تعرف الشورى وتكره الاستبداد، إلى أمة يسودها العدل الاجتماعي ولا يُعرف فيها نظام الطبقات، إلى أمة تكره التفرقة العنصرية، وتكره أخلاق الكبرياء والترفع على الشعوب.

(1) الدر المنثور 5/ 284 والمتهوكون أي المتحيرون.

(2)

المصدر السابق نفسه.

(3)

التوحيد والوساطة ، ص (42).

ص: 38

ووجدنا بدويًا كربعي بن عامر رضي الله عنه يقول لقائد الفرس: جئنا نخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

إنهم فتح جديد للعالم وحضارة جديدة أنعشت الإنسانية ورفعت مكانتها، لأن الأمة الإسلامية كانت في مستوى القرآن الكريم، والحضارة الإسلامية إنما جاءت ثمرة لبناء القرآن للإنسان (1).

من ثمارهم تعرفونهم:

لقد أدركت البشرية، وسجَّل التاريخ حجم التغيير الذي حدث للصحابة وذلك من خلال رصد أعمالهم، التي لا يمكن أن تحدث من أُناس عاديين، فهي أعمال فوق طاقة البشر، ومما يدعو للدهشة أن هذه الأعمال لم تكن قاصرة على عدد محدود من الصحابة، بل كانت سمتًا عامًا لهم جميعًا: رجالاً ونساء

شبابًا وشيبًا.

فهذه امرأة تدفع إلى ابنها يوم أحد السيف، فلم يُطق حمله، فماذا فعلت؟!

هل فرحت وحمدت الله على السلامة وعادت به إلى دارها؟!

لا، لم تفعل ذلك، بل أحضرت نسعة (سير مضفور) فشدت به السيف على ساعد ابنها، ثم أتت به النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هذا ابني يقاتل عنك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أي بني احمل ههنا، أي بني احمل ههنا، فأصابته جراحة، فصُرع فأُتي به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أي بني لعلك جزعت؟ قال: لا يا رسول الله. (2)

وعندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الخروج إلى تبوك دعا الناس للإنفاق وتجهيز الجيش، فتسابق الصحابة إلى إخراج الكثير والكثير من الأموال وكل ما يحتاجه الجيش، فوجد رجلاً من الأنصار اسمه الحجاب ويكنى أبو عقيل أنه لا يملك شيئًا ينفقه، فماذا يفعل وهو يريد أن يساهم في هذا الجهاد، ويُري الله من نفسه خيرًا؟

فكر وفكر فهداه الله إلى شي عجيب: لقد ذهب وأجَّر نفسه (عمل بالأجرة) عند البعض، وكان العمل هو جر الجرير (الحبل) على ظهره، أما الأُجرة فكانت صاعين من تمر، فترك صاعًا لأهله، وذهب بالآخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: يا رسول الله ما لي من مال غير أني أجرت نفسي من بني فلان، أجُرُ الجرير في عنقي على صاعين من تمر، فتركت صاعًا لعيالي وجئت بصاع أقربه إلى الله تعالى .. (3)

فكان وأمثاله ممن قال الله فيهم {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَاّ جُهْدَهُمْ} [التوبة:79].

ولما نزلت {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا} قال أبو الدحداح: يا رسول الله، إن الله يريد منا القرض؟ قال:«نعم يا أبا الدحداح» قال: أرني يدك، فناوله يده، قال: قد أقرضت ربي حائطي (بستان) - وحائطه فيه ستمائة نخلة - فجاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه وعيالها، فنادى: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: اخرجي فقد أقرضته ربي» (4).

وفي رواية: يا أم الدحداح، اخرجي من الحائط فإني قد بعته بنخلة في الجنة؟

فماذا قالت زوجته؟ هل لامته وعاتبته على فعله؟ هل قالت له: وأين سنذهب، لقد أفقرتنا وأفقرت عيالنا؟!!

لا، لم تقل له ذلك، بل قالت: ربح البيع (5).

وإن تعجب فاعجب من هذا الموقف:

أخرج ابن سعد في طبقاته عن جعفر بن عبد الله أنه لما كان يوم اليمامة واصطف الناس للقتال كان أول الناس جُرح أبو عقيل الأنيفي، رُمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده فَشَطب في غير مقتل، فأخرج السهم ووهن له شقّه الأيسر لما كان فيه، وهذا أول النهار، وجُرَّ إلى الرّحل، فلما حمي القتال وانهزم المسلمون وجازوا رحالهم وأبو عقيل واهن من جُرحه سمع معن بن عدي يصيح بالأنصار: الله الله والكَرَّة على عدوكم.

(1) كيف نتعامل مع القرآن، ص (30).

(2)

كنز العمال 10/ 431.

(3)

الدر المنثور 3/ 472.

(4)

حياة الصحابة 2/ 23.

(5)

المصدر السابق.

ص: 39

قال عبد الله بن عمر: فنهض أبو عقيل يريد قومه، فقلت: ما تريد يا أبا عقيل؟ ما فيك قتال، قال: قد نوّه المنادي باسمي، قال ابن عمر: فقلت: إنما يقول يا للأنصار لا يعني الجرحى، قال أبو عقيل: أنا رجل من الأنصار وأنا أجيبه ولو حبوا.

قال ابن عمر: فتحزّم أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى مجرّدًا ثم جعل ينادي: يا للأنصار كرَّة كيوم حنين. فاجتمعوا رحمهم الله جميعًا- يقدمون المسلمين دُرْبة من دون عدوهم، حتى أقحموا عدوهم الحديقة فاختلطوا واختلفت السيوف بيننا وبينهم.

قال ابن عمر: فنظرت إلى أبي عقيل وقد قُطعت يده المجروحة من المنكب فوقعت الأرض، وبه من الجراح أربعة عشر جُرحًا كلها قد خلصت إلى مقتل، وقتل عدو الله مسيلمة.

قال ابن عمر: فوقعت على أبي عقيل وهو صريع بآخر رمق، فقلت: أبا عقيل، فقال لبيك بلسان مُلْتَاث: لمن الدّبْرة؟ قال: قلت أبشر، ورفعت صوتي، قد قُتل عدو الله، فرفع إصبعه إلى السماء يحمد الله، ومات يرحمه الله (1).

. فماذا تقول بعد ذلك؟!

* * *

(1) طبقات ابن سعد 3/ 362،361.

ص: 40