الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أتأثر ولكن
!!
فإن قلت إنني بالفعل أتأثر بالقرآن ولكني لا أشعر بآثار المعجزة ولا بعلامات دخول النور إلى القلب؟!
نعم، يحدث هذا لنا لأن تأثرنا تأثر وقتي ومحدود وغير متواصل، لذلك، ولكي تصل المعجزة القرآنية إلى قلوبنا فتمدها بتيار الحياة لابد وأن يستمر التأثر ويزداد وقته ويطول أمده يومًا بعد يوم، فتنتقل المشاعر تدريجيًا من كفة الهوى إلى كفة الإيمان، وهكذا حتى نصل لمرحلة غلبة الإيمان على الهوى، وتمكن النور من القلب، ومن ثمَّ تظهر علامات ذلك بسهولة ويسر، وهذا يستدعي منا أن نعطي القرآن الكثير من الأوقات خاصة في البداية، وألا نسمح بمرور يوم دون اللقاء معه، وألا نتعجل قطف الثمرة قبل نضجها. ولنتذكر أن هذا هو فعل الصحابة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمح لهم بالانشغال بقراءة شيء آخر غير القرآن حتى يصفو النتاج وتطيب الثمار.
وقد كان .. فعندما أعطوا القرآن الكثير من أوقاتهم وانشغلوا بتلاوته، وتعاملوا معه على حقيقته ككتاب هداية، وكمعجزة تحيي القلوب أحسن القرآن وفادتهم ورفعهم إلى السماء فكانوا بحق الجيل القرآني الفريد
التربة مهيأة لاستقبال المشروع:
وبعد أن نتذوق حلاوة الإيمان من خلال القرآن، ونشعر بقيمته، ونرى آثار معجزته في أنفسنا، علينا أن نقوم ببث هذه الروح، والتبشير بهذا المشروع في الأمة، ومما يثلج الصدر أن هناك بالفعل جهود مخلصة يتبناها الكثيرون من أبناء المسلمين المخلصين في خدمة القرآن، فالمراكز القرآنية وحلقات التعليم والحفظ، منتشرة في كل مكان.
كل هذه الوسائل وغيرها تجعل التربة مهيأة أكثر من أي وقت مضى لتفعيل مشروع القرآن، فالوعاء موجود، وحب القرآن يملأ القلوب، كل ما في الأمر هو تحويل الوجهة، والتعامل الصحيح مع هذا الكتاب، وهذا بلا شك سيقَابل في البداية باعتراض من البعض الذين تعودوا على خدمة حروف القرآن وألفاظه فقط، ولكن مع إلحاح المخلصين الذين ذاقوا حلاوة الإيمان نتيجة تعاملهم مع القرآن، وعرفوا قيمته الحقيقية من خلال تأثرهم الدائم به، فسيكون هناك حتمًا من يستجيب لهذه الدعوة، وستبدأ المراكز القرآنية في تبني المشروع، ومن ثمَّ تبدأ الثمار اليانعة في الظهور لتكون أكبر دليل على صحة هذا التوجه.
خطوات عملية مقترحة:
بعد أن نرى المعجزة القرآنية، ونشعر بروحها وعلاماتها من انتباه ويقظة، ومن قلة رغبة في الدنيا، ومن تعلق بالآخرة
…
ومع استمرار هذا الشعور معنا، فمن المقترح أن نقوم بهذه الأعمال:
أولاً: أن نقوم بنشر هذا المفهوم الجديد للتعامل مع القرآن لمن حولنا
…
للزوجة والأولاد والأهل والمعارف والأصدقاء، وأن نأخذ بأيديهم حتى يصلوا إلى ما وصلنا إليه، ليقوموا هم بعد ذلك بنشره إلى من حولهم.
ثانيًا: ومن الوسائل المهمة كذلك والتي من شأنها أن تُسرع الخطى نحو انتشار روح القرآن في الأمة: اهتمام المربين بهذا الأمر، ووضعه في برامجهم التربوية، وبخاصة أن القرآن تلاوة وحفظًا وتفسيرًا يحتل مساحة معتبرة في هذه البرامج
…
كل ما هو مطلوب هو زيادة الاهتمام به، وأن يكون الهدف الذي يسعى الجميع إليه هو السعي وراء التأثر، مع القراءة اليومية الطويلة ليتم من خلالها توليد القوة الروحية الدافعة للقيام بالواجبات المختلفة، مع الأخذ في الاعتبار أنه ينبغي على المربين أن يبدأوا بأنفسهم أولاً، فهذا أمر لا يصلح له إلا من عايشه، وعاين المعجزة بنفسه.
ولو قام المربون بذلك، وانتشر مفهوم التعامل الصحيح مع القرآن في المحاضن التربوية فلا تسل عن النتائج المبهرة التي ستحدث، ولا عن الذاتية والإيجابية التي سيثمرها في الأفراد، وسينعكس ذلك على العمل فيزداد النتاج، وتزداد خطوات البناء في مشروع الإصلاح الشامل المتكامل الذي تتبناه الحركة الإسلامية، ويقترب تحقيق الوعد الإلهي {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ - وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ} [القصص:5، 6]
ولقد كان الإمام حسن البنا رحمه الله شديد العناية بالقرآن وبضرورة الانتفاع به كروح ودستور للحياة
…
تأمل معي قوله:
فليس المقصود من القرآن: مجرد التلاوة، أو التماس البركة، وهو مبارك حقًا، ولكن بركته الكبرى في تدبره، وتفهم معانيه ومقاصده، ثم تحقيقها في الأعمال الدينية والدنيوية على السواء، ومن لم يفعل ذلك، أو اكتفى بمجرد التلاوة بغير تدبر ولا عمل، فإنه يُخشى أن يحق عليه الوعيد الذي يرويه البخاري عن حذيفة رضي الله:«يا معشر القراء: استقيموا فقد سبقتم سبقًا بعيدًا، وإن أخذتم يمينًا وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا» (1)، وتحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطير عندما نزلت عليه خواتيم سورة آل عمران فقال:«ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتدبرها» .
ولقد كان حريصًا رحمه الله على أن يدل الناس ويرشدهم للوسائل المعينة على فهم القرآن والتأثر به، وفي ذلك يقول:
واجتهد أن تقرأ القرآن في الصلاة وغيرها على مُكث وتمهل وخشوع وتذلل، وأن تقف على رؤوس الآيات، وتُعطي التلاوة حقها من التجويد والنغمات، من غير تكلف ولا تطريب، أو اشتغال بالألفاظ عن المعاني، مع رفع الصوت المعتدل في التلاوة العادية أو الصلاة الجهرية، فإن ذلك يُعين على الفهم، ويُثير ما غاص من شآبيب الدمع، وما نفع القلب شيء أفضل من تلاوة في تدبر وخشوع (2).
ثالثًا: ومن الوسائل المهمة كذلك في تفعيل هذا المشروع: إقامة مراكز قرآنية نموذجية تهتم بتحقيق المعجزة وتخريج نماذج قرآنية تمشي على الأرض، وإليك أخي القارئ المزيد من التفاصيل حول طبيعة ودور هذه المراكز
…
(1) نظرات في كتاب الله ، ص (88).
(2)
حسن البنا ومنهجه في التفسير /100.