الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالدخول والانتفاع بالقرآن لن يكون إلا بالله، والله عز وجل لن يفتح قلوبنا للقرآن إلا إذا رأى منا رغبة وحرصًا أكيدين على ذلك.
لذلك من أقبل على القرآن يقرؤه بتدبر من باب التجربة ففي الغالب لن يجد الثمرة المرجوة.
إذًا فبداية الحل تكمن في وجود الرغبة والشعور بالاحتياج، وعلينا أن نترجم هذا الشعور بالإلحاح على الله أن يفتح قلوبنا لتلقي غيث القرآن
…
فالدعاء له دور كبير في تيسير هذا الأمر.
ثانيًا: القرآن هو غيث القلوب، ولكي يؤتي ثماره لابد من كثرة تعرض القلب له، والاستمرار على ذلك مدة طويلة، حتى يجد القرآن ثغرة يدخل منها إلى القلب فينبت فيه الإيمان، وشيئًا فشيئًا تزداد الثغرات وينفتح القلب وينشرح
…
لابد إذن من الاستمرارية وعدم اليأس.
ثالثًا: لا ينبغي علينا أن نغفل دور الشيطان، وعمله الدؤوب لصدنا عن الانتفاع بالقرآن، فمن المتوقع أنه سيحشد كل جنوده، ويستخدم كل أساليبه مع كل من يحاول الانتفاع بالقرآن، وستكون الفترة الأولى هي أشد الفترات التي سيحاربنا فيها الشيطان، ومن أبوابه المتوقعة التي سيعمل على أن يدخل منها الوسوسة لنا بمثل هذه الخواطر:«أين الثمرة التي قالوا عنها .. إنه كلام مبالغ فيه» .
ويكفيك في هذا قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} [آل عمران:155] ، فهؤلاء دخل عليهم الشيطان من باب أنهم لا يصلحون للجهاد بسبب ما فعلوه من ذنوب!!!
رابعًا: أفي الله شك؟
لقد أخبرنا الله عز وجل عن دور القرآن المتفرد في التغيير، ولقد رأينا أثره على جيل الصحابة، وبما أن القرآن الذي معنا هو القرآن الذي كان معهم
…
فلماذا التردد .. أقبل يا أخي على القرآن
…
أقبل ولا تخف ولا تتردد.
أعط القرآن الكثير من وقتك .. هيئ قلبك قبل اللقاء به ولو بالتباكي -كحد أدنى- عند القراءة، وكلما وجدت الباب مغلقًا اهرع إلى مولاك وألح عليه في الدعاء حتى يفتح لك ولي أبواب رحمته، ويصل غيث القرآن إلى قلوبنا فيحييها.
خامسًا: وأخيرًا اترك نفسك للقرآن
…
لا تدخل على القرآن دخول من يريد إثبات صحة آرائه وتصوراته .. دع القرآن ينزل على هواك، ولا تدع هواك ينزل على القرآن.
وتذكر وصية أبي الدرداء ونصيحته: اعطوا القرآن خزائمكم فإنه يحمل على القصد والسهولة، ويجنب الجور والحزونة ..
والخزامة هي الحلقة التي توضع في أنف البعير، ثم يُربط فيها الحبل لتنقاد من خلاله
…
فلنترك أمر قيادتنا للقرآن وسنجد الخير الكثير بإذن الله.
السؤال الثالث عشر
مكانة السنة
- أين السنة في مشروع نهضة الأمة؟ وهل ما قيل عن دور القرآن في نهضة الأمة يعني الاكتفاء به وترك السُنَّة؟!
الجواب:
أولاً: السنة صنو القرآن، وشارحة له، ومبينة لما أجمل فيه، وهي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44].
وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه
…
» (1)
فالحديث يدل دلالة واضحة على أهمية السنة وأنها شارحة للقرآن، وأنه لا يجوز لأحد أن يستخرج الأحكام الشرعية من القرآن دون الرجوع للسنة.
ثانيًا: نحن في هذه الصفحات نبحث عن معجزة تجمع الأمة، ويكون من شأنها توليد الدافع الذاتي والقوة الروحية باستمرار، وهذا لا يتوافر إلا في القرآن كما أسلفنا.
(1) صحيح، رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع ح (2643).
نعم، نحتاج للقراءة في السُّنَّة كثيرًا لتأكيد المعاني التي دلت عليها آيات القرآن، وضبط الفهم، وفتح آفاق جديدة للعمل الصالح، وكذلك التعرف على نماذج عملية تطبيقية لآيات القرآن.
ومع ذلك يبقى القرآن هو المصدر المتفرد الذي يولد الطاقة باستمرار، ويُرسِّخ الإيمان.
ثالثًا: القرآن والسنة يشكلان سويًا منهج حياة
…
فالقرآن يضع الدستور والقوانين، والسنة تشرحها، ولكن يقف ضعف الإيمان والعزيمة عائقًا أمام تطبيق القرآن والسنة في واقع الحياة
…
وهنا يظهر دور القرآن المتفرد كمعجزة تغييرية.
ويؤكد الدكتور يوسف القرضاوي على منزلة السنة فيقول:
القرآن الكريم هو الآية العظمى، والمعجزة الكبرى لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهو الكتاب المحفوظ الخالد .. وهو المصدر الأول المقطوع بثبوته من أوله إلى آخره، وبه يحتج على كل مصادر الإسلام وأدلته الأخرى، ولا يستدل بها عليه.
وتأتي السنة النبوية مصدرًا تاليًا للقرآن، مبينًا له، كما قال تعالى لرسوله:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44] ، فالرسول هو المبين للقرآن بقوله وعمله وتقريره.
وبهذا نعلم أن السنة هي التفسير العملي للقرآن، والتطبيق الواقعي - والمثالي أيضًا - للإسلام، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن مفسرًا، والإسلام مجسمًا.
فمن أراد أن يعرف المنهج العملي للإسلام بخصائصه وأركانه، فليعرفه مفصلاً مجسدًا في السنة النبوية القولية والعملية والتقريرية، فكلمة (السنة) تعني: الطريق أو المنهج، وهو تُمثل (الحكمة) النبوية في بيان القرآن، وشرح حقائق الإسلام، وتعليمه للأمة، فقد أنزل الله على رسوله (الكتاب والحكمة)، كما جعل ذلك من شُعب مهمته في تكوين الأمة {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران:164] (1).
* * *
(1) كيف نتعامل مع السنة النبوية ليوسف القرضاوي ، ص 26،25 - بتصرف يسير.