الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: في الصيد بالجوارح
تمهيد:
إن من يسر الشريعة الإسلامية أنها حينما أباحت الصيد للعباد لم تجعل ذلك مقصوراً على الصيد بالآلة فقط بل وسعت الأمر على العباد فأباحت الصيد بعموم الجوارح المكلبة عدا الكلب الأسود لأن النصوص وردت في النهي عن اقتنائه والأمر بقتله والعلة في ذلك كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم أنه شيطان وعندما نقول الكلب الأسود فإننا نعني الكلب الأسود البهيم ليس فيه بياض إطلاقاً. فالحاصل أن الشريعة أباحت للأمة الاصطياد بالجوارح فإن الإنسان قد يعجز عن الاصطياد بالآلة أحياناًفرخص الله لعباده الاصطياد بها.
المسألة الأولى: في أدلة الاصطياد بالجوارح:
جاءت نصوص الكتاب والسنة تدل على جواز الاصطياد بها فمن الكتاب قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ
اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} 1.
فدلت الآية على إباحة الصيد بالكلاب المعلمة شريطة التسمية عند إرسالها.
أما السنة فكثيرة نذكر منها:
حديث عدي بن حاتم وفيه: " قلت يا رسول الله إنا نرسل الكلاب المعلمة قال: كل ما أمسكن عليك، قلت: وإن قتلن قال وإن قتلن " متفق عليه 2.
المسألة الثانية: هل الحكم بإباحة صيد الجارحة مقصور على الكلاب؟.
هذه المسألة على قولين عند أهل العلم منهم من قصرها على الكلاب ومنهم من جعل الحكم عاماًفي كل ما علم من الجوارح سواء كان كلبا أو طيراً أو فهداً أو أسداً وهذا هو قول جمهور أهل العلم وهو الصحيح 3.
1 سورة المائدة آية (4) .
2 رواه البخاري (7/74) كتاب الصيد ورواه مسلم (6/56) كتاب الصيد.
3 انظر المغني لابن قدامة مع الشرح الكبير (11/10) .
المسألة الثالثة: الشروط التي يجب توافرهاعند الصيد بالجارحة:
الشرط الاول:
1.
أن تكون الجارحة معلمة لأدلة الكتاب والسنة الوارده في اشتراط ذلك فإن أرسل كلباً غير معلم فاصطاد له فهنا إن أدرك ذكاته فذكّاه صار حلالاً وإن لم يدرك ذكاته فلا يحل له بخلاف المعلم فإنه مذكّى إن قتله.
2.
ولكنْ هناك سؤال كيف أعرف أن الجارحة معلمة؟ نقول يمكنك معرفة ذلك بثلاثة أمور:
أ- إذا أرسلته استرسل ومعناه أن الإنسان يغري هذه الجارحة بهذا الصيد ويأمرها بصيده فإذا دعاه لذلك هاج واندفع نحوالمصاد لاصطياده فإن استرسل دون أمر صاحبه لا يعد معلماً.
ب- إذا زجره انزجر. والمعنى أنه إذا دعاه بالكف عن المصيد امتثل أمره بالكف عنه فهذا دليل على تعلمه.
جـ- أنه إذا أمسك الصيد فلا يأكل منه وسوف نقوم ببيانه إن شاء الله.
سؤال:
ولكن هنا أيضاً سؤال إذا كان الكلب أو الجارحة المعلمة قد قام بتعليمها من هم ليسوا من أهل التذكية كأن تكون جاءت من بلاد وثنية أو كان الذي علمه وثني في ديار المسلمين هل يصح الصيد به؟.
اختلف الفقهاء في هذه المسألة وأصح الأقوال فيها جواز الاصطياد به فلا يشترط في تعليم الجارحة أن يكون المعلم مسلماً فما دام الكلب معلماً صح الاصطياد به.
الشرط الثاني: أن لا يأكل من المصيد عند إمساكه.
وهذا الشرط محل خلاف بين أهل العلم وأصح الأقوال في ذلك التفصيل وهو:
إذا أكل الجارح من الصيدحال اصطياده فإنه لا يحل لكونه أمسك لنفسه.
أما إذا صاده وجاء به لصاحبه فأعطاه إياه ثم أكل منه بعد أن صاده فهذا لا يحرم لأنه أمسكه لصاحبه.
الشرط الثالث:
التسمية عند إرسال الجارحة:
وهذا الشرط تكلمنا عنه عند كلامنا عن الأحكام المتعلقة بالصائد فليراجع.
المسألة الرابعة: إذا شرب الكلب من دم الصيد ولم يأكل منه فهل يحل الصيد عندئذ؟.
هذه المسألة محل خلاف عند أهل العلم والصحيح أن شرب الكلب من دم الصيد لا يجعله حراماً بل هو حلال على صاحبه وذلك لأن شرب الدم ليس فيه معنى الأكل ولأن الأدلة التي جاءت إنما وردت في الأكل فأصبح الحكم مقصوراً على ذلك.
المسألة الخامسة: هل يشترط خروج الدم عند إمساك الجارح للمصيد؟ .
هذه المسألة فيها تفصيل:
أولاً: إن أمسك الجارح بالصيد فأتى به حياً إلى صاحبه دون إحداث أي جرح فيه فهنا يقوم صاحبه بتذكيته.
ثانياً: أن يمسكه وقد أخرج منه الدم ثم مات فهنا يحل بلا خلاف.
ثالثاً: أن يمسكه فيقتله بخنق ونحوه ولم يخرج منه دم إنما لم يصبه بجرح.
فهذا محل خلاف بين أهل العلم وأصح الأقوال في ذلك أنه لا يحل لاشتراط إنهار الدم في المصيد لقوله صلى الله عليه وسلم: " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل "1.
المسألة السادسة: في حكم اقتناء الكلاب:
إن من المؤسف جداً أن نرى الكثير من أبناء الأمة الإسلامية يسيرون خلف أمم الضلال والكفر حذو القذة بالقذة فقد رأينا الكثير من أبناء هذه الأمة شباباً وفتيات يحملون على صدورهم أنواعاً من الكلاب وهو وإن كان غير موجود في بلادنا لكنه موجود في بلاد إسلامية أخرى، غير أنني رأيت بعض شبابنا هداهم الله يمسكون بالكلاب ويفتخرون بها هذا كله جرياً وراء دول الغرب الكافرة التي لا تعرف من المنكر والمعروف شيئا ولهذا أحذر شبابنا من الجري وراء هذه الحضارة المزعومة الزائفة فإنها تورث الإنسان الذلة والمهانة ولخطورة هذا الأمر نوضح هنا حكم اقتناء هذه الكلاب مع بيان شروط الاقتناء:
أولا ً: ما جاء في السنة من تحريم اتخاذ الكلاب إلا لصيد أو ماشية أو زرع.
1 أخرجه البخاري في كتاب الذبائح (7/81) .
1.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان " وفي رواية قيراط 1.
2.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أمسك كلباً فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط إلا كلب حرث أو ماشية " وفي رواية لمسلم: " من اقتنى كلباً ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم "2.
3.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس "3.
وبالنظر إلى هذه النصوص النبوية يتبين لنا أنه لا يجوز اقتناء الكلاب إلا بشرطين:
الأول: إما أن يكون بغرض الاصطياد به.
1 البخاري (9/525) مسلم (1574) .
2 البخاري (9/504) مسلم (1575) .
3 مسلم (2113) .
الثاني: أو لحراثة بيت أو زرع أو ماشية لكن يراعى عند اقتنائه للحراسة اجتناب الألفاظ الشركية المنهي عنها كقول بعض الناس لولا الكلب في الدار لسرق اللص البيت أو قولهم لولا الكلب لضلت الماشية ونحوه.
المسألة السابعة: في حكم ثمن الكلب:
بيع الكلب لا يجوز كما جاء في صحيح البخارى عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن.
فثمن الكلب محرم لكن استثنى بعض أهل العلم الكلب المعلم للصيد وهو الصحيح ويكون الثمن من أجل التعليم فقط.
المسألة الثامنة: حكم اقتناء الكلاب المعلمة لاكتشاف المجرمين كحاملى المخدرات وغيرها؟ .
يجوز اقتناء الكلاب المعلمة لاكتشاف المجرمين وحاملي المخدرات وغيرها وشراؤها لذلك ويكون الثمن كما ذكرناه آنفاً من أجل التعليم فقط لا من أجل الكلب. لكن هناك تنبيه وهو أنه عند استخدام هذا النوع من الكلاب يجب أن لا يكون التعويل عند الإمساك بالمجرمين عليه وإنما هو وسيلة فقط لاكتشافهم
فإذا أمسك أحداً فلا بد من إقراره أو وجود البينة الدالة على اتهامه.
المسألة التاسعة: في حكم ناب الكلب هل ينجس موضع نابه أم هو طاهر؟ .
اختلف الفقهاء في هذه المسألة فمنهم من قال بأن موضع الكلب في الصيد نجس يجب غسله وقال بعضهم إنه طاهر لا يحتاج إلى غسل وهذا هو الصحيح وهو اختيار شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله فقد قال: (وأيضاً فإن لعاب الكلب إذا أصاب الصيد لم يجب غسله في أظهر قولي العلماء وهو إحدى الروايتين عن أحمد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحداً بغسل ذلك فقد عفي عن لعاب الكلب في موضع الحاجة وأمر بغسله في غير موضع الحاجة فدل على أن الشارع راعى مصلحة الخلق وحاجاتهم)1.
تنبيه:
هذا الحكم خاص بكلب الصيد المعلم وما عداه من الكلاب يبقى حكم نجاسة لعابها.
1 مجموع فتاوي شيخ الإسلام (21/620) .
المسألة العاشرة: فيما إذا وجدت جارحاً مع جارحك المعلم:
ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه متى خالط الجارح المعلم غيره مما ليس معلماً في إمساك الصيد فإنه لا يحل وهو الصحيح وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "
…
وإن وجدت مع كلبك أو كلابك كلباً غيره فخشيت أن يكون أخذه معه وقد قتله فلا تأكل فإنما ذكرت اسم الله على كلبك ولم تذكره على غيره " 1.
لكن هذا الحكم مقصور على ما إذا قتلاه لكن إذا أمسكا به دون أن يقتلاه فإنه إن أدركه حيا ذكاه وإلا فلا لما ذكرناه من الدليل السابق.
المسألة الحادية عشرة: حكم الصيد بالكلب المغصوب:
من سرق كلباً معلماً أو ما يقوم مقامه من الطيور المعلمة فصاد به فالأ صح أن الصيد للصائد ولا شيء على صاحبه لكنه يأثم بسرقته، فالصيد هنا حلال للغاصب لا يحل له الأكل منه (للمغصوب منه) .
1 مختصر صحيح البخاري للزبيدي برقم (1915) .